الدرس التاسع عشر

التعريفات الجمركية والحصص

ستتعلم في هذا الدرس

  • تعريف «المركنتلية».

  • الحُجَّة العامة وراء تأييد «التجارة الحرة».

  • كيف تزيد «التعريفات الجمركية» و«حصص الاستيراد» البلدان فقرًا.

(١) المركنتلية

«المركنتلية» فلسفة أو مذهب اقتصادي يرى أن أي دولة تزداد ثراءً عبر تشجيع «الصادرات» (السلع والخدمات التي تباع للخارج) وتقليل «الواردات» (السلع والخدمات التي تُشترى من الخارج). وترى المركنتلية أن «الفائض التجاري» (أي زيادة الصادرات عن الواردات) مفيد لاقتصاد الدولة، بينما «العجز التجاري» (أي زيادة الواردات عن الصادرات) أمر يضر بالاقتصاد. ولو كانت المركنتلية محقة في ذلك، لما حققت الدول نجاحًا إلا من خلال تطبيق «سياسات إفقار الجار» لأنه لا يمكن لدولة أو أكثر أن تحقق فائضًا تجاريًّا إلا لو شهدت الدول الأخرى عجزًا تجاريًّا. بعبارة أخرى، ليس ممكنًا أن تبيع جميع الدول سلعًا للأجانب أكثر مما تشتري منهم.١ وعندما يتحرك المسئولون الحكوميون وفقًا للأفكار المركنتلية، فإنهم ينظرون إلى الدول الأخرى بوصفها تهديدًا محتملًا لمصالح دولهم. وبهذه العقلية، تكون التجارة الدولية «لعبة صفرية المجموع»، بمعنى أن مكاسب إحدى الدول لا بد أن تقابلها خسارة دول أخرى.
كانت المركنتلية الفلسفة السائدة بين القوى الرئيسية في العالم بدءًا من القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر. خلال تلك الفترة حيث كانت الدول تستخدم الذهب والفضة أساسًا لعملياتها التجارية، بدا بديهيًّا أن يسهم الفائض التجاري في إثراء الدول. فعند زيادة الصادرات عن الواردات بانتظام، يزداد مخزون الدولة من الذهب والفضة، لأن زيادة الصادرات والواردات أو نقصهما كانا يقاسان بالذهب أو الفضة.٢ ظاهريًّا، من المنطقي تمامًا أن يكون الطريق إلى تحقيق الثراء القومي عن طريق تجميع مبالغ متزايدة من النقود، لا سيما عندما تتكون النقود من الذهب والفضة.

فنَّد الاقتصاديون البريطانيون القدامى — على وجه التحديد ديفيد هيوم وآدم سميث — التبرير الفكري لسياسات المركنتلية في كتاباتهم. (سنستعرض بعض مشكلات المركنتلية في الأجزاء التالية.) وربما تتملكك الدهشة عندما تعلم أن القوى الكبرى تصرفت بالفعل بناءً على تلك المعرفة المكتشفة حديثًا. فخلال القرن التاسع عشر، استمتع العالم بفترة «تجارة حرة» نسبيًّا، وفيها تراجعت الحكومات تراجعًا ملحوظًا عن تطبيق سياساتها التي أعاقت من قبل حركة الواردات وشجَّعت الصادرات.

لعلك تدرك أن حكومات اليوم لا تدعم التجارة الحرة على نحو حقيقي. فبالرغم من توقيع اتفاقيات تجارية من أجل الاستفادة الظاهرية بفوائد التجارة، فلا تزال هناك عقبات كبرى تعترض حركة السلع حول العالم. لا يؤيد القادة السياسيون المركنتلية بالاسم، وإنما يؤيدون سياسات «حمائية» مشابهة تميز صناعات محلية (معينة) على الصناعات المنافسة الخارجية. ولأن الدول لم تعد تستخدم الذهب أو الفضة نقودًا متداولة، فالتبرير النظري للقيود التجارية اليوم صار يستند إلى «توفير الوظائف» في الصناعات الداخلية الخاضعة للحماية (بدلًا من تجميع الثروة المادية).

(٢) الحُجَّة العامة وراء تأييد التجارة الحرة

دحض الاقتصاديون البريطانيون القدامى — وأشهرهم آدم سميث في كتابه «ثروة الأمم» عام ١٧٧٦ — أفكار المركنتلية، وشرعوا في إقامة الحجة القوية التي تؤيد التجارة الحرة. وبمرور السنوات، أطلق المفكرون الاقتصاديون هذه الحجج، وابتكروا أيضًا وسائل أبسط وأكثر بداهة لتفسير مزايا التجارة الحرة بين الدول. في هذا الجزء سنستعرض المنطق الأساسي وراء التجارة الحرة؛ وفي الأجزاء المتبقية منه سنتناول المشكلات الرئيسية لنوعين من قيود التجارة، وهما «التعريفات الجمركية» و«حصص الاستيراد».

من الناحية الاقتصادية، لا معنى للحد السياسي الفاصل بين السلع «الأجنبية» والسلع «المحلية». فمثلما يتاجر أمريكي مع أمريكي ليحصل على الغذاء، والملبس، وخدمة إصلاح السيارة، والرعاية الطبية، فما من شيء «غير اقتصادي» في التجارة المجمعة التي تمارسها الولايات المتحدة مع اليابان.

الحقيقة أن الخلط الرئيسي الذي يميز مغالطات الحمائية هو إظهار «الولايات المتحدة» على أنها تستورد سلعًا من «اليابان». فالواقع أن «الأفراد في الولايات المتحدة» هم الذين يشترون سلعًا من «بائعين أفراد» في اليابان، والحديث عن «واردات الولايات المتحدة» لا يعدو أن يكون تجميعًا لكل تلك المشتريات الفردية. عندما نقول إن الولايات المتحدة تواجه عجزًا تجاريًّا مع اليابان، فكل ما يعنيه ذلك هو أن الأفراد في الولايات المتحدة مجتمعين أنفقوا نقودًا أكثر في شراء السلع من البائعين في اليابان مقارنة بما أنفقه الأفراد في اليابان على شراء السلع من البائعين في الولايات المتحدة. وما من مشكلة في ذلك؛ تمامًا مثل شراء مواطنين في ولاية تكساس سلعًا من آخرين في ولاية فلوريدا أو العكس. فلم يحدث أن سمعنا من قبل قط عن قلق مواطني تكساس بسبب حدوث «عجز تجاري» مع فلوريدا.

لا شك أن هناك حججًا بشأن قيود التجارة التي تفرضها الحمائية تتفاوت في درجة تعقيدها. فعلى سبيل المثال: قد يشعر أحد الأمريكيين بالقلق من حدوث عجز تجاري مع الصين — في حين أن العجز الداخلي بين الولايات الأمريكية بعضها مع بعض لا يُقلقه البتَّة — بسبب السياسات النقدية أو قوانين العمل الهشَّة نسبيًّا في الصين. وفي هذا الكتاب لن نتناول على وجه التحديد هذا المبرر وراء فرض القيود التجارية؛ إنما سنحاول فقط أن نطلعك على المنطق العام وراء الحجج المؤيدة للتجارة الحرة، ونريك أن العجز التجاري (وهو مصطلح يحمل الكثير من المعاني!) في حد ذاته لا يمثل أي مشكلة.

لعلك تذكر مما درسناه في الدرس الثامن فوائد التخصص ومفهوم الميزة النسبية عندما يطبَّقان بين الأفراد في اقتصاد سوق خالص. والحجة المؤيدة للتجارة الحرة بين الدول ما هي إلا تطبيق لتلك المبادئ العامة. ففرض قيود على استيراد السيارات من اليابان بغرض «خلق وظائف» للعمال الأمريكيين في ديترويت لن يكون أقل حماقة من رجل يرفض الذهاب إلى طبيب الأسنان كي يوجِد وظيفة لزوجته بحيث تصبح هي المسئولة عن معالجة أسنانه والعناية بها.

ناقشنا في الدرس الثامن الرأي المنطقي القائل إن الأفراد يستطيعون الاستمتاع بمستوى معيشة أفضل كثيرًا إذا تخصص كل منهم في نشاط واحد أو بضعة أنشطة، ثم تبادلوا فائض إنتاجهم مع الآخرين الذين تخصصوا في نشاط آخر. فعندما يركز كل شخص في المجتمع على قدراته (النسبية)، يمكنه أن يحظى بمزيد من السلع والخدمات من خلال مزايا التبادل الطوعي.

المنطق نفسه ينطبق على الدول. فبدلًا من الاضطرار إلى إنتاج جميع السلع محليًّا، يمكن إثراء جميع الأفراد في كل دولة (في المتوسط) من خلال إتاحة خيار التجارة مع الأفراد في الدول الأخرى. وبسبب اختلاف هبات الموارد الطبيعية — التي يمكن أن تشمل ثروات البترول أو الماس، وأيضًا أشياء مثل سقوط الأمطار وسطوع الشمس — تتمتع مناطق العالم المختلفة بميزة نسبية في إنتاج سلع مختلفة، مثل براميل النفط الخام أو القمح. وإلى جانب الموارد الطبيعية، هناك اختلافات بين الدول تنبع من مصدر أقل وضوحًا. على سبيل المثال: ولأسباب تاريخية مختلفة، تشكل مدينتا نيويورك ولندن معقلين ماليين رئيسيين يجتذبان عددًا من أكبر المؤسسات المالية. إذا فكرنا في تلك الحقائق، فسنجد أنه أمر طبيعي (وفعَّال) أن يتدفق جزء كبير من المعاملات المالية العالمية من هذين المركزين، مثلما هو أمر طبيعي (وفعَّال) أن تبيع المملكة العربية السعودية النفط لدول العالم الأخرى.

نتيجة للاختلافات الهائلة بين الدول من حيث البعد الطبيعي والتاريخي والثقافي، يصبح إجمالي الناتج العالمي (ومن ثم متوسط إنتاج الفرد) أكبر عندما تتخصص المناطق المختلفة في إنتاج سلع لديها ميزة نسبية في إنتاجها (مثل النفط، والبرتقال، والقمح، والسيارات، ورقاقات الكمبيوتر … إلخ)، وتنتج من هذه السلع ما يفيض كثيرًا عن حاجة مواطنيها. عندها سيصدَّر الفائض إلى مناطق أخرى تصدِّر بدورها السلع الفائضة منها. ومع أنه يمكن لإحدى الدول أن تواجه عجزًا تجاريًّا مع دولة أخرى، دائمًا يكون العالم ككل في حالة توازن تجاري؛ إذ يصل مجموع حالات العجز والفائض الفردية بالضرورة إلى صفر. دائمًا تشتري كل دول العالم (مجتمعة) سلعًا وخدمات مساوية تمامًا لما تبيعه كل دول العالم (مجتمعة).٣
إذا تخيلنا وضعًا مبدئيًّا لتجارة حرة عالمية، ثم تخيلنا بعدها أن إحدى الدول قررت «حماية» صناعاتها المحلية و«توفير الوظائف» عن طريق منع السلع المستوردة من خارج حدودها، فسيصبح مواطنو هذه الدولة أكثر فقرًا (في المتوسط).٤ وسيحدث ذلك لنفس السبب الذي يجعل أفراد إحدى الأسر تعاني فقرًا مدقعًا إذا أعلن رب الأسرة غريب الأطوار فجأة أنهم ممنوعون من إنفاق النقود في شراء الأشياء من أي شخص يعيش خارج المنزل.

لا يلاحظ الأفراد في بعض الأحيان العلاقة بين (أ) التجارة بين الدول و(ب) التجارة بين الأفراد الذين يعيشون داخل دولة واحدة. صحيح أن القيود المفروضة على استيراد السلع في الدولة لن يكون له قدر الضرر الناجم عن القيود التي يفرضها الأب على السلع الآتية من خارج المنزل، لكن الاختلاف هنا في الدرجة وليس في النوع. إلى حد ما، يمكن تشبيه الأفراد الذين يعيشون في إحدى الدول بأنهم في منزل كبير جدًّا، وهكذا لا يكون حجم الضرر على الدرجة نفسها عندما يعلن «رب أسرتهم» (أي الحكومة) حظر التداول مع أفراد من خارج المنزل.

من جانب آخر، في مثالنا حَظَر رب الأسرة الافتراضي على أبنائه التبادل التجاري مع جميع سكان الأرض تقريبًا. في المقابل، إذا أغلق الرئيس الأمريكي الحدود وحظر الواردات، فإنه بذلك يمنع الأمريكيين من التبادل التجاري مع من يعيشون خارج الولايات المتحدة فحسب. لكن لا يزال بالإمكان الاستفادة من مكاسب التعاملات المتبادلة والتخصص والميزة النسبية بين مئات الملايين من الأفراد الذين يعيشون داخل الحدود الأمريكية. ولذلك فإن القيود التجارية المتشددة المفروضة على الدولة لن تكون بنفس ضرر القيود المفروضة على أسرة واحدة داخل الولايات المتحدة. لكن إذا استطعت أن تتخيل قدر الفائدة الهائلة التي ستتحقق إذا سمح رب الأسرة غريب الأطوار لأبنائه بإجراء تبادل تجاري مع غيرهم من الأمريكيين، يمكنك عندها أن تفهم لماذا سيكون من المفيد إلى أبعد حد أن تسمح الحكومة الأمريكية لمواطنيها بالدخول في عمليات تبادل تجاري حرة مع الأجانب.٥
قبل الانتقال إلى الإجراءات الحمائية (التعريفات الجمركية وحصص الاستيراد)، علينا التأكيد على نقطة مهمة، وهي أن الحجة الاقتصادية٦ وراء تأييد التجارة الحرة إنما هي أحادية الجانب. بعبارة أخرى، لا تقول الحجة المؤيدة للتجارة الحرة: «تستفيد الدولة من تقليل قيودها التجارية فقط عندما تحذو الدول الأخرى حذوها وتسمح بدخول صادرات الدولة الأولى إلى أسواقها.» هذا غير صحيح؛ فكما أوضحنا عندما تقيم الدولة حواجز تجارية فإنها تنتزع خيارات التبادل من مواطنيها. ومن ثم فإن إزالة هذه الحواجز — بمنح المواطنين مزيدًا من فرص التبادل التجاري النافع — يزيد المواطنين ثراءً (على مستوى الفرد). وسيكون من الأفضل لا شك إذا أزالت حكومات الدول الأخرى القيود المفروضة من جانبها بحيث تزداد خيارات استيراد المستهلكين الأجانب السلع من الدولة الأولى. لكن بغض النظر عما تفعله حكومات الدول الأخرى بشأن سياساتها التجارية، تستطيع أي حكومة إثراء مواطنيها في الحال بإزالة كل الحواجز التجارية وتفعيل سياسة تجارة حرة أحادية الجانب.
صحيح أن إبقاء الصين على الحواجز التجارية التي تفرضها على الصادرات الأمريكية من شأنه أن يزيد الأمريكيين فقرًا، لكن ليس لهذا أدنى علاقة بتقليل الولايات المتحدة الحواجز التجارية التي تفرضها على الواردات الصينية (وغيرها). إذا فعَّلت الولايات المتحدة سياسات التجارة الحرة الخاصة بها، فسيصبح الأمريكيون أكثر ثراءً (من حيث نصيب الفرد) نتيجة زيادة الفرص التجارية المتاحة أمامهم.٧ هذا القول صحيح سواء حذت الحكومات الأخرى حذو الحكومة الأمريكية وألغت القيود التجارية التي تفرضها هي الأخرى أم لا. وفي الأغلب ستشكل إزالة الولايات المتحدة قيودها التجارية من جانب واحد ضغطًا دبلوماسيًّا على الدول الأخرى لتحذو حذوها، فسيكون ذلك مكسبًا هائلًا غير متوقع للأمريكيين. «رد المعروف» من جانب الدول الأخرى إذن لا حاجة له عند الحديث عن الحجة المؤيدة للتجارة الحرة، لأن تقليل حواجز التجارة الأمريكية ليس «معروفًا» على الإطلاق. صحيح أنه يعود بالنفع على الأجانب، لكنه يعود بالنفع أيضًا على الشعب الأمريكي.

الآن وبعد أن استعرضنا الحجة العامة وراء تأييد التجارة الحرة، دعنا نتناول الأساليب المعتادة التي تستخدمها الحكومة في تقييد تدفق السلع عبر حدودها.

(٣) التعريفات الجمركية

«التعريفة الجمركية» (أو الرسم الجمركي) ضريبة تفرضها الحكومة على الواردات الأجنبية. ومع أن الحكومة قد تفرض تعريفة لمجرد جمع المزيد من الإيرادات، عادةً يكون المبرر الرسمي وراء فرض تعريفة جديدة (أو زيادة تعريفة سارية) أن ذلك سيساعد المنتجين المحليين للسلع المستوردة. وذلك الادعاء — أن فرض تعريفة على الواردات الأجنبية يساعد العمال في القطاع ذي الصلة داخل الدولة — هو ما سندرسه في الجزء التالي.

ولتبسيط التحليل سنستعرض مثالًا حيًّا يضم الولايات المتحدة واليابان، وسنستخدم فيه أرقامًا تقريبية غير واقعية. افترض أنه في بادئ الأمر كانت التجارة الحرة متاحة تمامًا بين البلدين، وأن سعر التوازن السوقي لسيارة «سيدان» هو ١٠٠٠٠ دولار. عند هذا السعر يمكن للمصنعين الأمريكيين إنتاج بعض السيارات وتحقيق ربح من ذلك، وإن كان ما ينتجونه لا يكفي لتلبية حاجة المستهلكين الأمريكيين. السيارات الباقية يوفرها منتجون يابانيون بحيث يمكن للمستهلك الأمريكي شراء أي عدد يريد من السيارات بسعر ١٠٠٠٠ دولار.

أرسل منتجو السيارات الأمريكيون جماعات ضغط إلى واشنطن، وأوضحوا أن تكاليف العمالة أقل في اليابان، وأن الحكومة اليابانية تقدم دعمًا غير عادل لشركات السيارات هناك … إلخ، وأنه على واشنطن المعاملة بالمثل. إذا استطاعت الحكومة الفيدرالية فرض رسم ١٠٪ على الواردات اليابانية، سيتمكن المنتجون الأمريكيون من توسيع نطاق عملياتهم بما يحقق لهم الربح ويوفر المزيد من الوظائف للعمال الأمريكيين!

سيتقبل الساسة الأمريكيون الطلب بصدر رحب تمامًا، ويفرضون تعريفة قيمتها ١٠٪ على السيارات اليابانية التي تدخل إلى السوق الأمريكية. ومعنى ذلك أنه إذا أراد مستهلك أمريكي شراء سيارة يابانية، عليه الآن أن يدفع ١١٠٠٠ دولار؛ تذهب ١٠٠٠٠ دولار منها إلى مصنِّع السيارات الياباني (مثلما كان الأمر من قبل)،٨ و١٠٠٠ دولار إلى واشنطن في شكل عائدات جمركية. ولأن المستهلكين الأمريكيين مجبَرين الآن على دفع ١١٠٠٠ دولار للحصول على سيارة سيدان يابانية، فمعنى ذلك أن المنتجين الأمريكيين يستطيعون رفع أسعارهم أيضًا. لقد كانت جماعات الضغط على حق! فعند ارتفاع السعر إلى ١١٠٠٠ دولار، يتحرك المنتجون الأمريكيون إلى الأمام على منحنى العرض، ويصنِّعون مزيدًا من السيارات في مصانع أمريكية بأيدي عمال أمريكيين. سيرتفع معدل التوظيف في ديترويت وغيرها من المدن الأمريكية التي تضم مصانع سيارات أمريكية، تمامًا مثلما توقعت جماعات الضغط. هل كانت التعريفة الجديدة نجاحًا اقتصاديًّا إذن؟
سيجيب معظم الاقتصاديين بالنفي. صحيح أن العمال والمساهمين في قطاع السيارات الأمريكي سيستفيدون من التعريفة الجديدة، لكن مستهلكي السيارات الأمريكيين سيتضررون منها. فالأمريكيون الراغبون في شراء سيارة كان بوسعهم الحصول عليها من قبل مقابل ١٠٠٠٠ دولار، أما الآن فعليهم دفع ١١٠٠٠ دولار، ومن ثم فإنهم تضرروا جراء هذا التغير. حتى المستهلكون الذين يرفعون شعار «اشترِ المنتج الأمريكي» سيتضررون، لأن أسعار السيارات الأمريكية ارتفعت بمقدار ١٠٠٠ دولار هي الأخرى. بوجه عام يسهل توضيح أن الخسائر التي تكبدها مستهلكو السيارات أكبر بكثير من الفوائد التي حققها منتجوها.٩ والمحصلة أن التعريفة الجديدة أفقرت الأمريكيين.

في كتاب تمهيدي كالذي بين أيدينا، لن نتعرض بالتدقيق لكافة التفاصيل، وإنما سنستعرض ثلاثة أسباب بديهية نثبت من خلالها أن فرض تعريفة جديدة يفقر الدولة في المتوسط.

(٣-١) التعريفات ضرائب مفروضة على المواطنين

لعل من أوضح الوسائل لإثبات أن التعريفات تزيد الدول فقرًا إدراك أنها ليست سوى ضرائب مفروضة على مواطني الدولة، لا على المنتجين الأجانب. في المثال الذي أشرنا إليه، من الخطأ أن نقول «فرضت الحكومة الأمريكية ضريبة على منتجي السيارات اليابانيين»، فالواقع أن الضريبة فُرضت على مستهلكي السيارات الأمريكيين. وأي عائدات تجمعها الحكومة الأمريكية من فرض التعريفة الجديدة إنما تأتي من جيوب الأمريكيين.١٠

كل ما أشرنا إليه بشأن الآثار الضارة المترتبة على ضرائب المبيعات في الدرس الثامن عشر تنطبق هنا أيضًا، لأن التعريفة الجمركية ليست سوى ضريبة مبيعات على السلع التي تصنَّع في الخارج. وقد كان سعر السوق الأصلي وهو ١٠٠٠٠ دولار للسيارة إشارة تدل المستهلكين والمنتجين على أكثر الأساليب فعالية فيما يتعلق باستغلال الموارد. اعترضت التعريفة طريق هذه الإشارة، وجعلت الأمريكيين يتصرفون كما لو أن باقي دول العالم أقل قدرة على إنتاج السيارات مما هي عليه بالفعل. أولئك الذين يؤيدون فرض التعريفات بغرض «حماية» الصناعة الأمريكية يقولون إن فرض الضرائب على الأمريكيين هو السبيل إلى الرخاء.

(٣-٢) التعريفة لا تزيد الوظائف، بل تعيد ترتيبها فحسب

لعل أكبر أخطاء النهج الحمائي الاعتقاد بأن فرض تعريفة جديدة يزيد إجمالي عدد الوظائف. ذلك اعتقاد خاطئ، لأن التعريفة الجديدة لا تخلق فجأة عمالًا جددًا من الفراغ. ففي المثال الذي عرضناه من قبل، إذا كانت التعريفة الجديدة تتيح لصناعة السيارات الأمريكية التوسع في إنتاجها وتوظيف عدد أكبر من العمال، فإن قطاعات أمريكية أخرى ستضطر بالضرورة إلى تقليص إنتاجها، والاستعانة بعدد أقل من العمال.١١

الأفراد الذين يرون التعريفات طريقة جيدة لتدعيم الاقتصاد عادةً ما يقصرون تركيزهم على الوظائف التي تصبح متاحة في القطاع الذي يتمتع بالحماية، ثم يأخذون في الاعتبار جميع الوظائف الإضافية التي تصبح متاحة عندما ينفق هؤلاء العمال الجدد رواتبهم في مراكز التسوق، والمطاعم وغيرها. ولا جدال في أن زيادة الوظائف في مثالنا لن تقتصر على مصانع السيارات الأمريكية فحسب، بل ستمتد إلى مصانع أخرى ذات صلة.

غير أن هذا التحليل القاصر يغفل حقيقة أن الوظائف قد تنهار في قطاعات أخرى في الدولة، فأولًا: أي شخص يشتري سيارة جديدة سيدفع ١٠٠٠ دولار إضافية مقارنة بما كان عليه الوضع قبل فرض التعريفة. هذا المشتري قلَّ إنفاقه على المطاعم والمسارح وغيرها في الحي الذي يسكنه بمقدار ١٠٠٠ دولار، ومن ثم سيعاني التجار في منطقته.

ربما يشير مؤيد الحمائية الذكي إلى أننا هنا نركز على توافه الأمور، لأن الثراء الهائل (المزعوم) في الصناعة الأمريكية يأتي من تحويل هذا الكم من النشاط التجاري من المنتجين اليابانيين إلى المنتجين الأمريكيين. بعبارة أخرى، بدلًا من التركيز على الألف دولار التي زادت على أسعار السيارات والتي لا أثر لها — لأن مستهلكي السيارات الأمريكيين «يفقدون» ١٠٠٠ دولار لكل سيارة، بينما منتجو السيارات الأمريكيون «يكسبون» القدر نفسه١٢ — ينبغي أن نركز على حقيقة أنه في مقابل كل سيارة أمريكية إضافية تُنتَج بأيادٍ أمريكية، تبقى ١٠٠٠٠ دولار «داخل البلاد» بدلًا من «إرسالها إلى اليابان». من المؤكد أن ذلك الأثر ذو صلة، وأنه يبين كيف تستفيد الدولة ككل من التعريفة الجديدة، أليس كذلك؟

الواقع أن هذا ليس صحيحًا؛ فتحليل هذا الحمائي الذكي لا يزال يغفل واحدًا من التأثيرات بالغة الأهمية للتعريفة؛ عند فرض تعريفة على الواردات الأمريكية، فإن هذه التعريفة تفرض قيودًا على الصادرات الأمريكية في الوقت نفسه. على وجه التحديد، مقابل كل سيارة يشتريها المستهلكون الأمريكيون من مصنع محلي بدلًا من اليابان، يقل إنفاق المواطنين اليابانيين على السلع المصنوعة في أمريكا بمقدار ١٠٠٠٠ دولار. وهكذا فإن النشاط الإضافي الذي حلَّ على منتجي السيارات الأمريكيين عادله انخفاض في المبيعات بين المنتجين الأمريكيين للقمح وبرامج الكمبيوتر وغيرها من الصادرات الأخرى.

هناك مبدأ مهم للغاية لا بد من تذكره، وهو أن أي دولة في النهاية تسدد وارداتها عن طريق صادراتها. ومثلما لا تستطيع إحدى الأسر (على المدى الطويل) مواصلة شراء سلع وخدمات من العالم الخارجي دون إنتاج شيء في المقابل، لا تستطيع أي دولة مواصلة استيراد السيارات، والأجهزة الإلكترونية والملابس وغيرها من السلع من الخارج ما لم تصدِّر تلك الدولة سلعًا وخدمات في المقابل.١٣ وبصريح العبارة، يفترض مؤيد الحمائية ضمنًا أن منتجي السيارات اليابانيين حمقى وعلى استعداد لاستخدام مواردهم النادرة في تصنيع سيارات جديدة وجذابة للأمريكيين مقابل الحصول على ورقات نقدية خضراء مطبوع عليها صور الرؤساء الأمريكيين.

قبل أن نترك هذا الجزء حري بنا أن نؤكد على نقطة مهمة، وهي أن التركيز على المبالغ النقدية قد يكون مضللًا، لأن السلع والخدمات الفعلية هي ما تشكل في النهاية المستوى المعيشي الذي يتمتع به المواطنون. وفي الفقرات السابقة لم نتبع النقود إلا لنبين النقاط التي تغفلها الحجج المألوفة التي تدافع عن الحمائية، والمنتجين الذين عادة ما يُنسَون. الواقع أن أهمية التعريفة لا تكمن في تأثيرها على عملات الدولار؛ فعدد الدولارات لا يتغير بفرض تعريفة جديدة، علاوة على أن قطع الورق الأخضر هذه ليست ما يجعل الأمريكيين أثرياء أو فقراء. ما يجعل الأمريكيين أثرياء أو فقراء هو «مقدار ما يستطيعون إنتاجه» باستخدام أياديهم العاملة وغيرها من الموارد، و«مقدار ما يستطيعون استهلاكه» إما بالشراء من المنتجين المحليين أو بتبادل فائض إنتاجهم مع الأجانب.

فرض تعريفة جديدة يحول الأيدي العاملة والموارد الأمريكية الأخرى من الصناعات التي تتمتع فيها هذه الموارد بميزة نسبية إلى صناعات تفتقر فيها إلى الميزة النسبية. والتعريفة أيضًا تعيق الاستفادة من مزايا التخصص بين الدول. فمثلما تؤدي عمليات التبادل التجاري النافعة إلى تحسين وضع كلا الطرفين، فإن التجارة الحرة تجعل جميع الدول المشاركة فيها في وضع أفضل. عندما تتدخل الدولة في نتاج السوق الحرة من خلال فرض تعريفة جديدة، فإنها لا تضر الدول الأجنبية فحسب، بل تضر مواطنيها أيضًا.

(٣-٣) لو أن القيود الجمركية جيدة، أيكون الحصار البحري ممتازًا؟

لعل أبسط الحجج التي تثبت حماقة القيود الجمركية تلك التي ساقها هنري جورج عندما لاحظ أن الدول في أوقات السِّلم تفرض على نفسها قيودًا تمنع عنها السلع الأجنبية، بينما في أوقات الحرب تفرض الدول حصارًا بحريًّا على غيرها لتمنعها من تلقي السلع الأجنبية. لو أن الحجج المؤيدة للحمائية صحيحة، ألا يُفترض بالحصار البحري أن يكون سببًا في ازدهار الدولة المعادية؟

(٤) حصص الاستيراد

«حصة الاستيراد» شكل آخر من أشكال التدخل الحكومي في التجارة الدولية. في هذه الحالة، لا تتدخل الدولة تدخلًا مباشرًا في سعر السلعة المستوردة، وإنما تفرض حدًّا على مقدار الوحدات التي يمكن استيرادها.

بدلًا من فرض تعريفة جمركية بنسبة ١٠٪ على السيارات اليابانية مع ترك القرار النهائي لإجمالي الواردات في يد السوق (المشوَّهة)، يمكن للحكومة الأمريكية فرض حصة استيراد مقدارها ١٠٠٠٠٠ سيارة. في هذه الحالة، سيُسمح للمنتجين اليابانيين ببيع ١٠٠٠٠٠ سيارة في السوق الأمريكية والحصول على سعر السوق (المشوَّه) دون وصول أي من هذه النفقات إلى خزائن الحكومة الأمريكية. لكن بعد بلوغ الحد الأقصى لحصة الاستيراد، سيكون عبور المزيد من السيارات اليابانية للبيع في السوق الأمريكية أمرًا مخالفًا للقانون.

تتشابه الآثار الأولية لحصة الاستيراد مع الآثار المترتبة على فرض تعريفة جمركية. لو كان المشرِّعون الأمريكيون على علم مسبق بعدد السيارات اليابانية التي سيستوردها الأمريكيون بعد فرض تعريفة ١٠٪، لاستطاعوا إحداث الأثر نفسه تقريبًا على الاقتصاد الأمريكي من خلال فرض حصة استيراد مساوية لذلك العدد من السيارات. وفي تلك الحالة، ستكون الآثار الاقتصادية الرئيسية الناجمة عن فرض حصة استيراد متشابهة إلى حد بعيد مع تلك الناجمة عن فرض تعريفة جمركية، وسينطبق عليها التحليل الذي قدمناه في الجزء السابق.

مع ذلك، فالواقع أن حصص الاستيراد أشد خطورة في الأغلب عن التعريفات الجمركية، إذ تبدو وكأنها تفرض عبئًا على المنتجين الأجانب أكثر مما تفعل مع المواطنين المحليين، ولأن مقدار الضرر الذي تسببه مقارنة بنتاج السوق الحرة لا يكون واضحًا. لهذه الأسباب، يميل الساسة في الأغلب إلى فرض حصص استيراد مرهقة للغاية بدلًا من فرض تعريفة جمركية مكافئة.

لتوضيح هذا الاحتمال فكِّر فيما يلي: عند فرض تعريفة نسبتها ٥٠٪، يكون واضحًا تمامًا مقدار الغرامة التي تفرضها الحكومة الأمريكية على المنتجين الأجانب ومقدار المكافأة التي تخص بها المنتجين الأمريكيين على وجه التحديد. باستطاعة الأفراد أن يعرفوا سعر الاستيراد الأصلي، وعندها يدركون أنهم يدفعون ٥٠٪ إضافية تذهب مباشرة إلى الحكومة الأمريكية. أما إذا اكتفت الحكومة بفرض حصة استيراد، فملاحظة مقدار اختلاف نمط الإنتاج المشوَّه عن نتاج السوق الحرة لن تكون بنفس السهولة خاصة مع مرور الوقت وتغير الظروف. فإذا توصل المنتجون الأجانب إلى ابتكارات تمكِّنهم من تخفيض أسعارهم، فسيستفيد المستهلكون الأمريكيون إذا كانت هناك تعريفة جمركية مفروضة، لأن سعر المنتج قبل حساب التعريفة سينخفض. أما في حالة فرض حصة استيراد صارمة، فلن يستفيد المستهلكون الأمريكيون بالقدر نفسه من انخفاض التكاليف المرتبط بتلك الابتكارات.

خلاصة الدرس

  • المركنتلية فلسفة اقتصادية ترى تجميع النقود سبيلًا إلى تحقيق الرخاء القومي. تسعى المركنتلية إلى تشجيع الصادرات وفرض قيود على الواردات من أجل الإبقاء على النقود داخل الدولة وتوفير الوظائف في القطاعات المحلية.

  • الحجة وراء تأييد التجارة الحرة بين الدول ليست سوى تطبيق للحجة العامة وراء تأييد الأسواق الحرة. يمكن لمجموعة من الأفراد الاستفادة عندما يتاح أمامهم المزيد من الخيارات. والتجارة الحرة لا تجبر الأفراد على استيراد السلع من المنتجين الأجانب، وإنما تزيل المعوقات فحسب. وكما أن تخصص الأفراد في وظائف بعينها وتبادل فائض إنتاجهم فيما بينهم أمر منطقي تمامًا، فمن المنطقي أيضًا أن تتخصص دول العالم المختلفة في أنشطة معينة وأن تتبادل فائض إنتاجها فيما بينها.

  • التعريفات الجمركية وحصص الاستيراد قيود مصطنعة تفرضها الحكومات على الواردات الأجنبية. وعلى عكس الادعاءات التي يسوقها مؤيدو تلك القيود، فإن التعريفات والحصص تجعل الأفراد داخل الدولة أكثر فقرًا في المتوسط. (قد يعود فرض تعريفة أو حصة استيراد بالنفع على أفراد بعينهم داخل الدولة، لكن مكاسبهم ستكون أقل من الخسائر التي يتكبدها الجميع.) وعلى المدى الطويل، لا تخلق التعريفات وحصص الاستيراد وظائف جديدة، بل تعيد ترتيب العمال بحيث ينتقلون من قطاعات أكثر كفاءة إلى أخرى أقل كفاءة.

مصطلحات جديدة

  • المركنتلية: مذهب اقتصادي يرى تكديس الثروات سبيلًا لازدهار الأمم. تشجع المركنتلية الصادرات، بينما تفرض قيودًا على الواردات.
  • الصادرات: السلع (أو الخدمات) التي يبيعها مواطنو الدولة إلى الأجانب.
  • الواردات: السلع (أو الخدمات) التي يشتريها مواطنو الدولة من الأجانب.
  • الفائض التجاري: مقدار زيادة الصادرات عن الواردات مقاسًا بالنقود.
  • العجز التجاري: مقدار زيادة الواردات عن الصادرات مقاسًا بالنقود.
  • سياسات إفقار الجار: سياسات (عادةً ما تتضمن فرض قيود على تداول العملات والتبادل التجاري) تجعل الدول الأخرى أكثر فقرًا في محاولة من الدولة التي تتبنى تلك السياسات لإثراء نفسها.
  • لعبة صفرية المجموع: موقف يتساوى فيه مكسب فرد (أو دولة) مع خسارة فرد آخر (أو دولة أخرى). في اللعبة صفرية المجموع لا يمكن تحقيق مكسب لكلا الطرفين؛ إذ لا بد من وجود رابحين وخاسرين.
  • التجارة الحرة: حالة لا تفرض فيها الحكومات قيودًا مصطنعة على تدفق السلع والخدمات بين مواطنيها ومواطني الدول الأجنبية.
  • الحمائية: فلسفة تستخدم القيود التجارية المفروضة من جانب الحكومة في محاولة لمساعدة العمال داخل الدولة. وتقوم على فكرة أنه عن طريق حظر الواردات الأجنبية، تشجع الحكومة المستهلكين على شراء المنتجات المحلية، وهو ما يوفر وظائف للعمال داخل الدولة.
  • التعريفة الجمركية (الرسم الجمركي): ضريبة تفرضها الحكومة على الواردات الأجنبية.
  • حصة الاستيراد: حد أقصى على مقدار إحدى السلع التي يمكن استيرادها خلال فترة زمنية محددة.

أسئلة الدرس

(١) هل يمكن لكل الحكومات تطبيق سياسات المركنتلية بنجاح؟
(٢) ما الدور التاريخي الذي لعبه آدم سميث فيما يتعلق بالمركنتلية؟
(٣) فسر معنى (وليس سبب) العبارة التالية: «سجلت الولايات المتحدة عجزًا تجاريًّا مع اليابان العام الماضي.»
(٤) اشرح العبارة: «الحجة الاقتصادية وراء تأييد التجارة الحرة أحادية الجانب.»
(٥) اشرح العبارة: «التعريفة لا تزيد عدد الوظائف، وإنما تعيد ترتيبها فحسب.»

هوامش

(١) الدول في حد ذاتها لا تستورد أو تصدر السلع، وإنما الأفراد الذين يعيشون فيها. لكن من الصعب توصيل جوهر المركنتلية دون الحديث عن الدول المختلفة بوصفها وحدات جماعية عندما يتعلق الأمر بالتجارة.
(٢) على سبيل المثال: إذا صدَّرت فرنسا لبريطانيا العظمى جعة بقيمة ١٠٠ أوقية من الذهب، في حين استوردت منها كتبًا بقيمة ٨٠ أوقية من الذهب، فإنه (في حالة الاقتصار على هاتين العمليتين فحسب) سيكون هناك صافي تدفق من بريطانيا إلى فرنسا قيمته ٢٠ أوقية ذهب.
(٣) إذا كنت قارئًا متقدمًا، فلا بد من الإشارة إلى أن أي دولة (كالولايات المتحدة) قد تواجه عجزًا تجاريًّا مع دولة ما (كالصين مثلًا) وفي الوقت نفسه تشهد فائضًا تجاريًّا مع دولة أخرى (مثل أستراليا). مع ذلك، ليس من الضروري أن تعادل حالات العجز والفائض بعضها بعضًا. فالولايات المتحدة — على سبيل المثال — تعاني عجزًا تجاريًّا مع بقية دول العالم. هذا ممكن لأن الأفراد خارج الولايات المتحدة يمكنهم الاستثمار في الأصول الأمريكية. فإذا اشترى مستثمر ياباني سندًا تجاريًّا من شركة «آي بي إم»، فهذا الشراء «يعيد الأموال إلى الولايات المتحدة» ويساعد على موازنة صافي تدفق الدولارات الأمريكية إلى اليابان نتيجة العجز التجاري في السلع والخدمات. (لاحظ أن الأصول المالية — كالأسهم والسندات — لا تشكل جزءًا من صادرات الدولة.)
(٤) أضفنا عبارة «في المتوسط» لأن فرض قيود تجارية قد يؤدي إلى تحسين أوضاع بعض الأشخاص كمن تنافس منتجاتهم الواردات التي فُرض عليها الحظر. لكن كما سنرى في الجزء التالي من الدرس، فإن المكاسب المحتملة للمنتجين الذين شملتهم إجراءات الحماية تعادلها خسائر بقية الأفراد في الدولة، بل تزيد تلك الخسائر عن مكاسبهم.
(٥) للتوضيح، نركز هنا على الحجج الاقتصادية العامة المؤيدة للتجارة الحرة والمعارضة لها. لكن إذا قال أحد الأفراد إن منتجي الصواريخ البالستية الأمريكيين ينبغي أن يُمنعوا من التبادل التجاري مع أفراد في كوريا الشمالية، فتلك ليست حجة اقتصادية، بل هي مطلب عسكري. نحن نتعامل في هذا النص مع الاعتقاد الشائع جدًّا — والخاطئ في الوقت نفسه — بأن الحواجز التجارية تجعل الدولة أكثر ثراء من خلال تحفيز اقتصادها المحلي.
(٦) نطلق عليها الحجة «الاقتصادية» المؤيدة للتجارة الحرة بغرض تمييزها عن أنواع أخرى من الحجج. فمثلًا، قد يزعم أحد الأشخاص المتعمقين في نظرية القانون الطبيعي أنه حتى وإن تسببت التجارة الحرة في إفقار الدول، فإنها ستظل السياسة السليمة، لأنه ليس من حق الدولة فرض قيود على كيفية استخدام المواطنين لممتلكاتهم الخاصة.
(٧) لا بد أن نضيف عبارة «من حيث نصيب الفرد» لأنه من الناحية النظرية، نستطيع أن نتخيل أفرادًا بعينهم يتضررون من إزالة الحواجز التجارية. ونحن نعلم أنه لو انتهجت الصين سياسة تجارة حرة، فسيرتفع إجمالي إنتاج الصينيين واستهلاكهم، مما يعني أن المواطنين «في المتوسط» سيستفيدون من هذه الخطوة. لكن إذا كان هناك منتجون مستفيدون من فرض القيود التجارية أُجبروا على الخروج من السوق بسبب الواردات الأجنبية، فمن الوارد أن تكون خسائرهم الفردية بوصفهم منتجين أكبر من مكاسبهم بوصفهم مستهلكين توافرت أمامهم خيارات أكثر (وبأسعار أقل) في المتاجر. نحن نؤكد على هذه النقطة في المقام الأول حتى يتسنى لك فهم الحجة الاقتصادية وراء تأييد التجارة الحرة. على أرض الواقع، من المرجح أن يؤدي الانتقال الكامل إلى تطبيق سياسة التجارة الحرة — بدلًا من إزالة الحواجز الفردية واحدة تلو الأخرى — إلى تحسين أحوال الجميع، خاصة على المدى البعيد.
(٨) من وجهة نظر المنتجين اليابانيين انخفض الطلب الأمريكي على سياراتهم. ومعنى ذلك أنه عند السعر (الياباني) نفسه — ١٠٠٠٠ دولار — فجأة لم يعد الأمريكيون يرغبون في شراء عدد السيارات الذي كانوا يشترونه قبل فرض التعريفة. ولتبسيط الأمور، سنفترض أن هذا الانخفاض في الطلب الأمريكي على السيارات المستوردة لا يؤدي إلى خفض سعر توازن السيارات اليابانية الذي يساوي ١٠٠٠٠ دولار في السوق العالمية. إذا تعمقت في دراسة علم الاقتصاد، فستعرف أن هذه الحيلة قد تؤدي إلى ظهور الاحتمال النظري بوجود «تعريفة مثالية» يُحتمل معها أن تحقق إحدى الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة مكسبًا (مع الإضرار بباقي دول العالم) من خلال التطبيق الاستراتيجي للتعريفات المنخفضة. عمليًّا، هذه حجة مراوغة، وإن كان هذا لمجرد أنه لا يمكن الوثوق بالتزام الساسة بالتعريفة «المثالية».
(٩) التعريفة الجديدة ستلحق الضرر ببعض المنتجين الأمريكيين الآخرين كما سنوضح لاحقًا.
(١٠) الواقع أنه إذا تسببت التعريفة الجديدة في انخفاض سعر سوق السيارات اليابانية (قبل اقتطاع الضريبة)، فإن دفع الإيرادات الجمركية سيتشارك فيه المستهلكون الأمريكيون والمنتجون اليابانيون، لأن السعر المدفوع من جانب الأمريكيين لن يرتفع بمقدار التعريفة المفروضة على كل سيارة. حتى في هذه الحالة، من الضروري أن نؤكد على أن المستهلكين الأمريكيين هم من أنفقوا الأموال التي جُمعت عن طريق فرض التعريفة.
(١١) الاستثناء الوحيد المحتمل لهذه القاعدة أن يقل معدل البطالة. بعبارة أخرى، قد يتوسع أحد القطاعات مع الإبقاء على مستويات التوظيف الأصلية كما هي في قطاعات أخرى، إذا كان العمال الجدد قادمين من صفوف العاطلين عن العمل (أو من قطاعات تسد النقص في عمالتها بتوظيف العاطلين عن العمل). في الدرس الثالث والعشرين سندرس الدورة الاقتصادية، ونرى أن هذه المشكلة لا تغير شيئًا من الاستنتاجات المطروحة في النص السابق.
(١٢) ماذا عن الألف دولار التي تذهب إلى الحكومة الأمريكية في صورة تعريفة جمركية عن كل سيارة يابانية ما زال يشتريها الأمريكيون؟ إذا أنفقت الحكومة هذه الأموال، فسيشكل ذلك تشويهًا إضافيًّا لنتاج السوق الحرة للأسباب التي أوضحناها في الدرس الثامن عشر. وأفضل حجة لمؤيدي الحمائية أن يزعموا أن الحكومة تستخدم عائدات التعريفة لتخفيض ضرائب أخرى عن كاهل الأمريكيين. لن نتطرق لهذه المسألة لأننا نود التركيز على التشوهات «الأخرى» الناجمة عن فرض التعريفة الجديدة.
(١٣) أضفنا عبارة «على المدى الطويل»، لأن الأسرة تستطيع زيادة ديونها بأن تستهلك أكثر مما تنتج لفترة ما على الأقل. وبالمثل، يمكن للدولة ككل أن تواجه صافي العجز التجاري إذا كان الأجانب على استعداد للاستثمار في أصولها المالية (مثل شراء الأسهم أو السندات من شركات داخل الدولة التي تعاني عجزًا تجاريًّا). لكن حتى في هذه الحالة، فإن ما يحدث حقًّا هو أن الدولة التي تواجه العجز التجاري تقترض مقابل إنتاجها المستقبلي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤