مقدمة الكتاب

يتحقق الباحث في كتاب الدولة الأموية في الشام أننا لم نُقَسِّم فصوله حسب السنين أو الملوك أو الحادثات أو الفتن والحروب كما فَعَلَ غيرنا، ولم نهتم في جَمْع الحقائق حولها فنجعلها نقطة الدائرة أو المحور الذي يدور عليه كلامنا، بل رتَّبنا كتابنا هذا حسب حركات نعتقد أنها صورة حية للمبادئ والأفكار والأعمال التي قام بها الأمويون في العصر الذي سادوا فيه وتغلبت مدينتهم على العالم المعروف يومذاك، إننا أقدمنا على كتابة التاريخ على هذا النمط لأننا نعتقد أن التاريخ سلسلة حركات مستديمة متصلة مشتبكة يأخذ بعضها برقاب بعض، وهي تربط الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل، وتظهر الصلة بينها في رقي الجماعات الإنسانية في البيئات المختلفة، وقد جعلنا هذه الحركات عناوين لفصول هذا الكتاب وهي:
  • (١)

    تأسيس الدولة الأموية (وقد لخصنا هذا الفصل عن كتابنا معاوية بن أبي سفيان).

  • (٢)

    مأساة الحسين.

  • (٣)

    الحركة الزبيرية.

  • (٤)

    سياسة الشدة ومظاهرها.

  • (٥)

    الفتوح الأموية.

  • (٦)

    العدل والإصلاح في الدولة الأموية.

  • (٧)

    العمران الأموي.

  • (٨)

    أحوال الاجتماع الأموي.

  • (٩)

    الأدب الأموي.

  • (١٠)

    أسباب سقوط الدولة الأموية.

وكان جُلُّ اعتمادنا على المصادر التي تراها فيما يلي: إنما رجعنا لدى تضارُب الروايات إلى الطبري لصِدْق إسنادِه وتحريه الحقائق من ينابيعها، فهو من أولئك المؤرخين الذين ينقلون لك التاريخ كما تركه السلف، قال: «لم نقصد بكتابنا هذا قَصْد الاحتجاج … وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أَحْضَرْتُ ذِكْرَه … إنما هو على ما رُوِّيتُ من الأخبار … والآثار التي مسندها إلى رواتها … إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضيين وما هو كائن من أنباء الحادثين غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم إلَّا بأخبار المخبرين ونقل الناقلين دون الاستخراج بالعقول … وليُعْلَم أنه لم يؤت ذلك قبلنا، وإنما أوتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنما أدَّينا ذلك على نحو ما أُدِّيَ إلينا.»١

ثم إننا جربنا أن نُعمِل العقل والبصيرة فيما كتبناه، فلم نُشِدْ بفضل أناس ليسوا من الفضل في شيء، ولم نجعل لعلاقاتنا الدينية والطائفية والسياسية والاجتماعية تأثيرًا في تدويننا التاريخ، ولم نكتب هذه الصفحات والصبغة التقديسية للسلف هدفنا، والحقُّ أننا أردنا أن نثبت الحقائق ونفسِّرها حسب اجتهادنا ونحن بعيدون جد البعد عن التعصب، فإن وُفِّقنا في هذا العمل الصغير فحسبنا هذا التوفيق في خدمة تاريخ العرب.

مدينة السلام في ١ كانون الثاني سنة ١٩٢٧
أنيس زكريا النصولي
١  تاريخ الطبري، المقدمة ج١، ص٦-٧، ليدن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤