الفصل الثالث

فاتحة الكلام

وكان الثلج قد أخذ يكسو أعالي الأشجار ببياضه الناصع بعد أن أخذت يد الشتاء في تجريدها، وأصبح الهواء في الأماكن السافلة والمواقع المنخفضة أقل رطوبةً وأخف بردًا منه في الأماكن المرتفعة والجبال العالية؛ فانصرفت عن النزهة في الجبال هربًا من بردها إلى ركوب متن البحيرة طمعًا في دفئها وحرارة هوائها، فكنت أصرف بياض أيامي في الزوارق بين نُوتِيَّتها حتى صارت بيني وبينهم ألفة شديدة. وكانت الفتاة الغريبة قد شعرت بالذي شعرت من برد الهواء، فمالت إلى الذي ملت إليه من ركوب الزوارق ونزهة الماء.

فبينما هي ذات يوم في زورق لزيارة قرية على أحد شواطئ البحيرة وقد توسطت اللُّجَّة، عصفت الرياح وثارت الأنواء وأَرْغَى الماء وأَزْبَد فصار يتلاعب بالزورق كما تتلاعب العواصف بالريشة الطائرة، وقد تعذر الرجوع وعظم الخطر وساقني الاتفاق إلى ركوب زورق حتى صرت على مقربة منها، فبصرت بقاربها تعبث به الأمواج وقد أحدق به الهلاك من كل جانب، فأمرت نُوتِيَّتي باقتحام الخطر ومصادمة الأمواج، فنشروا الشراع وأعملوا في التَّجْذِيف جهدَ المستبسل المستميت، فسار بنا الزورق كأنه السهم مَرَق عن قوسه يشُقُّ عُبَاب الماء حتى يكاد لا يمسه، والأنواء تدفع زورقها أمامنا فلا يكاد يظهر شراعه حتى تحجبه جبال الأمواج، إلى أن أدركناه وقد بلغ الشاطئ المقصود من البحيرة وركبه في سلامة وأمان.

فلما دنونا منه ألقينا بأنفسنا في الماء، وصرنا نخوضه بالقدم حتى وصلنا إلى نوتِيَّته وهم يشيرون إلينا بالأيدي ويصيحون كالمستغيث، ثم نظرنا إلى الزورق وإذا بالفتاة مغشيًّا عليها فيه وهي فاقدة الحس والحركة وقد بيَّضت أثوابها رغوة البحيرة وزَبَد الأمواج، وكان شعرها يتموج على عنقها وكتفيها كأنه جناح الغراب ووجهها ساكن الحركة منبسط الأعضاء كأنها في سبات النوم، حتى ظننت أن آخر نسمة من نسمات حياتها قد نقشت على وجهها آخر آيات الجمال أثرًا للفراق وذكرى للوداع، وخلتُ أنني لم أرَها في جمال كالذي رأيتُه عليها في تلك الحال، وقلت في نفسي: أتُرى كان تمام هذا الجمال موقوفًا على تمام تلك الحياة، أم أراد الله ألا يترك لي منها إلا أبهى صورها أثرًا يتردد في قلبي مدى العمر وتعاقب الأيام؟!

ثم أسرعنا جميعًا إلى الزورق لنرفعها من ذلك المهد المُزْبِد إلى إحدى الصخور، وتلمَّستُ قلبها بيدي لأُحس خَفَقَانه فشعرت كأنني لمست بها صدر تمثال رخام عليه كرتان من العاج، ثم وضعت أذني على شفتيها فكأنني وضعتها على شفتي طفل نائم فوجدت خفقان قلبها شديدًا ولكن بغير انتظام وأنفاسها متقطِّعة فاترة، فعلمت أنها في إغماء طويل على أثر الخوف وبرد الماء فاستعنت بأحد النُّوتية على رفعها وهي أشبه بالأموات، وسرنا بها إلى بيت حقير لأحد الصيادين على ذلك الشاطئ ليس فيه إلا قاعة ضيقة مظلمة قد سودها الدخان ولا أثاث فيها إلا مائدة عليها آثار الطعام، يُصعَد منها بسُلَّم من خشب إلى غرفة دانية السقف ينيرها مصباح بغير زجاجة ولها نافذة تطل على البحيرة وقد نُصبت فيها ثلاثة أَسرَّة لأهل المنزل فوضعنا الفتاة على أحدها، وقامت نساء المنزل بتغيير ثيابها وقد حاولن مرارًا أن يسقينها شيئًا من الخمر فما أمكن، حتى إذا تحققن خيبة المسعى أخذن في البكاء والعويل وهن يقلن: لم يعد لها إلا الرثاء والدفن.

فصعِدت السلم مسرعًا وأنا طائر اللُّبِّ من الجَزَع، ودخلت الغرفة فوضعت يدي على جبهة الفتاة فوجدتها كأنها تلتهب نارًا، ثم أصغيت إلى أنفاسها فوجدتها تختلج في صدرها متقطعة فترفعه ثم تهبط به على حسب ترددها فيه، فأُسكتُّ النساء المُعْوِلات ثم سألت عن طبيب فقيل لي إنه غير بعيد، فدفعت دينارًا إلى أحد النوتية وأرسلته في طلبه.

فجلس رجال الزورق إلى ناحيةٍ مطمئنين على بقائها، وتشاغلت نساء المنزل بإحضار الطعام، وجلست أنا إلى جانب السرير عند قدميها وأنا شاخص في وجهها الساكن وأجفانها المطبَقة، وكان الليل قد أقبل وأُنيرت الغرفة بمصباح خامد يُلقي شعاعه الضعيف على محيَّاها الأصفر كأنه شعاع الشمعة على وجوه الأموات، فلبثت على حالتي تلك جامد النظر في وجهها عدة ساعات وأنا كأنني معلَّق بين الحِمام والغرام؛ لأنني لم أكن أعلم هل هذا الجمال الساطع أمامي يكون لي سبب كَدَر وحزن دائم تعده لي تلك الليلة أم أثرًا لغرام ينشأ في قلبي منه عند إفاقتها من الإغماء.

وكانت حركة النوم قد أزاحت فضل غطائها عن إحدى كتفيها، فظهر من تحته معصم كالعاج الصافي وكفٌّ مُوَرَّدةُ البنان قد التفَّ عليها شعرها، فَلَاحَ من خلاله بريق حجر من الياقوت في إحدى أصابعها يحاكي وميض البرق في الليلة الدلماء، وما زلت كذلك حتى صاح الديك مبشرًا بالصباح فقامت النساء وخرجن من الغرفة ساكنات إلى أعمالهن وبقيت وحدي.

وكان نور الصباح قد أخذ ينبعث من زجاج النافذة، فقمت وفتحته على أمل أن نسيمات الصباح أو طلائع شعاع الشمس التي تُنبِّه كل حي في الطبيعة تنبه لي تلك الحياة المغمى عليها بعد أن كنت أشتهي أن أنبهها ولو بنسمة حياتي، فهبَّ الهواء باردًا وانتشر في المكان حتى أطفأ مصباحه إلا أن الفتاة بقيت على حالها لا تتحرك، ثم سمعت النساء يصلين تحت النافذة قبل أن يبدأن في أعمالهن، فخطر لي أن أصلي لأني وجدت الصلاة آخر ملجأ يَنْزَع إليه ضعيفٌ يئِس من معونة الناس فصار في حاجة إلى قوة فوق قدرة الإنسان فأقبل يلتمسها فلم يجد غير معونة الله، فركعت إلى جانب السرير وضممت يدي عليه وشخصت بأبصاري إلى وجه الفتاة، وأخذت في صلاة طويلة حتى بكيت فسالت دموعي حتى ملأت عيني وحالت بين نظري وبين من كنت أدعو لها الله.

ثم طال عليَّ الأمد وأنا على حالتي تلك لا أشعر بطول الساعات، ولا أجد ألم ركبتي على البلاط لاستغراق نفسي في الذي كنت آخذًا فيه. ثم ضايقت الدموع أجفاني فرددت يدي لأمسحها، فشعرت بيد لمستني ثم أُلقيت على رأسي كأنها تفرق شعري عن جبيني، فشهقت شهقة المستفيق ونظرت فرأيت الفتاة قد انفتحت مقلتاها وانفرجت شفتاها للتنفس والابتسام ومدَّت يدها إليَّ لتصافحني، ثم قالت: أحمدك اللهم، فقد وجدتُ لي أخًا!

وكانت كأن برد الصباح قد أيقظها وأنا في تلك الصلاة غارق الوجه في شعري ودموعي إلى جانب سريرها، وكأن الوقت انفسح لها ريثما تبينت شدة صلاتي وتأملت في تقاطيع وجهي، ثم وجدت نفسها منقطعة عن كل مُعين وناصر وليس أمامها إلا فتى يدعو لها دعاء الأخ ويبكي لمُصابها بكاء الشقيق، فأثر فيها ذلك المنظر حتى توهمت أنها في موقف إخاء فقالت ما قالت وهي لا تفقه ما تقول. فأخذت يدها بيدي وأزلتها برفق عن جبيني كأنني غير أهل لأن تُمَدَّ إليَّ، ثم قلت لها مستنكرًا: أخٌ يا سيدتي! لا والله بل عبد لجمالك، بل خيال لقدميك، لا يلتمس منك إلا السماح له بذكرى هذه الليلة، وحفظ هذه الصورة على صفحات قلب يحب أن يتبعها إلى الموت أو يحتمل ببقائها وِقْر الحياة.

وكانت هذه الكلمات تخرج متقطِّعة من فمي كتقطُّع أنفاسي، وتورُّدُ ماء الحياة يجول في وجنتيها كما يجول احمرار الشَّفَق في أديم الغيوم البيضاء، ثم لاحت على شفتيها ابتسامة حسبت أنها تباشير السعادة تلوح أمامي كأن كلامي لها قد أصاب ما في نفسها مني، وما أحسب أن الانتقال من الموت إلى الحياة ومن الحلم إلى الحقيقة يكون أسرع ظهورًا وأقرب حصولًا منه على تلك الفتاة، حتى لقد خلت أن الاندهاش والنحول والنشوة والراحة والحياء والدلال والجمال قد ارتسمت كلها دفعة واحدة على ذلك الوجه الجميل الذي زانته اليقظة وورَّده الشباب، وأن أنوار محيَّاها كانت تضيء ذلك المكان بأكثر مما تضيئه أنوار الصباح، وأن في جمالها وسكوتها معاني غرام توحيها إليَّ بما لا تحويه عبارة ولا تحكيه سطور، فعلمت عند ذلك أن في الجبين لغة تقرؤها العيون، وأن في وجه الشباب أوتار أعواد يحركها الغرام بلحظة من لحظاته فترن في القلوب رنات لا تؤولها كلمات في لغة من لغات الدنيا على الإطلاق.

ورأيت أن في ثيابي التي كانت لا تزال مبللة وفي تفرق شعري من كثرة ما مررت عليه بيدي سوادَ ذلك الليل، وفي تقرُّح عيني وشحوب وجهي وشدة لهفتي وحُنُوِّي وسروري واندهاشي ووقفتي في وسط تلك الغرفة لا أخطو من مكاني كأنني أخشى أن أكدِّر ذلك الموقف وانعكاس نور الشمس عما كان لا يزال عالقًا بأهدابي من دمع أجفاني؛ ما كان يُلقي على وجهي آثار انعطاف تشفُّ عن غرام هيهات أن تجده تلك الفتاة في وجه إنسان سواي.

ولما لم أعد أقدر على احتمال ذلك السكوت، ناديت نساء المنزل فصِحْن مندهشات من إفاقتها حتى كدن يحسَبْنها من العجائب، ثم لم يلبثن حتى دخل الطبيب على آثارهن فأمر المريضة بالراحة وأن تشرب عصارة بعض أعشاب تنبت في تلك الجبال بعد أن قال أن لا خوف عليها ولا خطر، فانبعث صبيان المنزل في طلب تلك الأعشاب من منابتها. وتركت القوم في أعمالهم وخرجت أطلب الوحدة في تلك الجبال، فكنت أشبه برجل تخلص من حمل ثقيل فصار يتنهد ملء أنفاسه ويسير متجانفًا ذات اليمين وذات الشمال وهو فاتح فمه كأنه يريد أن يعي هواء الفضاء في رئتيه، ولم يكن ذلك الحمل الذي أنقضني سوى وِقْر قلبي وقد وهبته لسواي فخفَّت مئونته عني واستعضت الحياة مكانه.

ولا بدع في ذلك فإن الرجل إنما ولد للحب، حتى لا يجد نفسه رجلًا إلا متى امتلأ قلبه منه، فهو لا يزال دائب السعي حزينًا قلقًا تائه الأفكار حتى يعشق فيستريح من سعيه ويقف في مكانه وقد سالمته الأيام وعرف ما هو نصيبه من المقدور.

فجلست إلى شاطئ البحيرة على صخور هناك، وسرحت طرفي في زرقة ذلك الماء وقد تشابه لونه ولون السماء حتى لم أعد أقدر أن أميز أين يلتقيان، وحتى حسبت نفسي قد طارت منى فأخذت تسبح بين الأزرقين وأنا غارق القلب في السرور أبعدَ غورًا من لُجَّة ذلك الماء وأقصى مدًى من تناهي ذلك الفضاء لا أقدر أن أصوره لنفسي على صفحات الوهم، فكيف أصوره لغيري على صفحات القرطاس؟! ولم أجد له مثلًا إلا مثل الروح الخفي تشعر به النفس ولا يقدر أن يفصح عنه اللسان، وأقسم أني لو مرَّ عليَّ في حالتي تلك ألوف من السنين ثم انتبهت لرأيت أنه لم يمرَّ عليَّ أكثر من ثانية أو لحظة عين، وقد علمت من ذلك كيف يكون الخلود قصير المدى على أنفس الخالدين، وكيف قال داود في زبوره:

ألف سنة في عينيك يا رب مثل يوم أمس الذي عبر.

ثم انتبهت إلى ذلك السرور فوجدته أعظم من أن يوصف، وأوحد من أن يُجزِّئه فكرٌ أو تقسِّمه كلمات، ثم هو مع ذلك لم يكن ناشئًا عن جمال تلك المحبوبة لأني لم أتصور جمالها إلا يغشاه اصفرار الموت فيحول بيني وبينه، ولا عن ازْدِهاء بأني محبوبها لأني لم أكن أعلم هل أثرت فيها أم كنت لديها كالخيال في الحلم يذهب بانقضائه، ولا عن أمل أن أتمتع بمحاسنها لأني كنت أُجلُّها عن أن أنزل بها إلى مثل ذلك ولو بخَطَرات الأفكار، ولا عن طمع بأن أصل أيامها بأيامي وأجعلها من نصيبي؛ لأني كنت أعلم أنها نصيب سواي، ولا عن رجاء بأن أراها أو أتبع آثارها؛ لأني لم أكن مطلق التصرف بنفسي بأكثر مما كانت مطلقة بنفسها إلى أمد لا تلبث أن تعود بعده إلى موطنها فتفرق بيننا الأيام، ولا عن يقين بأنها تهواني؛ لأني لم أكن أعرف من قلبها شيئًا سوى ما سمعته من كلمة ذلك الإخاء وعرفان الجميل … ولكنه كان ناشئًا عن انعطاف طاهر أدبي هو الراحة من بحث طويل عن ضالَّة غرام كان ينشدها قلبي فلا يلقاها حتى وجدها، فأصبح لاحقًا بها معلقًا على آثارها مستريحًا من سعيه لديها كالحديدة التي يجذبها المغناطيس فلا تزال تتحرك وتضطرب حتى تنجذب إليه، فإذا لصقت به سكنت واطمأنت، أو كالنفَس الذي لا يزال يتغلغل في الصدر ويلتمس الخروج حتى يفارق الشفتين فيتخلل الهواءَ ويتلاشى فيه.

ومن الغريب أنني لم أكن أشتاق إلى أن أراها أو أسمع صوتها أو أدنو منها أو أحادثها، وما ذلك إلا لأنني رأيتها فوعيتها في قلبي فلم يعد أحد يقدر أن ينزع صورتها منى، وسواء عليَّ قربت أو بعدت وحضرت أو غابت ما دامت ساكنة في قلبي وداخلة في نفسي، وقد قيل:

ما للنَّوى ذنبٌ ومن أهوى معي
إنْ غاب عن إنسان عيني فهو فيّْ

وإنما كان ذلك لأن الحب متى بلغ تمامه واستتم كماله كان صبرًا في قلب صاحبه؛ لأنه يكون فيه بمنزلة الأبد السرمد، ومن شأن الأبد الانتظار والصبر لأنه لا نهاية له، وهيهات أن ينزعه شيء من قلبي إلا إذا نزع قلبي معه؛ إذ قد وجدت صاحبته لي ألزم من النور للعين عند انفتاحها، ومن الهواء للصدر عند تنفسه، ومن الفكر للنفس عند اشتغالها، وحتى صرت أراهن العالم على أن ينتزعها مني إذا كان ذلك في إمكانه، وكل ذلك لأنني كنت قد رأيتها فأحببتها وكفى. وما عسى أن يهمني بعد ذلك إذا كانت تحبني أو تمر أمامي ولا تراني وأنا قد أَحْدقَ بي جمالها حتى تسربلت بشعاعه فلم تعد هي نفسها تقدر أن تسترد بهاءها مني إلا إذا كانت الشمس تقدر أن تسترد ضياءها بعد انبعاثه، وحتى استوت حالات قلبي فلم يعد فيه برد ولا ظلام ولو عشت ألف سنة؛ لأنها تظل مشرقة فيه كما كانت مشرقة في تلك الليلة؟

وكانت تلك الأفكار تزيد حبي ثباتًا وسكونًا واتساعًا ونشوة سرور لا توصف، فجعلت أنفق الساعات لا أحسبها على ثقة بأن أمامي ساعات لا نهاية لها، وأن كل ساعة منها تزيدني وجدًا وغرامًا حتى لو غبت عمن أحبها قرنًا كاملًا ما أنقص ذلك القرن ذرة من ودادي، فكنت أذهب وأرجع وأقعد وأقوم وأجري وأمشي وأنا لا أكاد أمس الأرض كأنني الخيال الساري من شدة ما استطارني من السرور، ثم كنت أفتح ذراعيَّ للهواء والبحيرة والنور كأنني أريد أن أعانق الطبيعة لأشكرها على إنعامها عليَّ بمخلوقة جمعت فيها كل أسرارها ومحاسنها وحياتها وسرورها، وأركع على الحجارة والصخور الجاسية وأنا لا أشعر بها، أو على شفا الوديان العميقة وأنا لا أراها، وأصيح بكلام متقطع لا معنى له تضيع نبراته في هدير أمواج البحيرة، وأمدُّ بصري إلى السماء بنظرات بعيدة المرمى كأنني أريد أن أخترق بها حجب الجلد لأرى من ورائها صورة الله فأشكره على إنعامه.

وبالجملة فإنني لم أعد إنسانًا بل صرت نسمة حية صارخة منشدة داعية مناجية شاكرة عابدة، وقلبًا طروبًا ونفسًا طائرة تقود على شفا تلك اللجج جسمًا لا تشعر بهَيُولاه ولا تحسب له وقتًا ولا مدًى، ولا مماتًا ولا دينًا ولا آخرة.

ولم أكد أشعر بانقضاء ساعات النهار حتى أدركتني حرارة الشمس ساعة زوالها وبلوغها كبد السماء، فنزلت بين أشجار الغابات أتخطى من صخر إلى صخر ومن جذع إلى جذع وقلبي يخفق خَفَقَانًا خفت أن يشق صدري من شدته حتى دنوت من المنزل، فبصرت بها جالسة إلى جدار في الحديقة وفي يدها كتاب تقرأ فيه حينًا ثم تلاعب من حولها من صغار الأولاد عند مللها منه، فلما رأتني مقبلًا استوفزت للقيام كأنها تريد أن تلاقيني فجرَّأني ذلك على الدنوِّ منها، فدنوت وأنا أرى حمرة الخجل تصبغ خديها وشفتيها تتحركان كأن لسانها يتلجلج بما يريد بيانه، فزادني ذلك منها هيبةً وحياءً، فوقفت أمامها ونحن مرتبكان حائران لا ندري ما نقول حتى أشارت إليَّ بأن أجلس إلى جانبها في مكان خلتُ أنها أعدته لي فجلست على بُعدٍ إجلالًا لها.

وعاد السكوت بيننا إلى مجراه وأنا أرى أن كلًّا منا يحاول أن يجد كلامًا هو حيلة المتكلم في مثل تلك الحال فلا يجد — أو لا يجْسُر — فيقف الكلام على شفتيه، حتى طال بنا الأمر وامتد علينا السكوت، فرفع كل منا عينيه من الإطراق فصادف عيني صاحبه تحدقان إليه، ثم تعاقد النظر فجعلت أنظر إليها وتنظر إلي وقد بهت كل منا في وجه ناظره حتى جالت الدموع في أعيننا معًا، فرددنا أيدينا إليها سترًا لها بل سترًا لما انبعث عنه، وظللنا كذلك برهة لم أعلم مقدارها حتى انتبهت لصوتها وهي تقول لي بلهجة تمازجها بعض الحدة كمن فرغ صبره: أتبكي عليَّ وأدعوك بأخي وتدعوني بأختك ثم لا نجسر على الكلام؟! ألا تدري أن دمعة حنوٍّ من قلب غريب لأعظم ثمنًا من حياتي وأبعد أمدًا من آمالي؟! ثم أردفت بصوت كصوت اللائم: أتُراني صرت غريبة عنك من حين لم أعد في حاجة إلى اعتنائك؟! ثم قالت: أما أنا فلم أعرف منك سوى اسمك ووجهك، ولكنني عرفت بذلك كل دخائل نفسك حتى لا تزيدني السنون بها علمًا.

فأجبتها: أما أنا فلا أريد أن أعرف من أمرك شيئًا سوى ما علمته من أنك حاضرة لديَّ، وأنك قد سمحت بأن أنظر إليك في حضورك وأذكر جمالك في غيابك.

فقالت: قف ولا تبالغ في تعظيم حياة تشتهي ساعة انقضائها، بل تعرَّفني كما أنا، امرأة بائسة تموت في يأسها ووحدتها، وليس لها من هذه الحياة الدنيا إلا بعض شفقة وحنوٍّ كما ستعرف ذلك حين تعرف من أنا، ولكني أسألك عن شيء أثَّر بي منك من يوم رأيتك في الحديقة، وهو ما بالي أراك وأنت في زهرة الشباب وعنفوان العمر وحيدًا حزينًا كما أنت الآن؟ ولماذا تبتعد عن الناس جهدَك إما شاردًا في الجبال أو راكبًا متن البحيرة أو محتبَسًا في حجرتك لا يكاد مصباحك ينطفئ منها كما قيل لي؟ أتُراك ذا سر خفي لا تبثه لسوى الوحدة والانفراد؟

فأجبتها: ليس لي سر سوى أن لا سرَّ لي، وإنما ذلك وِقْر قلب لا يكاد يخففه سرور من صدري، وإنني بعد أن سلَّمت هذا القلب مرارًا إلى من لم يكن أهلًا له اضطُرِرت إلى استرجاعه بحزن وأسف جعلاني أخاف من الحب وتضعف عزيمتي فيه وأنا في مقتبل هذا الشباب. ثم جعلت أقص عليها ما لم أكن أذكره لغير الله من كل ما يهم إيراده من تاريخ حياتي، كولادتي من أواسط الناس وأن أبي كان رجلًا جنديًّا، وأمي امرأة هذبتها المعارف والعلوم، وأخواتي فتيات ساذَجات عابدات، وأنني نشأت في يد الطبيعة بين غلمان الجبال والرغبة في الدرس والمطالعة، وأسفاري، وحوادث حبي الماضية، وخيانة الأيام لي بالسلام عند دخولي في الجندية وخروجي منها، ومسيري على غير هدى وعودتي إلى بيت أبي قانطًا من الدنيا راغبًا في الموت كارهًا كل شيء كأنني شيخ أنقضت ظهره السنون وأنا لم أتجاوز الرابعة والعشرين من عمري.

وكنت أقصُّ عليها حوادث دهري المحزنة ونكبات أيامي السوداء وأنا في غبطة وسرور من ذكراها؛ لأنني لم أعد أنظر إليها ولا أشعر بها، وقد كفتني نظرة ممن أخاطبها لأن تنزع مني كل ما مرَّ عليَّ، بحيث كنت أتكلم عن نفسي كمن يتكلم عن فقيد؛ لأني شعرت أن حياتي قد تجددت وأنني قد تجليت في رجل جديد.

ولما فرغت من كلامي رفعت بصري إليها كمن ينظر إلى قاضيه لسماع حكمه عليه، فوجدتها صفراء الوجه راجفة الأعضاء، ثم قالت: يا رب، كم أثرت بي! فقلت لها في ذلك، فقالت: لو لم تقل لي إنك تعيس عاثر البخت لكان سرور كل منا بأخيه أقل مما هو الآن؛ إذ لا يُنتظر منه أن يرثي لمصابه، ولكنت فارقت هذه الحياة الدنيا وأنا لا أرى خيال نفسي إلا في مرآتي، فإن ما قصصته عليَّ إنما هو تاريخ حياتي أسمعه من فيك، ولا فرق بيننا سوى أنك لا تزال في فاتحة عمرك وأنا …

فصحتُ بها مقاطعًا: لا، لا. ثم وضعت شفتيَّ على قدميها وضغطت بيديَّ عليهما كأنني أريد أن أثبتها على الأرض، وقلت: لا تنتهي حياتك أو تنتهي بحياتين. وكأنني قد خجلت من تسرعي فيما قد أتيته من تقبيل قدميها وقولي لها، فلبثت في مكاني كالمصعوق لا أجسُر أن أرفع بصري إليها، فقالت لي: قم، ولا تعبد غبارًا أدنى من غبارٍ تدوسه بقدميك ثم تذرُوه الرياح، ولا تغرَّنَّك هذه الفتاة البائسة الواقفة أمامك، فإنما هي خيال الشباب وخيال الجمال وخيال الغرام الذي لا يبقى له أثر سوى ذكراه، واحفظ فؤادك لمن كُتبت لهن الحياة، ولا تَهَبْني سوى ما توهب الأموات من يد تسندهم في مسيرهم إلى ظلمة القبر ودمعة تبكي بعدهم عليه.

وكانت لهجتها حزينة كئيبة رنَّت في أعماق قلبي فشَخَصْت ببصري إليها فرأيت شعاع الشمس عند مغيبها ينعكس عن وجهها فيضاعف أنواره كأنه ينعكس عن مرآة، فقلت في نفسي: كيف يستتر الموت تحت هذه الحياة الناضرة؟! ولكن ماذا يهمني منها إذا كانت هي الموت فإنما أنا أعشق الموت وإياه أحب، ولعل الحب الشديد الذي وجدته بها لم يكن يوجد إلا في تلك الحال، بل لعل الله لم يبعث إليَّ نور هذا الجمال وهو على وشك الانطفاء إلا ليتبعني به فأسير على آثار شعاعه إلى القبر أو إلى السماء.

وبينما أنا في تلك الأفكار أساورها وتساورني نظرت إليَّ وقالت: لا تفكر، واسمع ما أقول لك، إنني لا أريد أن تعلق نفسك على صورة باطلة، وحلم زائل، وإنما أريد أن تعلم أنك تسلمني قلبًا لا أقدر على حفظه حتى أخونه، فإنني تعودت أن أكره الكذب وأتحاماه حتى لو كانت السماء موقوفة لي على كذبة لما أقدمت عليها وعَفَت السماء، وإنني لو حصلت على السعادة استراقًا لم أعد أحسبها سعادة بل عذابًا وتبكيت ضمير.

وكنت أجد في صوتها وهي تتكلم لهجة إخلاص ورنة صدق حسبت معها أن الحقيقة بعينها قد تمثلت لي على ذلك الوجه الصافي، توحي كلامها إلى أذني ونظراتها إلى عيني ونفسها إلى قلبي، فاتكأتُ إلى جنبي على قدميها وأسندت رأسي بيدي وأحدقت ببصري إلى شفتيها كأنني أريد أن أحرص على كل كلمة أو حركة أو نفَس يصدر عنها.

ثم أخذت تقص عليَّ سيرتها، فقالت: إنني وُلدت في بلاد غريبة من ديار الشرق كما يظهر لك ذلك من لون شعري واصفرار وجهي بما يخالف صفرة النساء في أوروبا، أو كما تسمع من غرابة لهجتي التي لم أقدر أن أغيرها ولا أريد؛ لأنها آخر ذكرى بقيت لي من آثار أوطاني. أما اسمي فغصن البان دعتني به أمي، ثم ماتت غريقة وقذفتني الأمواج إلى شاطئ وجدتْني عليه إحدى النساء فردتني إلى أبي، فأتى بي إلى فرنسا وأنا بنت ست سنوات ثم لم يلبث أن توفي، فأخذني حاكم البلد إلى مدرسة لليتامى نشأت فيها بين الصلاح والعلم وأنا أتقدم في الذكاء والمعرفة والجمال على ما كان يقال لي، ولكنه جمال ذابل كجمال الزهرة تنقل إلى غير منبتها، ثم بقيت على حالتي تلك أعوامًا تذهب في أواخرها صواحبي إلى أهلهن وأبقى وحيدة لا يسأل عني أحد ولا أعرف أحدًا، حتى صرت ألوم المرأة التي التقطتني وردَّتني إلى أبي ولم تدعني أموت على ذلك الشاطئ حيث ألقتني يد الأمواج.

وكان يزور مدرستنا أحيانًا شيخ جليل يأتي من قبل الملك لفحص الطالبات، فأُعرض عليه في مقدمتهن كمثال للحذاقة والذكاء فيتلقاني بالبشاشة والدعة وهو يقول: ما رأيت هذه الفتاة إلا أسفت على أن ليس لي ولد.

وبينما أنا ذات يوم جاءتني الرئيسة فأخذتني إليه وهو في ردهة (قاعة استقبال) المدرسة، فتلقاني وقال لي: لقد بلغت السابعة عشرة من عمرك، ولا تمضي عليك بضعة أشهر حتى لا يعود لك مقام في هذا المكان لانقضاء مدتك منه، ولقد أرى أنك فتاة لا وطن لك ولا منزل ولا مال ولا أهل، وأنك إذا اعتمدتِ على المعيشة من شغل يدك كانت معيشة شاقة على فتاة مثلك، وإذا نزلتِ على إحدى صواحبك كانت نزلتك ثقلة عليها وضيقًا عليك، ثم أنتِ ذات جمال باهر والجمال إذا أُغفل كان مجلبة للنقيصة وإغراء على ارتكاب الدنايا، كالذهب المتروك الذي يكون عرضة للسارق ومطمعًا للمختلس، فماذا عساكِ تصنعين؟ وكيف ترين؟

قلت: لا أدري لي سبيلًا للخروج من هذه الحال إلا بالموت أو معونة الله. قال: بل أرى لكِ سبيلًا آخر، ولكني لا أجسر على بيانه. قلت: بل تأمر يا سيدي، فإنما أنت لي أب تجب عليَّ طاعته وإكرامه. فقال: لا، لست بأبيك، ويا ليتني كنت إياه! ولكني أعرض عليك أمرًا أحب أن تجيبيني عليه أو تجيبيني إليه، أنتِ ترين أنني رجل قد بلغت إلى آخر أيامي ولا ولد لي ولا أهل أترك لهم ما حصَّلته بكَدِّي من حطام هذه الدنيا، ولقد صرفت ما تقدم من عمري وحيدًا لا مؤنس لي غير كتبي وأقلامي حتى بلغت إلى هذا السن، فوجدت وأنا في نهاية مدتي أنني لم أبدأ بالحياة بعدُ؛ لأنني لم أشعر بالحب، وأنني لم يعد يليق بي أن أرجع إلى طريق السعادة — وهي الغرام — بعد أن صرت في آخر الطريق التي تخيرتها لنفسي وهي المجد والإعظام، ولكني مع ذلك لم أرد أن أموت قبل أن أترك لي ذكرى هذا الوجود في وجود سواي، وهو الخلود الذي لا أعتقد سواه، وأنا لا أرجو أن أحصل عليه إلا بك من طريق الوداد وعرفان الجميل، فأتخذك في الظاهر امرأة لي على أعين الناس قطعًا لألسنتهم عني وعنك وابنة في حقيقة الأمر تجدين مني حنوَّ الوالد على أولاده.

فوقع كلامه مني موقعه من وحيد يحتاج إلى أهل ويتيم يرغب في منزل يأوي إليه، فأجبته إلى ما طلب ودخلت منزله ابنةً لأبٍ لا زوجةً لزوج، وهو لا يريد إلا أن أدعوه باسم الوالد وإن دعاه الناس عني باسم القرين، ثم أخذ يعتني بي أحسن اعتناء ويعاملني خير معاملة، فكنت عنده في نادٍ من شيوخ ذلك العصر وعلمائه؛ بين كَتَبَة وفلاسفة وساسة ممن نجَوْا من سيف الثورة وخلصوا من رِقِّ الاستبداد، ثم اختار لي فضليات النساء لمعاشرتي وتهذيبي، ولم يكن يمنع عن عشرتي أديبًا من أدباء ذلك العصر رجاء أن أميل إلى أحدهم فيميل إليه معي ولكني لم أَمِلْ إلى أحد.

واقتنعت من الدنيا بما أنا حاصلة عليه، فكنت أقضي نهاري بين درس ونزهة، وليلي بين جمعية من أكابر العلماء وشيوخهم، بحيث كان شبابي زهرةً غارقةً في ثلج ذلك المشيب، وأنا أشتهي أن أجد فتى أو فتاة في مثل صباي فلا أجد حتى تولَّاني الذبول والانتحال، ولم يخفَ ذلك على من كنت أدعوه أبي، فكان ينظر إليَّ نظر الحزين الكئيب، ويعالجني بكل دواء من حسن عشرة وحضور محافل وزيارة أندية ومشاهدة ألعاب وأنا لا ينفعني شيء من ذلك، حتى قال لي يومًا: أتُراك ذات قلب شيخ في ابنة عشرين؟! ألا تدرين أنني أحب أن أراكِ مائلة إلى واحد ممن يعشقون جمالك؛ ليكفل حُنُوِّي إليك من بعدي؟ فأجبته: إن ودادك يكفيني، وأنا بخير ما دمت أراك. قال: إذن ما بالك تَهْرَمين وأنتِ في مقتبل شبابك؟! ألا تدرين أنه لا ينبغي لسواك أن يغمض عينيَّ عند مماتي؟ فازْدَهي وسُرِّي وأحبِّي على شرط ألا تموتي أو ألا أحيا بعدكِ.

ثم أخذ يستدعي لي طبيبًا بعد طبيب، وكلهم يجمعون على أنني مصابة بتشنج في القلب، وأنه ينبغي لي تغيير معيشتي، وإقامتي في مكان بعيد عن برد باريز، ففضل زوجي أن يُحرم قربي وأكون سليمة على أن يراني بين يديه عليلة سقيمة، فعهد بي إلى أسرة غريبة أخذتني إلى إيطاليا وسويسرا فصرفت فيهما سنتين، ثم أشار عليَّ بعض أطبائهما بالقدوم إلى هذا المكان والإقامة فيه ما دام في هوائه بعض الحرارة، حتى إذا توسط الشتاء عدت إلى زوجي. وإني — علِمَ الله — كنت أود أن أعود إليه وقد شفيت وانتعشت، ولكني أرى أنني لا أعود إلا لأزيد في أحزانه أو أموت بين يديه.

ثم عادت فقالت: سيَّان عندي الموت والحياة بعد أن وجدت الأخ الذي طالما كنت أنشده حتى ظَفِرت به اليوم. ثم غطت وجهها بيديها وأردفت وقد برقت دموعها بين أناملها: أجل، لقد وجدت بك في صباح هذا اليوم مَن طالما كنت أحلم به في ما تقدم من ليالي حياتي، فيا حبذا لو تُكتب لي الحياة بعد ذلك، فقد صرت أشتهي الآن أن يطول مدى عمري ليطول سروري بهذه العين التي بكت عليَّ واليد التي ضرعت لأجلي والنفس التي حنَّت إليَّ والصوت الذي دعاني بأخته، وأؤمل أنه لا يحرمني هذا الاسم في حياتي ولا بعد موتي.

وما أتمت كلامها حتى سقطتُ واهيَ القوى على قدميها وشفتاي لاصقتان بهما وأنا صامت لا أعيد ولا أبدي. ثم لم ألبث أن سمعت وقع أقدام البحارة قادمين إلينا ليخبرونا بسكون البحر ووجوب العودة فقمنا وتبعناهم، وكنت أسير وإياها بقدم قلقة كأننا في سُكر، وهيهات أن أصف سروري عندما كنت أشعر بجسمها اللطيف مستندًا عليَّ كأنها تقول لي به أن لا نصير لها سواي، فلقد مضى عليَّ من ذلك العهد عشرون عامًا وأنا لا أزال كأنني أسمع وقع قدميها على الهشيم اليابس، وأرى خيالَيْنا قد اتَّحدا يتبعاننا كأنهما تابوت أو نعش يتبع الشباب والغرام ليدفنهما قبل الأوان، وأشعر بلمس كتفها لقلبي الخافق وتموُّجِ خصلة من شعرها كان يلقيها نسيم البحيرة على وجهي، فأمسكها بشفتيَّ لأتمكن من تقبيلها. ويل منك أيها الزمان! كم تخفي من سرور النفس في تلك الساعة! ولكن كم أنت عاجز عن محو تذكاره وإخفاء آثاره!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤