الفصل الثاني

تكوين ونمو الملكيات الكبيرة

(١) تحديد وتعريف الملكيات الكبيرة

يُعتبر تحديد الملكية الكبيرة وتميزها عن الملكية المتوسطة أو الصغيرة أو الضئيلة، من المسائل الدقيقة والهامَّة التي تواجه الباحث في مثل هذه الموضوعات، فهناك أكثر من طريقةٍ لهذا التحديد، وكل طريقةٍ لها مميزاتها ولها عيوبها في نفس الوقت، بحيث يصبح من الصعب الوصول إلى تعريفٍ محدَّدٍ للملكية الكبيرة والمالك الكبير، لاختلاف المعايير من مكانٍ إلى آخر ومن وقتٍ إلى وقت.

وتنحصر نُقط الخلاف بين التعريفات المختلفة في الأساس الذي يُبنى عليه التحديد. ومع أن النتائج التي يمكن الوصول إليها ترتبط بدقة الأساس الذي نأخذ به في التحديد، فليس هدفنا هو السعي لاكتشاف أساسٍ للتحديد يصحُّ أن يكون معيارًا مطبِّقًا لقاعدةٍ معيَّنة، بل في اكتشاف رابطةٍ مشابهةٍ طبيعيةٍ تجمع أنواع الملكيات المختلفة، كلٌّ على حدة، ليسهل معالجة حالتها الاجتماعية والاقتصادية.

وتحديد الملكية الكبيرة على أساس المساحة مسألةٌ سهلةٌ لوجود رابطةٍ مشابهةٍ بين كل نوع من أنواع الملكية؛ الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، فالملكية الكبيرة تجمع بين أنواع الملكيات التي تتصف بهذه الصفة، والصغيرة تجمع بين الملكيات التي لا يمكن اعتبارها كبيرة، والمتوسطة هي تلك التي لا يمكن اعتبارها ضمن الكبيرة أو الصغيرة. وهذا التحديد وإن كان سهلًا مبسَّطًا كما هو واضح، إلا أن نقطة الفصل بين كلٍّ منها غير ثابتة، فقد تُعتبر خمسة أفدنة في بلدٍ كمصر ملكيةً صغيرة، بينما ترتفع إلى خمسةٍ وعشرين فدَّانًا في بلدٍ آخر كإنجلترا مثلًا، وتقلُّ إلى فدَّانَين في الهند وأفريقيا الوسطى. كذلك فقد تُعتبر في مصر ملكيةُ خمسين فدَّانًا ملكيةً كبيرةً بينما في فرنسا وإنجلترا ملكية متوسطة. ولا يمكن ترجيح أحد التقديرَين على الآخر، حتى في البلد الواحد، فليس من المعقول التسوية بين فدَّانٍ مخصَّصٍ لزراعة الخُضَر وآخر مخصَّصٍ لزراعة الحبوب، ولا يمكن أيضًا التسوية بين أراضي الحرث وأراضي المراعي، أو بين هذه وأراضي الغابات والحدائق، وحتى إذا أمكننا تقسيم كل نوعٍ من هذه الأراضي على حدةٍ فقد نتجاوز الواقع؛ إذ ليست كل أراضي النوع الواحد متجانسةً في المميزات، فأراضي الحرث، مثلًا، منها القريب إلى المدن ومنها البعيد عنها، ومنها الضعيف والقوي، كذلك فمنها ما تجود فيه بعض زراعاتٍ قيمتُها الاقتصاديةُ عالية، وقد لا تجود في غيرها.١
ولمَّا كان التحديد على أساس المساحة غير دقيق، كما اتضح، فقد ذهب البعض إلى اتخاذ الغلَّة النسبية أساسًا للتحديد، وهذه الطريقة وإن كانت أدق من المساحة، إلا أنه يصعب تطبيقها تطبيقًا مباشرًا لضرورة دقة الحسابات وواقعيتها، وهو يكاد يكون مستحيلًا حتى لدى أقدر الحكومات تنظيمًا، ولهذا ذهب بعض الاقتصاديين إلى جعل أساس التقدير، لا قيمة الغلة، بل قيمة الأدوات الزراعية ورأس المال المُستخدَم في الإنتاج، وهذه الطريقة فضلًا عن كونها غير عمليةٍ، فلا يمكن تطبيقها على كافة أنواع الأراضي، لاختلاف وسائل الإنتاج اختلافًا لا تَناسُبَ بينه وبين مقدار الغلَّة الناتجة، ولا مع قيمة الأرض في ذاتها، ولا مع تطور حجم الآلات والأدوات وقيمتها، ولا مع طبيعة العمل الزراعي في نواحيه المختلفة من مراعٍ وحدائق وغابات، فمثلًا إذا اتخذت وحدة معينة كالمحراث أساسًا للتقدير، فإن هذا التقسيم غير معقول؛ لأن المراعي والحدائق والغابات لا تستخدم أدوات الحرث التقليدية، كما لا يمكن القول بوجود تَناسُبٍ بين أنواع الأراضي وعدد المحاريث المشتغلة فيها، لاحتمال تأجيرها من الغير أو استعارتها.٢

ولمَّا كانت بعض الحكومات، عند وضع خطط الإصلاح الزراعي، جعلت معيار التفرقة بين الملكية الكبيرة والصغيرة المركز الاجتماعي، فقد ذهب البعض إلى جعل المركز الاجتماعي للمُلَّاك أساسًا للتقدير، فاعتبرت الملكية صغيرة حينما يقوم المالك وأفراد عائلته باستغلال الأرض بأنفسهم ودون استخدام أُجَراء، ومتوسطة حين يستخدم مالكها أُجَراء، بالإضافة إلى خدمة أفراد عائلته، وكبيرة حين يؤجِّرها مالكها لصغار المُزارعين أو يلجأ إلى طريقة المزارعة في استغلالها. كما أن طريقة الزراعة لها أثرها في تحديد نوع الاستغلال الزراعي، فقد يلجأ المُزارع إلى الزراعة الخفيفة أو إلى الزراعة الكثيفة، حيث يستعمل في الأولى قدرًا قليلًا من العمل ورأس المال بالنسبة للمساحة، وفي الثانية يكون مقدار المساحة قليلًا بالنسبة للعمل ورأس المال.

ويرى آخرون أن الملكية تُعَدُّ كبيرةً إذا ما استطاع مالكها القيام بنفسه بعملية الاستغلال استغلالًا منظَّمًا من حيث تمويلها بالأموال اللازمة، والاستفادة من كل مفردات التكاليف، بحيث يحصل في النهاية على أرباحٍ عالية، بينما تُعَدُّ الملكية متوسطةً إذا لم تستوعب كل جهود صاحبها، بل تتيح له التفرغ لأعمالٍ إضافيةٍ أخرى خارج حدود ملكيته، وتُعَدُّ ملكيةً صغيرةً تلك التي لا تُستغلُّ، غالبًا، إلا بمعرفة أفراد العائلة دون مساعداتٍ خارجةٍ عنهم، بينما يرى آخرون أن الملكية الكبيرة هي التي لا يفكر مالكها في أن يستغلَّها بمفرده مباشرةً، ومتوسطة تلك التي تكفي غلَّتُها حاجةَ عائلةٍ متوسطةٍ ليست كبيرة العدد، وبشرط أن يخصِّص كل فردٍ من أفرادها مجهوده الخاص لخدمة الأرض، وصغيرة تلك التي لا تكفي غلَّتُها صاحبها بحيث يضطرُّ إلى العمل أجيرًا في مزارع الغير.٣

ومن الملاحظ أن هذه الطرق المختلفة — التي أوردناها — في تحديد الملكية الكبيرة وغيرها من الملكيات، لم تخل من نقد، إما لأنها غير جامعة كما يقتضي التعريف العلمي وإما لأنها صعبة التحقيق، وإما لأنها غير عملية، ومع ذلك فإن أبسط الطرق وأقربها إلى الإمكان هي الطريقة التي تتخذ المساحة أساسًا للتحديد مع مراعاة اتخاذ قيمة الغلة أساسًا للتقدير لتقريب الحقيقة بقدر الإمكان.

هذا فيما يتعلق بتحديد الملكية الكبيرة نظريًّا أو بصفةٍ عامة، أمَّا إذا أردنا أن نحدِّد الملكية الكبيرة في مصر، فقد تواجهنا مثل هذه الصعوبات والمحاذير المختلفة بطبيعة الحال. غير أن مصلحة المساحة والأموال المقرَّرة درجت على اتخاذ المساحة أساسًا للتقسيم، مع مراعاة قيمة الغلَّة الزراعية فقط عند تقدير الأموال المقرَّرة على الأرض، وإن لم تميز الإحصائيات الرسمية، التي نشرتها هذه المصلحة، الملكية الكبيرة من المتوسطة من الصغيرة، فهي تكتفي بتصنيف المساحات تصنيفًا كميًّا في مجموعاتٍ كما يلي: أقل من فدَّانٍ إلى أقل من خمسة أفدنة، من خمسة أفدنةٍ إلى أقل من عشرة أفدنة، من عشرة أفدنة إلى أقل من عشرين فدَّانًا، من عشرين فدَّانًا إلى أقل من ثلاثين فدَّانًا. ثلاثون فدَّانًا إلى أقل من خمسين فدَّانًا، خمسون فدَّانًا فأكثر.٤ وقد يُفهم من هذا التصنيف أن خمسين فدَّانًا فأكثر تمثل الملكية الكبيرة.
وقد لاحظ بعضُ المؤرخين٥ أن الإحصائيات الرسمية في مصر حتى عام ١٩٠٩م لم تذكر سوى تصنيفٍ واحدٍ لصغار المُلَّاك وهم أولئك الذين يملكون خمسة أفدنةٍ فأقل، ثم حدَّدَت بعد ذلك مجموعتين؛ واحدة لمَن يملك أقلَّ من فدَّان، والأخرى لمَن يملك من فدَّانٍ إلى خمسة، كما لم تذكر هذه الإحصائيات تصنيفًا آخر للملكيات التي تزيد على ٥٠ فدَّانًا، ولهذا فقد اقترح تصنيفًا أمثل كما يلي:
  • ملكية ثلاثة أفدنةٍ فأقل، وهي التي لا تكفي أُسرة، ومن ثَم تلجأ إلى تأجير أراضي أخرى أو العمل كأُجَراء.

  • ملكية من ثلاثة أفدنةٍ إلى عشرة أفدنة، وهي ملكية كافية لإعاشة أُسرة.

  • ملكية من عشرة أفدنةٍ إلى مائة فدَّان، وهي ملكية متوسطة يؤجِّر أصحابها جزءًا منها أو يستخدمون أُجَراء فيها.

  • ملكية أكثر من مائة فدَّان، وهم عادةً المُلَّاك الغائبون عن أراضيهم.

والحقيقة أنه لا يوجد إحصاءٌ رسميٌّ يضع حدودًا للملكية الكبيرة في مصر، فمثلًا القانون رقم ٤ لسنة ١٩١٣م يعتبر ملكيةَ خمسة أفدنةٍ ملكيةً صغيرةً حين نصَّ بعدم جواز توقيع الحجز على الملكيات الزراعية الصغيرة، بينما اعتبرت ملكية ثلاثين فدَّانًا من الأراضي الجيدة في عام ١٩٣٢م ملكيةً صغيرة، زادت إلى كل مَن يملك خمسين فدَّانًا ويدفع مائة قرش ضريبة عن الفدَّان الواحد أو مَن يملك مائة فدَّان ويدفع خمسين قرشًا عن الفدَّان في السنة.٦

وقد يكون لهذا التحديد ارتباطٌ بالظروف التاريخية التي ظهر فيها، حيث كانت وزارة المالية بصدد إنشاء قسم التسليف الزراعي، وكانت البنوك العقارية الموجودة آنذاك قد أحجمت عن تقديم سلفيَّات تتراوح بين ثمانمائة جنيهٍ وألف جنيهٍ لمَن يريد من المُلَّاك، ومن ثَم كانت الرغبة وراء إفادة عددٍ كبيرٍ من المُلَّاك بهذه السلفيَّات، إلا أن ذلك لا يمنع اعتبار هذا التحديد للملكية الصغيرة فضفاضًا.

ثم حددت الملكية الصغيرة بعد ذلك بأربع سنوات (عام ١٩٣٦م)، بمَن يملك خمسة عشر فدَّانًا، وذلك حين قُدِّمت مذكرةٌ إلى مجلس الوزراء بشأن إصلاح الأراضي البور وشروط توزيعها على صغار المزارعين على «ألا يكونوا مالكين لأطيانٍ يُدفع عنها أموالٌ أميريةٌ تزيد عن ١٥ جنيهًا سنويًّا».٧
ومع أنه لا توجد مؤشراتٌ رسميةٌ لتحديد الملكية الكبيرة، إلا أن الأمر العالي الصادر في ١٨٩٥م بشأن تعيين عُمد البلاد ومشايخها، حدد المالك بأنه مَن يملك عشرة أفدنةٍ فأكثر. فذكر أنه في حالة خلوِّ وظيفة عُمدة في بلدةٍ ما، يُستخرج كشفٌ بأسماء كبار المُزارعين الذين يملكون عشرة أفدنةٍ فأكثر، ويُقدَّم إلى لجنة الشياخات لاختيار العمد٨ وقد يُقال بأن هذا التحديد مرتبطٌ بظروف عام ١٨٩٥م؛ حين لم تكُن الملكية الفردية قد تبلورت تبلورًا كافيًا.
وربما كان أول تحديدٍ شِبه رسميٍّ للملكية الكبيرة بأنها خمسون فدَّانًا فأكثر، قد ورد على لسان وزير المالية أثناء مناقشة مشروع التسليف العقاري في مجلس النواب، حين قصر مشروع التسليف على مَن يدفع ضريبةً قدرُها خمسون جنيهًا كحدٍّ أعلى سنويًّا (ما يوازي خمسين فدَّانًا)، وحينما شَكَت اللجنة المالية بالمجلس بوجود صعوبة في الحصول على سُلَف عقارية لمَن عداهم، «وعد دولته بأنه سيسعى لدى البنوك لتسهيل التسليف لأصحاب الملكيات المتوسطة والكبيرة».٩
وقد أدَّى عدم وجود تحديدٍ رسميٍّ للملكية في مصر إلى اختلاف الباحثين في ذلك، فمنهم مَن رأى أن الملكية الكبيرة تتمثل فيمَن يملك أكثر من خمسين فدَّانًا،١٠ وهؤلاء تأثروا بتصنيف مصلحة الأموال المقرَّرة، ومنهم مَن رأى الملكية الكبيرة تتمثل فيمَن يملك أكثر من عشرة أفدنة.١١ وهؤلاء دفعَتْهم إلى ذلك الرغبة في الإصلاح الزراعي وإعادة توزيع الملكيات الزراعية.
والبعض رأى أن الحدَّ الأدنى للملكية الكبيرة هو عشرون فدَّانًا، باعتبار أن هذا أقلُّ حدٍّ يتلاءم فيه نظام الملكية الكبيرة، مع الاعتراض على اعتبار خمسين فدَّانًا فأكثر ملكية كبيرة لضيق المساحة بالنسبة لعدد السكان، وعدم وجود حدٍّ أدنى من ذلك يتلاءم نظامه مع نظام الاستغلال السائد في هذه الملكيات، وأن جودة الأراضي في مصر جودةٌ نسبيةٌ بمقارنتها بجودة الأراضي في البلاد الزراعية الأوروبية.١٢

ونعتقد أن تحديد الملكية الكبيرة على أساس المساحة في مصر هو أنسب تحديد، خاصةً وأنه لا يوجد تفاوتٌ كبيرٌ في قيمة الأراضي، وإن كان موجودًا فقد كان بين أراضي الريِّ الدائم وأراضي الحِياض، فضلًا عن أن هذا التحديد هو المعمول به في جميع البلاد الزراعية تقريبًا، ونرى أن الملكية الكبيرة في مصر، خلال فترة البحث، تتمثل فيمَن يملك أكثر من مائة فدَّان، نظرًا لاختلاف جودة الأراضي من مكانٍ إلى آخر، وهذا التحديد مبنيٌّ على ضريبة الأراضي التي تقرر حسب جودة الأرض، بحيث إن مالك خمسين فدَّانًا من الأرض الجيدة يتساوى مع مالك مائة فدَّان من الأرض العادية، لأن كلًّا منهما يدفع ضريبةً حوالي خمسين جنيهًا سنويًّا. فبينما يدفع مالك الخمسين فدَّانًا مائة قرشٍ عن الفدَّان الواحد، يدفع مالك المائة فدَّان خمسين قرشًا عن الفدَّان الواحد، ومع ذلك فليست هناك قاعدةٌ دقيقةٌ تشمل كل الأراضي الزراعية في مصر.

(٢) تكوين الملكيات الكبيرة

تُعدُّ الأطيان العشورية، وقسمٌ من الأطيان الخَراجية (وهو ما عرف بأطيان العهدة وأطيان المسموح)، نواة الملكيات الزراعية الكبيرة، فقد شكَّل معظم أصحابها — كما سنرى — الطبقة الممتازة في المجتمع صاحبة المصالح الزراعية الواسعة والنفوذ السياسي الكبير، منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى توحيد ضرائب الأطيان عام ١٨٩٩م، وانتهاء التفرقة بين الأطيان العشورية والخَراجية.

لم تُعرف الأطيان العشورية بهذا الاسم إلا منذ عام ١٨٥٤م حين أصدر محمد سعيد باشا والي مصر (١٨٥٤–١٨٦٣م) قرارًا بفرض ضريبة العُشر على أطيان الأباعد والجفالك والأواسي، وكانت تلك الأطيان مُعفاةً تمامًا من الضرائب قبل ذلك التاريخ، وقد لاحظ سعيد أن هذه الأراضي تستفيد من مشروعات الريِّ التي تقيمها الحكومة، فرأى أن من الواجب على أصحابها أن يدفعوا ضريبةً نظير استفادتهم من مشروعات الريِّ، على أن تكون هذه الضريبة عينيةً توازي عُشر محاصيل تلك الأطيان.

ولمَّا كان أصحاب تلك الأطيان «ذوات معتبرين وأغنياء»، فقد أشركتهم الحكومة في تقدير الضريبة التي يدفعونها، فطلبت منهم أن يقدِّموا بياناتٍ عن الرِّيع السنوي لأراضيهم، واتُّخذت هذه البيانات أساسًا لوضع الضريبة، ولكن حين أيقنت الحكومة من صعوبة تحصيل هذه الضريبة عينًا، قررت تقسيم الأراضي الخاضعة لضريبة العُشر إلى ثلاث درجات؛ عالٍ، ووسط، ودون — بحسب جودة الأرض — وفُرض على كل درجةٍ مبلغٌ من المال يوازي قيمة العُشر، ثم زِيد مقدار هذه الضريبة في عام ١٨٦٤م، ولم تعُد تسمية الضريبة ﺑ «العُشر» مطابقةً لواقع الحال، فقد تفاوت مقدارُها بين سُدس الرِّيع، وجزء من اثني عشر جزءًا منه.١٣

ومنذ فُرضت هذه الضريبة، أصبح هناك نوعان من الأطيان؛ الأراضي العشورية، وهي التي خضعت لهذه الضريبة، والأراضي الخَراجية، وهي تلك الأطيان التي لم تخضع لهذه الضريبة، وإنما كان يؤدي أصحابها عنها «المال الميري» أو الخَراج.

ولمَّا كان معظم الأطيان العشورية — إن لم يكُن كلها — أساس تكوين الملكيات الكبيرة، فسنتناول بالدراسة كل نوعٍ من أنواع تلك الأراضي.

(٢-١) الأباعد

الأباعد والأبعاديات؛ تشتمل على الأراضي التي كانت خارجةً عن زمام النواحي (القُرى)، واستُبعدت من مساحة ١٨١٣م لأنها لم تكُن منزرعة، والأراضي التي لم يستطع واضعو اليد عليها تقديم ما يثبت حيازتهم لها عند إجراء المساحة، والأطيان التي زادت عن زمام القُرى نتيجة قياس الأراضي أثناء تلك المساحة بالقصبة الجديدة التي استحدثها محمد علي، والتي كانت تقلُّ عن القصبة التي كانت مستخدَمةً من قبلُ بمقدار الثُّلث أو الرُّبع، ولذلك أسفرت عملية المساحة عن زيادة زمام كل قريةٍ بذلك القدر، فاستولت الدولة على ما زاد من الزمام.١٤ وقد أنعم محمد علي بأطيان الأبعادية — متفاوتة المساحة — على البعض، وقيل١٥ في تبرير ذلك إن الشريعة الإسلامية تعطي للخليفة — باعتباره وليَّ الأمر— ولمَن يُنيبهم عنه، حقَّ الإنعام بأطيانٍ خَراجية، على مَن يشاء من الناس، مع إعفائها من الضريبة، وهي ظاهرةٌ شاعت في مصر منذ أقدم العصور، واستمرت تحت الحكم الإسلامي. كما تشير الوثائق إلى أن محمد علي أراد استصلاح هذه الأراضي واستزراعها، فأعطاها لأفرادٍ ألزمهم بزراعتها لتتسع دائرة العمران ويعمَّ الرخاء البلاد.١٦ ولا ريب أن مَنْح الأراضي على شكل إنعاماتٍ يؤدي — في الوقت نفسه — إلى خلق طبقةٍ ترتبط مصالحها بالنظام الذي أقامه محمد علي في مصر، ومن ثَم تحرص على حمايته والذَّوْد عنه، وتعمل على استمراره، فأولئك الذين أنعم الباشا عليهم بالأبعاديات كانوا من الموظفين الأتراك، والجند الباشبوزق (وهم الجنود غير النظاميين، وكان أكثرهم في بداية الأمر من الألبانيين)، وغيرهم من الأجانب (الأوروبيين)،١٧ وكذلك نفر قليل من المصريين الذين اعتمد عليهم الباشا في إدارة دفَّة الأمور في البلاد، ولم يكُن لمعظم هؤلاء جذورٌ في المجتمع المصري، فاستمدُّوا مكانتهم في البلاد من مصالحهم المادية التي كانت الحكومة تدعمها.
ويذكر يعقوب أرتين أن بداية الإنعام على الأفراد بأطيان من الأبعادية ترجع إلى عام ١٨٢٩م، حين أصدر محمد علي أمرًا بمنح أحد رجاله مائة فدَّانٍ من أطيان الأبعادية بناحية شلقان من أعمال القليوبية، وأعفاها من الضرائب، واعتبرها «رزقة بلا مال»، لحائزها حقُّ الانتفاع بها طوال حياته، ثم تئول إلى الدولة بعد وفاته.١٨
ولمَّا كان بعض هذه الأراضي يحتاج إلى بذل عناءٍ لاستزراعه، ولم يكُن لحائزيها حقُّ التصرف فيها، فقد فترت همَّتُهم في إصلاحها، مما دفع الباشا إلى إصدار أمر (في ٢٧ شوال ١٢٥٢ﻫ/يناير ١٨٣٧م)، أعطى لحائزي أطيان الأبعادية رزقةً بلا مال، حقَّ الانتفاع بريعها وتوريثه إلى ذريَّتهم، فإن لم تكُن لهم ذريَّة، فإلى مماليكهم البِيض، وإن لم يكُن للمُنعَم عليه ذريَّة ولا مماليك، آلت أطيانُه إلى الحرمين الشريفين، فإذا بلغ حائز الأبعادية سنَّ الشيخوخة ولم يكُن له وريث، ورغب في التنازل عن حقِّ الانتفاع لأحد الأفراد قبل تنازله، بشرط أن يكون المتنازل له قادرًا على زراعة الأبعادية، وأن يكون هذا التنازل بلا مقابل،١٩ أيْ إنه لم يكُن من حقِّ حائز الأبعادية أن يبيع حقَّ الانتفاع، ورغم ذلك أصبحت هناك حقوقٌ ثابتةٌ على أطيان الأبعادية مهَّدت لنشوء طبقة تستند في وجودها إلى مصالحها الزراعية الواسعة، وإلى النظام الذي ترعرعت في ظلِّه.
ثم كانت الخطوة التالية بعد ذلك بسنوات قلائل حين أعطى أصحاب الأباعد حقَّ الملكية التامة عليها بمُوجِب الأمر العالي الصادر في ٥ من المحرم ١٢٥٨ﻫ (فبراير ١٨٤٢م)، الذي أعطى لهم حقَّ البيع والشراء والتنازل والرهن، ونصَّ على إعطاء أصحاب الأباعد تقاسيط جديدةً من الروزنامجة غيرَ مقيدةٍ بشرط، ينصُّ فيها على أن الأرض مُنحت لهم «رزقة بلا مال إلى ما شاء الله تعالى»،٢٠ فتمَّ بذلك تدعيم الحقوق التي اكتسبتها تلك الطبقة الجديدة.
ولم تكُن أطيان الأبعادية كلها من هذا القبيل (أيْ رزقة بلا مال)، ولكنْ كانت هناك أطيانٌ، من نفس النوع، منحها محمد علي للبعض — وخاصةً البدو — وأعفاهم من الضريبة لعددٍ من السنين، يتراوح بين ثلاث سنوات وسبع سنوات، حسب درجة صلاحية الأرض الزراعية، على أن تُربط عليها الضريبة، في نهاية مدَّة الإعفاء، بواقع الضريبة السائدة في الناحية، فإنْ تعدَّدت فئات الضريبة بالناحية، يُفرض عليها متوسط الضريبة بالنسبة للفدَّان في الناحية، وتُقيَّد أثريةً باسم حائزها.٢١
كما منح للبعض — منذ عام ١٨٢٧م — أطيانًا من الأبعادية والمعمور (أي الأطيان الأثرية)، رزقة بلا مال، بشرط زراعتها أشجارًا، وعلق تسليم تقاسيطها على تنفيذهم هذا الشرط. واستمر هذا النوع من أطيان الرزق معفيًّا من الضرائب حتى عام ١٨٦٨م، حين فُرضت الضرائب على تلك الأراضي حسب حالتها الأصلية، سواءٌ كانت خراجية أو عشورية.٢٢
كذلك كانت الحكومة تؤجِّر أطيانًا من الأبعادية لبعض الأفراد، سواءً بالممارسة أو بالمزاد العلني.٢٣ ثم تقرر في ذي القعدة ١٢٦٨ﻫ (أغسطس ١٨٥٢م) أن يكون تأجير تلك الأطيان — سنويًّا — بالمزاد، وتُعطَى الأولوية في تأجيرها لأصحاب الأطيان المجاورة، وأصبح للمستأجر الحقُّ في الانتفاع بالأرض، ما دام يسدِّد إيجارها سنويًّا دون حاجةٍ إلى إعادة طرحها في المزاد،٢٤ ثم نصَّت اللائحة السعيدية (بند ١١، ١٨٥٨م) على قيدها أثريةً باسم مُستأجِرها، وتحول الإيجار إلى ضريبة، وبذلك كانت ضريبتها أعلى كثيرًا من ضريبة سائر الأطيان الخَراجية، ثم خفضت ضريبتها تدريجيًّا حتى تساوت مع الأطيان الخَراجية، وعُوملت معاملتها، وحصل حائزها على حقِّ ملكيتها مع تطور حقوق الملكية على هذا النوع من الأراضي.٢٥
واستمرت سياسة منْح الأراضي للأفراد بعد عهد محمد علي، ففي عامَي ١٨٥٤- ١٨٥٥م، أصدر سعيد أوامر عاليةً قضت بالتصريح لمَن يشاء من حائزي الأطيان الخَراجية (التي كانت بيد الفلاحين)، بترك الأطيان التي يعجزون عن زراعتها وأداء أموالها، فترك الأهالي مساحاتٍ واسعةً من الأراضي للحكومة عُرفت باسم «أطيان المتروك»، وبلغت مساحة تلك الأطيان في مديريتَي الشرقية والدقهلية وحدهما ٦٦٨٦٦ فدَّانًا، وعُرفت بقية الأطيان التي بقيت في حوزة الأهالي بأطيان «المرغوب»، فاستولى الوالي على بعض أطيان المتروك وقيَّدها باسمه، كما أنعم على بعض أفراد أُسرته وكبار موظفيه ببعض تلك الأطيان، ثم أصدر قرارًا (في جمادى الأولى ١٢٧٥ﻫ/يناير ١٨٥٩م) حولها، بمُوجِبه، من أطيان خَراجية إلى أطيان عشورية. وقد بِيع ما تبقَّى من تلك الأطيان بالمزاد،٢٦ وحصل بعض الأجانب من دائني الحكومة، الذين عجزت الحكومة عن سداد ما لهم من ديونٍ، على مساحاتٍ من أطيان المتروك مقابل تلك الديون بناءً على رغبتهم، ورُبطت هذه الأطيان على مَن اشتروها كأطيانٍ خَراجية.٢٧

وواصل إسماعيل هذه السياسة فاستولى على مساحاتٍ من أطيان الأبعادية، وأمر بإخراج تقاسيطها باسمه وبأسماء أفراد أُسرته، كما منح مساحاتٍ منها لكبار موظفي الدولة. وصدر في عهده قرار مجلس شورى النواب الذي كان يقضي بإعطاء الأراضي البور — لمَن يرغب في استصلاحها — رزقةً بلا مال، لمدَّةٍ تتراوح بين ٥–١٥ عامًا (حسب جودة الأرض)، تُربط في نهايتها بالعشور، أيْ تصبح أطيانًا عشورية. وكان ذلك النوع من الأراضي يحتاج إلى نفقاتٍ كثيرةٍ لاستصلاحه وزراعته، لذلك لم يُقدِم على طلب تلك الأراضي إلا الأثرياء من كبار الموظفين والأعيان.

وليست لدينا إحصائياتٌ عن مساحة أطيان الأبعادية، وكل ما لدينا إحصائياتٌ عن الأطيان العشورية على وجه العموم، وقد حاولنا أن نستخرج من سجلات تقاسيط الروزنامجة٢٨ تقديرًا تقريبيًّا لمساحة الأباعد، ولكنْ تعذَّر علينا ذلك لأن أطيان الأبعادية أصبحت مطروحةً للتداول منذ عام ١٨٤٢م، ولذلك لا يمكن أن تعطينا تقاسيط الروزنامجة رقمًا محدَّدًا — أو حتى تقريبيًّا — لمساحة الأباعد.

(٢-٢) الجفالك

بالإضافة إلى الأباعد، كانت هناك الجفالك،٢٩ وهي مساحات واسعة من أطيان الأبعادية، استولى عليها محمد علي وخصَّصها لنفسه ولأفراد أُسرته، كما شملت أيضًا الأطيان الأثريَّة للقُرى العاجزة عن سداد المال الميري، فتعهد بها محمد علي وأولاده وبناته. هذا بالإضافة إلى أطيان الأواسي المحلولة (الشاغرة) نتيجة إلغاء نظام الالتزام، وقد تحولت جميعها إلى أطيان رزقة بلا مال، خضعت للأمرين الصادرين في يناير ١٨٢٧م وفبراير ١٨٤٢م، فأصبحت بذلك ملكًا مطلقًا للباشا وأولاده، وقد بلغت مساحتها في عام ١٨٤٧م نحو ٥٤١٤٤١ فدَّانًا، وبيانها كما يلي:٣٠
أواسي ٢١٣٦٧٩ فدَّانًا
عهد ٣٢٧٧٦٢ فدَّانًا
جملة ٥٤١٤٤١ فدَّانًا

ولا تتضمن هذه الإحصائية الأبعاديات والبور والأراضي المُستصلَحة وأطيان الرزق الخاصة بالمساجد وأعمال البر.

وقد قُدِّرت مساحة الأراضي الزراعية في مصر في عام ١٨١٣م، ﺑ ٣٢١٨٧١٥ فدَّانًا، وفق إحصاء دي رينيه٣١ كما قدَّرها القنصل البريطاني العامُّ في مصر، في عام ١٨٤٤م، ﺑ ٣٥٩٠٩٣٧ فدَّانًا.٣٢ وبذلك كانت مساحة الجفالك تبلغ نحو ١٨٪ من جملة مساحة الأراضي الزراعية في البلاد، هذا بخلاف أطيان الأباعد التي كان يملكها كبار الموظفين.
وكانت الجفالك تتكون — في عام ١٨٤٧م — من ثمانية عشر جفلكًا، يقع أغلبها في الوجه البحري وتضمُّ زمام ٨٤٣ قرية، هذا بالإضافة إلى مراعي الأغنام والشون والمخازن،٣٣ وشكَّلت في جملتها أساس ملكية أُسرة محمد علي.
وقد ظلَّت أمور الجفالك تُدار بمعرفة ديوان شورى المعاونة٣٤ حتى ١٨٤٣م، حين أُنشِئ لها ديوانٌ خاصٌّ عُرف باسم «ديوان الجفالك والعُهد السنية»، ووُضعت له لائحة خاصة حدَّدت نظامه المالي وعلاقاته بفروعه المختلفة في الأقاليم، وعلاقته بالدواوين الأخرى. كما حدَّدت اللائحة نظام زراعة الجفالك، وكيفية معاملة الفلاحين، واختصاصات موظفي الديوان.٣٥
وكانت أراضي الجفالك تُقسم إلى حصصٍ تُوزَّع على الفلاحين الذين يتولَّون زراعتها مقابل سُدس المحصول بالنسبة لجميع المحاصيل، ما عدا الذرة الصيفي، فكان لهم فيها الرُّبع، والذرة النيلي، وكان يُخصم منها النصف. ويُعطَى الفلاح كل ١٥ يومًا إمَّا أجرًا نقديًّا أو عينيًّا، وعند نهاية العام يُحسب ما يخصُّ كل فلاحٍ من رِيع الأرض ويُخصم منه ما صُرف له خلال العام، وأجور الفلاحين الذين يُجلَبون من خارج أراضي الجفالك للمساهمة في الحصاد، ويُعطى الباقي له. فإذا لم توفِ حصة الفلاح بما عليه، أُضيفت الزيادة إلى حسابه كدَينٍ يُسدَّد في العام التالي، فإذا استمر العجز في مستحقَّاته كُفَّت يداه عن حصته، وتحول إلى «أُجَري» يعمل في أرض الجفالك وقت البذر والحصاد لقاء أجرٍ يومي، وتتوزع حصته على غيره من الفلاحين.٣٦
ولم يكُن للفلاح حقُّ اختيار المحاصيل التي يزرعها، فقد كان ذلك من حقِّ ديوان الجفالك والعهد الذي يحدِّد سنويًّا الدورة الزراعية، وأنواع المزروعات٣٧ فكان الفلاح أداة تنفيذٍ فقط، يتقاضى مقابل ذلك أجرًا عينيًّا هو نصيبه في حصته.
وكان يتولى الإشراف على كل جفلك ناظرٌ تُعاونه هيئةٌ من المعاونين والملاحظين والخولية، ولم يكُن لهؤلاء مُرتباتٌ ثابتة، ولكنْ خُصِّصت لهم نسبةٌ من الأرباح التي يحقِّقها الجفلك في حدود العُشر، بعد استبعاد سائر المصروفات وحصص الفلاحين، وذلك حتى لا يتقاعسوا عن بذل الجهد لتوفير أكبر قدْرٍ ممكنٍ من المحصول، فكان الناظر يحصل — وحده — على نصف العُشر، أمَّا النصف الآخر فكان يُقسم بين المعاونين والملاحظين بالتساوي، أمَّا الخولي فكان له ما يعادل نصيب ثلاثةٍ من الفلاحين.٣٨

وبديهيٌّ أن الغُرْم — في هذا النظام — كان واقعًا على الفلاحين وحدهم، فقد كان لزامًا عليهم أن يجدُّوا في عملهم، لا ليكسبوا عيشهم فحسب، بل ليضمن المشرفون على إدارة الجفالك نصيبهم في الأرباح، ومن ثَم تعرَّض الفلاحون لمَظالم هؤلاء المشرفين ومغالطتهم في الحساب السنوي، حتى كان الفلاح يخرج صفر اليدين، إن لم يكُن مَدينًا بمبلغٍ ينوء به كاهله، ويهبط به إلى مستوى «الأُجَري» الذي لا يضمن قُوت يومه.

وقد بلغت أحوال الفلاحين في الجفالك حدًّا كبيرًا من السوء، لدرجة أن بعض الأجانب المتصلين بمحمد علي اقترح عليه إقامة مطاعم جماعية بكل جفلك تُقدَّم فيها للفلاحين وجباتٌ غذائيةٌ يقيمون بها أودهم، أو يُسمح لهم بنقل نصيبهم من الأطعمة إلى بيوتهم، كما اقترح عليه أيضًا إقامة مَنسجٍ بكل جفلك لصناعة القماش اللازم لملابس الفلاحين، ولكن هذه الاقتراحات قُوبِلت بالرفض.٣٩ وأدَّى سوء أحوال الفلاحين إلى تفشِّي ظاهرة التسحُّب (أي الهرب من الأرض)، وصدرت التعليمات المشدَّدة بإعادة الفلاحين الآبقين إلى أراضي الجفالك بالقوة، وحث النُّظَّار على العمل على ملافاة تكرار حدوث هذه الظاهرة.٤٠ وتذكَّر هلن رفلن Helen Rivlin أن الفلاحين الهاربين من الجفالك كانوا يُساقون مع زوجاتهم وأطفالهم تحت حراسةٍ عسكريةٍ إلى الجفالك التي هربوا منها، وأن عدد مَن رحلوا من مديرية البحيرة وحدها بلغ نحو ١٢ ألف أُسرة.٤١ ويدلُّنا هذا على أن الفلاح — في أطيان الجفالك — كان مرتبطًا بالأرض ارتباطًا يجعله لا يكاد يفترق عن منزلة أقنان الأرض، بل كان دونهم منزلة، فهو الذي عليه أن يكدَّ في زراعة الأرض من أجل سادته، ولم يكُن له لدى هؤلاء السادة أيُّ التزامٍ يضمن له نصيبه في قُوت يومه، ويوفر له الحماية والأمان.

(٢-٣) الأواسي

أمَّا أطيان الوسية فهي الأراضي التي نتجت عن إلغاء نظام الالتزام في عهد محمد علي، فقد أبقى الباشا بعض أطيان الوسية بيد الملتزمين، وأعفاها من المال، وأعطاهم حقَّ الانتفاع بها، سواءً بزراعتها أو تأجيرها مدى حياتهم، على أن تئول إلى الحكومة عند وفاتهم، وسمح لهم بالتنازل عنها لمَن يشاءون بشرط ثبوت مقدرة المتنازل لهم على زراعتها.٤٢
واستمرت أطيان الوسية خَراجية حتى ١١ أكتوبر ١٨٥٤م، حين صدر الأمر الذي نصَّ على إخضاعها لضريبة العُشر، فتحولت إلى أطيانٍ عشورية، وعوملت معاملة تلك الأطيان منذ ذلك الحين، ولكنْ ظلَّ حائزوها لا يتمتعون إلا بحقِّ الانتفاع بها مدى حياتهم، لذلك كثرت الالتماسات المقدَّمة للوالي لطلب الإذْن بوقف تلك الأطيان لصالح ذريَّتهم، مما دفع سعيد إلى إصدار أمر (أغسطس ١٨٥٥م) منحهم بمقتضاه حقَّ توريثها لذريتهم الذكور والإناث على حدٍّ سواء، بشرط ألَّا تنحل (أيْ تئول إلى الدولة) إلا عند انقراض نسلهم، أمَّا مَن لم تكُن لهم ذريَّة، فقد نصَّ الأمر على استمرار استحواذ الدولة عليها بعد وفاة أصحابها.٤٣
كذلك لم يكُن لأصحاب الأواسي حقُّ وقْفها إلا على أعمال البر والمساجد، ولم يكُن يُسمح لهم بوقفها على غير ذلك من الأغراض.٤٤
ومنذ عام ١٨٥٧م، أصبح من حقِّ أقارب صاحب الوسية الذي يُتوفَّى دون أن يعقب ذريَّةً أن يرثوا عنه أرض الوسية بشرط أن يكونوا قادرين على زراعتها وسداد أموالها، فإذا لم يتوفر فيهم هذا الشرط، أُضيفت الأطيان إلى زمام الناحية، ورُبطت على الفلاحين كأطيانٍ خَراجية.٤٥
وبذلك كانت أطيان الوسية عشوريةً اسمًا فقط، فلم يكُن أصحابها يتمتعون بحقِّ الملكية التامة كأصحاب القسمين الآخرَين من الأطيان العشورية، ونعني بهما الأباعد والجفالك، وكانت الميزة الوحيدة التي يتمتعون بها هي أنهم كانوا يخضعون لضريبة العُشر التي كانت أقلَّ من الضريبة الخَراجية بكثير، إذ بلغ متوسط الضريبة بالنسبة للفدَّان العشوري — في عام ١٨٧٣م — ٣٧ قرشًا، بينما كان متوسط الضريبة بالنسبة للفدَّان الخَراجي — في نفس العام — ١٢٦ قرشًا.٤٦ لكن الوضع القانوني لأرباب الوسايا كان أقرب إلى وضع أصحاب الأطيان الخَراجية، رغم أن حقوقهم على أراضيهم كانت أكثر ثباتًا من هؤلاء.
وبعد صدور قانون المقابلة حصل أرباب الأواسي على حقِّ التصرف في أطيانهم بالبيع والشراء والتنازل والوقف كسائر الأطيان العشورية في حالة سدادهم المقابلة، ولكن الأمر الصادر بهذا الصدد نصَّ على إلغاء «فوائض الالتزام»، وهي المُرتَّبات التي كانت تُصرف لبعضهم من الروزنامجة كتعويضٍ عن أطيان الالتزام التي انتُزعت٤٧ منهم، وبذلك انتهت التفرقة التي كانت قائمة بين الأواسي وسائر الأطيان العشورية.

•••

وهكذا شكَّلت الأطيان العشورية بأقسامها الثلاثة؛ الأباعد والجفالك والأواسي، جانبًا كبيرًا من الملكيات الزراعية الكبيرة، أمَّا بقية هذه الملكيات فقد تكونت من نوعين من الأطيان الخَراجية هما: أطيان العهدة، وأطيان المسموح، وسنتناول كل نوعٍ من هذين النوعين بالدراسة.

(٢-٤) أطيان العهدة

أدَّت مشروعات محمد علي السياسية والعسكرية إلى حرمان الأراضي الزراعية من جانب كبير من القُوى العاملة الفتيَّة، فقد كان لتجنيد الفلاحين في الجيش على نطاق واسع — بلا ريب — أثرٌ سيئٌ على الزراعة، كما تكلَّفت هذه المشروعات أموالًا طائلةً تحمَّلها أولئك الذين كان يقع على عاتقهم واجب فلاحة الأرض وأداء ضرائبها، ولمَّا كانت هذه الضرائب أعلى بكثيرٍ مما يمكنهم الوفاء به، فقد التمس الكثيرون منهم سبيل الفرار من قُراهم وشغلت الحكومة بتعقبهم، كما تراكمت بقايا الضرائب على كثيرٍ من القُرى من عامٍ إلى آخر حتى عجزت عن سدادها؛ لذلك كان لا بدَّ من إيجاد حلٍّ لهذه المشكلة يضمن لخزانة الدولة انتظام مواردها، وتمثَّل هذا الحلُّ في ابتداع نظام «العهدة».

ولا نعرف — على وجه التحديد — متى بدأ العمل بذلك النظام، فبينما نجد أوامر صادرةً من الباشا بتنظيم العمل بنظام العهدة في عام ١٨٣٦م،٤٨ مما يوحي بأن وجود ذلك النظام كان سابقًا على هذا التاريخ، يذكر يعقوب أرتين٤٩ أن محمد علي ألزم (في عام ١٨٤٠م) عددًا من كبار الموظفين وقادة الجيش — الذين كانوا قد كوَّنوا ثرواتٍ نتيجة ما أنعم عليهم من أراضٍ واسعة — وكذلك بعض شيوخ البدو والأعيان، ألزمهم بأن يأخذوا تحت عهدتهم قُرًى بأكملها بشرط وفاء ما عليها من متأخرات الضرائب، وكذلك ما يُستَحقُّ عليها من ضرائب في المستقبل. ولعلَّ محمد علي قام بتجربة ذلك النظام في منتصف الثلاثينيات، فجعل بعض الأثرياء يتعهدون بالقُرى العاجزة عن سداد الضرائب، ثم حين تأكد من نجاح التجربة قام بتعميم نظام العهدة.
ويشبه نظام العهدة، الالتزام من حيث كون المتعهد يلتزم بدفع ما على القرية من الأموال مقدَّمًا، على أن يتولى هو تحصيلها من الفلاحين، ومن حيث حصول المتعهد على مساحة من الأرض يسخِّر المزارعين في فِلاحتها لحسابه الخاص، ويختلف عنه في أنه لم يكُن باستطاعة المتعهد — نظريًّا — أن يُجبر الفلاح على دفع مبالغ أزيد مما هو مربوط على أرضه الأثريَّة، وفي أن أرض المتعهد لم تكُن تُعفى من الضرائب، بل كانت الضرائب والبقايا تُوزَّع على الأفدنة، ويُقيَّد على المتعهد ما يخصُّ أطيان العهدة، وعلى الأهالي ما يخصُّ ما بيدهم من الأطيان التي يتركها لهم المتعهد وفقًا لمقدرتهم المادية.٥٠ كذلك كان على المتعهد أن يردَّ للأهالي ما تحت يده من أطيان العهدة، إذا تحسنت أحوالهم المادية وأصبحوا قادرين على أداء الضرائب وسداد ما عليهم من البقايا.٥١
ومن ثَم كان وجود العهد — من الناحية النظرية — مرهونًا بحلِّ مشكلة الضرائب المتراكمة على القُرى، بينما كان نظام الالتزام نظامًا ماليًّا وإداريًّا ثابتًا. ولكن العلاقات الإنتاجية في كلا النظامين كانت متشابهةً إلى حدٍّ كبير؛ فكان المتعهد يسخِّر الفلاحين في زراعة أطيان العهد، بشرط ألَّا يعوقهم هذا عن زراعة أرضهم الأثريَّة حتى لا تبور، ورغم ذلك فقلَّما راعى المتعهدون هذا الشرط، إذ كانوا يُرغمون الأهالي على زراعة الأطيان الخاصة بالعهدة، ويستخدمون مواشيهم أيضًا دون أجر، فلا يجد الفلاحون أنفسهم في موقفٍ يسمح لهم بالتوفر على زراعة أرضهم الأثريَّة وأداء ما عليها من التزامات مالية،٥٢ ولذلك كانوا يفرُّون من الأرض، وأصدرت الدولة تعليماتٍ مشدَّدةً إلى المأمورين والمديرين تقضي بالقبض على أولئك التعساء وتسليمهم للمتعهد، وحين يعجز رجال الإدارة عن العثور على الفلاحين الآبقين، كانت الدولة تلجأ إلى شيوخ البدو وتنشُد مساعدتهم في اقتفاء أثر الفلاحين الهاربين وتسليمهم للمتعهدين.٥٣
كما أن معظم المتعهدين كانوا يوزعون البقايا التي على أطيان العهدة على أطيان الأهالي.٥٤ وأدَّى انتشار هذه الظاهرة، وما ترتَّب عليها من تفاقم مشكلة الهرب من الأرض إلى صدور قرار نصَّ على إلزام مَن يثبُت عليه الإقدام على ذلك الأمر بدفع غرامة قدرها ثلاثة أضعاف المبالغ التي يحصل عليها من الأهالي بدون وجه حق.٥٥
ورغم صرامة هذه التعليمات، واجتهاد الحكومة في تنفيذها — لا حرصًا على حقوق الفلاحين، ولكن ضمانًا لاستمرارهم في زراعة الأطيان وتوفير الموارد المالية للدولة — فإن بعض المتعهدين ممَّن كانوا يتمتعون بنفوذ كبير لدى السُّلطة، وبعض المتعهدين من شيوخ البدو وأعيان الريف، تمادَوا في إيقاع المَظالم بالفلاحين، مما دفع الحكومة إلى فكِّ عهدتهم، وإعطائهم مساحةً من الأطيان، وترك الباقي للفلاحين يتولَّون زراعته ويؤدون ما عليه من أموال الحكومة.٥٦
وحين تولى عباس الأول الحكم أصدر أمرًا في مارس ١٨٤٩م بفكِّ العهدة، ولكنه استثنى من ذلك بعض المتعهدين — وخاصةً بعض أفراد الأُسرة الحاكمة — فسمح لهم بالانتفاع بما في حوزتهم من أطيان العهدة مدى الحياة.٥٧ وكما أنعم على البعض الآخر بأطيان العهدة رزقة بلا مال، فأصبحت ملكًا لهم، وتحولت — منذ عام ١٨٥٤م — إلى أطيان عشورية.٥٨
وفي عهد سعيد أُعيدت أطيان العهدة إلى مَن سبق أن انتُزعت منهم في عهد سلفه،٥٩ واستمر العمل بنظام العُهد — في عَهد إسماعيل — عن طريق ترغيب مَن يشاء من كبار رجال الدولة وأمراء الأُسرة الحاكمة بأخذ عهدة القُرى التي عليها بقايا أموال،٦٠ ثم عاد الخديو — بعد ذلك بقليل — فأصدر أوامر تقضي بالكفِّ عن إعطاء الأطيان كعُهدٍ للأفراد،٦١ وأخيرًا صدر قرار فكِّ العُهد — بناءً على طلب مجلس شورى النواب — في ديسمبر ١٨٦٦م.
ولا نعرف على وجه التحديد مساحة أطيان العهدة، وإن كان جبريل بير٦٢ يقدر مساحتها ﺑ ١٢٠٠٠٠٠ فدَّان، معتمدًا في ذلك على وثائق أجنبية، ولكننا لم نعثر — في الوثائق المصرية — على حصر كامل لها، فقد اقتصرت سجلات ديوان الجفالك والعُهد السنية على ذكر إحصائيات خاصة بأطيان العُهد التي كانت على ذمة محمد علي وأبنائه، وقد بلغت مساحتها ٣٢٧٧٦٢ فدَّان،٦٣ تحولت جميعها إلى رزق بلا مال، وأصبحت ملكًا لذويها اعتبارًا من ٧ سبتمبر ١٨٤٨م.٦٤
فإذا كان التقدير الذي أورده جبريل بير صحيحًا، فإن ذلك يعني أن أطيان العهدة كانت تبلغ نحو ثُلث مساحة الأراضي الزراعية في مصر، التي كانت تُقدَّر ﺑ ٣٢٩٦٣٧٦ فدَّان في عام ١٨٦٣م.٦٥
ولم يقتصر إعطاء العهد على أفراد أُسرة محمد علي وكبار رجال حكومته وضباط جيشه، ولكن امتدَّ ذلك إلى بعض شيوخ البدو وأعيان الريف، فقد كان الشيخ محمد الشواربي متعهدًا لقرية قليوب، كما أن علي البدراوي، عُمدة سمنود، تعهد — في عام ١٨٥٥م — بأقسام فوة وشباسات والمحلة، على أن يسدِّد ما عليها من بقايا على سنتين، وقد بلغت هذه البقايا ١٦٠ كيسًا.٦٦ واستطاع المتعهدون استغلال أطيان العهد في تكوين ملكيتهم الخاصة، إمَّا عن طريق الحصول من الحكام على قرارات بتحويلها إلى رزق بلا مال، أو عن طريق استغلال ريعها في شراء مساحات من الأراضي الزراعية. وبذلك لعبت أطيان العهد — بصورة أخرى — دورًا بارزًا في تكوين الملكيات الزراعية الكبيرة.

(٢-٥) أطيان المسموح

أمَّا أطيان المسموح فهي أراضٍ خاصةٌ بشيوخ القُرى، فقد كان هؤلاء يحصلون من الملتزمين على مساحات من الأرض عُرفت ﺑ «المسموح أو مسموح المصطبة»، لا يؤدون عنها المال، وتكون هذه الأطيان بمثابة أجرٍ لهم نظير ما يؤدونه للملتزم من خدمات، كما كانت لهم عوائد مالية مقابل استضافتهم لعمال الملتزم.٦٧
وحين ألغى محمد علي نظام الالتزام، أعطى لشيوخ القُرى — في مساحة الأطيان عام ١٨١٣م — أطيانًا بلغت مساحتها ٥٪ من زمام قُراهم سُمِّيت «مسموح المصاطب»،٦٨ وأُعفيت هذه المساحة من الأطيان من الأموال الأميرية نظير خدماتهم للحكومة واستضافتهم لرجالها ولعابري السبيل، وكان لهم حقُّ الانتفاع بأطيان المسموح مدى حياتهم، فإذا مات المنتفع كان المسموح من حقِّ أولاده، ما داموا يتولون مهمة الضيافة، فإذا لم يكُن له أولاد، أو كان أولاده لا يستطيعون القيام بواجبات الضيافة، فإن أطيان المسموح الخاصة به تُضاف على القرية بأعلى ضريبةٍ فيها، وذلك ابتداءً من عام ١٨٤٣م.٦٩
وفي عهد سعيد ظلت هذه الأطيان مُعفاةً من الضرائب حتى عام ١٨٥٧م، حين فرض عليها المال بأعلى ضريبةٍ في الناحية٧٠ وبذلك أصبحت أطيان المسموح تُعامَل — من الناحية القانونية — معاملة الأطيان الخَراجية.

وقد كان هذا النوع من الأطيان نواة قيام ملكيات شيوخ القُرى والأعيان الذين استمدُّوا مركزهم في المجتمع من أملاكهم الزراعية وحدها.

•••

وهكذا نشأت الملكيات الزراعية الكبيرة من أشكالٍ معيَّنةٍ لحيازة الأرض الزراعية، فشكَّلت الأطيان العشورية بأقسامها الثلاثة — الأباعد والجفالك والأواسي — الجانب الأكبر من الملكيات الزراعية الكبيرة، ولعبت أطيان العهدة دورها في توسع مساحة ملكيات بعض الفئات، وكانت أطيان المسموح هي الأساس الذي قامت عليه ملكيات أعيان المصريين من شيوخ القُرى، وقد نشأت هذه الملكيات الكبيرة نتيجة ظروف سياسية واقتصادية متعددة، لعلَّ أبرزها رغبة محمد علي في تقويض النظام الاقتصادي الذي كان سائدًا في البلاد عند بداية حكمه، لاجتثاث جذور القوى التي كانت تسيطر على مقاليد الأمور في البلاد، وخلق مصالح اقتصادية للفئات الاجتماعية التي اعتمد عليها في حكم البلاد، ومن ثَم تهيأت الفرصة لقيام طبقة تتمتع بنفوذ سياسي ومكانة اجتماعية يستندان على ما تملكه من ثروةٍ عقارية.

(٣) نمو الملكيات الكبيرة

لعبت الظروف الاقتصادية دورًا كبيرًا في نمو هذه الملكيات واتساعها، فإن ما طرأ على وسائل الريِّ من تطور كبير خلال القرن التاسع عشر، وما ترتب عليه من تقدم الزراعة في مصر بصورة مطَّردة، واعتماد أساس الحياة الاقتصادية على الموارد الزراعية، كان من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الإقبال على اقتناء الأراضي الزراعية، واستثمار رءوس الأموال فيها، ويسَّرت عمليات بيع أطيان الدائرة السنية وأراضي الدومين — في أواخر القرن — سبيل توسيع مساحة الملكيات الكبيرة، ووفرت بنوك وشركات الرهن العقاري رءوس الأموال اللازمة لذلك.

ونعرض فيما يلي لكلٍّ من تلك العوامل التي ساعدت على نمو الملكيات الزراعية الكبيرة.

(٤) تطور وسائل الريِّ والزراعة

أحرزت الزراعة تقدمًا ملموسًا — خلال القرن التاسع عشر — نتيجة الإصلاحات التي أُدخلت على نظام الريِّ في تلك الحقبة، فقد اهتمَّ محمد علي بتنظيم عمليات ريِّ الحياض بالوجه القبلي، فمُدَّت في عهده جسور عرضية عمودية على مجرى النيل من الشاطئين إلى الصحراء، كما مُدَّت جسور طولية تصل بين تلك الجسور العرضية، وبذلك اتسعت مساحة الحياض، وقُسِّمت بدورها إلى حياض صغيرة تصلها مياه الفيضان عن طريق تُرع تستمدُّ مياهها من النيل، وكان بعض هذه التُّرع قديمًا فتمَّ إصلاحه وتوسيعه، كما حُفرت تُرع جديدة، ورغم تلك الجهود فقد ظلَّ جزء كبير من أراضي الصعيد لا يصله ماء الفيضان في السنوات التي لا يكون فيها الفيضان مرتفعًا.

أمَّا بالنسبة للوجه البحري، فقد اهتمَّ محمد علي بحفر التُّرع الكبيرة للريِّ الصيفي — حوالي عام ١٨١٦م — لتغذي زراعة القطن والنيلة والكتَّان والأرز والسمسم التي كانت موضع عنايته «فأقام القناطر على تُرع الخطاطبة والسرساوية والباجورية وبحر شبين والشرقاوية وبحر مويس والبوهية والمنصورية» بتوفير المياه في تلك التُّرع طوال العام، كما شقَّ تُرعة المحمودية. وكان مشروع القناطر الخيرية — الذي بدأ تنفيذه في ١٨٣٣م وتمَّ إنجازه في ١٨٦١م — دعامة نظام الريِّ الدائم بالوجه البحري.٧١
وترتب على تحقيق الريِّ الدائم في الوجه البحري زيادة الثروة الزراعية، إذ أصبح من الممكن إنتاج ثلاثة أو أربعة محاصيل سنويًّا بدلًا من إنتاج محصولٍ واحد، ولكن الريَّ الدائم كانت له عيوبه، فقد حُرمت الأطيان من مياه الفيضان التي كانت تغطيها من قبل، وبذلك افتقرت إلى الطمي الذي كان يجدِّد خصوبتها كل عام، وأخذت تعاني من الطفح المحلي، مما أدَّى إلى إنقاص إنتاجيتها بالتدريج، وجعل الحاجة إلى إيجاد نظامٍ للصرف وإلى الاهتمام بالتسميد.٧٢

واهتمَّ سعيد بصيانة وسائل الري، فتمَّ في عهده تعميق تُرعة المحمودية وإنشاء طلمبات عند العطف لتغذيتها بالمياه، كما أصلح غيرها من التُّرع التي امتدَّت إليها يد الإهمال في عهد عباس الأول، كذلك أُنشئ في عهده رياح المنوفية.

وواصل إسماعيل هذه السياسة، فتمَّ في عهده حفر ١١٢ تُرعةً، كان من بينها تُرعة الإسماعيلية التي ساعدت على استصلاح مساحة كبيرة من أراضي مديرية الشرقية، وتُرعة الإبراهيمية — في مصر الوسطى — التي يسَّرت سبيل زراعة قصب السكر في مديريتَي المنيا وبني سويف، وأسيوط،٧٣ وبذلك أدخل الري الدائم في تلك المديريات. كما تمَّ في عهده إصلاح رياح المنوفية وتعميقه وبناء قناطره، فأصبح مصدرًا للريِّ في مديريتَي المنوفية والغربية، وكذلك إصلاح طلمبات العطف وزيادة طاقتها لتغذية تُرعة المحمودية بالمياه طول العام، كما تمَّ تحويل كثير من التُّرع النيلية إلى تُرع صيفية. ورغم كل تلك الجهود فقد كان مستوى المياه في الصيف منخفضًا عن الأراضي الزراعية بعدَّة أمتار، مما اقتضى استخدام الآلات الرافعة.
وقد ترتب على تحسين وسائل الريِّ والعناية بها زيادة مساحة الأراضي الزراعية في مصر من ٣٢١٨٧١٥ فدَّانًا في عام ١٨١٣م، إلى ٤٦٣٢٢٢١ فدَّانًا في عام ١٨٧٢م، كما زادت مساحة الأراضي الزراعية في الفترة ١٨٦٣–١٨٧٢م بمقدار ٣٢٧٤٨٥ فدَّانًا.٧٤

وواصل الاحتلال البريطاني هذه السياسة، فوجَّه عنايته إلى تعميم الريِّ الدائم لارتباطه بزراعة القطن، فأُصلحت القناطر الخيرية في عام ١٨٩١م، وبذلك زادت مساحة الأراضي التي كانت تُروى صيفيًّا من ٦٠٠ ألف فدَّانٍ في عام ١٨٨٣م، إلى ١٥٢٠٠٠٠ بعد أن تمَّ إصلاح القناطر الخيرية.

وفي عام ١٩٠٢م، أُقيمت قناطر أسيوط لتمدَّ تُرعة الإبراهيمية والتُّرع المتفرعة منها بالمياه طوال العام، وبذلك عمَّ نظام الريِّ الدائم مصر الوسطى، كذلك أُنشئت قناطر زفتى في عام ١٩٠٣م فاستفادت منها مديرية الدقهلية وجزءٌ من المنوفية، وأُقيمت في عام ١٩٠٨م قناطر إسنا لضمان المياه اللازمة لريِّ الحياض في مديرية قنا، في السنوات التي يكون فيها منسوب الفيضان دون معدَّله السنوي.

وكان إلغاء خزان أسوان عام ١٩٠٢م هو الدعامة التي ارتكز عليها نظام الريِّ الدائم، بالإضافة إلى القناطر التي سبقت الإشارة إليها، وقد تمَّت تعليته — للمرة الأولى — في عام ١٩١٢م لمواجهة متطلبات الريِّ الدائم في الدلتا ومصر الوسطى.

ونتج عن تلك السياسة زيادة مساحة الأراضي الزراعية من حوالي ٤٧٠٠٠٠٠ فدَّانٍ في عام ١٨٨٢م إلى ٥٤٢٠٠٠٠ فدَّانٍ عند عام ١٩١٤م، أيْ بنسبةٍ قدُرها ١٦٪، وكذلك أصبح في الإمكان زراعة أراضٍ كثيرة أكثر من مرةٍ واحدة في السنة.٧٥

ويقترن التطور الكبير الذي طرأ على نظام الريِّ بتطور الزراعة ذاتها، فقد شهد القرن التاسع عشر ازدياد الاهتمام بزراعة المحاصيل النقدية، وخاصةً القطن الذي أخذ الاهتمام به يتزايد، خاصةً بعد سقوط نظام الاحتكار الذي فرضه محمد علي على البلاد. وبعد تدعيم حقوق الملكية الخاصة للأراضي الخَراجية منذ عام ١٨٥٨م، حتى استقرت أوضاع الملكية التامة للأراضي في عام ١٨٩١م — كما سبق أن أشرنا — وبذلك تحدَّد شكلُ العلاقة بين الفلاح والدولة، وأصبح باستطاعته أن يزرع ما يشاء من المحاصيل.

وقد ازداد الإقبال على إنتاج القطن منذ منتصف القرن التاسع عشر نتيجةً لزيادة الطلب عليه في أوروبا، فارتفعت صادرات البلاد من هذا المحصول من ٩٤٤ قنطارًا عام ١٨٢١م٧٦ إلى ٥٠٤٦٦٠٤ قنطار في عام ١٩١٠م.٧٧

وكانت الستينيات الأولى من القرن التاسع عشر هي الفترة التي ساد فيها إنتاج القطن على ما عداه من المحاصيل؛ بسبب الحروب الأهلية الأمريكية (١٨٦١–١٨٦٥م) التي ترتب عليها توقف تصدير القطن الأمريكي إلى أوروبا، مما هدَّد مصانع غزل القطن في بلدان أوروبا عامةً وبريطانيا خاصةً بالتوقف، لذلك زاد الطلب للقطن المصري زيادةً عظيمةً مما أدَّى إلى التوسع الكبير في زراعته، ومن ثَم زادت صادراته وارتفع ثمنه على النحو الذي يبينه الجدول التالي:

جدول
السنة صادرات القطن بالقنطار* جملة الثمن بالقرش متوسط ثمن القنطار بالقرش
١٨٦١ ٥٩٦٢٢٠ ٣٤١٠٨٨٠٠٠ ٢٤٠
١٨٦٢ ٧٢١٠٠٢ ٤٩٢٠٦٦٠٠٠ ٦٠
١٨٦٣ ١٠٨١٨٨٨ ٩٣٥٦٤٩٠٠٠ ٧٣٠
١٨٦٤ ١٧١٨٧٩١ ١٤٨٤٢٧٠٠٠٠ ٨٥٣
١٨٦٥ ٢٠٠١١٦٩ ١٥٤٤٣١٢٠٠٠ ٦١٦
De Regny: Op. Cit., p. 164.
†  Charles Roux; le Coton en Egypte, Paris 1908, p. 62.

وشهدت البلاد في تلك الفترة انتعاشًا اقتصاديًّا، فتوفر المال في أيدي المزارعين، وتوسع بعضهم في اقتناء الأراضي الزراعية والأخذ بمظاهر الحضارة الأوروبية.

وقد أدَّى انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية إلى تدفق القطن الأمريكي على أسواق أوروبا بكمياتٍ هائلة، ونتج عن ذلك تناقص الطلب على القطن المصري تدريجيًّا، وتدهورت أسعاره في السنوات التالية على النحو الذي يوضحه الجدول التالي:

جدول
السنة صادرات القطن بالقنطار* جملة الثمن بالقرش متوسط ثمن القنطار بالقرش
١٨٦٦ ١٢٨٨٧٦٢ ١١٤٢٤٩٩٠٠٠ ٦٤٠
١٨٦٧ ١٢٦٠٩٤٦ ٦٤٤٢٠٦٠٠٠ ٤٥٠
١٨٦٨ ١٢٥٣٤٥٥ ٥٨٣١٢٥٠٠٠ ٤٠٩
١٨٦٩ ١٢٨٩٧١٤ ٦٠٠٥٧٠٠٠٠ ٤١٢
١٨٧٠ ١٣٥١٧٩٧ ٥٠٧٥٢٩١٤٩ ٣٤٢
De Regny: Op. Cit., p. 173.
†  Charles Roux; Op. Cit., pp. 99-100.
وبذلك تعرضت البلاد لأزمة اقتصادية حادة ترتب عليها فقدان عدد كبير من صغار المُلَّاك ومتوسطيهم لملكياتهم بسبب الديون التي غرقوا فيها، فقد اضطرَّ المزارعون إلى الاستدانة من التجار السوريين واليونانيين وغيرهم من الأوروبيين، للإنفاق على زراعة القطن التي تكلِّف قدرًا من المال ينفق على إعداد الأرض للزراعة، وتعهد المحصول بالعناية حتى يُجنى في نهاية الموسم ويُباع، فيسدِّد الفلاح ديونه، وانتشرت في الريف المصري أعدادٌ كبيرةٌ من التجار السوريين واليونانيين — على وجه الخصوص — الذين كانوا يبدءون بدايةً متواضعة، فيفتحون محالًّا بالقُرى والبنادر لبيع أنواع رديئة من الخمور، ويستغلون أرباحهم من هذه التجارة في إقراض الفلاحين بفوائد بلغ سعرها ٧٪ شهريًّا، ودرجوا على استغلال أُميَّة الفلاحين، فكانوا يغالطونهم في الحساب ويُثقلون كواهلهم بالدَّين، ثم يستولون على أراضي الفلاحين حين يعجزون عن سداد ما عليهم من ديون.٧٨
وحين حلَّت الأزمة الاقتصادية بالبلاد نتيجة تدهور أسعار القطن، عجز الكثير من الفلاحين عن سداد ديونهم، فوقَّع المرابون الحجز على مساحات كبيرة من الأراضي، وأثرى التجار الذين كانوا يشتغلون بالربا ثراءً فاحشًا، في وقتٍ لم تكُن فيه هناك بنوك أو شركات مالية تتولى إقراض المزارعين، فقد أُنشئ «البنك العقاري المصري» — وهو أول البنوك التي عملت في حقل الرهن العقاري — في عام ١٨٨٠م.٧٩
على أن سوق القطن المصري سرعان ما استعادت انتعاشها في مطلع السبعينيات، فأخذت صادراته تتزايد عامًا بعد آخر، إذ ارتفعت من ٢٠١٣٤٣٣ قنطارًا في ١٨٧٣م،٨٠ إلى ٣٠٠٠٠٠٢ في عام ١٨٨٠م.٨١
كذلك اهتمَّت سلطات الاحتلال البريطاني بتوجيه السياسة الاقتصادية لمصر نحو التوسع في إنتاج القطن، فارتفعت صادراته من ٢٠٠٦٠٠٠ قنطار في عام ١٨٨٢م، إلى ٥٠٤٦٦٠٤ قنطار في عام ١٩١٠م.٨٢
وبالإضافة إلى القطن، كان هناك قصب السكر الذي ازداد الاهتمام بزراعته خلال الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد بعد عام ١٨٦٥م، واهتمَّ الخديو إسماعيل بزراعة القصب في جفالكه الواسعة بمديريتَي المنيا وأسيوط، فحفر تُرعة الإبراهيمية لهذا الغرض، وأقام جسرًا طوله كيلومتر لحماية مزارع القصب من طغيان رمال الصحراء، واقتدى به بعض كبار المُلَّاك الزراعيين كمحمد سلطان باشا، وقد قُدِّرت مساحة الأراضي المزروعة قصبًا بنحو ٦٥٦٥٠ فدَّانًا في عام ١٨٧٥م، كان يقع ٨٥٪ منها في الوجه القبلي، ولكن الاهتمام بزراعة القصب أخذ في التناقص بعد ذلك — نتيجةً لانتعاش سوق القطن — فوصلت مساحة زراعته إلى ٤٠ ألف فدَّانٍ في عام ١٨٨٠م، ثم زادت بعد ذلك زيادةً طفيفة فبلغت ٤٨ ألف فدَّانٍ في عام ١٩١٣م.٨٣

لذلك كان الطلب متزايدًا على الأراضي الزراعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واتجهت رءوس الأموال الأجنبية والمحلية إلى الاستثمار في مجال الزراعة، فازداد الإقبال على اقتناء الأراضي الزراعية، هذا — بالطبع — على اتساع الملكيات الكبيرة على حساب الملكيات المتوسطة والصغيرة.

فقد كان العائد من أرباح المحاصيل الزراعية — في النصف الثاني من القرن التاسع عشر— يفوق بكثير العائد من التجارة في البضائع الأخرى، مما دفع الكثير من التجار إلى استثمار أموالهم في الزراعة عن طريق تكوين ملكيات زراعية واسعة، كما أن عمليات استصلاح الأراضي في مديرية البحيرة مهَّدت سبيل نشوء ملكيات واسعة كانت تمنح لبعض الأفراد رزقًا بلا مال، وأتت هذه العملية كلها بعد عصر إسماعيل، وخاصةً بعد إصلاح القناطر الخيرية في عام ١٨٩١م، فزادت مساحة الأراضي المستصلحة بالبحيرة من ٤٢٩١٨١ فدَّانًا، إلى ٥٨٧٤٥٥ فدَّانًا، فيما بين عامَي ١٨٩٤–١٩٠١م، أيْ بنسبةٍ قدرُها ٣٦٫٨٪، بينما لم تتعدَّ الزيادة في كل القُطر ككلٍّ نسبةَ ١١٪، ومن ناحيةٍ أخرى فإن مساحة الأراضي المستصلحة بالنسبة للأراضي الأخرى كانت أكبر في البحيرة منها في الأقاليم الأخرى، إذ كان يقع بالبحيرة نحو نصف مساحة الأراضي البور التي ضُمَّت إلى الزمام في تلك الفترة. وقد بلغت مساحة الملكيات التي تزيد مساحتها على ٥٠ فدَّانًا ٦٧٫٦٪ من أطيان البحيرة، وهي نسبةٌ كبيرةٌ إذا قورنت بسائر أنحاء القُطر حيث كانت تبلغ هذه النسبة ٤٣٫٤٪، وكان الجانب الأكبر من الملكيات التي تربو على خمسين فدَّانًا بالبحيرة تملكه اثنتان من شركات الأراضي؛ هما شركة أراضي البحيرة وشركة أراضي أبي قير، وهما شركتان أجنبيتان، وتأتي الغربية في المرتبة الثانية بعد البحيرة، فزادت مساحة أراضيها الزراعية فيما بين عامَي ١٨٩٤–١٩٠١م بنسبة ١٤٫٦٪ وكانت مساحة الملكيات التي تربو على خمسين فدَّانًا تُقدَّر بنسبة ٥٦٫١٪ من جملة المساحة المنزرعة بالمديرية.٨٤ ويرجع تركُّز هذه النسبة الكبيرة من الأراضي المستصلحة بمديريتَي البحيرة والغربية إلى وجود مساحات واسعة من الأراضي البور التي استفادت من مشروعات الريِّ وأصبح استصلاحها أمرًا ميسورًا.

(٥) بيع أطيان الدائرة السنية والدومين

ووجد كبار المُلَّاك الزراعيين في عمليات بيع أطيان الدائرة السنية وأراضي الدومين مصدرًا لتوسيع ملكياتهم، وكانت مساحة أطيان الدائرة السنية تبلغ ٤٣٤٩٧٥ فدَّانًا، بالإضافة إلى ملحقاتها من معامل تكرير السكر ومعاصر القصب ومحطات الريِّ — وتقع معظمها في الوجه القبلي — وجميعها كانت ملكًا خاصًّا للخديو إسماعيل، رهنها ضمانًا لقرضٍ قيمته ٨٨١٥٤٣٠ جنيهًا عُقد في عامَي ١٨٦٥م و١٨٦٧م.٨٥
ووُضعت الدائرة السنية تحت إدارة خاصة وفقًا لقانون التصفية الصادر في عام ١٨٨٠م، لتولي سداد أقساط الدَّين من رِيعها، واستمرت على هذا النحو حتى عام ١٨٩٨م، حين قررت الحكومة بيع جميع ممتلكات الدائرة إلى شركةٍ تكونت لهذا الغرض من بعض الممولين الفرنسيين والإنجليز والمصريين، فتمَّ بيعها بمبلغ ٦٤٣١٥٠٠ جنيه، وهو ما تبقَّى من أصل الدَّين الذي رُهنت أطيان الدائرة كضمانٍ له. وكان نصيب الممولين المصريين في هذه الصفقة ١٥٠ ألف جنيه، اختصَّ سوارس وشركاه نفسه بمبلغ ١٢٥ ألف جنيه منها، واقتصر نصيب الممولين الوطنيين على ٢٥ ألف جنيه فقط دفعها أربعةٌ من كبار المُلَّاك الزراعيين المصريين؛ وهم أحمد السيوفي باشا، ومحمد الشواربي باشا، وحسن بك عبد الرازق، وعلي بك شعراوي.٨٦
ونصَّت شروط عقد البيع المُبرَم بين الشركة والحكومة على أن تشمل الصفقة جميع أراضي الدائرة ومعاملها والسكك الحديدية الموجودة بها، وأدوات الزراعة والمخازن والورش وسائر المباني والمواشي لقاء سداد قيمة القرض على أقساطٍ سنوية حتى ١٥ أكتوبر ١٩٠٥م، وهو الموعد النهائي الذي حُدِّد لتسديد القرض للدائنين، وأعطى المشترين الحقَّ في تكوين شركةٍ منهم وفق القانون الإنجليزي يسمح لها بمزاولة نشاطها في مصر والاشتغال بكل ما يتعلق بأمور الزراعة، كما يصرح لها ببيع ما تشاء من الأراضي الخاصة بالدائرة للشركات أو الأفراد.٨٧
وأعلنت الشركة — فور إتمام الصفقة — عن بيع تفاتيش الدائرة بالمزاد العلني في شكل مساحات كبيرة حسب الأحواض التي تقع بها تلك الأراضي، وتراوحت المساحات المعروضة للبيع بين ثمانين فدَّانًا وأربعة آلاف فدَّان.٨٨ لذلك كان طبيعيًّا ألَّا يستفيد من تلك الأراضي سوى كبار المُلَّاك الزراعيين من مصريين وأجانب الذين تزاحموا مزاحمةً شديدةً على الشراء حتى فاق ما دفعوه ثمنًا للفدَّان القيمة الأساسية المقدَّرة له في المزاد بأكثر من الضعف.٨٩
وساعد على زيادة الإقبال على الشراء أن الشركة كانت تبيع الأرض بالأجل، فيسدَّد الثمن على أقساط سنوية بضمان العين المباعة أو غيرها من ممتلكات المُشتري. وبدأت الشركة منذ مايو ١٩٠٠م تطرح بعض الأراضي للبيع في شكل قِطَع تتراوح مساحتها بين ٢٠–٥٠ فدَّانًا، ولكن القيمة الأساسية للفدَّان تراوحت بين ٦٠–٨٠ جنيهًا، وهو ضِعف قيمتها الحقيقية (حسب تقدير المؤيد).٩٠ ومعنى ذلك أن فرصة الشراء قد أُتيحت لبعض متوسطي المُلَّاك الزراعيين لتوسيع مساحة ملكياتهم بقدْر ما أتاحت لكبار المُلَّاك الاستمرار في زيادة مساحة ملكياتهم، فقد كوَّن هؤلاء ثرواتٍ كبيرةً نتيجة ارتفاع أثمان القطن في تلك الحقبة، واستغلوا هذه الأموال في شراء مساحات من أطيان الدائرة السنية، ومن ثَم تكالبوا على الشراء، وارتفعت أسعار الأطيان في المزادات بأكثر من الضِّعف أحيانًا، وقدَّرت المؤيد ما يمكن أن تحصله الشركة ثمنًا لأراضي الدائرة السنية بمبلغ ١٠٣٧٦٣٠٨ جنيه، وبذلك تحقِّق الشركة ربحًا يقرب من ضِعف الثمن الذي اشترت به أطيان الدائرة من الحكومة.٩١
وكان بعض الممولين اليهود يشترون مساحاتٍ كبيرةً من أراضي الدائرة السنية ثم يتولون تقسيمها إلى قِطعٍ صغيرةٍ يعرضونها للبيع، فاشترى يعقوب ليفي منها حوالي ٣٦٠٠ فدَّانٍ من أطيان المعصرة (مديرية المنيا)، واشترى رحمين وليشع إسحق ٦٢٥ فدَّانًا من أطيان تفتيش الروضة (مديرية أسيوط)، وأعادوا تقسيم الأراضي التي اشتروها وباعوها للأهالي، كما تكونت الكثير من شركات الأراضي للغاية نفسها برءوس أموالٍ أجنبية، فاشترت «الشركة المصرية الجديدة» نحو ١٨٨٠ فدَّانًا من تفتيش مطاي (المنيا)، ودي فنتازي وشركاه ٥٠٧٨ فدَّانًا بالأقصر،٩٢ وأُعيدَ طرحُ هذه الأراضي للبيع في شكل قِطعٍ صغيرةٍ هيأت لمتوسطي المُلَّاك فرصة توسيع مساحة ملكياتهم.
وحاول بعض صغار المُلَّاك أن ينالوا نصيبًا من أطيان الدائرة السنية، فكوَّن ١٥٠ فلاحًا من ناحية ترسا التابعة للفيوم، شركة تضامن كان على رأسها عبد العزيز معتوق — عُمدة الناحية — تقدمت لشراء ١٨٢٣ فدَّانًا من أطيان الدائرة السنية بالناحية ذاتها، غير أن هذه الصفقة ظلَّت تتعثر لأن الشركاء عجزوا عن سداد الأقساط التي تبقت عليهم من ثمن الأقساط، وكانت الصفقة موضع نزاع قضائي بين المشترين والبنك العقاري المصري (بعد أن آلت إلى الأخير حقوق البائع عقب تصفية شركة الدائرة السنية)، وانتهى الأمر بانتزاع الأطيان المُباعة من المشترين.٩٣ وربما كانت هذه الصفقة هي المحاولة الوحيدة التي أقدم فيها بعض صغار المُلَّاك على الدخول في مزادات بيع أطيان الدائرة السنية.
ولكن الملكيات الكبيرة فازت بنصيب الأسد من عمليات بيع أراضي الدائرة السنية، فقد زادت مساحة الملكيات التي تزيد على ٥٠ فدَّانًا في الفترة من ١٨٩٦–١٩٠٦م بمقدار ١٦٤٩٧٧،٩٤ واستفاد الكثير من كبار المُلَّاك من وراء تلك العمليات فوسعوا مساحة ملكياتهم، فاشترى عمر بك سلطان — على سبيل المثال — مساحةً قدرها ٣٣٠٠ فدَّان صفقةً واحدةً شملت بعض زمامات قُرى المنيا، واشترى عبد الحميد أباظة بك ٦٣٠ فدَّانًا من أطيان الدائرة بالمنيا أيضًا.٩٥
أمَّا أطيان الدومين، فهي تلك التي كانت ملكًا لأُسرة الخديو إسماعيل، وتنازل عنها الأخير نيابةً عن عائلته للحكومة بمقتضى أمرٍ عالٍ صدر في ٢٦ أكتوبر ١٨٧٨م، وكانت تُقدَّر في ذلك الحين ﺑ ٤٢٥٧٢٩ فدَّانًا٩٦ وأُسندت إدارتها إلى لجنة خاصة مؤلَّفة من ثلاثة أعضاء؛ مصري وإنجليزي وفرنسي، ورهنت تلك الأطيان ضمانًا لقرضٍ من بيت روتشلد بمبلغ ثمانية ونصف مليون جنيه إسترليني حصلت عليه الحكومة في ٣١ أكتوبر ١٨٧٨م لتقوم بسداد الديون السايرة، ونصَّت شروط القرض على السماح للجنة المنوط بها إدارة أراضي الدومين بسداد أقساط الدَّين من رِيع تلك الأراضي، كما أذنت لها الحكومة ببيع تلك الأطيان، واستخدام إيرادات البيع في استهلاك جزء من القرض٩٧ وحدَّدت لائحة بيع أطيان الميري الصادرة في عام ١٨٧٩م شروط البيع، فنصَّت على أن يكون البيع بالمزاد العلني، وأن تُربط الأطيان المُباعة كأطيانٍ خَراجية بالضريبة المماثلة للأطيان الواقعة في نفس الحوض، أمَّا الأراضي البور فتُعفى من الضريبة خمس سنواتٍ ثم تُربط عليها الضريبة بعد ذلك حتى لو لم تكُن قد استُصلِحَت.٩٨
وشرعت الحكومة منذ نهاية القرن التاسع عشر في بيع أراضي الدومين الخصبة على شكل مساحات صغيرة تتراوح بين ١٥–٢٠ فدَّانًا، مما أدَّى لزيادة الإقبال على شراء تلك الأراضي، وخاصةً من فئات متوسطي المُلَّاك الذين توافر لديهم المال نتيجة ارتفاع أسعار القطن في تلك الفترة.٩٩ ولم يستفد صغار المُلَّاك (الذين كانوا يملكون دون الخمسة أفدنة) من عمليات بيع أطيان الدومين في توسيع مساحة ملكياتهم، لأن الحدَّ الأدنى لمساحة القطع المعروضة للبيع كان يبلغ نحو ١٢ فدَّانًا. وتنافس الراغبون في الشراء تنافسًا شديدًا في المزادات حتى إن سعر الفدَّان كان يزيد بمقدار ١١٧٪ عن القيمة الأساسية المقدَّرة له بالمزاد١٠٠ ولم تكُن الأحوال المادية لصغار المُلَّاك وبعض متوسطيهم تُمكِّنهم من الدخول في تلك المزادات.
أمَّا أطيان الدومين التي كانت في حاجة إلى إصلاح، فكانت تُباع في مساحات كبيرة لشركات الأراضي بأثمان زهيدة لتتولى إصلاحها وإعادة بيعها للراغبين في الشراء،١٠١ كذلك اشترى بعض كبار المُلَّاك — مثل بوغوص باشا نوبار وتيجران باشا وغيرهم — مساحاتٍ تجاوزت الألف فدَّان١٠٢ ولم يبقَ في حوزة إدارة أراضي الدومين سوى ١٤٧٥٠٩ أفدنة في مطلع عام ١٩٠٧م١٠٣ وبذلك بلغت نسبة ما بِيع من تلك الأراضي حوالي ١٣٪ من جملة أطيان الدومين، وبعد سداد القسط الأخير من قرض الدومين (في ٣١ ديسمبر ١٩١٢م)، أُدمج ما تبقَّى من أراضي الدومين تحت إدارة الأملاك الأميرية التي أُنشِئت خصِّيصى لهذا الغرض في ١٧ أبريل ١٩١٣م، وكانت تابعة لنظارة المالية.١٠٤

(٦) البنوك والشركات العقارية

وكانت عمليات شراء أراضي الدائرة السنية والدومين في حاجة إلى تمويل، ولعبت البنوك والشركات العقارية دور المُموِّل لتلك الصفقات بما كانت تقدِّمه من قروضٍ للمُلَّاك بضمان ما في حوزتهم من أراضٍ زراعية، وبذلك ساهمت مساهمةً فعالةً في نمو الملكيات الزراعية الكبيرة.

وساعد على ازدهار نشاط الشركات والبنوك العقارية ما طرأ على حقوق الملكية الخاصة للأرض من تطورٍ انتهى إلى تدعيم تلك الحقوق وإرساء قواعد الملكية التامة للأرض، وبالإضافة إلى ذلك فإن تطور الزراعة وانتعاش السوق الاقتصادي كانا كفيلين بجذب أنظار أصحاب رءوس الأموال الأجنبية إلى استثمار أموالهم في مجال الرهن العقاري، وخاصةً أن حقَّ الأجانب في امتلاك الأراضي الزراعية كان مكفولًا، كما أن السياسة المالية التي وضعها الاحتلال البريطاني لمصر شجعت المستثمرين الأجانب على الدخول في حقل الرهن العقاري نظرًا لما توفره تلك السياسة لهم من ضمانات،١٠٥ وكذلك كفلت المحاكم المختلطة الضمانات لحقوق المستثمرين الأجانب.١٠٦
وكان أول وأهم البنوك التي عملت في حقل الرهن العقاري هو «البنك العقاري المصري Credit Fonciér Egyptian» الذي تأسس في عام ١٨٨٠م، وأصبح بمرور الزمن من أكبر البنوك العقارية في مصر، وقد قام بتأسيسه بعض المُموِّلين المتمصرين، وعلى رأسهم سوارس الذي كان يمتلك — بالاشتراك مع ولدَيه — أحد بيوت المال المهمة في البلاد، وكانت تربطه صلاتٌ وثيقةٌ ببنوك فرنسا الكبرى لذلك كان جُلُّ اعتماده في تدعيم رأسمال البنك على مصادر تمويل فرنسية، بالإضافة إلى بعض رءوس الأموال الإنجليزية والبلجيكية والسويسرية التي ساهمت في البنك.١٠٧
وقد اضطرَّ البنك أن يقلِّل حجم معاملاته في بداية تأسيسه بسبب الظروف السياسية التي أحاطت بمصر في عام ١٨٨٣م، وسوء الأحوال الاقتصادية الذي نجم عن الطاعون الذي فتك بالماشية في عام ١٨٨٣م، ولفَتْك الآفات بمحصول القطن في عام ١٨٨٥م، ثم عاد البنك إلى التوسع في أعماله بعد ذلك. وأدت الظروف الاقتصادية السيئة التي عانت منها البلاد في الثمانينيات إلى عجز الكثير من عملاء البنك عن سداد ما عليهم من قروض، فقام البنك بنزع ملكية الكثير من الأراضي في وقتٍ لم يكُن فيه إقبالٌ على الشراء، فاضطرَّ البنك إلى إدارة تلك الأراضي بنفسه.١٠٨
وكانت زيادة الطلب على الأراضي الزراعية في التسعينيات وحركة مبيعات أطيان الدائرة السنية والدومين سببًا في إقبال الكثير من كبار المُلَّاك الزراعيين على رهن أراضيهم لدى البنك، مقابل الحصول على قرض كبير يتيح لهم شراء المزيد من الأرض، مما دفع البنك إلى زيادة قيمة سنداته من ٦ مليون جنيه في عام ١٩٠٢م، إلى ٨ مليون جنيه عام ١٩٠٤م، إلى ١٦٠٠٥٠٠٠ جنيه في عام ١٩٠٧م، ويرجع السبب في هذه الزيادة الكبيرة إلى شراء البنك لحقِّ البائع من شركة الدائرة السنية.١٠٩
وقد ارتفعت القروض التي قدَّمها البنك لعملائه من ٦٧٩٨٥٠٥ جنيه مصري في عام ١٩٠٢م، إلى ٢٣٦٧١٠١٢ جنيه مصري في عام ١٩٠٧م، وكانت ٩٠٪ من القروض فيما بين عامَي ١٩٠٣–١٩٠٥م عبارة عن قرض بضمان أراضٍ زراعية، وكان ثُلثا القروض التي قُدِّمت حتى عام ١٩٠٥م عبارة عن قروض تزيد قيمة كل قرضٍ منها عن ألف جنيه مصري، وكونت القروض التي يزيد كلٌّ منها على عشرة آلاف جنيه ما نسبته ٤٨٫٣٪ من جملة القروض في عام ١٩٠٢م، و٢٦٫٢٪ في عام ١٩٠٣م، ٣١٪ في عام ١٩٠٤م، ٣٧٫٩٪ في عام ١٩٠٥م،١١٠ وفي هذا دلالة واضحة على أن معظم هذه القروض كانت تذهب إلى كبار المُلَّاك الزراعيين الذين كان باستطاعتهم رهن مساحات من أراضيهم تغطي قيمة ما يقترضونه من البنك.
وقد ازدادت مساحة الأراضي المرهونة لدى البنك العقاري المصري من ٣٣٣٩٥٣ فدَّانًا في عام ١٨٩٥م، أيْ بنسبةٍ تبلغ نحو ١٠٪ من مساحة الأراضي الزراعية في البلاد، إلى ١٠٣١٣٥٦ فدَّانًا في عام ١٩٠٧م، أيْ بنسبةٍ تبلغ نحو ٢٥٪ من مساحة الأراضي الزراعية في البلاد، وهي الفترة التي شهدت عمليات بيع أطيان الدائرة السنية والدومين التي ساهم البنك العقاري المصري في تمويلها بتقديم القروض إلى كبار المُلَّاك ومتوسطيهم مقابل رهن أطيانهم لديه، وقد استمر البنك يزاول نشاطه على نطاق واسع حتى بعد أزمة ١٩٠٧م، فبلغت مساحة الأطيان المرهونة لدى البنك ١٢٥٧٥٥٠ فدَّانًا في عام ١٩١٣م، وتشكَّل ما تبقَّى من أطيان الدائرة السنية التي آلت إلى البنك حقوق البائع فيها جانبًا من تلك الأطيان.١١١ وذلك بخلاف الأراضي التي كانت مرهونةً لدى شركات وبنوك الرهن الأخرى، والمُرابين من التجار الأوروبيين والسوريين والأقباط.
فقد شهد مطلع القرن العشرين تأسيس شركتين أخريين للرهن العقاري؛ هما «الصندوق العقاري المصري Caisse Hypothecaire d’Egypte» الذي أُنشِئ في عام ١٩٠٣م برأسمالٍ فرنسي-بلجيكي مشترك جاء أغلبه من بلجيكا، و«بنك الأراضي المصري Land Bank of Egypt» الذي مثلت فيه المصالح الإنجليزية الفرنسية في حقل الرهن العقاري.

وقد ارتفعت جملة رأس المال المدفوع والسندات الخاصة بالبنوك والشركات العقارية من ٥١٦٨٠٠٠ جنيه مصري في عام ١٨٩٧م، إلى ٣٩٦٨٠٠٠٠ جنيه مصري في عام ١٩٠٧م، وكان معظم رأس المال أجنبيًّا لأن المصريين لم يساهموا في هذا المجال إلا بقدرٍ محدود، وكانت غالبية سندات تلك البنوك تُباع في الخارج، وإن كان البنك العقاري المصري قد خصَّص جزءًا من سنداته للمستثمرين المحليين الذين كانوا من الأجانب أيضًا.

وكانت الزيادة في رءوس أموال البنوك والشركات العقارية صدًى للزيادة في حجم القروض التي تقدِّمها لعملائها، فقد زادت القروض التي قدَّمتها تلك البنوك للأفراد من ٤٤٣٤٠٠٠ جنيه في عام ١٨٩٧م، إلى ٣٥٤٦٥٠٠٠ جنيه مصري في عام ١٩٠٧م.

وفي الوقت نفسه تدفقت رءوس الأموال الأجنبية على البلاد لاستثمارها في الرهن العقاري بواسطة أفراد زاولوا نشاطهم من خلال مكاتب المحامين أو المؤسسات المتخصِّصة في الرهن العقاري، وقد قُدِّر رأس المال الفرنسي المُستَغل في هذا المجال في عام ١٩١١م بخمسة عشر مليون فرنك.١١٢
وفي الفترة من ١٩٠٧–١٩١٤م، صدرت كميات جديدة من سندات بنوك الرهن العقاري بلغ رأسمالها ١٠١٠٢٠٠٠ جنيه مصري، كما أُسِّست في نفس الفترة شركاتٌ جديدةٌ؛ إحداها إنجليزية وأخريان فرنسيتان وواحدة بلجيكية-فرنسية وبنك ألماني. وقد أدَّى تأسيس هذه الشركات إلى زيادة رأس المال المُستثمَر في مجال الرهن العقاري بمقدار ٤٧٨٧٠٠٠ جنيه مصري عن الفترة السابقة على عام ١٩٠٧م.١١٣
وقد ثبت من مساحة الأراضي الزراعية في عام ١٨٩٤م أن الأراضي المرهونة بالصعيد كانت تُقدَّر بعُشر مساحة الأراضي الزراعية به وبثمن مساحة الأراضي الزراعية في كلٍّ من البحيرة والشرقية والجيزة، وكانت ديون مُلَّاك الأراضي التي تربو على ٥٠ فدَّانًا تُقدَّر بما يزيد على ٧٠٪ من جملة هذه الديون، وقد رهن هؤلاء المُلَّاك ١٥٪ من أراضيهم كضمانٍ لتلك القروض.١١٤

وبذلك لعبت بنوك وشركات الرهن العقاري دورًا هامًّا في تمويل عمليات شراء الأراضي في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وساعدت بذلك على نمو الملكيات الكبيرة على حساب الملكيات المتوسطة والصغيرة.

كذلك لعبت شركات الأراضي التي كانت مملوكةً للأجانب — في معظمها — دورًا هامًّا في نمو الملكيات الكبيرة عن طريق استصلاح الأراضي وبيعها في مساحات كبيرة للراغبين في الشراء، مما جعل الإقبال عليها مقصورًا على كبار المُلَّاك الذين تراكمت في أيديهم فوائض الأموال.

وقبل سنة ١٩١٤م كان عدد شركات الأراضي يبلغ خمس عشرة شركةً؛ هي شركة أبي قير (تأسست في ١٨٨٨م)، وشركة أراضي البحيرة (١٨٩٤م)، والشركة العقارية المصرية (١٨٩٦م)، والشركة المساهمة الزراعية الصناعية (١٨٩٧م)، والشركة المصرية الجديدة (١٨٩٩م)، وشركة كوم أمبو (١٩٠٤م)، والشركة المصرية للمشروعات والتنمية Egyptian Enterprise, Development Co. (١٩٠٤م)، وشركة أراضي الغربية (١٩٠٥م)، وشركة الشيخ فضل (١٩٠٥م)، والاتحاد العقاري المصري (١٩٠٥م)، والشركة الإنجليزية المصرية لتقسيم الأراضي (١٩٠٥م)، Anglo Egyptian Land Co.، وشركة الأراضي المصرية المتحدة ليمتد (١٩٠٦م) United Egyptian Lands Ltd.، وشركة سيدي سالم (١٩٠٦م)، وشركة كفر الدوار الزراعية (١٩٠٧م)، والشركة الزراعية المصرية (١٩١١م).١١٥
ولقد توقَّف تأسيس هذا النوع من الشركات منذ عام ١٩١١م إلى عام ١٩٢٦م، حيث عاد النشاط مرةً أخرى إلى سابق عهده، وإن كان بدرجةٍ أقل، وربما يرجع هذا إلى عدم الاستقرار السياسي الذي مرَّ به المجتمع المصري من الحرب العالمية الأولى إلى ثورة ١٩١٩م، ففي ١٩٢٦م تأسست شركة القاهرة الزراعية، وفي ١٩٢٩م تأسست شركة أراضي الدقهلية، وفي عام ١٩٣٦م تأسست شركة الكروم والكحول المصرية Viticole et Vinicole d’Egypte، وفي عام ١٩٣٧م تأسست شركة تأجير الأراضي الزراعية Socagricole et farmier Formag، وشركة الجعفرية للصناعة والزراعة، وفي عام ١٩٤٧م تأسست شركة البساتين والكروم المصرية.١١٦

ولقد بلغت هذه الشركات قمة استثماراتها حوالي ١٩١٠م، ثم انكمشت تدريجيًّا إلى ١٣ مليون جنيه في أوائل العشرينيات، وبعد تدهور ضئيل في الثلاثينيات عادت للنهوض مرةً أخرى خلال الأربعينيات حتى وصلت إلى ١٤ مليون جنيه في عامَي ١٩٤٥-١٩٤٦م.

ويُلاحَظ بصفة عامة أن شركات الأراضي الرئيسية الضخمة استطاعت أن تحقِّق الاستمرار والصمود والبقاء حتى خلال سنوات الأزمات، ولعلَّ ما يؤكد ذلك استقرار حجم الملكيات التي تحت يدها استقرارًا نسبيًّا خلال الفترة ودون تغييرٍ يُذكر، فيما عدا ما حدث خلال العشرينيات من قيام شركات الأراضي الكبرى وفي مقدمتها شركة أراضي البحيرة ببيع مساحات كبيرة من ممتلكاتها.

وثمة نقطة على جانب من الأهمية؛ وهي أن التناقص الذي كان يحدث في ملكيات بعض الشركات لا يعني إفلاسها، فكل ما كان يحدث هو انتقال الملكية من شركةٍ إلى شركةٍ أخرى بسبب اختلاف نوع الاستغلال بين هذه الشركات، فمثلًا شركات ينحصر نشاطها الرئيسي في إصلاح الأراضي وبيعها (شركات سيدي سالم، والشركة المساهمة الزراعية والصناعية، شركة أراضي البحيرة)، وشركات كانت مهمتها زراعة الأراضي المُستصلَحة هذه واستغلالها (شركة كوم أمبو، وشركة البساتين والكروم المصرية، وشركة الكروم والكحول المصرية). وأكثر من هذا، فقد حدث أن غيرت شركات الكروم تخصُّصها الأصلي من إصلاح الأراضي وبيعها إلى الزراعة. يضاف إلى هذا أن الأراضي كانت تنتقل من شركةٍ إلى أخرى، فمثلًا كل أراضي شركة سيدي سالم عند تأسيسها — حيث يملك الاتحاد العقاري المصري جزءًا كبيرًا منها — اشترتها من شركة أراضي البحيرة، كما أن جزءًا هامًّا من أراضي الشركة المساهمة الزراعية والصناعية التي اشترتها خلال الأربعينيات انتقلت إلى شركات أخرى (حوالي ٣٠٠٠ فدَّان لشركة أراضي الغربية، وأكثر من هذا لشركة تأجير الأراضي الزراعية).

وجديرٌ بالذكر في هذا المجال أن مؤسِّسي شركةٍ ما، كانوا من كبار المُلَّاك، نقلوا ملكياتهم أو باعوا أنصبتهم لحساب تأسيس الشركة، فمثلًا اشترى مؤسِّسو شركة الاتحاد العقاري، وهم عائلات قطاوي ومنشة وسوارس، أكثر من ٦٠٠٠ فدَّان بناحية البدرشين (جيزة)، واشترت شركة الكروم والكحول المصرية أراضيها من الإخوان جاناكليس وبيراكوس Pierrakos الذي كان يملك أغلب رأسمال الشركة في عام ١٩٤٩م، ومديرها في الوقت نفسه. كذلك اشترت شركة الجعفرية أراضيها من تومايدس Thomaidis الذي أصبح واحدًا من مديري الشركة فيما بعد.
ومن ناحيةٍ أخرى فإن بعض الشركات حصلت على أراضيها بوسائل الحجز والبيع وفاءً للديون خلال أزمة عام ١٩٢٩م، ومن هذه الشركات الشركة الزراعية المصرية التي خصَّصت نشاطها في هذا المجال لسنواتٍ طويلة، وشركة أبي قير التي زادت ملكيتها من ٧٨١٤ فدَّانًا إلى ٩٦٨٦ فدَّانًا بين عامَي ١٩٢٩–١٩٣٤م.١١٧
جدول : حجم ملكيات الشركات خلال الفترة
اسم الشركة الملكية بالفدَّان
١٩٢٤م ١٩٣٢م ١٩٤٠م ١٩٤٨ / ١٩٤٩م
شركة أبي قير = ٩٥٥٩ ٨٣١٠ ٣٦٧٣
شركة أراضي البحيرة + ٧٠٠٠٠ ٦٥٤٦١ ٦٠٣٤٥ ٤٩٥١١
الشركة العقارية المصرية - - ١٣٤٠ ٢٦٠٠
الشركة الزراعية والصناعية والمساهمة ١٩٠٢٠ ١٦٥٠٠ ١٦٥٠٠ ٣٧٤٥
الشركة المصرية الجديدة ٦٥٨٢ ٦٢٢٥ ٤٩٥٥ ٥٦٧٥
شركة كوم أمبو ٣٠٠٠٠ ٧٠٠٠٠ ٦٩٣٨٨ ٦٨٤٩٦
الشركة المصرية للمشروعات والتنمية + ٢٠٠٠ ٢٠٠٤ ٩٥٠ ١١٥٣
شركة أراضي الغربية ٦٢٨٧ + ٥٨٠٠ ٤٩٦٩ ٧٦٩١
شركة الشيخ فضل - - = ٧٠٠٠
الاتحاد العقاري المصري ٥٤٢٥ ٣٦٦٨ ٣٣٧٢ ٣٤٢٨
الشركة الإنجليزية المصرية لتقسيم الأراضي ٤٩٦١ ٣٤٨٠ ٤٣٩٩ ٢٣٤٢
شركة الأراضي المصرية المتحدة ليمتد ١٣١٥ = ١٦٨٣ -
شركة سيدي سالم ١٠٥٠٩ ٨٥١٩ = ١٥٣٨
شركة كفر الدوار الزراعية ١٧٩٤ - - -
الشركة الزراعية المصرية = = ٣٦٤٨ -
شركة القاهرة الزراعية - ٦٩٧٧ = ١٢٥٧
شركة أراضي الدقهلية - ٤٧٣٤ ٢٨٥٦ ٢٢٠٨
شركة الكروم والكحول المصرية - - ٤٤٣٢ ٧٣٥٥
شركة أراضي كفر الزيات - - ٤٥٠٠ ٣٢٩٤
شركة تأجير الأراضي الزراعية - - - ٣٠١٥
شركة الجعفرية للصناعة والزراعة - - - ١٤٢٥
شركة البساتين والكروم المصرية - - - ٥٢٥٣
إجمالي ١٥٧٨٩٣ ٢٠٢٩٢٧ ١٨٨٧٧٩ ١٨٠٦٥٩

ملاحظات للجدول:

  • = شركات تملك أراضي ولكن غير معروفة.

  • - شركات لا تملك.

  • + تقدير على أساس السنوات السابقة واللاحقة.

(٧) بيع أراضي الدولة

وقد بذل كبار المُلَّاك جهدًا كبيرًا للحصول على مساحات من الأراضي التي كانت تملكها مصلحة الأملاك الأميرية التي أُنشِئت بأمرٍ عالٍ في ٧ أبريل ١٩١٣م لإدارة ما تبقَّى من أطيان الدومين وغيرها من أملاك الميري، فكان بيع أراضي الدولة مصدرًا من مصادر نمو الملكيات الكبيرة، فمنذ إعطاء الأفراد حقَّ ملكية الأراضي في مصر منذ عام ١٨٩١م وجهودهم لم تنقطع في الضغط على الحكومة بوسيلةٍ أو بأخرى، لكي تتنازل عن الأراضي الواقعة تحت سيطرتها وإباحة ملكيتها للأفراد، ففي البداية أصدر مجلس النظَّار في ٢١ فبراير ١٨٩٤م لائحة١١٨ ﺑ «جواز إعطاء البرك والمستنقعات ملك الميري المُضرة بالصحة العمومية بصفة ملكية إلى مَن يتعهد بردمها» (مادة ١)، مع إعفائها من دفع ضريبةٍ عنها لمدَّة عشر سنوات (مادة ١١)، وبشرط أن تكون هذه البرك والمستنقعات على مسافةٍ أقلَّ من ألف مترٍ من أماكن كل مدينة أو ناحية أو عزبة (مادة ١٢). وقد يكون الدافع وراء تلك اللائحة حماية الأهالي من الأمراض التي تصيبهم من جرَّاء انتشار هذه البرك، ولكنها من ناحيةٍ أخرى كانت مشجعًا على التملك.
وسعيًا وراء هذا الهدف ارتفعت أصوات المُلَّاك تبصِّر الحكومة بطريقةٍ أو بأخرى بأهمية مشروعات إصلاح الأراضي وتقديمها على ما عداها من المشروعات الأخرى، فقد كتب مالكٌ كبيرٌ يطالب الحكومة بالبدء في إصلاح الأراضي البور بتقسيمها إلى قِطعٍ تختلف بين مائة فدَّانٍ وعشرة آلاف فدَّانٍ، وبيعها بثمن «زهيد» للمُلَّاك المصريين أو الشركات لإصلاحها وتعميرها في مدَّة معيَّنة، فإذا كان المشتري شركةً تتعهد بأنها إذا باعت الأرض لصغار المُلَّاك لا يتجاوز ربحها الثمن الأصلي ومصاريف الإصلاح وفوائد هذه المبالغ.١١٩ وواضحٌ أن مساحة القِطَع المُقترَحة للبيع لا يقدر على شرائها — مهما كان ثمنها زهيدًا — إلا كبار المُلَّاك الذين كان يعبِّر عنهم ولا شك. وبعد إنشاء مصلحة الأملاك الأميرية في عام ١٩١٣م لتدير أملاك الدولة — كما تقدَّم — أخذت الدعوة لتصفية هذه المصلحة وطرح أراضيها للبيع تنتشر، وحمل لواءها كبار المُلَّاك بطبيعة الحال، وقيل إن تصفية هذه المصلحة وتقسيم أراضيها وبيعها للأهالي لزراعتها واستغلالها يعدُّ مسايرةً للتطور الاجتماعي، وعندئذٍ تستريح الدولة من مصلحة لا تجد من بقائها إلا المصاعب التي لا تقابلها فوائد.١٢٠
ونوَّه مالكٌ كبيرٌ آخر١٢١ إلى الخسارة التي تحقِّقها هذه المصلحة؛ فهي تصرف نحو ٦٠٪ من إيراداتها على موظفيها وعمالها، فبينما كانت إيرادات عام ١٩٢٣م تبلغ ٧٨٢ جنيهًا كانت المصروفات ٤١٠٣٦٢ جنيهًا، وبينما كانت الإيرادات ٧٩٣ جنيهًا في عام ١٩٢٤م كانت المصروفات ٤٠٢٦٠٦، في حين أنه لا ينبغي ألَّا تتعدى المصروفات ١٥٪ من الإيرادات، ومن ثَم طالب ببيع هذه الأراضي للأهالي، وهو اقتراحٌ سبق أن تقدَّم به في الجمعية التشريعية «لأن الحكومة لا تستطيع أن تكون مزارعةً أو متاجرةً وتتقن عملها كما يتقنه الأفراد»، وفي ذلك فائدة للحكومة تعود عليها من ربط المال على تلك الأراضي تدرُّ إيرادًا ضخمًا.
ولا شكَّ أن وراء مثل هذه الآراء الفكرة الليبرالية التي كانت منتشرةً آنذاك، والتي كانت تحدِّد دور الحكومة أو الدولة في الدفاع والأمن وبعض الخدمات العامة، وترفض أن تقوم الحكومة بدورٍ استثماريٍّ في أيِّ مجال من مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، ومع هذا فقد وُجد مَن يعترض على فكرة تصفية مصلحة الأملاك، وينبه إلى خطورة ذلك على أساس «أن النظم الاجتماعية الراقية تقتضي في مصر خاصةً ألَّا تُباع الأطيان الميري للأفراد، بل أن توضع النظم الهادئة العادلة التي تجعل كافة الأطيان تئول إلى الحكومة، ثم توزَّع بطريق التأجير للزارع توزيعًا عادلًا»، حتى يعود التوازن إلى ملكية الأراضي بدلًا من انقسام «الأمة إلى قسمين غير متناسبَين؛ أحدهما السادة المرفهون، والآخر العبيد المرهقون»،١٢٢ خاصةً وأن أقلَّ صفقةٍ من أراضي الحكومة طُرحت للبيع عام ١٩٢٨م لصغار المزارعين، أوضحت أن بعض كبار المُلَّاك أغروا صغار المُلَّاك للتقدم لشراء هذه الأراضي لحسابهم هم، أيْ كبار المُلَّاك وهكذا.١٢٣
وعندما وضعت الحكومة مشروعًا ببيع ٥٠٧١٠٣ أفدنة من الأملاك الأميرية خصَّصت ١٣١٥٨٢ فدَّانًا لصغار الزرَّاع مكوَّنة من ٦٤٠٠٠ قطعة، لا تزيد الواحدة على عشرة أفدنة، بينما خصَّصت لكبار المُلَّاك ٣٤٣٥٢١ فدَّانًا مكوَّنة من ٣٨٠٠٠ قطعة؛ كل قطعة من عشرين إلى مائة فدَّان، بالإضافة إلى طرح ٣٢٠٠٠ فدَّان من الأراضي البور؛ كل قطعة بين مائة فدَّان ومائتَي فدَّان.١٢٤
أيْ إن المستفيد الأول من هذا التوزيع كانوا كبار المُلَّاك، فرغم قلة عددهم بالنسبة إلى صغار المزارعين فقد خصَّصت لهم الحكومة نسبةً أكبر من الأرض، فقد قال مكرم عبيد صاحب المشروع إن الحكومة إذا اتجهت بادئ ذي بدء للفلاح والزارع الصغير فيما وضعت من مشروعات فإنها لم تغفل شأن متوسطي وكبار الزرَّاع، فليُقبِل الأهلون على الشراء، فهم أصحاب الحقِّ الأول في أراضي الحكومة التي لا يصحُّ عدلًا ولا فعلًا أن تبقى الأرض بين يدَي الوكيل ويُحرم منها الأصيل. فعبَّر بذلك عن وجهة نظر كبار المُلَّاك، وموقفهم من بقاء الأراضي في يد الحكومة. غير أن الشراء من أراضي الدولة أصبح يمثل الطريقة الرئيسية لاقتناء الأرض بالنسبة لكبار المُلَّاك، فمنذ تأسيس مصلحة الأملاك الأميرية في عام ١٩١٣م — كما تقدم — وحتى عام ١٩٤٩م باعت ٤٥٥٧٩٩ فدَّانًا، ورغم أن الإحصائيات الرسمية الخاصة ببيع هذه الأراضي لا توضح نوعية المشترين، إذا كانوا من كبار المُلَّاك أم من صغارهم، فهي تذكر فقط المساحات المُباعة سنويًّا، فمن الممكن معرفة المساحات التي اشتراها كبار المُلَّاك من ملاحظة الارتفاع النسبي في شرائح الملكيات أكثر من ٥٠ فدَّانًا، حسبما توضح الإحصائيات الرسمية. فقد كانت مبيعات مصلحة الأملاك منذ عام ١٩٣٩م إلى ١٩٤٩م، وهي السنوات التي شهدت ارتفاعًا في الملكيات الكبيرة كما يلي:١٢٥
جدول
السنة عدد الأفدنة
١٩٣٩-١٩٤٠م ١٢٦٢٠
١٩٤٠-١٩٤١م ٢٠٧٩٩
١٩٤١-١٩٤٢م ١٥١٩٩
١٩٤٣-١٩٤٤م ٢٦٥٧٩
١٩٤٤-١٩٤٥م ١٧٠٧٤
١٩٤٥-١٩٤٦م ٢٦٥٤٨
١٩٤٧-١٩٤٨م ١٥٦٦٢
١٩٤٨-١٩٤٩م ١٥٦١٥
وقد تركزت هذه المبيعات في كلٍّ من مديريات البحيرة والغربية والشرقية، وهي مناطق الأراضي الأميرية، فقد بيع بالبحيرة حوالي ٢٠٠٠٠ فدَّان بين عامَي ١٩٤٠–١٩٤٤م، وحوالي ٥٥٠٠٠ فدَّان بالغربية بين عامَي ١٩٤٠–١٩٤٨م، وحوالي ١١٠٠٠، ٣٥٠٠٠ فدَّان بنفس المديرية بين عامَي ١٩٤٠–١٩٤٤م، وعامَي ١٩٤٧–١٩٤٩م. وهذه المديريات الثلاث هي التي شهدت ارتفاعًا في الملكيات أكثر من خمسين فدَّانًا، ففي البحيرة ازدادت هذه الملكيات ١٢٣٢٣ فدَّانًا بين عامَي ١٩٣٩–١٩٤٦م، وفي الغربية زادت ٢١٤٧٥ فدَّانًا بين عامَي ١٩٣٩–١٩٤٧م، وبالشرقية ١٢٧٦٠ فدَّانًا بين عامَي ١٩٤١–١٩٤٦م.١٢٦

وترتبط دراسة ظاهرة تركُّز الملكية في مصر بدراسة التطورات التي طرأت على المساحة المزروعة، لعلاقة هذا بتحديد نِسب الملكيات الكبيرة إلى المساحة الكلية، على أنه يجب التنويه إلى أن دراستنا لتطور المساحة لن تكون إلا بالقدر الذي يفيد في إبراز ظاهرة التركز فقط، وليس دراسة الجانب الجغرافي في المسألة.

والجدول التالي١٢٧ يوضح تطور المساحة الكلية للأرض الزراعية في مصر خلال الفترة من ١٩١٤–١٩٥٠م.
جدول
السنة جملة المساحة بالفدَّان
١٩١٤م ٥٤٥٧٩٨٤*
١٩١٥م ٥٤٥٧٠٩٦
١٩١٦م ٥٤٥٢٤٤٨
١٩١٧م ٥٤٨٦١٤٤
١٩١٨م ٥٤٨٩١٢٤
١٩١٩م ٥٥١١٢٥٩
١٩٢٠م ٥٥٣٥٣٥٢
١٩٢١م ٥٥٧٤٥٠٠
١٩٢٢م ٥٥٩٥٧٠٧
١٩٢٣م ٥٥٩٧٩١٦
١٩٢٤م ٥٥٩٧٠٢٣
١٩٢٥م ٥٥٩٨٥٠٦
١٩٢٦م ٥٦٢٧٥٠١
١٩٢٧م ٥٦٦٨٧٧٧
١٩٢٨م ٥٨٢٥٠٦٣
١٩٢٩م ٥٧٩٣٣٠٩
١٩٣٠م ٥٧٩٠٠٥٠
١٩٣١م ٥٨٢٥٣٠٠
١٩٣٢م ٥٨١٦٣٤٣
١٩٣٣م ٥٨١٨٣٩٠
١٩٣٤م ٥٨٣٧١١٠
١٩٣٥م ٥٨٣٦٩٥٩
١٩٣٦م ٥٨٣٦٩١٢
١٩٣٧م ٥٨٣٤٢٦٩
١٩٣٨م ٥٨٣١٥٥٦
١٩٣٩م ٥٨٣٦٧٤٦
١٩٤٠م ٥٨٤١١١٠
١٩٤١م ٥٨٤٤١٨٧
١٩٤٢م ٥٨٥٧٥٥٦
١٩٤٣م ٥٨٥٩٨٩١
١٩٤٤م ٥٨٧٣٢٠٠
١٩٤٥م ٥٨٨١٠٦٠
١٩٤٦م ٥٩٠٣١٩٣
١٩٤٧م ٥٩٢٢٠٤٣
١٩٤٨م ٥٩٣٨٢١٧
١٩٤٩م ٥٩٤٨١٣٤
١٩٥٠م ٥٩٦٢٦٦٢
يذكر أمين سامي في تقويم النيل، الجزء الأول ص١٣٣، أن جملة المساحة في ١٩١٤م هي: ٥٧١٢١٦٣ فدَّانًا.

ويُلاحَظ بادئ ذي بدء أن الزيادة التي طرأت على المساحة خلال الفترة زيادةٌ طفيفةٌ بالقياس إلى طول الفترة الزمنية، ففي خلال ٣٧ عامًا لم تزِد الأرض الزراعية سوى ٥٠٤٦٧٨ فدَّانًا من ٥٤٥٧٩٨٤ فدَّانًا في عام ١٩١٤م إلى ٥٩٦٢٦٦٢ فدَّانًا في ١٩٥٠م، بل إن ما يقرب من نصف هذه الزيادة، وهو ٢٢٦٧٩٤ فدَّانًا، قد حدث خلال المدَّة من ١٩٢٥م إلى ١٩٣١م، أيْ من ٥٥٩٨٥٠٦ أفدنة في ١٩٢٥م إلى ٥٨٢٥٣٠٠ فدَّان في عام ١٩٣١م، وكانت هذه الزيادة نتيجةً لمشروعات الصرف واستصلاح الأراضي في شمال الدلتا التي تمَّت خلال تلك الفترة.

وبطبيعة الحال فإن الزيادة في رقعة الأرض القابلة للزراعة كان يتبعه ارتفاع نِسب المُلَّاك الذين كانوا يُقبِلون على شراء تلك الأراضي، وكان يتبعه أيضًا ارتفاع في الأجور وارتفاع في أثمان الأراضي وتركيز أكثر في الملكية.

والجدول التالي يوضح الملكيات أكثر من خمسين فدَّانًا للمصريين والأجانب، من حيث نسبة عددهم إلى عدد المُموِّلين بصفةٍ عامة، ونسبة ما يملكون إلى المساحة الكلية بصفة عامة. ويوضح مدى تركُّز الملكية الكبيرة إلى إجمالي المُلَّاك، وكانت تتأرجح بين ٠٫٧٪، ٠٫٦٪ إلى أن استقرت على ٠٫٥٪ ابتداءً من عام ١٩٣٠م وحتى نهاية الفترة.

ويُلاحظ أن هذا التركيز الشديد (٠٫٥٪)، جاء في أعقاب زيادة مساحة الأرض الزراعية بعد إتمام مشروعات الإصلاح والصرف، في شمال الدلتا، مما يعني أن معظم تلك الأرض الجديدة المُستصلَحة ذهبت إلى أيدي كبار المُلَّاك، فلقد ارتفعت ملكياتهم بالنسبة لإجمالي المساحة من ٣٣٫٩٪ إلى ٣٥٫١٪ في ١٩٣٠م، كذلك ارتفع متوسط ما يملكه الفرد من نحو ١٥١ فدَّانًا في عام ١٩٢٥م إلى ما يزيد قليلًا على ١٥٨ فدَّانًا في ١٩٣٠م. وإذا كانت نسبة الملكية قد انخفضت إلى ٣٣٫٨٪ في عام ١٩٣٥م، فقد جاء ذلك كنتيجةٍ لأزمة الديون العقارية وقيام شركات الأراضي وبنوك الرهونات بتوقيع الحجز على بعض الأراضي وفاءً للديون كما سيأتي ذكره في الفصل الخامس.

أمَّا نسبة الملكيات الكبيرة الأجنبية إلى إجمالي المُلَّاك الأجانب، فقد كانت ثابتةً إلى حدٍّ كبير؛ فهي ١٩٪ في عام ١٩١٤م، ٢٠٫٢٪ في عام ١٩٢٠م، ١٩٫٣٪ في عام ١٩٢٥م، ١٧٫٧٪ في عام ١٩٣٠م، ١٧٫٧٪ ثم أصبحت ١٧٪ ثم أصبحت ١٦٪ في عام ١٩٥٠م.

ولعلَّ هذا الانخفاض الملحوظ جاء في أعقاب عقد معاهدة ١٩٣٦م، وتوقيع معاهدة مونتريه ١٩٣٧م التي قضت بإلغاء الامتيازات الأجنبية، وبدء مطالبة الوطنيين (الحزب الوطني) بوضع التشريعات التي تحظر تملُّك الأجانب ملكياتٍ عقارية. ولعلَّ هذا يُلاحظ أيضًا من انخفاض المساحة المملوكة للأجانب بالنسبة لإجمالي المساحة من ٩٢٫٢٪ في عام ١٩٣٠م إلى ٩٢٪ في عام ١٩٤٠ إلى ٩١٫٨٪ في عام ١٩٥٠م.

إذَن، فتركُّز الملكية الزراعية في مصر ظاهرة تثبتها الإحصائيات، وهذا يدعونا بالتالي إلى ضرورة التعرف على أسباب وعوامل نشوء هذه الظاهرة … ويرى علماء الاقتصاد أن التركُّز الذي عرفه أسلوب الإنتاج في الرأسمالية الصناعية لم يعرفه الإنتاج الزراعي كثيرًا؛ لأن مزايا الإنتاج الكبير — القائم على التركز — في الزراعة أقلُّ منها في الصناعة، ولهذا يجب التفرقة هنا بين الاستغلال والملكية، فقد يكون هناك تركُّز في الملكية لا يقابله تركُّز في الإنتاج.١٢٨

وعندنا أن المقصود بالتركُّز في الزراعة في مصر بمعناه الشامل في الملكية وفي الإنتاج عند الملكيات الكبيرة، أمَّا الملكيات الصغيرة والضئيلة فتنعدم فيها ظاهرة التركُّز في الإنتاج، حيث يقوم أصحابها باستغلالها بأنفسهم، بعكس الملكيات الكبيرة التي يعتمد فيها الإنتاج والاستغلال على الغير بطرق الإيجار المختلفة، وهو أوضح ما يكون في شركات الأراضي التي قامت أساسًا على أسلوب الإنتاج الرأسمالي.

الجدول ٢–٦ *
السنة النوع العدد إجمالي المُلَّاك نسبة كبار المُلَّاك للمجموع الكلي٪ مساحة الملكيات الكبيرة بالفدَّان إجمالي المساحة نسبة المساحة للمجموع الكلي٪ متوسط ما يملكه الفرد
١٩١٤م مصريون ١٧٩١ ١٥٥٥٥٠٣ ٠٫٧ ١٧٤٥٦٧٣ ٤٧٦٣٠٨٨ ٣٦٫٧ ١٦١١٨١٢
أجانب ١٥٦٢ ٨٫٢٢٠ ١٩ ٤٤٦١٤١ ٦٩٤٨٩٦ ٩٣ ٤١٣١٥٢٢
١٩٢٠م مصريون ١٢٠٩٨ ١٨٥٩٧٤٥ ٠٫٧ ١٧٤٧٠٧٩ ٤٩٨٢٠٨١ ٣٥٫١ ١٤٤٩٢١
أجانب ١٤١٤ ٧٠١٦ ٢٠٫٢ ٥١٤٤٤٨ ٥٥٣٢٧١ ٩٣٫١ ٣٦٣١٩١٩
١٩٢٥م مصريون ١١٢٦٨ ٢٠٣٣١١٤ ٠٫٦ ١٧١٢١١٦ ٥٠٤٧١١٣ ٣٣٫٩ ١٥١١٢١٦
أجانب ١٣٠٦ ٦٧٧٤ ١٩٫٣ ٥١١٩٦١ ٥٤٩٩٢٠ ٩٣٫١ ٤–٣٩٢
١٩٣٠م مصريون ١١٧٢٢ ٢٢٠٤١٦٩ ٠٫٥ ١٨٦١٦٢٠ ٥٣٠٩٧٨٩ ٣٥٫١ ١٥٨١٩١٣
أجانب ١٠٩٣ ٦١٧٢ ١٧٫٧ ٤٤٥٣١٩ ٤٨٠٢٦١ ٩٢٫٧ ٤٠٧١٠٧
١٩٣٥م مصريون ١١٢٩٣ ٢٣٥٨٧٩٧ ٠٫٥ ١٨٠٣٧٦٠ ٥٣٣٠٢٧١ ٣٣٫٨ ١٥٩١٧٩
أجانب ١١٦٧ ٦٨٠٧ ١٧٫١ ٤٦٧٥٣٢ ٥٠٦٦٨٨ ٩٢٫٢ ٤٠٠١٥١
١٩٤٠م مصريون ١١٢٨٠ ٢٣٩٤٣٨٩ ٠٫٥ ١٧٩٦٠٥٣ ٥٣٣٩٨٨٤ ٣٣٫٦ ١٥٩٥٩
أجانب ١١٤٠ ٣٦٢٦ ١٧ ٤٥٧٥٣٠ ٤٩٧٠٢٨ ٩٢ ٤٠٠٢٣١٩
١٩٤٥م مصريون ١١٤٥٤ ٢٤٣٣٦١٥ ٠٫٥ ١٨٣١٥٦٩ ١٤٠٥٥٤٣ ٣٣٫٩ ١٥٩٢١١٨
أجانب ٩٩٧ ٦٥٥٦ ١٦ ٣٩٣٧٤٨ ٤٢٨٧٢٦ ٩١٫٨ ٣٩٤٢٢٩
مصدر الجدول: النشرة الشهرية لبيان حالات محصول القطن المصري، الإحصائية الشهرية الزراعية الاقتصادية، وجميعها إصدار مصلحة عموم الإحصاء بوزارة المالية (١٤، ١٩٥٠م).
وتركُّز الملكية في مصر يعود إلى عدَّة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية، فشراء مساحات واسعة من الأرض للقيام فيها بعمليات الاستصلاح، لم يكُن ليقدر عليه إلا الأثرياء الذين كانوا يركزون استثماراتهم في هذا المجال بالدرجة الأولى، فضلًا عن سهولة حصولهم على مختلف التسهيلات المالية من البنوك وشركات الأراضي، مما مكنهم من توسيع رقعة ممتلكاتهم وتحسين تربتها وتجويد إنتاجها، وهي مميزات لم تكُن في متناول محدودي الدخل، بالإضافة إلى كثرة نفقات الإنتاج الزراعي الكبير التي أقعدت محدودي الدخل والثروة عن التوسع في الملكيات.١٢٩
وكان وجودهم في أجهزة سلطة الحكم — كما سيأتي ذكره — عاملًا قويًّا ساعد على التركُّز، فمن خلال السُّلطة حصلوا على أعلى نسبةٍ من أراضي الدولة المُباعة كما تقدَّم، فضلًا عن التمتع بمزايا مختلفة كالتخفيض في الضرائب المقدَّرة على أطيانهم، والتسهيلات في شئون الريِّ والصرف والتسليف الزراعي، هذا بالإضافة إلى موقف سلطة الاحتلال الإنجليزي من البداية في مساندة كبار المُلَّاك، خاصة وأن نسبةً لا يُستهان بها من الأجانب كان يعدُّ بالفعل من كبار المُلَّاك على مستوى الأفراد أو المؤسسات المالية، ولا شكَّ أن الملكية الكبيرة كانت تُضفي على أصحابها مكانةً اجتماعيةً مرموقة، فكان هذا داعيًا إلى تشبث أصحابها بها والحرص عليها من التفتت، حتى إن أغلب الملكيات الموروثة كانت تترك على الشيوع بين أفراد العائلة الواحدة تحقيقًا لوحدة الملكية وإبرازًا لعلوِّ شأن العائلة.١٣٠
ولقد أدَّى تركُّز الملكية في مصر إلى زيادة الطلب على الأرض، فارتفعت القيمة الإيجارية لها، وكلما زاد عدد السكان بنسبةٍ أكبر من نسبة تزايد الأراضي الزراعية — وهذا ما يحدث في مصر — زاد الطلب على الأراضي الزراعية، وارتفاع القيمة الإيجارية أيضًا، بالإضافة إلى أن تفضيل بعض كبار المُلَّاك، بما فيهم الحكومة، طريقة زراعة المالك، أدَّى إلى زيادة الطلب على الأرض، مما رفع قيمة الإيجار حتى تتعادل كفَّة العرض بالطلب، إذ إن ارتفاع قيمة الإيجار يُغري كبار المُلَّاك بالتأجير.١٣١
ولو أن المُلَّاك لم يحتكروا لأنفسهم كل المنفعة من الأرض الزراعية، واشترك معهم فيها عددٌ آخر من الناس عن طريق تخفيض الإيجار ورفع أجر العامل الزراعي، لكان في ذلك تخفيضٌ للأثر الذي يحدِّده تركيز الملكية، ولكن الملاحظ مثلًا أن عدد المُلَّاك لأكثر من ١٠٠ فدَّان في عام ١٩٣٩م كان يبلغ ٥٤٧٨ مالكًا، بينما بلغ عدد الحائزين (المؤجِّرين) في هذا المستوى ٦٧٩٧ حائزًا، أيْ إن الفرق ضئيل، وهذا يثبت تفضيل المالك الكبير لطريقة زراعة المالك أراضيه مباشرةً (على الذمة) تحقيقًا للربح الكبير، مما يؤكد ظاهرة التركُّز في مجال الزراعة في مصر.١٣٢
على أن جوانب الملكية الفردية في مصر قد اكتملت بتنظيم التسجيل العقاري على نسق النظام المتبع في أوروبا، فقد صدر القانون رقم ١٨ لسنة ١٩٢٣م في ٢٦ يونيو بتعديل نصوص القانون المدني الأهلي الخاص بالتسجيل، وفي نفس اليوم صدر القانون رقم ١٩ لسنة ١٩٢٣م بتعديل نصوص القانون المدني المختلط فيما يتعلق بالتسجيل، فأدَّى هذا إلى توثيق الملكية العقارية في مصر.١٣٣

وهكذا بلغت الملكيات الزراعية الكبيرة أقصى درجات نموها بعد استقرار حقوق الملكية القانونية للأرض في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وأدَّى الإقبال على استثمار الأموال في ميدان الزراعة نتيجة ما أحرزته نظم الريِّ من تطور، وحركة مبيعات أطيان الدائرة السنية وأراضي الدومين ثم بيع أراضي الميري، إضافةً إلى الدور الذي لعبته شركات الأراضي، والتمويل الذي وفرته البنوك وشركات الرهن العقاري، أدَّى ذلك كله إلى تركيز الملكيات الزراعية في الفترة ١٩١٤–١٩٥٢م في حوالي ٢٧٤٠ أُسرة، كان متوسط نسبة أفرادها إلى نسبة جميع المُلَّاك تتراوح من ٠٫٧٪، ٠٫٦٪، ٠٫٥٪ مما دلَّل على وجود ظاهرة التركُّز التي كانت ترجع إلى عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية ساهمت جميعها في تكوين هذه الظاهرة في مصر. ورغم محاولة بعض الكتَّاب الفصل بين الاستغلال والملكية في مصر، وذهابهم من وراء ذلك إلى أن انتشار الإيجارات يُلغي ظاهرة التركُّز بمعنى الاستغلال، وجدنا أن الواقع يثبت الارتباط بين جناحَي ظاهرة التركُّز، وهي الملكية والاستغلال لدى كبار المُلَّاك على الأقل.

١  محمد فهمي لهيطة، الاقتصاد الزراعي، ص٣٨٥. انظر أيضًا: عبد الحكيم الرفاعي، الاقتصاد السياسي، ج١، ص٢٣٩.
٢  محمد فهمي لهيطة، المصدر السابق، ص٣٨٦.
٣  عبد الحكيم الرفاعي، المصدر السابق، ص٢٣٩. أيضًا محمد فهمي لهيطة، المصدر السابق، ص٣٨٦. وأيضًا عبد الغني غنام، الاقتصاد الزراعي وإدارة المزارع، ص٢٠-٢١.
٤  أعداد الإحصائية الزراعية التي تصدرها وزارة المالية من ١٩٢١م إلى ١٩٥٠م، حيث أوردت هذا التقسيم ابتداءً من عام ١٩١٠م.
٥  G. Bear: A History of Land Ownership in Modern Egypt 1800–1950, p. 77.
٦  مذكرة وزير المالية إلى مجلس الوزراء في ٢٥ / ٤ / ١٩٣٢م بشأن التسليف العقاري.
٧  مجلس النواب، ١٦ / ٩ / ١٩٣٦م.
٨  المقطم، ١٥ / ٩ / ١٩١٩م.
٩  مجلس النواب، ٢٢ / ٦ / ١٩٣٢م.
١٠  محمد فهمي لهيطة، المصدر السابق، ص٣٨٧. أيضًا عبد الغني غنام، المصدر السابق ص١٢٢.
١١  مريت غالي، الإصلاح الزراعي، ص١٩-٢٠.
١٢  خليل سري، الملكية الريفية الصغرى كأساسٍ لإعادة بناء القرية المصرية، ص١٦.
١٣  Artin, Y: La Propriété Foncière en Egypte, pp. 150–158.
١٤  الجبرتي، عجائب الآثار، ج٤: حوادث جمادى الأولى ١٢٢٩م، ص٢٠٨.
١٥  Artin; Op. Cit., p. 156.
١٦  معية تركي، سجل ٤٢، مكاتبة رقم ٤٠٨، أمر عالٍ إلى يوسف أفندي مأمور فوة، بتاريخ ٢٤ رمضان ١٢٤٦ﻫ/مارس ١٨٣١م.
١٧  كانت هذه هي المرة الأولى التي يمتلك فيها الأجانب الأراضي في إحدى ولايات الدولة العثمانية، وقد أثارت إنعامات محمد علي بالأراضي على الأجانب حنق المصريين، فتصدَّى رفاعة الطهطاوي للدفاع عن هذا الموقف، فقال: «… إن العامة بمصر وبغيرها يلومونه (محمد علي) غاية اللوم بسبب قبوله الإفرنج وترحيبه بهم وإنعامه عليهم، جهلًا منهم بأنه، حفظه الله، إنما يفعل ذلك لإنسانيتهم وعلومهم لا لكونهم نصارى …» انظر: رفاعة رافع الطهطاوي، تخليص الإبريز في تلخيص باريز، طبعة دار التقدم، القاهرة ١٩٠٥م، ص١٠.
١٨  Artin: Op. Cit., p. 95.
١٩  أمر كريم على خلاصة مرفوعة من مجلس شورى ملكية بتاريخ ٢٢ شوال ١٢٥٢ﻫ، مذكورًا في فيليب جلاد، قاموس الإدارة والقضاء، ج١، ص١٣.
٢٠  Artin. Op. Cit., pp. 96-97.
٢١  معية تركي، سجل ١٢ صادر، إفادة إلى يوسف أفندي مأمور فوة، في ٦ شوال ١٢٤٦ﻫ/مارس ١٨٣٠م.
٢٢  أمر عالٍ صدر عام ١٨٥٤م، مذكورًا في فيليب جلاد، المرجع السابق، ج١، ص٢٢.
٢٣  عُرفت هذه الأطيان باسم أطيان المظروف، لأن شروط المزاد كانت تنصُّ على تقديم العطاءات داخل مظاريف (انظر: المصدر السابق، ص١٧ وما بعدها).
٢٤  معية تركي، ٤٣، وثيقة ١٧٢، من مفتش عموم الوجه القبلي، في ٨ شوال ١٢٧٢ﻫ/يونيو ١٨٥٦م.
٢٥  فيليب جلاد، المرجع السابق، ج١، ص١٧ وما بعدها.
٢٦  جرجس حنين، الأطيان والضرائب، ص٢٢٣.
٢٧  Artin, Op. Cit., p. 176.
٢٨  جرت العادة على أن يَصدُر أمران من المعية عند منح أطيان من الأبعادية لأحد الأفراد، يوجَّه أحدهما إلى الجهة التي تقع فيها الأطيان لتتولى تعيين حدودها وتسليمها للمُنعَم عليه بها، وثانيهما إلى الروزنامجة لإصدار التقسيط الذي كان بمثابة «عقد تمليك»، وفيما يلي نصُّ أحد التقاسيط كنموذجٍ لها: «قد صار إعطاء تمليكٍ شرعيٍّ، رزقةً بلا مالٍ إلى ما شاء الله تعالى، أطيان نواحي تابعة مديرية الشرقية، باسم حضرة أحمد بك فؤاد ناظر المسافر خانة، عمَّا هو مُعطًى لسعادته؛ ثلاثمائة فدَّانٍ بوجه الإنعام من لدن المراحم العليَّة على مقتضى إرادة سنيَّة صادرة للمالية، تركي رقيم، ٢٤ ذي الحجة ١٢٧٩ﻫ (مايو ١٨٦٣م)، نمرة ٢٢٣، وعلى مُوجِبها صدرت إفادة المالية للروزنامجة بإخراج التقسيط، وصار متملكًا لذلك التملك الشرعي، وله التصرف فيها بالبيع والشراء والإيهاب والإعطاء، تطبيقًا للأمر الكريم الصادر بتاريخ ٥ المحرم ١٢٥٨ﻫ (١٦ فبراير ١٨٤٢م)، وأُجريَ ذلك على الوجه المشروح عمومًا، وقد تحرر لحضرته هذا التقسيط الديواني ليكون سندًا بذلك، بشرط تأدية العشور في كل عام …»، ويلي ذلك النصُّ على بيان حدود الأطيان. انظر: تقاسيط الروزنامجة، سجل رقم ١٠ تقسيط، مؤرَّخ ٩ صفر ١٢٨٠ﻫ/يوليو ١٨٦٣م.
٢٩  الجفالك جمع جفلك، وهي كلمة تركية مشتقَّة من أصلٍ فارسي، وتعني الحقل الذي يُزرع سنويًّا بواسطة محراثٍ يجرُّه ثَورَان، ثم اتسع مفهوم الكلمة فأصبحت تعني الأرض ورأس المال، أي المزرعة الكاملة العدد. انظر: Rivlin: The Agricultural Policy of Mohamed Ali in Egypt, p. 66.
٣٠  يشمل هذا الإحصاء مجموع عهد أنجال وبنات محمد علي، البالغ قدرها ٣٢٧٧٦٢ فدَّانًا، وفق الإحصاء الذي ذُيِّلت به لائحة تفتيش ديوان عموم الجفالك والعُهد (سجل ٤٠٤٣، بتاريخ ١٧ المحرم ١٢٦٣ﻫ/٥ يناير ١٨٤٧م)، وكانت تقع في مديريات الشرقية والغربية والدقهلية والقليوبية والفيوم. أمَّا بالنسبة للأواسي، فإن الرقم الذي أوردناه هو حاصل جمع مساحات الأواسي الخاصة بمحمد علي، وقدرها ١٥٢٦٢٤ فدَّانًا (سجل ٣٩٦٦، بتاريخ ٢٧ ربيع ثاني ١٢٥٩ﻫ/٢٧ مايو ١٨٤٣م)، والأواسي الخاصة بأولاده الذكور والإناث، وقدرها ٦١٠٥٥ فدَّانًا (سجل ٣٩٦٤٥، بتاريخ ١٢٥٥ و١٢٥٩ﻫ/١٨٢٩ و١٨٤٣م).
٣١  De Regny: Statistique de L’Egypte, Annes 1873, p. ix.
٣٢  Rivlin: Op. Cit., Appendix No. 1.
٣٣  الجفالك والعُهد، سجل ٤٠٤٢، لائحة تفتيش عموم الجفالك والعُهد السنية.
٣٤  ديوان شورى المعاونة أو ديوان المعاونة أو ديوان الكتخدا: جميعها أسماء لمُسمًّى واحد، وقد أُنشئ هذا الديوان في ١٨٠٥م، وكان يتكون من «قلم التحريرات»، ويختصُّ بالمكاتبات الواردة من الأقاليم أو الصادرة إليها، و«قلم الجفالك والعُهد السنية»، وهو الذي كان يتولى الإشراف على إدارة الجفالك والعُهد الخاصة بالباشا وأولاده (انظر: محمد فؤاد شكري وآخرين، بناء دولة مصر، محمد علي، ص١٢).
٣٥  الجفالك والعُهد، سجل ٣٩٦٧، لائحة الديوان.
٣٦  المصدر السابق، سجل ٣٩٦٣، قرارات مجلس المحلة الكبرى بشأن الجفالك (شعبان ١٢٥٢ﻫ/نوفمبر ١٨٣٦م).
٣٧  المصدر السابق، سجل ٣٩٧١، إفادة ٤٢، صادر بتاريخ ١٣ صفر ١٢٦١ﻫ/٢٢ فبراير ١٨٤٥م.
٣٨  كان يُناط بكل خولي من العاملين بالجفالك الإشرافُ على مساحةٍ تتراوح بين ٢٠٠–٣٠٠ فدَّان (انظر: المصدر السابق، نفس السجل، نفس الإفادة).
٣٩  Rivlin: Op. Cit., pp. 69-70.
٤٠  جفالك وعُهد، سجل ٣٦٢١، إفادة ٤٢، صادر في ١٣ صفر ١٢٦١ﻫ/٢٢ فبراير ١٨٤٥م.
٤١  Rivlin: Op. Cit., p 71.
٤٢  جرجس حنين، الأطيان والضرائب، ص١٦.
٤٣  أوامر كريمة، دفتر ١٨٨٢م، أمر رقم ١، إلى روزنامجي مصر بتاريخ ١٣ ذي الحجَّة ١٢٧١ﻫ/٢٧ أغسطس ١٨٥٥م.
٤٤  معية تركي، محفظة ٤٣، وثيقة ٣٠٨، من روزنامجي مصر إلى رئيس مجلس التجار ومفتش الروزنامجة، بتاريخ شوال ١٢٧٢ﻫ/يونيو ١٨٥٦م.
٤٥  أوامر كريمة، دفتر ٧٢٧، أمر ٧٣، إلى مديرية الدقهلية، بتاريخ ٢٢ من ذي الحجة ١٢٧٣ﻫ/١٤ أغسطس ١٨٥٧م.
٤٦  De Regny; Op. Cit., p. 300.
٤٧  أوامر كريمة، سجل ٨٦٢، قرار مجلس خصوصي، رقم ٤٢ صادر عليه أمر كريم، الداخلية، في ٨ ربيع الأول ١٢٩٢ﻫ/أبريل ١٨٧٥م.
٤٨  معية تركي، سجل ١٨٤، صادر إلى مفتش عموم الحسابات المصرية، بتاريخ ٢٢ صفر ١٢٥٢ﻫ/٢٧ مايو ١٨٣٦م.
٤٩  Artin; Op. Cit., p. 128.
٥٠  Ibid., pp. 129-130.
٥١  معية تركي، سجل ١٨٤، نفس الأمر السابق.
٥٢  جفالك وعُهد، سجل ٤٠٠٧، قيد الخلاصات والخطابات بقلم الجرنالات، جواب محرر لمدير ديوان عموم الجفالك والعُهد، بتاريخ غرة جماد آخر ١٢٦٢ﻫ/٢٧ مايو ١٨٤٦م.
٥٣  معية عربي، دفتر ١٨ صادر، إدارة رقم ٥، إلى عبد الله المعرجي شيخ عربان أولاد علي، بتاريخ ٤ شوال ١٢٦١ﻫ/٦ أكتوبر ١٨٤٥م.
٥٤  وعلى سبيل المثال، فإن مشايخ إحدى قُرى السنبلاوين تقدَّموا بشكوى ذكروا فيها أن أصل المال المربوط على ناحيتهم ١٢٠ كيسًا، وأن المتعهد — الذي كان يضع يده على ثلاثة أرباع زمام الناحية — أرغم الفلاحين على سداد ١١٣ كيسًا، وقام هو بسداد سبعة أكياس فقط (انظر: جفالك وعُهد، سجل ٤٧، نفس الرسالة).
٥٥  الوقائع المصرية، العدد ١٣٧، ٢٦ ذي الحجة ١٢٦٤ﻫ/أكتوبر ١٨٤٨م.
٥٦  معية تركي، محفظة ٢٩، وثيقة ٢٢٠، بتاريخ ٢٥ ربيع الأول ١٢٧١ﻫ/١٦ ديسمبر ١٨٥٤م.
٥٧  أمين سامي، تقويم النيل وعصر عباس حلمي باشا الأول ومحمد سعيد باشا، ج٣، ص١٩.
٥٨  Artin; Op. Cit., p. 128.
٥٩  معية تركي، محفظة ٢٧، وثيقة ١٤٠، بتاريخ ١٨ المحرم ١٢٧١ﻫ/١١ نوفمبر ١٨٥٤م.
٦٠  المصدر السابق، محفظة ٧٥، وثيقة ٣٣، بتاريخ ٣ شعبان ١٢٨٢ﻫ/أول يناير ١٨٦٥م.
٦١  أوامر كريمة، دفتر ١٩٢١م، أمر صادر إلى مفتش أقاليم قبلي، ٧ رجب ١٢٨٢ﻫ نوفمبر ١٨٦٥م.
٦٢  Bear, G.: A History of Land Ownership in Modern Egypt, p. 13.
٦٣  جفالك وعُهد، سجل ٤٠٤٢، لائحة تفتيش عموم الجفالك والعُهد، ١٧ المحرم ١٢٦٣ﻫ/٥ يناير ١٨٤٧م.
٦٤  صدر أمرٌ إلى مديري الجفالك (في ٨ شوال ١٢٦٤ﻫ/٧ سبتمبر ١٨٤٨م) بفكِّ العُهد السنية (الخاصة بأبناء محمد علي)، وإعطائها رزقة بلا مال إلى أبناء وبنات الباشا المقيَّدة بأسمائهم (انظر: معية عربي، سجل ٣٠، صادر رقم ١٣٨، بتاريخ ٨ شوال ١٢٦٤ﻫ/٧ سبتمبر ١٨٤٨م).
٦٥  De Regny; Op. Cit., p. ix.
٦٦  فيليب جلاد، قاموس الإدارة والقضاء، ج٣، ص٥٠٤.
٦٧  محمد شفيق غربال، مصر في مفرق الطرق، ص٣٩.
٦٨  الجبرتي، عجائب الآثار، ج٤، حوادث ذي الحجَّة ١٢٣٥ﻫ، ص٣٣٢.
٦٩  أوامر كريمة، سجل ٨٤٣، أمر بتاريخ ١٩ جماد آخر ١٢٦٠ﻫ/١٧ يونيو ١٨٤٤م.
٧٠  دائرة محمد سعيد باشا، دفتر ٩١ صادر، أمر إلى المالية في ٥ ذي الحجَّة ١٢٧٤ﻫ / يوليو ١٨٥٨م.
٧١  الحتة، تاريخ مصر الاقتصادي في القرن التاسع عشر، ٥٨-٥٩.
٧٢  Willcocks, W.: Egyptian Irrigation, London 1889, pp. 89-90.
٧٣  جورج جندي وآخر، إسماعيل كما تصوِّره الوثائق التاريخية، دار الكتب المصرية ١٩٤٧م، ص١٨٠-١٨١.
٧٤  De. Regny: Statistique de L’Egypte, annee 1873, p. ix.
٧٥  Crouchley: The Economic Development of Modern Egypt, London 1938, pp. 152-153.
٧٦  De Regny: Op. Cit., p. 174.
٧٧  نظارة المالية، مجموعة إحصائيات عن المسطحات المزروعة قُطنًا في سنة ١٩١٠م، المطبعة الأميرية ١٩١٠م، ص١٩.
٧٨  يقدم عبد الله النديم نموذجًا للتعامل بين التاجر والفلاح يوضح مدى استغلال الأول لجهل الأخير، حتى ينتهي الأمر باستيلاء التاجر على أطيان الفلاح (انظر: التنكيت والتبكيت، مقال بعنوان «محتاج جاهل في يد محتال طامع»، عدد ٦ / ٦ / ١٨٨١م).
٧٩  Chares Roux: Op. Cit., p. 104.
٨٠  De Regny: Op. Cit., p. 174.
٨١  Agricultural Production in Egypt 1913–1919, Cairo 1932, p. 3.
٨٢  نظارة المالية، مجموعة إحصائيات عن المسطحات المزروعة قطنًا في سنة ١٩١٠م، ص١٩.
٨٣  Mazuel, Jean: Le Sucre en Egypte, Le Caire 1937, p. 59.
٨٤  Baer, G.: A History of Land Ownership in Modern Egypt, pp. 24.
٨٥  جرجس حنين، الأطيان والضرائب في القُطر المصري، ص٢٣٢.
٨٦  طالب المؤيد بأن يكون للممولين المصريين نصيبٌ أكبر من ذلك، واتُّهم سوارس — وهو ممولٌ يهودي متمصر — بأنه يحتكر لنفسه نصيب المصريين في رأسمال الشركة بحجَّة أن ما دفعه في رأس المال جمعه من بعض المصريين الذين رفضوا أن يظهروا بأشخاصهم (انظر: المؤيد، ٢٣ / ٦ / ١٨٩٨م).
٨٧  إسماعيل سرهنك، حقائق الأخبار عن دول البحار، ج٢، ط ١، بولاق ١٣١٤م، ص٥٦٤، هامش ١.
٨٨  أرشيف البنك العقاري المصري، وثائق الدائرة السنية، محفظة ٨١-٨٩.
٨٩  Egypt No. 1 (1899), p. 18.
٩٠  المؤيد، ٣ / ٥ / ١٩٠٠م.
٩١  المصدر السابق، نفس العدد.
٩٢  أرشيف البنك العقاري المصري، وثائق الدائرة، ملفات ١٨٦ / ٢٠٧، ١٥ / ٣٠، ٢٣٦ / ٢٥٢.
٩٣  المصدر السابق، ملف رقم ٤٦٣.
٩٤  Egypt No. 1 (1907), p. 50.
٩٥  أرشيف البنك العقاري المصري، وثائق الدائرة، ملفات ٨١ / ٩٨، ٢٣٦ / ٢٥٢.
٩٦  جرجس حنين، الأطيان والضرائب في القطر المصري، ص٢١٥.
٩٧  المصدر السابق، نفس الصفحة.
٩٨  المصدر السابق، ص٢٣٢.
٩٩  Egypt No. 1 (1908), p. 17.
١٠٠  Ibid., (1908), p. 13.
١٠١  Ibid., (1906), p. 27.
١٠٢  Tignor: Modernization and British Colonial Rule in Egypt, p. 243.
١٠٣  Egypt No. 1 (1908), p. 3.
١٠٤  أحمد محمد حسن وآخر، مجموعة القوانين واللوائح المعمول بها في مصر، ج٢، ص٢٣٥٥.
١٠٥  Baer, G.: A History of Land Ownership in Modern Egypt, p. 100.
١٠٦  Brinton, J. Y.: The Mixed Courts of Egypt, U.S.A., 1910, pp. 115-116.
١٠٧  Crouchley: The Investment of Foreign Capital in Egyptian Companies and Public Debt, Cairo 1936, p. 4.
١٠٨  البنك العقاري المصري ١٨٨٠–١٩٣٠م، أصدره البنك بمناسبة عيده الخمسيني، القاهرة ١٩٣٠م، ص١٣.
١٠٩  كانت الشروط التي حصلت بها الشركة على أراضي الدائرة تنصُّ على أن تقوم شركة أراضي الدائرة السنية ببيع تلك الأراضي قبل عام ١٩٠٥م — تاريخ استحقاق قرض الدائرة السنية — ونتيجةً لارتفاع أسعار الأطيان فقد حقَّقت هذه العملية ربحًا قدرُه ٦٠٠٨٠٠٠ جنيه إسترليني. وقد بيعت الأراضي بالأجل، وبذلك كان سداد الأقساط يتطلب وقتًا طويلًا يؤدي إلى تحول الشركة إلى شركة رهن عقاري، وحتى يتفادى البنك العقاري المصري هذه المنافسة الخطيرة، قام بشراء حق البائع من شركة الدائرة السنية بمبلغ ثمانية ملايين جنيه (انظر: Crouchley: Op. Cit., p. 35.).
١١٠  هذه الأرقام والنسب مُستقاة من التقارير السنوية للبنك العقاري المصري ١٨٨١–١٩١٤م.
١١١  المصدر السابق، نفس السنوات.
١١٢  Crouchley: Op. Cit., pp. 50–57.
١١٣  Ibid., p. 69.
١١٤  Baer: Op. Cit., p. 102.
١١٥  G. Baer: Op. Cit., p. 125.
١١٦  G. Bear: Op. Cit., p. 124.
١١٧  G. Baer: Op. Cit., p. 124–127.
١١٨  الحكومة المصرية، القوانين العقارية في الديار المصرية، ص٣٨–٤٠.
١١٩  المقطم ٦ / ٨ / ١٩١٩م، رأي لمحمد أبي الفتوح، يردُّ فيه على جريدة التيمس التي نشرت مقالًا لمراسلها في مصر، قال فيه بوجوب زيادة الماء في السودان بدلًا من إحياء الأقسام الشمالية من الدلتا.
١٢٠  السياسة ٢٩ / ٨ / ١٩٢٤م.
١٢١  الأهرام ٢٩ / ٤ / ١٩٢٥م «إصلاح اقتصادي خطير بقلم قليني فهمي».
١٢٢  شاكر فهمي المحامي، بيع الأملاك الأميرية خطأ اجتماعي «السياسة ٢٠ / ٧ / ١٩٢٦م».
١٢٣  المقطم ٢٣ / ٨ / ١٩٢٨م، افتتاحية العدد «أطيان الحكومة ولمَن تباع».
١٢٤  مشروع وزير المالية مكرم عبيد لتوزيع أراضي الحكومة «الكتلة ١٨ / ٩ / ١٩٤٥م». انظر أيضًا مذكرة وزارة المالية في ١٩٣٦م، مرفوعة لمجلس الوزراء بشأن إصلاح الأراضي البور بمعرفة مصلحة الأملاك الأميرية أو بعض الهيئات والشركات، حيث اقترح تخصيص ٤٠٦٠٠ فدَّان بور، وتوزيعها على كبار المُلَّاك لإصلاحها بشرط أن يدفع ٢٠٪ من الثمن مقدَّمًا بفائدةٍ قدرُها من ٣.٥٪ على اﻟ ٨٠٪ الباقية (مجلس النواب ١٦ / ٩ / ١٩٣٦م).
١٢٥  مجلس الشيوخ، جلسة ٨ / ١٢ / ١٩٤٨م.
١٢٦  Baer: Op. Cit., p. 98-99.
١٢٧  أعداد الإحصائية الشهرية الزراعية الاقتصادية التي تصدرها مصلحة الإحصاء بوزارة المالية ١٩١٤–١٩٥٠م.
١٢٨  عبد الحكيم الرفاعي، المصدر السابق، ص٢٩٨.
١٢٩  د. حسين خلاف، التجديد في الاقتصاد المصري الحديث، ص١٠٦-١٠٧.
١٣٠  نفسه، ص١٠٨-١٠٩.
١٣١  محمد فهمي لهيطة، المصدر السابق، ص٤١٢.
١٣٢  محمد السيد محمد، الاقتصاد الزراعي، ص٩٧.
١٣٣  عزيز خانكي، الملكية العقارية في مصر ٦٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤