بيان رئيس الحكومة١

رئيس مجلس الوزراء : أريد أن أقول كلمة في هذا الموضوع؛ فقد ذكر معالي وزير المعارف العمومية أن هذا الكتاب طبع ونشر في عهد الوزارة السابقة؛ وحين تشكلت هذه الوزارة وجدت برئاسة مجلس الوزراء خطابًا من حضرة صاحب الفضيلة شيخ الجامع الأزهر يطلب فيه من الحكومة أن تتخذ إجراءات خاصة في موضوع هذا الكتاب.
وأذكر منها رفع الدعوى الجنائية على المؤلف؛ فطلبت من وزير المعارف بحث هذا الموضوع، فبحثه وكتب لي خطابًا بين فيه نتيجة بحثه باشتراك مدير الجامعة وما رأى اتخاذه من التدابير اللازمة لمنع تكرار وقوع مثل هذا العمل في المستقبل، وقد وافقته على ما ارتآه وكتبت لفضيلة شيخ الأزهر بما قرره وزير المعارف ووافقته عليه، من حبس الكتاب، أي منع انتشاره، وبأن المؤلف قد اعتذر بما بينه معالي وزير المعارف، وأخبرت فضيلته أيضًا بما اعتزمته الحكومة من اتخاذ التدابير لمنع تكرار وقوع مثل هذا العمل من أي أستاذ بالجامعة؛ فموافقتي على ما قرره وزير المعارف يعتبر عملًا حكوميًّا صدر من رئيس وزارة مسئول عنه، وإني أفهم أن يُظهر المجلس استياءه من الكتاب، أو أن يترك لوزير المعارف الحرية في اتخاذ إجراءات علاوة على ما اتخذ من قبل، أما أن يقرر المجلس قرارًا يخالف ما اتخذته الوزارة من الإجراءات، أو أن يُلزمها بالقيام بعمل معين زيادة على ما عملته وبما وعد به وزير المعارف، فيكون هذا انتقادًا لإجراءاتها في هذا الموضوع ويعرِّضها للمسئولية الوزارية.
الرئيس : لم أفهم القصد من هذا القول، فهل تريد ألا يتخذ المجلس قرارًا؟
رئيس مجلس الوزراء : الاقتراح المعروض الآن يُعتبر في نظري انتقادًا للوزارة ويعرِّضها لمسألة الثقة.
الرئيس : تريد إذن طرح مسألة الثقة بالوزارة.
رئيس مجلس الوزراء : نعم.
الرئيس : حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء يرى أنه إذا قرر المجلس قرارًا يخالف ما اتخذه من الإجراءات فإن ذلك يدعو إلى طرح الثقة بالوزارة.
رئيس مجلس الوزراء : قلت: إنه إذا قرر المجلس قرارًا ما يخالف الإجراءات التي اتخذت وما وعد به وزير المعارف العمومية؛ فإن ذلك يدل على عدم ثقة المجلس بالوزارة.
وزير المعارف : قلت: إن مؤلف هذا الكتاب غير موجود بمصر، ووعدت أنه عند حضوره أبحث المسألة وأسأله فيها، وبعد ذلك يتخذ ما يتراءى من الإجراءات ونعرض كل ذلك على المجلس.
الرئيس : ولكن المجلس ينظر الآن في إلغاء وظيفة.
رئيس مجلس الوزراء : لا شك أن من حق المجلس إلغاء أية وظيفة شاء، وهذا لا أعارض فيه مطلقًا.
الرئيس : أنت إذن تعارض في إحالة المؤلف على النيابة؟
رئيس مجلس الوزراء : أعتبر أن في تكليفنا بذلك عدم ارتياح لما قمنا به من الإجراءات، وهذا يدعوني …
الرئيس : يعني أن الوزارة لا تود تكليف النيابة بالتحقيق.
وزير المعارف العمومية : لا تعارض الوزارة في ذلك بعد سؤاله، وإذا تبين لها أن هناك جريمة؟
الرئيس : يعني أن الوزارة تعد بتكليف النيابة بالتحقيق إذا اتضح لها بعد سؤال المؤلف أن هناك جريمة؟
رئيس مجلس الوزراء : قلت: إننا اتخذنا ما يجب اتخاذه من الإجراءات.
الرئيس : ولكن للمجلس الحق في إبداء رغبات.
رئيس مجلس الوزراء : إذا كان الغرض إبداء رغبة فهذا شيء آخر.
أما تكليف الحكومة أمرًا فلا يعد إبداء رغبة من المجلس.
الرئيس : يجوز للمجلس أن يكلف الحكومة بأشياء بما له عليها من حق الرقابة الداخلة في اختصاصه؛ فهل تأبى الحكومة ذلك؟ فإذا كنتم تعدوننا بقبول ذلك فهذا حسن، وإلا فإن ذلك يكون أساسًا لمبدأ جديد يلزم بحثه.
رئيس مجلس الوزراء : هذه المسألة من اختصاص السلطة التنفيذية، وللمجلس الحق في إبداء رغبات بخصوصها، فتبحث الحكومة هذه الرغبات لترى إذا كان من الممكن تنفيذها أم لا، فإذا تأكد للحكومة أن هناك جريمة أمكن معاقبته.
الرئيس : هل حضراتكم موافقون على الرغبات التي تُليت عليكم؛ أعني المصادرة، وتكليف النيابة العمومية برفع الدعوى، وإلغاء الوظيفة؟
محمود لطيف بك : إن الاقتراح الذي قدمتُه برغبة يوفق بين رأي المجلس والوزارة.
الرئيس : هناك اقتراح برغبة، فإما أن ترفضوه أو تقبلوه.
فكري أباظة بك : إن في نصوص هذه الرغبة متناقضات، مثلًا: إنه غير ممكن مصادرة الكتاب إلا بحكم.
الرئيس : قيل: إن إدارة الجامعة اشترت هذا الكتاب، وحبسته؛ لتمنع بذلك تداوله؛ فهل يكتفي حضرة مقدم الاقتراح بذلك أم يريد إعدامه؟
عبد الحميد البنان أفندي : أريد إعدامه.
الرئيس : هل تمانع وزارة المعارف في إعدام هذا الكتاب؟
وزير المعارف : إن وزارة المعارف لا تمانع في ذلك.
الرئيس : بقيت النقطة الثانية؛ وهي تكليف النيابة العمومية بإقامة الدعوى ضد المؤلف؛ فهل ترى الحكومةُ — إذا وافق المجلس على إبداء هذه الرغبة — في ذلك اعتداءً على اختصاصها؟
عبد الخالق عطية أفندي : أرى أن المسألة تتعلق بالصيغة أكثر منها بالموضوع؛ لأنه ربما يتبادر إلى الذهن أن المقصود بلفظة «تكليف» إلزام النيابة برفع الدعوى العمومية، فلذلك أقترح أن تستبدل بكلمة «تبليغ» كلمة «تكليف».
الرئيس : إذا استبدلت كلمة «تكليف» المذكورة بالاقتراح بكلمة «تبليغ» فهل لدى الحكومة ما يمنعها من تنفيذ هذه الرغبة إذا وافق المجلس على إبدائها؟
رئيس مجلس الوزراء : لقد تصرفت الحكومة في هذا الموضوع بما رأته مناسبًا؛ فتكليف المجلس إياها بأن تقوم بأكثر مما فعلت يفيد أن ما اتخذته من الإجراءات لم يكن كافيًا؛ وأرى لهذا أنه يجب علي أن أعارض في ذلك!
الرئيس : لا يمكننا أن نقبل هذا مطلقًا؛ لأن للمجلس اختصاصاتٍ وحقوقًا؛ فله أن يبدي رغبات، ويطلب طلبات، فإذا لم تستطع الحكومة تنفيذها وجب عليها أن تبين له أسباب ذلك، أما إذا رأت الحكومة أنه ليس للمجلس مبدئيًّا أن يكلفها أو يدعوها إلى العمل، فإننا لا نقبل ذلك ولا يمكنني أن أرأس هذا المجلس إذا لم يكن ذلك من اختصاصه (تصفيق حاد). لقد أبدى المجلس فيما مضى رغباتٍ أهمَّ من هذه بكثير، فلم تعترض على تنفيذها؛ وبصفتي رئيس مجلس النواب لا يمكنني أن أقبل ما تقوله الحكومة، من أنه ليس من اختصاص المجلس أن يبدي رغبة كهذه، خصوصًا وأنها ترمي إلى إعطاء القضاء ما هو من حقوق القضاء!
رئيس مجلس الوزراء : لا تقول الحكومة: إنه ليس من اختصاص المجلس إبداء رغبات، ولكنها تقول: إنها تصرفت في الموضوع، فإذا وافق المجلس على هذه الرغبة فكأنه يقول: إن ما قامت به الحكومة لم يكن كافيًا.
الرئيس : إذا كانت موافقة المجلس على إبداء هذه الرغبة تفيد أن تصرُّفَ الحكومة في هذه المسألة لم يكن كافيًا فإن له هذا الحق.
رئيس مجلس الوزراء : للمجلس الحق إلا أن هذا يعتبر اعتراضًا على تصرف الحكومة.
الرئيس : إنه اعتراض بلا شك، ولكن إذا رأى المجلس أن هذا الاعتراض في محله فما رأي الحكومة في ذلك؟
فكري أباظة بك : حضرات الزملاء المحترمين! أشار حضرة صاحب الدولة رئيس الوزراء إلى تصرفات الحكومة في هذا الموضوع إجمالًا، ولكننا لم نطلع على تفاصيل هذه الإجراءات، فمع تمسكنا بما لنا من حق إبداء رغبات، يهمنا أن نطلع على تفاصيل ما قامت به من التصرفات حتى يمكننا أن نحكم عليها، ولكن بما أن الفرصة لا تسمح لنا ولا تمكنا من أن نحكم فيما إذا كانت هذه التصرفات كافية أم لا، فلذلك أقترح تأجيل النظر في هذا الموضوع حتى نطلع على التفاصيل التي أشرت إليها.
الرئيس : إن الحكومة لم تبين لنا من التفاصيل، ولكنها تقول: إن مطالبة المجلس إياها بالقيام بغير ما قامت به يعتبر اعتراضًا على تصرفاتها، حقيقة إن طلب المجلس يعتبر اعتراضًا ولكنه في محله!
فكري أباظة بك : يمكنك استيفاء الموضوع في فترة التأجيل.
الرئيس : إن الموضوع مستوفى.
وزير الحقانية : يظهر لي أن المسألة تكاد تكون من اختصاص وزير الحقانية. يريد المجلس الموقر أن يبدي رغبة بتقديم مؤلف كتاب «الشعر الجاهلي» إلى المحاكمة.
وتقول الحكومة إنها تصرفت في هذه المسألة بطريقة مخصوصة قبل أن تثار في المجلس. ويقول معالي وزير المعارف: إن هذه المسألة محل نظر الوزارة، وإنها ستتخذ فيها ما تراه من الإجراءات. فهل هناك فارق بين رغبة المجلس وما وعد به معالي وزير المعارف؟ لا أظن أن هناك فارقًا؛ للمجلس أن يبدي رغبة بتبليغ النيابة العمومية لإقامة الدعوى ضد الكاتب، ولمعالي وزير المعارف أن ينظر في هذه الرغبة ويتصرف فيها بما رآه، وأظن أن هذا أليق بكرامة المجلس؛ لأنه — وهو الهيئة التشريعية — إذا أمر برفع الدعوى العمومية وجاء الحكم فيها مخالفًا لرأيه فيكون معنى هذا أن رأي المجلس لم يكن في محله، أما إذا تركت المسألة للحكومة ورأت أن تقيم الدعوى العمومية ثم صدر الحكم ببراءة المؤلف فلا يؤاخذ المجلس بشيء وتتحمل الوزارة وحدها مسئولية تصرفها.
الرئيس : يجوز أن يكون تبليغ النيابة من ضمن الإجراءات التي تتخذها الوزارة في هذه المسألة، وتبليغ النيابة هذا لا علاقة له بالحكم في الدعوى.
وزير الحقانية : الذي فهمته أن الاقتراح يومئ إلى تكليف النيابة برفع الدعوى العمومية.
الرئيس : سنستبدل كلمة «تبليغ» بكلمة «تكليف» وأظن أن تبليغ النيابة عن جريمة ارتكبت حق واجب على كل فرد.
وزير الحقانية : لا نزاع في ذلك.
عبد الحميد البنان أفندي : أوافق على أن تستبدل بكلمة «تبليغ» كلمة «تكليف».
وزير الحقانية : يمكنني أن أقول: إن سبب عدم تبليغ النيابة ربما كان مبنيًّا على أن كتاب «الشعر الجاهلي» مكروه من الأصل، وكان من الواجب احتقاره وعدم إذاعته بين الجمهور؛ ولما كان التبليغ يقتضي نشر الكتاب في الجرائد وإذاعته بين أفراد الأمة، رأت الوزارة أن لا تبلغ النيابة؛ استهانة بما احتواه الكتاب وتحقيرًا لشأنه!
فإذا رأى المجلس مع ذلك ضرورة لتبليغ النيابة فلا مانع من أن يبدي هذه الرغبة، على أن تكون من ضمن الإجراءات التي تتخذها الحكومة.
الرئيس : تقدِّم اقتراحًا برغبة؟
عبد الحميد البنان أفندي : لا مانع عندي من أن تكون هذه الرغبة ضمن ما تتخذه الوزارة من الإجراءات.
الرئيس : هل يَعِد معالي وزير المعارف بذلك؛ لأن هناك جريمة ارتكبت ويريد المجلس التبليغ عنها؟
وزير الحقانية : إننا نقدر رغبات المجلس حق قدرها، ولم يُبْدِ المجلس أي رغبة إلا نفذتها الحكومة؛ فلماذا يطلب من معالي وزير المعارف أن يعد من الآن؟
الرئيس : ما الداعي لهذه المعارضة الشديدة؟ المسألة في غاية البساطة، وهى: هل توافق الحكومة على تنفيذ هذه الرغبة أم لا؟
عبد الحميد البنان أفندي : أعدِّل اقتراحي بأن يضع معالي وزير المعارف هذه المسألة موضع البحث حتى إذا رأى …
وزير المعارف : أوافق على هذا التعديل.
الرئيس : لقد تقدم الاقتراح ومن حق المجلس أن يصدر قرارًا بخصوصه؛ فهل يوافق معالي وزير المعارف على تبليغه النيابة.
وزير المعارف : إني موافق على تعديل حضرة عبد الحميد البنان أفندي.
الرئيس : التعديل هو أن يقوم معالي وزير المعارف بتبليغ النيابة؛ فهل تعد بذلك.
الدكتور أحمد ماهر : أرجو أن ترفع الجلسة للاستراحة.
الرئيس : ترفع الجلسة للاستراحة عشر دقائق.
١  قلت: هو المرحوم عدلي يكن باشا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤