دين الأحياء

ألقيت في حفلة مسرح رمسيس بالقاهرة لذكرى العام الأول على وفاة المرحوم أحمد شوقي.

دَينٌ … وهذا اليومُ يومُ وفاءِ
كم منَّةٍ للميْتِ في الأحياءِ!
إن لَم يكن يُجزَى الجزاءَ جميعَه
فلعلَّ في التذكار بعضَ جزاءِ
يا ساكنَ الصحراء منفردًا بها
مستوحشًا في غربةٍ وتنائي
هل كنتَ قبلًا تستشفُّ سكونَها
وترى مقامَك في العراء النائي
فأتيتَ — والدنيا سرابٌ كلها —
تروي حديثَ الحبِّ في الصحراءِ
ووصفتَ قيسًا في شديدِ بلائه
ظمآن يطلب قطرةً من ماءِ
ظمآن حين الماء ليلى وحدَها
عزَّت عليه ولَم تُتح لظماءِ!
هيمان يضرب في الهواجر حالمًا
بظلال تلك الجنة الفيحاءِ
فإذا غفا فلطيفها، وإذا هفا
فلوجهها المستعذبِ الوضَّاءِ
يا للقلوب لقصةٍ بقيت على
قِدم الدهور جديدةَ الأنباءِ
هي قصةُ الطيف الحزين، وصورةُ الـ
ـقلب الطعين، مجللًا بدماءِ
هي قصةُ الدنيا، وكم من آدم
منا له دمعٌ على حوَّاءِ!
كل به قيسٌ إذا جنَّ الدجى
نزع الإباءَ وباح بالبرحاءِ
فإذا تداركه النهارُ طوى المدا
معَ في الفؤاد وظُنَّ في السعداء
لا تعلم الدنيا بما في قلبه
من لوعةٍ ومرارةٍ وشقاء
كلٌّ له «ليلى» ومن لَم يَلقها
فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ
كلٌّ له «ليلى» يرى في حبها
سرَّ الدُّنى وحقيقة الأشياءِ
ويرى الأماني في سعير غرامها
ويرى السعادةَ في أتمِّ شقاءِ
الكونُ في إحسانها والعمرُ عنـ
ـد حنانها، والخلدُ يومُ لقاءِ
يا للقلوب لقصةٍ محزونةٍ
لم تُروَ إلَّا رُوِّحَتْ ببكاءِ
خلدت على الدنيا وزادت روعةً
ممَّا كساها سيدُ الشعراءِ
خلدتْ على الدنيا وزادت روعةً
من جودة التمثيل والإلقاءِ
من فنِّ (زينبها) ومن (علَّامها)
زين الشباب وقدوةِ النبغاء

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤