الفصل الأول

(عيادة طبيب. مكتب الدكتور. حجرة لها بابان. الدكتور سامي يخلع على عجل المِعطف الأبيض، ويرتِّب هندامه الخارجي بعناية بعد أن ينظر في ساعة ذهبية في معصمه. ويتأهَّب للخروج … جرس التليفون يدقُّ فوق المكتب.)

سامي (يجري على صوت جرس التليفون) : ألو … أنا الدكتور سامي نفسه، مين؟ … أهلًا وسهلًا … حاضر يا فندم … عنوان البيت شارع القصر العيني … بعد ساعة أكون عندكم … قبل كده مشغول … بس خلِّيه ياخد مسهِّل. (يفتح أحد البابين ليخرج وهو يصفِّر بفمه مبتهجًا؛ فيصطدم بشخص حسن الهندام، داخلًا في هياج واضطراب) بسم الله الرحمن الرحيم! … جرى إيه؟ … ما لك يا نجيب؟
نجيب (وهو يلهث، يرتمي على أقرب مقعد) : اسكت … أنا تُوفِّيت!
سامي : حد قابلك من ايَّاهم … قلت لك ألف مرة اقصِر الشر وابعد عن الشوارع اللي بيطلعوا لك فيها أصحاب الدِّيون بالنهار!
نجيب (في صوتٍ مُتداعٍ وهو مُغمِض العينين) : مش ديون.
سامي : أمَّال إيه الحكاية … ما لك؟ ما تضيَّعش وقتي … أنا لازم أقابل خطيبتي حالًا … (ينظر في ساعته).
نجيب : ابعت حالًا هات لي واحد حكيم.
سامي : وأنا يعني أمَّال هنا طرطور؟
نجيب (ممدَّدًا على المقعد) : آه ياني … رحت خلاص مأسوفًا على شبابي!
سامي : اسمع يا نجيب … إن كان غرضك تتسلبط علشان عايز لك ريال أو نص ريال قل لي بلاش ضياع وقت.
نجيب : مش مسألة فلوس … بقول لحضرتك أنا ميِّت … هوَّ يعني علشان ما اكون ميِّت لازم يدفنوني في قرافة المجاورين؟
سامي : والكلام المفيد دلوقت إيه بقا؟
نجيب : الكلام المفيد، انِّي دلوقت مضروب بالرصاص.
سامي (في استغراب) : رصاص؟
نجيب : انضربت بالرصاص قدَّام «جروبي»
سامي : يا خبر! … بتقول إيه؟ … جَد يا نجيب؟ … وساكت ليه من الصبح؟ … فين؟ … (ينادي) يا عوضين! … التمرجي مش هنا … انت لازم لك إسعاف حالًا.
نجيب : أيوه اسعفني.
سامي (يدنو منه ويخلع ملابسه) : اكشف الجرح بسرعة … دخلت فين الرصاصة؟
نجيب (يشير إلى قلبه) : هنا!
سامي (في دهشة) : مش ممكن!
نجيب (يشير إلى قلبه بشدة) : بقول لك هنا.
سامي : مش معقول … انت يظهر ما عندكش فكرة عن الطب بالمرة.
نجيب : ما ليش دعوة بالطب … أنا بصفتي مضروب رصاصة أقول لك انها واقفة هنا … وانت حر، تصدَّق والَّا ما تصدَّقش.
سامي : دا القلب يا مغفَّل … رصاصة في القلب ولسه عايش؟ … انت عايز تطيَّر من عقلي حبة الطب اللي باكل بهم عيش!
نجيب : ومين قال لك اني لسه عايش؟
سامي : بتقول إيه؟
نجيب : بلغ عن وفاتي حالًا بصفتك حكيم!
سامي : لازم الرصاصة دخلت في عقلك!
نجيب : الرصاصة هنا في القلب.
سامي (يجس نبض نجيب) : مفيش حاجة أبدًا عندك … نقطة دم مفيش … النبض طبيعي … القلب سليم.
نجيب : القلب سليم … سليم يا جاهل … افحصني كويس … انت شايفني نجيب بتاع الصبح؟ … أنا شخص آخر يا سامي، من مدة ٧ دقائق … أنا في عالم آخر من مدة ٧ دقائق.
سامي (ينظر إلى نجيب لحظة) : انت بتحب!
نجيب : لأول مرة في حياتي.
سامي : كل نوبة تقول دي أول مرة في حياتك.
نجيب : أبدًا … المرة دي بس … لأن الرصاصة هنا.
سامي : رصاصة إيه!
نجيب : عينيها يا سامي! … نظره واحدة مافيش غيرها! … عينينا تقابلت عفوًا! خلاص … شعرت في الحال بحاجة دخلت هنا … (يشير إلى قلبه) ولا طلعتش … لسه موجودة … هات إيدك (يمسك يد سامي) شوف … جس.
سامي (يجذب يده) : مين دي؟ … ما عرفتهاش؟
نجيب : أبدًا … كانت راكبة أتوموبيل طول الأودة دي مرة ونص … وواقفة قدَّام جروبي تاكل «جلاس».
سامي : وانت كنت فين؟
نجيب : كنت باخد واحد ويسكي على البار … واحد بس «أبيرتيف» مفيش غيره … وأنا خارج، لقيت عينيها في عيني، راح قلبي عامل كده … (يقبض يده) وراح ساقط تحت رجليَّ، واتدحرج في الشارع على الأسفلت.
سامي : لغاية ما وقع في بلَّاعة! عامل كده … (يقبض يده) وراح.
نجيب : ما أعرفش راح فين.
سامي : وبعدين؟
نجيب : وبعدين شفتها نزلت، ومشيت في شارع المناخ، في اتجاه الأوبرا.
سامي : مشيت وراها طبعًا.
نجيب : انت مجنون! وأنا أقدر امشي في شارع المناح؟ عايز يقفشوني قدَّامها، وأبات الليلة في القسم؟
سامي : أيوه صحيح … دا من الشوارع الممنوعة … مش واخد بالي … لك فيه على الأقل زباين من ايَّاهم … كوستا الترزي، وشالوم الجزمجي، وماريو الحلَّاق.
نجيب (في حنق) : مسألة الشوارع دي بقت حاجة تجنِّن … أروح فين يا ناس؟ مفيش شوارع كفاية في مصر … إن ما كنش مصلحة التنظيم تفتح حالًا شوارع جديدة، والَّا يعملوا مترو تحت الأرض، أو ترمواي في السما … اللهم أنا خلاص، ما ليش عيش في البلد.
سامي (باسمًا) : أنت ممنوع من المرور في كام شارع؟
نجيب (ناظرًا في أجندته) : أقول لك يا سيدي: خد عندك، المدابغ لغاية النص، وقصر النيل بعد سليمان باشا، والمناخ جزء منه، وبعض شارع فؤاد، وشارع كوبري قصر النيل … وأمَّا الضواحي، فصاحب المُلك ساكن في الزيتون.
سامي : وأخيرًا عملت إيه في حكايتك؟ طارت منَّك.
نجيب : طبعًا.
سامي : والنتيجة؟
نجيب : النتيجة؟ مفيش نتيجة، غير اني دلوقت محسوب في عداد الأموات، وشوف لي طريقة؛ لأن المسألة جد مش لعب.
سامي : أشوف لك طريقة ازَّاي؟ ما سألتش مين دي؟ بنت مين؟
نجيب : أبدًا … أبدًا.
سامي : ما شفتش نمرة الأوتوموبيل كام؟
نجيب : أبدًا … أبدًا.
سامي : طيب تعرف ماركته إيه الأوتوموبيل، على الأقل؟
نجيب : أبدًا … أبدًا … ما أخدتش بالي … هو أنا كنت فاضي أشوف ماركة الأوتوموبيل، والَّا ماركة وِشها.
سامي : وما خدتش تاكسي ورحت وراها تشوف ساكنة فين؟
نجيب : أبدًا … أبدًا.
سامي : اديني عقلك! عايزني أعمل لك إيه بقا بذمتك؟ كل حاجة أبدًا … شارلوك هولمز أنا والَّا شمهورش؟ والَّا عايزني أضرب لك الرمل!
نجيب : انت مستحيل تعرف الحب … آدي كل اللي أقدر أقوله بالاختصار لواحد مغفَّل زيَّك.
سامي : أشكرك … أورفوار … (يتحرَّك للخروج).
نجيب : اسمع … أنا لأول مرة في حياتي اتلخمت … وبقيت واقف تايه مش حاسس بالدنيا … وفجأة طلعت أجري حاطط إيدي هنا … (يشير إلى قلبه) زي واحد مضروب عيار ناري … لغاية وما وصلت عيادتك … تسمِّي ده إيه؟
سامي : أسمِّيه مرستان!
نجيب : الحب الحقيقي … اللي ما يحصلش إلا مرة واحدة في الحياة!
سامي : عندها أتومبيل طول الأوده دي مرة ونص تمام … أهو ده الحب الحقيقي … هسبانو … ريزوتا … فراسكيني … باكار … ماركة من دول تفتح لك جميع الشوارع الممنوعة، ولا تحتاجش لمصلحة التنظيم.
نجيب (يبصق في الأرض ازدراء) : أنت رجل مادِّي!
سامي : اسمع يا نجيب نصيحة: أنا أشجَّعك انك تغوى العربيات اللي طول الأوده دي مرة ونص … ماليِّتك تنتظم، وتعيش مرتاح.
نجيب : أنا أحتقر الكلام اللي بتقوله ده.
سامي : انت حر.
نجيب : وأحتقر الفلوس.
سامي : طيِّب … أورفوار … (يتحرَّك).
نجيب : رايح فين؟
سامي : رايح لخطيبتي في أمر مهم … وراجع بعد ربع ساعة … لأن عندي عيَّانين.
نجيب (يتمدد كالمريض) : أنا عيان.
سامي : انت قاعد هنا … أنا رايح بقى … (يتَّجه إلى الباب).
نجيب : رايح فين؟
سامي : مش ضروري أقول لك ألف مرة أنا رايح فين؛ لأن عقل حضرتك تايه النهارده!
نجيب : عندي هبوط في القلب.
سامي : أحسن … نهارك سعيد … (يحاول الخروج).
نجيب (ينهض على قدميه بسرعة ويصيح به) : اقف عندك … رايح فين؟ أنا باقول لك عندي هبوط في القلب يا ابن الكلب … ومضروب بالرصاص، وحالتي خطرة.
سامي : برده حانرجع للرصاص؟!
نجيب (في صوت قاصف) : شوف لي دوا في الحال لهبوط القلب، وإلَّا وشرفك أطربأ العيادة عليك وعلى العيَّانين.
سامي : بقا دا صوت واحد عنده هبوط في القلب؟!
نجيب (ينزل صوته بسرعة إلى طبقة منخفضة) : انت يا سامي يا خويه، عندك دوا عجيب ضد هبوط القلب.
سامي : إيه هوَّ؟
نجيب (يترنَّم) : ورقة بجنيه يا عزيزي، جنيه مصري، والَّا إنجليزي، ينحط كده في الجيب، يجمِّد القلب ويطيَّب.
سامي (ينظر إليه شزرًا لحظةً) : بقا اسمع … يعني يصح تضيَّع من وقتي ربع ساعة، في اختراع الحكاية الطويلة العريضة دي، علشان كده؟!
نجيب (يمدُّ يده) : لا أبدًا … مسألة الحب حقيقية، ولا شك فيها، وبكره تشوف … أما الجنيه، فده من زمان موصوف لي في الحالات الخطرة اللي زي دي!
سامي (يخرج محفظة نقوده) : وشرفك أنا لازم أعزِّل حالًا من شقتي اللي في قصر النيل … دا مين يسكن في عمارة ساكن فيها انت.
نجيب (يخطف ورقة بجنيه من يد سامي) : هات الله لا يحرمك منِّي … ابق ضيف على الحساب!
سامي (في تهكُّم) : حساب؟ نهارك سعيد … (يخرج).
نجيب (يضع الورقة في جيبه بعناية) : سعيد مبارك يا افندم … (ثم يرتِّب هندامه) دلوقت بقا، حيث إننا اطمأنينا على مستقبلنا الباهر، لمدة ٢٤ ساعة … يجب البحث عن صاحبتنا اللي عنيها ماركة (بروننج) … (يخرج علبة سجاير ويتناول سيجارة).

(الباب الآخر للحجرة يطرق.)

نجيب : مين؟ (الطرق يعود فيشتد) اسكت يا عيان، الدكتور جاي حالًا …

(الطرق يشتد.)

سيدة (من الخارج تصيح) : أدخل والَّا لأ.
نجيب (في غير اكتراث) : لأ.
السيدة (من الخارج) : ليه ما أدخلش؟
نجيب : كده
السيدة (صائحة) : لازم ادخل!
نجيب (وهو يشعل سيجارته) : ادخلي …

(الباب الأيمن يفتح وتظهر (فيفي) غادة مصرية أرستقراطية، رشيقة جميلة، ذات أعين فتاكة، وبمجرَّد أن يراها نجيب يبغت ويبهت، وتسقط منه سيجارته من فمه.)

فيفي : فين الدكتور؟ (تبحث بعينيها في أنحاء القاعة).

(نجيب بلا حراك.)

فيفي (تتأمَّل جموده في دهشة) : الدكتور فين؟
نجيب :
فيفي : الدكتور مش هنا من فضلك؟
نجيب (كأنما كان يخاطب نفسه) : مش ممكن … (ثم يصحو لنفسه ويلتفت بسرعة إلى فيفي) أفندم.
فيفي : فين هوَّ؟
نجيب : هوَّ مين؟
فيفي (في شيء من الصبر النافد والحدَّة) : الدكتور سامي طبعًا!
نجيب : آه … طبعًا … ما تأخذنيش … أنا …
فيفي (صائحة في ضيق عصبي فجائي) : الدكتور سامي.
نجيب (في الحال وقد خاف من صيحتها العصبية الفجائية) : ما اعرفوش.
فيفي (صائحة في ضيق عصبي كذلك كالمرة السابقة) : انت في عيادته هنا، ما تعرفوش ازَّاي؟
نجيب (في خوف كذلك كالمرة السابقة) : طيِّب أعرفه!
فيفي (تتأمَّله لحظة من رأسه لقدمه، كمن حسِبته مخبولًا) : يعني حضرتك ما تقدرش تقول لي، إذا كان الدكتور موجود والَّا مش موجود؟
نجيب : أقدر أقول لحضرتك.
فيفي (في تهكُّم) : امتى ان شاء الله؟
نجيب : حالًا إن شاء الله … بسِّ …
فيفي : بسِّ إيه؟
نجيب : حلم حضرتك عليَّ شويَّة.
فيفي (تنظر إليه في استغراب وضيق) : أنا منتظرة.
نجيب (يتمالك) : أيوه يا افندم … حضرتك منتظرة … مين؟
فيفي (تنظر إليه نظرة نافد الصبر، الذي يحلم لآخر مرة) : منتظرة أعرف الدكتور سامي هنا والَّا لأ؟
نجيب (كمن يُفيق) : آه. الدكتور سامي … آه … يعني الدكتور سامي؟ أيوه يا افندم أقدر أقول لحضرتك …
فيفي : أظن المسألة مش محتاجة للوقت ده كلُّه، علشان تقول لي هنا والَّا مش هنا.
نجيب : تحبِّي أكون صريح شويَّة؟
فيفي : تفضَّل.
نجيب : أنا محتاج خمس دقايق علشان أرجع لحالتي الطبيعية.
فيفي (تنظر إليه لحظة) : يعني دلوقت بأي حال، ما تقدرش تجاوبني؟
نجيب : مستحيل أقدر أجاوب حضرتك على أي سؤال بالشكل ده.
فيفي : بالشكل ده ازَّاي؟
نجيب : ولو فيها رزالة، غمَّضي عينيك شويَّة.
فيفي (تنظر إليه شزرًا) : يعني إيه؟
نجيب : يعني اعملي كده. (يغمض عينيه).
فيفي : مش فاهمة.
نجيب : لأ؛ لازم تفهمي من فضلك.
فيفي : أفهم إيه؟
نجيب : تفهمي إن البروننج فيه ست رصاصات بس … وانطلقوا كلُّهم خلاص، أكتر من كده يبقى متروليوز … وروحي راحت من أوِّل رصاصة … وإذا كنت سيادتك فاهمة انِّي بسبع أرواح، أو انِّي معجون بالأسمنت المسلَّح، يبقى ظلم … وانت ما يخلَّصكيش … والَّا أنا غلطان في الكلام ده؟

(لحظة صمت.)

فيفي (تنظر إليه من رأسه لقدمه كالمرتاب في عقله). : أنا كنت فاكرة الدكتور سامي حكيم باطني بس!
نجيب (فاهمًا قصدها) : قصد حضرتك إيه بقا؟
فيفي : ولا حاجة … أنا ما قلتش حاجة زيادة عن كده.
نجيب : أولًا أنا مش عيَّان.
فيفي : طبعًا مش ببطنك.
نجيب : يعني سيادتك عايزة تقولي عيَّان بحاجة تانية؟
فيفي : أنا مش عايزة أقول حاجة أبدًا … ولا فيش داعي لكده بالمرة، لأنِّي مش جاية هنا دلوقت، علشان أقول لك انت عيَّان بإيه.
نجيب : أمَّال حضرتك جاية هنا علشان إيه؟
فيفي : جاية بالطبع لشيء تاني … أقابل الدكتور سامي.
نجيب : لأسباب صحية طبعًا؟
فيفي : أيوه … وكمان علشان … أولًا … اسمح لي أعرف … حضرتك مين هنا؟
نجيب : حضرتي مين هنا؟
فيفي : أيوه لو تسمح لي أعرف.
نجيب : حاضر … أقول لحضرتك حالًا.
فيفي : تفضَّل … منتظر إيه؟
نجيب (يخرج علبة سجايره ويقدِّمها إلى فيفي) : سيجارة؟
فيفي (بلا حراك) : مرسي … ما ادخَّنش.
نجيب : برافو … عملتِ طيِّب قوي … أنا ما أحبِّش السِّت اللي تدخَّن.

(يتناول سيجارة ويضعها في فمه.)

فيفي : أنا كمان ما احبِّش الراجل اللي يدخَّن.

(نجيب في حركة غريزية ينزع في الحال السيجارة من فمه ويلقي بها في الأرض.)

فيفي (في تهكُّم خفي) : لأ مفيش لزوم … اشرب سيجارتك أحسن!
نجيب (في قوة) : لأ … مش ممكن … أنا مجنون؟! خلاص من اللحظة دي بطَّلت السجاير … أنا مستعد أتعهِّد لك وأقسم لك بشرفي وحياة …
فيفي (في برود) : وإيه الدَّاعي؟ دا شيء ما يهمِّنيش.
نجيب (مصدومًا) : ما يهمِّكيش انِّي أبطَّل السجاير؟
فيفي : بالتأكيد لأ … يهمِّني في إيه؟
نجيب : مش لمَّا ابطَّل السجاير صحتي تتحسِّن؟
فيفي : وأنا ما لي؟ دا شيء يهمَّك انت.
نجيب : يهمِّني أنا بس؟ ما يهمِّش حد تاني أبدًا؟
فيفي : ما اعرفش … انت بالطبع أدرى بظروفك.
نجيب : إن كان على ظرفي، تأكَّدي انَّها ألعن ظروف خلقها ربِّنا. أولًا أنا مقطوع من شجرة ولا فيش حد يهتم إن كنت أدخَّن والَّا انحرق … ثانيًا، أنا ساكن لوحدي في (أبَّارتمان) في شارع قصر النيل … ومحمد السُّفرجي سابني امبارح وطفش … والدي الله يرحمه ويحسن إليه، وكذلك والدتي الله يرحمها ويحسن إليها، كانوا الاثنين من خيار الناس، كان عندهم …
فيفي (تقاطعه وتلتفت جهة الباب) : مع الأسف: عوضين التمرجي مش هنا علشان أسأله عن الدكتور سامي!
نجيب (مصدومًا) : حضرتك متضايقة للدرجة دي من كلامي؟
فيفي (في تردُّد) : لأ … إنَّما بس انا شايفة الوقت غير مناسب علشان تحكي لي تاريخ حياتك.
نجيب : وإمتى امَّال تشوفي الوقت مناسب، علشان أبقى أحكي لك تاريخ حياتي بالتفصيل؟
فيفي : وإيه الضَّرورة انَّك تحكي لي تاريخ حياتك، بتفصيل أو من غير تفصيل؟
نجيب : مفيش ضرورة أبدًا؟
فيفي : بالتأكيد مفيش أبدًا.
نجيب : إيه السبب؟
فيفي : طبعًا … أولًا أنا … ما تأخذنيش … ما اعرفكش.
نجيب (مصدومًا) : أشكرك.
فيفي : لأ … ما تشكرنيش … دي الحقيقة.
نجيب : صحيح دي الحقيقة … لكن …
فيفي : لكن إيه؟
نجيب : لكن برده ما كنتش أحب انك انت اللي تذكَّريني بها.
فيفي : أنا مضطرَّة.
نجيب (يطرق في شبه إذعان وألم) : طيِّب.
فيفي (تنظر إليه في صمت ثم تقول) : انت مع ذلك لغاية دلوقت ما فهِّمتنيش حضرتك مين هنا؟
نجيب (في كآبة) : وإيه الفايدة؟!
فيفي : بس أحب أعرف أنا بكلِّم مين.
نجيب : بتكلِّمي مين؟ بتكلِّمي شخص مخلوق جديد لنج، من مدة ١٠ دقايق … ما لوش مستقبل … مالوش غير حاضر جميل، يدوم كمان بالكتير ٥ دقايق.
فيفي : مش فاهمة كلامك.
نجيب : أحسن.
فيفي : بدِّي أعرف بس انت صفتك إيه في العيادة؟
نجيب : ما ليش صفة.
فيفي : انت لك صلة بالدكتور سامي؟
نجيب : صاحبي.
فيفي : حكيم زيُّه طبعًا؟
نجيب (شاردًا) : طبعًا.
فيفي (باسمة) : الطيور على أشكالها تقع.
نجيب (كمن يخاطب نفسه) : صحيح أنا وقعت.
فيفي : بالتأكيد.
نجيب (يرفع رأسه ويلتفت إليها فجأةً) : إيش عرَّفك؟
فيفي : أنا أعرف انَّك ما وقعتش على الدكتور سامي هنا، إلَّا النهارده، لأني سبق جيت له كتير في الوقت ده.
نجيب : سبق جيتي كتير هنا قبل النهارده؟ وأنا كنت ساعتها في انهي داهية؟
فيفي : ما اعرفش.
نجيب (صائحًا) : اسمحي لي أقول لك انِّي أنا إنسان يستحق الضرب بعشرين أو خمسة وعشرين صرمة نضيفة!
فيفي : ما اقدرش اقول لك بالضبط انت تستحق كام … لكن كل اللي أقدر أقوله انك بتضيَّع وقتي بشكل غريب … المهم في كل اللي فات، الدكتور سامي هنا والَّا مش هنا؟
نجيب (مصدوم منفعل) : الدكتور سامي مش موجود … دا كل اللي أقدر أقوله … وعشان ما اضيَّعش وقت حضرتك بشكل غريب، أقول لك أورفوار، أو … آديو (يتحرَّك).
فيفي : فيه عيَّانين برة منتظرين الدكتور … مين رايح يشوفهم؟
نجيب : ما اعرفش.
فيفي : الدكتور سامي ما قالش مين يشوف العيَّانين؟
نجيب : مفيش هنا عيَّانين.
فيفي : فيه.
نجيب : مفيش.
فيفي : فيه.
نجيب : مفيش.
فيفي : بقول لك فيه برَّة في الصالة، وفي أودة الانتظار.
نجيب : بقول لك مفيش هنا عيَّانين.
فيفي : طيِّب روح شوف بعينك برة!
نجيب : أنا ما أكدِّبش نفسي وأصدَّق عيني … مفيش في العيادة، بل في العالم كلُّه، دلوقت، غير شخص واحد بس اقدر أعترف بصحيح انه عيَّان.
فيفي : مين هوَّ؟
نجيب : المخلوق اللي واقف قدَّامك.
فيفي : انت بتقول انك حكيم مش عيَّان.
نجيب : عيان.
فيفي : مش باين عليك.
نجيب : هوَّ يعني علشان ما اكون عيَّان لازم يشيلوني على نقَّالة!
فيفي : وعيَّان بإيه؟
نجيب : وأنا مجنون اقول لك أنا عيَّان بإيه، وحاسس بإيه؟ مستحيل أقول، ولو شنقوني.
فيفي : ليه بقا؟
نجيب : كده … ما أقولش أبدًا.

(لحظة صمت.)

فيفي (تنظر إليه قليلًا) : أحسن … برده ما تقولش.
نجيب : أنا نفسي ما يمكنش أقول.
فيفي : أيوه ما تقولش.
نجيب : ما أقولش أبدًا.
فيفي : أيوه كده.
نجيب : أيوه.
فيفي : نرجع للموضوع … الدكتور سامي ما قالش حايرجع هنا إمتى؟
نجيب : أؤكِّد لك لو قلت لك أنا عيَّان بإيه، مستحيل تصدَّقي.
فيفي : قلت لك خلاص ما تقولش … انتهينا.
نجيب : علشان كده ما يمكنش أقول.
فيفي : ما تقولش.
نجيب : أيوه ما أقولش.
فيفي : أيوه كده.
نجيب : أيوه.
فيفي : إذا كان الدكتور سامي مش راجع دلوقت، أقدر أسيب له كلمة (فجأة تضع يدها على ضرسها متألِّمة) آه.
نجيب (في لهفة) : ما لك؟
فيفي (تخرج منديلها وتضعه على فمها) : سنِّتي.
نجيب (في اهتمام وقلق) : بتوجعك؟
فيفي : قوي.
نجيب (يهرول في الحجرة كأنَّه يبحث عن شيء) : فين؟ فين؟!
فيفي : بتبحث عن إيه هناك؟ سنِّتي هنا (تشير إلى فمها).
نجيب : أيوه فاهم … أنا ببحث عن الدَّوا … فين الدَّوا … أولًا إيه هوَّ الدوا بالضبط؟ على كل حال أنا لازم أشوف لك طريقة … لأني مقدرش أشوفك متألمة من أي شيء … فين التمرجي؟ فين الدكتور؟ انت لازم لك واحد دكتور حالًا.
فيفي : انت مش بتقول انَّك دكتور؟
نجيب : آه … أيوه برضه … لكن حتى على فرض انِّي دكتور، ما اقدرش أعالجك انت.
فيفي : ليه؟
نجيب : مقدرش أقول لك ليه … المهم دلوقت، إيه اللي في إمكاني أعمله علشانك؟! سنِّتك بتوجعك قوي؟
فيفي : أيوه … دلوقت بس وجعتني مش عارفة ليه؟
نجيب : ورِّيني، افتحي بقِّك … فين السِّنة دي؟ (تفتح فمها فتظهر أسنانها) أوًّا ده ضرس مش سِنة … علشان تصدَّقي انِّي دكتور … ثانيًا فين هيَّ الأسنان؟ أنا مش شايف غير صفِّين لولي من الغالي! انت يلزمك واحد جواهرجي، مش واحد حكيم.
فيفي : لأ … أرجوك … ضرسي بيوجعني … شوف لي أي علاج حالًا.
نجيب : علاج زي إيه؟
فيفي : مش أنا طبعًا اللي أقول لك.
نجيب : أصل أنا بس مش حكيم أسنان.
فيفي : أمَّال حكيم إيه؟
نجيب (في تردد) : حكيم … (ينظر إلى عينيها الساحرتين) عيون … أيوه أنا حكيم عيون … لأنِّي أفهم في العيون … ودرست العيون … وقاسيت من العيون.
فيفي : لكن احنا دلوقت في الأسنان … واللي بيوجعني ضرسي.
نجيب : تأكَّدي ان ضرسك عزيز عليَّ قوي … لكن بقى مع الأسف.
فيفي : اسمع يا دكتور … أنا أعرف ان الألم دايمًا جاي من عصب الضِّرس؛ لمَّا الواحد ياكل حاجة مثلجة … ولذلك أي مسكِّن بسيط.
نجيب (بسرعة) : أيوه مسكِّن … عليك نور … أهو ده الدَّوا اللازم، بس كان تايه عن بالي … إنَّما بقى المسكِّن ده، يعني الواحد يتعاطاه سفوف، والَّا معلقة شوربة قبل الأكل، والَّا إيه؟
فيفي (تنظر إليه مليًّا) : يظهر انَّك مش دكتور أبدًا.
نجيب : دكتور في العيون بس يا افندم.
فيفي : ولا حتَّى في العيون.
نجيب : الله يسامحك … المهم عندي ان ألمك يزول بأي طريقة … أنا مصرَّح لك: اشتميني … اضربيني … أنا أفتكر ان أحسن مسكِّن هو انك تشغلي نفسك عن الألم ببهدلتي ولعن أبو خاشمي … أظن دي أحسن طريقة.
فيفي : لكن ده مش علاج طبِّي.
نجيب : مش ضروري العلاج يكون طبِّي … مش أنا حكيم … لكن أؤكِّد لك ان البلاوي التقيلة، ما تجيش الَّا من تحت راس الحكما.
فيفي (في سخرية) : انت حكيم مدهش!
نجيب : جايز … إنَّما الأصح انِّي بني آدم متألِّم دلوقت بشكل مدهش.
فيفي : مش باين عليك أبدًا.
نجيب : ما هو برده، ده من سوء حظِّي.
فيفي : ومع ذلك كونك انت كمان متألِّم، دا شيء ما يهمِّنيش.
نجيب : وانت إيه اللي بيهمِّك؟!
فيفي : المهم عندي حاجة تسكِّن ضرسي.
نجيب : ضرسك لسَّه بيوجعك؟
فيفي : أيوه.
نجيب : خالص؟
فيفي : خالص.
نجيب : أحسن.
فيفي : ازَّاي أحسن؟
نجيب : علشان تاني مرة تحرَّمي الوقوف قدَّام جروبي تاكلي (جلاس) … توجعي ضرسك وتموِّتي الناس!
فيفي (في دهشة) : وعرفت ازَّاي انِّي أكلت جلاس قدَّام جروبي؟
نجيب : حاجة بسيطة.
فيفي : لازم شفتني قبل دلوقت بشويَّة.
نجيب : لأ.
فيفي : أمَّال عرفت ازَّاي؟
نجيب : ما تعرفيش انِّي أقدر اقرا كل شيء في فكرك، وفي ضميرك، وفي قلبك؟
فيفي : حكيم روحاني حضرتك؟
نجيب : بالضبط!
فيفي (في تهكُّم) : أظن زي ما انت حكيم عيون؟
نجيب : أحسن شويَّة.
فيفي : طيِّب اقرا اللي في ضميري.
نجيب (يقف وقفة صناعية وينظر إليها مليًّا ثم يتنحنح) : في ضميرك إنِّي شخص ضيَّع وقتك بشكل غريب.
فيفي : كدَّاب.
نجيب (في فرح) : صحيح؟
فيفي : ما تسألنيش. العالِم الرُّوحاني الحقيقي، ما يسألش الزبون.
نجيب : بدِّي أطمئن.
فيفي : مش من وظيفتك انك انت اللي تطمئن، يا حضرة الساحر العجيب؟
نجيب : أؤكِّد لك إنك ألطف إنسانة شفتها.
فيفي : أنا مش عاوزة تقرا اللي في ضميرك انت!
نجيب : عندك حق … اللي في ضميري أنا مفهوم طبعًا … وسحرك انت بس اللي قدر يكشف ضميري.
فيفي : احنا في سحرك انت!
نجيب (فرحًا) : وأنا لي سحر؟!
فيفي : انت اللي بتقول.
نجيب (متذكِّرًا) : آه.
فيفي : قريت إيه كمان في فكري؟
نجيب (ناظرًا إليها مليًّا) : انت مدهشة!
فيفي : دا شيء مش في فكري طبعًا.
نجيب : انت مش بسيطة أبدًا.
فيفي : ومين بسيط في الزمن ده؟
نجيب : أنا بقرا في قلبك كلام يخوِّف.
فيفي : يخوِّف ليه؟ ويخوِّف مين؟
نجيب : يخوِّفني.
فيفي : يخوِّفك انت؟ انت كل حاجة تحشر نفسك فيها؛ حتَّى قلبي؟
نجيب : يا ريت أقدر أنحشر في قلبك.
فيفي (تبتسم) : إيه بقى اللي خوِّفك؟
نجيب : أولًا بصِّيت في قلبك لقيته فاضي، أفضى من جيب نجيب من قبل عشر دقايق!
فيفي : كدَّاب.
نجيب : ازَّاي؟! قلبك مش فاضي؟
فيفي : لأ.
نجيب : مشغول؟
فيفي : طبعًا.
نجيب (في فرح) : كويِّس … تسمحي لي بقا أسألك سؤال واحد؟
فيفي (في تقطيب) : أنا عارفة السؤال الواحد ده، وما أسمحش به أبدًا.
نجيب : لأ … اعملي معروف، أنا محسوبك، متجيش لغاية النقطة الحساسة وتعاكسيني … كلمة واحدة يتوقَّف عليها مستقبل حياتي.
فيفي : كلمة إيه؟
نجيب : مين هوَّ؟ … مين هوَّ السعيد اللي …؟
فيفي : مستحيل … يظهر اني تساهلت معك في الكلام أكتر من اللازم … عاوز كمان تعرف أسراري الخصوصيَّة؟!
نجيب : وما له؟ انت أولًا أجمل وأذكى وأشجع آنسة مصرية عرفتها.
فيفي : مش عاوزة تقريظ من فضلك.
نجيب : تقريظ؟ دي حقائق، أنا عاوز أقول لك انك زي ما ظهر لي، واحدة مش بسيطة من بتوع زمان … انت واحدة فاهمة كل شيء في الدنيا … تعليم، وتهذيب، وذكاء … بالطبع دي أكبر قوَّة وأعظم سلاح في يد السِّت، تقدر تعيش به في وسط العفاريت … إيه اللي يهم واحدة زيِّك دلوقت، انها تكون صريحة مع واحد زيِّي؟!
فيفي : ما تبلفنيش من فضلك.
نجيب : مش بلف أبدًا والله.
فيفي : عاوزني أكون صريحةً في إيه؟
نجيب : أولًا، أنا مش عاوز أعرف إنت مين … ولا ماركة أتوموبيلك إيه، ولا ساكنة فين!
فيفي : أمَّال عاوز إيه؟
نجيب : عاوز أعرف بكل صراحة … فاهمة؟ بكل صراحة، مين هوَّ المخلوق اللي شاغل قلبك؟
فيفي : واحد من الناس.
نجيب : مفهوم، قصدي مين هوَّ يعني؟
فيفي : وإيه يهمَّك إن كان زيد والَّا عمرو؟
نجيب (في تردُّد) : هوَّ موجود؟
فيفي : طبعًا على قيد الحياة.
نجيب (متردِّدًا) : لأ … قصدي موجود … هنا؟
فيفي : أيوه … موجود في مصر.
نجيب (خائفًا) : قصدي، كمان، يعني … بس جاوبيني بالصَّراحة … فاهمة؟ بكل صراحة هوَّ موجود هنا في الأودة دي، والَّا لأ؟
فيفي (مندهشة) : سؤال غريب؟
نجيب : عاوز الصراحة … هوَّ موجود قدَّامك دلوقت، والَّا لأ؟!
فيفي : طبعًا لأ.
نجيب (يحاول الهدوء) : آه.
فيفي (تلاحظ تغيُّره) : ما لك؟
نجيب : لأ … مفيش حاجة أبدًا … يعني قصدك انُّه واحد تاني … مش موجود هنا؟
فيفي : طبعا.
نجيب (يُطرق) : آه.
فيفي (تنظر إليه) : زعلت؟
نجيب (يرفع رأسه) : لأ … ما فيش زعل أبدًا.
فيفي : أظن أنا جاوبتك بصراحة، زي انت ما طلبت تمام؟
نجيب (في إطراق) : أيوه … تمام … مِرسي.
فيفي : أقدر أقول لك كمان، إذا كنت عاوز إيضاح أكثر من كده، إنُّه خطيبي.
نجيب : مش مهم.
فيفي : وإنُّه حكيم زيَّك، لكن يمكن يعرف صنعته أحسن منَّك شويَّة.
نجيب : طبعًا.
فيفي : أقدر أقول لك، إنَّك يمكن تعرفه.
نجيب : جايز.
فيفي : وإنه ربَّما يكون صاحبك.
نجيب : زي بعضه.
فيفي : تستعلم عن حاجة تانية كمان؟
نجيب : لأ … خلاص متشكِّر … ده كل اللي أنا كنت عاوز أعرفه … نهارك سعيد.

(يًنحني ويتناول سيجارته التي ألقاها على الأرض، ويمسحها في كمِّه، ويضعها في فمه … صمت طويل.)

نجيب : نهارك سعيد. (يتَّجه إلى الباب ليخرج).
فيفي (تنظر إليه باسمة، وعندئذ تتحرَّكَ نحو الباب الآخر) : يا عوضين! (تخرج).

(نجيب لا يزال يفكِّر.)

سامي (داخلًا من الباب الواقف أمامه نجيب) : انت لسَّه هنا … لسَّه هنا ومعاك جنيه؟! مارحتش ليه تبحث عن صاحبتك.

(نجيب ينظر إليه ولا يجيب.)

سامي (يترك نجيب ويُهرع باحثًا) : فيفي … (لنجيب) فيفي خطيبتي هنا. ما شفتهاش؟
فيفي (تدخل) : سامي!
سامي : أنا يظهر رحت لك من هنا، وانت جيتي من هنا … تعالي أولًا، لمَّا أقدِّم لك نجيب صاحبي وصديقي وجاري في السَّكن (يقدِّم أحدهما للآخر).
فيفي (بتهكُّم) : تشرَّفنا.
نجيب (لا يجسُر على النظر إليها) : تشرَّفنا يا افندم.
فيفي : حضرته طبعًا حكيم زيَّك يا سامي.
سامي : أبدًا … ده موظف مهم.
فيفي (لنجيب في تهكُّم) : كده؟!
سامي : وفضلًا عن ذلك، معروف في كل مكان، انه من أظرف شخصيات البلد، ما يغرِّكيش إنه واقف كده مبلِّم، زي اللي خطفوا محفظته … ده بس علشان حصلت له حادثة من مدة نصف ساعة.
فيفي : حادثة إيه لا سمح الله؟
سامي : شاف واحدة في أتومبيل قدَّام جروبي بتاكل جلاس …
نجيب (بسرعة) : قصدي حادثة أتوموبيل … كان حايحصل تصادم.
سامي : بلاش كدب يا نجيب.
فيفي : وجرى إيه؟
سامي : ما فيش تصادم ولا حاجة … الحكاية كلَّها إنه بيحب.
نجيب (في حيرة) : كلام إيه ده يا سامي؟
سامي : فيفي «سبور» ما تخفش … هو الحب عيب؟ مش كده يا فيفي؟ بدليل اننا حبِّينا بعض.
فيفي : طبعًا يا سامي.
نجيب (يدير وجهه ويتحرَّك) : نهاركم سعيد!
سامي : الله … انتظر … قل لنا نويت على إيه … احنا لازم نساعدك ونشوف لك طريقة … ما دمت أوِّل ما شفتها اتلخمت، وغرقت في شبر ميَّه، ولا عرفتش هيَّ مين ولا ساكنة فين؟ فأظن مش لطيفة إنَّا نسيبك كده وحلان لشوشتك.
نجيب : أرجوك يا سامي تريَّح نفسك من جهتي!
سامي : إنت مكسوف تقول انك بتحب؟
نجيب : وبعدين معاك؟!
سامي : انت مش قايل لي أبلَّغ عن وفاتك؛ لأن عينيها قتلتك ومُت خلاص، وانضربت بالرصاص، ولا تقدرش تعيش من غيرها … حصل والَّا ماحصلش؟
فيفي : للدرجة دي؟
نجيب : كلام.
فيفي : طبعًا كلام!
نجيب : والدَّليل على كده، إني عايش أهوه كويِّس، بصحة جيدة أربعة وعشرين قيراط.
فيفي : دا من حسن الحظ.
سامي (وهو يخلع جاكتِّته ويرتدي معطف العمل) : ما تصدَّقيش! شوفي وشُّه أصفر ازَّاي؟ أنا أراهن إن ما كان وزنه نزل النُّص.
نجيب (صائحًا) : يا سيدي ما لكش دعوى بوزني اعمل معروف! انت حد مسلَّطك عليَّ النهارده؟!
سامي : شوف انت بقيت عصبي ازَّاي؟ ما يصحِّش توصل حالتك للدرجة دي وأسيبك.
نجيب : وعاوز منِّي إيه بقا انت دلوقت؟
سامي : أشوف لك طريقة حالًا … أنا كنت الأول مستعجل، ودلوقت فضيت لك … اسمع: أحسن حل انك تروح (جروبي) وتسأل …
نجيب : أسأل عن إيه؟
سامي : عن الست صاحبة الأتومبيل الفخم اللي كانت بتاكل جلاس، يمكن تكون معروفة هناك.
نجيب : طيِّب وان عرفتها يجرى إيه في الدنيا؟ إيه اللي راح يتغيَّر في حياتي؟
سامي : إيه التغفيل ده؟ إن عرفتها تبقى خلاص المسألة انحلِّت، تبقى نجحت يا عزيزي واهنِّيك، واستحق منك الحلاوة. مش كده والَّا إيه يا فيفي؟
فيفي (باسمة) : بالتأكيد!
نجيب (خافتًا وهو ينظر إليها) : شيء غريب!
سامي : يلَّله طيران على جروبي … ما تضيَّعش دقيقة واحدة!
نجيب (يتحرَّك) : حاضر … نهاركم سعيد.
سامي (بسرعة) : انتظر يا نجيب (يدنو منه ويهمس إليه) … اسمع … انت مش لازم لك كمان فلوس؟
نجيب : لأ.
سامي : عجيبة! لأول مرة في حياتك، الفلوس مش لازماك!
نجيب (يخرج الجنيه من جيبه) : خد … ده كمان مش لازمني.
سامي (في دهشة) : مش ممكن!
نجيب (يعطيه الجنيه) : لأول مرة في حياتي أسلِّف فلوس!
سامي : قصدك … ترد السَّلف.
نجيب : الاثنين واحد، نهارك سعيد.
سامي : اسمع … ورايح تقابلها ازَّاي، وانت ما معكش فلوس.
نجيب (صائحًا) : أقابل مين؟ مين هيَّ اللي أقابلها؟ ما تقولش الكلام ده بقا، أحسن ما يحصلَّكش طيِّب … أنا مش مقابل حد أبدًا … سبني اعمل معروف بقا، خلِّيني أروح لأشغالي … أنا واحد عندي شغل في الوزارة … وانت النهارده ضيَّعت وقتي النفيس!
سامي : وقتك النفيس (يلتفت إلى فيفي) بقول لك أصبح عصبي … ما كانش كده أبدًا.
فيفي (لنجيب في تهكُّم خفي) : اشرب فنجان ينسون دافي يا نجيب بك!
نجيب (ينحني) : أشكرك!
سامي : صحيح … الينسون الدافي ده مدهش.
نجيب : حاضر! حاشرب ينسون دافي.
فيفي : وحمَّام سخن قبل النوم.
نجيب : حاضر.
سامي : صحيح الحمَّام السُّخن قبل النوم مدهش.
نجيب : آخذ حمَّام سخن!
فيفي : وخد بعد كده …
نجيب : إيه تاني … دُش بارد كمان؟! اعملوا معروف كفاية … اسمحوا لي أروح لحالي.
فيفي : «الباكار» بتاعتي تحت، تقدر توصَّلك.
نجيب : ممنون … أنا ما اركبش لا باكار ولا دوكار.
سامي : سيبيه يمشي على رجليه … ودا وِش نعمة؟
فيفي : علشان أظن البك مستعجل … احنا يظهر ضيَّعنا وقتك النفيس يا نجيب بك؟!
نجيب : بشكل غريب!
سامي (يلتفت إليه مقطِّبًا) : ازَّاي؟
نجيب (صائحًا منفجرًا) : أقسم بالله العظيم، لو تكلَّمت كلمة زيادة، لأطربأ عليك العيادة، وزي ما ترسى … أنا لا قابلت ست في جروبي بتاكل جلاس، ولا سِم هاري … والحكاية ملفَّقة من أولها لآخرها، علشان ألطش منَّك جنيه … ولو أسمعك تجيب لي سيرة الست دي مرة تانية، أنا أضربك بالرصاص!
سامي : الرصاص إيَّاه اللي انضربت به النهارده؟!
نجيب : أنا باكلِّمك جد … وانت الجاني على نفسك.
سامي : انت جرى لك إيه يا نجيب؟
نجيب : أنا متأسِّف أكلِّمك باللهجة دي قدَّام الست … لكن أنا مضطر (لفيفي) ما تأخذنيش!
فيفي (باسمة) : خد راحتك في الكلام.
سامي : معذور! أنا مش قادر أفهم يا نجيب، ازَّاي تيئس للدرجة دي؟ احنا نبحث لك عنها يا سيدي من تحت الأرض … بس اهدأ وروَّق دمَّك، وكن مطمئن … دي مسألة في غاية البساطة … أنا أتعهَّد لك وأكون مسئول.
نجيب : أصل المصيبة انك ما بتفهمش عربي أبدًا … دماغك متركِّبة شمال … أعمل لك إيه؟ الأمر وما فيه يا سيدنا الأفندي، ان حكاية ما لهاش أساس بالمرة. فهمت كلامي؟ يعني لا كان فيه ست، ولا جلاس، ولا أتوموبيل.
سامي : مفهوم … لأنك ضيَّعت ده كلُّه بلخمتك.
نجيب : ما فيش فايدة!
سامي : لأنك انت لما تحب.
نجيب (مقاطعًا) : قلت لحضرتك ما فيش حب!
سامي : كده؟!
نجيب : تصدَّق ما تصدَّق انت حر … أولًا، أنا ما أقدرش أدخل جروبي، لأن مرسيل اللي واقف على البار، له في ذمِّتي ٢٠ جنيه، من حساب وغيره.
سامي : حتَّى البارمان اللي واقف على البار؟ والله انت لو دخَّلوك الجنة، برده تستلف من سيِّدنا رضوان، اللي واقف على الباب!
نجيب : ما حدِّش له بيَّ شأن.
فيفي : طبعًا ما لناش شأن أبدًا.
نجيب : على كل حال … يكون في معلومكم، اني ما أحبِّش الست اللي كانت بتاكل جلاس قدَّام جروبي … ما احبِّهاش … أنا حر … ما احبِّهاش أبدًا … حد شريكي؟ بالعكس … أنا أكرهها دلوقت، زي ما اكره فاتورة الحساب! فاهمين … ما احبِّهاش … ما احبِّهاش.
سامي : أقطع دراعي ان ما كان ده هوَّ الحب.
فيفي (ضاحكة وتقول بصوت خافت) : مسكين يا نجيب!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤