الفصل الثاني

في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السابع عشر

في السلاطين الذين تولوها في هذا القرن وما كان في أيامهم

(١) في ما كان بسورية في أيام السلطان أحمد الأول

بعد وفاة السلطان محمد خان الثالث خلفه ابنه أحمد خان الأول سنة ١٦٠٣، ومما كان في أيامه بسورية خروج علي باشا جان بولاد الذي أصله من الأكراد، وتأويل اسمه ذو النفس التي من بولاد (فولاذ) لشدة بأسه، فهذا كانت حرب شديدة بينه وبين يوسف باشا ابن سيفا، فاستحوذ على حلب وأراد الاستقلال بولايتها، فعاجله مراد باشا المعروف بقبوجي باشا الصدر الأعظم بالعساكر السلطانية، فبلغ إلى حلب سنة ١٦٠٧، فخرج جان بولاد من حلب لملتقى العساكر، فانذعر جان بولاد وتشتت عسكره، فعاد إلى حلب وحصن قلعتها، فتتبع مراد باشا أثره وحاصر المدينة وافتتحها وأقام المنجنيقات على القلعة، وراسل الحامية التي فيها واعدًا إياهم بخلع ومناصب، فاستسلموا إليه وسلموه القلعة فقتلهم عن آخرهم، ونادى بقتل كل من كان من تبعة جان بولاد فقُتل منهم كثيرون، وانهزم الباقون وتشتتوا، وأُسرت عيال جان بولاد وجواريه ووالده وفر هو إلى القسطنطينية، فعفا السلطان عنه ونصبه واليًا في إحدى ولايات المغرب، ولجأ بعض آله إلى الأمير فخر الدين المعني والي الشوف، وينسب إليه آل جنبلاط.

وكان في أيام هذا السلطان أيضًا الأمير فخر الدين المعني، فمعن جد هذه الأسرة هو من رؤساء العشائر التي أسكنها سلاطين المسلمين بسورية لمقاومة الإفرنج، وحل معن وعشيرته بالشوف، وكانوا مسلمين على الأصح، واتفقوا مع التنوخيين حكام الغرب بلبنان، ومع الأمراء الشهابيين الذين احتلوا وادي التيم، وكانت بين هاتين الأسرتين مصاهرة وقام فيهم أمير يسمى يوسف تولى الشوف، وخلفه الأمير فخر الدين ابن أخيه عثمان، وكان في وقعة مرج دابق بين الغوري والسلطان سليم الأول بمعية الغزالي نائب دمشق، ويعرف بفخر الدين الأول وتوفي سنة ١٥٤٤، وخلفه ابنه الأمير قرقماس وتوفي سنة ١٥٨٤ في مغارة تيرون تحت جزين فارًّا من وجه إبراهيم باشا، وله ولدان صغيران يونس وفخر الدين خبأتهما أمهما عند الشيخ إبراهيم الخازن ببلونة كما مر، ثم أخذا إقطاع والدهما بالشوف … وفخر الدين هذا يوصف بالثاني والشهير، وفي سنة ١٦٠٥ كانت له وقعة أخرى بجونية مع يوسف باشا سيفا والي أطرابلس وغزير وكان الظفر فيها للأمير فخر الدين، وانهزم يوسف باشا فأقام فخر الدين الشيخ يوسف بن الأسلماني حاكمًا من قبله في غزير، وفي سنة ١٦٠٦ حارب أحمد باشا حافظ دمشق الأمير يونس الحرفوش، ثم الأمير أحمد الشهابي واستمد الأميران فخر الدين علي الحافظ، وأمدهما فاضطر الحافظ أن ينكف عن حربهما.

وكان الأمير فخر الدين حليفًا لجان بولاد المار ذكره، ولما قهره مراد باشا أظهر حنقه على فخر الدين، فأرسل إليه ابنه عليًّا واستعطف بخاطره بدفعه ثلاثمائة ألف قرش فعفا الوزير عنه وأنعم على ابنه بولاية صيدا وبيروت وغزير، وفي سنة ١٦٠٩ كانت فتنة بين المسلمين سكان قرية مجدل معوش، واتفق الفريقان المتخاصمان على بيع القرية والخروج منها، فاشتراها الأمير علي بن فخر الدين باثني عشر ألف قرش، وأسكن النصارى فيها، ثم حضر يوحنا مخلوف بطريرك الموارنة، وأقام بها مدة وبنى فيها دارًا وكنيسة، وفي سنة ١٦١١ توفي مراد باشا وخلفه في منصب الصدارة نصوح باشا، فأرسل إليه فخر الدين خمسة وعشرين ألف قرش وخيلًا جيادًا، فلم يبد نصوح باشا البشاشة المعتادة لرسوله وإن قبل الهدية، ثم حضر إلى حلب فأرسل إليه فخر الدين خمسة وعشرين ألف قرش أخرى وخمسين ألف قرش خدمة للسلطان، ومع ذلك لم يصف خاطر الصدر الأعظم وكان آخذًا عليه إنجاده للأمير يونس الحرفوش والأمير أحمد شهاب علي حافظ دمشق، وإرساله إليه الهدية أقل مما أرسله إلى مراد باشا.

وتوجه حافظ دمشق إلى حلب سنة ١٦١٢، فأوعز صدر الصدر الأعظم على فخر الدين وعاد إلى دمشق، فعزل الأمير حمدان بن قانصوه عن ولاية عجلون، والشيخ عمرًا شيخ العرب المفارجة عن ولاية حوران، فنجد الأمير فخر الدين المعزولين حتى لم يتمكن حافظ دمشق من تنفيذ أمره، فرفع عريضة إلى الباب العالي يشكو بها الأمير فخر الدين بأنه غزا حوران وأنه محاصر دمشق، فجهز السلطان عسكرًا بقيادة نصوح باشا الصدر الأعظم، ولما دخل الوزير دمشق استسلم الأمير يونس الحرفوش والأمير أحمد شهاب المذكوران، ولم يركن فخر الدين أن يستسلم إلى الوزير، ولم يشأ أن يحارب عسكر السلطان، وقصد أن يعتزل بالبرية فبلغه أن الأمير أحمد شهاب قطع عليه طريق جسر المجامع، ولما وصل إليه الأمير علي بن فخر الدين صده الأمير أحمد وقتل كثيرين من رجاله، فجمع فخر الدين رؤساء حزبه في الدامور، واستنهضهم للقتال فرأى عزيمتهم باردة فعزم على السفر إلى أوروبا، وحصن قلعة شقيف أرنون وقلعة بانياس، ومغارة نيحا، وجعل فيها ما يكفي من المؤن والعدد وسلمها إلى بعض رجاله، وسلم ابنه الأمير عليًّا إلى الشيخ عمرو الذي كان قد استرجع ولاية حوران، وأوصى ذويه أن يكونوا يدًا واحدة ولا يغتروا بعهود أو مواعيد، وسار إلى إيطاليا إلى أمير توسكانا ومعه بعض حاشيته وواحدة من نسائه، وسار أخوه الأمير يونس من بعقلين فاستقر بدير القمر فصارت مركزًا لهم.

أما أحمد باشا حافظ دمشق فولى حسين باشا بن سيفا على بيروت، والشيخ مظفر رئيس اليمنية على الشوف، وابن البستنجي على صيدا، وزحف هو بعسكر على الشوف، وحاصر قلعة شقيف أرنون وقلعة بانياس، ولما لم يرَ له مطمعًا في فتحها سرح عساكره إلى قرى البلاد تنهب وتحرق، فطلب الأمير يونس الأمان من حافظ دمشق وجرى القرار أن يدفع له الأمير يونس مائة ألف قرش كفلها بعض وجوه البلاد، فعاد الحافظ إلى دمشق ومعه الكفلاء، ثم أرسل المبلغ إليه إلا عشرين ألف قرش كانت مرسلة بيد أحمد بن العكس، ففر بها فعاد الحافظ إلى البقاع ثم دخل دير القمر بعسكره عنوةً، وحرق منازل المعنيين وشتت رجالهم، وتحصن الأمير يونس مع أربعمائة رجل من وجوه الشوف بقلعة بانياس، وأرسل الحافظ فريقًا من عسكره ليغزو وادي بسرة فحاربهم أهل الشوف، وقتلوا منهم ستمائة رجل، فجهز الحافظ ثمانية آلاف رجل وأرسلهم إليهم، فانتصر الشوفيون عليهم وأباح الحافظ عسكره أن ينهبوا قرى الشوف ويحرقوها … فورد الخبر أن نصوح باشا الصدر الأعظم قُتل فخاف الحافظ، وعاد إلى دمشق.

وفي سنة ١٦١٣ عزل السلطان أحمد باشا الحافظ عن منصبه في دمشق، وولى مكانه محمد باشا جركس، فأمَّن الفارين وأمر بعودهم إلى أوطانهم، وأرسل فرمان العفو ومنديل الأمان إلى الأمير فخر الدين، وولى الأمير عليًّا ابن فخر الدين على صفد وعمه الأمير يونس على صيدا وبيروت وما يليهما، وأمر حسين باشا ابن سيفا أن يرفع يده عن بلاد كسروان وبيروت، ولا يحامي الشيخ مظفر حاكم الشوف ولا الأمير محمد بن جمال الدين في الشويفات، ولا المقدمين بيت الصواف بالشبانية، فلم يمتثل حسين باشا الأمر بل اتفق مع الأمير شلهوب الحرفوش، وأمراء رأس نحاش وسرحوا ألفي مقاتل لمقاومة المعنيين، فجمع الأمير يونس والأمير علي ابن أخيه ثلاثة آلاف رجل، والتقى الفريقان عند عين الناعمة، وطرد المعنيون رجال حسين باشا إلى قرب الشويفات، وقتلوا منهم مائتي رجل، وجرت في ذلك اليوم مقاتلات في قرى كثيرة من الشوف بين القيسية واليمنية، فكان الفوز في كلها للقيسية الذين هم من حزب آل معن، وحمل الأمير يونس في اليوم التالي على بيروت، فاستسلم أهلها إليه فأمنهم ثم أباح عسكره أن ينهبوا قرى الغرب والجرد والمتن؛ لأن أهلها نهبوا قرى الشوف في أيام الحافظ، وحرق رجال الأمير يونس حينئذٍ دار الأمير محمد بالشويفات، ودار المقدمين بيت الصواف بالشبانية، وأخذ الأمير حسين عياله وعيال أخيه من غزير إلى عكار، فولى الأمير يونس الشيخ أبا نادر الخازن ومملوكه ذا الفقار على كسروان، ونصب عمالًا في باقي البلاد وفر الشيخ مظفر الذي كان واليًا بالشوف إلى الضنية، ثم توطن شدرا بعكار.

وسنة ١٦١٦ قتل والي حلب حسن باشا سيفا أخا حسين باشا المار ذكره، وعزل أحمد باشا الجوخ دار والي دمشق الأمير عليًّا ابن فخر الدين من ولاية صفد، وولى عليها حسين اليازجي، وشق ذلك على الأمير علي فكانت وقعة بينه وبين اليازجي قُتل فيها اليازجي، وتشتت رجاله واسترضى الأمير علي والي دمشق فصدر أمر الباب العالي له بولاية صفد وصيدا وبيروت، وفي سنة ١٦١٧ عاد الأمير فخر الدين إلى لبنان بعد تغيبه خمس سنين، وفيها توفي السلطان أحمد خان الأول.

(٢) في ما كان بسورية في أيام السلطانين مصطفى الأول وعثمان الثاني

إن السلطان أحمد الأول عهد قبل وفاته بالملك إلى أخيه مصطفى؛ لأن ابنه كان صغيرًا لكنه لم يستمر على عرش الملك هذه الدفعة إلا ثلاثة أشهر، وعزله أصحاب المطامع ونصبوا مكانه السلطان عثمان الثاني ابن أحمد الأول، فبقي على العرش مدة خمس سنين ثم خلعه الإنكشارية، وأعادوا السلطان مصطفى خان المذكور إلى الملك، وفي سنة ١٦١٨ تولى عمر باشا الكاتبجي أطرابلس، وبقيت ملحقاتها بيد يوسف باشا سيفا، فاستنجد عمرُ باشا الأميرَ فخر الدين على يوسف باشا، فجمع الأمير عساكره وزحف إلى يوسف باشا فاعتصم بحصن عكار وحاصرته العساكر فيه، فاستنجد نائب دمشق ونائب حلب فجمعا العساكر، وبلغا إلى حماة وكاتبا عمر باشا والأمير فخر الدين؛ ليرفعا الحصار عن يوسف باشا فلم يرفعاه حتى دفع إليهما مائة ألف قرش، ودون صكًّا آخر للأمير فخر الدين بمائة ألف قرش أخرى، وعاد الأمير فخر الدين فحاصر قلعة جبيل وهي بولاية آل عساف، ثم أمَّن من كانوا بها وأمر بهدمها، وولى على بلاد جبيل الشيخ أبا نادر الخازن وفتح قلعة أسمر جبيل ولم يهدمها، وولى على بلاد البترون المقدم يوسف بن الشاعر، ثم ورد أمر من الباب العالي بتقرير يوسف باشا سيفا في ولاية أطرابلس لكن لم يبق عليها إلا مدة وجيزة.

وفي سنة ١٦١٩ أقام والي دمشق على ولاية أطرابلس حسين باشا الجلالي، وجعل مصطفى أغا كتخدى الأمير فخر الدين على جبلة واللاذقية، وأمره أن يهدم القلاع التي كانت بيد يوسف باشا سيفا، وأن يضبط أملاكه التي هناك فأرسل يوسف باشا ابنه الأمير حسن إلى فخر الدين؛ ليستعطف رضاه عنه فلقيه فخر الدين بالترحاب، وعقد الأمير علي بن فخر الدين على ابنة الأمير حسن المذكور، وللأمير بلك بن يوسف باشا على بنت الأمير علي المذكور، ووجه يوسف باشا بعض أعوانه إلى الأستانة فنال الأمر بعزل حسين باشا الجلالي عن ولاية أطرابلس، وإعادة يوسف باشا إليها، وفي سنة ١٦٢٠ أرسل حسين باشا الصدر الأعظم أمرًا إلى الأمير فخر الدين بأن يستحصل من يوسف باشا ما يطلب للخزينة منه، فسار فخر الدين إلى أطرابلس ولما بلغ إلى البحصاص في خارجها انتقل يوسف باشا إلى جبلة، وأرسل ابنه الأمير حسنًا إلى فخر الدين فباعه جميع مختلفات آل عساف ببيروت، ومزرعة أنطلياس ودار غزير … وبعد أن تسلم صك البيع أرسل إلى يوسف باشا يطالبه بما عليه للخزينة، فأجبر يوسف باشا أن يدفع واستنجد بسليمان باشا والي دمشق وبعرب حمص والبقيعة، فحاصر فخر الدين أطرابلس وفتحها، ولكن لم يقوَ على فتح قلعتها، وخرج فخر الدين إلى النهر البارد والتقى الفريقان، فكانت موقعة هلك بها خلقٌ كثير منهما، ثم ورد أمر سام للأمير فخر الدين أن ينكف عن مطالبته ليوسف باشا، فعاد فخر الدين إلى بلاده.

وفي سنة ١٦٢١ أحيلت ولاية أطرابلس إلى عمر باشا الكتمانجي، وورد أمر للأمير فخر الدين أن يساعده إذا قاومه يوسف باشا سيفا، وبلغ ذلك إلى يوسف باشا فتنحى عن أطرابلس وسار إلى عكار، وأرسل فخر الدين فطرد أتباع يوسف باشا من جبة بشري، وولى عليها الشيخ أبا صافي الخازن، وسلمت ولاية عجلون إلى الأمير حسين بن فخر الدين، ثم كررت الأوامر بضبط أملاك يوسف باشا وبيعها، وإيراد ثمنها إلى الخزينة السلطانية بعد وفاء الدين الذي عليه، وولى عمر باشا أحمد بك على حماة، وجعفر أفندي على جبلة، وفخر الدين على جبيل والبترون وجبة بشري والضنية وعكار … فجمع فخر الدين رجاله، وسار إلى أطرابلس وخرج إلى لقائه عمر باشا واليها وأعيانها، ثم عزل محمد باشا عن منصب الصدارة ورقى إليه قرا حسين باشا، فأصدر الأمر بإعادة يوسف باشا سيفا إلى ولاية أطرابلس، فاضطر عمر باشا واليها أن يعود مع فخر الدين إلى بيروت ومنها إلى الأستانة.

وفي سنة ١٦٢٢ عزل والي دمشق جماعة فخر الدين عن نابلس وعجلون بدسيسة من الأمير يونس الحرفوش، فنهض فخر الدين إلى قب إلياس وطلب الأمير حسين بن يونس الحرفوش، ولما حضر إليه ادعى أنه اشترى دار قب إلياس وأرض تل نمرا وغيرهما في البقاع، وقد غصب هو وأبوه هذه الأملاك، فأنكر الأمير حسين ذلك وفر إلى بعلبك ثم سار هو وأبوه إلى الزبداني، ونهب رجال فخر الدين قرى البقاع، وضبطوا ماشيتها وهدموا دار قب إلياس، وتوجه الأمير يونس إلى دمشق، ودفع إلى واليها ألف ذهب زيادة من مال صفد وعجلون، فولاه صفد وولى على عجلون الأمير بشير قانصوه، فكتب فخر الدين إلى الأمير علي الشهابي وإلى حسن الطويل، فأحرقا بعض قرى عجلون، ثم سار الأمير فخر الدين بعسكر لغزو بلاد الأمير أحمد طربية والأمير بشير قانصوه، فنهب رجاله المواشي والأثاث واقتتلوا مع العرب في تلك الجهة، فقُتل كثيرون من الفريقين ثم نال فخر الدين أمرًا من الباب العالي بتقرير ولاية صفد على ابنه الأمير علي، وتوجه إليها فهرب الأمير يونس الحرفوش، ورتب فخر الدين أمورها، وعند عودته قتل رجاله ثلاثين رجلًا من أتباع الأمير يونس، وأحرقوا الكرك وسرعين وغيرهما.

وفي سنة ١٦٢٣ وقعت نفرة بين مصطفى باشا والي دمشق والأمير فخر الدين، فسار الوزير من دمشق في عشرة آلاف مقاتل، وضوى إليه الأمير يونس الحرفوش وآل سيفا، فالتقاهم الأمير فخر الدين ومعه الأميران علي وأحمد شهاب والتحم القتال عند نبع عنجر، وكان الظفر لفخر الدين، وتشتت عسكر الوزير ولم يبق حوله إلا عشرة رجال، ووصل إليه الأمير فخر الدين فترجل عن جواده، وقبَّل ذيله وأكرم رجاله وأركبه جواده، وأرسل معه بعض حاشيته إلى قلب إلياس وسار الأمير في أثره، فدخل عليه معتذرًا له عما كان فاعتذر الباشا له أيضًا بأن الأمير يونس الحرفوش حمله على ذلك، وخلع على الأمير وقرر عليه وعلى جماعته سناجق عجلون وصفد ونابلس، وبقاع العزيز، وسارا معًا إلى بعلبك، ففر الأمير يونس الحرفوش إلى معرة النعمان، وغنم رجال الأمير غلال آل حرفوش، وكانت وافرة، وبقي رجال الأمير يونس معتصمين بالقلعة، وحصرهم بها رجال فخر الدين وشاع أن والي حلب قبض على الأمير يونس، فقطع رجاله الرجاء منه وسلموا قلعة بعلبك إلى فخر الدين.

ثم غزا فخر الدين بلاد عجلون ونابلس وسار إلى نهر العوجاء، فكبس العرب ابنه الأمير علي والأميرين محمد وأحمد الشهابيين، إذ كانوا آتين إليه وقتلوا من رجالهم نحو ستة وخمسين رجلًا وحاصر أهل بلاد حارثة رجال فخر الدين في قلعة جنين، وأخرجوهم منها وكثرت تعدياتهم على بلاد فخر الدين، فجمع رجاله وسار لقتال الأمير بشير قانصوه والعرب بني طربية وكثرت المراسلات بينهم وأخيرًا دخل الأمير بشير المذكور في طاعة فخر الدين، فأقامه نائبًا لابنه الأمير حسين في تدبير بلاد عجلون كما كان أولًا، واتفق مع العرب المذكورين.

(٣) في ما كان بسورية في أيام السلطان مراد خان الرابع

في سنة ١٦٢٣ خلع الإنكشارية السلطان مصطفى من عرش السلطنة، وأجلسوا عليه السلطان مراد الرابع ابن السلطان أحمد الأول، وكان صغيرًا عند تسنمه منصة الملك، ومما كان في أيامه وفاة يوسف باشا سيفا سنة ١٦٢٤، وتولى أطرابلس بعده ابنه الأمير قاسم الذي كان حاكمًا جبلة، واستمر ابنه محمود حاكمًا في حصن الأكراد، وابنه الأمير بلك في عكار، ثم حشد الأمير فخر الدين جيشًا سار به إلى بعلبك ثم جبة بشري، ونزل منها إلى أطرابلس … واستمر جماعته ينهبون ويسلبون مدة أربعين يومًا حتى وصل إليها وزير حلب ومصطفى باشا من قبل الصدر الأعظم واليًا عليها، فجار وظلم وولى على عكار الأمير سليمان بن سيفا فهرب أولاد عمه ويوسف باشا إلى الحصن.

وفي سنة ١٦٢٥ أقرت الدولة فخر الدين على ولاية بعلبك، فهرب الأمير حسين ابن الأمير يونس الحرفوش إلى حلب، وأخذ يسعى عند واليها بالأمير فخر الدين، فأمسكه الوالي في قلعة حلب لتحقيق وشايته، وكان حينئذٍ أن مصطفى باشا والي أطرابلس استنجد فخر الدين على آل سيفا، فحشد الأمير عسكرًا ضخمًا، وزحف به من بيروت إلى البقاع والهرمل، وكان الأمير سليمان بن سيفا معتصمًا بحصن صافيتا، فلما بلغه خبر قدوم فخر الدين أطلق رجاله وهرب إلى سلمية؛ ليعتضد بالأمير مدلج رئيس قبيلة من العرب، فقبض مدلج عليه وألقاه بالفرات، وسلم آل سيفا إلى فخر الدين قلعة الحصن وقلعة المرقب، فرضي عنهم وأقنع صاحب أطرابلس بأن لا يسطو عليهم.

وفي سنة ١٦٢٦ قدمت الشكوى على الأمير فخر الدين، فسار خليل باشا الصدر الأعظم إلى حلب قاصدًا محاربته، فأرسل إليه هدايا ووعده بتسليم قلاع الحصن وصافيتا وشميسة والمرقب إليه، فارتضى الوزير بذلك وقتل الأمير حسين يونس الحرفوش الذي كان ممسكًا بقلعة حلب.

وفي سنة ١٦٢٧ تولى فخر الدين محافظة إيالة أطرابلس، فأنشأ قناة القاع وعمر القليعات في عكار ونصب في مغراقها أربعة عشر ألف نصبة توت، وفي سنة ١٦٣٠ زحف إلى بعلبك قاصدًا الاستيلاء على قلعة تدمر فأخذها من والي دمشق، وفي سنة ١٦٣١ كانت وقعة بين الأمير علي بن فخر الدين والأمير أحمد قانصوه وغيره في صفد، وظفر بهم الأمير علي وسألوه الصلح فصالحهم، وفي سنة ١٦٣٢ بنى فخر الدين ببيروت البرج الكشاف وخان الوحوش والجنينات.

وفي سنة ١٦٣٣ كثرت الشكاوى على الأمير فخر الدين، فأمر السلطان مراد كجك أحمد والي دمشق أن يجرد جيشًا عليه، فخرج من دمشق بعسكرٍ ضخم وحل في صحراء خان حاصبيا، وأغار على بلاد وادي التيم إقطاع الأمراء الشهابيين، فنهبوا وقتلوا وأحرقوا، فأتى الأمير علي بن فخر الدين من صفد، وباغت العساكر ليلًا، فاختلط الجيشان وقام الأميران قاسم وحسين الشهابيان لنجدة الأمير علي، فتشتت عسكر والي دمشق وتتبع الأميران الشهابيان آثارهم مسافة ساعتين، ولما رجعا وجدا الأمير عليًّا قتيلًا وبجانبه عصبة من غلمانه وأصحابه، ولم يعلم من قتله، ولما بلغ ذلك فخر الدين وجد على ابنه جدًّا، وبلغ السلطان خبر تشتيت عسكر والي دمشق، فأمر بإهلاك آل معن جميعًا وأرسل الأسطول السلطاني إلى بيروت بقيادة جعفر باشا، وضوى إليهم آل سيفا وآل علم الدين وأتى والي دمشق إلى صيدا، فانفض آل معن من وجه هذه الجيوش، ففر الأمير حسين بن فخر الدين مع مدبره الشيخ أبو نوفل الخازن إلى قلعة المرقب، والأمير ملحم بن الأمير يونس أخي فخر الدين إلى عجلون إلى الأمراء آل طربية، وانهزم فخر الدين إلى قلعة شقيف تيرون قرب نيحا، وتحصن بها مع مدبره الشيخ أبي نادر الخازن، وبقي الأمير يونس أخوه بدير القمر، فوجه جعفر باشا رئيس الأسطول عسكرًا إلى قلعة المرقب فقبض على الأمير حسين، وسيره إلى الصدر الأعظم الذي كان بحلب، وطلب والي دمشق الأمير يونس أن يحضر إليه آمنًا، فحضر فضرب عنقه، ونهض من صيدا فنهب قرى الشوف وقتل بعض سكانها، وولى عليها الأمير عليًّا ابن علم الدين اليمني، وتوجه فحاصر قلعة تيرون حيث فخر الدين، وأفسد الماء المنحدر إليها، فانهزم فخر الدين منها ليلًا بحاشيته إلى المغارة التي تحت جزين، فلحقه والي دمشق إليها واستحوذ عليها وقبض على فخر الدين وأولاده ومدبره الشيخ أبي نادر الخازن، وأطلق الحريم وأخذ من قبض عليهم إلى دمشق، وأرسل يطلب الأمير ملحم من الأمراء آل طربية، فسلموه إلى إبراهيم أغا مدبر الوزير، ولما صلوا به إلى خان الشيخ فر، واختبأ تحت معبر الماء القريب من هناك فخرجوا في طلبه، فلم يهتدوا إليه، ثم نهض من مخبأه وسار إلى قرية عرنة في جبل الشيخ، واختبأ عند رجل من حزبهم، وأما الأمير فخر الدين وأولاده فأشخصوه إلى الأستانة، وأما الشيخ أبو نادر الخازن، فكفله الأمير علي علم الدين وأخرجه من دمشق وابنه الشيخ أبو نوفل نادر، فهرب من حلب وعاد إلى لبنان.

ولما مثل الأمير فخر الدين بحضرة السلطان لامه على أمور كثيرة، فاحتج عن نفسه بأنه ما جمع رجالًا إلا بأمر الوزراء والنواب، ولا قتل إلا العصاة والقلاع التي أخذها منهم سلمها إلى رجال الدولة، فطيب السلطان خاطره.

وقبض الأمير علي علم الدين على أصحاب المناصب المعنيين وقتلهم وسلب أموالهم، ودعا الأمراء التنوخيين بأعبية إلى الغداء فغدر بهم، وقتل منهم الأمراء يحيى ومحمود وناصر الدين وسيف الدين، ودهم أبناءهم الصغار في البرج وقتلهم، فانقرضت بهؤلاء سلالة أمراء الغرب التنوخيين ولم يتحمل الأمير ملحم يونس معن هذا الجور، وراسال القيسيين أصحابه، فاجتمع عليه جمعٌ منهم فنهض من عرنه حيث كان مختبئًا إلى الشوف، وضوى إليهم أصحابهم من كل جهة، وساروا لقتال الأمير علي علم الدين، والتقى الفريقان في المقيرط فوق مجدل معوش ودارت الدوائر على اليمنية، وارفض جمع الأمير علي علم الدين وقُتل منهم نحو ثلاثمائة رجل، وكان مدبر والي دمشق معهم فقتل، واشتد ساعد الأمير ملحم معن، وهرب الأمير علي إلى أطرابلس وسار منها إلى دمشق مستجيرًا بواليها كجك أحمد، فأجاره وأصحابه بخمسمائة مقاتل فالتقاهم الأمير ملحم إلى قب إلياس واتقعوا، فاضطر الأمير ملحم أن يرجع إلى الشوف بعد أن خسر نحو أربعمائة رجل، وحينئذ جدد والي دمشق الشكوى على آل معن وقال: إن أحدهم الأمير ملحم ابن أخي الأمير فخر الدين جمع الرجال، وقتل مدبر ولاية دمشق وفتك بالعسكر، وقصد أن يحاصر دمشق، فحنق السلطان مراد خان وأمر بقتل الأمير فخر الدين وأبنائه الأمراء منصور وحيدر وبلك الذين كانوا معه بالأستانة فقتلوا، ولم يبق منهم إلا الأمير حسين الذي كان الصدر الأعظم قد أحضره من حلب إلى الأستانة، وإلا الأمير ملحم المذكور، وولى السلطان آل سيفا على إيالة أطرابلس واليمنية آل علم الدين على الشوف، وفي أيام فخر الدين اعتز النصارى وبنوا الكنائس، وقدم إلى سورية المرسلون الأوروبيون، وكان أكثر عسكره من النصارى، ومدبرو حكومته، وأخص خدامه من الموارنة.

وفي سنة ١٦٣٤ تولى إيالة أطرابلس قاسم باشا ابن يوسف باشا سيفا، ثم اعتزل وأقام أعيان أطرابلس مكانه ابن أخته الأمير علي محمد سيفا، ونهض لمحاربة الأمير عساف بن يوسف باشا سيفا، فانهزم الأمير علي إلى بيروت لائذًا بالأمير علي علم الدين السابق ذكره، فجمع هذا عسكرًا سار به ومعه الأمير علي سيفا فاستولى على بلاد جبيل وجبة المنيطرة، فهب الأمير عساف ومعه المشائخ الحمادية لمناصبتهم فأحرق جبة المنيطرة، وقتل بعض أصحابهم وسار الأمير علي سيفا ومعه زين الدين الصواف إلى قرية إيعال بالزاوية، فكبسهما الأمير عساف فانتصرا عليه وقتلا من أتباعه، وعاد الأمير علي إلى ولاية أطرابلس، وضم إليها بلاد جبيل والبترون.

وفي سنة ١٦٣٥ تولى إيالة أطرابلس مصطفى باشا النيشانجي، وعهد بولاية جبيل والبترون والضنية إلى الأمير علي سيفا سالفه، ونصب على جبة بشري الشيخ أبا كرم يعقوب الحدتي والشيخ أبا جبرائيل يوسف الأهدني، ولما أُمر مصطفى باشا أن يتوجه مع العساكر السلطانية لمحاربة شاه العجم جعل وكيله بأطرابلس الأمير عساف سيفا المذكور، فشق ذلك على الأمير علي فكبس قرية أميون ونهبها، وجمع الأمير عساف عسكرًا فاتقعا في عرقا، فانهزم الأمير إلى الشوف واستولى الأمير عساف على بلاد جبيل، واستنجد الأمير علي بالأمير علي علم الدين، فنجده برجال وعاد لقتال الأمير عساف ودهمه في قرية عناز بالحصن، فانتصر عليه الأمير عساف وقتل جماعة وافرة من رجاله.

وفي سنة ١٦٣٦ قصد أحمد الشامي أغا الإنكشارية بالشام قتال الأمير علي علم الدين لعدم أدائه المال السلطاني، ووافقه حاكم صفد ومتسلم بيروت والمقدم مراد اللمعي، والأمير عساف سيفا المذكور، فانهزم الأمير علي علم الدين ورحل معه اليمنية من المتن والجرد والعرقوب والشحار والشويفات بعيالهم، وتوجهوا نحو كسروان فانهزم القيسية فنهب اليمنية بكفيا، وقوي عليهم القيسية في مرحاتا، ثم تواقعوا بالمروج فانهزم اليمنية إلى عكار، وضوى إليهم رجال الأمير علي سيفا بعرقا وقصدوا أطرابلس، وخرج عليهم أهلها إلى النهر البارد فظهر اليمنية عليهم ولحقوهم في جون عكار يقتلون وينهبون، ثم توسط طرموش البدوي الصلح بين الأميرين عساف وعلي سيفا، فاصطلحا في قرية المني قرب أطرابلس وعاد الأميران مع الأمير علي علم الدين إلى بيروت، ولما رأى الأمير ملحم معن انحطاط قوة اليمنية جمع الرجال وهزم الأمير علي علم الدين من الشوف واستحوذ عليه.

وفي السنة المذكورة ولى مصطفى باشا والي أطرابلس الأمير عساف سيفا على عكار، والشيخين عليًّا وأحمد حمادة على جبيل والبترون وجمع الأمراء الحرافشة العرب والسكمان، وقصدوا استرداد ولايتهم على بعلبك فأرسل عليهم والي دمشق عسكرًا، فقتل كثيرين منهم ومن رجالهم، وأرسل الباب العالي واليًا على أطرابلس، وأراد مصطفى باشا واليها أن يعارضه، وبعث مدبره وبعض حاشيته فجمعوا آل سيفا وآل حمادة في بقرزلا فلم يذعن آل سيفا لرأيه في المعارضة، ومخالفة الدولة وقتلوا المدبر والحاشية والشيخ أحمد حمادة، ولما بلغ ذلك مصطفى باشا انهزم ليلًا من أطرابلس، فدخلها الوالي الجديد ومعه الأميران عساف وعلي سيفا … وكانت وقعة في أرض أهمج بين المشائخ الحمادية المتولين جبيل والبترون، والأمير إسماعيل الكردي من أمراء رأس نحاش ومحمد بن يوسف أغا، فانتصر هذان الأخيران على الحمادية وتولى محمد بن يوسف أغا على هذه البلاد مكانهم.

وفي سنة ١٦٣٧ اتفق الأمير عساف سيفا مع الأمير ملحم يونس معن على محاربة الأمير علي سيفا، والأمير علي علم الدين والتقى الفريقان في عكار فطرد الأمير عساف الأمير عليًّا حتى جبل الكلبينية، ونصب حينئذٍ شاهين باشا واليًا على أطرابلس، فعاد الأمير ملحم معن إلى الشوف، والأمير عساف سيفا إلى البقيعة، ورفعت الشكوى إلى شاهين باشا بأن آل سيفا خربوا البلاد فدعا الأمير عساف، فأرسله إلى قلعة الحصن، وفي اليوم الثاني شنقه وقتل أتباعه، ولم ينج منهم إلا القليل واستخدم الأمير إسماعيل الكردي، والشيخ علي حمادة في القبض على آل سيفا فقبضوا على بعضهم، واستنزفوا أموالهم وفر الأمير علي سيفا إلى الأمير علي علم الدين، وتشتت آل سيفا من إيالة أطرابلس.

وفي سنة ١٦٣٨ قدم السلطان مراد خان إلى حلب، فخاف الأمير علي علم الدين ولجأ إلى المتاولة ببلاد بشارة، فجمع الأمير ملحم معن معسكرًا ودهم الأمير عليًّا في قرية أنصار، وقتل كثيرين من جماعته ففر الأمير علي إلى دمشق، فأصحبه واليها بعسكرٍ ففر الأمير ملحم من وجه العسكر، ونشر حينئذٍ والي دمشق فرمانًا سلطانيًّا بسلخ بلاد جبيل والبترون وجبة بشي عن إيالة أطرابلس واتباعها لولاية دمشق، ونصب أحمد أغا الشمالي حاكمًا على بيروت، فنهض عليه الأمير علي علم الدين والتقيا في خلدة، فقتل الأمير علي الحاكم المذكور، وتوفي السلطان مراد سنة ١٦٤٠.

(٤) في ما كان بسورية في أيام السلطان إبراهيم خان الأول

إن السلطان إبراهيم الأول استوى على أريكة الملك بعد وفاة أخيه السلطان مراد الرابع سنة ١٦٤٠، وفي هذه السنة كبس والي أطرابلس الشيخ أبا كرم الجدتي شيخ جبة بشري، ففر وقبضوا على أخيه سعد، وضيقوا على القرى والأديار، فلم يتحمل الشيخ أبو كرم هذا التنكيل بأهل بلاده، فاستسلم طائعًا إلى والي أطرابلس فرفعه إلى القلعة ثم طوفه راكبًا حمارًا في شوارع المدينة، وعرض عليه الإسلام فأبى فأماته معلقًا على كلاب.

وفي سنة ١٦٤١ غضب والي أطرابلس على المشائخ الحمادية، ففروا من وادي علمات وبلاد جبيل وقتل بعضهم، وتولى بلادهم الأمير علي علم الدين، وفي سنة ١٦٤٢ صدرت الأوامر السلطانية أن تكون بيروت وصيدا تحت ولاية أحمد باشا الأرناءوطي والي أطرابلس، وكبس الأمير علي علم الدين الشيخ سرحال حمادة بقرية غبالة، فنهب القرية وقتل خمسة رجال من أقاربه، وطرد الحمادية من إيالة أطرابلس.

وفي سنة ١٦٤٤ تولى أطرابلس حسن باشا، وكان مدبره الشيخ أبو رزق البشعلاني، وقد رأينا لزيادة الإضاح أن نستكمل ترجمة هذا الرجل هنا مكان أن نذكر في تاريخ كل سنة شيئًا منها، فهذا كان من أعيان الموارنة، ويظهر أن أصله كان من بشعلي إحدى قرى البترون، وقد اختاره والي أطرابلس مدبرًا لحكومته كما مر ثم عزل، وفي سنة ١٦٤٩ استرده والي أطرابلس عمر باشا إلى تدبير حكومته، ونصب أخاه أبا صعب البشعلاني شيخًا على جبة بشري، ولما عُزل عمر باشا عن أطرابلس وتولاها حسن باشا سنة ١٦٥١ سلم تدبير أمور ولايته إلى أبي رزق المذكور، ولكن تقوى عليه ابن الصهيوني، وأخذ منصبه وصادره، وفي سنة ١٦٥٣ قبض عليه محمد باشا الأرناءوط بحجة أن بعض المشائخ الحبشية قدموا إلى داره، ومعهم جماعة بداعي زواج أحد أولادهم، فنمَّ خصومه للوالي بأن أولئك الرجال أتوا يريدون به سوءًا، فقبض على أبي رزق وضيوفه وسجنهم بالقلعة مكبلين، وكانوا تسعين نفسًا ونهبوا داره واستباحوا ماله … ثم ورد الخبر بعزل الوالي المذكور، وتوجه إلى حماة لجبي المال وأخذ معه أبا رزق وضيوفه، واستدعاه للحساب وادعى أن الباقي عليه من المال للخزينة اثنا عشر ألفًا، وبلغ الوالي الجديد إلى حماة وأعاد الحساب، فثبت أن الباقي على أبي رزق أربعة آلاف وخمسمائة قرش، دفعها عنه ابن الصهيوني وخلى الوالي الجديد سبيله وسبيل السجنى معه، وأراد أن يعهد إليه بتدبير أمور ولايته، ولكن وصل قبوجي من الباب العالي يطلب رأسه، فأشار عليه الوالي وابن الصهيوني أن يسلم فدية لنفسه، فأذعن مكرهًا وأرضوا القبوجي فانصرف، ورجع أبو رزق مع الوالي إلى أطرابلس والتزم منه جبلة واللاذقية، وقبل سفره إليهما أوصى أخاه أبا صعب أن يأخذ أولاده، ويسير بهم إلى بلاد ابن معن، فشق ذلك على الوالي، وفي سنة ١٦٥٤ صير بشير باشا والي حلب وزيرًا، وقدمت له الشكوى على أبي رزق أنه ميال إلى ابن معن، وأرسل أولاده إليه مع أخيه، وأن أخاه هذا كان مع ابن معن في وقعة مع رجال الدولة في وادي التيم، فأمر بقتله فقُتل في أوائل آذار سنة ١٦٥٤.

وكان لأبي رزق ابن اسمه يونس أتحفنا دي لاردك بترجمته (في كتاب رحلته إلى سورية ولبنان مج٢ صفحة ٢٦٣)، فقال ما ملخصه أنه كان من أسرة شريفة بلبنان، وله أملاك وافرة بناحيتي أطرابلس وجبيل، وقد استعمله وزراء الدولة في أهم أعمال حكومتهم، فثروته ومنزلته أكثرتا حساده وخصومه، فائتمروا عليه وأسخطوا عليه قبلان باشا المطرجي والي أطرابلس، فألقاه في السجن مع كل أسرته وكانوا نحو خمسين نفسًا، وهددهم بالقتل إلا أن يُسْلم الأمير يونس فأُكره أن يظهر أنه يُسلم بشرط أن تبقى أسرته وذووه نصارى، وأن يخلى سبيلهم، فقبل الوالي بشرطه وأرسل ذويه إلى أعلى كسروان، وجامل الباشا أربعين يومًا، وفر إلى بطريرك الموارنة معترفًا بذنبه، وجمع رؤس الشكايات عليه وبينات إكراهه على الإسلام، وأرسلها إلى الأستانة على يد أحد أصدقائه، فحكم شيخ الإسلام بعد التحري بالدعوى أن تظاهر الأمير يونس بالإسلام لا يعول عليه لصدوره عن إكراه، وأن لا يؤاخذ بردته عنه فاطمأن الأمير يونس ودار في خلده أن يصلح العثار الذي سببه بأطرابلس، فعاد إليها وجاهر أمام الوالي وديوانه بدينه المسيحي، فأغضى المسلمون على صنيعه والتمس له الوالي أمرًا ساميًا مثبتًا حكم شيخ الإسلام، واستعمله في برية أطرابلس واستمر على ذلك خمس سنين … ولكن تبدل الوالي ومات من كان له من الأصدقاء في الأستانة، فاغتنم أعداؤه هذه الفرصة، وشكوه بجرائم عديدة فطرحه الوالي بالسجن، وحاول كثيرًا أن يحيله عن مذهبه، فلم يذعن فرفعه على الخازوق في شهر أيار سنة ١٦٩٧، وكان له أخ مسجونًا معه اسمه يوسف فاسترضى بعض أصحابه الوالي عنه، فخلى سبيله وسار إلى أوروبا ينال ما يقوم به بأود عائلته، وعائلة أخيه، وصحبه البطريرك إسطفانوس الدويهي بمنشور أثبتناه في تاريخنا الكبير.

وفي سنة ١٦٤٥ جعل السلطان إبراهيم المشائخ أولاد الحسامي في جبيل في سلك الانكشارية، وباشروا بترميم أسوار المدينة والقلعة، وفي سنة ١٦٤٧ توفي الشيخ أبو نادر الخازن مدبر حكومة الأمير فخر الدين المعني، وكان قد تولى كسروان وجبيل والبترون وجبة وبشري والمرقب.

(٥) في ما كان بسورية في أيام السلطان محمد خان الرابع

إن السلطان إبراهيم قد خلعه بعض العلماء والانكشارية في ٨ آب سنة ١٦٤٨، وأقاموا مكانه ابنه السلطان محمد الرابع ولم يكن أتم السنة السابعة من عمره، وفي سنة ١٦٥٠ ولى عمر باشا صاحب أطرابلس الأمير ملحم المعني على بلاد البترون، فأرسل الشيخ أبا نوفل الخازن يجبي المال من هذه البلاد، وفيها كانت وقعة في وادي التيم بين بشير باشا والي دمشق والأمير ملحم المعني؛ لأن الأمير علي علم الدين أوغر صدر الوزير على الأمير ملحم، فنهض إليه والتقيا بوادي التيم، وكان النصر للأمير ملحم معن، وفي سنة ١٦٥٣ شكا الأمير علي علم الدين الأمير ملحم معن إلى بشير باشا والي دمشق بأنه أزاحه عن دياره، وأهلك بعض رجاله وأخذ ماله والتمس منه أن يوليه جبل الشرف، ويصحبه بعسكر لقتال الأمير ملحم وأنصاره، فاستجاب الباشا طلبه وفوض إليه ولاية الشوف وأرسل إليه عسكرًا من دمشق، وجاء إلى وادي التيم فالتقاه الأمير ملحم وعاونه الأميران قاسم وحسين الشهابيان، والتحم القتال ودام ثلاث ساعات فانتصر الأمير ملحم وأنصاره، وأهلكوا خلقًا كثيرًا من عسكر الأمير علي وتتبعوا آثارهم إلى خارج دمشق، وجرح الأمير علي علم الدين، وحنق عليه بشير باشا ونسبه إلى الخيانة وحبسه في قلعة دمشق.

وفي سنة ١٦٥٥ حارب محمد باشا الكوبرلي والي أطرابلس الأمير إسماعيل الكردي من رأس نحاش، والحاج سعد حمادة في حريشة الهري (بكورة أطرابلس) لعدم أدائهما المال، فانهزم الأمير إسماعيل بعياله إلى عند الأمير أحمد ملحم المعني، فولاه على صور، وفي سنة ١٦٥٦ رقى هذا الوالي إلى مسند الصدارة، فولى على أطرابلس محمد باشا الطباخ وعلى صيدا وبيروت إسماعيل أغا، وعلى صفد محمد أغا، والتزم منه المقدم فارس مراد بللمع جبة بشري، ثم ولاه عليها وعلى عكار سنة ١٦٥٨، وولى المقدم عليًّا بن الشاعر على البترون تحت يد الأمير ملحم المعني، وفي هذه السنة سار الأمير ملحم المعني إلى صفد، فمرض بعكا ونقلوه إلى صيدا، وتوفي وحزن عليه الشعب كثيرًا.

وفي سنة ١٦٥٩ تولى قبلان باشا أطرابلس وأمرته الدولة بالاقتصاص من المشائخ آل حمادة لسطوهم، ففروا إلى كسروان بعيالهم وأحرق الوالي بيوتهم في قرى وادي علمات، وقرر المقدم فارس اللمعي في ولاية عكار وكاوراوغلي في جبيل والمقدم علي قيدبية بن الشاعر على جبة بشري، ثم قتل كاوراوغلي لعدم دفعه المال.

وفي سنة ١٦٦٠ كانت نكبة القيسية، فقد رفعت الشكوى إلى الباب العالي بأن الأمير علي والأمير منصور الشهابيين، وآل حمادة وغيرهم يسطون على حقوق والي دمشق، فأرسل محمد باشا كوبرلي الصدر الأعظم ابنه أحمد باشا واليًا على دمشق، ولما وصل إليها استدعى عمال سورية واليمنية، وزحف إلى الأميرين المذكورين، ففرا من وجهه إلى كسروان ونزلا على المشائخ الحمادية، فحرق الوزير دور الشهابيين بحاصبيا وراشيا وقطع أشجارهم بوادي التيم، ومرج عيون والبقاع وكتب إلى الأميرين أحمد وقرقماس ابني الأمير ملحم معن أن يحضرا الأميرين الشهابيين، فأجاباه أنهما لم يأتيا إلى بلادهما، فأرسل أحمد باشا يطلب منهما أربعمائة ألف قرش نفقة عساكره، فأرضياه أخيرًا بمائتين وخمسين ألفًا منجمة فعاد إلى دمشق، ولم يتيسر لهما دفعها كاملة فعاد ثانية بعساكره إلى قب إلياس، فاضطر إلى الفرار والاجتماع مع الأمراء الشهابيين وآل حمادة في كسروان، وقر رأيهم على الاختفاء فاختبئوا في كسروان وبلاد جبيل، فكتب وجوه البلاد حينئذٍ إلى أحمد باشا أن الأمراء الشهابيين والمعنيين فروا، ولا يعلم لهم خبر وسألوه أن يأمن البلاد، فأجابهم إلى ذلك وولى الشيخ سرحال العماد على الشوف، والأميرين محمد ومنصور ولدي الأمير علي علم الدين (الذي كان قد توفي بدمشق) على الغرب والجرد والمتن، ومحمد أغا على كسروان.

وبلغ أحمد باشا أن الأمراء مختفون بكسروان، فوجه إلى هناك خمسة آلاف مقاتل فنكلوا بالأهالي وأحرقوا دور اللمعيين والخوازنة والحمادية، وفر الأميران الشهابيان إلى الجبل الأعلى، واستمر الأميران المعنيان في كسروان، وفي سنة ١٦٢٢ نصب محمد باشا واليًا على صيدا، فمكر بالأميرين المعنيين حتى حضرا إليه إلى عين مزبود، وأحاط رجاله بهما فقتلوا الأمير قرقماس ونجا أخوه الأمير أحمد بشق النفس، وفي سنة ١٦٦٤ كانت نهضة القيسية؛ لأن أحمد باشا والي دمشق ارتقى إلى منصب الصدارة، ومحمد باشا عزل من صيدا، فتظاهر الأمير أحمد معن من مخبئه فاجتمع إليه جمهور من القيسية فنهض بهم إلى الشوف، وتألب إليه غيرهم فالتحم القتال بينهم وبين اليمنية، فكان النصر للقيسية وبقي القتال مترددًا بين الحزبين نحو سنتين حتى حطمت شوكة اليمنية وخمدت نارهم، وتولى الأمير أحمد معن الشوف والغرب والجرد والمتن وكسروان، وكتب إلى الأميرين منصور وعلي الشهابيين يبشرهما بالنصر، ويستقدمهما وأمدهما للعود إلى بلادهما فعادا إليها.

وفي سنة ١٦٧٣ تولى حسن باشا أطرابلس فولى الحمادية على الأعمال التي كانوا بها قبلًا، ورفع عنهم بعض التكاليف فطمعوا وقتلوا أناسًا عند نهر رشعين ونهبوا كثيرًا من القرى فخربت، وفي سنة ١٦٧٤ ولى الباشا المذكور الشيخ سرحال حمادة على بلاد جبيل، لكنه قبض على الشيخ أحمد بن قانصوه حمادة والشيخ محمد بن حسن ديب بسبب التعديات المار ذكرها، وولى على جبة بشري إبراهيم أغا، وكان معه أبو كرم بن بشارة من أهدن وأبو شديد غصيبة بن كيروز من بشري، وفي سنة ١٦٧٥ جهز الباشا المذكور عسكرًا لطرد آل حمادة من إقطاعاتهم، فطردوهم إلى عين الغفير فوق أفقا وقتل الباشا الشيخين أحمد ومحمد اللذين كان قد قبض عليهما، فنهب أصحاب الحمادية وقتلوا وحرقوا بعض القرى في جبيل والبترون والجبة … فصدر الأمر السلطاني إلى ولاة سورية؛ ليعاونوا والي أطرابلس على قمع الحمادية، فكفل الأمراء الشهابيون وبعض أعيان البلاد المال المطلوب منهم ودفعوه لوالي أطرابلس، فولى سنة ١٦٧٦ الحاج حسن بن الحسامي وأبا حيدر النمس على بلاد جبيل، والحاج باز بن أبي رعد ومرعبًا بن الشاطر على بلاد البترون، وأبا كرم (جد آل كرم) على جبة بشري، وأمر جميعهم أن يحذروا سطو الحمادية، لكن هؤلاء قتلوا عامل البترون المذكور والشدياق أنطون خان مطران أهدن وحرقوا دير القديس إليشاع وحارة أولاد كيروز ببشري، فزحف إليهم حسن باشا بعسكره إلى بلاد جبيل، فقتل شيخ البربارة والحاج حسن الشامي الذي كان قد ولاه، وقبض على شيخي غرزوز وبخعاز، وغرمهم بمالٍ؛ لأنهم من حزب الحمادية، وحرق فرحت وعلمات ومشان وغيرها من وادي علمات وجبة المنيطرة، وبعد أن عاد حسن باشا إلى أطرابلس حرق بعض الحمادية قصوبا وتولا وعبدللي وبسبينا وصغار وشبطين.

ولكن توفي أحمد باشا الصدر الأعظم، وخلفه مصطفى باشا فغيَّر العمال في كل الولايات ونصب محمد باشا بأطرابلس، فولى الشيخ سرحال حمادة على بلاد جبيل وولده حسين على البترون، وحسين بن أحمد حمادة على جبة بشري، وفي سنة ١٦٨٠ انتقل محمد باشا المذكور إلى صيدا، وخلفه بأطرابلس وزير آخر يسمى محمد باشا أيضًا فأقر الحمادية في إقطاعتهم، وفي سنة ١٦٨٤ قتل الحمادية أبا نادر شيخ مزرعة عكار وابن أخت محمد باشا في قرية حلبا بعكار، ولما عُزل محمد باشا عن أطرابلس وثب الحمادية على قلعتها، وأخرجوا رهائنهم منها وكبسوا قرية عشقوت بكسروان، وقتلوا منها أحد عشر رجلًا ورفعت الشكوى إلى أطرابلس، فصدر الأمر بتولية الأمير أحمد معن على جميع إقطاعات الحمادية، فسار الأمير أحمد إلى غزير وأرسل رجالًا دهموا الحمادية، ففروا إلى بلاد بعلبك فحرق وادي إيليج ولاسا وأفقا والمغيرة، وقطع أشجارهم وشفع بهم بعض أصحابه فعفا عنهم، ورجع إلى الشوف ولم يقبل الولاية على إقطاعات الحمادية.

وفي سنة ١٦٨٦ غاب علي باشا النكدلي والي أطرابلس، فثار الحمادية وقتلوا أبا داغر شيخ حردين وابن رعد شيخ الضنية وغيرهما، فقبض الوالي على اثني عشر رجلًا من أتباع الحمادية وأماتهم، ولما رجع والي أطرابلس إليها صدر إليه الأمر أن يحارب الأمير شديد الحرفوش؛ لأنه نهب قرية رأس بعلبك فدعا المقدم قيدبية بن الشاعر، وأبا فاضل رعد من الضنية وابن دندش من عكار، وكتب إلى الأمير بشير الشهابي أن يمده بالرجال فمده وزحف إلى بعلبك، فهرب الأمير شديد إلى بلاد جبيل، ولجأ إلى الحمادية فنزل الباشا على العاقورة فحرقها وحرق أربعين قرية للمتاولة، وقطع أشجارها ودك دار الشيخ حسين حمادة في إيليج، واهتدى عسكره إلى خباياهم في مغارة قنات فغنموها، وبينما كان العسكر نازلًا على عين الباطية بتنورين دهمهم الحمادية، فقتلوا منهم خمسة وأربعين رجلًا، وأما الوزير فنزل إلى جبيل، وعاد إلى أطرابلس فنزل بعده الحمادية، وحرقوا قلعة جبيل ونكبوا المدينة.

(٦) في ما كان بسورية في أيام السلطانين سليمان الثاني وأحمد الثاني

قرر بعض الوزراء والعلماء خلع السلطان محمد خان الرابع تفاديًا من ثورات الإنكشارية، فخُلع في ٨ تشرين الثاني سنة ١٦٨٧، وانتخبوا مكانه أخاه السلطان سليمان الثاني، وامتطى منصة الملك إلى ٢٣ حزيران سنة ١٦٩١ حين أنشبت فيه المنية مخاليبها، وارتقى إلى العرش بعده أخوه السلطان أحمد خان الثاني، ومما كان بسورية في أيامه أنه ولى على أطرابلس سنة ١٦٩١ محمد باشا، فرد المشائخ الحمادية إلى إقطاعاتهم فسلم جبيل والبترون إلى الشيخ حسين سرحال حمادة والكورة إلى ابنه الشيخ إسماعيل، وجبة بشري إلى الحاج موسى بن أحمد حمادة والضنية إلى أولاد حسن ديب … فلم يرعووا عن سوء مسلكهم، وقتلوا أبا موسى بن زعرور في وطا الجوز بكسروان، وحنا الأسود في الكورة، ونهبوا العاقورة وغلال أهل كسروان من مينا جبيل، وفي سنة ١٦٩٢ نقل محمد باشا من أطرابلس، وصار كاتبًا للصدر الأعظم وخلفه في أطرابس علي باشا وسموه اللقيس؛ لأنه قدم في آخر السنة، وقرر أولًا الحمادية في إقطاعاتهم، ثم كتب إليه سالفه محمد باشا أن ينهض عليهم … فغير الحكام وسلم عكار والهرمل إلى هزيمة أغا دندش، وجبيل إلى حسين أغا الحسامي، والبترون إلى المقدم قيدبية بن الشاعر، والزاوية وجبة بشري إلى الشيخ مخائيل بن نحلوس الأهدني، والضنية إلى الشيخ أبي فاضل رعد، وكتب إلى الأمير أحمد معن أن ينجده بالرجال لقتال الحمادية، فقدم المشائخ الخوازنة ومعهم نحو ألف رجل إلى فوق جبيل، فانهزم الحمادية على طريق العاقورة إلى بعلبك، فتبعهم الرجال وهلك منهم بالثلج نحو مائة وخمسين رجلًا، وحرق علي باشا قرية نيجا ونهب ثلاثة عشر ألف رأس من معزي الحمادية، وسلم بلاد بعلبك إلى أحمد أغا الكردي، وجبيل إلى حسن أغا النوري، فكتب حاكم بعلبك إلى الحاج ياغي بن حميه وأقربائه المتاولة أن يحضروا لديه، فحضروا وقتل منهم سبعة عشر رجلًا، وأرسل الحاج ياغي المذكور وولده إلى علي باشا فقتلهما، ثم جهز علي باشا بعض خواصه وأرسلهم إلى بلاد جبيل، فقبضوا على الشيخ حسين بن سرحال وحسن ديب وسبعة رجال من تباعهم، فقتلوهم بين قهمز ولاسا.

وفي سنة ١٦٩٣ رقى السلطان علي باشا والي أطرابلس إلى منصب الصدارة، وأقام مكان أرسلان باشا بن المطرجي واليًا على أطرابلس، فعرض على الأمير أحمد معن أن يوليه إقطاعات الحمادية، فلم يقبل فسلم جبيل إلى الأمير حسن بن صعب الكردي والبترون إلى المقدم قيدبية بن الشاعر، وأرسل مدبره محرم أغا يطرد الحمادية، ووصلوا إلى قبعل بالفتوح فوثب عليهم ليلًا أولاد الشيخ حسين حمادة الذين كانوا مختبئين هناك، ومعهم نحو مائتي رجل فقتلوا من العسكر نحو أربعين رجلًا، وطردوا الباقين إلى نهر إبراهيم، فرفع أرسلان باشا والي أطرابلس الشكوى بأن الأمير أحمد معن وجه عسكرًا فأهلك رجاله، فصدر له الأمر بأن يزيل الأمير أحمد عن الإقطاعات التي بيده، وهي الشوف وما يليه إلى كسروان وإقليما جزين والتفاح، وأن يولِّي عليها الأمير موسى علم الدين، وصدر الأمر إلى ولاة دمشق وصيدا وغزة وحلب أن يعاونوا والي أطرابلس على إزاحة الأمير أحمد معن عن الأعمال اللبنانية، فاجتمع هؤلاء الولاة بالبقاع وعسكرهم نحو ثمانية عشر ألف مقاتل، وضوى إليهم اليمنية وبعض القيسية، وانفض عن الأمير أحمد بعض أصحابه ففر إلى وادي التيم، واختبأ عند الأمير نجم شهاب وبحثت عنه العساكر فلم يجدوه، فانفض الولاة كل إلى مكانه وتولى الأمير موسى علم الدين بلاد الأمير أحمد، ولما ركدت هذه الزعازع تظاهر الأمير أحمد بوادي التيم، واجتمع إليه القيسية فنهض بهم إلى الشوف ومعه الأميران بشير ونجم الشهابيان، فانهزم الأمير موسى من دير القمر إلى صيدا، واسترد الأمير أحمد بلاده وتمكن من أن جعل مصطفى باشا والي صيدا يطرد الأمير موسى علم الدين من عنده، وأن يلتمس من السلطان العفو عن الأمير أحمد فناله وتقرر في إقطاعاته.

(٧) في ما كان بسورية في أيام السلطان مصطفى خان الثاني

قد توفي السلطان أحمد الثاني في ٦ شباط سنة ١٦٩٥، وخلفه يوم وفاته السلطان مصطفى خان الثاني ابن السلطان محمد الرابع، ومما كان في أيامه بسورية أن الأمير أحمد معن توفي في ١٥ أيلول سنة ١٦٩٧ بدير القمر، ولم يكن له عقب فانقرضت به سلالة آل معن، واجتمع أعيان الشوف بعد وفاته؛ لينتخبوا لهم واليًا واتفقوا على اختيار الأمير بشير الشهابي أمير راشيا، وهو ابن أخت الأمير أحمد المتوفى، وكتبوا إلى حسين باشا والي صيدا يسألونه أن يحول إقطاعات الأمراء المعنيين إلى عهدة الأمير بشير الشهابي المذكور، وهو يقوم بدفع ما عليها من المال، فولى حسن باشا الأمير بشيرًا وعرض للسلطان مصطفى أن أسرة المعنيين انقرضت، وأن اللبنانيين اختاروا الأمير بشير الشهابي؛ لأنه ابن أخت الأمير أحمد آخر المعنيين، وعرض اليمنيون أنهم لا يقبلون ولاية الأمير بشير الشهابي، وعزل حينئذٍ حسين باشا وخلفه أرسلان باشا، فورد له الجواب أن الأمير حيدر موسى شهاب هو أحق بأن يرث الولاية على إقطاع آل معن ومتروكاتهم؛ لكونه ابن بنت الأمير أحمد آخرهم، فأرسل أرسلان باشا هذا الجواب إلى الأمير بشير، فأجابه ملتمسًا أن يعرض لجلالة السلطان أن الأمير حيدر عمره اثنتا عشرة سنة، فلا يمكنه أن يلي الحكومة بنفسه، فهو يكون نائبًا عنه … وبعد عرض ذلك كان الجواب أن يكون الأمير بشير واليًا بطريق النيابة عن الأمير حيدر إلى أن يبلغ أشده، هذه رواية بعض المؤرخين، وروى غيرهم أن أرسلان باشا كتب إلى الأستانة أن الأمير حيدر قاصر، والأمير بشير كفؤ للولاية وقد انتخبه اللبنانيون، فورد الفرمان باسم الأمير بشير فتولى إقطاعات آل معن بالأصالة لا بالنيابة، ويظهر أن هذه الرواية أصح.

فكان ابتداء ولاية آل شهاب على لبنان سنة ١٦٩٧، واستمرت إلى سنة ١٨٤٢ حين عُزل الأمير بشير قاسم، وتولى عمر باشا النمسوي كما يأتي، وأسرة شهاب قديمة وعريقة بالشرف، ويقال: إن أصلهم من بني قريش، وأن جدهم مالك المُلقب بشهاب من ولد مرة بن كعب، وأن مالك استعمله عمر بن الخطاب أميرًا بحوران، واستمر أولاده على هذه الإمارة إلى أن ظهر الصليبيون بسورية، فدعاهم الولاة المسلمون أن يقوموا إلى وادي التيم لمناصبة الإفرنج، كما دعوا التنوخيين والمعنيين، وولوهم على حاصبيا وراشيا، ولما خلا الإفرنج عن سورية استمروا على إقطاعهم، ولما فتح السلطان سليم الأول سورية سنة ١٥١٥ كان الأمير منصور الشهابي واليًا على وادي التيم، وكان في جملة رجال الغزالي نائب دمشق في وقعة مرج دابق، وكان موافقًا للغزالي في الانحياز إلى السلطان الذي قرر ولاية آل شهاب على إقطاعهم المذكور، وكانوا غالبًا بالاتفاق مع آل معن وصاهروهم إلى أن ورثوا ما كان بيدهم.

وفي سنة ١٦٩٨ انتقض الشيخ شرف بن علي الصغير صاحب بلاد بشارة، وعصى قبلان باشا والي صيدا، فاستنهض هذا الوزير الأمير بشيرًا لقتاله، وولاه على صفد وبلاد بشارة وإقليمي الشومر والتفاح، فسار الأمير بنحو ثمانية آلاف مقاتل وانتصر على الشيخ مشرف، وأهلك من رجاله خلقًا كثيرًا وقبض عليه وعلى أخيه محمد، وأرسلهما إلى قبلان باشا، وأقام الأمير بشير الأمير منصورًا ابن أخيه واليًا على صفد، وحضر لدى الأمير بشير بنو منكر أصحاب إقليمي الشومر والتفاح، وبنو صعب أصحاب بلاد الشقيف، فقررهم على إقطاعاتهم، وولى أرسلان باشا والي أطرابلس الأمير بشير على جبيل والبترون، فسلمها إلى الحمادية؛ لأنه كان قد كفلهم بمال وأرسل بعض خواصه، فجمعه منهم ودفعه إلى الوزير. إن كل ما دوناه في هذه الفصول الأخيرة مأخوذ عن تاريخ العلامة الدويهي، وهو شاهد عيان لهذه الأمور؛ إذ كانت في أيامه وبلاده.

(٨) في بعض مشاهير العلم بسورية في القرن السابع عشر

قد وضع العلامة محمد المحبي الدمشقي تأليفًا سماه خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ضمنه ١٢٨٤ ترجمة فانتقينا منه ما يأتي:
  • أحمد القرماني: هو ابن يوسف بن أحمد الدمشقي القرماني، قدم أبوه من قرمان إلى دمشق، وولِّي نظارة الجامع الأموي، ثم قُتل ببعلبك وصار ابنه كاتبًا لوقف الحرمين، ثم ناظرًا له وألَّف تاريخه المشهور، وسماه أخبار الدول وآثار الأول، ذكر فيه الدول وكثيرين من الموالي والأمراء، وتوفي سنة ١٦١٠.
  • حسن البوريني: ولد بصفورية ونشأ بدمشق، ويلقب بدر الدين، وكان فرد زمانه في العلوم والفنون، وألف تآليف كثيرة منها: تحريراته على تفسير البيضاوي، وحاشيته على المطول لسعد التفتزاني في التصريف، وتراجم الأعيان في أبناء الزمان، وشرح ديوان عمر بن الفارض، ورحلة حلبية وأخرى أطرابلسية، وسبع مجموعات سماها السيارات السبع، ورسائل ومقالات كثيرة وجمع ديوانًا من شعره تتداوله الأيدي، وتوفي سنة ١٦١٥.
  • حسين بن الجزري: رحل أبوه من جزيرة ابن عمر إلى حلب وأتقن الشعر، وجمع فيه الصناعة والرقة، وكان يتردد على بني سيفا أمراء أطرابلس، وله فيهم المدائح الكثيرة، وجُمع له ديوان تتداوله الأيدي وكان مغرمًا بشعر أبي العلاء المعري كثير الأخذ منه، وتوفي نحو سنة ١٦٢٤.
  • شرف الدين بن حبيب الغزي: وكان فقيهًا متمكنًا مفسرًا نحويًّا، وله تآليف كثيرة، منها حاشيته على كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم في الفقه، سماها تنوير البصائر في شرح الأشباه والنظائر، وتحريرات على كتاب الدرر والغرر في الفقه أيضًا، وله كتاب سماه محاسن الفضائل بجميع الرسائل، وكانت وفاته بين سنة ١٦٢٠ إلى سنة ١٦٣٠.
  • البهاء العاملي: ولد ببعلبك سنة ١٥٤٦، ولما اشتد كاهله أخذ في السياحة فساح ثلاثين سنة، ودخل مصر وألَّف فيها كتابًا سماه الكشكول جمع فيه كل نادرة من علوم شتى، وله مؤلفات أخرى جليلة منها التفسير المسمى العروة الوثقى والصراط المستقيم، والتفسير المُسمى بعين الحياة، وتفسير آخر مسمى الحبل المتين في مزايا الفرقان المبين، ومفتاح الفلاح والزبدة في الأصول والتهذيب في النحو والملخص في الهيئة، وحواشي الكشاف للزمخشري وحواشي البيضاوي، والفوائد الصمدية في علم العربية إلى غيرها، وكانت وفاته سنة ١٦١٥.
  • فتح الله البيلوني الحلبي: له تآليف بديعة، منها حاشيته على البيضاوي في الفقه، وكتاب سماه الفتح الحسوي شرح عقيدة الشيخ علوان الحموي، وكتاب آخر سماه خلاصة ما يعول عليه المسلمون في أدوية دفع الوباء والطاعون، وله مجموعات مشتملة على تعاليق غريبة، وله شعر غير قليل وتوفي سنة ١٦٣٢.
  • نور الدين بن برهان الحلبي: له من المؤلفات البديعة السيرة النبوية المعروفة بالسيرة الحلبية، وسماها إنسان العيون في سيرة النبي المأمون، وحاشيته على شرح القاضي زكريا وحاشية على شرح المنهاج للجلال المحلي، وحاشية على شرح الورقات للجلال المذكور، وحاشية على شرح التصريف للسعد التفتزاني، وكتاب سماه زهر المزهر وهو مختصر المزهر للسيوطي في اللغة، وشرح على شرح القطر للفاكهي، ومطالع البدور في الجمع بين القطر والشذور والفوائد العلوية بشرح شرح الأزهرية، والتحفة السنية شرح الأجرومية، وصبابة الصبابة مختصر ديوان الصبابة إلى كثيرٍ غير ذلك، وكانت وفاته سنة ١٦٣٤.
  • عبد الرحمن العبادي الدمشقي الحنفي: له من المؤلفات حاشية على بعض تفسير الكشاف للزمخشري، والمنسك المشهور الذي سماه المستطاع من الزاد لأفقر العباد ابن عماد طبع بالقاهرة سنة ١٣٠٤، وكتاب الهدية في عبارات الفقه والروضة الريا في من دُفن بداريا، وله رسائل كثيرة في سائر الفنون وله شعر لطيف، وتوفي سنة ١٦٤١.
  • صالح التمرتاشي الغزي: له التآليف النافعة، منها حاشية على كتاب الأشباه والنظائر سماها زواهر الجواهر في شرح الأشباه والنظائر، وله منظومة في الفقه وشرح كتاب تحفة الملوك، وشرح ألفية لولده محمد في النحو، وله شرح النقاية للأسيوطي وسماه العناية في شرح النقاية إلى غير ذلك، وتوفي سنة ١٦٤٥.
  • النجم الغزي: هو محمد بن بدر من غزة، وقد وضع هو ترجمة نفسه، ومما قاله فيها: أنه ولد سنة ٩٧٧ﻫ/١٥٦٩ وأن من مؤلفاته نظم الأجرومية سماه الحلة البهية في الأجرومية، وشرح القطر لابن هشام وشرح القواعد له، وشرح منظومة لوالده في أربعة آلاف بيت سماه المنحة النجمية في شرح الملحة البدرية ومنظومة في النحو مائة بيت، ونظم العقيان في مورثات الفقر والنسيان، ومختصر في النحو سماه البهجة، ومقالة على التوضيح لابن هشام ومقالة على الشافعية لابن الحاجب، وشرح لامية الأفعال لابن مالك في التصريف، ونظم شرح العلامة المحب الحموي على منظومة ابن الشحنة في المعاني والبيان، ونظم فرائض المنهاج في الفقه، ونظم رواة الأساطين في عدم الدخول على السلاطين لجلال الدين السيوطي إلى غير ذلك، وذكر له المحبي عقد النظام لعقد الكلام، وهو كتاب غريب الوضع في النصيحة والزهد وما أشبه، وكتاب تحبير العبارات في تحرير الإمارات، وكتابًا سماه الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة إلى غير ذلك، وتوفي سنة ١٦٥٠.
  • أبو الوفاء الحلبي: مفتي الشافعية بحلب، ومن مؤلفاته تاريخ سماه معادن الذهب في الأعيان المشرفة بهم حلب، وكتاب طريق الهدى في التصوف، وشرح على ألفية ابن مالك، وحاشية على شرح المفتاح للسيد، وحاشية على البيضاوي وحاشية على شرح المنهاج للمحلي، وشرح البديعيات وله شعرٌ حسن وكانت، وفاته سنة ١٦٦٠.
  • خير الدين الرملي: كان شيخ الحنفية في عصره، وهو صاحب الفتاوى السائرة، وله غيرها من التآليف في الفقه، منها حواشيه على كتاب منح الغفار، رد فيها غالب اعتراضاته على كتاب الكنز، وحواشيه على شرح الكنز للعيني وعلى الأشباه والنظائر لابن نجيم، وله تعليقات على البحر الرائق والزيلعي وجامع الفصولين، وله ديوان شعر مرتب على حروف المعجم، وتوفي سنة ١٦٧٠.
  • علي البصير: مفتي أطرابلس، ولد بحماة ورحل إلى أطرابلس، وتوطنها وله تآليف كثيرة في الفقه وغيره، منها قلائد الأبخر في شرح ملتقى الأبحر، ونظم الغرر في ألفي بيت ونظم العوامل الجرجانية، ونظم قواعد الإعراب، وله كتاب منظوم في ألغاز الفقه سماه الحور العين، يشتمل على ألف سؤال وأجوبتها، وتوفي سنة ١٦٧٩.
  • الكواكبي الحلبي: له مؤلفات كثيرة منها نظم الوقاية في الفقه، ونظم المنار وشرحه في الأصول، وحاشيته على تفسير البيضاوي التزم بها مناقشة سعدي، وحاشية أخرى انتقد بها عصام الدين، وغير ذلك، وله نظم ونثر في غاية اللطافة، وتوفي سنة ١٦٨٤.

وعاصر هؤلاء خارجًا عن سورية أبو بكر الشنواني المصري، وله مؤلفات حسنة منها حاشية على متن التوضيح في مجلدات، وحاشية على شرح القطر للفاكهي، وحاشية على شرح الشذور، وحاشية على شرح الأزهرية للشيخ خالد الأزهري، وشرح مطول على الأجرومية وغيرها وتوفي سنة ١٦١٠.

ثم عبد الرءوف المناوي القاهري، ومؤلفاته كثيرة منها شرح على شرح العقائد للسعد التفتزاني، سماه غاية الأماني وشرح على نظم العقائد لابن أبي شريف، وكتاب سماه أعلام الأعلام بأصول المنطق والكلام، وشرح على الجامع الصغير وكتاب جمع فيه عشرة علوم أي: أصول الدين والعقد والفرائض والنحو والتشريع والطب والهيئة، وأحكام النجوم والتصوف، وشرح على القاموس إلى كثيرٍ غيرها، وتوفي سنة ١٦٢١، ثم إبراهيم اللقاني المصري أيضًا وله مؤلفات كثيرة منها جوهرة التوحيد، وهي منظومة في علم العقائد، وكتاب سماه صاحب المكاشفات، وخوارق العادات ومنازل أصول الفتوى، وقواعد الإفتاء إلى غيرها، وتوفي سنة ١٦٣١، ثم محمد الإسحاقي المصري أيضًا وأشهر مؤلفاته تاريخه المسمى لطائف أخبار الأول في من تصرف في مصر من أرباب الأول، وكانت وفاته سنة ١٦٥٠، ثم الشهاب الخفاجي وهو ابن أخت أبي بكر الشنواني السابق ذكره، وله مؤلفات شتى منها عناية القاضي وكفاية الراضي حواش على تفسير القاضي، وله حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي، وشرح كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، وشرح درة الغواص في أوهام الخواص للحريري إلى كثيرٍ غيرها، وتوفي سنة ١٦٥٨، ثم برهان الدين اليموني المصري وأشهر مؤلفاته حاشية على المختصر، وهو تلخيص المفتاح في المعاني والبيان للقزويني، وحاشية على كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية لشهاب الدين القسطلاني، وحاشية على تفسير البيضاوي وتوفي سنة ١٦٦٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤