الفصل الثاني

في تاريخ سورية الديني في القرن الثاني عشر

(١) في بطاركة أنطاكية وأورشليم في القرن الثاني عشر

أما في أنطاكية فبعد وفاة يوحنا الرابع الذي مر ذكره في تاريخ القرن الحادي عشر لا يعلم بتوكيد من خلفه، وجاء في جدول في الفاتيكان أن توادوسيوس خلف يوحنا المذكور، وأن يوحنا الخامس خلف توادوسيوس لكن هذا الجدول لا يعول عليه لاحتوائه على أغلاط ظاهرة، وبعد أن ملك الإفرنج أنطاكية أقاموا عليها بطاركة منهم، واستمر الروم يقيمون عليها بطاركة منهم لكنهم يسكنون بالقسطنطينية، ويعرف من هؤلاء أتناسيوس إذ ورد ذكره في مجمع عقد بالقسطنطينية سنة ١١٦٦، وقام بعد أتناسيوس سمعان الثاني ورد اسمه في رسالة كتبها إليه جيورجيوس متريبوليط كورشيرا، وأثبتها بارونيوس في تاريخ سنة ١١٧٨، ثم في سنة ١١٨٦ انتخب توادورس بلسامون الشهير، لكنه أقام دائمًا في القسطنطينية ونراه يشكو في أحد كتبه من أن اللاتينيين لا يدعون الروم يضعون أرجلهم في أنطاكية أو أورشليم أو طرسوس.

وقد انتقد بارونيوس كتاب بلسامون مبينًا ما فيه من المطاعن بالكنيسة الرومانية، ومن الأغلاط التاريخية والتحريف للقوانين، وتوفي بلسامون سنة ١٢١٤ وقيل: سنة ١٢٠٣، وكان من بطاركة أنطاكية الموارنة في هذا القرن البطريرك يوسف الجرجسي، وكان بعده البطريرك بطرس سنة ١١٢١ ثم البطريرك غريغوريوس الحالاتي، وأرسل وفدًا إلى البابا الثاني سنة ١١٣٠، ثم يعقوب من رامات، وله أثر في سنة ١١٤١، ثم خلفه يوحنا السابع من لحفد سنة ١١٥١، واستمر إلى سنة ١١٧٣، ووجد بعدئذٍ بطريرك أو بطريركان نجهل اسمهما إلى أن صير إرميا العمشيتي بطريركًا سنة ١١٨٣ سندًا إلى خط كتبته يده، وحضر المجمع اللاتراني سنة ١٢١٥ وتوفي بعد ذلك.

وأما بطاركة أورشليم ففي تاريخهم في هذا القرن غموض وتشويش، فلا يعلم علمًا أكيدًا من خلف سمعان الذي توفي سنة ١١٩٩، فقيل: أغابيوس وخلفه سابا، ثم خلف أوخاريوس سابا وأنه كان سنة ١١٤٦، ولكن قال لاكويان: إنه أوخاريوس الذي ذكره دوزيتاوس البطريرك الأورشليمي ربما تصحف عليه باسم فلكاروس البطريرك اللاتيني على أورشليم، ثم ذكر دوزيتاوس يعقوب وأرسانيوس ويوحنا السابع ونيكوفر الثاني الذي شهد المجمع الذي عقد في القسطنطينية سنة ١١٦٦، وصير بعد نيكوفر أتناسيوس ولما فتح صلاح الدين أورشليم، ورحل منها هرقل البطريرك اللاتيني إلى عكا سار أتناسيوس إلى أورشليم، وقد كتب إليه جيورجيوس متريبوليط كورشيرا رسالة أثبتها بارونيوس في تاريخ سنة ١١٨٨، وخلف لاونتيوس أتناسيوس المذكور، وخلف دوزيتاوس لاونتيوس، ونُقل دوزيتاوس سنة ١١٩٣ إلى بطريركية القسطنطينية، ولكن لم يرضه الشعب وسخر منه، فاضطر أن يترك القسطنطينية ويعود إلى أورشليم، وطرد مرقس الذي كان قد أقيم بطريركًا على أورشليم، ولا يعلم ما كان لمرقس بعد ذلك ولا متى توفي دوزيتاوس.

(٢) في بعض من أساقفة سورية في هذا القرن

توما أسقف كفر طاب

كان أسقفًا يعقوبيًّا على كفر طاب من أعمال حلب اختلف مع رؤساء ملته، وحالف أتباع بدعة المشيئة الواحدة، وكتب كتابًا سماه المقالات العشر ضمنه تعليمه بالبدعة المذكورة، وأرسله إلى يوحنا البطريرك الأنطاكي وادعى أنه ماروني ليخدع الموارنة بهذا الضلال؛ لأنه سار إلى لبنان سنة ١١٠٤ أو سنة ١١٠٥، وأقام بجبة يانوح أربع سنين، وأتى إلى جبة بشري، فأقام بها ونشر كتابه المذكور وكتب رسالة إلى أرسانيوس مطران العاقورة قال فيها: «إن القديس مارون وقدماء الموارنة كانوا يعتقدون المشيئة الواحدة.» فأجابه المطران أرسانيوس ناقضًا زعمه ومبينًا ضلاله، وقاومه أيضًا يوسف الجرجسي بطريرك الموارنة وقتئذٍ فنبذ الموارنة ضلاله، ولم ينخدع به إلا خوري قرية فرشع ببلاد جبيل، ونفر قليل فعاد بخفي حنين نادبًا سوء منقلبه وضياع تعبه، وكان قد عني لتغرير الموارنة بتحريف بعض كتبهم ككتاب إيضاح الإيمان للقديس يوحنا مارون، وكتاب الهدى للمطران داود الماروني مدخلًا عليهما ما يوافق ضلاله لجهة الاعتقاد بمشيئة واحدة في المسيح، ولم نعثر على ما كان من أمره بعد عوده من لبنان سنة ١١١٠، أو سنة ١١١١ ولا متى كانت وفاته.

غوليلموس أسقف صور

يظهر من كلام بعض المحققين أن غوليلموس هذا كان سوريًّا أصلًا، ولد بأورشليم سنة ١١٢٧ وتخرج بالعلوم في المغرب، ولما عاد إلى أورشليم سنة ١١٦٢ أحبه أموري ملك أورشليم، وعني بأن أقيم رئيس شمامسة في صور سنة ١١٦٧، وعهد إليه بتربية ابنه بودوين الرابع وأوفده مرات إلى القسطنطينية ورومة، وسعى بعقد معاهدة بينه وبين عمنوئيل ملك الروم سنة ١١٦٨، ثم صير أسقفًا لاتينيًّا على صور سنة ١١٧٤، ولما انتخب هرقل لبطريركية أورشليم اللاتينية سنة ١١٨٠ أبى غوليلموس أن يخضع لسلطته معترضًا على انتخابه فحرمه البطريرك، فاستغاث غوليلموس بالحبر الروماني وسار إلى رومة، فمات هنالك بغتة وقيل: مسمومًا، وأشهر مؤلفات غوليلموس تاريخه الشهير في اثنين وعشرين كتابًا، وقال في مقدمته إن أموري ملك أورشليم اقترحه عليه، وأنه دفع عليه بعض الكتب العربية، وأنه اعتمد منها على أقوال الرجل المحترم سعيد بن البطريق البطريرك الملكي الإسكندري، ومما انتحله عنه تهمته الشهيرة للموارنة بأن القديس مارون زعيمهم ابتدع بدعة المشيئة الواحدة في المسيح، وقد فند كثير من العلماء الأعلام هذه التهمة، وتابعتهم على ذلك في كثير من كتبي ومقالاتي، ويقال: إن لغوليلموس تاريخًا للعرب أضاعته الأيام.

وكان في هذا القرن ديوانيسيوس بن صليبا أسقف أمد وهو يعقوبي، وله مؤلفات منها شرح على رتبة القداس انتحل به بعض كلام القديس يوحنا مارون في كتابه شرح هذه الرتبة أيضًا، وله أيضًا مؤلف في تفسير العهدين، وكتب في اللاهوت وفي الرد على البدع، وفي الميرون والدرجات المقدسة، ومقالة في سر الاعتراف والتوبة وثلاثة نوافير للقداس وغيرها، وتوفي على الراجح سنة ١١٩٢، وكان أيضًا ميخائيل بطريرك اليعاقبة الموصوف بالكبير، ومن مؤلفاته نافور للقداس ومقالة في الاستعداد إلى تناول القربان الأقدس، وفي لزوم التوبة والاعتراف، وعده ابن العبري في جملة المؤلفين في القوانين البيعية، وله كتاب في الرتب الحبرية، ويعزى إليه كتاب قديم وجد بالرها متضمنًا جداول بطاركة اليعاقبة والأساقفة الذين رقاهم، كل منهم من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر، ترجمه إلى الإفرنسية المونسنيور شابو، ونشره في المجلة الموسومة بالمشرق المسيحي وتوفي سنة ١٢٠٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤