الفصل الخامس

رذيلة الكبر

يقسم الغزالي الكبر: إلى باطن وظاهر. فالباطن هو خلق في النفس. والظاهر هو أعمال تصدر من الجوارح. ويسمي الباطن الكبر، والظاهر التكبر. والكبر فيما يرى ثمرة العجب. وينفصل عنه بأنه يتطلب متكبرًا عليه، بخلاف العجب، فقد يعجب المرء بنفسه، وماله، وعمله، ولو خلق وحده.

والتكبر باعتبار المتكبر عليه ثلاثة أقسام:
  • الأول: التكبر على الله وهو أفحش أنواع الكبر، ومثاله ما كان من فرعون.
  • الثاني: التكبر على الرسل، ومثاله ما كان من قريش وبني إسرائيل.
  • الثالث: التكبر على العباد، بأن يستعظم المرء نفسه، ويستحقر غيره.

أسباب التكبر

وللتكبر سبعة أسباب:
  • الأول: العلم، وما أسرع الكبر إلى العلماء!
  • الثاني: العمل والعبادة. ولكن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلاث درجات؛ الأولى: أن يكون الكبر مستقرًّا في قلب المرء فيرى نفسه خيرًا من غيره، إلا أنه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيرًا من نفسه، وهذا قد غرست في نفسه شجرة الكبر ولكنه قطع أغصانها. الثانية: أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس والتقدم على الأقران وإظهار الإنكار على من يقصر في حقه، بتصعير خده وتقليب جبينه. قال الغزالي: «وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب، ولا في الوجه حتى يعبس، ولا في الخد حتى يصعر، ولا في الرقبة حتى تطأطأ، ولا في الذيل حتى يضم، وإنما الورع في القلوب».١ الثالثة: أن يظهر الكبر على لسانه حتى يدعوه إلى الدعوى والمفاخرة والمباهاة وتزكية النفس وحكاية الأحوال والمقامات.
  • الثالث: التكبر بالحسب والنسب.
  • الرابع: التفاخر بالجمال، وأكثر ما يجري هذا بين النساء.
  • الخامس: التكبر بالمال، ويجري هذا بين الملوك في خزائنهم وبين التجار في بضائعهم، وبين الدهاقين في أراضيهم، وبين المتجملين في ملابسهم، وخيولهم، ومراكبهم.
  • السادس: التكبر بالقوة وشدة البطش.
  • السابع: التكبر بالأتباع والأنصار والتلامذة والغلمان وبالعشيرة وبالأقارب، ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود وبين العلماء في المكاثرة بالمستفيدين.
قال الغزالي: «وبالجملة فكل ما هو نعمة وأمكن أن يعتقد كمالًا وإن لم يكن في نفسه كمالًا أمكن أن يتكبر به».٢

وعلامات التكبر — كما ذكر الغزالي — تظهر في شمائل الرجل: كصعر خده، ونظره شزرًا، وإطراقه برأسه، وفي جلوسه متكئًا. وتظهر في مشيته، وتبختره، وقيامه وقعوده، وحركاته وسكناته، وفي سائر تقلباته في أحواله وأقواله وأعماله.

وإزالة الكبر — فيما يرى الغزالي — فرض عين، وهو لا يزول بمجرد التمني، بل بالمعالجة واستعمال الأدوية القامعة له.

علاجه

ولعلاجه طريقتان:
  • الأولى: قلع شجرته من مغرسها في القلب، وذلك بمعرفة المرء نفسه بالذلة، وربه بالعزة، إلى آخر ما قال الغزالي.
  • الثانية: دفع عارض الكبر، بدفع الأسباب الخاصة التي يتكبر بها الإنسان على غيره، وأنت لا تزال قريبًا من تلك الأسباب السبعة التي توجب التكبر فيما يراه، وقد وضع لكل سبب علاجًا خاصًّا، غير أنه لا يفترق كثيرًا عما لخصناه له من علاج العجب، فلنكتف به، فإن أسباب هاتين الرذيلتين تكاد تكون واحدة، وإن كانت الثانية نتيجة الأولى.
١  ٣٥٥ ج ٢.
٢  ص ٣٥٧ ج ٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤