الدرس الثامن عشر

ضرائب المبيعات وضرائب الدخل

ستتعلم في هذا الدرس

  • الأثر العام للإنفاق الحكومي.

  • الطرق الثلاثة التقليدية التي تدفع بها الدولة نفقات مشترياتها.

  • الآثار المحددة المترتبة على كل من «ضرائب المبيعات» و«ضرائب الدخل».

(١) الإنفاق الحكومي

برامج الإنفاق الحكومي واحدة من أكثر السبل تأثيرًا فيما يتعلق بتغيير الحكومة طبيعةَ الاقتصاد من حيث ناتج السوق الحرة. سنتعرف في هذا الدرس على بعض الطرق التي تتسبب من خلالها هذه الأنشطة في حدوث تشوهات اقتصادية، وذلك في ضوء ما نعرفه عن كيفية عمل اقتصاد السوق الخالص. تذكر أن تضع في اعتبارك أن التحليل الاقتصادي في حد ذاته لا يحدد إذا كانت السياسة الحكومية جيدة أم سيئة، لكن التحليل الاقتصادي الموضوعي يمكنه أن يبين لنا أن التبريرات النمطية للسياسات التدخلية هي تبريرات باطلة. وهذا لأن التدخلية في حد ذاتها تؤدي إلى نتيجة أسوأ وفقًا لنفس المعايير التي يحددها مؤيدوها.

بصرف النظر عن كيفية حصول الحكومة على أموالها، فهي عندما تنفق هذه الأموال تسحب الموارد بالضرورة من القطاع الخاص وتخصصها لقنوات تحددها السلطات السياسية. على سبيل المثال: عندما تنفق الحكومة ١٠٠ مليون دولار في إنشاء أحد الجسور، نكون على علم بأن هذا يؤثر على الاقتصاد حتى إذا لم نكن نعلم مصدر المائة مليون دولار. فمن أجل إنشاء الجسر، سيتعين على الحكومة توظيف عمال وشراء موارد مثل الخرسانة وحديد التسليح. وما إن تكرَّس تلك المواد والأيدي العاملة النادرة لبناء الجسر حتى تصبح غير متاحة أمام الأفراد في القطاع الخاص. فالعامل الواحد لا يستطيع بناء مصنع لإحدى الشركات الخاصة أثناء الساعات التي يعمل فيها على بناء الجسر التابع للحكومة. وبالطبع، لا يمكن استخدام الخرسانة وحديد التسليح المخصص لبناء الجسر في بناء مبانٍ أخرى لحساب أصحاب الأعمال في القطاع الخاص.

إذا أعلن المسئولون السياسيون أنهم سينفقون أموال الدولة من أجل تحقيق أقصى قدر من السعادة لأنفسهم، فلن يتبقى شيء يقوله علم الاقتصاد. فعندما يقرر مُلّاك «ديزني لاند» إنشاء جسر يربط بين مناطق مدينة الملاهي، فهم أيضًا يستغلون الموارد ويجعلونها غير متاحة أمام الآخرين في الاقتصاد. فما المشكلة إذن إن تصرفت الحكومة على النحو نفسه؟

الفرق الجوهري بين الحالتين أن ملاك «ديزني لاند» يعملون في اقتصاد السوق الطوعي، ومن ثم فهم معرضون لاختبار الأرباح والخسائر. وإذا لم ينفقوا المائة مليون دولار على الاستهلاك الشخصي (كشراء البيوت الفخمة والسيارات الفارهة)، بل أنفقوها في عمل يجعل «ديزني لاند» أكثر إثارة لمتعة روادها، فسيحصلون على تغذية رجعية موضوعية من جانب المستهلكين. فبإمكان المحاسبين أن يخبروهم عما قريب هل يستقبلون عددًا أكبر من الزوار (ومن ثم إيرادات أكثر) بعد تركيب لعبة جديدة أو القيام بأي مشروع استثماري آخر.١ تذكر أن اختبار الأرباح والخسائر — اعتمادًا على أسعار السوق — هو ما يوجِّه أصحاب الأعمال نحو الاستخدام الحذر لموارد المجتمع النادرة.

في المقابل، لا تستطيع الحكومة الاعتماد على تغذية رجعية موضوعية من أسعار السوق، لأنها تعمل (جزئيًّا على الأقل) خارج السوق. المعروف أن التدخلية مزيج ما بين الرأسمالية والاشتراكية، ومن ثم فهي تعاني (على نحو جزئي) عيوب الاشتراكية. وبقدر ما «تشتري» الحكومة مواردها من القطاع الخاص — بدلًا من إصدار أوامر رسمية تُلزم العمال بقضاء أوقاتهم في بناء الجسر بلا أجر، أو مصادرة الخرسانة وحديد التسليح اللازمين لهذا الغرض — تفرض ميزانية الحكومة حدًّا لمقدار الموارد التي تأخذها من القطاع الخاص. (في ظل الاشتراكية الخالصة، تخضع «جميع» الموارد الاقتصادية لتوجيهات الحكام السياسيين.)

لكن لأن الحكومة ليست شركة، فهي لا تجمع أموالها طواعية من «مستهلكي» خدماتها. ومن ثم، فإنه بالرغم من أن السلطات السياسية في الاقتصاد التدخلي تدرك الأهمية النسبية للموارد التي تستخدمها في برامجها — بسبب أسعار السوق الخاصة بكل وحدة يتعين عليها شراؤها — فهي لا تزال تفتقر إلى مقياس موضوعي لمدى استفادة المواطنين من هذه النفقات. ومن دون تغذية راجعة كهذه، حتى لو أرادت السلطات مساعدة مواطنيها بأقصى قدر تستطيع، فإنها مثل طائر يحلِّق أعمى أو بعين واحدة على أفضل تقدير.

سنفترض أن الحكومة قررت بناء مكتبة عامة لتجعل الوصول للكتب وخدمة الإنترنت متاحًا بالمجان لأفراد المجتمع. لأن الحكومة تملك ميزانية محدودة، فلن تقدم على فعل شيء فيه تبديد للمال لدرجة العبث كطلاء المكتبة بالذهب، أو ملء أرففها بالطبعات الأولى النادرة من روايات مشاهير الكتَّاب. سنفترض أن الحكومة حاولت أن تكون حية الضمير،٢ وطرحت مناقصة لعدة مقاولين معروفين بحسن السمعة، وتمكنت من إنشاء مكتبة متواضعة بتكلفة ٤٠٠٠٠٠ دولار.

ومع ذلك، حتى إذا لم يجد المدققون الخارجيون أو الصحفيون شيئًا يشوبه الفساد أو يثير الصدمة في تلك العملية، فسيظل السؤال قائمًا: «هل كان الأمر يستحق إنفاق ٤٠٠٠٠٠ دولار في إنشاء هذه المكتبة تحديدًا، وفي هذا الموقع بالذات؟» أهم ما في الأمر أننا على يقين من شيء واحد، وهو أنه ما من مستثمر ظن أنه سيحصل على إيرادات كافية من تحصيل رسم على إعارة الكتب، بحيث يكون المشروع جديرًا بما أنفق عليه. نحن نعلم ذلك لأن المكتبة لم توجد إلا بعد أن استخدمت الحكومة أموالها في بنائها!

من بين طرق التفكير في نفقات الحكومة أنها بالضرورة توجِد سلعًا وخدمات لم يكن الأفراد في القطاع الخاص يعتبرونها جديرة بالإنتاج.٣ عندما تنفق الحكومة الأموال، فإنها توجِّه الموارد بعيدًا عن الاتجاه الذي يفترض أن تسلكه وفقًا لقرارات الإنفاق في القطاع الخاص، وتوجهها إلى مشروعات لن تدر ربحًا لو أنتجها مستثمرو القطاع الخاص بأموالهم.٤

وهكذا فإن السلطات السياسية في الاقتصاد التدخلي تواجه أحد شطري مشكلة الحساب الخاصة بالاشتراكية. حتى لو أغفلنا الاعتبارات السابقة على أساس أن «تفضيلات الأثرياء فيما يتعلق باستغلال الموارد ليست ذات صلة»، ستبقى لدى السلطات السياسية مشكلة تحديد أفضل طريقة لمساعدة الفقراء والمتضررين وغيرهم. على سبيل المثال: هل من الأفضل إنفاق ٤٠٠٠٠٠ دولار في إنشاء مكتبة عامة، أم أن هذا المبلغ يحقق «نفعًا أكبر» لو أُنفق في شراء أمصال ضد مرض الأنفلونزا للأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر؟ في حالات كهذه، تكون الدولة في الأساس موزعًا كبيرًا للتبرعات الخيرية. حتى المواطنون الذين يرحبون بهذه الفكرة عليهم أن يسألوا أنفسهم: لم نحتاج توزيع تبرعاتنا عبر آلية سياسية؟ ولم لا نلغي مركزية القرارات ونتيح لكل فرد التبرع بنقوده للجهة الخيرية التي يراها أكثر استحقاقًا؟

الواقع أن مؤيدي التدخل الحكومي يمكنهم تقديم إجابات (عملية إلى حد ما) لهذه التساؤلات.٥ مع ذلك سيصبح الوضع — في أحسن الظروف — أشبه بالبحث عن أقل الحلول ضررًا. وبصرف النظر عن الفوائد المحتملة للإنفاق الحكومي، فإنه يعاني مشكلة الحساب التي تعانيها الاشتراكية أيضًا. فالنظام يسمح لمجموعة مختارة من المسئولين السياسيين بأن ينحوا جانبًا آراء الأفراد فيما يتعلق بالكيفية التي ينبغي من خلالها استخدام (بعض) أملاكهم لتوجيهها في مشروعات مختلفة. وهذا عيب خطير للغاية يواجَه به مؤيدو التدخلية بوصفها وسيلة لزيادة «الرفاهة العامة» أيًّا كان تعريفها.

سرُّ سوء سمعة البيروقراطيين إلى هذا الحد

يختلف البيروقراطي عن غير البيروقراطي تحديدًا لأنه يعمل في مجال يستحيل فيه تقييم ناتج الجهد البشري بالمال.

لودفيج فون ميزس،
كتاب «البيروقراطية»، صفحة ٥٣

(٢) كيف تمول الحكومة إنفاقها

بالإضافة إلى التشوه الاقتصادي (فيما يتعلق بنتاج السوق الحرة) الناجم عن الإنفاق الحكومي في حد ذاته، توجد تشوهات إضافية اعتمادًا على مصدر الإيرادات الحكومية. عادة، هناك ثلاث أدوات تجمع الدولة من خلالها الأموال: «الضرائب»، و«عجز الموازنة»، و«التضخم». فعندما تفرض الحكومة ضرائب، تلزم الأفراد والشركات بدفع أموال للحكومة وفقًا لقوانين محددة. وعندما تُحدث الحكومة عجزًا، فهي تقترض المال من الأفراد أو الشركات أو المؤسسات الحكومية الأخرى عن طريق بيع سندات. ومن الناحية القانونية، تكون الحكومة ملزمة بسداد هذه القروض بالإضافة إلى الفائدة. وأخيرًا، عندما تجمع الحكومة أموالًا عن طريق التضخم، فإنها توجِد أموالًا جديدة من لا شيء وتستخدمها في تمويل مشترياتها.

سندرس العجز الحكومي والتضخم لاحقًا في هذا الكتاب، وسنركز فيما تبقى من هذا الدرس على اثنين من المصادر الرئيسية للإيرادات الضريبية التي تجمعها الحكومة، وهما ضرائب المبيعات وضرائب الدخل.

قبل أن نبدأ، علينا أن نؤكد ثانية أن التشوهات التي سنناقشها فيما يلي هي إضافة إلى التشوهات الناجمة عن تحويل الموارد من أيدي مستثمري القطاع الخاص (الخاضعين لاختبار الأرباح والخسائر) لتوجيهها وفقًا لآلية سياسية. وما سنبينه فيما يأتي هو أن الحكومة لا تشوه الاقتصاد حينما تنفق المال فحسب، بل عندما تجمع الأموال عن طريق الضرائب في المقام الأول.

ولتعرف الفرق، دعنا نتخيل حالة بالغة التطرف تفرض فيها الحكومة ضريبة على الدخل نسبتها ٢٠٠٪، مما يعني أنك ملزَم قانونًا بدفع دولارين لمصلحة الضرائب عن كل دولار تكسبه! في هذا السيناريو المنافي للعقل، من الواضح أن عددًا قليلًا للغاية من الأشخاص هم من سيعملون، أو على الأقل عدد قليل للغاية من الأشخاص هم من سيعملون «وفقًا للسجلات الرسمية» ويبلغون الحكومة بمقدار دخلهم عندما يحين موعد سداد الضرائب. ونتيجة لذلك، ستجمع الحكومة إيرادات ضئيلة جدًّا، ولن تكون قادرة على إنفاق الكثير من الأموال على إبعاد الموارد عن أكثر استخداماتها ربحية. لكن من الخطأ بالتأكيد أن نستنتج أن هذا الاقتصاد الافتراضي سيعاني القليل من التشوهات الاقتصادية نتيجة التدخل الحكومي. ففي هذا السيناريو، سيترك الجميع وظائفهم الرسمية ويضطرون للعيش على ما يزرعونه بأنفسهم، أو يعملون في وظائف «السوق السوداء» التي يمكن إخفاؤها عن أعين السلطات. وسيغرق الاقتصاد في حرمان مطلق بسبب قانون الضرائب الجزائية مع أنه أسفر عن جمع القليل جدًّا من الإيرادات التي لن تزيد ميزانية الحكومة كثيرًا.

باختصار، الحكومات تشوه الاقتصادات عندما تنفق الأموال وعندما تجمعها. وسندرس الآن التشوهات المترتبة على جمع الحكومة الأموال عن طريق فرض الضرائب على المبيعات والدخول.

(٣) ضرائب المبيعات

تحصل الدولة بموجب «ضريبة المبيعات» على نسبة من المدفوعات في عملية بيع معينة. على سبيل المثال: إذا كانت هناك ضريبة مبيعات ٥٪ على الوجبات التي تقدم في جميع المطاعم، فإن من يطلب طعامًا قيمته ١٠٠ دولار — وفقًا للأسعار في قائمة الطعام — عليه أن يدفع ١٠٠ دولار للمطعم إضافة إلى ٥ دولارات للحكومة. وما يحدث على أرض الواقع أن المطعم يحصل على ١٠٥ دولارات كاملة من الزبون عند انتهائه من الوجبة، وينحي جانبًا ٥ دولارات ليرسلها إلى الحكومة على فترات دورية.

تشوه ضرائب المبيعات الاقتصادَ لأنها تجبر الزبائن على مواجهة أسعار غير دقيقة. في المثال السابق، نرى الزبون ملزمًا في النهاية بدفع ١٠٥ دولارات مقابل الوجبة التي تناولها، بينما الواقع أن المطعم يحتاج الحصول على ١٠٠ دولار فقط ليغطي تكاليف الأيدي العاملة واللحم النيئ والشراب وغيرها من الموارد الداخلة في إعداد الوجبة. ويكون هذا التشوه واضحًا عندما تفرض الدولة ضريبة مبيعات مرتفعة على بعض السلع — كالمشروبات الكحولية — بينما تعفي سلعًا أخرى — كالفاكهة على سبيل المثال — من ضرائب المبيعات تمامًا. وعدم التوازن بين ضرائب المبيعات على هذا النحو يجعل أسعار السلع الخاضعة لفرض الضريبة تبدو وكأنها باهظة؛ الأمر الذي يدفع المستهلكين لشراء وحدات أقل من السلع المفروضة عليها الضرائب والمزيد من السلع المعفاة من الضرائب.

بالطبع قد يقول كثير من الإصلاحيين: «هذا هو المراد تحديدًا! فنحن نريد إثناء الأفراد عن تناول الكحوليات.» لكن مثل هذا الرأي قائم على قرار الإصلاحيين بأن تفضيلاتهم أهم من تفضيلات المستهلكين الذين ينفقون نقودهم في السوق. لا يمكن لعلم الاقتصاد أن يحدد هل هذه «الأبويَّة» جيدة أم لا، لكنه يلاحظ أن المستهلكين أنفسهم سيرون أنهم أضيروا؛ على الأقل من وجهة نظر شخصية قاصرة. فرض ضرائب مرتفعة على المشروبات الكحولية يصادر بعض الخيارات المتاحة للمستهلكين. فالأشخاص الذين يرغبون في تناول طعام صحي دائمًا أمامهم خيار بألا ينفقوا أي نقود على شراء الكحوليات، دون الحاجة لأن ترفع الحكومة الأسعار.

كثير من الاقتصاديين العمليين ينصحون الحكومات بفرض ضرائب مبيعات موحدة بمعدلات منخفضة، وذلك بغرض الحد من مثل هذه التشوهات. فبدلًا من فرض ضريبة مبيعات ١٠٪ على نصف السلع في السوق، يقترح معظم الاقتصاديين فرض الحكومة ضريبة مبيعات قيمتها ٥٪ فقط على جميع السلع في السوق. وهذا التحول من شأنه أن يعود على الحكومة بالإيرادات نفسها،٦ وأن يقضي على الأضرار التعسفية التي تعانيها قطاعات بعينها في الاقتصاد.

مع ذلك علينا أن نتذكر أن «الأسعار تعني شيئًا» في اقتصاد السوق الخالص؛ فهي مؤشرات للندرة الحقيقية. ومن ثم فإنه حتى إذا فرضت الحكومة ضرائب مبيعات موحدة و«عادلة» على جميع السلع والخدمات، فستشوه الاقتصاد أيضًا، لأنه سيظل لدى المستهلكين حافز ألا يتقاضوا دخلًا كبيرًا من الأساس. لتوضيح ذلك، سنضرب مثالًا لحكومة تفرض ضريبة مبيعات موحدة قيمتها ١٠٠٪ على جميع السلع في السوق. بالرغم من تأثر جميع القطاعات بفرض الضريبة، فمن الواضح أن هذا لا يعني «التعادل» بين تلك القطاعات. سينتهي الأمر بشراء المستهلكين سلعًا أقل في المجمل، وبسماحهم لدخولهم بأن تنخفض عن طريق تقليل ساعات عملهم (والاستمتاع بمزيد من وقت الفراغ). وبالإضافة إلى هذا التأثير الواضح، هناك أيضًا نقطة خفية تجعل من المستحيل فرض ضريبة مبيعات موحدة. ففرض ضريبة مبيعات بقيمة ١٠٠٪ سيرفع سعر عبوة العلكة من دولار واحد إلى دولارين، بينما سيرفع سعر السيارة الرياضية من ٥٠٠٠٠ دولار إلى ١٠٠٠٠٠ دولار. وفي الأغلب ستنخفض مبيعات العلكة كثيرًا عن مبيعات السيارات الرياضية.

حتى الآن، كنا نفترض أن جميع أفراد المجتمع ينصاعون لقوانين الضرائب التي تفرضها الحكومة. لكن الحقيقة أنه كلما ارتفعت ضريبة المبيعات وشملت سلعًا أكثر، زاد لجوء التجار والمستهلكين إلى التعامل في السوق السوداء؛ بمعنى أنهم سيشتركون في صفقات طوعية دون إبلاغ الحكومة بها أو إرسال المدفوعات الضريبية المفروضة قانونًا إلى الحكومة. ورد الفعل هذا ما هو إلا تشوه آخر ناجم عن فرض ضرائب المبيعات، لأن بعض السلع (كالسجائر) يسهل تداولها في السوق السوداء أكثر من سلع أخرى (كالسيارات مثلًا).

(٤) ضرائب الدخل

عندما تفرض الحكومة «ضريبة دخل»، فإنها تلزم الأفراد والشركات بتحويل جزء من دخولهم خلال فترة معينة إلى الحكومة. وعادةً ما يعبَّر عن ضرائب الدخل بنسبة مئوية، وغالبًا ما تكون «متصاعدة»، بمعنى أن أجزاء مختلفة من دخل الفرد (قبل اقتطاع الضريبة) تُفرض عليها نسب ضريبة مختلفة. سنفترض أن ضريبة دخل بها «شريحتان»؛ نسبة ١٠٪ للدخل حتى ١٠٠٠٠ دولار، ونسبة ٢٠٪ للدخل الأعلى من ١٠٠٠٠ دولار. على ذلك فإن الشخص الذي دخله قبل الاقتطاع الضريبي يساوي ١٠٠٠٠٠ دولار سيدفع للحكومة (١٠٪ × ١٠٠٠٠ دولار + ٢٠٪ × ٩٠٠٠٠ دولار) = ١٠٠٠ دولار + ١٨٠٠٠ دولار = ١٩٠٠٠ دولار.٧

وبقدر ما تعفي ضريبة الدخل مصادر دخول معينة، فإنها تسبب تشوهات بين تلك القطاعات. على سبيل المثال: قد يعفى دخل الفائدة الناتج عن شراء سندات البلدية من الضريبة، بينما تُفرض على دخل الفائدة الناتج عن شراء سندات إحدى الشركات. وهذا يدفع المستثمرين إلى إقراض نقود أكثر للبلدية، ونقود أقل للشركات — حال ثبات جميع العوامل الأخرى — ويشوه توزيع رءوس الأموال.

هناك مثال آخر على هذا النوع من التشوه يرتبط بمشاكل تقديم الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. ففي ظل قانون ضرائب الدخل الأمريكي الحالي، عندما يحصل الموظفون على تأمين صحي كجزء من عملهم، لا تُحتسب هذه الفائدة ضمن الدخل الخاضع للضريبة. لكن إذا أخذ صاحب العمل النقود التي كان سينفقها في خدمات التأمين الصحي على موظفيه، وأعطاهم إياها مباشرة في صورة زيادة في الراتب، فسوف تخضع للضريبة في هذه الحالة، بمعنى أن الموظف لن يحصل على كامل قيمة الزيادة الخاصة بالتأمين الصحي. بعبارة أخرى، شراء صاحب العمل تأمينًا صحيًّا للموظفين أرخص كثيرًا (اعتمادًا على معدل ضريبة الدخل النسبي) من شراء الموظفين إياها بأنفسهم. وهذا سبب رئيسي في أن التأمين الصحي يكون وثيق الارتباط بوظيفة المرء، بينما يستخدم الأفراد رواتبهم في شراء التأمين على السيارات والتأمين ضد الحرائق.

إضافة إلى إعفاء مصادر دخل معينة من الضرائب، هناك تشوه رئيسي آخر لقانون ضرائب الدخل يأتي من السماح لنفقات معينة بأن تُستثنى (أو تُخصم) من الدخل الخاضع للضريبة. على سبيل المثال: يستطيع ملاك المنازل خصم الفائدة التي يدفعونها على القروض العقارية لمنازلهم من تقدير ضريبة الدخل. وهكذا فإن الشخص الذي دخله قبل اقتطاع الضريبة ١٠٠٠٠٠ دولار لكنه يدفع ٥٠٠٠ دولار فائدة على القرض الذي حصل عليه من البنك لشراء منزله سيبلغ مصلحة الضرائب أن «دخله الخاضع للضريبة» يساوي ٩٥٠٠٠ دولار. وحينها ستطبق الشريحة الضريبية المناسبة على هذا المبلغ الأقل، وليس على المائة ألف دولار الفعلية. يقال إن «ثغرة» كهذه في قانون ضرائب الدخل قد تجعل الاقتصاد أقرب بوجه عام إلى نموذج السوق (من خلال الحد من قابلية تطبيق ضرائب الدخل المشوِّهة)، لكن من الواضح أنها تسبب تشوهات كبيرة بين قطاعات الأفراد، لا سيما إذا كانت ضريبة الدخل الحدية مرتفعة. وفي حالة خصم فائدة القرض العقاري، يمنح هذا التشوه الأفرادَ حافزًا مفتعلًا لإطالة مدة الرهن العقاري واستخدام أموالهم في استثمارات أخرى بدلًا من الإسراع بسداد قروضهم للبنك.٨

أكبر التشوهات الناجمة عن قانون ضرائب الدخل يرتبط بالقرار المتعلق بمقدار الدخل المفترض كسبه من الأساس. لا شك أن الأفراد سيعملون أقل إذا كان العائد من عملهم (أي الدخل النقدي) يخضع لضريبة مرتفعة. قد يطيل طلاب الجامعة سنوات دراستهم، وقد يتقاعد العمال الأكبر سنًّا في وقت مبكر. وفي الاقتصاد ككل، سيقل إجمالي عدد ساعات العمل — لا سيما ساعات الإضافي أثناء العطلات — وذلك بسبب تغير الحافز. سيحدث ذلك لأن الأفراد سيعملون عددًا أقل من الساعات (ويستمتعون بقدر أكبر من وقت الفراغ)، ولأنهم أيضًا سيعملون سرًّا أو بعيدًا عن أعين السلطات دون إبلاغ الحكومة بما يكسبونه. ولأن بعض الدخول يسهل إخفاؤها عن أخرى، فهذا التشجيع على نشاط السوق السوداء سيتسبب في تشويه الاقتصاد أيضًا.

أخيرًا، سنناقش أحد الآثار المترتبة على قانون ضريبة الدخل، وهو أثر يغفل عنه كثير من المحللين. يقول بعض الأفراد إن ارتفاع الضريبة — ما دام ارتفاعًا معقولًا — لن يكون له تأثير ملحوظ على النشاط الاقتصادي، لأن «الأفراد لا يزالون مضطرين إلى العمل». افترض أن الحكومة لم تكن تفرض ضرائب دخل على الإطلاق، لكن مع حاجتها إلى مزيد من الإيرادات، فإنها تفرض شريحة ضريبية جديدة نسبتها ٢٠٪ على جميع الدخول التي تزيد عن ٨٠٠٠٠ دولار. سيظن كثير من المراقبين أن هذا لن يؤثر كثيرًا في الاقتصاد، لأن الأفراد الذين يجنون دخلًا أكبر من ٨٠٠٠٠ دولار لن يتوقفوا عن العمل بسبب الضريبة الجديدة!

لكن هذا التحليل يغفل حقيقة أن الراتب النقدي ليس سوى عنصر واحد من مجموع العناصر التي تغري العامل بقبول الوظيفة. افترض أن شخصًا يعمل مدير حسابات لدى شركة مرموقة في إحدى المدن الهادئة بالغرب الأوسط، ويكسب دخلًا مقداره ٨٠٠٠٠ دولار سنويًّا، ثم تقدم للعمل لدى شركة أكبر في مدينة نيويورك براتب ١٤٠٠٠٠ دولار سنويًّا. لكن سلبيات الوظيفة الجديدة أن الرجل سيضطر لتغيير مكان إقامته وهو ليس بالأمر اليسير، وسيتعين عليه دفع مبالغ أكبر مقابل شراء منزل أو استئجار شقة، فضلًا عن أن الوظيفة الجديدة ستكون مرهقة بكثير عن الوظيفة الحالية، وسيمضي الرجل ساعتين إضافيتين في الذهاب إلى العمل والعودة منه يوميًّا. قبل اقتطاع ضريبة الدخل، سيكون عليه أن يقرر هل حصوله على ٦٠٠٠٠ دولار زيادة في راتبه سنويًّا يعوض تلك السلبيات المرتبطة بالوظيفة الجديدة.

بعد تفعيل ضريبة الدخل الجديدة، تنخفض ميزة الوظيفة المعروضة في نيويورك على نحو ملحوظ. إذا قبل الرجل بالوظيفة، فسيرتفع راتبه إلى ١٤٠٠٠٠ دولار، لكنه سيدفع للحكومة ١٢٠٠٠ دولار. ومن ثم سيكون دخله بعد اقتطاع الضريبة ١٢٨٠٠٠ دولار فقط مقارنة براتبه الحالي الذي يساوي ٨٠٠٠٠ دولار (الذي يقع أسفل الخط الضريبي مباشرة). على الرجل أن يقرر الآن هل يعوضه ٤٨٠٠٠ دولار إضافية — وليس ٦٠٠٠٠ دولار — عن تغيير محل إقامته وشراء مسكن باهظ التكلفة والتعرض لضغط عمل أكبر وقضاء وقت أطول في الذهاب للعمل والعودة منه. حتى لو اتخذ الرجل قرارًا بالانتقال إلى نيويورك، فمن الواضح أنه في اقتصاد يضم ملايين العمال، تؤثر ضريبة الدخل المرتفعة تأثيرًا سلبيًّا على قراراتهم حول أي الوظائف يقبلون. وهكذا، فإن ضرائب الدخل — لا سيما مع ارتفاعها أكثر فأكثر — تتعارض مع قدرة اقتصاد السوق على جذب العمال إلى الوظائف المناسبة بواسطة الأجور والرواتب المرتفعة. ويمكن القول إن «الإشارة» التي يرسلها المستثمرون بعرض أجور مرتفعة على العمال يعترضها تشويش من جانب قانون الضرائب.

الضرائب تعوق الإنتاج

«ثمة تأثير سلبي يترتب على فرض ضريبة على الدخل الشخصي بنسبة ٥٠ أو ٦٠ أو ٧٠ بالمائة. سوف يتساءل الأفراد لم يُفترض بهم العمل ستة أو ثمانية أو تسعة أشهر لمصلحة الحكومة، وستة أو أربعة أو ثلاثة أشهر لأنفسهم ولأسرهم. إذا كان المستثمرون سيتكبدون الخسارة وحدهم وقت الخسارة، ويحتفظون بجزء صغير من المكسب (بسبب الضرائب) وقت الربح، فسوف يرون المخاطرة برءوس أموالهم ضربًا من الحماقة. علاوة على ذلك، سيقل رأس المال المخصص للمخاطرة على نحو هائل، لأنه يخضع للضريبة قبل تجميعه. باختصار، لن يكون هناك وجود لرأس المال الذي يوفر وظائف جديدة، والجزء الذي سيوجد منه لن يلقى التشجيع لبدء مشروعات جديدة. وهكذا يتسبب المسئولون عن الإنفاق الحكومي في إحداث مشكلة البطالة التي يدَّعون أنهم يسعون لإيجاد حل لها.»

هنري هازليت،
كتاب «الاقتصاد في درس واحد»، صفحة ٣٨

خلاصة الدرس

  • بصرف النظر عن مصدر الإنفاق الحكومي، فإنه دائمًا يحول الموارد من مشروعات القطاع الخاص إلى مشروعات تقررها السلطة السياسية.

  • عادةً تدفع الدولة ثمن مشترياتها من الضرائب، والاقتراض، والتضخم.

  • جميع أشكال الضرائب تشوه الاقتصاد مقارنة بنتاج السوق الحرة. تميز ضرائب المبيعات بعض السلع على غيرها، إذا لم تكن الضريبة موحدة. حتى ضريبة المبيعات الموحدة تقلل المكافآت التي تعود على الأفراد من العمل، مما يشجعهم على تفضيل المزيد من وقت الفراغ. أما ضرائب الدخل فإنها تضر بالعمل ضررًا مباشرًا، وتشجع الأفراد على اختيار الوظائف ذات المزايا غير النقدية.

مصطلحات جديدة

  • الضرائب: عملية تحصل بموجبها الحكومة على ملكية أجزاء من الدخول أو الأصول الأخرى المملوكة للأفراد.
  • عجز الموازنة: زيادة الإنفاق الحكومي عن الإيرادات الضريبية. والعجز هو المبلغ الذي يتعين على الحكومة اقتراضه لتسديد نفقاتها خلال فترة زمنية محددة.
  • التضخم: خلق أموال جديدة، مما يؤدي إلى رفع الأسعار.
  • السوق السوداء: نظام قائم على الصفقات غير المشروعة التي تخل بالقوانين التي تفرضها الحكومة.
  • ضريبة المبيعات: ضريبة تفرض على السلع والخدمات التي تباع للمستهلك. وعادةً ما تفرض ضرائب المبيعات في صورة نسب مئوية من المبلغ قبل اقتطاع الضريبة.
  • الأبويَّة: تجاهل رغبات شخص آخر بسبب النظر إليه على أنه غير أهل لاتخاذ القرار الصائب.
  • ضريبة الدخل: ضريبة تفرض على إيرادات فرد أو شركة. وعادةً ما تطبق ضرائب الدخل في صورة نسب مئوية من الدخل قبل اقتطاع الضريبة.
  • ضريبة دخل متصاعدة: ضريبة دخل تُطبَّق بمعدلات أعلى على مستويات الدخل الأعلى.
  • شرائح ضريبة الدخل: مستويات الدخل التي تخضع للضريبة بمعدلات متفاوتة. على سبيل المثال: أقل شريحة ضريبية قد تشمل الدخول التي تتراوح من صفر إلى ١٠٠٠٠ دولار وتُفرض عليها ضريبة ٣٪، بينما قد تشمل الشريحة التالية الدخول التي تتراوح من ١٠٠٠١ إلى ٢٠٠٠٠ دولار وتُفرض عليها ضريبة ٥٪.
  • الخصم الضريبي: بند في قانون الضرائب يسمح باقتطاع تكاليف بعينها (مثل التكاليف الطبية أو سعر شراء لوحة شمسية جديدة) من دخل الفرد الخاضع للضريبة. ومعنى هذا أن النفقات المعفاة من الضريبة تسدَّد من أموال غير خاضعة للضريبة مما يتيح للفرد الاستفادة من دخله في شراء مزيد من المنتجات.
  • الدخل الخاضع للضريبة: مقدار الدخل الخاضع فعليًّا لمعدلات الضريبة الرسمية لكل شريحة ضريبية. والدخل الخاضع للضريبة هو الدخل الرئيسي بعد خضوعه لكل الخصومات والتعديلات الأخرى.

أسئلة الدرس

(١) هل يخلُص علم الاقتصاد إلى أن الإنفاق الحكومي سيئ؟
(٢) كيف نعرف أن الإنفاق الحكومي يحول الموارد بعيدًا عن القطاع الخاص؟ وهل يؤثر مصدر النقود التي تنفقها الحكومة في ذلك؟
(٣) ⋆⋆إذا أنشأت الحكومة إحدى المكتبات، فهل يمكننا القول إن القطاع الخاص ما كان ليبني مكتبة بديلة؟
(٤) إذا جمعت الحكومة قدرًا بسيطًا من المال عبر فرض الضرائب، فهل نستدل من ذلك على أن العبء الضريبي ليس ثقيلًا؟
(٥) ما دام الأفراد مستمرين في العمل، فهل يكون لضرائب الدخل تأثير طفيف على الاقتصاد؟

هوامش

(١) كي نكون أكثر دقة، لن يتمكن المحاسبون من إرجاع سبب الربح (أو عدمه) إلى قرار بعينه اتخذته الإدارة. فإذا افترضنا مثلًا أن فضيحة قمار تسببت في تشويه سمعة «ميكي ماوس» في نفس الوقت الذي أدخلت فيه إدارة «ديزني لاند» لعبة جديدة إلى المدينة، فمن المحتمل أن تنخفض مبيعات التذاكر بنسبة ١٠٪ بعد افتتاح اللعبة الجديدة في حين أنها كانت ستنخفض ٢٠٪ إذا لم تُفتتح اللعبة الجديدة (وتوازن جزئيًّا تأثير الفضيحة سالفة الذكر). ومع كل هذا، يستطيع المحاسبون أن يعلنوا بموضوعية وحسم هل يحقق المشروع أرباحًا أم خسائر نقدية.
(٢) علينا أن نقر بأننا نخل بقاعدتنا حول ربط الأفعال بالأفراد؛ فالواقع أن «الحكومة» لا تبني مكتبة، بل إن أفرادًا بعينهم يتخذون قرارات يكون لها تداعيات معينة بسبب طبيعة صناع القرار وبسبب امتثال آخرين في المجتمع لأوامرهم. لكن لغرض الاختصار، سنقول إن «الحكومة» تنفق المال، وتجمع الضرائب … إلخ.
(٣) هناك قدر من عدم الدقة في هذا القول؛ فكثيرًا ما يحجم الأفراد في القطاع الخاص عن استثمارات بعينها لأنهم يتوقعون تدخل الدولة. فمثلًا، إذا موَّلت الدولة إنشاء استاد رياضي جديد، فسيقول الأفراد عادةً: «ما كان هذا ليحدث من دون مساعدة الحكومة.» ومن الوارد رغم ذلك أن يكون سبب حاجة مستثمري القطاع الخاص للحكومة علمهم بأنهم يستطيعون تحويل بعض ما سيتكبدونه من تكاليف لتقع على كاهل دافعي الضرائب.
(٤) ضع في اعتبارك أن مؤسسات القطاع الخاص تستطيع الاعتماد على المساهمات الخيرية وليس فقط إيرادات المبيعات التجارية. واقتصاد السوق الخالص لا يتعارض مطلقًا مع وجود مطاعم الفقراء وملاجئ المشردين وما إلى ذلك. الفرق الجوهري أنه في اقتصاد السوق الخالص، يحتاج ملاك هذه المؤسسات لاستجداء التبرعات الطوعية بدلًا من الحصول على أموال من الحكومة، وهي أموال لم تُجمع في النهاية بطريقة طوعية بحتة.
(٥) على سبيل المثال: هناك حالات يُعتبر تدخل القطاع الخاص فيها غير مناسب، مثل بناء الجيش وتسليحه. وهناك أيضًا حالات يمكننا أن نتصور فيها أن غالبية الأفراد يوافقون على إجبارهم على المساهمة من أجل قضية بعينها ما دام الآخرون سيُجبرون بالمثل. على سبل المثال: لن ينظر غالبية السكان في إحدى المدن إلى قيام الحكومة بتحصيل ١٠ دولارات من كل فرد سنويًّا من أجل صيانة حاويات القمامة (في الشوارع المزدحمة) وأعمدة الإنارة على أنه «سرقة». وبسبب اعتبارات كهذه، فإن العديد من الاقتصاديين المدركين لمساوئ الإنفاق الحكومي سيدَّعون وجود مجال لبعض مشتريات الحكومة.
(٦) الواقع أن الاتجاه نحو توحيد ضريبة المبيعات سيسفر على الأرجح عن زيادة إجمالي الإيرادات، بسبب زيادة المبيعات عند تخفيض نسب الضريبة، ولأنه في السيناريو الأول كان المستهلكون سينتقلون من شراء السلع المفروض عليها ضريبة مبيعات ١٠٪ إلى السلع المعفاة من ضريبة المبيعات. ومن ثم عندما تُوحَّد الضريبة على جميع السلع بنسبة ٥٪، فإن العدد الفعلي لمبيعات السلع المفروض عليها ضرائب سيزداد عن الضعف في الأغلب نسبة إلى السيناريو الأصلي. (لاحظ أننا نناقش نزعات عامة، وبإمكاننا ضرب أمثلة عددية بعينها يؤدي فيها توحيد الضريبة عند ٥٪ إلى تحصيل إيرادات أقل مما كانت عليه عند فرض ضريبة ١٠٪ على نصف السلع. على سبيل المثال: إذا كانت النسبة الضريبية ١٠٪ مفروضة في الأساس على المواد الغذائية والسجائر، وكان الإعفاء الضريبي مطبَّقًا على اليخوت والأقراط الماسية، فإن توحيد الضريبة بنسبة ٥٪ على جميع السلع سيؤدي في الأغلب إلى انخفاض إجمالي الإيراد الضريبي.)
(٧) لاحظ أن نسبة الضريبة ٢٠٪ تطبَّق فقط على ٩٠٠٠٠ دولار من الدخل الواقع في نطاق الشريحة الثانية؛ فهذه النسبة لا تطبَّق على إجمالي الدخل الذي يساوي ١٠٠٠٠٠ دولار. ولهذا السبب، فإنك (في الظروف العادية) لا تلاحظ انخفاضًا فعليًّا في صافي راتبك بعد الحصول على زيادة تضعك ضمن شريحة ضريبية أعلى.
(٨) كثيرًا ما يقول الأفراد إن خصم فائدة الرهن العقاري يعطي حافزًا لشراء منزل بدلًا من استئجاره، لكن الأسعار تتعدل بحيث تلغي جزءًا كبيرًا من هذا الأثر. إذا اشترى أحد المستثمرين منزلًا ثم أجَّره، فإن أي فائدة على النقود المقترضة ستُعَد نفقات تشغيل، ومن ثم تُعفى من الضريبة أيضًا. وسوف تؤدي المنافسة بين المستثمرين في سوق إيجارات المنازل إلى خفض أسعار الإيجارات أمام المستأجرين بما يعكس تلك السمة من سمات قانون الضرائب. في الوقت نفسه، من المرجح أن ترتفع أسعار المنازل عما ستكون عليه لو لم يكن ملاك المنازل قادرين على خصم مدفوعات الفائدة المستحقة على رهونهم العقارية. وهكذا، فبالرغم من زعم الأفراد عادةً أن الإعفاء الضريبي لفائدة الرهون العقارية يعطي ميزة لامتلاك المنازل عن استئجارها، فإن ضرر قرار كهذا ليس بالغ الخطورة مثلما يبدو للوهلة الأولى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤