إلى روح الشاعر

ألقيت في حفلة الذكرى للشاعر المرحوم طانيوس عبده بمعهد الموسيقى الشرقي، يوم الثلاثاء ٢٠ فبراير سنة ١٩٣٤.

موقفٌ حانَ فاغتنِمْ
وتخير مِن الكلمْ
كلَّ لفظٍ أرقَّ مِن
ضحكةِ الزهر للدِّيمْ
مستَمَدٍّ من الرُّبى
مُستعارٍ من النسمْ
اجمعِ الآنَ طاقةً
غضَّةَ النور تبتسمْ
أُهدِها روحَ شاعرٍ
خالدٍ بالذي نَظمْ

•••

قلمي! ما الذي لديـ
ـكَ من الخيرِ يا قلمْ؟!
قمْ فذكِّر وناج قو
مَكَ واخطُب وقل لهُمْ
قل لأهل الغناءِ في
كنف المعهد الأَشمّْ:
ذلك الشاعرُ الذي
بات في خاطر الظُّلمْ
هو منكم وفنُّهُ
علمَ الله فنكمْ
كان لحنًا فصار ذكـ
ـرًا كما يُذكَرُ الحُلمْ
إنما الشعر مزهرٌ
قد حكى قصةَ الأممْ
وبأوتاره المنى
تتلاقى وتزدحمْ
هو نايٌ مُرجِّعٌ
لشجيٍّ وما كتمْ
هو قيثارةُ الزما
ن ونجواه مِنْ قِدَمْ
هو أنشودة الحيا
ةِ وفيضٌ من النغمْ

•••

أيها المعهد الذي
بلغ المجدَ واستتمّْ
كلُّ لحنٍ مذكرٍ
أشعل القلب فاضطرمْ
نظمته يدُ الأسى
وقَعته يدُ السقمْ
وأناشيدكم وما
صاغه الفنُّ من عِظمْ
هي أنَّاتُ أنفسٍ
بالمقادير ترتَطِمْ
وصباباتُ أعينٍ
يشهدُ الليل لَم تنمْ
وأغانيكمْ التي
هي في قمةِ القمَمْ
هي آهاتُ شاعر
عرف الحبَّ والألمْ!

•••

ذلك الشاعرُ الذي
روحهُ الآن بينكمْ
لكأني أراه حـَ
ـيًّا وألقاهُ عن أمَمْ
وهو في ذروة الشبا
ب وفي خفةِ القَدَمْ
غاشيًا كلَّ منتدًى
عاليَ الرأسِ محترمْ
كلما قال شعرَه
غمر السهلَ والعلمْ
دافقًا ليس ينتهي
أبدًا سيلُه العرمْ
باذلًا للصديق والـ
ـأهلِ كلَّ الذي غَنِمْ

•••

زوجه والبنون هُم
مجدهُ والرجاءُ هُمْ
درجوا في ذُرَا العلا
نوَّروا في رُبى النعمْ
نشأوا في حِمى العفا
فِ وجلُّوا عن التُّهمْ

•••

حين ظنوا بأنَّ ما
أمَّلوا في الزمانِ تمْ
إذ شكا الضعفَ سيد الـ
ـبيتِ خارت به الهممْ
نام في حصنهِ الضَّنى
وعلى صدره جَثمْ
وإذَا بالطيور قد
دخل الموتُ وكرهُمْ
شِبْهَ لصٍّ مخادعٍ
غشىَ البيت فالتهَمْ
وإذا الفاقةُ الجريـ
ـئةُ تَطْغَى وتَنْتَقِمْ
صنعتْ في رجائهمْ
فعلَة الذئبِ بالغنمْ
كأتونٍ مسعَّر
غاضبٍ ينثرُ الحُمَمْ!
مَن رأى البؤسَ إن عدا؟!
مَنْ رأى الضنك إن هَجَمْ؟
مَن رأى العفةَ العريـ
ـقةَ بالدهر تصطدمْ؟!

•••

أُمَّتي! ليس يُهزَمُ الـ
ـفنُّ في أمَّة الشَّمَمْ
أُمَّتي! ليس يخذلُ الـ
ـجُودُ في أمَّة الكرَمْ
أُمَّتي! أُمَّةُ العلا
وأبي الهول والهرَمْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤