الفصل السابع

عَائِلَةٌ جَدِيدَةٌ

كَانَتْ كلارا سيسمان مُسْتَلْقِيَةً عَلَى الْأَرِيكَةِ. كَانَتْ سِيقَانُهَا ضَعِيفَةً وَمِنَ الصَّعْبِ جِدًّا عَلَيْهَا أَنْ تَسِيرَ دُونَ مُسَاعَدَةٍ. كَانَتِ الْآنَ فِي غُرْفَةِ الْمَكْتَبِ، وَهِيَ الْغُرْفَةُ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا الْعَائِلَةُ فِي الْمُعْتَادِ. كَانَ مِنَ السَّهْلِ مُلَاحَظَةُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْغُرْفَةُ الَّتِي تَتَلَقَّى فِيها كلارا دُرُوسَهَا أَيْضًا، حَيْثُ كَانَ ثَمَّةَ مَكْتَبَةٌ أَنِيقَةٌ ذَاتُ أَبْوَابٍ زُجَاجِيَّةٍ تَحْتَوِي عَلَى كُلِّ مَا قَدْ تَحْتَاجُهُ الْفَتَاةُ. وَمَعَ ذَلِك، وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ بِالذَّاتِ، كَانَتْ تَتَمَنَّى بِبَسَاطَةٍ أَنْ تَفْعَلَ أَيَّ شَيْءٍ، وَحِينَئِذٍ فَقَطْ سَمِعَتْ أَصْوَاتَ زُوَّارٍ عَلَى الْبَابِ.

كَانَ وَجْهُهَا الصَّغِيرُ رَفِيعًا وَشَاحِبًا. تَنَقَّلَتْ عَيْنَاهَا الزَّرْقَاوَانِ الْهَادِئَتَانِ مِنَ السَّاعَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ بِالْغُرْفَةِ.

سَأَلَتْ كلارا بِهُدُوءٍ: «هَلْ هَؤُلَاءِ هُمْ يَا سَيِّدَةُ روتينماير؟» أَصْغَتْ لِلْأَصْوَاتِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْمَدْخَلِ الْأَمَامِيِّ.

كَانَتِ السَّيِّدَةُ الَّتِي تَتَحَدَّثُ إِلَيْهَا تَجْلِسُ بِهُدُوءٍ إِلَى مِنْضَدَةٍ صَغِيرَةٍ. كَانَتْ مُدَبِّرَةُ الْمَنْزِلِ مَسْئُولَةً عَنْ رِعَايَةِ الْفَتَاةِ مُنْذُ وَفَاةِ أُمِّهَا مُنْذُ سَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ، وَكَانَتْ هِيَ الَّتِي تَحَدَّثَتْ ديتا مَعَهَا عَنْ هايدي.

كَانَتْ كلارا عَلَى وَشْكِ أَنْ تَطْرَحَ سُؤَالَهَا مُجَدَّدًا عِنْدَمَا وَصَلَتْ ديتا وَهايدي عِنْدَ بَابِ الْمَكْتَبِ.

نَظَرَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير إِلَى هايدي لِبِضْعِ دَقَائِقَ، ثُمَّ سَأَلَتْهَا: «مَا اسْمُكِ؟»

قَالَتِ الصَّغِيرَةُ بِهُدُوءٍ: «هايدي.»

تَدَخَّلَتْ ديتا بِسُرْعَةٍ لِتَغْيِيرِ إِجَابَتِهَا. «اسْمُهَا التَّعْمِيدِيُّ هُوَ أديلهايد، مِثْلُ اسْمِ أُمِّهَا الْمُتَوَفَّاةِ.»

اقْتَرَبَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير خُطْوَةً مِنَ الطِّفْلَةِ وَقَالَتْ: «يَجِبُ أَنْ أُخْبِرَكِ يَا ديتا أَنَّنِي مُنْدَهِشَةٌ لِرُؤْيَةِ فَتَاةٍ صَغِيرَةٍ كَهَذِهِ. لَقَدْ أَخْبَرْتُكِ أَنِّي أُرِيدُ فَتَاةً فِي عُمْرِ كلارا. كلارا فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ. فَكَمْ عُمْرُ أديلهايد؟»

أَجَابَتْ ديتا وَهِيَ تُحَاوِلُ أَنْ تُخْفِيَ الْحَقِيقَةَ: «لَقَدْ نَسِيتُ الْعَدَدَ. لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَقُولَ بِالضَّبْطِ، وَلَكِنْ أَظُنُّ أَنَّهَا فِي الْعَاشِرَةِ أَوْ مَا يَقْرُبُ ذَلِك.»

تَدَخَّلَتْ هايدي فِي النِّقَاشِ: «أَخْبَرَنِي جَدِّي أَنَّنِي فِي الثَّامِنَةِ.» لَكَزَتْهَا ديتا فِي ظَهْرِهَا بِإِصْبَعِهَا.

صَرَخَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير: «مَاذَا؟! فِي الثَّامِنَةِ فَقَطْ؟ أَصْغَرُ بِأَرْبَعِ سَنَوَاتٍ! مَا الْفَائِدَةُ الَّتِي سَتَجْلِبُهَا؟ لَقَدْ أَرَدْنَا شَخْصًا يُشَارِكُ كلارا فِي الدُّرُوسِ وَالْقِرَاءَةِ! مَاذَا قَرَأْتِ يَا صَغِيرَةُ؟»

قَالَتْ هايدي: «لَا شَيْءَ.»

– «مَاذَا؟»

قَالَتْ هايدي: «لَمْ أَتَعَلَّمِ الْقِرَاءَةَ قَطُّ.»

صَاحَتِ السَّيِّدَةُ الْأَكْبَرُ سِنًّا: «الرَّحْمَةَ! لَا تَعْرِفِينَ الْقِرَاءَةَ! ديتا، كَيْفَ تَجْلِبِينَ لِي طِفْلَةً مِثْلَ هَذِهِ؟ لَمْ تُخْبِرِينِي كَيْفَ هِيَ!»

أَجَابَتْ ديتا بِهُدُوءٍ: «مِنْ فَضْلِكِ، إِنَّهَا فَتَاةٌ لَطِيفَةٌ، إِنَّهَا تُمَثِّلُ تَمَامًا نَوْعَ الْمُرَافِقِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كلارا. يَجِبُ أَنْ أَذْهَبَ الْآنَ، وَلَكِنَّكِ سَتَرَيْنَ كَمْ سَتَنْسَجِمَانِ بِشِدَّةٍ.» خَرَجَتْ ديتا مِنَ الْغُرْفَةِ وَهِيَ تَنْحَنِي ثُمَّ رَكَضَتْ إِلَى الْأَسْفَلِ. وَقَفَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير لِلَحْظَةٍ لَا تَعْلَمُ مَاذَا تَفْعَلُ، ثُمَّ رَكَضَتْ عَلَى السُّلَّمِ خَلْفَ الْمَرْأَةِ. كَانَ لَدَيْهَا الْكَثِيرُ مِنَ الْأَسْئِلَةِ حَوْلَ الطِّفْلَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتْرُكَهَا تَرْحَلُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.

بَقِيَتْ هايدي بِجَانِبِ الْبَابِ. فَأَشَارَتْ لَهَا كلارا لِكَيْ تَأْتِيَ وَبَدَأَتَا فِي الْحَدِيثِ.

بَدَأَتْ كلارا مُتَسَائِلَةً: «هَلْ كَانَ لَدَيْكِ دَائِمًا هَذَا الشَّعْرُ الْقَصِيرُ الْمُجَعَّدُ؟»

قَالَتْ هايدي: «نَعَمْ، أَظُنُّ ذَلِك.»

اسْتَمَرَّتْ كلارا: «هَلْ أَنْتِ سَعِيدَةٌ بِالْقُدُومِ إِلَى هُنَا؟»

قَالَتْ هايدي: «لَا، وَلَكِنِّي سَأَذْهَبُ إِلَى الْمَنْزِلِ غَدًا. سَآخُذُ هَدِيَّةً لِلْجَدَّةِ. أَعْتَقِدُ أَنِّي سَآخُذُ لَهَا رَغِيفًا مِنَ الْخُبْزِ الْأَبْيَضِ. تَقُولُ ديتا إِنَّهَا سَتَكُونُ مُفَاجَأَةً لَطِيفَةً لَهَا.»

ضَحِكَتْ كلارا: «أَنْتِ طِفْلَةٌ مُضْحِكَةٌ. لَقَدْ أُرسِلْتِ إِلَى هُنَا لِتَعِيشِي مَعِي وَتُشَارِكِينِي فِي دُرُوسِي، وَالْآنَ أَكْتَشِفُ أَنَّكِ لَا تَعْرِفِينَ حَتَّى الْقِرَاءَةَ. سَنَسْتَمْتِعُ بِذَلِك! مُعَلِّمِي شَخْصٌ لَطِيفٌ. سَيُحِبُّ تَعْلِيمَكِ أَيْضًا.»

هَزَّتْ هايدي رَأْسَهَا وَبَدَأَتْ فِي قَوْلِ شَيْءٍ مَا، وَلَكِنَّ السَّيِّدَةَ روتينماير عَادَتْ إِلَى الْغُرْفَةِ. لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنَ اللِّحَاقِ بِديتا، وَالنَّظْرَةُ الَّتِي عَلَى وَجْهِهَا أَخْبَرَتْ هايدي وَكلارا أَنَّهَا لَا تَزَالُ غَاضِبَةً مِنَ الْأَمْرِ.

قَالَتْ: «لَقَدْ حَانَ وَقْتُ الْعَشَاءِ.» أَخَذَ سيباستيان — كَبِيرُ الْخَدَمِ — الْفَتَاتَيْنِ إِلَى الطَّاوِلَةِ. وَأَثْنَاءَ تَنَاوُلِهِمَا الطَّعَامَ، جَهَّزَتْ تينيت — الْخَادِمَةُ — غُرْفَةَ الضُّيُوفِ مِنْ أَجْلِ هايدي.

وَصَلَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير إِلَى الطَّاوِلَةِ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ لِتَسْمَعَ هايدي فِي مُحَادَثَةٍ بَسِيطَةٍ مَعَ سيباستيان.

– «أديلهايد، يَجِبُ أَنْ تَفْهَمِي أنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ تَتَحَدَّثِي مَعَ الْخَدَمِ إِلَّا إِذَا كَانَ لَدَيْكِ أَمْرٌ لَهُمْ.» ثم أَمْسَكَتْ بِذَقْنِ الْفَتَاةِ وَأَدَارَتْهَا نَحْوَهَا بِقَسْوَةٍ مُضِيفَةً: «لَا تَجْعَلِينِي أَسْمَعُكِ تَتَحَدَّثِينَ إِلَى سيباستيان بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ مُجَدَّدًا أَبَدًا!»

بَيْنَمَا اسْتَمَرَّتِ السَّيِّدَةُ روتينماير فِي إِلْقَاءِ قَائِمَةِ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَتَّبِعَهَا هايدي فِي الْمَنْزِلِ، بَدَأَتْ عَيْنَا الْفَتَاةِ الصَّغِيرَةِ تَنْغَلِقُ بِبُطْءٍ. فَقَدْ كَانَتْ مُسْتَيْقِظَةً مُنْذُ الْخَامِسَةِ صَبَاحًا وَقَامَتْ بِرِحْلَةٍ طَوِيلَةٍ طَوَالَ الْيَوْمِ. مَالَتْ لِلْخَلْفِ فِي مَقْعَدِهَا وَسُرْعَانَ مَا اسْتَغْرَقَتْ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ.

عِنْدَمَا وَصَلَتِ السَّيِّدَةُ روتينماير أَخِيرًا إِلَى نِهَايَةِ خِطَابِهَا، قَالَتْ: «الْآنَ تَذَكَّرِي مَا قُلْتُهُ يَا أديلهايد! هَلْ فَهِمْتِ كُلَّ شَيْءٍ؟»

قَالَتْ كلارا بِابْتِسَامَةٍ وَاسِعَةٍ عَلَى وَجْهِهَا: «هايدي نَائِمَةٌ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ.» فَلَا تَذْكُرُ أَنَّهَا اسْتَمْتَعَتْ بِوَقْتٍ طَيِّبٍ عَلَى الْعَشَاءِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ قَبْلُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤