التذكار

معرَّبة عن «الفرد دي موسيه»
بي نزوع إِلى الدموعِ الهوامي
غير أني أخافُ من آلامي
أيهذا المكان! يا غالي التر
ب! ومثوى عبادتي واحترامي!
أنت مثوى الذكرى ومدفنُها الغا
لي القصيُّ المجهولُ في الأيام

•••

هذه خلوتي فلا تمنعوني
ما الذي تحذرون يا خلاني؟!
إنها عادتي التي كنت أعتا
دُ وأهوى في سالفِ الأزمانِ
أخذتني لذِي الرحاب وقادت
قدمي في سبيلِ هذا المكان!

•••

انظروا هذه السفوحَ وهذا النَّـ
ـبتَ إذ قام مزهرًا تيَّاها؟
لكأني ما زلتُ تسمع أذني
في صموتِ الرمالِ وقع خطاها
وكأن النجوى بكل ممرٍّ
طوقتني في سترهِ يمناها!

•••

قد تراءى الصنوبر النضر إذ أيـ
ـنع في قاتمٍ من الألوانِ
وتراءَى ليَ المضيقُ البعيدُ الـ
ـغور يمتدُّ في رخيِّ المجاني
موحشات لكنما كن ألا
في ومهد الهنيء من أزماني!

•••

أنا ما جئتَ ها هنا أذكر الأشـ
ـجانَ في موطنٍ عرفت فيه هنائي
ذلك الغاب رائع الحسن والصمـ
ـت مثال الجلال والكبرياءِ
وفؤادي عاتٍ كرائعِ هذا الـ
ـغابِ مستكبرٌ على البرحاءِ!

•••

من يشأ أن يفيضَ يومًا بشكوا
ه فما هذا موضع الأحزان
قل لشاكٍ هلَّا مضيت لتجثو
عند مثوى ميْت من الخلان!
كل شيء حيٌّ هنا ونباتُ الـ
ـقبرِ ينمو في غيرِ هذا المكان!

•••

طلع البدرُ يرتقي ذروةَ الأُفـ
ـقِ ويجتازُ حالكَ الأسدادِ
يا أمير الظلام إِنك تبدو
حائرَ الرأي، واضحَ التردادِ
ثم تمضي مجاوزًا حجبَ الليـ
ـلِ وترمي بنوِرك الوقَّادِ

•••

كلّما شارف الثرى فيض نورٍ
مرسلٍ من جبيِنك الوضَّاحِ
وإِذا الأرض قد تضوَّعَ منها
عن ثراها النديِّ عطرُ الصباحِ
استثارت عطرَ القديمِ من الحبِّ
دفين العبيرِ في الأرواح

•••

أيهذا الوادي المجبب ما زر
تك حتى سألت عن أوصابي
أيْن راحت لواعجي؟ أيْن آلا
مي اللواتي أهرمنَنِي في الشباب؟
عاودتني طفولتي فيك حتى
خلتُ أني ما اجتزتُ يومَ عذاب!

•••

يا خفاف السنين! يا صولة الدهـ
ـرِ قويًّا مثل الجبابرِ عاتي
كل ماضي صبابة قد أخذتنَّ
فمن مدمعٍ ومن حسراتِ
ورحمتنَّ لي أزاهر ذكرى
علقتْ في ذبولها بالحياةِ

•••

فسلام مني على الأيامِ
كيف آستْ في النازلاتِ الجسامِ
لم أكن أدرِي أن جرحًا بما كا
بدْتُ منه من فاتك الآلامِ
معْقبٌ لذةً لنفسي وإحسا
سَ هناءٍ لديَّ بعد التئامِ

•••

فليبْن عنيَ السخيفُ من الرأ
يِ وتنأَى سفاسفُ الأقوالِ
وهمومٌ كواذبٌ كفنت أثْـ
ـوابها حُبَّ عاشقين ضآلِ
جعلوها مظاهرًا لهواهم
والهوى الحقُّ ليس منهم ببالِ

•••

إيه دانتي! أأنت ذاك الذي قا
ل قديمًا عن ذكرياتِ الهناء:
إنها إن مرَّت على ذاكريها
زمن الحزن فهْي أشقى الشقاء!
أي بؤسى أمْلتْ عليك مرير الـ
ـقولِ حقًّا أسأت للبأساءِ!

•••

أو إنْ أقبل الدجى بعد إدبا
رِ نهارٍ صافي الضياء قضيتَهْ
تنْكرُ النورَ في الوجودِ فيغدو
محض وهمٍ كأنه ما رأيتَهْ
ذلك القول وهو جدُّ عجيب
أيها الخالد الأسي كيف قلتَهْ

•••

قسمًا بالطهورِ من لهب الحبِّ
مضيئًا في القلب شبه المنارِ
ما عهِدْنا في قلبك الوافر الإيـ
ـمانِ هذا الظلال في الأفكارِ
لا أرى للهناءِ والله صدقًا
مثل صدقِ الهناءِ بالتذكارِ

•••

أو إنْ أبصرَ الشقيُّ وميضًا
في رمادِ الهوى فقام إليهِ
باسطًا نحوَه يديهِ بلهفٍ
حارصًا أن يمرَّ من كفَّيهِ
وبه من إشعاعهِ أثرُ البر
قِ إذا مرَّ خاطفًا ناظريه

•••

أو إن غاصت روحهُ في عبابِ الذ
كريات التي طوتها السنينْ!
وعلى مرآة مجرحة منها
جرى دمعه السخيُّ الهتون!
أو هذا السرور من ذِكرِ الماضي
تسميه بالعذابِ المبين!

•••

إن تروا أدمعي فلا تزجروني
ودعوني إني أحب الدموعَا
لا تجفف أيديكمُ أدمعًا تنـ
ـفعُ قلبًا لمَّا يزلْ موجوعا
أدمعي سترٌ مسبلٌ فوق ماضٍ
قد تولى ما يستطيع رجوعا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤