للتاريخ

بعد نشر المقالة التي سلفت نهض العلماء كافة في جميع المعاهد الدينية في أسيوط وإسكندرية وطنطا ودمياط والزقازيق والقاهرة فحققوا إلحاد أستاذ الجامعة وجهله وخطله، ثم أرسلوا البرقيات إلى جلالة ملك مصر ورياسة وزرائها ووزارة المعارف ونبهوا الأمة جمعاء، فخفق البرق من كل جهات القطر بالاحتجاج على أستاذ الجامعة، وأصبح الرجل ملعَنة هذه الأمة بأديانها الثلاثة: الإسلام، والنصرانية، واليهودية.

وإليك ما كتبه أحد علماء الأزهر ونشرته الصحف، وهو يصف ما كان من الأزهر الشريف وحده دون سائر المعاهد التي أشرنا إليها آنفًا قال:

العلماء يطاردون الإلحاد

أهم علماء الأزهر الشريف طلائع تلك الحملة المدبرة ضد الأديان السماوية التي في مقدمتها كتاب «في الشعر الجاهلي» تأليف طه حسين، فرأوا بعد أن جودل بالحجة والبرهان فلم يخضع لسلطانها وأظهر عنادًا وإصرارًا على الخروج والإلحاد، أن يرفعوا الأمر إلى جلالة الملك وحكومته المسئولة عن حماية دينها الرسمي، قيامًا بما يقضي به واجبهم نحو الدين الذي هم ممثلوه ودعاته، فاجتمع منهم زهاء مائتي عالم بسكرتارية المعاهد الدينية، ومن هناك يمموا «قصر عابدين» يتقدمهم فضيلة أستاذهم الأكبر شيخ الجامع الأزهر وهيئة كبار العلماء، حيث قابلوا صاحب الدولة توفيق باشا نسيم وبسطوا له شيئًا من المطاعن التي وردت في ذلك الكتاب، فأبدى عظيم استيائه لهذا التبجح.

وأعلن دولته تضامنه مع العلماء في حفظ بيضة الدين والذود عن حياضه، فخرجوا شاكرين لدولته هذه الروح العالية والنزعة النبيلة.

وقصدوا توًّا إلى صاحب الدولة زيور باشا رئيس الوزراء بوزارة الخارجية، وهناك اجتمعوا بدولته وصاحبي المعالي وزيري الخارجية والمعارف مجتمعين، فشرحوا لدولته ومعاليهما كذلك بعض ما في المؤلف من كفر وإلحاد، فعظم عليهم الأمر وأكبروه جدَّ إكبار من شخص مسلم من أبوين مسلمين في أمة متمدينة يطعم ويكسى من أموالها ويحسب في عداد أبنائها وهو أقبح أثرًا وأكبر إجرامًا من أعدائها.

وأعلنوا مجتمعين اتخاذ الوسائل الحاسمة في القريب العاجل، فحمد العلماء لهم هذه الهمة العالية والعناية الجليلة التي ستعقد لسان الأديان السماوية وجميع معتنقيها على حمدهم والثناء عليهم، ويستوجبون بها عند الله عظيم المثوبة وجزيل الأجر: إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ.

ولقد عاد العلماء من هذا التطواف ممتلئين ثقة وإيمانًا بأن حضرة صاحب الجلالة نصير الدين والعلم، وحكومته الرشيدة، سيضعان الحد الفاصل والسدَّ المنيع والعلاج الناجع لهذه الأوباء الفتاكة التي هي أولى بالمطاردة والإفناء من الجراثيم المعدية.

حفظ الله دينه ورعى بعنايته جلالة مليكنا المعظم وولي عهده المحبوب، إنه سميع الدعاء.

عبد ربه مفتاح من علماء الأزهر

وكان الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر قد أمر فتألفت لجنة من العلماء لدرس كتاب طه حسين ورفع تقرير بما فيه، فرفعتْ إلى فضيلته هذا التقرير الذي ترى نسخته، ثم نشرته في الصحف وهو:

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤