الفصل السابع

نحو تنظيم موحد للمسلمين في ألمانيا

(١٩٨٩م)

«المأمول أن ينتفع المسلمون من معرفة التجارب التاريخية التي مرَّ بها المسيحيون واليهود.»

شتيبات
يبدو أن الوقت قد حان للتفكير الجدي في اتخاذ خطوات ملموسة على الطريق إلى تكوين تنظيم موحَّد للمسلمين في ألمانيا الاتحادية وبرلين الغربية. والمشكلة واضحة ومعروفة؛ فلا يمكن أن يتوقع المسلمون أن تعترف بهم الدولة اعترافًا كاملًا ما لم يواجهوها باعتبارهم مؤسسة أو تنظيمًا موحدًا. وبصرف النظر عن هذه المهمة القانونية، فهناك مهام موضوعية عديدة لا يستطيع المسلمون أن يحققوها — أو لا يستطيعون أن يحققوها بصورة مرضية — بغير وجود مثل تلك المؤسسة أو ذلك التنظيم الذي يجمع شملهم. وأول ما يخطر على بالي من هذه المهام هو التعليم الديني الذي يستحب على المدى الطويل أن يرسخ وجوده في المدارس العامة، والذي لن يستغني عن الاستعانة بالمعلمين الناطقين باللغة الألمانية، ومن الأمور الطبيعية أن يكون إنشاء هذا التنظيم من شأن المسلمين أنفسهم. ولكني أرجو ألا يعدَّ تعبير صديق من غير المسلمين عن خواطره حول هذا الموضوع نوعًا من التدخل المزعج في شئونهم. ويبدو لي أن الأمر يحتاج إلى تأكيد مبدأين أساسيين هما:
  • (١)

    يجب أن يكون التنظيم دوليًّا أو بالأحرى متجاوزًا للحدود القومية. والواقع أن هذا لا يمثل من الناحية النظرية أي مشكلة؛ لأن الإسلام لا يعترف بوجود أي حدود أو حواجز قومية بين المؤمنين. ولكن المشكلة الكبرى، من الناحية العملية، هي كيفية تجميع مسلمين أتراك، وأكراد، وإيرانيين، وعرب من مختلف البلاد العربية مع مسلمين ألمان في تنظيم واحد، فمجرد اختلاف اللغة يمثل عائقًا لا يستهان به في سبيل التفاهم بينهم، هذا إذا تغاضينا عن أن الناس في كل مكان قد تعلموا على الدوام أن يحددوا هويَّاتهم من خلال انتمائهم لأوطان معينة، وأن يضعوا مصالحهم في إطارات وطنية أو قومية. ولما كان الدين الإسلامي بطبيعته دينًا عالميًّا، فلن يتعذر إيجاد أشكال عملية وعادلة لإطار دولي يضمُّ في داخله جميع الأطراف.

  • (٢)

    يجب أن يكون التنظيم متسامحًا، وذلك بمعنى أن يجعل التجاور والتعاون بين التصورات والاتجاهات والمذاهب الإسلامية المختلفة أمرًا ممكنًا. ربما كان هذا على المستوى النظري أمرًا عسيرًا، فالمؤمن الواثق من إيمانه يميل على الدوام إلى الاعتقاد بأن تصوره عن الدين هو وحده التصور الصحيح، وأن التصورات المختلفة عنه باطلة. وتوجد في صميم الجوهر الخاص بالأديان حدود يُعتبر كل من يتخطاها منفصلًا عن جماعته الدينية، والمسلمون وحدهم هم القادرون على تعيين هذه الحدود التي لا يجوز للمسلم أن يتعداها. ولكن العظمة التاريخية للإسلام ترتكز إلى حدٍّ كبير على توسيعه لهذه الحدود إلى أقصى درجة ممكنة وضم مختلف الاتجاهات والتصورات والمذاهب داخل إطاره الرحب. وربما لا ترجع عبارة «اختلافهم رحمة» إلى النبي عليه السلام نفسه، ولكنها تعبر عن الروح الحقيقية السمحة للإسلام. ولهذا ينبغي على جميع المسلمين على اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم أن يتقبلوا بعضهم بعضًا، ويتناقشوا بعضهم مع بعض، ويشتركوا معًا في التعبير عن مصالحهم. وفي اعتقادي أن المسلمين من الألمان ستقع عليهم مسئولية كبيرة وسيؤدون دورًا رئيسيًّا داخل التنظيم الذي يناط به تحقيق المهام السابقة. ولا أقصد بطبيعة الحال أن يقوم هؤلاء المسلمون الألمان بإضفاء الطابع «الجرماني» على التنظيم المقترح، وإنما أقصد أنهم سيكونون مؤهلين للقيام بدور الوسيط بين الدولة الألمانية والرأي العام الألماني من ناحية، وبين الجماعة الإسلامية من ناحية أخرى، وربما أمكنهم أيضًا أن يتوسطوا بين الاتجاهات والمذاهب المختلفة لإخوانهم في العقيدة والإيمان. وأخيرًا فإن لهم دورًا خاصًّا في تعليم الدين الإسلامي بالمدارس باللغة الألمانية، وتأهيل المعلمين الأكْفاء للقيام بهذه المهمة الجليلة. وينبغي على المؤمنين بديانتي التوحيد الأخريين أن يقفوا مع المسلمين في كل هذه الأمور ويمدُّوهم بالرأي والعون. ولعل إبداء الرأي والمشورة هو الأهم في هذا السياق. فلا ينتظر من أحد أن يقدم للمسلمين وصفة خاصة من عنده تضمن لهم النجاح الأكيد (لا ننسى أن المسيحية قد انتظمت في كنائس عديدة، وأن في اليهودية اتجاهات مختلفة ذات تنظيمات متباينة) ولكن المأمول أن ينتفع المسلمون من معرفة التجارب التاريخية التي مرَّ بها المسيحيون واليهود، ومن متابعة المناقشات التي تدور في هذه الأيام بين المسيحيين واليهود واستخلاص الدروس المفيدة منها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤