أكسل شبرينجر شاهدًا على عدم تواجدي في مكان الجريمة

غضبي والكراهية الساذجة ضد كل شيء — هذا ما أدركه اليوم — كانَا تعبيرًا عن وخزات ضمير متزايِدة. حوَّلَني قضاة محكمة المحلفين إلى قاتِل ومنتقِم بعد أن حكموا على «ر» بالبراءة. هذا الحكم الفج في عنفه مُتعسِّف للغاية. لقد كان بإمكانهم أن يصدروا حكمًا مختلفًا تمامًا، وهو ما أعرفه اليوم.

في عام ١٩٥٦م قدَّمت أناليزه جروسكورت طلبًا لإلغاء الحكم الصادر ضد جيورج، وذلك حتى تُسرِّع من إجراءات التعويض. أما حكم مجلس العقوبات الثاني في محكمة الولاية فكان مختصرًا وقاطعًا: إن نوع الجريمة يُبيِّن على الفور أن حكم الإدانة لم يصدر إلا لأسباب سياسية. وهكذا تم إلغاء حكم الإعدام. نصري الوحيد، هكذا قالت.

كان الأمر سيكون بسيطًا: أصدر فرايزلر و«ر» أحكامهم لأسباب سياسية، هذا أمر يتضح على الفور. لماذا تخلَّف قضاة محكمة المحلفين الذين أصدروا حكم براءة «ر» في ديسمبر ١٩٦٨م عن حكم زملائهم في محكمة الولاية الصادر عام ١٩٥٦م؟ هل يفهم ذلك أحد رجال القانون؟

ولكن لماذا أجبروني على الاغتيال؟ لماذا حكَموا عليَّ بتنفيذ فعلتي؟ لم تكن موهبتي كبيرة في مجال الكراهية، ولهذا كان غضبي عارمًا على هؤلاء الذين فرضوا عليَّ الكراهية، الذين — وهذا شيء أكثر جنونًا — حوَّلُوني شهيدًا، وهو دور كنتُ أنظر إليه بضيق متزايد. لو كان القضاة، على الأقل، ذكروا حيثيات قانونية سليمة في حكم البراءة، ولم يُبرِّروا أفعال المجرِمين السابقِين، لربما صرَفوا اهتمامي عن فعلتي. كانت تلك فرصتي الأخيرة. والآن، لم تَعُد ثمة عودة، وهذا ما كنتُ — دون وعْي مني — آخذه عليهم بشدة.

مايو ويونيو ويوليو، في هذه الشهور دوَّنْت الخبرة التي مررْتُ بها في الشتاء. لم يستجب الناشر لرغبتي في إصدار الكتاب أواخر الخريف. كان يُريد استلام المخطوطة في نوفمبر والنشر في مارس. تأجيل الاغتيال حتى صدور الكتاب، أم تأجيل كتاب الاغتيال طوال هذا الوقت؟ كنت أريد أن أنجز كل شيء بأسرع ما يمكن. لقد أثار التأجيل غضبي، وأضعفَ عزيمتي.

تزداد في مطلع الصيف الأحلام التي كنتُ أبحث خلالها عن حلفاء. بخيال واسع بذلت جهدا كبيرًا للحصول على البركة، من أي سلطة، للقيام بفعلتي. أتذكر أحاديث طويلة مع وزير الخارجية فيلي برانت ومع رجل الدين جولفيتسر ومع الناشر شبرينجر. بالطبع كنت أدير دفة الأحلام على نحو يجعل السادة مُقتنعِين بقضيتي، ويوافقون على آرائي. كان أكسل شبرينجر، صديق إسرائيل، أكثرَ من ربَّت على كتفي بلطف بينهم، واستيقظتُ وقد استولَى عليَّ شعور بالسعادة: ستدافع عني صحيفة «بيلد».١

في هذه المرحلة الهوجاء فكَّرت — لأسباب تكتيكية — في الذهاب إلى الطبيب بين الحين والآخر. كانت الحسبة بسيطة: إذا أردتُ أن أُبرهِن للمحكمة على أني بحثتُ قبل الجريمة عن مساعَدة طبية كي أنفض عن كاهلي هذا الأمر بالاغتيال الذي وجَّهَه لي مذيع الأخبار، فإن ذلك سيكون في صفي، وسيدفع المحكمة إلى الرأفة بي.

ولكن إلى أيِّ طبيب؟ ليس إلى ذلك الذي يعرفني، الذي سيكتب تشخصيه على أني فقدتُ عقلي. ولا إلى المُختصِّين في قسم الأمراض النفسية؛ لأنهم لن يتركوني سريعًا أهرب من بين أصابعهم، وسيحشونني حشوًا بالأدوية، مُستقبِلين إياي في معرض حالاتهم الجميلة. أما مَن يخلون سبيله، فيبقى مريضًا نفسيًّا، ليس في كامل قواه العقلية، مشتبَها في أمره، إنسانًا لا يستطيع السيطرة على ذاته، ليس هذا ما أريده!

وهكذا ذهبتُ في النهاية إلى طبيب أعصاب في شتيجليتس، وعرضتُ عليه مُعاناتي: أمَرني صوتٌ من الراديو بأن أهتمَّ بحالة المُجرِم النازي «ر». لم أَحكِ شيئًا عن أمر الاغيتال. أومأ الطبيب وسألني: منذ متى؟ كم مرة؟ ووصف لي دواء الهالدول، دون حتى أن يسأل عمن هو «ر».

لم أثِقْ في هذا العلاج المُنشِّط، هدَّدتْنِي النشرة المرفقة بآثار جانبية: الدوخة، وضعف التركيز، وتشنجات العضلات، والرعشة. لا، لن أسمح لأحد بتعطيل قدراتي، بأن يجعلني مريضًا، من الأفضل في هذه الحالة أن أُنفِّذ جريمتي الخيِّرة الشريرة! يُستخدم هذا الدواء في حالات المرض بالوسواس القهري. لا، لن أسمح للأطباء بفرض مرَض نفسي عليَّ! ومنذ متى تُعتبَر مكافَحة النازيين القدامى وسواسًا؟

نحَّيتُ الدواء جانبًا، ولكن كان معي إثبات براءتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤