عقيدة الألوهة

محاضرة فلسفية تصوُّفية أُلقيت في «ندوة الثقافة» بالإسكندرية مساء الثلاثاء ٣ نوفمبر سنة ١٩٣٦م

سادتى الأفاضل

أشكر لكم تشريفى بالاستماع إلى هذا الحديث الذي أُوثر أن يكون في صورة عرضٍ نقدي، وإن كنت أُفضِّل عادةً الطريقة الاندماجية في بيان المذاهب الفكريَّة والفلسفيَّة؛ لأنها أوقع في النفس. غير أنِّى وقد رأيت هذه الطريقة غير منصفة لمذهبي وتفكيرى؛ نظرًا لعدم اعتيادها في مصر — وإن كان مذهبي الديني العلمي معروفًا — لم أجد بدًّا من الركون إلى الطريقة النقدية في هذا الحديث، حتى يسهل تبيُّن ما لي وما لغيري. وإن كنتُ أخشى أني لا أستطيع خدمة موضوع حديثي في ذاته الخدمة الوافية التي أرمي إليها.

•••

إن التعليم الطبي — يا حضرات السادة — يؤدي حتمًا إلى شيء من الصراع مع الدين. وقد لحظتُ منذ نشأتي كثيرين من الأطباء تتزعزع عقائدهم الدينية، ثم يتزعزع نهائيًّا إيمانهم الإلهي. ومنهم من يدَّعى التوفيق بين العلم والدين، ولكن اختبار دعواهم يُظهر عجزهم عن هذا التوفيق؛ وما سبب ذلك إلَّا ضعف إيمانهم الفطري، وسطحية نظراتهم، وفقدان الشجاعة الكافية لإيجاد هذا التوفيق المنشود، ما دام الدِّين ظاهرة اجتماعية كائنة فعلًا وواجبة التقدير.

وقد كان شأني شأن الجندي الجريء الذي يجد الصفوفَ قد افتقدت الرائد؛ فيتطوَّع مندفعًا للقيام بهذه المهمة التي ربما لم يكن كفؤًا لها، ولكنَّ غَيْرته الفطرية تزجيه، وشجاعته تُسنده. وكنت أجد تشجيعًا غير قليل من أستاذى المرحوم السيد محمد رشيد رضا الذي كنت أكاتبه وأكاتب مجلته «المنار» حتى إبَّان إقامتي في إنجلترا. وكان هذا الإمام الجليل يشجِّعني دائمًا وإن خالف آرائي مرات، ولكنَّه كان يُعْنى بجوهر سعيي؛ للتوفيق الصحيح بين العلم والدين في شجاعة لا تنافي الرشد والاتزان.

وسأجعل حديثي الليلة متناولًا مسألة المسائل الدينية والصوفية، ألا وهي: «عقيدة الألوهة»، فأقول: إنه لولا إيمانى بها لما تحمَّست متطوِّعًا هذه السنين الطويلة للإشادة بها، وتفسيرها قدر طاقتي.

وتأذنون لي حضراتكم في ذكر هذه الأبيات المعنونة «العطف الإلهي» من ديوان «الشفق الباكي»، فهي من اعترافاتي الوجدانية الصريحة:

وأُحسُّ أنِّي في اندماجٍ دائمِ
بالكونِ، والكون العظيم حياتي
أتأمَّل الساعاتِ في أجرامهِ
وكأنَّني متأمِّل مرآتي
وأنال عطفًا من جميل حَنانهِ
يَسْري إلى رُوحي بغيرِ فوات
حِسٌّ خفيٌّ لست أدرك كُنْهَهُ
وكأنَّما هو معجز الآيات
بلغ الضميرَ، وكان خير مؤذِّن
بالله في ملكوته لحياتي

وهذا الإحساس هو من دوافع شغفي بعلم الفلك، وتردُّدي على المراصد؛ لأني أجد في ذلك عبادة صوفية، واستغراقًا في معاني الألوهة. ولولا هذا الإحساس لما تأمَّلت وفسَّرت؛ فالشعور الديني ليس عقليًّا فحسب، بل لا بدَّ له من استعداد وجداني. وهذا التأمل الصوفي هو ما نعته الغزالي بالنظر إلى وجه الله.

•••

إنَّ فلسفة عقيدة الألوهة في نظري مردُّها إلى نتيجة إحساس الجزء بالكل، وسامحوني على لغتي الصوفية، فلن أجد غيرها مُسعِفًا في هذا المقام.

وإذا توسَّعنا في هذه النظرة فيُخيَّل إليَّ أن تمجيد الأبطال متفرِّعٌ عنها، أو هو صورة منها؛ لأن البطولة شمول وعظمة، بحيث إن البطل في نظر مقدِّريه — إن لم أقل عابديه — هو رمزٌ للقدرة الغلابة الفائقة. وبعبارة أخرى: إنه رمز الشمول؛ ولذلك نجد تمجيد الأبطال الوطنيين والدينيين وغيرهم يكاد يبلغ — عن غير وعي — مرتبة التأليه، خصوصًا إذا كان البطل ميتًا، حتى ربط بعض الباحثين المتعمِّقين مثل: جرانْت ألن Grant Allen والأستاذ هالدين Prof. J. B. S. Haldane نشوء الآلهة عند الوثنيين، وظهور القدِّيسين عند غيرهم بعبادة الموتى. ومن العجيب أن النفس البشرية شديدة الميل إلى تقديس الموتى، والانحراف بذلك انحرافًا عظيمًا عن جادَّة التوحيد والمنطق السليم. وحتى في ضوء الدين الإسلامي الذي يُعدُّ المَثَل الأعلى في صراحة التوحيد، نزع الدهماء من المسلمين — بالرغم من أصوله الصريحة — إلى تمجيد الأولياء تمجيدًا يخالف روح الإسلام؛ مما ألجأ المصلحين أمثال: محمد عبده ورشيد رضا والمراغي وسواهم إلى محاربة هذه البدع التي تكاد تؤدِّي إلى الإشراك بالله.

من هذا أنتقل إلى التنبيه إلى أنَّ عقيدة الألوهة من الناحية الفلسفية العلمية، هي ظاهرة سيكولوجية، هي إحساس الجزء بالكل. وهي تتدرَّج تحت أسماء مختلفة من شعور الإنسان نحو وطنه، ونحو زعيمه، ونحو الإنسانية مثلًا، إلى شعوره نحو الكون بأسره، ونحو الألوهة الشاملة والمُطْلق.

وإذن، فعقيدة الألوهة عند معتنقيها ليست وهمًا، حتى ولو كان تفسيرها عند بعضهم وهمًا. فالإحساس بالألوهة قد يكون واحدًا — وإن تدرَّج — عند أصحاب الديانات المختلفة من متمدينين وهمجيين؛ لأنها ظاهرة سيكولوجية متماثلة المنشأ، ولكن تفسيرها يختلف بينهم جِدَّ الاختلاف، ولو كانوا جميعًا مخلصين في إيمانهم.

يقول الأستاذ برنجل باتيسون Prof. Pringle-Pattison في كتابه «فكرة الله في ضوء الفلسفة الحديثة» The Idea of God in the light of Recent Philosophy: إنَّ إحساسنا بهذه الفكرة دليلٌ على وجود الله! وهو يعتمد في تدليله على ظهور الغرض في النشوء. وفي رأيي العاجز أن هذا التدليل ليس قويًّا وإن جاء من أستاذ الفلسفة في جامعة إدنبره، وكان الأَوْلَى به أن يقول: إن الإحساس بالألوهة عند أغلبية الناس دليلٌ على فطرية هذا الإحساس، وإنه على تكيُّف هذا الإحساس تتكيَّف معاني الألوهة التي تختلف جِدَّ الاختلاف حسب ثقافة الناس، وطبائعهم، ومؤهلاتهم، وبيئاتهم.
وهذا الأستاذ سورلي Prof. W. R. Sorley أستاذ الفلسفة الخَلقية في جامعة كيمبردج يرى أن يقرِن فكرة الألوهة بالمثالية الخيرية للوجود (راجع كتابه «القيم الخلقية وفكرة الله» Moral Values and the Idea of god). كما أنَّ الأستاذ أ. ن. ألكسندر Prof. A. N. Alexander يرى أنَّ الألوهة هي مثالية سائرة إلى الكمال.

ومثل هذه النظرات الفكرية لمعاني الألوهة لا تتمشَّى مع معظم الديانات السائدة التي تُنزِّه الله سبحانه وتعالى عن إيمان الأستاذ ألكسندر على الأقل. ولكنَّنا مع هذا ليس لنا أن ننكر أن إيمانه في حدِّ ذاته لا يقل في حرارته عن إيمان مخالفيه.

•••

إنَّ ما يعنيني من هذا الحديث هو أولًا: التلخيص لأحدث الآراء الفلسفية اللاهوتية، ثم التعليق عليها بآرائي الخاصة التي تؤيد أنَّ الإيمان بالله يتمشَّى مع العلم، على اعتبار أنه ليس سليل الوهم، أو الجهل، أو الفلسفة الخاطئة.

لهذا لن أذهب بعيدًا إلى فلسفة أرسطو، وما بُني عليها من التدليل على وجود الخالق في عالم الكثلكة خاصة، فلن يقبل العلم ولا الفلسفة الحديثة شيئًا من ذلك، وحتى في القرن السادس عشر لم تعدم إنجلترا جمعيةً للعقليين Rationalist Society بين أعضائها: كرستوفر مارلو، وولتر رالي، وقد رفضت الترويج لتلك الآراء السطحية وإن اتسمت بسمة الفلسفة.
وكان لدراسات جون لوك John Locke في سنة ١٦٧٢م للذهن الإنساني ما قضى على الآراء القديمة اللاهوتية، سواء استمدَّت فلسفتها من أرسطو أو أفلاطون. وقد انتهت أبحاث لوك إلى أنه لا توجد فكرةٌ في الذهن الإنساني إلا وكانت مكيَّفة من الرسائل التي تُدلي بها المشاعر الإنسانية. وجاء هيوم Hume فعزَّز اللاأدريين. ثم جون ستيورات مِل J. S. Mill فلم يحكم بالمعرفة إلا للمشاعر وحدها. ثم سبنسر Spencer فصرَّح بأن القوة الأساسية للعالم غير معروفة، ولا يمكن معرفتها.

وقد أتحفت «لجنة التأليف والترجمة والنشر» قرَّاء العربية بترجمة كتابين نفيسين؛ أحدهما: «عرض تاريخي للفلسفة والعلم»، تأليف أ. وولف، أستاذ المنطق بجامعة لندن. والآخر: «فلسفة المحدَثين والمعاصرين» للمؤلِّف نفسه، ففي وسع حضراتكم تصفحهما وتصفح أمثالهما؛ للوقوف على تفصيل ما أُجمله في هذا المقام.

ومن الضروري الإشارة إلى ظهور طائفة من الفلاسفة المؤمنين theistic philosophers بين الإنجليز، وهم تلامذة الفلاسفة الألمان، أمثال: كانْت وفخت وشلنج وهيجل وشوبنهاور وهارتمان ولوتز، ولكنَّ آراءهم لم تصمد أمام التقدُّم الفلسفي العالمي، وإن بقيت الآن بعض آراء لِكَانْت وهيجل ولوتز في صورة منوَّعة. وأهم هؤلاء الأعلام بلا جدال هو كانْت، وقد كان — على حد تعبير الأستاذ وولف — شديد الاحترام للنتائج التي وصل إليها العلم الطبيعي، بحيث لم يستطع رفض كلِّ ما تذهب إليه تلك النتائج، على الوجه الذي يدعو إليه مذهب هيوم التشكُّكي الذي كان يقول: إنَّه كلَّما تعمَّق فيما يسميه نفسَه تخبَّط وتعثَّر في بعض الإحساسات، ولم يستطع أن يقبض على نفسه أبدًا. وكان يعتبر كلَّ ما يبدو حقيقيًّا مجموعًا متعدِّدًا من التأثرات والآراء المتقطِّعة التي يُكسبها تداعي المعاني مظهر الحوادث المتسلسلة، ويخيَّل لنا أن مادتها ثابتة؛ لخطئنا في الظن بأن التأثُّرات المماثلة لتأثُّرات سابقة هي بعينها، وكل ما يوثَق به هو تيَّار التجارب المتغيِّرة. حتى الرياضيات نفسها ليست يقينية، وأقصى ما يمكن افتراضه لشيء هو الاحتمال.

كان الفلاسفة المؤمنون في العصور السابقة يعتزُّون في التدليل على الألوهة بالطبيعة نفسها، وبمظاهر الدنيا في ذاتها. فعندهم أن الأسباب الثانوية تدل على السبب الأول، وأنَّ النظام الكوني يدل على العقل الغير المحدود، وأنَّ الجمال في العالم يشير إلى الروح الأعلى. ولكنَّ «كانْت» قضى على هذا الطراز من المنطق، وأحلَّ في موضعه طرازًا من التعليل العلمي مقسِّمًا معارفنا جميعها إلى موضوعية وذاتية في عناصرها.

وينوِّه الأستاذ وولف بجِدَّة الطريقة التي اتبعها «كانْت» دفاعًا عن العلم، وهي طريقة «التجريد» التي كانت تطوُّرًا بيِّنًا للمذاهب القديمة عن «الأفكار العامة» و«الحقائق الخالدة» و«الآراء المستكنة». فقد كان «كانْت» يرى أنَّ موضوعات العلم نتيجةٌ لعاملين: الأشياء المحسوسة وهي مستقلة عن العقل، وبعض صور وارتباطات يقدِّمها العقل. وهذه الصور الآتية عن الإلهام — كالزمان والمكان — والعلاقات والمقولات الفكرية — كالجوهر وعوارضه، والعلة والأثر … إلخ — هي أولية سابقة، من حيث إنها لا تُكتَسب بالتجربة؛ إذ التجربة نفسها تستحيل بغيرها. ومن جهة أخرى نجد مادةَ الحسِّ لاحقةً؛ أي أنها تجيء فقط عن طريق التجربة، وإن تكن لا تأتي على ما هي عليه بالفعل، بل متغيِّرةً بالصور والمقولات السابقة.

ولا تصل المعرفة البشرية إلى حقيقة الأشياء نفسها، بل إلى مظاهرها. واستخدام الصور والمقولات الأولية في كل ما يقع في دائرة التجارب البشرية حقٌ مبرَّر، بل هو في الواقع أمرٌ لا مفرَّ منه، ولكنَّها يجب ألَّا تُطبَّق على ما يتجاوز تلك التجارب. فالله والحياة الآخرة مثلًا أبعدُ من متناول التجارب الإنسانية؛ وإذن فلا يمكن أن يكونا موضعًا للمناقشة، فهما لا يمكن إثباتهما ولا نفيهما، ولا يمكن الإيمان بهما على أنَّهما من الاعتقادات التي تقوم على أسس نظرية، بل على أسس عملية. وعلى هذه الاعتبارات العملية بنى «كانْتُ» الاعتقاد بوجود الله، وحرية الاختيار والخلود. فهذه الاعتقادات مسلَّمات تُحتِّمها أصول السلوك العملي المطلَق، كما أن الوجود الحقيقي لعالم الأشياء على صورة ما من المسلَّمات التي تحتِّمها النتائج النظرية للعلم.

(«عرض تاريخي للفلسفة والعلم» — ص٩٨ و٩٩).

ولكنَّ هذا التدليل العملي الذي قدَّمه كانْتُ لم يؤثِّر إلَّا على قليلين؛ لأن أساسه العلمي ضعيف، بخلاف نقده للتعقُّل الخالص Pure reason؛ فقد كان له أثر بليغ على الأفكار في القرن التاسع عشر. وهكذا اضمحلَّت آراؤه، كما اضمحلَّت آراء سابقيه ممن لم تصمد تعاليمهم للتطوُّر العلمي، وحقائق البحث النفساني.
ولا بدَّ لنا من وقفة أمام ألمعية الفيلسوف الألماني هيجل Hegel الذي تأثَّر به أمثال: بوزنكيت Bosanquet، وكروتشي Croce. فقد انتهى هيجل من تأمُّلاته الفلسفية إلى أنَّ العقل والطبيعة المادية هما «المطلق» بذاته، لا مجرَّد مظاهر أو دلائل على مطلق مجهول. وفوق ذلك فليس العقل والمادة حقيقتين متميزتين، ولكنَّهما عنصران تتكوَّن منهما عملية إفصاح المطلق عن نفسه. وبعبارة أخرى: إنَّ الفكرَ والحقيقة شيء واحد، وليس ثمَّة غيرُ حقيقة واحدة هي ما يدعوها «المطلق»، وإنَّ هذه الحقيقة الروحية هي مرادف «الألوهة».

ومع كل هذه التفاسير الفلسفية أخذ الشك، أو الإلحاد يطَّرد؛ لأن المتعلِّمين لا يعنيهم أقل من الإيمان بأنَّ خلف هندسة الوجود عقلًا إلهيًّا منظمًا ضابطًا، وعلى وجه هذه الطبيعة المسحة الإلهية البارَّة، فإذا لم يوقنوا بذلك انتفى إيمانهم حتمًا.

وازدادت العلوم تقدُّمًا؛ فازداد الإيمان تضاؤلًا بين المتعلمين؛ لأن التعليل العلمي للألوهة أخذ ينهزم، واكتفى المتفلسفون بالكلام عن «الحاسَّة الدينية» religious sense كبرهان وجداني على وجود الله، وما يعنون بذلك إلَّا مزج العاطفة بالعقيدة الموروثة، وما كانت العاطفة في اعتبار السيكولوجيا برهانًا إيجابيًّا على وجود الشيء.
أما في أمريكا، ففلاسفتها الذين يُعنَون بالديانات يصرِّحون إمَّا بان العقيدة الإلهية ليست عنصرًا ضروريًّا من الدين، أو بتصويرها مطابقة لمثاليةٍ، أو لفكرةٍ مجرَّدة، أو لروح مبهَمة للعالم (يُراجَع كتاب «الفلسفة الأمريكية المعاصرة» Contemporary American Philosophy في مجلَّدين، ومؤلَّفات جوزيف ماكَّابي). وأما الفلسفة الإنجليزية، فلدينا الأستاذ تيلر Prof. Taylor يعلن بوضوح أنَّ الفلاسفة المتدينين يرفضون الآن في جملتهم التعليل من نظام الوجود وجماله، وقانونه وهندسته الطبيعية، ويؤثِرون الاهتمام بما ينعتونه «القيم» Values أو «المثاليات» Ideals معتبرين هذه القيم جوهر الأشياء، قائلين: إن العقل في حالة خاصة من حالاته أشبه بحالة الصوفيين (أي بنوعٍ من الكشف والشهود)، يرى «الحقيقة» «والقيم» شيئًا واحدًا. والاتجاه الفلسفي الحديث عند هؤلاء أَميَلُ إلى اعتبار «القيم العُليا» عينية أكثر منها معاني نفسية أو عقلية، ولو أنَّ الفلاسفة مختلفون في تفسير معنى «العينية» التي توصف بها هذه «القيم». وأما فكرة الألوهة الكلاسيكية فضائعة وسط هذا التفكير ضياعًا تامًّا.
وهذا الأستاذ كار Prof. H. W. Carr في كتابه «الأرضية المتغيِّرة للدين والأخلاق» Changing Backgrounds in Religion and Ethics يدَّعي أن الرياضيين والطبيعيين ببحوثهم قد جعلوا من الصعب المزداد عُسرًا تعيين مكان لله في تنظيم الكون وهندسته! أما الأستاذ برنجل باتيسون Prof. A. S. Pringle-Pattison فقد أشرتُ إلى وقوفه عكس هذا الموقف؛ إذ يدلِّل على وجود الله بمحض إحساسنا بفكرة وجوده! وعندي أن كلاهما مخطئ؛ لأن أساس بحثهما في ذلك وهمي على ما سأبيِّنه بعد.
وليس شكٌ في أنَّ عدد العلماء الذين يؤمنون بالألوهة العُرفية الآن أقلُّ من عددهم منذ ربع قرن مضى، وليس بينهم أحد من نوابغ العلماء المنتسبين للجيل الجديد، مثل: جوليان هكسلي Julian Huxley أو أينشتين Einstein، فإن هؤلاء ينظرون إلى الألوهة نظرة تصوُّرية مثالية تخالف العُرْفَ تمامَ المخالفة.
كذلك ليس شكٌّ في أنَّ أنصار الفلسفة المادية لم يقلُّوا في هذا القرن عددًا عن أمثالهم في القرن الماضي، وما رأي هيكل Haeckel في كتابه «لغز الوجود» The Riddle of the Universe الذي عزَّزه بخنر Buchner عن أنَّ المادة والطاقة هما واجهتان للمجهول إلا مقدِّمة التنبؤ عن الحقائق الطبيعية التي كشفها القرن الحاضر، والتي زادت الفلسفة المادية تمكينًا، وإن لم تكن هذه الفلسفة مرتبطة بأية نظرية بالذات.

وكثيرون من هؤلاء الماديين يرون أن التفاعلات الكونية لا تُشعر بوجود إله على الإطلاق سواء من بداية السُّدُم، إلى نشوء الكواكب، إلى بلوغ الإنسانية منزلتها الحاضرة الممتلئة بالتناقض والمفاسد، كما يعتقد أولئك الماديون.

وقد نشأ عن سريان هذه الحركة قيام مثل الأستاذ هفدنج Prof. Harold Hoffding — وهو فيلسوف دنمركي متشكِّك — بالدعوة منذ ربع قرن إلى الاهتمام «بالقيم» بدل «الحقائق». وبعبارة أخرى إنه يرى الاحتفاظ بالدين لصفاته الخُلُقية والعاطفية، وبذلك وضع فكرة الله في موضع ثانوي، أو طرحها كليَّة.
وقد أشرت إلى قيام فكرة «المثالية»، أو «التصورية» Idealism في أمريكا مقام فكرة الله العُرفية، وعلى هذا النحو ينحو ولز H. G. Wells، والأستاذ وُدز Prof. R. S. Woods الذي يجهر بأنه يعدُّ الألوهة مرادفة للروح الاجتماعي الممثَّل the personified social spirit. وهناك طائفة من الفلاسفة المحدَثين، أمثال: الأستاذ أمِز Prof. Ames، والأستاذ أوفرستريت Prof. Overstreet ترى أن الله هو صورة ملايين البشر، وأنه كائن حي يمثِّل خير ما في البشرية. وعلى هذا القياس يمكننا بسهولة أن نوافق جوزيف ماكَّابي على قوله: «إن ثمَّة ما لا يقل عن عشرين إلهًا مختلفًا للأديان الفلسفية، كما أن ثمَّة نظير هذا العدد للأديان الأخرى!»

وكما أنه لا يخطر في بال أحد الآن في البيئات الثقافية العالية أن يستدل على وجود الله من مجرد وجود النظام، أو العدل، أو الجمال في الوجود، فكذلك لا يحلم أحدٌ بهذا الاستدلال من مجرد الإحساس الديني؛ لأن العقيدة الدينية مغروسة بحكم البيئة والوراثة، وتزيدها العواطف حرارة وحماسة. كذلك لا تحسُّ البيئات العلمية بالحاجة إلى العقيدة الإلهية، وتؤمن بأنه لو أُغلقت أماكن العبادة عشر سنين مثلًا، واختفى رجال الدين هذه المدة لَمَا أحسَّ بذلك أحدٌ، ولنشأ جيل جديد لا حاجة له بغير القوانين الحكيمة، والنظم الاجتماعية المفيدة، ولا همَّ له إلا نشر العدل والإخاء والسعادة بين الناس، ولما فكَّر أبدًا في معنى الله، بل لاستغرب لهذه الفكرة عندما تُعرَض عليه … والواقع أنه حتى في هذا الجيل تُثبت إحصائيات الكنائس أن ثلثي من ينتسبون إلى المسيحية هم عمليًّا بعيدون عنها، ولا صلة لهم بأية كنيسة. ومع هذا لا يمكن مطلَقًا لأيِّ باحث اجتماعي أن ينكر أن الإنسانية الحاضرة سامية في أخلاقها، وإن كانت غير متمسِّكة بأديانها الموروثة، وإنما ينصبُّ تمسُّكها على الاستفادة من تجاريب الحياة التي تعتبرها مصدر إلهامها الوحيد الجدير بالاحترام.

يقول جوانز هوايت A. Gowans Whyte في كتابه «ديانة العقل الحر» The Religion of the Open Mind: «إن الآداب جزء صميم من قصة النشوء، حينما الديانة على العكس منشؤها الخوفُ، وقد وُلدتْ في بداية التنبُّه الذاتي حينما بدأ الإنسان يتحسَّس كالأعمى في تيه من الخرافة. وإن الخوف من الخافي المجهول هو شعلة جميع الأديان، فإذا ما طرح الإنسان هذا الخوف جانبًا، فإن ذهنه حتمًا ينقى …» ومثل هذا الرأي نلمحه عند الأستاذ هالدين J. B. S. Haldane في كتابه «الحقيقة والعقيدة» Fact and Faith. كما أن لألدوس هكسلي Aldous Huxely فصلًا بليغًا في كتابه «دراسات لائقة» Proper Studies عن «أبدال الديانات» substitutes for religion أشار فيه إلى انحطاط الدين في الغرب، وإلى قيام حركات وطنية وسياسية واجتماعية وفنية وغيرها، استوعبت اهتمام الناس إلى حدٍّ كبير أو صغير، واقترنت بشيء من الطقوس التي ألِفوها في الحركات الدينية، فأشبعت مشاعرهم بدرجات مختلفة، فلا غرابة بعد ذلك إذا اشتدَّ انصراف الناس في الغرب عن الديانات الموروثة، وحتى عن العقيدة الإلهية في ذاتها.

سادتي الأفاضل

لقد عرضت على حضراتكم إلمامةً عن اتجاه التفكير الحديث في الغرب بشأن عقيدة الألوهة، أمَّا رأيي الشخصي في هذا الموضوع فقد أسلفته من قبل، وإن يكن في إيجاز، وقد نُشر في رسالة لي بعنوان «مذهبي».

ولمَّا كنت عميق الإيمان راسخ العقيدة؛ فإني بكل ارتياح لبَّيْتُ دعوتكم للإفاضة بهذا الحديث، ولزيادة البيان عن دخيلة نفسي إزاء هذه التيارات المتضاربة.

وإني أكرر لحضراتكم — أيها السادة — أنَّ الشعور بالألوهة في اعتباري ليس مسألةَ خوفٍ أو جهلٍ على ما يرى بعض المفكرين الغربيين، بل هي مسألة فطرية سيكولوجية مبعثها إحساس الجزء بالكل، وهل نحن في المعنى التصوُّفي إلا أبناء الله؟ ولولا هذا الإحساس لما قال الحلاج كلمته المشهورة التي أَوْدَتْ بحياته؛ لأن بيئته لم تفهمها فأساءت تأويلها، وجنت عليه شر جناية.

أما عقيدة الألوهة الخاطئة في بعض الأديان فقد تكون ناجمة عن خوف أو جهل، ولكن لا شأن لي بمثل ذلك؛ إذ إنما أتكلم عن الإحساس الأصيل، لا عن التقليد الموروث.

ويطيب لي تكرار الإشارة في حديثي ومحاضراتي الفلسفية الدينية إلى آية الكرسي المعدودة من جواهر القرآن الشريف، فإنَّ هذه الآية الكريمة في نظري مفتاح التصوف الإسلامي، وباب الألوهة الحقة، ولو أنَّ الإسلام تقليديًّا معدودٌ بمعزل عن التصوف. ولكنَّ هذه الآية تملؤني إحساسًا بوحدة الوجود، واعتقادًا تامًّا بأنَّ الإسلام لا يفصل بين الله والعالم كما تفعل بعض الأديان. وقد كان نبيُّنا عليه الصلاة والسلام يتقشَّف، ويتصوَّف معتزلًا في جبل حِراء عابدًا الله في ملكوته.

فعقيدة الألوهة في ضوء الإسلام لا تخالف العلم السليم، ولا الإحساس النفساني النقي، وهي بعيدة كل البعد عن الخوف أو الخرافة أو الجهل؛ لأنها تقوم على ركنين؛ أولهما: الإحساس الصوفي الفطري؛ إحساس الجزء بالكل. وثانيهما: وحدة الوجود التي تشع عليها آية الكرسي فتظهرها لنا بكل وضوح. ومن الآيات القرآنية التي ينبع منها التصوف قوله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ (سورة البقرة، آية ١١٥)، وقوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (سورة البقرة، آية ١٨٦)، وقوله: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (سورة النور، آية ٣٥).

فهل لنا نحن — المسلمين — بعد ذلك أي حاجة بذلك النقاش البيزنطي بين المفكرين الغربيين الذين تجاهلوا الاعتبارين السالفين، وحصروا تفكيرهم في نواحٍ بعينها؟ ثم أليس فيما عرضه بعضهم من تفاسير مثالية ونحوها ما يندمج في الركنين السالفي الذكر؟

إن تأملاتي ودراساتي الطويلة تجعلني أعتقد أنه لا يمكن التخلِّي في النفس البشرية عن عقيدة الألوهة، وإنما من الجائز تحويل هذه العقيدة وقتيًّا، أو تعويضها — كما أشار إلى ذلك ألدوس هكسلي — تحت تأثير الحيرة، أو الضغط الاجتماعي، أو نحوه. ولعلِّي بهذا البيان قد أقنعت حضراتكم أن الإيمان الإلهي لا يتعارض بأي حال وتفهُّم قوانين الحياة، واستلهامها لخير الإنسان، بل أرى أن الأسماء والصفات المنسوبة إلى الله سبحانه وتعالى هي في الواقع رموز إلى العوامل المختلفة التي أطلقها في هذا الوجود؛ لتكييفه وتنظيمه بين هدم وبناء، وتبديل وتحويل على قاعدة الأسباب والنتائج، وكثيرٌ منها رموز لا يجوز أن نسيء تفسيرها. وظاهرة «النبوة» ذاتها خاضعة للحقائق العلمية النفسية، كما أوضح ذلك فيلسوف الإسلام الفارابي.

ونحن إذ نبتهل إلى الله سبحانه وتعالى، وإذ نصلِّي يجب أن نعلم أن الله — جل شأنه — ليس بحاجة إلى شيء من ذلك، فإنَّ الزهوَ صفة آدمية، وليس صفة ربانية، وإنما نحن المستفيدون من الابتهال والصلاة؛ لأن في ذلك تقويةَ معنويتنا، وإشعارًا لنفوسنا بالواجب علينا. وقد تعالى الله عن أن يبدِّل قوانين الوجود الدقيقة التي سنَّها لنظامه البديع إكرامًا لخاطر أحدنا، إذ معنى ذلك اضطراب الوجود، بل خرابه. وإنما نتيجة الابتهال والصلاة تقوية احتمالنا، وتهذيب مشاعرنا، وشحذ تفكيرنا لما فيه الخير والصلاح حسب نواميس الوجود، لا خلافًا لها. وحتى ما نسمِّيه الحظ إنما يتبع قانون الأرجحية Law of Probability. وكلَّما اتسع نطاق الكشف العلمي ازداد إيماننا بصيرة بمعاني الألوهية السامية، وبقوانين الحياة، ونظام الوجود. كما أنَّ الإشراق الصوفي و«لذَة الأنس بالله» ليس خلفهما سوى التأمل الكوني العميق، وإرهاف الأعصاب، وتقوية الحدس. ولا يمكن إدراك الله سبحانه وتعالى إلَّا بالحس الصوفي الذي يسنده العلم الفلسفي، لا بالعلم ولا بالفلسفة وحدهما. وقد يساعد كل أولئك على قراءة الأفكار، وتقدير العواقب، لا على مجرد التنبؤ بالمستقبل والكشف والإلهام مهما كان التوغل في التألُّه.

كثيرًا ما ذكرتُ في أحاديثي الدينية أنَّ الإسلام يعتمد أساسيًّا على التقوى والعلم، وإذا كان إخواننا اليهود — بالرغم من روحهم المحافظة — لم يتردَّدوا في تفسير التوراة تفسيرًا علميًّا، فما أحرانا نحن بذلك! وهذا كتابنا يوحي بالتفكير والتأمل في كثير من آياته.

وهذا القرآن الشريف في جميع أجزائه يتمشَّى مع العلم الصحيح لمن أراد أن يفهمه على هذا الوجه من ذوي الألباب، وإنْ فهمه العامة غالبًا فهمًا آخر بالنسبة لرموزه الدقيقة، وذلك على قدر عقولهم. بل كذلك الكتاب المقدَّس قابل للتفسير العلمي الشامل، وقد وُفِّق إلى ذلك علماء الغرب اللاهوتيون توفيقًا عظيمًا، فغير معقول أن يكون القرآن الشريف دونه صلاحية لهذا التفسير الذي يجب أن يشمل كل شيء من عرفان صفات الله تعالى إلى جميع الشئون الإنسانية. والمعرفة الصحيحة تأتي عن طريق البحث العلمي، والتذوُّق لفلسفة الدين، لا عن طريق الإشراق وحده، ولو كان صاحبه السهروردي، أقول هذا وأنا أعرف قدر التصوف كما أسلفت.

ليس الإحساس بوجود الله دليًلا على وجود الله كما يدَّعي الأستاذ برنجل باتيسون من ناحية المنطق. كذلك ليس التدليل على أنَّ لكل شيء صانعًا ما ينتهي بنا إلى إثبات الخالق، وإن توهَّم ذلك كثيرون من المعلِّمين في تآليفهم المدرسية المفسِدة لأذهان التلاميذ؛ إذ لا بدَّ لهذا المنطق الغريب من أن يؤدي إلى سؤال كفري عن الصانع نفسه! ولا قيمة الآن لحجج أهل الظاهر الذين طالما ابتُلي بهم وبجمودهم الحكماء والعلماء في سالف العصور.

إنَّ صفات الله المكشوفة لنا ليست جميع صفاته تعالى، بل لعلها لا تتعدى صفات العوامل الكونية الضابطة للوجود باعتبار هذا الوجود كائنًا دوريًّا، ومظاهر الطبيعة جميعها وحقائقها متمشية مع تلك الصفات أو العوامل. والطريق العلمي الممهَّد لتعريف الألوهة هو الطريق السيكولوجي؛ لأنه حقيقة واقعة فطرية، ليست بأي حال نتيجة الوهم أو الجهل، وأعني به إحساس الجزء بالكل، واجتذابه إليه. ولعل هذه الظاهرة؛ ظاهرة الإحساس بالألوهة، هي التي أوحت إلى الجنرال اسمطس General J. C. Smuts مذهب فلسفة «الكل» الذي يفسر ما يسمِّيه العلماء بالتطور الإبداعي، أو التطور الفجائي في الوجود؛ مما يتعارض مع نظرية الميكانيكية البحتة في الطبيعة. وعنده أن العالم بأسره مدفوع بطبعه إلى الانحراف عن الميكانيكية البحتة، ومتجه نحو تكوين «الكل»، وهذا هو المثل الأعلى الذي يسعى العالم بأسره إلى تحقيقه؛ وبتحقيقه تتحقق منه غايته. وإذا كان هذا الاتجاه نحو تكوين «الكل» أمرًا مشاهَدًا، في جميع أنحاء الكون على اعتبار أنَّ في طبيعة الأشياء نزعة متجهة على الدوام نحو تكوين هيئات منتظمة يُسمَّى كل واحدة منها «كلًّا»، فلعله مما يُقنع بعض الماديين بهذه الجاذبية الطبيعية التي أشرت إليها، والتي أعدُّها رمز الإحساس بالألوهة، ولذَّة الأنس بالله التي لا تعادلها لذة، كما يقول حجة الإسلام الغزالي بعد تصوُّفه.
يقول شاعر أمريكا الفيلسوف ج. سنتيانا G. Santayana: إن الدين قصة خرافية ابتدعها الضمير. ومع ذلك فهو في الوقت ذاته صاحب فلسفة واقعية نقدية، وقد أطلق على الصور الذهنية والأفكار وغير ذلك اسم «الماهيات» essences أو الجوهر، وعلى هذا فكل ما يصوِّره الحس من الصور المعهودة لنا، وكل النظريات العلمية والمعتقدات الدينية إنما هو من هذا العالم؛ عالم الجواهر. ويمكن اعتبار هذه الأشياء كلها — أي النظريات العلمية والمعتقدات الدينية … إلخ — أساليب مختلفة وإن كانت غير متناقضة للتعبير عن حقيقة واحدة فوق طور الإدراك.

إنَّ معظم الذين حاولوا التوفيق بين العلم والدين قد فشلوا فشلًا ذريعًا؛ لأنهم لجئوا إلى أساليب تعسفية، وقد حاولت أيها السادة في هذا الحديث أن أبسط لحضراتكم مثالًا لما أرجو أن يكون توفيقًا ناجحًا في مسألة المسائل الدينية والتصوفية متخذًا من علم السيكولوجيا مفتاحَ تفسيري، مبتعدًا كل الابتعاد عن تعقيد هذه القضية الوجدانية، فلعلِّي أصبت بذلك، وليس لامرئ إلا ما نوى!

وأخيرًا، أشكر لحضراتكم رحابة صدوركم، وحسن استماعكم، وهذه العناية الجِدِّية بالبحث والتأمل، فإنَّ كل هذا يتفق وتقاليد الإسلام السمحة في أنضر عصوره، وما أولانا بهذه الصفات في هذا العهد الجديد السعيد؛ عهد الحرية والاستقلال والثقافة الذي سمَّاه دولة الرئيس الجليل مستبشرًا «عهد فاروق».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤