مزايا التاريخ الإسلامي على سائر التواريخ

فتاريخ الإسلام من التواريخ الخاصة المتعلقة بالأمم أو الدول؛ لأن المراد بها ذكر حوادث الأمة الإسلامية أو الدولة الإسلامية، ومقابلة تاريخ الرومان أو اليونان أو الفرس ونحوهم، لكنه يمتاز عنها بأمور جديرة بالاعتبار، أهمها:
  • (٦)

    أن تاريخ الإسلام حلقة موصلة بين الشرق والغرب؛ لأنه بامتداد أصحابه إلى أقصى الشرق وإلى أقصى الغرب تمكنوا من الوصل بينهما. وهو أيضًا حلقة موصلة بين التمدن الغربي القديم، والتمدن الغربي الحديث؛ لأنه حفظ ما توالى على عوامل التمدن الغربي القديم من التغيير أو التحوير في العلوم الفلسفية والطب مما اشتغل به المسلمون في أثناء تمدنهم، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بتاريخ الإسلام.

  • (٧)

    يمتاز تاريخ الإسلام عن سائر تواريخ الأمم والدول، بما يدخل تحته من تواريخ العناصر المختلفة التي أنقها الإسلام في أواسط آسيا وغيرها، وكانت في حال البداوة أو الهمجية، فساقها إلى المدنية، أو العلم حتى نبغ منها العلماء والفلاسفة ورجال السياسة والإدارة. وأشهرهم الأتراك والمغول والبربر والزنوج.

    وهنا نقطة يحسن بنا الوقوف عندها لحظة، لنذكر شيئًا عن كل من تلك الأمم:

(١) الأتراك

كان الأتراك قبل الإسلام، أهل بادية يقيمون في أواسط آسيا بين الهند والصين وسيبريا. ولم يعرفوا عن أهل الغرب من اليونان أو الرومان إلا قليلًا. فكان الفرس يقتنونهم للرق والخدمة، ويتهادونهم كما يتهادون المتاع. فلما جاء العرب وفتحوا بلادهم وجندوهم، نهضوا في جملة الناهضين، وتولوا الإمارات. ثم أَنشَئوا الدول العظمى في فارس والعراق والشام ومصر وآسيا الصغرى والقسطنطينية وأفغانستان وتركستان. وأشهرها الدولة الطولونية والإيليكية والإخشيدية والغزنوية والسلجوقية بفروعها ودول الأتابكة التي تخلفت عنها. ويزيد عدد الدول الشرعية الإسلامية على ثلاثين دولة. واتسع سلطانهم حتى وطئت خيولهم أواسط أوربا، ونبغ منهم القواد والساسة والفقهاء والكتاب وشادوا القصور والمساجد والمعاهد. وأَنشَئوا المارستانات والمدارس والتكيات.

وأكثر ما بقي من آثار الإسلام في مصر والشام والعراق من بنائهم، فهؤلاء لا سبيل إلى معرفة أحوالهم إلا بتاريخ الإسلام.

(٢) المغول

والمغول طوائف رُحَّل، كانوا يقيمون حوالي بحيرة «بيقال» في جنوبي سيبريا. ولم يظهروا للعالم إلا بعد الإسلام. وكانوا قبل ذلك قبائل يعيشون بالغزو والنهب والصيد والقنص.

فلما احتكوا بالمسلمين في تركستان ورأوا دولهم وجيوشهم، عملوا على الاقتداء بهم، حتى عمدوا إلى فتح مملكتهم ففتحوها ببداوتهم وخشونتهم، وأمعنوا فيها قتلًا ونهبًا وإحراقًا على يد جنكيز خان. ولكنهم ما لبثوا أن تحضروا، لمعاشرتهم المسلمين في فارس والعراق. وأَنشَئوا دولًا عظمى حكمت الشرق خمسة قرون ونصف قرن، أشهرها أربع دول كبرى هي دول أقطاي وطلوي وجوجي وجغطاي.

وتفرعت منها دول أخرى امتدت سطوتها وخفقت أعلامها على زنقاريا وبلاد المغول والقبجاق وتركستان. وفتحوا المملكة الإسلامية، وأمعنوا في بلاد فارس والعراق والشام.

ونبغ منهم الساسة والقواد، بعد أن كانوا أهل أوثان، أسلموا وشادوا المساجد والمدارس والمعاهد، وعمروا المدن في أقصى الشرق وأقاموا فيها الأبنية الباذخة، والقصور الشامخة، وغرسوا الحدائق والبساتين وهذه الدول لا سبيل إلى معرفة أخبارها إلا بتاريخ الإسلام.

(٣) البربر

ويراد بهم أفريقيا الشمالية، وهم قبائل رحل، كانوا قبل الإسلام من الهمجية والجهلة على جانب عظيم، وكانوا أصحاب أوثان، يعتصمون الجبال ويتقاضون إلى الكهان، يكرهون المدنية وأهلها، وقد قاسى اليونان واليونان والرومان من غزوهم ونهبهم عذابًا شديدًا، ولم يكن لهم شغل غير ذلك، ولاقى العرب أيام الفتح مشقة كبرى في إخضاعهم، فلما خضعوا وأسلموا تجندوا للخلفاء والأمراء، وافتتحوا البلاد، ولاسيما في الغرب فاكتسحوا الأندلس بقيادة طارق بن زياد، وكانوا عونًا كبيرًا في قيام دولة الأدارسة والدولة الفاطمية، وأَنشَئوا دولة الملثمين والمرابطين والموحدين والمصامدة وآل زبري وغيرهم مما لا يحصى، وقد جندوا الجنود وبنوا المعاقل وأخذوا بأسباب المدنية ولا وسيلة لمعرفة أخبارهم إلا بتاريخ الإسلام.

(٤) الزنوج

كان الزنوج، ولا يزال السواد الأعظم منهم، يُحملون إلى الآفاق كما تحمل الأغنام — يباعون بيع السلع — فكانوا يرضخون تحت نير المتمدنين، وكانوا يعبدون الحجارة أو الشجر، وبعضهم لا يفهم معنى الدين أو العبادة. وكان المعروف في مواطنهم عند ظهور الإسلام شمالي أفريقيا وبعض غربيها وشرقيها.

فلما انساج العرب في الأرض للفتح أو المهاجرة، ذهبت قبائل منهم إلى أواسط أفريقيا، فضلًا عن شواطئها، فاكتسب الزنوج منهم أخلاق الأمم المتمدنة، وأسلموا. ثم انتظموا في الجندية، وتألفت منهم فِرق حاربت تحت رايات الخلفاء في بلاط الخلفاء، حتى صاروا من أهل الحل والعقد.

وتولى بعضهم الحكومة، ثم تجندوا لأنفسهم، ونهضوا كما تنهض الأمم الراقية، فألفوا جيشًا حاربوا به الدولة العباسية عدة سنين، حتى أقلقوا راحتها. وفتحوا المدن، وكادوا يؤسسون دولة إسلامية كبرى.

على أنهم أنشائوا دولًا صغرى في أواسط أفريقيا وغربيها، ونبغ منهم الحكام والقواد، وأشهرهم: كافور الإخشيدي صاحب مصر. وظهر غير واحد من الشعراء ونظموا القصائد الحسنة، ونبغ منهم جماعة من القراء والفقهاء، وتدخل أخبارهم في تاريخ الإسلام.

وقس على ذلك أخبار أمم الشمال: كالكرج والأرمن والأكراد والخزر والصقالبة وغيرهم.

ناهيك بالعرب أنفسهم وتاريخهم قبل الإسلام وبعده، لولا الإسلام لذهبت أخبارهم وأخبار الأمم الإسلامية الأخرى. وأكثر ما يعرفه المتمدنون في هذه الأمم، أخذوا تاريخ الإسلام.

  • (٨)

    أرخ المسلمون فترة من الدهر، لم يعرف تاريخها لولاهم؛ لأن حوادث ظهور الإسلام وما تلاه من أخبار الفتح وما عقب ذلك من إنشاء التمدن ونشر لواء العلم ونقل الفلسفة وغيرها من علوم القدماء، وما اقتضاه ذلك من التغيير والتبديل، قلما عرف عنه الإفرنج شيئًا لولا تاريخ الإسلام.

  • (٩)

    إن مدة هذا التاريخ أطول من مدد سائر التواريخ؛ لأن الإسلام يشمل دولًا شتى إسلامية، إذا انقضت دولة قامت أخرى. ونحن في القرن الرابع عشر من تاريخ الهجرة. وقد توالى في الإسلام مئات من الدول من أمم مختلفة في آسيا وأفريقيا وأوربا. ولا يزال من هذه الدول كثير حتى الآن في هذه القارات. منها الدول الكبرى كالدولة العثمانية والفارسية والدول الصغرى في الهند وجزيرة العرب وأفريقيا.

    ولا نعرف أمة طال سلطانها في الأرض مثل هذه المدة. ولا يزال عمر الإسلام طويلًا، بل هو في نهضة إصلاحية تساعده على طول بقائه. فهو لذلك يحتوي على تاريخ أطول من سائر التواريخ.

  • (١٠)

    يمتاز تاريخ الإسلام عن سواه أنه يشتمل على تاريخ السياسة والدين والعلم والشريعة. وهذا قلما يجتمع في التواريخ الأخرى.

    وتاريخ الفقه الإسلامي لا يدانيه تاريخ فقه لأمة من أمم الأرض بما يدخل فيه من إعمال الفكر واستنباط العقل. وقس عليه تاريخ العلم؛ لأن المسلمين أتوا في نهضتهم العلمية في العصر العباسي بما لم يأته غيرهم في نهضة، فقد اشتغلوا بعلوم اليونان والفرس والهنود والسريان وغيرهم ونقلوها إلى لسانهم وذكروا أخبارها وأحوالها، فضلًا عما في اختلاف أجناس المؤرخين من جوامع الفوائد، فإن بينهم العربي والفارسي والتركي والرومي والمصري والسرياني والهندي وغيرهم. ولكل امة مزية، فاجتمعت هذه المزايا في تاريخ الإسلام.

  • (١١)

    يشتمل تاريخ الإسلام على عِبر تاريخية لا يتيسر اجتماع مثلها في تاريخ أمة أخرى؛ لكثرة العناصر والأجناس الداخلة في الإسلام، ولكلٍّ منها عادات وأخلاق.

    وكان في كتَّاب المسلمين ميل إلى ذكر الحوادث والإشارة إلى العبرة والوفاء فيها. على أننا لا ننكر ما في تواريخ الأمم الأخرى من المزايا التي قد تمتاز بها على تاريخ الإسلام.

(٥) تاريخ مصر بالنظر إلى سواه

إن تاريخ مصر من قبيل التواريخ الخاصة؛ لأنه يختص بمصر دون سواها من البلاد، وهو تاريخ طويل؛ لأن مصر من البلاد التي تمدنت قديمًا، ولعلها أقدم الممالك المتمدنة التي وصل إلينا خبرها. ويقسم تاريخها إلى قسمين كبيرين: قديم وحديث.

فالتاريخ القديم يشتمل على تاريخها من أول عهدها إلى الفتح الإسلامي، ويدخل فيه تاريخ دول الفراعنة، وينتهي هذا بفتح الإسكندر الإسكندريةَ سنة ٣٣٢ق.م. ودولة البطالسة تبدأ بفتح الإسكندر وتنتهي بالفتح الروماني سنة ٣٠ق.م. والدولة الرومانية تبدأ بهذا الفتح وتنتهي بفتوح الإسلام سنة ٦٤٠م.

وتاريخها الحديث يبدأ بفتوح الإسلام سنة ٦٤٠م، ولا يزال، وهو تاريخها الإسلامي.

ويقسم تاريخها الحديث الإسلامي إلى ١٢ دولة كلها إسلامية، يتخللها الفتح الفرنساوي على يد «بونابرت» ثلاث سنوات. ونعدها دولة ثالثة عشرة، وهي:
  • (١)

    دولة الخلفاء الراشدين: من سنة ١٨–٤١ﻫ أو من ٦٤٠–٦٦١م.

  • (٢)

    الدولة الأموية: من ٤١–١٣٢ﻫ أو من ٦٦١–٧٥٠م.

  • (٣)

    الدولة العباسية: للمرة الأولى من ١٣٢–٢٥٧ﻫ أو من ٧٥٠–٨٧٠م.

  • (٤)

    الدولة الطولونية: من ٢٥٧–٢٩٢ﻫ أو من ٧٨٠–٩٠٥م.

  • (٥)

    الدولة العباسية: للمرة الثانية من ٢٩٢–٣٢٣ﻫ أو من ٩٠٥–٩٣٤م.

  • (٦)

    الدولة الإخشيدية: من ٣٢٣–٣٥٨ﻫ أو من ٩٣٤–٩٦٩م.

  • (٧)

    الدولة الفاطمية: من ٣٥٨–٥٦٧ﻫ أو من ٩٦٩–١١٧١م.

  • (٨)

    الدولة الأيوبية: من ٥٦٧–٦٤٨ﻫ أو من ١١٧١–١٢٥٠م.

  • (٩)

    دولة المماليك الأولى: من ٦٨٤–٧٨٤ﻫ أو من ١٢٥٠–١٣٨٢م.

  • (١٠)

    دولة المماليك الثانية: من ٧٨٤–٩٢٣ﻫ أو من ١٣٨٢–١٥١٧م.

  • (١١)

    الدولة العثمانية: من ٩٢٣–١٢١٣ﻫ أو من ١٥١٧–١٧٩٨م.

  • (١٢)

    الحملة الفرنساوية: من ١٢١٣–١٢١٦ﻫ أو من ١٧٩٨–١٨٠١م.

  • (١٣)

    الدولة المحمدية العلوية: من ١٢١٦ﻫ أو ١٨٠١م ولا تزال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤