الفصل العاشر

جَدَّةٌ أُخْرَى

سَبَّبَ خَبَرُ عَوْدَةِ السَّيِّدِ سيسمان الْمُنْتَظَرَةِ اضْطِرَابًا فِي الْمَنْزِلِ. كَانَتْ كلارا بِالطَّبْعِ أَكْثَرَ حَمَاسَةً مِنْ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ مُدَّةَ بَقَائِهِ سَتَكُونُ بِضْعَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، فَقَدْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ وَالِدَهَا سَيَقْضِي كُلَّ دَقِيقَةٍ إِضَافِيَّةٍ لَدَيْهِ مَعَهَا. كَانَتْ مُتَشَوِّقَةً لِأَنْ يُقَابِلَ هايدي. وَكَانَتْ تَعْلَمُ أنَّهُ سَيَسْتَمْتِعُ بِشَخْصِيَّةِ الْفَتَاةِ مِثْلَهَا تَمَامًا.

كَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ فَعَلَهُ السَّيِّدُ سيسمان عِنْدَ وُصُولِهِ لِلْمَنْزِلِ هُوَ الْبَحْثُ عَنِ ابْنَتِهِ كلارا، وَكَانَتْ هِيَ وَهايدي فِي الْمَكْتَبِ. سَلَّمَ الْأَبُ عَلَى ابْنَتِهِ بِالْأَحْضَانِ وَالْقُبُلَاتِ. فَقَدْ كَانَ الِاثْنَانِ شَدِيدَيِ الِارْتِبَاطِ بَعْضِهِمَا بِبَعْضِ، ثُمَّ مَدَّ السَّيِّدُ سيسمان يَدَهُ إِلَى هايدي: «وَهِذِهِ هِيَ فَتَاتُنَا السِّوِيسْرِيَّةُ الصَّغِيرَةُ. تَعَالَيْ وَصَافِحِينِي!»

أَعْطَتْهُ هايدي يَدَهَا وَابْتَسَمَتْ.

– «وَالْآنَ أَخْبِرِينِي، هَلْ أَنْتِ وَكلارا صَدِيقَتَانِ حَمِيمَتَانِ؟ أَمْ تَغْضَبَانِ وَتَبْكِيَانِ ثُمَّ تَتَصَالَحَانِ وَتَتَشَاجَرَانِ ثَانِيَةً فِي الْيَوْمِ التَّالِي؟»

أَجَابَتْ هايدي: «أُوه، لَا. كلارا طَيِّبَةٌ مَعِي دَائِمًا.»

قَالَتْ كلارا بِسُرْعَةٍ: «وَهايدي لَا تُحَاوِلُ الْمُجَادَلَةَ أَبَدًا.»

قَالَ السَّيِّدُ سيسمان وَهُوَ يَنْهَضُ مِنْ كُرْسِيِّهِ: «أَنَا سَعِيدٌ لِسَمَاعِ ذَلِك. أُرِيدُ غَدَائِيَ الْآنَ، فَأَنَا لَمْ آكُلْ طَوَالَ الْيَوْمِ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمَا بَعْدَهُ مُبَاشَرَةً! ورُبَّمَا أَمْنَحُكُمَا بَعْضَ الْهَدَايَا!»

•••

أُعْجِبَ السَّيِّد سيسمان بِهايدي جِدًّا، عَلَى الرَّغْمِ مِنَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي وَصَفَتْ بِهَا السَّيِّدَةُ روتينماير الْأَيَّامَ الْعَدِيدَةَ السَّابِقَةَ. بَلْ إِنَّهُ أَخْبَرَ السَّيِّدَةَ أَنَّهُ يَنْوِي أَنْ يُبْقِيَ هايدي فِي الْجِوَارِ، فَلَدَيْهَا شَخْصِيَّةٌ مُبْهِجَةٌ وَهِيَ صَدِيقَةٌ رَائِعَةٌ لِابْنَتِهِ كلارا. كَمَا طَلَبَ مِنَ السَّيِّدَةِ روتينماير أَنْ تُعَامِلَ الطِّفْلَةَ بِلُطْفٍ وَأَلَّا تُعَاقِبَهَا عَلَى الْأَشْيَاءِ السَّخِيفَةِ الَّتِي تَحْدُثُ وَهِيَ فِي الْجِوَارِ. فَإِذَا وَجَدَتِ السَّيِّدَةُ صُعُوبَةً شَدِيدَةً فِي التَّعَامُلِ مَعَ هايدي، فَسَيُوَظِّفُ السَّيِّدُ سيسمان شَخْصًا آخَرَ لِمُسَاعَدَتِهَا. فِي الْوَاقِعِ، إِنَّ جَدَّةَ كلارا سَتَصِلُ فِي خِلَالِ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ لِقَضَاءِ إِجَازَةٍ طَوِيلَةٍ لَطِيفَةٍ. وَكَانَ مُتَأَكِّدًا أَنَّهَا سَتَكُونُ ذَاتَ نَفْعٍ هَائِلٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّعَامُلِ مَعَ الْفَتَاتَيْنِ.

بَقِيَ السَّيِّدُ سيسمان فِي الْمَنْزِلِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّبَ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إِلَى باريس. كَانَتْ كلارا حَزِينَةً، وَلَكِنْ مُتَحَمِّسَةً لِوُصُولِ الْجَدَّةِ. وَتَحَدَّثَتْ عَنْ جَدَّتِهَا كَثِيرًا حَتَّى نَادَتْهَا هايدي سَرِيعًا بِجَدَّتِي. وَقَدْ رَسَمَ هَذَا نَظْرَةً غَاضِبَةً عَلَى وَجْهِ السَّيِّدَةِ روتينماير.

– «يَجِبُ أَلَّا تُنَادِيهَا بِجَدَّتِي، هَلْ تَسْمَعِينَنِي؟ يَجِبُ أَنْ تُنَادِيهَا دَائِمًا بِسَيِّدَتِي.»

تَعَوَّدَتْ هايدي عَلَى نَظَرَاتِ السَّيِّدَةِ الْبَغِيضَةِ حَتَّى إِنَّهَا أَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَقَطْ وَمَشَتْ. لَمْ يَعُدْ تَوْبِيخُ السَّيِّدَةِ روتينماير يُزْعِجُهَا.

بِحُلُولِ صَبَاحِ يَوْمِ وُصُولِ الْجَدَّةِ، كَانَتْ هايدي مُتَحَمِّسَةً لِوُصُولِهَا مِثْلُهَا مِثْلُ كلارا. وَصَرَخَتِ الْفَتَاتَانِ وَضَحِكَتَا عِنْدَمَا وَصَلَتِ الْعَرَبَةُ. دَفَعَ سيباستيان مَقْعَدَ كلارا الْمُتَحَرِّكَ إِلَى الْخَارِجِ لِتُقَابِلَ الْجَدَّةَ. وَفِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ، انْتَظَرَتْ هايدي حَتَّى تُسْتَدْعَى لِلنُّزُولِ مِنْ غُرْفَتِهَا. لَمْ تُضْطَرَّ لِلِانْتِظَارِ طَوِيلًا إِذْ سُرْعَانَ مَا أَطَلَّتْ تينيت بِرَأْسِهَا وَأَخْبَرَتْهَا أَنْ تَنْزِلَ إِلَى غُرْفَةِ الْمَكْتَبِ.

أَثْنَاءَ دُخُولِهَا إِلَى الْغُرْفَةِ، سَمِعَتْ هايدي صَوْتًا طَيِّبًا يَقُولُ: «هَا قَدْ جَاءَتِ الطِّفْلَةُ! تَعَالَيْ إِلَى هُنَا وَدَعِينِي أَنْظُرْ لَكِ!»

سَارَتْ هايدي إِلَى السَّيِّدَةِ وَقَالَتْ فِي صَوْتٍ عَذْبٍ: «مَسَاءُ الْخَيْرِ يَا سَيِّدَتِي السَّيِّدَةُ.»

قَالَتِ الْجَدَّةُ وَهِيَ تَضْحَكُ: «حَسَنًا! هَلْ هَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ كَلَامِهِمْ فِي الْجَبَلِ؟»

أَجَابَتْ هايدي: «لَا، لَقَدِ اعْتَقَدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ اسْمُكِ.»

– «لَا بَأْسَ يَا صَغِيرَتِي اللَّطِيفَةَ. عِنْدَمَا أَكُونُ مَعَ الْأَطْفَالِ، أَنَا دَائِمًا «جَدَّتِي». لَنْ تَنْسَيْ هَذَا الِاسْمَ، أَلَيْسَ كَذَلِك؟»

أَجَابَتْ هايدي: «أُوه، نَعَمْ، لَنْ أَنْسَاهُ.»

سَأَلَتِ الْجَدَّةُ: «وَمَا اسْمُكِ؟»

– «أَنَا دَائِمًا أُدْعَى بِهايدي، وَلَكِنْ هُنَا يَجِبُ أَنْ أُدْعَى أديلهايد.»

قَالَتِ الْجَدَّةُ: «إِذَا كُنْتِ دَائِمًا هايدي، إِذَنْ سَيَكُونُ اسْمُكِ هايدي.» أَزْعَجَ ذَلِك السَّيِّدَةَ روتينماير الَّتِي كَانَتْ قَدْ دَخَلَتِ الْغُرْفَةَ لِتَوِّهَا.

لِبَقِيَّةِ الْأُمْسِيَةِ، اهْتَمَّتِ السَّيِّدَةُ الْعَجُوزُ بِالْفَتَاتَيْنِ اهْتِمَامًا شَدِيدًا. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي، بَيْنَمَا كَانَتْ كلارا تَأْخُذُ اسْتِرَاحَةَ بَعْدِ الظُّهْرِ، أَمْضَتِ الْجَدَّةُ بَعْضَ الْوَقْتِ تَتَحَدَّثُ إِلَى هايدي. لَقَدْ أَخْبَرَتْهَا السَّيِّدَةُ روتينماير أَنَّ هايدي لَا يُمْكِنُهَا التَّعَلُّمُ مِثْلَ الْأَطْفَالِ الطَّبِيعِيِّينَ، حَتَّى إِنَّ الْمُعَلِّمَ فَشِلَ فِي تَعْلِيمِهَا الْحُرُوفَ الْأَبْجَدِيَّةَ.

قَالَتِ السَّيِّدَةُ لِهايدي: «انْظُرِي إِلَى هَذِهِ الْكُتُبِ.» وَأَعْطَتِ الْفَتَاةَ كَوْمَةً صَغِيرَةً مِنَ الْكُتُبِ الْمُلَوَّنَةِ.

فِي الْبِدَايَةِ، ابْتَسَمَتْ هايدي بِفَرَحٍ. وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِك فَتَحَتِ الْكِتَابَ الثَّانِي وَأَطْلَقَتْ صَرْخَةً. حَدَّقَتْ فِيهِ لِلَحْظَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ بَدَأَتِ الدُّمُوعُ تَنْهَمِرُ مِنْ عَيْنَيْهَا. وَفِي النِّهَايَةِ انْفَجَرَتْ فِي الْبُكَاءِ.

نَظَرَتِ الْجَدَّةُ إِلَى الصُّورَةِ بِعِنَايَةٍ. كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ مَرْعًى أَخْضَرَ مَمْلُوءٍ بِالْحَيَوَانَاتِ الصَّغِيرَةِ، بَعْضُهَا يَرْعَى وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَقْضِمُ مِنَ الشُّجَيْرَاتِ. وَفِي الْمُنْتَصَفِ كَانَ رَاعٍ يَنْظُرُ إِلَى قَطِيعِهِ السَّعِيدِ.

قَالَتْ: «لَا تَبْكِي يَا صَغِيرَتِي الْعَزِيزَةَ. سَأَقْرَأُ لَكِ الْقِصَّةَ لَاحِقًا. إِنَّهَا قِصَّةٌ مُبْهِجَةٌ حَقًّا. وَلَيْسَ بِهَا حُزْنٌ إِطْلَاقًا.»

مَرَّ بَعْضُ الْوَقْتِ حَتَّى تَمَكَّنَتْ هايدي مِنَ التَّحَكُّمِ فِي بُكَائِهَا. وَقَرَّرَتِ الْجَدَّةُ أَنْ تُغَيِّرَ مَوْضُوعَ حَدِيثِهِمَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ صُورَةِ الْكِتَابِ.

– «كَيْفَ حَالُ دُرُوسِكِ يَا هايدي؟ هَلْ تَعَلَّمْتِ الْكَثِيرَ؟»

أَجَابَتْ هايدي: «مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ أَتَعَلَّمَ شَيْئًا.»

سَأَلَتِ السَّيِّدَةُ: «لِمَاذَا؟»

أَجَابَتْ هايدي: «لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ صَعْبَةٌ جِدًّا عَلَيَّ.»

سَأَلَتِ السَّيِّدَةُ فِي دَهْشَةٍ: «مَنْ قَالَ لَكِ ذَلِك؟»

– «بيتر قَالَ لِي ذَلِك، وَهُوَ يَعْرِفُ بِالتَّأْكِيدِ. لَقَدْ حَاوَلَ وَحَاوَلَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّعَلُّمِ.»

– «أُوه يَا هايدي، يَجِبُ أَلَّا تُسَلِّمِي بِمَا يَقُولُهُ بيتر. يَجِبُ أَنْ تُقَرِّرِي بِنَفْسِكِ. أَنَا مُتَأَكِّدَةٌ أَنَّكِ سَتَنْجَحِينَ إِذَا حَاوَلْتِ بِأَفْضَلِ مَا يُمْكِنُكِ.»

هَزَّتْ هايدي رَأْسَهَا.

أَكْمَلَتِ الْجَدَّةُ: «اسْتَمِعِي لِمَا أَقُولُهُ. أَنْتِ لَمْ تَتَمَكَّنِي مِنْ تَعَلُّمِ الْحُرُوفِ الْأَبْجَدِيَّةِ لِأَنَّكِ صَدَّقْتِ مَا قَالَهُ بيتر. وَلَكِنِ الْآنَ يَجِبُ أَنْ تُصَدِّقِي مَا أَقُولُهُ. يُمْكِنُكِ تَعَلُّمُ الْقِرَاءَةِ فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ جِدًّا. وَاسْتَمِعِي إِلَى هَذَا، هَلْ تَرَيْنَ صُورَةَ الرَّاعِي وَالْحَيَوَانَاتِ؟ سَتَحْصُلِينَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ لِنَفْسِكِ عِنْدَمَا تَسْتَطِيعِينَ قِرَاءَتَهُ. عِنْدَئِذٍ سَتَعْرِفِينَ الْقِصَّةَ وَسَتَرَيْنَ كَمْ هِيَ سَعِيدَةٌ. يُعْجِبُكِ هَذَا، أَلَيْسَ كَذَلِك؟»

اسْتَمَعَتْ هايدي بِحَمَاسٍ إِلَى كَلِمَاتِ الْجَدَّةِ. «أُوه، لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ الْقِرَاءَةَ الْآنَ!»

أَجَابَتِ الْجَدَّةُ: «لَنْ يَسْتَغْرِقَ التَّعَلُّمُ وَقْتًا طَوِيلًا، سَنَعْمَلُ مَعًا.»

بَعْدَ بِضْعَةِ أَسَابِيعَ جَاءَ الْمُعَلِّمُ إِلَى الْجَدَّةِ بِتَقْرِيرٍ جَيِّدٍ. قَالَ: «إِنَّهَا مُعْجِزَةٌ حَقًّا! هَذَا أَكْثَرُ مِمَّا تَمَنَّيْتُ. لَقَدْ تَعَلَّمَتِ الْآنِسَةُ الصَّغِيرَةُ الْقِرَاءَةَ!»

بَعْدَ مُغَادَرَةِ الْمُعَلِّمِ، ذَهَبَتِ الْجَدَّةُ لِتَبْحَثَ عَنْ هايدي. وَبِالتَّأْكِيدِ كَانَتِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ تَجْلِسُ بِجَانِبِ كلارا وَتَقْرَأُ لَهَا. وَفِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ، وَجَدَتْ هايدي الْكِتَابَ الْكَبِيرَ ذَا الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ عَلَى طَبَقِهَا فِي الْغَدَاءِ. عِنْدَمَا نَظَرَتْ إِلَى الْجَدَّةِ، قَالَتِ السَّيِّدَةُ الْعَجُوزُ: «نَعَمْ، إِنَّهُ لَكِ الْآنَ.»

سَأَلَتْ هايدي وَوَجْهُهَا يَحْمَرُّ فَرَحًا: «لِي لِكَيْ أَحْتَفِظَ بِهِ، حَتَّى عِنْدَمَا أَذْهَبُ إِلَى الْمَنْزِلِ؟»

قَالَتِ الْجَدَّةُ: «نَعَمْ، بِالطَّبْعِ. إِنَّهُ مِلْكُكِ لِلْأَبَدِ. غَدًا سَنَبْدَأُ فِي قِرَاءَتِهِ.»

•••

بَدَأَتْ دُرُوسُ هايدي تَتَحَسَّنُ، وَلَكِنْ كَانَ ذَلِك هُوَ التَّغْيِيرُ الْجَيِّدُ الْوَحِيدُ فِي الْفَتَاةِ الصَّغِيرَةِ. مُنْذُ أَنْ قَالَتْ لَهَا السَّيِّدَةُ روتينماير إِنَّهَا بَغِيضَةٌ لِأَنَّهَا تُرِيدُ الرَّحِيلَ، فَقَدَتْ هايدي حَيَوِيَّتَهَا. فَهِمَتْ أَخِيرًا أَنَّهَا لَنْ تَعُودَ إِلَى مَنْزِلِهَا فِي وَقْتٍ قَرِيبٍ، بَلْ إِنَّهَا رُبَّمَا لَنْ تَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا. وَلَكِنَّ مُشَارَكَةَ حُزْنِهَا مَعَ كلارا وَالْجَدَّةِ سَيَبْدُو نُكْرَانًا لِلْجَمِيلِ. وَهَكَذَا زَادَ شُعُورُهَا بِالْحُزْنِ حَتَّى أَثْقَلَ قَلْبَهَا الصَّغِيرَ فَأَصْبَحَتْ لَا تَسْتَطِيعُ الْأَكْلَ. كَانَتْ تَسْتَلْقِي مُسْتَيْقِظَةً فِي اللَّيْلِ لِسَاعَاتٍ. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ تُصْبِحَ وَحْدَهَا، كَانَتْ صُورَةُ الْجَبَلِ بِزُهُورِهِ وَشَمْسِهِ الْمُشْرِقَةِ تَتَرَاءَى أَمَامَ عَيْنَيْهَا. وَعِنْدَمَا تَسْتَيْقِظُ فِي الصَّبَاحِ، كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّهَا قَدْ عَادَتْ إِلَى مَنْزِلِ جَدِّهَا وَمُسْتَعِدَّةٌ لِتَحِيَّةِ الْمَعْزِ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ. أَقْلَقَتْ نَظَرَاتُهَا الْحَزِينَةُ الْجَدَّةَ.

قَالَتِ السَّيِّدَةُ الْعَجُوزُ: «أَخْبِرِينِي يَا هايدي، مَا الْأَمْرُ؟ هَلْ أَنْتِ وَاقِعَةٌ فِي مُشْكِلَةٍ؟»

كَانَتْ هايدي تَخْشَى أَنْ تُسِيءَ السَّيِّدَةُ الظَّنَّ بِهَا إِذَا أَخْبَرَتْهَا بِالْحَقِيقَةِ. وَلَمْ تُرِدْ أَنْ تَكْرَهَهَا السَّيِّدَةُ؛ لِذَا قَالَتْ بِبَسَاطَةٍ: «لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُخْبِرَكِ.»

– «إِذَنْ لَا بُدَّ أَنْ تَتَحَدَّثِي إِلَى اللهِ عَنِ الْأَمْرِ. إِذَا لَمْ تَسْتَطِيعِي إِخْبَارَ أَيِّ إِنْسَانٍ، فَأَخْبِرِي اللهَ بِمَشَاكِلِكِ. وَصَلِّي لَهُ لِكَيْ يُسَاعِدَكِ.»

أَجَابَتْ هايدي: «لَمْ أَعُدْ أُصَلِّي.»

– «لَا تَقُولِي لِي هَذَا يَا هايدي! لِمَاذَا تَوَقَّفْتِ عَنِ الصَّلَاةِ؟»

– «لَا فَائِدَةَ مِنْ ذَلِك! اللهُ لَا يَسْمَعُ. لَقَدْ صَلَّيْتُ مِنْ أَجْلِ الشَّيْءِ نَفْسِهِ لِأَسَابِيعَ وَلَمْ يَفْعَلِ اللهُ مَا طَلَبْتُهُ.» ثُمَّ نَكَّسَتِ الْفَتَاةُ رَأْسَهَا.

– «أَنْتِ مُخْطِئَةٌ يَا هايدي. يَجِبُ أَلَّا تُفَكِّرِي فِيهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. اللهُ كَرِيمٌ مَعَنَا جَمِيعًا. إِنَّهُ يَعْلَمُ مَا نَحْتَاجُهُ أَكْثَرَ مِنَّا. وَمُجَرَّدُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَلَّا يُعْطِيَكِ مَا تُرِيدِينَهُ الْآنَ لَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَسْتَجِيبُ لَكِ. سَتَحْصُلِينَ عَلَى مَا تَطْلُبِينَ وَلَكِنْ لَيْسَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْوَقْتُ الْمُنَاسِبُ.»

قَالَتْ هايدي: «سَأَذْهَبُ الْآنَ وَأَطْلُبُ مِنَ اللهِ أَنْ يُسَامِحَنِي.»

– «اذْهَبِي يَا صَغِيرَةُ. سَيُسَاعِدُكِ وَيُعْطِيكِ كُلَّ مَا سَيَجْعَلُكِ سَعِيدَةً مَرَّةً أُخْرَى.»

رَكَضَتْ هايدي مِنْ غُرْفَةِ الْجَدَّةِ إِلَى غُرْفَتِهَا. وَجَلَسَتْ عَلَى مَقْعَدٍ صَغِيرٍ، وَضَمَّتْ يَدَيْهَا مَعًا ثُمَّ أَخْبَرَتِ اللهَ بِكُلِّ مَا يَجْلِبُ لَهَا الْحُزْنَ. تَوَسَّلَتْ لَهُ أَنْ يُسَاعِدَهَا وَيُرْجِعَهَا إِلَى جَدِّهَا. لَمْ تَكُنْ تَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُمْكِنُهَا التَّحَمُّلُ أَكْثَرَ. كَانَتْ تَفْتَقِدُ الْمَنْزِلَ بِشِدَّةٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤