الفصل الرابع عشر

أَجْرَاسُ يَوْمِ الْأَحَدِ

قَالَتْ هايدي بَيْنَمَا كَانَتْ تَصْعَدُ هِيَ وَالرَّجُلُ الْعَجُوزُ الْجَبَلَ: «أُوه يَا جَدِّي. حَيَاتُنَا الْآنَ أَسْعَدُ بِكَثِيرٍ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ.» قَفَزَتْ إِلَى الْأَمَامِ وَهِيَ تُؤَرْجِحُ يَدَ الرَّجُلِ الْعَجُوزِ. فَجْأَةً هَدَأَتْ هايدي وَقَالَتْ: «عِنْدَمَا كُنْتُ فِي فرانكفورت كُنْتُ أَدْعُو اللهَ لِكَيْ أَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَى الْفَوْرِ. وَلَوْ أَنَّ اللهَ تَرَكَنِي أَعُودُ عَلَى الْفَوْرِ، كَانَ كُلُّ شَيْءٍ سَيُصْبِحُ مُخْتَلِفًا. كُنْتُ سَأَحْصُلُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنَ الْخُبْزِ لِلْجَدَّةِ وَمَا كُنْتُ تَمَكَّنْتُ مِنَ الْقِرَاءَةِ. لَقَدْ جَعَلَ اللهُ الْأَمْرَ أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ مِمَّا كُنْتُ سَأَتَخَيَّلُ أَبَدًا. لَقَدْ حَدَثَ الْأَمْرُ مِثْلَمَا قَالَتِ الْجَدَّةُ تَمَامًا. كَمْ أَنَا سَعِيدَةٌ أَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلِ الْأَمْرَ يَحْدُثُ بِطَرِيقَتِي مُنْذُ الْبِدَايَةِ. مِنَ الْآنَ فَصَاعِدًا، سَأُصَلِّي لِأَشْكُرَ اللهَ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ أَجْلِي. وَعِنْدَمَا لَا يَفْعَلُ مَا أَطْلُبُهُ، سَأَقُولُ لِنَفْسِي إِنَّ اللهَ لَدَيْهِ خُطَّةٌ أَفْضَلُ لِي. سَنُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا جَدِّي؟ لَا يَجِبُ أَنْ نَنْسَى اللهَ أَبَدًا مُجَدَّدًا وَإِلَّا سَيَنْسَانَا.»

قَالَ الْجَدُّ بِصَوْتٍ حَزِينٍ: «وَمَاذَا لَوْ نَسِينَاهُ بِالْفِعْلِ؟»

– «إِذَنْ سَيَئُولُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى الْأَسْوَأِ. وَسَيَتْرُكُنَا اللهُ نَذْهَبُ إِلَى حَيْثُ نَشَاءُ وَسَنُصْبِحُ فُقَرَاءَ وَتُعَسَاءَ. وَلَنْ يَشْعُرَ أَحَدٌ بِالسُّوءِ مِنْ أَجْلِنَا لِأَنَّنَا هَرَبْنَا مِنَ اللهِ وَهُوَ الَّذِي يُفْتَرَضُ أَنْ يُسَاعِدَنَا.»

– «هَذِهِ حَقِيقَةٌ يَا هايدي. أَيْنَ تَعَلَّمْتِ ذَلِك؟»

– «مِنَ الْجَدَّةِ. لَقَدْ شَرَحَتِ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِي.»

سَارُوا لِفَتْرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَحَدَّثَ الْجَدُّ مُجَدَّدًا: «أَلَا يُمْكِنُنَا الْعَوْدَةُ مَرَّةً أُخْرَى يَا هايدي؟ إِذَا هَرَبْنَا مِنَ اللهِ، هَلْ يَنْسَانَا إِلَى الْأَبَدِ؟»

– «أُوه، لَا يَا جَدِّي، يُمْكِنُنَا الْعَوْدَةُ. أَخْبَرَتْنِي الْجَدَّةُ بِذَلِكَ. كَمَا قَرَأْتُ قِصَّةً فِي كِتَابِيَ الْجَمِيلِ. سَأَقْرَؤُهَا لَكَ عِنْدَمَا نَصِلُ إِلَى الْمَنْزِلِ.» بَدَتْ هايدي سَعِيدَةً بِنَفْسِهَا، وَظَلَّتْ تُغَنِّي وَتَقْفِزُ فِي بَاقِي الطَّرِيقِ إِلَى الْمَنْزِلِ. وَقَبْلَ مَوْعِدِ النَّوْمِ مُبَاشَرَةً، قَرَأَتِ الْقِصَّةَ لِلْجَدِّ.

أَخْبَرَتْهُ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي فِي الصُّورَةِ وَكَيْفَ كَانَ سَعِيدًا فِي الْمَنْزِلِ وَيَخْرُجُ إِلَى الْحُقُولِ مَعَ قَطِيعِ وَالِدِهِ. كَانَ يَرْتَدِي عَبَاءَةً جَيِّدَةً وَيَقِفُ مُسْتَنِدًا إِلَى عَصَا الرَّعْيِ يُرَاقِبُ غُرُوبَ الشَّمْسِ. وَفَجْأَةً أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لَدَيْهِ مَتَاعُهُ وَأَمْوَالُهُ الْخَاصَّةُ. وَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ سَيِّدَ نَفْسِهِ؛ وَلِذَا طَلَبَ مِنْ وَالِدِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ الْمَالِ. وَتَرَكَ مَنْزِلَهُ وَسُرْعَانَ مَا خَسِرَ كُلَّ شَيْءٍ. وَفِي النِّهَايَةِ عَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَخْبَرَ وَالِدَهُ: «أَنَا لَا أَسْتَحِقُّكَ بَعْدَ الْآنَ.»

رَآهُ وَالِدُهُ فَجَرَى نَحْوَهُ وَقَبَّلَهُ. ثُمَّ أَخْبَرَ خَدَمَهُ أَنْ يُحْضِرُوا لَهُ أَفْضَلَ رِدَاءٍ، وَخَاتَمًا لِإِصْبَعِهِ، وَحِذَاءً لِقَدَمَيْهِ وَالْكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ. وَقَالَ إِنَّ ابْنَهُ كَانَ مَيِّتًا وَالْآنَ عَادَ لِلْحَيَاةِ مَرَّةً أُخْرَى.

قَالَتْ هايدي: «أَلَيْسَتْ قِصَّةً جَمِيلَةً يَا جَدِّي؟»

أَجَابَ: «أَنْتِ عَلَى حَقٍّ يَا هايدي، إِنَّهَا قِصَّةٌ جَمِيلَةٌ.» وَلَكِنَّ الرَّجُلَ الْعَجُوزَ بَدَا جَادًّا جِدًّا حَتَّى إِنَّ هايدي نَفْسَهَا سَكَتَتْ.

•••

بَاكِرًا فِي الصَّبَاحِ التَّالِي وَقَفَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ أَمَامَ كُوخِهِ يَنْظُرُ إِلَى كُلِّ هَذَا الْجَمَالِ.

– «تَعَالَيْ يَا هايدي! لَقَدْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ! ارْتَدِي أَفْضَلَ فَسَاتِينِكِ. سَنَذْهَبُ إِلَى الْكَنِيسَةِ الْيَوْمَ!»

كَانَ مَنْظَرُ الِاثْنَيْنِ لَافِتًا فِي الْكَنِيسَةِ. تَسَلَّلَا إِلَى الدَّاخِلِ بَعْدَ أَنْ بَدَأَتِ الْمُوسِيقَى. نَظَرَ الْعَدِيدُ مِنَ النَّاسِ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكُوا مَنْ كَانَا. وَلَكِنْ بِحُلُولِ نِهَايَةِ الْقُدَّاسِ كَانَ الْجَمِيعُ قَدْ شَاهَدَ هايدي وَجَدَّهَا.

بَعْدَ انْتِهَاءِ الْقُدَّاسِ أَخَذَ الْجَدُّ هايدي مِنْ يَدِهَا وَاتَّجَهَ إِلَى مَنْزِلِ الْقَسِّ. وَوَقَفَ بَاقِي الْمُصَلِّينَ فِي مَجْمُوعَاتٍ صَغِيرَةٍ. كَانُوا جَمِيعًا يَتَهَامَسُونَ فِي شَأْنِ الرَّجُلِ وَكَمْ هُوَ لَطِيفٌ مَعَ هايدي. لَقَدْ أَخْبَرَ سَائِقُ الْعَرَبَةِ الْجَمِيعَ كَيْفَ تَرَكَتْ هايدي الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ لَدَيْهَا فِيهِ الْأَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَطْ لِتَكُونَ بِجَانِبِ جَدِّهَا. وَسُرْعَانَ مَا بَدَأَ الْجَمِيعُ يَشْعُرُونَ بِالْوُدِّ تِجَاهَ الرَّجُلِ الْعَجُوزِ.

فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ كَانَ الْجَدُّ قَدْ دَخَلَ بَيْتَ الْقَسِّ. تَصَافَحَا بِمَوَدَّةٍ. وَلَمَعَتْ عَيْنَا الْقَسِّ الطَّيِّبَتَانِ بِالْبَهْجَةِ.

بَدَأَ الْجَدُّ: «لَقَدْ جِئْتُ لِأَطْلُبَ السَّمَاحَ عَنِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي قُلْتُهَا لَكَ. لَقَدْ كُنْتَ مُحِقًّا. لَقَدْ حَانَ الْوَقْتُ لِنَقْلِ هايدي مِنَ الْجَبَلِ.»

قَالَ الْقَسُّ: «سَنُرَحِّبُ جَمِيعًا بِكُمَا كَجِيرَانٍ.» وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَدُّ مَعَ هايدي إِلَى الْخَارِجِ. بِالْكَادِ انْغَلَقَ الْبَابُ خَلْفَهُ حَتَّى تَقَدَّمَتِ الْمَجْمُوعَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْكَنِيسَةِ كُلِّهَا نَحْوَهُ لِتُقَابِلَهُ. كَانَ هُنَاكَ الْعَدِيدُ مِنَ الْوُجُوهِ الْجَدِيدَةِ حَتَّى إِنَّ الْجَدَّ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ يَبْدَأُ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ حَتَّى إِلَى مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ لِصُعُودِ الْجَبَلِ مَعَ الرَّجُلِ الْعَجُوزِ. وَتَحَدَّثُوا عَنْ دَعْوَتِهِ إِلَى الْغَدَاءِ وَزِيَارَتِهِ قَرِيبًا.

لَمْ تَتَمَكَّنْ هايدي مِنْ تَصْدِيقِ النَّظْرَةِ الْعَطُوفِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى وَجْهِ جَدِّهَا: «تَبْدُو أَلْطَفَ الْيَوْمَ. لَمْ أَرَكَ هَكَذَا مِنْ قَبْلُ.»

فَقَالَ: «حَسَنًا يَا هايدي، أَنَا الْيَوْمَ أَسْعَدُ مِمَّا أَسْتَحِقُّ. أَسْعَدُ مِمَّا كُنْتُ أَتَخَيَّلُهُ مُمْكِنًا. مِنَ الْجَيِّدِ أَنْ أَكُونَ فِي سَلَامٍ مَعَ اللهِ وَمَعَ الْأَصْدِقَاءِ. كَانَ اللهُ كَرِيمًا مَعِي عِنْدَمَا أَرْسَلَكِ إِلَى كُوخِي.»

عِنْدَمَا وَصَلَا إِلَى كُوخِ الْجَدَّةِ، فَتَحَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ الْبَابَ وَدَخَلَ مَعَ هايدي، وَهُوَ يَقُولُ: «لَدَيْنَا الْمَزِيدُ مِنَ التَّصْلِيحَاتِ لِلْقِيَامِ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَأتِيَ الْخَرِيفُ.»

انْدَفَع بيتر عَبْرَ الْبَابِ وَقَطَعَ حَدِيثَهُمْ.

هَتَفَ: «هُنَاكَ خِطَابٌ هُنَا لهايدي!»

كَانَ هَذَا الْخِطَابُ مِنْ كلارا. كَانَ يَقُولُ إِنَّهَا وَالْجَدَّةُ تُرِيدَانِ زِيَارَةَ هايدي وَجَدِّهَا فِي الْخَرِيفِ الْقَادِمِ.

كَانَ هُنَاكَ الْكَثِيرُ لِلتَّفْكِيرِ فِيهِ الْآنَ: الزُّوَّارُ وَالِانْتِقَالُ إِلَى دورفلي وَالطَّرِيقَةُ الْمُمَيَّزَةُ الَّتِي بَدَا أَنَّ الْجَدَّ يَنْسَجِمُ بِهَا مَعَ الْآخَرِينَ. لَقَدْ تَغَيَّرَتِ الْحَيَاةُ بِالتَّأْكِيدِ عَلَى الْجَبَلِ، وَقَرِيبًا سَتَتَغَيَّرُ أَكْثَرَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤