الفصل الثالث

(عين منظر الفصل الثاني … أي شقَّة نجيب … نحيب واقف بقُرب الجراموفون يسمع أسطوانة (La petite Tonkinoise) لجوزفين بيكر وهو يتحرك كأنه يرقص على أنغامها … ولا تكاد الأسطوانة تصل إلى رُبعها حتى يدخل سامي.)
سامي (في اهتمام واندفاع) : نجيب!
نجيب (يشير إلى الأسطوانة) : هس! اسمع النَّغمة دي!
سامي : المسألة مهمَّة قوي … فُضك من البتاع ده دلوقت.
نجيب (يوقف الفونوغراف في تبرُّم) : هه! ما لك بقى يا سيدي … ادَّوشت وقل مزاجي!
سامي : شوف يا نجيب … المسألة اني أنا وقعت من السما.
نجيب : وانا تلقَّفتك … ماعندكش شغل أبدًا غير انك تقع من السما؟
سامي : الحقيقة انهم مسألتين، مش مسألة!
نجيب : كمان؟!
سامي : أولًا، الخاتم الألماس بتاعك.
نجيب : ما له؟
سامي : راح.
نجيب : راح ازَّاي؟ يخرب بيتك.
سامي : راح من إيدك … من إيدينا … لأني خلاص قدَّمته شبكة لفيفي! وانت إذا كنت تحب، أكتب لك به كمبيالة، بأي مبلغ يعجبك، يدفع على أربع سنين، كان بها … وإذا كنت تحب تشنقني، اشنقني … أنا بين إيديك، واللي تعمله اعمله!
نجيب : تذكار أمِّي يا جدع انت!
سامي : أنا غلطت وورِّيته لفيفي مسكت فيه … اضطرِّيت أقول لها انه الشبكة! ونسيت ساعتها انه تذكار أمَّك … (يستدرك) والدتك! الحقيقة انه خاتم مدهش يا نجيب … كلّ من شافه يستعجب! مافيش بضاعة زي دي دلوقت عند الجواهرجيَّة!
نجيب : وأهلها قالوا إيه؟
سامي : فرحوا طبعًا … وبقوا يورُّوه لمعارفهم … أنا قلت لهم تمنه ٦٠٠ جنيه.
نجيب : ده اللي ينتظر منَّك.
سامي : أبدًا … الواقع انه يساوي كده برده … عند نجيب الجواهرجي خاتم ما يجيش ربعه، مكتوب عليه ٣٠٠ جنيه!
نجيب : انت لو كنت رهنته على ١٠٠ أو ٢٠٠ جنيه، ماكنتش حاتقدر تقدِّم شبكة بالعظمة دي!
سامي : ما هو ده نفس اللي أنا شفته برده!
نجيب : احترموك طبعًا … ورقبتك بقت أطول من الباب ده.
سامي : طبعًا.
نجيب : وخطيبتك مبسوطة بالتأكيد.
سامي : فيفي حاتطير به طيران … لابساه في اصبعها، ودايره تفرجه للناس!
نجيب (في صوت خافت) : دا المهم!
سامي (بعد لحظة في تردُّد) : لكن بس …
نجيب (يرفع رأسه نحوه) : إيه بقى؟
سامي (في تردُّد) : انت مش زعلان يا نجيب!
نجيب : علشان إيه؟
سامي : علشان الخاتم ضاع … لأنه لو كان اترهن على أي مبلغ، كان برده على الأقل، فيه أمل انه يرجع لك في أي وقت! لكن دلوقت مافيش أمل أبدًا!
نجيب : طيِّب وعاوز منِّي إيه بقى دلوقت؟
سامي : ولا حاجة … انت اللي عاوز منِّي!
نجيب : عاوز منَّك إيه؟
سامي : من حقَّك انك تزدريني، على الأقل، وتحتقرني؛ لأني زوِّدتها خالص!
نجيب : مش فاضي انا دلوقت أحتقرك.
سامي : سكوتك يا نجيب بيخوِّفني.
نجيب : ما تخافش.
سامي : ضميري بيوبِّخني.
نجيب : وآخرتها معاك بقى؟ انت عارف أنا ما ليش تقل على الفلسفة … ضميرك يوبِّخك، يهزَّأك، يرقَّعك بالصَّرمة، أنا دخلي إيه؟!
سامي : طيِّب.
نجيب : آدي مسألة فاتت … إيه بقى المسألة التانية؟
سامي : المسألة التانية.
نجيب : انطق.
سامي : كتب الكتاب.
نجيب : ما له.
سامي : كان غرضي يتمُّ في أقرب فرصة.
نجيب : وجرى إيه؟
سامي : فيفي مصهينة شوية، وقاعدة تماطل وتمطوح.
نجيب : وإيه السَّبب؟
سامي : مش قادر أفهم.
نجيب : من امتى الكلام ده؟
سامي : أخيرًا.
نجيب : طيِّب، وانت مستعجل على إيه؟
سامي : ازَّاي … انت عبيط؟ لازم تنتهي بسرعة قبل ما يخلَّصوا منِّي القرشين (نجيب ينظر إليه شزرًا) بتبص لي كده ليه؟ مش عاجبك كلامي؟ أنا شايف اني باتكلِّم بعقل.
نجيب : بعقل زيادة عن اللزوم.
سامي : أصل الموضوع ده بالذات عايز كده!
نجيب : بالعكس.
سامي : انت مش فاهم مركزي يا نجيب … أنا أقل واحد تجرأ انه يخطب فيفي! دي تقدَّموا لها أكبر ناس في مصر، ورفضتهم … انت نايم؟ دي معروفة في البلد كلِّها، انها لقطة وحيدة، اللي ينولها كأنه نال.
نجيب (في تهكُّم) : البنك الأهلي؟
سامي : السعادة في الدارين!
نجيب : دا صحيح!
سامي : ولذلك أنا عايز أطمئن.
نجيب : طبعًا!
سامي : عايز أعمل كل جهدي، إن كتب الكتاب ينتهي في ظرف أسبوع.
نجيب : أسبوع؟! هوَّ الزواج سلق بيض يا حضرة الأفندي، والَّا هيَّ العبارة نهب! اهدأ وابرد وتعفُّف شوية! انتم ليه كده ناس بطَّالين شبَّاحين! الدنيا بخير ولله الحمد. ولا حدِّش بيموت من الجوع … وانت عندك ألف مدعوق مصري في البنك!
سامي : يعني تفضَّل اني أترك لهم حرية تحديد اليوم اللي يعجبهم؟
نجيب : بالتأكيد!
سامي : فكرة … برضه؛ علشان ما اظهرش قدَّامهم بمظهر اللَّحوح الملهوف!
نجيب : ما فيش عندك غير انك تظهر بالمظهر! … برضه تفكيرك مش عاجبني أبدًا!
سامي : ليه؟
نجيب : أنا والله خايف انك ما تستحقِّش عروسة جميلة زي دي!
سامي (في قلق) : ازَّاي؟ لأ … ما تخوِّفنيش امَّال!
نجيب : ما عندكش عواطف أبدًا.
سامي (يتنفَّس الصُّعداء) : لأ … عندي … اطمئن … العواطف دي موجودة دايمًا فوق البيعة!
نجيب : البيعة؟ شوف برضه، ألفاظك مش عاجباني!
سامي (يصيح) : وبعدين بقى … انت حاتطيَّر لي برج من عقلي … جاتك البلا … سمج! أنا مش ضروري أعجبك انت … أنا ما دمت عاجب فيفي طظ في حضرتك، وفي الدُّنيا كلها!
نجيب (يطرق) : أنا كل قصدي انك تعجبها!
سامي : عاجبها غصب عنَّك!
نجيب : دا المهم … (صمت … ينهض ويتَّجه إلى الجرامفون ليدير الأسطوانة).
سامي : بلاش فونوغراف دلوقت … اعمل معروف، خلِّينا نتكلِّم شوية!
نجيب : عاوز منِّي إيه كمان؟
سامي : ولا حاجة!
نجيب : طيِّب خلاص بقى اعتق رقبتي!
سامي : ما تخافش … خلاص عتقتك … أنا كان غرضي أسألك عن أحوالك انت!
نجيب : أحوالي أنا عال قوي … كتَّر خيرك!
سامي : على فكرة … السِّت اللي كنت قابلتها في جروبي بتاكل جلاس، ووقعت في حبِّها! ما فيش خبر عنها أبدًا؟
نجيب : لأ!
سامي : أنا متأسِّف اني غرقان لشوشتي في مسألة فيفي، زي ما انت شايف … والَّا أنا كنت حالًا شفت لك طريقة!
نجيب : ممنون!
سامي : وأحوالك الماليَّة ماشية؟
نجيب : أحوالي الماليَّة فتحت بصعود ٥ بنط، وقفلت بنزول بنطين!
سامي : هيَّ إيه؟
نجيب : البورصة!
سامي : بورصة إيه؟
نجيب : أعمل لك إيه؟ حضرتك بتسألني إذا كانت أحوالي الماليَّة ماشية؟ أقول لك إيه بس؟ شيء يجنِّن! تاجر أقطان أنا في بورصة مينا البصل؟! من امتى كان لي أحوال ماليَّة، ماشية، والَّا قاعدة؟
سامي : أنا غرضي أسألك عن الحجز المتوقِّع على عفشك، لسَّه ماشي والَّا.
نجيب : طبعًا ده ماشي … امَّال حايروح فين؟
سامي : وامتى تحدِّد يوم البيع؟
نجيب : ما اعرفش … اسأل عبد الله البوَّاب … هوَّ اللي تعيِّن حارس!
سامي : على الله من هنا ليوم البيع، يجي لك قرشين.
نجيب : منين ييجوا القرشين … ما دام ما انفتحت لناش الجيوب، ولا القلوب!
سامي : طبعًا انت عارف ظروفي صعبة!
نجيب : جدًّا.
سامي : على كل حال ربنا يفرجها من فضله.
نجيب : والله أنا في غاية الخجل من ربنا … لأنه سبق فرجها كتير من فضله!
سامي (ينهض للانصراف) : مش كتير عليه المرة دي كمان.
نجيب : انت قايم؟
سامي : أيوه … علشان ورايا ميعاد.
نجيب : مع خطيبتك طبعًا.
سامي : بالطَّبع مع فيفي!
نجيب : طيِّب … مع السَّلامة.

(سامي يخرج بعد أن يحيِّي بإشارة.)

(نجيب ساهم بلا حراك لحظةً.)
عبد الله (يدخل ومعه ورقة) : سيدي نجيب بك!
نجيب : أفندم.
عبد الله : النهارده كام في الشهر؟
نجيب (في ارتياع) : ليه بقى الله لا يسيئك!
عبد الله : لأ … ما فيش حاجة … ما تخافش.
نجيب : ما انتش جايب وراك مصيبة النهارده؟
عبد الله : لأ … ما فيش لا سمح الله مصايب … واحنا ما لنا وما لها … شر برَّه وبعيد!
نجيب : أمَّال الورقة اللي في إيدك دي إيه؟
عبد الله : لأ … دي لسَّه ما جاش وقتها!
نجيب : الحمد لله.
عبد الله : روَّق بال جنابك.
نجيب : أصل انت دايمًا تيجي تطلَّع على جتِّتي البلا، من غير مناسبة!
عبد الله : لأ … خلاص ان شاء الله، ما يجيش على قدومي إلَّا الخير.
نجيب : طيِّب يا سيدي … عشمنا كده برده.
عبد الله : الغرض وما فيه … أنا كنت عايز أقول لحضرتك!
نجيب : إيه … إيَّاك انت جاي طالب منِّي فلوس؟
عبد الله : برده ما أقدرش أكدِّب حضرتك في دي! لكن بقى!
نجيب : لكن بقى إيه؟ أنا كان أملي تطلَّعني مرة كدَّاب في دي.
عبد الله : على كلِّ حال دي مسألة مش مهمَّة دلوقت.
نجيب : أيوه كده اعمل معروف … فُضِّنا من المسائل اللي مش مهمَّة! انت كنت طالع ليه بالظبط؟
عبد الله : هو النهارده مش ١٢ في الشهر؟
نجيب : النهارده ١٤.
عبد الله (صائحًا) : ١٤ في الشهر؟ يا خبر اسود!
نجيب (في هلع) : اسود ازَّاي؟
عبد الله : النهارده مصيبة مستنظرانا، ولا احناش داريين!
نجيب : قلت لك كده، تقول لي ما فيش مصايب النهارده! إيه بقى يا سيدي قول … تكلَّم … موِّتني … هات خبري بالعجل!
عبد الله : المحضر، كان قال إن يوم البيع ١٤ الشهر ده!
نجيب : ١٤ أبريل!
عبد الله : جنابك مش عارف؟
نجيب : أعرف منين؟
عبد الله : أنا سلَّمت لجنابك صورة من ورقة الحجز زي دي … (يقدِّم الورقة).
نجيب : وانت فاهم اني لاقي نفسي، علشان اقرا محاضر حجز، وأفوَّر دمِّي، قبل الميعاد؟
عبد الله : طيِّب خد جنابك استقرا الورقة دي، وشوف، يمكن احنا غلطانين.
نجيب : هات يا سيدي ورِّيني … (يتناول الورقة وينشرها ويقرأ الآتي):
محضر حجز تنفيذي … إنَّه في يوم الأحد ٢ مارس سنة ١٩٣٢م الساعة ١٠:٤٥ افرنكي صباحًا … بناء على طلب الخواجات جبران سعد الله وإخوته، المتَّخذين لهم محلًّا مختارًا، مكتب حضرة فرغلي أفندي المحامي … والاطَّلاع على صورة محضر الحجز التحفُّظي، الرقيم ٧ فبراير سنة ١٩٣٢م، المحكوم بتثبيته، وعلى الحكم الصادر غيابيًّا، من محكمة مصر الأهلية، في القضيَّة المدنيَّة نمرة ٤٨١٦ سنة ١٩٣٢م، المشمول بصيغة التنفيذ والنَّفاذ، ومعلن قانونًا وموكَّل لنا بتنفيذه … أنا عبد الحميد قزمان، محضر محكمة مصر الأهلية، وصلت إلى شارع قصر النيل، وبمساعدة شيخ القسم، قد تواجدت بالمسكن استئجار المدَّعى عليه نجيب أفندي إحسان، فلم أجده، ونبَّهت على تابعه، بوَّاب العمارة عبد الله خميس، المقيم معه في معيشة واحدة، بدفع مبلغ ٥٦٨٠ قرشًا، قيمة المحكوم به، والمصاريف وأتعاب المحاماة … فأجاب أن المدَّعى عليه غائبٌ، ولعدم الدَّفع، دخلت العين المؤجَّرة، وأوقعت الحجز التنفيذي على الآتي: عدد ١ ترابيزة وسط خشب أبيض بأربعة أرجل مستعملة سليمة … عدد ١ كنصول خرزان وعليه رخامة بيضاوي سليمة … عدد ١ بساط قطيفة مبرِّد ٤ × ٥ … عدد ٣ براقع ستاير خشب مشجَّر بحلية قطيفة … عدد ١٢ كرسي خرزان ببويه بنِّي؛ عدد ١ سرير خشب بلدكان ببويه بيضة، وعليه ملَّة خشب بسلك، وثلاث مراتب نوم بوجه تيل مقلِّم حشو قطن، ومخدَّتين نوم بوِش ستانية أخضر، ولحاف ستنانيه بمبه … عدد ٤ حلل نحاس بغطاهم من فوق بعض وزن الجميع ١٥ رطل … عدد ١ أنجر نحاس أربعة أرطال … (نجيب يقطع القراءة ويلتفت إلى عبد الله في فرح) والصالون ده نسيوه؟
عبد الله : ازَّاي؟ محجوز عليه برده … استقرا جنابك ضهر الورقة، تلاقي بقيَّة القايمة.
نجيب (يقرأ) : عدد ٦ كنبة وفوتيل وكراسي صالون … عدد ٣ طاولة كبيرة وصغيرة … وعدد ١ فوتوغراف ماركة جرامفون وعشر أسطوانات أفرنجية وعربية مستعملة سليمة … (نجيب يقطع القراءة ويلتفت إلى عبد الله) حتَّى الجرامفون والأسطوانات يا عبد الله؟ دول قشَّطونا تمام … وجرَّدونا وخربوا بيتنا.
عبد الله : استقرا … استقرا … لسَّه كمان.
نجيب (يقرأ) : عدد ا دولاب ملابس بضلفتين وبمرآة مصقولة سليمة … عدد ٣٤ قطعةً فقط لا غير، ولم نجد خلاف ذلك، ولعدم وجود … (نجيب يلتفت لعبد الله) ازَّاي ما وجدوش خلاف ذلك؟ بقى ده كل العفش؟!
عبد الله (يغمز بعينيه) : أصل أنا، كلام في سرِّ جنابك، هرَّبت الباقي … التناتيش الخفيفة.
نجيب : كنت بالمرة هرَّب العفش كلُّه يا عبيط.
عبد الله : ازَّاي أهرَّبه؟ ده يبقى اسمه عزل … وانا صنعتي هنا بوَّاب العمارة … أقوم أعزل شقَّة بحالها، من غير علم صاحبها؟ وأعزل، حضرتك، فين؟
نجيب : النِّهاية … أهو المحضر هوَّ اللي عزلنا … (يعاود القراءة) … فقط لا غير، ولم نجد خلاف ذلك، ولعدم وجود من يقبل الحراسة؛ فقد عيَّنت عبد الله خميس، بوَّاب العمارة، حارسًا على جميع ما حجز عليه، وحذَّرته بالقانون، وقبل الحراسة، وحدَّدت لمبيع المحجوزات، يوم الاثنين ١٤ أبريل سنة ١٨٣٢م، من الساعة ٩ صباحًا لآخر النهار.
عبد الله : يعني النهارده.
نجيب (يستمرَّ في القراءة) : وحرَّرت هذا المحضر، وتركت للمدين صورة، مخاطبًا مع تابعه عبد الله خميس، لغيابه، وسلَّمت له صورة بصفته حارسًا.
عبد الله : وقال لي: إن ضاع جنس شيء، من اللي مكتوب في القايمة، أروح أنا في الحديد.
نجيب : طبعًا.
عبد الله : لكن أدحنا بقينا العصر، ولا فيش حد جه باع ولا اشترى! يكنوش نسيوا؟
نجيب : ينسوا ازَّاي؟ طوِّل بالك، دلوقت تتفرَّج على بهدلتنا قدَّام اللي يسوَا واللي ما يسوَاش!
عبد الله : وإيه العمل دلوقت؟
نجيب : مافيش عمل بالمرة.
عبد الله : بس لو كانش راح من بالي ان النهارده ١٤ في الشهر!
نجيب : يعني كنت حاتعمل إيه يا سي عبد الله؟ دا حتى أحسن اللي راح من بالك … على الأقل، علشان ما نزعلش قبل الهنا بسنة … فُضك بلا وجع دماغ … دا أنا لو كنت اكدَّر خاطري علشان مسائل زي دي؛ كان زماني توفِّيت بقالي ١٥ سنة، ومدفون النهارده في قرافة المجاورين (يتَّجه إلى الجرامفون) اسكت لمَّا اسمع الأسطوانة المدهشة، قبل ما ييجوا ياخدوا الفونوغراف!
عبد الله : لك حق … جنابك فرفش … ما حد واخد منها حاجة!

(يخرج عبد الله … نجيب يدير الأسطوانة التي أدارها في أول الفصل «لجوزفين بيكر»، ثم يتحرَّك راقصًا على أنغامها، في قوَّة وعدم اكتراث.)

(فيفي تدخل فجأة بعد لحظة؛ فترى نجيب يرقص وحده في الحجرة، على نغم الأسطوانة؛ فتقف باسمةً مشاهدةً … ويراها نجيب فلا يغيَّر ما هو فيه … ويظل يرقص، غير حافل بوجودها، وتسَرُّ فيفي من حركاته؛ فتجلس على مقعد أمامه تتفرَّج … ولا تتمالك أحيانًا من الضحك؛ لحركاته الفكاهية … إلى أن تنتهي الأسطوانة؛ فيرفع نجيب الإبرة، وهو يصفر بفمه.)

فيفي (في ابتهاج) : مدهش! أرجوك تعيد الأسطوانة دي كمان مرة.

نجيب (ينظر إليها من رأسها إلى حذائها ولا يجيب).

فيفي (في امتعاض) : بتبص لي كده ليه؟
نجيب : شيء جميل خالص!
فيفي : إيه هوَّ اللي جميل خالص؟
نجيب : أولًا، دخول حضرتك على طول كده، كأنها وكالة من غير بوَّاب!
فيفي : كنت عايزني أضرب جرس الخطر؟ كان زمانك دلوقت، جوَّا الغوَّاصة بقالك ٥ دقايق، في الحر ده!
نجيب : سيادتك مش غلطانة المرَّة دي في دور سامي؟
فيفي : لأ أبدًا … أنا عارفة إن دي الأبَّارتمان بتاعتك.
نجيب : طيِّب … بقى، أنا أحب أعرف بسرعة، سبب التشريف.
فيفي : اسمع أمَّا أقول لك، قبل كلِّ شيء، انت يجب تغيِّر بسرعة لهجتك دي، وتكلِّمني بسرعة بشكل ألطف من كده، والَّا، انا وحياة راس بابا، أجنَّنك وأورِّيك النجوم الضهر!
نجيب : وحياة راس ماما، أنا شايف النجوم الضهر والصبح والعصر وطول النهار … ومش منتظر سيادتك دلوقت؛ علشان تورِّيهم لي!
فيفي : ليه بقى؟ إيه اللي مزعَّلك؟
نجيب : فيه ألف سبب وسبب!
فيفي : ومع ذلك، أنا دخلت فجأة لقيتك مبسوط، بترقص على الجرامفون!
نجيب : الطير يرقص مذبوحًا.
فيفي (في اهتمام) : انت متألِّم من إيه؟ أرجوك تقول لي حالًا.
نجيب : أقول لك انت؟!
فيفي : إيه المانع؟
نجيب : مستحيل!
فيفي : مانتش واثق منِّي؟
نجيب : يا سيِّدتي العزيزة … أرجوك ترك الموضوع ده نهائيًّا، نتكلِّم في شيء مفيد؛ إن كان لا بد من الكلام.
فيفي : انت بتحب.
نجيب : شوفي انت ازَّاي حاتزعَّليني منِّك، وتخلِّيني ابقى مش لطيف، ودمِّي يفور، وأتكلِّم كلام فارغ كتير … وبعد كده تحلفي انَّ انا اللي محقوق.
فيفي : طيِّب خلاص … مش حأقول حاجة.
نجيب : انت كنت جاية علشان إيه؟
فيفي : كنت جاية علشان.
نجيب : أفندم؟
فيفي : علشان أورِّيك الشبكة، اللي قدَّمها لي سامي … خاتم عجيب! شوف … (تريه الخاتم وهو في إصبعها) فصِّ واحد برلنت سوليتير.
نجيب : عجبك؟
فيفي : قوي … قوي … حاجة حلوة صحيح … وذوق جميل صحيح.
نجيب : العفو يا فندم!

فيفي (تنظر إليه في دهشة)؟

نجيب (يستدرك) : قصدي يعني بالنيابة عن سامي.
فيفي (صمت … تتأمَّل الخاتم في أصبعها) : سامي غنيٌّ بالتأكيد.
نجيب : أيوه طبعًا.
فيفي : هوَّ كمان قال لي.
نجيب : قال لك إيه؟
فيفي : قال لي ان عنده ٦٠٠٠ جنيه في البنك، رايح يبني لي بهم فيلَّا، في مصر الجديدة.
نجيب (هازًّا رأسه في تًهكُّم خفيٍّ) : ضربهم في ٦ على طول!
فيفي : وقال لي ان عنده أطيان، ما اعرفش فين.
نجيب : كمان؟ طبعًا.
فيفي : ويحبِّني قوي، تعرف؟
نجيب : عارف، وانت بتحبِّيه … وكتب الكتاب، إمتى بقى؟
فيفي : ما اعرفش … سامي عايز يكتبه من بكرة.
نجيب : له حق.
فيفي : لكن أنا متردِّدة شوية.
نجيب : ما لكيش حق.
عبد الله (يدخل) : سيدي نجيب بك.
نجيب : خير.
عبد الله (ناظرًا إلى وجود فيفي) : دا … أقول؟
نجيب : قول … خد راحتك.
عبد الله : المكوجي طالب حسابه.
نجيب : وانت ما عندكش لسان ترد عليه؟
عبد الله : ما أمكنِّيش أبدًا … غلب حماري ويَّاه.
نجيب : وعايز ضروري تغلِّبني أنا كمان ويَّاكم؟ حسابه كتير؟
عبد الله : بقى له شهرين ما قبضش أبيض ولا اسود.
نجيب : أعوذ بالله … وكان ساكت ليه لغاية دلوقت؟
عبد الله : إنسانية منه.
نجيب : وجرى لها إيه الإنسانية دي النهارده؟
عبد الله : لِقي ما فيش منها فايدة.
نجيب : وإيه اللي تشوفه انت دلوقت؟
عبد الله : يجي يحاسب جنابك.
نجيب (كالمرتاح) : يحاسبني؟
عبد الله : ما فيش غير كده.
نجيب : أنا عملت لك حاجة يا عبد الله؟ زعَّلتك النهارده في شيء؟ متأثَّر منِّي؟ بينك وبيني ضغائن؟ فهِّمني اعمل معروف.
عبد الله : أنا فاهم … جنابك تكره الحساب … لكن ما باليد حيلة.
نجيب : يا سلام وسلِّم … الحساب ده، نهرب منُّه ازَّاي؟
عبد الله : حساب المكوجي؟
نجيب : الحساب على وجه العموم … الأرض فيها حساب … ننزل القبر، نلقى فيه حساب … نطلع السَّما، نلاقي فيها حساب … ورانا في كل حتَّة … ما فيش فايدة أبدًا.

فيفي (تضحك ضحكة خفيفة).

نجيب : روح يا شيخ، قول للمكوجي دا يبرد شوية.
عبد الله : ما يرضاش يبرد إلَّا لو قبض.
نجيب (صائحًا) : قل له يجي يقبض روحي بقى، لأني لا أملك غيرها النهارده! وتفضَّل من غير مطرود، يا بوَّاب يا مغفَّل، قبل ما اعوِّج لك خلقتك بأسطوانة من دول، وزي ما ترسى … (نجيب يمسك أسطوانة … عبد الله يجري خائفًا).

(فيفي تكتم ضحكها.)

نجيب : شيء يقصَّر العمر … (يعود إلى قربها).
فيفي : هدِّي نفسك شوية.
نجيب : ما يمكنش … أهوَّ أنا، ما يمضيش عليَّ نصف ساعة على خير أبدًا … لا بُد من خبر مزعج.
فيفي : يظهر ان ماليِّتك مرتبكة شوية.
نجيب : شوية؟! انت متواضعة قوي!
فيفي : طيِّب ما تيجي نفكَّر في تنظيم ماليِّتك.
نجيب : ما تتعبيش نفسك.
فيفي : ليه؟
نجيب : لأن لو جميع وزراء مالية العالم اجتمعوا في لوزان، وعملوا مؤتمر لتنظيم ماليتي، وتسوية ديوني، زي مؤتمر نزع السلاح، وديون الحرب، أؤكِّد لك، انهم يمكن ينجحوا في نزع السلاح وديون الحرب، ولا ينجحوش في مسألتي … عاوزة إيه بقى أكتر من كده!
فيفي : للدرجة دي؟
نجيب : دي مسألة مش محتاجة لمناقشة.
فيفي : ليه؟ ماهيِّتك كام؟ ولو ان ده تطفُّل منِّي … لكن أنا مهتمَّة، وأحب أجرَّب، يمكن أنجح، أحسن من مؤتمر لوزان.
نجيب : ماهيتي خمسين جنيه في الشهر، اسمًا … لكن اللي بيوصل في يدي ٤٤ جنيه و٦٠٠ملِّيم، بعد الاحتياطي والمعاش ورسم الدمغة وخلافه، من تماحيك آخر الزمن!
فيفي : وبتصرف منهم كام في الشهر؟
نجيب : باصرف منهم حوالي ١٠٠ جنيه في الشهر!
فيفي (في دهشة) : ازَّاي ده؟ إيرادك خمسين وتصرف ١٠٠؟
نجيب : باستمرار، من نهار ربنا ما خلقني … علشان كده المسألة عويصة، ولا يمكنش حلها، إلَّا إذا اخترعوا حساب جديد، يمشي بالمقلوب، غير الحساب اللي أوجده فيثاغورث.
فيفي : وتصرف ال١٠٠ جنيه ازَّاي في الشهر؟
نجيب : ما أقدرش أقول لك … أنا لمَّا يكون في جيبي فلوس، ما احترمهاش … أصرفها بعقل ومن غير عقل … يمكن ألاقي شحَّات في السكة، أعطيه ورقة بجنيه؛ لأنه قال كلمة عجبتني.
فيفي : انت مدهش.
نجيب : أنا إنسان، مكتوب عليه انه يعيش بشكل مخصوص في الحياة، ويستحيل تتغيَّر حياته، يستحيل يعيش يوم في أمان الله، زي بقيِّة مخاليق الله الطيِّبين!
فيفي : حياة بوهمية غريبة!
نجيب : ارتباك مزمن، وعسر هضم اقتصادي، وفقر دم مالي، مالهش علاج.
فيفي : انت غلطان … أفتكر ان فيه علاج.
نجيب : إيه هوَّ من فضلك؟
فيفي : لو تتزوج واحدة تفهمك، ويكون عندها فلوس.
نجيب : ويكون عندها (باكار).
فيفي : تمام كده.
نجيب : علشان ينباع الباكار … ونغرق احنا الاتنين في نهار!
فيفي (باسمة) : وماله؟
نجيب : أظن واحد زيِّي، ما انخلقش علشان زواج.
فيفي : تفتكر كده؟

(جرس الباب يدقُّ بشدَّة.)

نجيب : جرس الخطر! (يتحرَّك، ويسرع إلى المنضدة، ويرفع غطاء الصندوق، ويلتفت إلى فيفي) عن إذنك دقيقة واحدة.
فيفي : حاتدخل الغوَّاصة؟ دي مش طريقة عملية أبدًا.
نجيب : دا اختراع ألماني! مستحيل أقدر أبص في سحنة مطالب … أورفوار مؤقَّتًا … (يغلق عل نفسه الصندوق).
عبد الله (من الخارج) : يا حضرة المحضر، باقول لك نجيب بيه مش موجود.
المحضر (يدخل وخلفه خواجة، وشيخ القسم، وعبد الله) : وجود المدين وعدم وجوده، ما يهمِّنيش … (لشيخ القسم) نادي الشيَّالين.
شيخ القسم (يتَّجه إلى الباب وينادي) : اطلع يا شيَّال انت وهوَّه!
المحضر : قبل مانشرع في التنفيذ، أنبِّه عليك يا عبد الله خميس، بصفتك تابع للمدين، ومقيم معه في معيشة واحدة، بأن تدفع لدينا حالًا، مبلغ ٥٦٨٠ قرشًا، واحنا نوقَّف الإجراءات … تدفع والَّا لأ؟
عبد الله : لأ … منين؟ هو احنا معانا خمسة ملِّيم.
الخواجة (وهو يتكلِّم بلغة واضحة سليمة، مع عجمة خفيفة) : أنا عندي تفويض من الدَّاين الخواجة جبران، لو تدفع أربعين جنيه، يصير التنازل عن الحجز والبيع.
عبد الله (ينظر إليه، ولا يعنى بالردِّ عليه، ويلتفت للشيَّالين) : شيل شيل يا شيَّال.
المحضر : تابع المدين أجاب بعدم السَّداد، وشرعنا في التنفيذ … تعال يا عبد الله خميس، بصفتك حارس للمنقولات، قدِّم لنا المحجوز عليه.
عبد الله : آهو عندك.
المحضر (محتدًّا) : آهو عندي ازَّاي، يا قليل الأدب، يا حمار! انت مش عارف أنا مين؟ فتَّح عينك كويِّس، وكلِّمني باحترام … أنا حامي القانون، وممثِّل سلطة الحكومة، انت فاهم إيه! وشرف مركزي، أعتبرك مبدِّد، وأحرَّر ضدَّك في الحال، محضر تبديد وتعدِّي، وأحط الحديد في إيدك، وأضيَّع مستقبلك.
عبد الله : لأ … مفيش لزوم … أنا غلطت، والشفاعة لشيخ التمن.
شيخ القسم : استسمح حضرة المحضر، وابقى خد بالك يا بني، الَّا تنضر. (للمحضر) أصله مش واخد على مقابلة الحكَّام.
المحضر (في عظمة) : الحق علينا اللي عيَّناه حارس … ضيَّع وقتنا، واحنا لسَّه ورانا بيوع وحجوزات وانتقالات.
عبد الله : يا جناب المحضر، العفش تمام، ما ضاعش منُّه قشَّاية.
المحضر (يعطي المحضر لشيخ القسم) : خد يا شيخ القسم، صورة محضر الحجز، واجرد وطابق القايمة. (يجلس على مقعد) الَّا احنا تعبانين من كثرة الأعمال … اتفضَّل استريَّح يا خواجة يوسف.
الخواجة يوسف (ينظر إلى فيفي الجالسة المتفرِّجة في ابتسام) : بردون يا مدام.
فيفي (للخواجة) : من فضلك، ما يمكنش تأجيل البيع لبكرة، واحنا ندفع كل الفلوس؟
المحضر : ما يمكنش يا هانم، تأجيل البيع يتكلِّف مصاريف، ويستدعي إعادة اللصق والنشر وكافة الإجراءات، ودي مماطلات احنا عارفينها.
فيفي : متأسِّفة، ما فيش في شنطتي ٤٠ جنيه دلوقت … إنَّما أقدر.
شيخ القسم (يقرأ ببطء في الورقة) : عدد ١ تربيزة وسط خشب أبيض بأربعة أرجل مستعملة سليمة … فين؟ (يلتفت حوله) مش موجودة.
عبد الله : دي في المطبخ … مش موجودة ازَّاي؟ أجرد الأوده دي، اللي انت فيها، الأول، تلاقي كل شيء تمام.
المحضر : أيوه، أجرد أوده أوده، والشيالين تنزِّل أول بأول، والنقص يتحرَّر به محضر.
شيخ القسم (يقرأ) : عدد ٦ فوتيل وكراسي وكنبة … عدد ٣ طولة وفنوغراف إلخ … (ينظر بعينيه مطابقًا) الأوده دي تمام، انزل بها يا شيَّال انت وهوَّه.
عبد الله (لشيخ القسم) : حاتاخد العفش على فين؟
الشيخ : على باب الشارع، بنرص حتَّة حتَّة، علشان الناس تجي على ضرب الجرس، تدخل المزاد.
عبد الله (يهزُّ رأسه آسفًا) : يا فضيحة جنابك يا سي نجيب بك!

(ينهمك الشيَّالون في زحزحة الكراسي، وتغيير نظام الصالون، ونهض المحضر والخواجة يوسف؛ ليدعا الشيَّالين تنقل مقعديهما، وتظل فيفي جالسةً، إلى أن يدنو منها شيَّال يريد نقل مقعدها.)

المحضر : تفضَّلي يا هانم الناحية دي … في الرَّواقة.

(وتقف بجوار المنضدة التي فيها نجيب … ولكن لا يلبث أن يأتي الشيَّالون لنقل المنضدة؛ فتصيح فيفي ممانعةً.)

فيفي (صائحة) : انتظر يا شيَّال … انت واخد الصندوق ده على فين؟
المحضر : دا من ضمن المحجوزات يا هانم.
فيفي : مستحيل! ده فيه جوَّه حاجات غير محجوز عليها طبعًا؟
المحضر : محجوز عليه يا هانم … من فضلك ماتعرقليش التنفيذ … شيل يا شيَّال.
فيفي (صائحةً) : مستحيلٌ … مش معقول … لازم تسيب الصندوق ده.
المحضر : ما يمكنش يا هانم.
فيفي : أنا مستحيل أسمح بنقله.
المحضر (في غلظة) : شيل شيل يا شيَّال … بلاش عطلة.
الخواجة : تقدري يا مدام تدفعي كام، من أصل المبلغ؟
فيفي : أنا متأسِّفة ما فيش معايا النهارده فلوس كفاية. (فجأةً) اسمع لمَّا أقول لك أنا أقدر أعطيك ده (تخلع الخاتم من إصبعها) إيه رأيك؟ تمنه بالتأكيد أكتر من مبلغك!
الخواجة (في دهشة يفحص الخاتم) : خاتم ألماس (يخرج من جيبه عوينه، ممَّا يستعملها الجواهرجيَّة للفحص، ويضعها على عينه، وينظر إلى الخاتم) طبعًا دا يساوي كتير.
نجيب فجأةً يرفع الغطاء، ويظهر صاخبًا، بين دهشة وارتياع الجميع : إنت مجنونة؟! هات الخاتم ده يا خواجة!
المحضر (بعد لحظة وجوم) : بسم الله الرحمن الرحيم … طلع منين ده؟
شيخ القسم : دا لازم المدين.

(المحضر والشيخ يستعلمان من عبد الله، الذي يشرح لهما همسًا.)

نجيب : الخاتم … هات الخاتم يا خواجة اعمل معروف.
الخواجة : بردون يا بيه!

(ينظر إلى فيفي، التي سلَّمت إليه الخاتم.)

نجيب : ما فيش بردون.
فيفي : اسكت يا نجيب، مالكش دعوى! خلِّي الخاتم معاك يا خواجة.
نجيب : ازَّاي الكلام ده؟ دا خاتم ألماس مش لعب.
فيفي : عارفة انه خاتم ألماس مش لعب … وعاوزة اتصرَّف فيه، أرميه البحر … الخاتم بتاعي أنا … انت شريكي!
نجيب : بتاعك ازَّاي؟!
فيفي : باقول لك اسكت يا نجيب … انت ما لكش دعوى!
نجيب : ما ليش دعوى ازَّاي؟ أمَّال مين اللي له دعوة؟ دا شيء يجنِّن! هات الخاتم يا خواجة.
فيفي : ما تسمعش كلامه يا خواجة … زي أنا ما قلت لك، خلِّي الخاتم معاك، وبكرة أجيب لك مبلغك، على شرط توقَّف البيع حالًا.
الخواجة : بكل ممنونيَّة يا هانم … يا حضرة المحضر، أنا طالب إيقاف البيع.
المحضر : انزل يا شيَّال انت وهوَّ (يتناول ورقة ويكتب) محضر إيقاف (ثمَّ يكتب في صمت ويقول) أوقفنا الإجراءات؛ كطلب وكيل الداين، تعال امضي يا خواجة يوسف.
الخواجة (يوقِّع على ورقة المحضر، ثم يخرج ورقة من جيبه، ويكتب إيصالًا يقدِّمه لفيفي) : مِرسي يا هانم … آدي وصل بخاتم الماس فص واحد برلنت سوليتير وزن ٨ قراريط.
نجيب (بسرعة) : تسعة ونصف … (فيفي تنظر إليه والجميع في استغراب؛ فيستدرك بسرعة) … أيوه … أنا عارف من سامي.
يوسف (وهو يكتب) : تسعة قراريط ونص … (يسلِّمها الورقة) أورفوار … أورفوار يا نجيب بك … (يخرج).
نجيب (يضرب أخماسًا لأسداس) : أمَّا يا ناس دي عجيبة!
المحضر : نهاركم سعيد يا حضرات … (يخرج خلف الخواجة يوسف، ومعه شيخ القسم).
عبد الله (خارجًا كذلك خلف المحضر) : اخلي طرفي يا جناب المحضر … الحكومة حرَّستني على العفش، وطلع لله الحمد سليم (يخرج مع الجميع).
فيفي (وحدها مع نجيب) : عجيبة ليه بقى؟! حاجة طبيعية خالص … كنت منتظر اني أسيبهم ياخدوك في الصندوق، ويبيعوا فيك ويشتروا، كأنك محجوز عليك انت كمان ضمن الموبيليا؟
نجيب : وما له؟! لكن الخاتم.
فيفي : في داهية الخاتم … إيه يعني الخاتم؟ أدفعه فدية، بصفتي من الحلفاء، أحسن ما كانوا يصادروا الغوَّاصة باللي فيها؟!
نجيب : غوَّاصة إيه؟! إحنا خسرنا الحرب!!
فيفي (ضاحكةً) : أبدًا … بالعكس.
نجيب : إيه اللي كسبناه؟
فيفي : كل حاجة … أنا مندهشة، ليه تهتم بالخاتم بالشكل دا؟!
نجيب : بس علشان ده … شبكة سامي.
فيفي : وإيه يعني؟
نجيب : طيِّب، ورايحة تقولي لسامي إيه؛ لو سألك النهارده على الخاتم؟
فيفي : أقول له على اللي حصل.
نجيب : ما يصدَّقش.
فيفي : جايز ما يصدَّقش … لأن سامي مش زيَّك أو زيِّي … دي عقليِّته ما تقدرش تفهم بسهولة التصرُّفات دي.
نجيب : لأنه رجل عاقل موزون.
فيفي : زيادة عن اللزوم … ولذلك، أنا رايحة أكلِّمه كلام شديد.
نجيب : حاتقولي له إيه؟
فيفي : حأقول له أنا مندهشة، ازَّاي واحد صاحبك، ساكن معاك في بيت واحد، ينحجز عليه وانت ساكت؟!
نجيب : حايعمل لي إيه؟ كل واحد عنده ظروفه.
فيفي : اسمع يا نجيب، انت إمَّا مغفَّل — ما تآخذنيش — وإمَّا عاوز تدافع قدَّامي عن سامي، دفاع ما يستحقُّوش … انت بالتأكيد، تفهم سامي أكتر منِّي … لأنِّي فهمت طبيعته كويِّس قوي من مدَّة بسيطة.
نجيب : أنا أشهد لك دايمًا بالذَّكاء … إيه بقى اللي فهمتيه؟
فيفي : فهمت انه رجل عاقل، زي ما قلت انت تمام، ويوزن كل حاجة في الدنيا، زي طبيعة كل شخص مادِّي شوية.
نجيب : إيه كمان؟!
فيفي : أنا أفهم كويِّس الناس المدهونين بوية. سامي مدهون بوية كويِّس قوي.
نجيب : كل الناس كدا.
فيفي : انت لأ.
نجيب : ليه بقى؟ أنا يعني اللي خشب أبيض، زي طرابيزة الوسط؟ المسألة ان ظروفي غير ظروف سامي … وأنا لو كنت لقيت فيه فايدة، كان زماني ضربت نفسي بوية بالزِّيت … تلات … اربع اوشاش.
فيفي : ما افتكرش.
نجيب : على كل حال … بعد الزَّواج، في إمكانك تخلقي سامي خلقة جديدة.
فيفي : أنا مش عاوزة أخلقه، ولا أسخطه.
نجيب : عاجبك زي ما هوَّ كده، ما فيش بأس.
فيفي : أرجوك … بس … كفاية … احنا تكلَّمنا عن سامي زيادة عن اللزوم … كلِّمني عن موضوع تاني … كلِّمني عن نفسك.
نجيب : أكلِّمك عن نفسي أقول إيه؟ (يشير إلى الصالون المبعثر) آدي انت على إيدك، شايفة كل حاجة.
فيفي : حقًّا … صحيح، انت الشخص الوحيد، اللي أقدر أقول انه ما حاولش لحظةً، انه يغشِّني.
نجيب : انت لطيفة قوي معاية النهارده، من غير مناسبة! بس ضيَّعت الخاتم، لكن بقى الأمر لله! الكلام دلوقت أصبح ما يجيش منُّه.
فيفي : ما لكش دعوى بالخاتم … اسمع يا نجيب! انت نسيت الطِّب الرُّوحاني والسحر العجيب؟
نجيب : مش فاهم غرضك.
فيفي : انت مش تعرف تقرا اللي في ضميري؟
نجيب : أبدًا.
فيفي : ازَّاي؟ مش فاكر لمَّا تقابلنا أول مرة في العيادة؟
نجيب : آه! لأ … أرجوك تنسي المقابلة دي، واللي حصل فيها.
فيفي : انت عبيط! أنساها ازاي؟ انت ما تقدرش تطلب منِّي طلب زي ده.
نجيب : انت حرة … لكن أنا أنسى زي ما يعجبني …
فيفي : لأ … ما تنساش يا نجيب … أرجوك!
نجيب : عجايب! انت كمان عاوزة تحجزي على ذاكرتي!
فيفي : أيوه عاوزة أحجز.
نجيب (بعد لحظة) : وإيه بقى اللي يهمَّك من كدا؟
فيفي : ما تعرفش إيه اللي يهمِّني؟
نجيب : أبدًا.
فيفي : ما تقدرش تقرالي اللي في قلبي وضميري دلوقت؟
نجيب : في ضميرك، انك قاعدة تمكُري عليَّ، وتلعبي بمهارة مخيفة.
فيفي (باسمة) : كدَّاب!
نجيب (مستمرًّا) : في ضميرك، انك عاوزة ترجَّعي في نفسي أمل بسيط، من غير لزوم، علشان في الآخر، أقع من سابع سما لسابع أرض، زي الدُّورق الفخَّار، اللي يقع من فوق السطح على الأسفلت.
فيفي : كدَّاب.
نجيب : في ضميرك، انك بتحبِّي شخص كويِّس قوي، وهو بيحبِّك كتير قوي.
فيفي : والشخص ده، موجود هنا، في الأوده دي، دلوقت؟
نجيب : بالطبع لأ.
فيفي : كدَّاب.
نجيب (في دهشة) : كدَّاب؟!
فيفي (في إخلاص) : من غير شك، كدَّاب، لو تفتكر ان الشخص ده، مش موجود هنا دلوقت قدَّامي!

(نجيب ينظر إليها في صمت، وكأنه يغالب نفسه، ثم يطرق مفكِّرًا.)

(فيفي تُطرق في انتظار جوابه بصبر نافذ، ثمَّ ترفع رأسها؛ كي تقول شيئًا؛ لإخراجه من صمته.)

نجيب (يرفع رأسه أخيرًا إليها) : متشكِّر على التصريح الخطير ده!
فيفي (في امتعاض) : بس كده؟!
نجيب (في عزم) : بس كده!
فيفي : دا كل اللي تقدر تقوله؟!
نجيب : كفاية.
فيفي (في يأس) : أنا كنت منتظرة، انت حتقول كلام كتير!
نجيب : متأسِّف قوي … أنا صحيح في شدَّة التأثُّر من تصريحك، لكن بقى.
فيفي : لكن بقى إيه؟
نجيب : لكن بقى … إيه قيمته دلوقت؟ تفتكري حيغيَّر إيه من الموقف كلُّه.
فيفي : فهمت قصدك … انت جنتلمان زيادة عن اللزوم.
نجيب : أرجوك تطلعي فوق لخطيبك، وتسحبي تصريحك.
فيفي : مش عاوز بأي حال من الأحوال تقبله منِّي؟
نجيب : فات الأوان!
فيفي (بعد لحظة) : ضميرك مش قادر يسمح لك، انك تاخد من صديقك خطيبته … مهما كانت الظروف، مش دي كل المشكلة، اللي قايمة في نفسك؟
نجيب (مطرقًا كالمخاطب لنفسه) : أيوه، مهما كانت الظروف.
فيفي (في تأثُّر) : نجيب.
نجيب (في عزم) : الوداع يا فيفي! (يتناول يديها، ويضغط عليهما في حرارة وإخلاص … ثم يشيِّعها إلى باب الشقَّة، ثم يعود وحيدًا وهو مطرقٌ، يمشي في بطء، ويقف في وسط القاعة بلا حراك لحظةً، ثم يرفع رأسه فجأةً ويقول): وانا وِش زواج؟ أنا رد حجوزات! (ثم يتَّجه إلى موضع الجرامفون، ويدير الأسطوانة، ويصغي إليها قليلًا شارد الفكر ساهمًا، ثم يتحرَّك فجأةً، راقصًا على أنغامها، كأنَّما يريد أن يقنع نفسه، بأن حياته هي دائمًا حياته … وأنه لم يتغيَّر في حياته شيءٌ).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤