الفصل الثامن

التنفيذ العملي

تقرير لجنة السير جورج طومسون

ورد في الأخبار على لسان رئيس وزراء إنجلترا أنه في صيف سنة ١٩٤١ استطاعت لجنة السير جورج طومسون١ أن تذكر في تقريرها أنها ترى ثَمَّةَ فرصة معقولة لإنتاج القنبلة الجديدة قبل نهاية الحرب، وورد أيضًا أن القرار استقر في عام ١٩٤٢ على إنشاء مصانع الإنتاج على مدى واسع في أمريكا، وأن حكومة كندا كانت تقوم بإمداد المصانع بالمواد الخام التي لم يكن للمشروع غنى عنها، ومع أن تقرير السير جورج طومسون لم تُنشر تفاصيله إلا أن من السهل أن نتكهن بخلاصة ما بني عليه هذا التقرير، فخلاصة الموقف في سنة ١٩٤١ عندما قدمت لجنة السير جورج طومسون تقريرها كانت ما يأتي:
  • أولًا: ثبت له أن أحد أصناف اليورانيوم وهو الصنف «يو ٢٣٥» إذا أطلقت على ذراته نيوترونات بطيئة انبعثت منها طاقة تقدر بنحو ١٦٠ أو ١٧٠ مليون فولت إلكتروني.
  • ثانيًا: ثبت أن انبعاث هذه الطاقة يصحبه انبعاث نيوترونات جديدة مما يبعث على الأمل في تسلسل التفاعلات؛ أي في الحصول على الطاقة بمدى واسع.
  • ثالثًا: سرعة النيوترونات الجديدة أكثر مما يجب، وهناك اقتراحات عملية من شأنها أن تخفض سرعة النيوترونات إلى الحد المطلوب.
  • رابعًا: يستخرج اليورانيوم من منطقة بحيرة الدب الأكبر في كندا؛ حيث تعتبر مناجم هذه المنطقة أغنى مناجم العالم المعروفة بهذه المادة.
  • خامسًا: الصنف «يو ٢٣٥» وهو الصنف الفعال في استخراج الطاقة موجود في اليورانيوم بنسبة ٧٫١ في الألف، وعملية عزله أو تحضيره بصورة نقية عملية شاقة وبطيئة وكثيرة التكاليف ولكنها ممكنة.
  • سادسًا: ربما يؤدي البحث إلى استخرج الطاقة الذرية باستخدام جسيمات أخرى غير النيوترونات مثل جسيمات ألفا الديبلونات، وتوجد وسائل أهمها جهاز السيكلوترون لاستحداث هذه الجسيمات بسرعات عظيمة.

مادة القنابل الذرية

وقد أعلن من محطة راديو لندن أن المادة التي استخدمت فعلًا في صنع القنابل الذرية هي الصنف «يو ٢٣٥» لليورانيوم، ويجوز لنا أن نستنتج من ذلك أن جزءًا أساسيًّا من المصانع التي شيدوها يقصد به إلى تحضير هذا الصنف من اليورانيوم، وهو موجود — كما تقدم — بنسبة ٧٫١ في الألف، والذي يتصوره الإنسان هو أن اليورانيوم المستخرج من بحيرة الدب الأكبر في كندا يُنقل بالطائرات إلى هذه المصانع الجديدة حيث يستحضر منه الصنف «يو ٢٣٥».

أما عن طريقة تحضير هذا الصنف وفصله عن الصنف المتغلب «يو ٢٣٨» فقد سبقت الإشارة إلى استخدام جهاز مطياف الكتلة لهذا الغرض. كما سبقت الإشارة أيضًا إلى إمكان استخدام بعض الطرق الأخرى كطريقة الانتشار وطريقة التحليل الكهربائي المتكرر، ولا بد أن تكون إحدى هذه الطرق، ولعلها طريقة مطياف الكتلة هي التي تستخدم فعلًا في تحضير «يو ٢٣٥» في المعامل الأمريكية.

طاقة القنبلة ووزنها

سبقت الإشارة إلى أن هندرسون قدَّر للطاقة الناشئة عن فلق ذرة اليورانيوم ١٧٥ مليون فولت إلكتروني، وأن كانر قدر لها ١٥٩ مليون فولت إلكتروني، وقد أجريت تجارب أخرى لتقدير هذه الطاقة، فجاءت كلها قريبة من ذلك، وإذا حسبنا الطاقة على أساس ١٦٠ مليون فولت إلكتروني كرقم تقريبي فإن ذلك يعادل ما يقرب من ٢٠ ألف كيلو واط/ساعة عن كل جرام من مادة اليورانيوم، ولما كان الطن من المواد المتفجرة كالديناميت وما إليه تقدر طاقته بنحو ١٠ آلاف كيلو واط/ساعة فإن طاقة الجرام الواحد من مادة هذه القنابل الجديدة تعادل طاقة نحو ٢ طن من المتفجرات الكيميائية، وقد ورد في الأخبار أن فتك القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما يزيد على فتك ٢٠ ألف طن من الديناميت، وهذا الرقم يمكننا من تقدير وزن اليورانيوم في القنبلة الذرية، فهذا الوزن يساوي إذن نحو عشرة كيلو جرامات؛ أي نحو ٢٢ رطلًا.

طاقة القنبلة منسوبة إلى طاقة ذراتها

أشرت فيما تقدم إلى أن الطاقة المختزنة في بواطن ذرات جرام واحد من المادة تعدل نحو ٢٥ مليون كيلو واط/ساعة، ولما كانت طاقة القنبلة الذرية تعدل نحو ٢٠ ألف كيلو واط/ساعة — كما تقدم — فإن الطاقة التي استخلصت من ثنايا المادة في القنابل التي ألقيت على اليابان لا تزيد على جزء من ألف جزء من الطاقة المختزنة في المادة، فالخزانة إذن لا تزال عامرة بالطاقة، والقنابل التي روَّع العالم فتكها ليست إلا شيئًا صغيرًا بالنسبة إلى الطاقة الذرية.

وبهذه المناسبة أذكر أن نفس النسبة، وهي واحد في الألف أو ٪، قد وردت في الأخبار التلغرافية، وهذا مما يعزز ظني بأن أساس عمل القنابل الذرية هو فعل النيوترونات بنواة اليورانيوم.

مسألة سرعة النيوترونات

أما مسألة سرعة النيوترونات وتخفيضها إلى الحد المطلوب فإن حلها لا يزال سرًّا من الأسرار، هل أضيف الكادْمِيُوم إلى اليورانيوم كما اقترح «أدلر»، أم هل كشف عن طريقة أخرى؟ إن شيئًا واحدًا محقق وهو أن المسألة قد حُلَّتْ، وأغلب الظن أن حل هذه المشكلة سيؤدي إلى تطورات جديدة في علم الطاقة الذرية؛ فإن أثرها لا يقف عند حد صنع القنابل، بل يتعداها إلى الدائرة الاقتصادية والعمرانية؛ إذ يمكننا من تقييد الطاقة واستخدامها في المحركات الميكانيكية.

التطبيق الاقتصادي

وإذا كانت الطاقة الذرية قد طلعت على الناس في شكل قنبلة مدمرة فإن هذا لا يجب أن ينسينا النواحي الاقتصادية والعمرانية التي يمكن أن تستخدم فيها هذه الطاقة، فقد أصبح في مقدورنا أن نستخرج من كيلو جرام واحد من المادة ما يعدل محصول ٢٠٠٠ طن من أجود أنواع الوقود، وإذا كنا قد حصلنا على هذه الطاقة على شكل انفجار هائل فإنما يرجع ذلك إلى أننا أردنا أن نحصل عليها على هذه الصورة، فبُذلت الجهود ووجهت نحو هذا الغرض.

أما وقد حل السلام وظهرت الحاجة الملحة إلى التعمير بدلًا من التدمير فإنني لا أشك في أن الجهود ستتجه إلى استخدام الطاقة الذرية كأداة محركة في الآلات الميكانيكية، كما أنني لا أشك أيضًا في أن التطورات الهندسية ستكون مملوءة بالمفاجآت، فتجربة واحدة من نوع تجربة هاهن واشتراسمان قد تقلب الموقف رأسًا على عقب.

ومن يعشْ يرَ!!

هوامش

(١) sir G. P. Thomson وهو نجل السير J. J. Thomson الذي سبقت الإشارة إليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤