حول الكون

قلنا في غير هذه الكلمة إنه كلما كان المصنوع أتم وأتقن وأهم وأعظم كان الصانع أعظم وأقدر على الصنع والإبداع، والآن نريد أن نعاود الكتابة ونعالج الموضوع من هذه الناحية، ناحية عظمة الكون؛ لنكون على شيء من العلم بهذه العظمة، فنقول: إن المعلوم لنا أن الأرض كبيرة جدًّا، وأنها هائلة عظيمة، بيد أنها حيال عظمة الكون لا تُذكَر في مقدمة ولا ساقة، ولدى التحقيق العلمي — على قول بعضهم — ليست بالشيء الذي يُذكَر إلى جانب العوالم التي لا يقع عليها حدٌّ ولا حصر، تلك العوالم التي لا أوَّل لها يُعرَف، ولا آخر يُوصَف.

نقول إن محيط الكرة الأرضية يبلغ ٢٣٧٠٠ ميل، وإنها تبعد عن الشمس بمقدار ٩٢٠٠٠٠٠٠ ميل تقريبًا، وإن النور يقطع مسافة البعد بين الاثنين في ٨ دقائق.

نقول: ولعلك آنست في الجو، وفي ليلة صافية خالية من السحاب؛ شيئًا كأنه سائل لبني أو كأنه تبن، إذا كنت رأيت ذلك في ليلة صافية فإنه المجرة، ويسمونها طريق التبانة، ويطلق عليها الإنكليز اسم: «الطريق اللبني»، أما أصحاب الدين فيسمونها أبواب السماء، وشمسنا واحدة من شموسها، وأنت تراها رأي العين، تعترض الجو من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي.

نقول: ولقد تطورت العلوم، واتسعت دائرة المعارف، وانفرجت زاوية الفكر، فزاد ذلك البصيص الضئيل من النور العلمي الذي يضيء جوًّا نعيش فيه، ونحضر مواقفه. ذلك بأن علم الفلك قد تقدم تقدمًّا حثيثًا بفضل المخترعات والاستكشافات، وبفضل ما أيده به العلم من المعدات التي تساعده على نيل حظه في المعرفة والبحث.

ولقد كان المعلوم المعروف، الذي يلقنه الأساتذة لطلاب العلم في معاهد العلم من أربعين سنة خلت أن الشموس التي وصل العلم إلى معرفتها في تلك المجرة لا تزيد على ١٨ مليون شمس، أما الآن — وفي هذا العصر — فقد عرف العلم من الشموس ما يبلغ ٢٤٢ مليون شمس.

هذا عدد ما وصلت إليه المعرفة، وما بلغه العلم من حيث الشموس، وقد يزداد الاختراع، وتزداد معرفة الإنسان، فتظهر الشموس وشموس أخرى غيرها، كما ظهرت في الماضي، وقد يكون لكلِّ شمس من هذه الشموس سيارات وتوابع.

يقول الدكتور «هيل»: إنه رأى في ألواح التصوير المتصلة بالتلسكوب الأكبر — البالغ قطر مرآته ١٠٠ بوصة — نحو ألف ألف سديم، يبلغ بعدها عنا (١٤٠) مليون سنة، ولقد أسلفنا القول بأن نور الشمس يصل إلى أرضنا أو يقطع المسافة الواقعة بين الشمس والأرض في ٨ دقائق و١٨ ثانية، وهذه المسافة يقطعها قطار السكة الحديدية في نحو ٣٦٥ سنة، وتقطعها قلة المدفع في نحو ١٢ سنة.

على أن هذه السدم منثورة في الفضاء الشاسع، منتشرة على أبعاد بعيدة جدًّا، يبلغ البعد بين الواحد والآخر منها نحو ١٨٠٠٠٠٠ سنة نورية، وفي كل سديم منها مادة تكفي لتكوين مليون شمس مثل شمسنا، ومعلوم أن الشمس واحدة من شموس المجرة، وأن المجرة نفسها سديم من السدم.

فهل لنا آذان نسمع بها، وهل لنا قلوب نفقه بها ونقدر هذه العظمة؟!

هذه لمعة مما نرغب في سرده من عظمة الكون، وسنردفها بغيرها من الكلمات التي نتبسط فيها ونستزيد من هذا الموضوع؛ حتى يعلم الذين في قلوبهم مرض وعليها غلف أن عظمة الخالق — جلَّ شأنه — أجل وأعظم من أن تُحدَّ أو تعلم، وإنما نحن نحاول أن نقرِّب إلى الأفهام ما عساه يقع لنا بهذه العقول الهيولانية الضعيفة، والله ولي التوفيق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤