ساعة التذكار

ألقيت في حفلة الذكرى التي أقامتها جماعة الأدب المصري بالإسكندرية لمرور عام على وفاة المرحوم أحمد شوقي بك.

شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ
مَنْ مُسعدِي في ساعةِ التذكارِ
قُمْ يا أميرُ! أفِضْ عليَّ خواطرًا
وابعث خيالَك في النسيم الساري
واطلع كعهدك في الحياةِ فراشةً
غراءَ حائمةً على الأنوارِ
يا عاشقَ الحرية الثكلى أَفِقْ
واهتفْ بشعرك في شباب الدارِ
يا مَنْ دعا للحق في أوطانهِ
ومضى ليهتفَ في ديار الجارِ
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها
نهبُ الخطوبِ قليلةُ الأنصارِ
والحظُّ أطمارٌ كما شاءَ البلَى
والعيشُ رثٌّ والسنونُ عوارِ

•••

عامٌ مضى يا للزمان وطيِّه
فينا ويا لسَواخر الأقدارِ!
عامٌ مضى وكأنَّ أمس نعيُّه
يا ما أقلَّ العامَ في الأعمار!
أيْنَ الإمارة والأميرُ ودولة
مبسوطةُ السلطان في الأمصار؟!
خمسون عامًا وهي وارفةُ الجنَى
تحت الربيعِ دؤوبة الإثمارِ!
مَدَّ الخريفُ على الرياض رواقهُ
ومضى الربيعُ الضاحكُ النَّوَّارِ!

•••

هيهات أنسى قبلَ بينك ساعةً
جمعتْ صحابَك في غروب نهار١
والشمس في سقم الغروب وأنت في
لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ
منحتْ وقد ذهبت شعاعًا غاربًا
كسناكَ طوَّافًا على السُّمارِ
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلَّ في
طبي مقيلًا مِن وشيكِ عثارِ
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى
متهجمًا في صَرحه المنهارِ
فرأيتْ ما صنع الضنى في صورةٍ
حالتْ، وخلى هيكلًا كإطارِ
ووجمتُ! ألمحُ في الغيوب نهايةً
وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمُه
والعبقريةَ وهي في الإِدبارِ!
أوَلم يكن لك من زمانِك ذائدًا
وثباتُ ذهنٍ ماردٍ جبارِ؟
أوَلَمْ يكن لكَ من حمامِك عاصمًا
ذاك الجبين مكللًا بالغارِ؟
ولَّيتَ في إثر الذين رثيتهُم
وأقمتَ فيهم مأتمَ الأشعار
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ
محتومةُ الأقداح والأدوارِ
والدهرُ يقذف بالمنايا دفَّقًا
فمضيتَ في متدفق التيارِ

•••

في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به
قيثارةٌ سحريةُ الأوتارِ
صدحتْ بألحان الحياة ووقَّعتْ
أنغامَها المحجوبة الأسرارِ
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذًا
منها ومن إعجازها بغرارِ
مسترسلًا رحبًا كعينٍ ثرَّةٍ
شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ
متعاليًا حتى الأشعةِ مشرقًا!
متألفًا كالكوكبِ السيَّارِ!

•••

شوقي! نظمتَ فكنت برًّا خيِّرًا
في أمة ظمأى إلى الأخيارِ!
أرسلتَ شعرَك في المدائن هاديًا
شبهَ المنارِ يطوف بالأقطارِ
تدعو إلى المجد القديمِ وغابرٍ
طي القرون مجلَّلٍ بوقارِ!
تدعو لمجدِ الشرق تجعل حبَّهُ
نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظار!
تبكي العراقَ إذا استُبيحَ ولا تضنُّ
على الشآم بمدمعٍ مدرارِ
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم
خرجوا لصون كرامةٍ وذمارِ
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم
كفًّا مضرجةً مع الأحرارِ!

•••

ما زلتَ تُبعثُ في قريضِكَ ثاويًا
أو ماضيًا حَفِلًا بكلِّ فخارِ
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ: شاعرٌ
ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ!
فجلوتَ ما لَم يشهدوا، ورسمت ما
لَم يعهدوا من معجز الأفكار!
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ
وجناُنهُ في نضرة الأسحارِ
ويحسُّ تبريحَ الصبابَةِ واصفًا
مجنونَ ليلى في سحيقِ قفارِ
ويروح يبعث كليوباترا ناشرًا
تلك العصور وطيفَها المتواري!
ويرى الحياةَ الحبَّ والحبَّ الحيا
ة! هما شعارُ العيش أيُّ شعارِ
١  يشير إلى اجتماع مجلس (جمعية أبولو) في كرمة ابن هاني في يوم ١٠ أكتوبر سنة ١٩٣٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤