الفصل الخامس

علاقات الإنتاج الريفية

مثل علاقات الإنتاج ذلك النوع من العلاقات التي تقوم بين مَن يشتركون في نمط إنتاجي معيَّن، وتتضمن جوانب اجتماعية وتبادلية ومادية تتصل بتوزيع عائد الإنتاج، ومن ثَم الثروة، وتقوم أساسًا على العلاقة بين المالك وعناصر الإنتاج بما فيها قوة العمل، وهي علاقة اتخذت طابعًا استغلاليًّا — في التجربة المصرية — لصالح المُلَّاك الكبار وقع عبئُه الأكبر على عاتق الفلاحين من صغار المُلَّاك والمعدمين. ويعالج هذا الفصل الإطار العام للعلاقات الإنتاجية الريفية في ظلِّ الملكيات الزراعية الكبيرة.

(١) السُّخرة

كان الفلاحون يُجبرون على العمل في صيانة الجسور وحراستها زمن الفيضان منذ أقدم العصور، ثم استغلت السُّلطة ذلك في إرغام الفلاحين على العمل في دوائر كبار المُلَّاك وتفاتيشهم، فكانوا يُساقون إلى العمل فيها هم وأولادهم ودوابهم، ولا يقوم المالك بتقديم الطعام والشراب لهم، وربما قدَّم الأعلاف لماشيتهم إذا بعدت الشِّقَّة بين البلاد التي أتوا منها، وبين المَزارع التي يُرغَمون على العمل فيها، كذلك لم يكُن صاحب الأرض ملزمًا بتوفير المأوى لهم ولدوابهم، فكانوا يقيمون في العراء، ويتعرضون لتقلبات الطقس، وكثيرًا ما كان يودي ببعضهم الجوع والتعب،١ كما كانوا يتعرضون لأقسى صنوف العقاب البدني من المشرفين على العمل الذين كانوا يلهبون ظهورهم بالسياط إذا ما بدا منهم أيُّ تهاون أو كسل، وهم مطالبون — في نفس الوقت — بفلاحة أطيانهم الأثرية، وأداء ما عليها من ضرائب، فإذا عجزوا عن ذلك أو قصَّروا في أداء الضرائب كان حسابهم عسيرًا.
وأبرز مثل لذلك، ما كان يحدث في أطيان الدائرة السنية بالصعيد زمن الخديو إسماعيل، فقد سِيق الفلاحون للعمل بالسُّخرة في مَزارع الدائرة لمدَّة مائة يوم كل عام، وقلما كانت الدائرة تقدِّم لهم الطعام، وأُجبر الفلاحون كذلك على العمل في حفر تُرعة الإبراهيمية لتوفير المياه لأطيان الدائرة، وقد استُخدم في تلك العملية الرجال والنساء والأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم السابعة أو الثامنة، ولم ينَل هؤلاء أجرًا على عملهم سوى مقادير قليلة من الخبز كانت تقدِّمها الدائرة لهم يوميًّا.٢
واستمر تسخير الفلاحين في أطيان الأباعد والجفالك حتى عام ١٨٧٩م،٣ فأبطأ استخدامهم في العمل الجبري غير المأجور في أطيان الذوات منذ ذلك التاريخ، واقتصر استخدام السُّخرة على العمل في صيانة الجسور وحراستها دفعًا لعوامل الفيضان، وهو ما كان يُعرف ﺑ «العمليات» أو «العونة».
وكانت السُّخرة في «العمليات» بمثابة ضريبة عمل فرضتها الحكومة على جميع أهالي القُطر من الذكور والإناث الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخمسة عشر عامًا، والخمسين عامًا، فيما عدا العلماء والفقهاء ورجال التعليم وخدمة المساجد والمقابر والأديرة والكنائس والمعابد، وأرباب الحِرَف الذين يدفعون ضريبة (الويركو)، والصيادين والملَّاحين وخفراء البلاد والكفور وأهالي المُدن، وغيرهم من الأفراد الذين يعانون من أمراض تُقعِدهم عن العمل، وكان من الممكن أن يقدِّم الشخص المكلَّف بالعمل في السُّخرة شخصًا آخر بدلًا منه،٤ ومن الواضح أن هذا الاستثناء جاء لصالح أعيان الريف.
ولما كان خروج الفلاحين للعمل بالسُّخرة زمن الفيضان يعطِّل أعمال الزراعة ويُلحق الضرر بأطيان كبار المُلَّاك، فقد حرص هؤلاء على استصدار الأوامر بإعفاء مُزارعي أراضيهم من السُّخرة مقابل أداء مبلغ نقدي يُحدَّد بمعرفة ناظر الأشغال العمومية سنويًّا وفق طبيعة العمل وعدد أيامه، وقضت التعليمات — الصادرة بهذا الصدد — بأن يسدِّد المُلَّاك إلى خزائن المديريات ما يُستحَقُّ على فلاحيهم من «بدل العونة»، دفعةً واحدة، ثم يتولون تحصيله منهم بمعرفتهم.٥ ولم تُبِح الحكومة أداء بدل العونة نقدًا لغير العاملين بأطيان الأباعد العشورية والتفاتيش التي كان يملكها كبار المُزارعين، ولم تستمع الحكومة إلى الأصوات التي ارتفعت مطالبةً بتعميم أداء البدل النقدي على جميع الفلاحين،٦ وخاصةً أن هؤلاء كانوا يُبدون تذمرهم من العمل بالسُّخرة.
فمنذ عهد إسماعيل، أخذت انتفاضات الفلاحين ضدَّ السُّخرة تتفاقم، فقد تمرد الفلاحون في بعض قُرى أبي تيج من أعمال أسيوط — في عامَي ١٨٦٣م و١٨٦٥م — وامتنعوا عن العمل بالسُّخرة في أطيان الدائرة السنية الواقعة في زمام قُراهم، واتخذ هذا التمرد شكل ثورة مسلحة تزعَّمها أحد الفلاحين، وجرد الخديو إسماعيل حملةً على هؤلاء الفلاحين الثائرين تسلحت بالمدافع، وأشرف بنفسه على إخماد ثورتهم، وانتهت هذه الحركة بمقتل زعيمها وعدد كبير من أنصاره، وفرار مَن نجوا من القتل، وهدم بيوت تلك القُرى الثائرة. كذلك تمرد الفلاحون في (بلاد الأرز) بشمال الدلتا على العمل بالسُّخرة في عام ١٨٨٠م، وجردت الحكومة القوات العسكرية للضرب على أيدي المتمردين، وقبضت على عدد منهم وعاقبتهم، ولكنهم عادوا إلى التمرد بعد أن أطلق سراحهم.٧ كما حدث في عام ١٨٨١م أن أهالي إحدى قُرى كوم حمادة — بحيرة — رفضوا الخروج إلى العونة، واعتدَوا على مأمور المركز ورجال الإدارة الذين توجهوا إلى القرية لإجبارهم على الخروج للعمل، فلم يستجيبوا لهم إلا حين استعان هؤلاء بتعزيزات عسكرية.٨
وشرعت الحكومة في مطلع عهد الاحتلال تعمل على التخفيف من حدة السُّخرة، فخصَّصت رُبع مليون جنيه سنويًّا للإنفاق على عمليات صيانة الجسور عن طريق إسناد هذه العمليات إلى المقاولين، ولكن الميزانية المخصَّصة للمقاولات لم تكُن كافيةً لإنجاز كل العمليات، فاستمر استخدام الفلاحين في السُّخرة، وإن سمح لهم منذ عام ١٨٨٧م بأداء «بدل العونة» لمَن لا يرغب في العمل بالسُّخرة، وقد بلغت قيمة هذا البدل ٤٠ قرشًا للفرد الواحد في مديريات الوجه البحري، و٣٠ قرشًا في الوجه القبلي، ولكن سوء الأحوال المادية للفلاحين جعلهم يعجزون عن دفع البدل، وبذلك استمرت عمليات السُّخرة، ولم تُصغِ الحكومة لاقتراح تقدَّم به بعض أعضاء مجلس شورى القوانين٩ لاستخدام الشبَّان اللائقين للخدمة العسكرية في أعمال صيانة الجسور مقابل أجر شهري قدرُه ٦٠ قرشًا، وأن يكون عملهم تحت إشراف ضابط وصفِّ ضابط من أرباب المعاشات، كبديل عن إجراء العمليات بطريق المقاولات، ولعتق رقاب الفلاحين من السُّخرة.
وفي ١٩ ديسمبر ١٨٨٩م، صدر أمرٌ عالٍ بإلغاء السُّخرة في جميع أنحاء القُطر مع الإبقاء على نوع واحد منها؛ هو الخاص بحراسة جسور النيل وحفظها ﺑ «تأدية الأعمال المستعجلة في حالة الخطر أثناء الفيضان»، واستبدل بالعونة والبدل النقدي ضريبةً جديدةً فُرضت على الأطيان العشورية والخَراجية، في حدود أربعة قروش ونصف القرش بالنسبة للفدَّان الواحد، بحيث لا يزيد مجموع المتحصل منها عن ١٥٠ ألف جنيه مصري سنويًّا تُضاف إلى مبلغ رُبع المليون جنيه التي كانت مخصَّصةً من قبلُ لأعمال المقاولات.١٠
وبديهيٌّ أن هذا القرار لم يوقف السُّخرة، ولكنه قصر استخدامها على نوع واحد من العمل، وأُسندت عمليات تطهير التُّرع وتدعيم الجسور إلى المقاولين، وقِيل١١ في تبرير الإبقاء على السُّخرة إن الإلغاء التام لها يتطلب اعتماد مبلغ سنوي قدرُه ١٠٠ ألف جنيه، وهو ما تعجز الميزانية المصرية عن تحمُّله، وإن حراسة الجسور بواسطة الفلاحين أثناء الفيضان يقي الأطيان من الغرق، لأن الفلاحين أشدُّ حرصًا من المقاولين على وقاية بلادهم من أخطار الفيضان، وخاصةً أنهم يُستَخدمون في وقتٍ تقلُّ فيه أعمالهم الزراعية. وهو تبرير لا يستقيم مع المنطق؛ فإذا كان الفلاحون أقدَر من غيرهم على حماية البلاد من غوائل الفيضان، فليس معنى هذا أن يُسخَّروا في حراسة الجسور، وكان من الممكن أن يُستخدَموا في هذا العمل بالأجر إذا زِيد مقدار ضريبة الأطيان العشورية التي كانت تشمل معظم الملكيات الكبيرة التي استفادت من أعمال الري، ولكن مُلَّاك تلك الأراضي كانوا أصحاب السُّلطة في البلاد، ولم يكُن من المعقول أن يقبلوا زيادة نفقات الإنتاج برفع الضريبة العقارية المقرَّرة على أراضيهم، كما أن سُلطات الاحتلال كانت ترى أن تعديل ضرائب الأطيان — في تلك الحقبة من الزمان — سابق لأوانه.
وعلى كلٍّ، فقد أخذ عدد الفلاحين الذين خرجوا للعمل بالسُّخرة يقلُّ — تدريجيًّا — من ٨٤٣٩١ فردًا في عام ١٨٩٢م إلى ٤٩٤٨٤ فردًا في عام ١٨٩٤م إلى ٢٥١١٣ فردًا في عام ١٨٩٦م،١٢ وذلك في الوقت الذي كان السكان يتزايدون فيه زيادةً كبيرة.
ولم يكُن النقص في عدد المشتغلين بالسُّخرة يرجع إلى عزوف الحكومة عن استخدام الأهالي، بقدر ما يرجع إلى حرص أصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة على عدم تعطل زراعة تفاتيشهم، فامتنعوا عن تقديم ما قُرِّر على أطيانهم من أفراد؛ هذا بالإضافة إلى هجرة الفلاحين المعدمين إلى المُدن. واضطرت الحكومة إلى إنقاص مشروعات الريِّ التي كان من المقرَّر تنفيذها خلال عام ١٨٨٥م بسبب تعذُّر الحصول على عدد العمال اللازم لها، فلم تستطع الحكومة أن تجمع سوى ٨٣٣٤٦ فردًا من بين ١١٦٦٠٧ أفراد طُلبوا للسُّخرة في هذا العام، مما دفع الحكومة إلى البحث عن طريق آخر لإنجاز مشروعات الري،١٣ ولتعويض النقص المستمر في عدد المسخَّرين، ورغم ذلك استمر استخدام السُّخرة في الأعمال العامة حتى الحرب العالمية الأولى.

(٢) أسلوب استغلال الأراضي

كان المالك يتبع أحد سبيلين في استغلال أرضه الزراعية؛ فهو إمَّا يتولى زراعتها بنفسه أو يؤجِّرها للغير مكتفيًا بالعيش على رِيعها في المُدن، لا يربطه بالفلاحين إلا الإيجار الذي يحصل عليه.

أمَّا المُلَّاك الذين كانوا يزرعون أطيانهم لحسابهم، فقد شكلوا أغلبيةً ملموسةً بين كبار المُلَّاك، وقلما كان هؤلاء يديرون مَزارعهم بأنفسهم، وإنما كانوا يسندون إدارتها إلى عدد من الموظفين، ويكتفون بمراقبة عملهم أو يكتفون بمحاسبتهم آخر العام وفق ما يُدوَّن بسجلات المَزارع، ويعيشون حياةً ناعمةً رغدةً في قصور عظيمة بالمُدن الكبرى، وقلما كانوا يعنون بزيارة مَزارعهم، ولا يشغلون بالهم بمشاكل الإنتاج، وإنما يعنيهم ما يجنونه من عائد مادي في نهاية العام، وربما تركوا لمَن يديرون زراعتهم أمر تسويق الإنتاج، ولا ينظرون إلى الفلاح إلا باعتباره آلةً من جملة الآلات الزراعية التي يمتلكونها، ولا يعنيهم من أمره سوى الحصول على أكبر قدر من ثمرة كدِّه.١٤
وعُرفت المَزارع الكبيرة التي كان يملكها كبار المُلَّاك باسم الدوائر أو «التفاتيش»، وكان يتولى إدارة كل مَزرعة «مفتش» يكون بمثابة مدير عام التفتيش المفوَّض بإدارته من قِبَل المالك، إذ كان عليه أن ينظم أمور الزراعة ويرتب العمال اللازمين لها، ويدير حركتها. وكان معظم مَن تقلدوا هذه الوظيفة لا يفترقون عن أيِّ موظف إداري معرفةً بالزراعة، وإن كان من بينهم مَن تخرجوا في مدرسة الزراعة، وفي كل الأحوال كانوا يختارون من بين الموظفين الذين عُرف عنهم الحزم والصرامة، ليستطيعوا السيطرة على جميع العاملين بالتفتيش. وكان يعاون «المفتش» مجموعة من «النظَّار» يختصُّ كل واحدٍ منهم بالإشراف على قسم من أقسام المزرعة، وعليه أن يقرِّر ما يزرع بذلك القسم من المحاصيل وفق الطاقة الإنتاجية للأرض، ويرتب الأيدي العاملة اللازمة للزراعة، ويشرف على إصلاح الجسور والقنوات، وعلى ريِّ المزروعات في الأوقات المحدَّدة لذلك، ويعاون كل ناظر عدد من «الخولية» (مفردها خولي)، يتولى كل واحدٍ منهم الإشراف على عدد معيَّن من الفلاحين. وقد جرت العادة على أن يعمل موظفو التفتيش لقاء أجر شهري يتقاضونه نقدًا، إلى جانب بعض المزايا العينية، من بينها السكن المجاني.١٥
وقد تعددت ضروب معاملة الفلاحين في تفاتيش كبار المُلَّاك، فكان هناك الأُجراء الذين يقيمون بالتفتيش بصفة دائمة، وعُرفوا باسم «التملية» (مفردها تملي) أو «القرارية» (ومفردها قراري)، ولم يكُن هناك أساسٌ ثابتٌ لمعاملة «التملي»، فكان يتقاضى — أحيانًا — أجرًا عن كل يوم عمل، ينقص قليلًا عن أجر العامل الذي يجلب من خارج أراضي الدائرة أو التفتيش، وهذا التخفيض في الأجر نظير إقامته وأُسرته بمساكن التفتيش، وفي هذه الحالة يعطيه المالك جزءًا من الأرض لا يزيد على الفدَّان الواحد، ليزرع بعضه برسيمًا وبعضه قمحًا نظير إيجار سنوي مخفَّض بنسبةٍ تُحدَّد وفق درجة خصوبة الأرض، وذلك حتى يزرع ما يكفي مئونته ومئونة ماشيته، ولا يجوز له أن يزرع تلك الأراضي قطنًا حتى لا يجهدها، وحتى لا تشغله زراعته الخاصة عن عمله في أراضي التفتيش وقت زراعة القطن التي تحتاج إلى المزيد من الأيدي العاملة.١٦ وشجعت التفاتيش التملية على اقتناء الماشية حتى تستفيد بها في خدمة الأرض وإنتاج السماد العضوي اللازم لها، ولتشجيع التملي على الاستقرار بالتفتيش، وتوفر للمالك أداة ضغط على التملي، إذ يستطيع الاستيلاء على الماشية في حالة وجود مستحقات للتفتيش يعجز التملي عن سدادها.

وبالإضافة إلى العمل بزراعة الأرض، وقع على التملي عبء صيانة الجسور زمن الفيضان، وصيانة شبكة الريِّ بالدائرة أو التفتيش دون أجر، وكذلك حراسة الحقول ومنشآت الزراعة.

وكان من حقِّ التملي أن يزرع جزءًا من أرض التفتيش المخصَّصة لزراعة الذرة النيلية؛ إما مقابل رُبع المحصول — إذا قدَّم له التفتيش التقاوي والسماد — أو نصف المحصول إذا لم يحصل من التفتيش على شيء من ذلك. وفي بعض الحالات كان المالك يعطي التملي مساحةً من الأرض تتراوح مساحتها بين فدَّان وفدَّانين يتولى زراعتها لحسابه الخاص كبديل عن أجره هو وأفراد أُسرته طوال العام، ولا يدفع عنها مالًا أو إيجارًا، مقابل عمل الأُسرة كلها في خدمة أراضي التفتيش.١٧
وخضع التملية لنظام إداري صارم، فإذا أهمل أحدهم عوقب بخصم بضعة أيام من أجره، وتعدُّ أُسرة التملي كلها من عمال المزرعة، وكذلك كان على التملي أن يقدِّم ماشيته للعمل في أراضي المزرعة كلما طُلب منه ذلك.١٨
ويعدُّ التملية أحسن حالًا من غيرهم من الفلاحين؛ إذ يتوفر لهم الاستقرار والعمل طوال العام، وهم يستفيدون من انخفاض إيجار الأرض التي تُعطَى لهم، والتي كانت تبلغ نحو ثُلثَي القيمة الإيجارية المناظرة لها في بعض الجهات، ونحو نصفها في جهات أخرى، وكان الغرض من ذلك ربطهم بالأرض وترغيبهم في الاستقرار، ولم تكُن العلاقة بين التملي والمالك تعاقدية، وإنما كان ينظمها العُرف.١٩
وثمة نوع آخر من الفلاحين الذين كانوا يعملون بأطيان الملكيات الزراعية الكبيرة عُرفوا ﺑ «الأُجرية» (مفردها أُجري بضمِّ الألف)، وهم أولئك الذين كانوا يُجلَبون من خارج أراضي التفتيش للمعاونة في الأعمال التي تتطلب عددًا كبيرًا من الأيدي العاملة، كالبذر والحصاد ونحوها، وقد تفاوت أجر العامل الزراعي تبعًا لاختلاف الأعمال التي تُسند إليه، فكان أجره في زمن الحرث قرشَين، وتراوح الأجر بين قرش وقرشَين ونصف القرش وقت جَنْي القطن، تصل إلى ثلاثة قروش في المناطق التي يقلُّ فيها العرض من الأيدي العاملة مثل البحيرة. وكان لزامًا على الأُجري أن يعمل من الشروق إلى الغروب مقابل ما يحصل عليه من أجر، ويتخلل العمل فترة قصيرة للراحة ساعة الظهيرة.٢٠

وقد تلجأ إدارة التفتيش إلى أحد المقاولين ليمدَّها بالأيدي العاملة، أو يقوم الخولي بذلك مقابل الحصول على نسبة معيَّنة من أجور أولئك العمال الأُجرية تتراوح ما بين ٥٪–١٠٪، فتزيد النسبة كلما قلَّ عدد العمال وتقلُّ بزيادة العدد، وذلك خلاف النسبة التي يحصل عليها المقاول من العمال.

وكان معظم الأُجرية من الفلاحين المعدمين، وإن كان منهم الكثير من صغار المُلَّاك الذين يملكون مساحاتٍ ضئيلةً من الأراضي تعجز عن أن تفي بالقُوت الضروري لهم ولأولادهم، فكانوا يلتمسون سبيل العمل في التفاتيش في مواسم البذر والحصاد لزيادة الدخل.٢١

وإلى جانب الزراعة المباشرة أو الزراعة على الذمة التي شاعت بين قِطاعٍ لا بأس به من الملكيات الكبيرة، والتي كانت تتم على النحو الذي أشرنا إليه أعلاه، كان الإيجار — بصوره وأشكاله المختلفة — يشكل علاقةً رئيسيةً بين كبار المُلَّاك والفلاحين، فكما تقدَّم، كان المالك الكبير يستغل أرضه عن طريق الإيجار الذي كان يضمن له ربحًا ثابتًا مهما تغيرت الأسواق، ويجدر بنا قبل أن نتعرض لأشكال الإيجار المختلفة، أن نتكلم أولًا عن الإيجار وقيمته وأحكامه كإطار عام يحكم العلاقات بين الطرفين.

الإيجار عقد يلتزم بمُوجِبه المالك بأن يعطي لآخر حقَّ الانتفاع بالأرض مقابل دفع أجرة معيَّنة، فالمُستأجر في هذه الحالة يقوم بدور المنظم للإنتاج، وبهذا المعنى فالإيجار يشبه، إلى حدٍّ كبير، نظام الشركات المساهمة، فكما أنها تقوم على توظيف أموال الأغنياء في مشروعات لا يستطيعون القيام بها، كذلك الإيجار يُعتبر وسيلةً لحصول المختصِّين بالفِلاحة على الأرض واستغلالها. وفي هذه الحالة يُعتبر مالك الأرض ممثلًا للمصالح المستقبلة والدائمة للأرض بينما المستأجر يمثل المصالح الوقتية.٢٢

ويلاحظ أن الذين اعتمدوا على الإيجار في استغلال أراضيهم كانوا من المُلَّاك الذين لا يحترفون الزراعة ولا يقيمون بالريف، أو أصحاب الدوائر الكبيرة التي يصعُب عليهم إدارتها على الذمة، وكذلك البنوك وشركات الأراضي التي تضمُّ إليها أراضي المَدينين.

ولقد قدر الاقتصاديون الزراعيون قيمة الإيجار عادةً باعتبار ٥٪ ربحًا صافيًا لرأس المال، فإذا كان الفدَّان يساوي مائة جنيه فيؤجَّر بمبلغ خمسة جنيهات، وإذا كان ثمنه مائةً وعشرين جنيهًا يؤجَّر بمبلغ ستة جنيهات وهكذا.٢٣
ومع ذلك فلم يحدث أن كانت قيمة إيجار الأرض في مصر، فيما بعد الحرب العالمية الأولى، بهذه النسبة، ففي عام ١٩٣١م، على سبيل المثال، بلغت قيمة إيجارات الأراضي الزراعية في مصر كما يلي:٢٤
المديرية متوسط ثمن الفدَّان الواحد متوسط إيجار الفدَّان الواحد متوسط الربح٪
مليم / جنيه مليم / جنيه
البحيرة ٨٣٠٫٠٧٢ ٥٠٫٥٩٥ ٦٫٩
الغربية ٩٨٠٫٢٦٩ ٧٠٫١٢٣ ٧٫٢
الدقهلية ١١٥٠٫٢٠٦ ٨٠٫٤٤٦ ٧٫٣
الشرقية ٨٦٠٫١٥٥ ٥٠٫٨٥٨ ٦٫٨
المنوفية ١٤٠٠٫٠٨٨ ٩٠٫٤٥٦ ٦٫٣
القليوبية ١٥٣٠٫٤١٧ ١٠٠٫٤٠٥ ٦٫٨
الجيزة ١٤٤٠٫٦٠٥ ٩٠٫٩٤٩ ٦٫٩
بني سويف ١٢٧٠٫٦٧٨ ٧٠٫٩٢٠ ٦٫٢
الفيوم ٨٧٠٫٢٨٥ ٤٠٫٤٦١ ٥٫١
المنيا ١٢٩٠٫٥٠٠ ٧٠٫٠٨٥ ٥٫٥
أسيوط ١٢١٠٫٦١٦ ٧٠٫٦٨٣ ٦٫٣
جرجا ٨٩٠٫٨٥٨ ٦٫٠٣٠ ٦٫٧
قنا ٧٢٠٫٠٧٦ ٥٠٫٥٩٩ ٧٫٨

ويلاحظ من هذا الجدول أن متوسط الربح زاد عمَّا قدَّره علماء الاقتصاد الزراعي (٥٪ من رأس المال)، فيما عدا مديرية الفيوم التي وصلت فيها النسبة إلى ٥٫١٪، والمنيا التي وصلت فيها إلى ٥٫٥٪، بينما كانت أعلى نسبة في مديرية قنا (٧٫٨)، تليها الدقهلية (٧٫٣)، ثم الغربية (٧٫٢).

وفي سنوات ١٩٣٥–١٩٣٧م كان متوسط إيجار الفدَّان في مصر ٥٠٫٧١٢ جنيهًا، بل إن إيجار الفدَّان في بعض مناطق مصر كان يكفي — في تقدير البعض — لشراء فدَّان من الأرض في إنجلترا.٢٥
وكان تحديد قيمة الإيجار مثار نزاع دائم بين المالك والمستأجر خلال الفترة، وكان هذا يرجع في المحلِّ الأول إلى أن فئات الإيجار لم تكُن تتمشَّى مع الظروف الاقتصادية المتغيرة، فإذا أُريدَ في أيِّ وقتٍ المطابقة بين الإيجار السائد والأحوال الاقتصادية القائمة، قامت المنازعات بين المُلَّاك والمستأجرين في حالة ارتفاع الأسعار، وبين المستأجرين والمُلَّاك في حالة انخفاضها.٢٦
وعندما أُثيرت مسألة تحديد قيمة الإيجار، وضرورة وضع أُسسٍ لها في المؤتمر الزراعي الأول (١٩٣٦م)، وقف كبار المُلَّاك في صفِّ مصلحتهم بطبيعة الحال، فرأوا تحديد القيمة الإيجارية على أُسسٍ معيَّنة، أغفلوا فيها قوة العمل التي يبذلها المستأجر في الأرض، إذ اقترحوا أن يُراعَى عند تقدير الإيجار قيمة ثمن الفدَّان والظروف التي تم فيها الشراء، ودرجة خصوبة الأرض وحالة الريِّ والصرف فيها، وتوافر الأيدي العاملة وخبرتها الزراعية، ومدى توفر المواصلات قربًا وبعدًا بالنسبة للمساكن والأسواق، كما تُراعَى الحالة الاقتصادية والمالية محليًّا، وأيضًا العادات والعُرف المتبع في المعاملات، وكذلك أسعار المحصولات، ومدى تأثر الأرض بالمشروعات والمنافع العامة، وأخيرًا مقارنة عقود إيجار أرض الحوض بعقود الأحواض المماثلة دون التقيد بما في تلك العقود.٢٧ وكل هذه الاشتراطات كانت لصالح المُلَّاك وحدهم، ولا أثر فيها ولا اعتبار للمستأجر أو قوة عمله التي يبذلها في الإنتاج.
وأُثيرت المسألة مرةً أخرى في المؤتمر الزراعي الثالث (١٩٤٩م)، وقدَّم الدكتور أحمد حسين مشروعًا يعطي للمستأجر — الذي اعتبره مدير الإنتاج المسئول عنه والمتحمِّل لأخطاره من الآفات وتقلبات المناخ — ربحًا محدودًا لا يتجاوز ١٠٪ من صافي الدخل، وقال عنها إنها نسبةٌ لا تكفي التاجر الذي يتداول سلعةً لا يكلفه تداولها عناءً كبيرًا، فما بالك بالمستأجر الذي يوالي الزراعة في مختلف مراحلها! وقال إنه إذا أُريدَ تحقيق ذلك لَوجب تخفيض قيمة الإيجار بمقدار ٢٠٪ عمَّا هو سائدٌ آنذاك، ومع ذلك جاءت توصيات المؤتمر خاليةً من هذا الاقتراح، فيما عدا إعلانه أنه «يسُرُّه زيادة نسبة الإيجار العيني الذي أشار المؤتمر الزراعي الثاني في ١٩٤٥م باتباعه، وما زال المؤتمر يرجو عمل الدعاية اللازمة لانتشاره لما فيه من فوائد للمُلَّاك وللمستأجرين على حدٍّ سواء».٢٨
ولقد فشلت محاولات تعديل قيمة الإيجار لصالح المستأجر بسبب تركُّز الملكية الذي جعل المُلَّاك في مركزٍ أقوى من المستأجرين، حتى انعدم التكافؤ في العلاقة المالية (الإيجار) بينهما، فالمالك يُملي إرادته على المستأجر عند تقدير فئات التأجير،٢٩ بل إن عقد الإيجار كثيرًا ما كان يُكتب من نسخةٍ واحدةٍ يحتفظ بها المالك، وكثيرًا ما كان المستأجر يوقِّعها على «بياض»، مما أتاح الفرصة للمالك لإساءة استخدام هذا الوضع، إذ كان يطالب المستأجر بأكثر مما اتُّفق عليه إذا ارتفعت الأسعار، أو يطلب منه إخلاء الأرض، أو غير ذلك من التصرفات.٣٠
وقد ساعد على وجود مثل هذه الأوضاع واستمرارها زيادة عدد السكان بالنسبة للأراضي الزراعية، مما دفع الكثير من الناس الذين لا حرفة لهم غير الزراعة إلى التسابق على استئجار الأرض، والسعي لكسب رضاء المُلَّاك والقبول بالشروط التي يفرضونها، فإذا صدر قانون بتحديد فئات الإيجار مثلًا، كان من السهل على المُلَّاك العدول عن تأجير جانب من أراضيهم، والقيام بزراعته على الذمة، فيتهافت الراغبون على استئجار الجزء الباقي بالشروط التي يُمليها المالك عليهم، ونتج عن ذلك قيام سوق سوداء لإيجار الأراضي الزراعية مثلها في ذلك مثل أيِّ سلعة أو خدمة ذات طلب غير مرن، كالسلع التموينية التي يستفيد المحتكرون لها من زيادة الطلب عليها، فيحدُّون من كمية العرض بقصد رفع الثمن.٣١
يُضاف إلى هذا، أن الأحكام العامة للإيجار كانت في صالح المالك بطبيعة الحال، ولا تدخل في اعتبارها الظروف الطبيعية التي قد تأتي في غير صالح المستأجر، فإذا هلكت الزراعة كلها أو بعضها بحادث قهري، فليس للمستأجر أن يتخلص من الإيجار كله أو بعضه، وكذلك الحال إذا لم يستطع المستأجر بسبب ظروف قهرية تهيئة الأرض للزراعة كلها أو أكثرها، أو عجز عن بذرها بعد تهيئتها، أو تعرَّض لظروفٍ تؤدي إلى إتلاف البذور.٣٢
غير أن الحكومة كانت تتدخل في أوقات الأزمات الاقتصادية التي هبط فيها سعر القطن، لمحاولة تخفيض الإيجارات، ففي عام ١٩٢١م صدر القانون رقم (١٤) بإعادة النظر في إيجارات الأراضي الزراعية المتَّفق عليها في العقود المُبرَمة عن السنة الزراعية ١٩٢٠-١٩٢١م، فقضى بتشكيل لجنة في كل مديرية تُسمَّى «لجنة إيجارات الأراضي الزراعية»؛ تتألف من أحد القضاة رئيسًا، ومن اثنين من الأعيان أحدهما يمثل المُلَّاك والآخر يمثل المستأجرين. وفي عام ١٩٢٢م، صدر قانون آخر لتخفيض إيجار الأراضي الزراعية عن سنة ١٩٢١-١٩٢٢م بواسطة تلك اللجان. وفي عام ١٩٢٧م، فكرت الحكومة في إصدار تشريع مماثل، ولكنها اكتفت بإنشاء لجان استشارية للتوفيق بين المُلَّاك والمستأجرين. وفي عام ١٩٣٠م، أصدرت قانونًا يمنح مهلةً لدفع الإيجارات الزراعية، فإذا دفع المستأجر أربعة أخماس إيجار سنة ١٩٢٩-١٩٣٠م، فلا يجوز مطالبته قبل أول سبتمبر ١٩٣١م بالخُمس الباقي ولا بالمتأخر من السنتين الزراعيتين السابقتين بمقتضى العقد، كما تقرَّر تخفيض ٢٠٪ من إيجار سنة ١٩٢٩-١٩٣٠م لمَن قام بدفع ٨٠٪ من الإيجار، وتخفيض ٣٠٪ عن سنة ١٩٣٠-١٩٣١م لمَن سدَّد ٧٠٪ من الإيجار.٣٣ ويُلاحَظ أن هذا التدخل لم يكُن حاسمًا لصالح المستأجر دومًا، فقد ترك تقرير الأمر بأيدي الأعيان، فضلًا عن أن قرارات هذه اللجان كانت استشاريةً قصد منها الاسترشاد وليس صنع القرار، فلم تكُن قراراتها ملزمةً للمُلَّاك.
ورغم الضعف الواضح في تدخل الحكومة على هذا النحو، فقد كان هناك مَن يعترض على مبدأ التدخل وتخفيض الإيجار بواسطة التشريع، واعتبر ذلك «إجراءً شاذًّا يحسن عدم الالتجاء إليه لأنه يؤثر في العلاقات الشخصية بين المالك والمستأجر، وهو بعيدٌ عن العدالة في كثير من الأحوال، لأنه مع وجود مُلَّاك يُرهقون مستأجريهم فإن هناك مَن يعطفون عليهم كل العطف».٣٤

فإذا انتقلنا إلى دراسة صور وأشكال الإيجار، نجدها كثيرة ومتشابكة، ومتغيرة من وقت إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، وإن كان التغير عادةً في الدرجة وليس في النوع.

وفي مقدمة أنواع الإيجار يأتي التأجير النقدي، وهو طريقة من طرق التأجير يُتَّفق فيها على دفع إيجار الفدَّان بمقدار معيَّن من النقود، يُحدَّد عادةً عند التعاقد، فإذا دفع المستأجر جانبًا من الإيجار مقدَّمًا، فإنه يتعهد بتسديد الباقي منه في المواعيد المُتَّفق عليها في العقد، بصرف النظر عن نجاح الزراعة أو فشلها، وارتفاع أسعار المحاصيل أو انخفاضها.٣٥
وتختلف قيمة الإيجار تبعًا لخصوبة الأرض، وبُعدها أو قُربها من المُدن، وطرق مواصلاتها، وحالة الأمن بها، وطبيعة ريِّها وصرفها، وأصناف المحاصيل التي تُزرع بها، فالأراضي الضعيفة تفاوت إيجارها بين ثلاثة وخمسة جنيهات للفدَّان الواحد، والمتوسطة بين ستة وتسعة جنيهات، والجديدة بين عشرة واثني عشر جنيهًا للفدَّان الواحد، ويُستثنى من ذلك بعض المساحات القريبة من المُدن التي تزرع خضروات في أكثر الأحيان، فكان إيجارها يتفاوت بين أربعة عشر وستة عشر جنيهًا أو يزيد.٣٦
وإذا كانت الأرض مؤجَّرةً إلى صغار المُزارعين مباشرةً دون وساطة من كبار المستأجرين، فإن المالك كان يضع يده على المحصول ويبيعه بتوكيل من المستأجرين — بعد وضعه في مخازنه أو قبل ذلك — لحسابهم، ثم يخصم من الثمن قيمة الإيجار المستحقِّ له عليهم، ويسلم كلًّا منهم ما يتبقى له بعد ذلك من صافي الثمن، فإذا لم يفِ ثمن المحصول بقيمة الإيجار، وتبقَّى منه شيء، كان على المستأجر أن يسدِّده من محصول الزراعة التي تلي المحصول المُباع، وبهذا يضمن المالك أرباحه كاملة.٣٧
ويُحدَّد الإيجار في بعض التفاتيش بنسبة ثمن قنطار القطن بسعر إقفال بورصة الإسكندرية يوم ١٥ أكتوبر من كل سنة، بحيث إذا زاد ثمن القنطار أو نقص خلال سنوات التأجير زادت قيمة الإيجار أو نقصت تبعًا لذلك. وكان هذا التحديد يسري بغض النظر عن صنف القطن المزروع، وأحيانًا كان يُحدَّد الإيجار على أساس ثمن القنطار ١٢ ريالًا، فإذا زاد الثمن أو نقص خلال مدَّة التأجير، تقاسم المالك والمستأجر فرق الزيادة أو النقصان مناصفة. وفي مديرية الشرقية، مثلًا، كان يشترط بعض المُلَّاك أن يؤجِّر أرضه بفئة تقلُّ عن قيمة الإيجار المجاور، على شرط أن يحتسب سعر محصول القطن الناتج من الأرض المؤجَّرة بسعر ١٢٫٥ ريالًا للقنطار الواحد مهما زاد سعره في البورصة عن ذلك.٣٨
وتختلف مدَّة التأجير النقدي من أربعة شهور في الزراعة النيلية كالذرة إلى ثمانية شهور في الزراعة الشتوية كالقمح والبرسيم، وسنة في الزراعة الصيفية، كالقطن في الحياض لصغار المستأجرين، ولمدَّة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات لكبار المستأجرين.٣٩
على أن طريقة التأجير النقدي هذه — كما لاحظ أحد المعاصرين — كانت مُرهِقةً للفلاح الصغير، وخاصةً عندما يشترط، كما كان يحدث في كثير من الأحيان، أنه في حالة زيادة سعر القطن عن ١٥ جنيهًا مثلًا تُقسم الزيادة مناصفة، وهو ما كان يُسمَّى بشرط القطن.٤٠
وهناك طريقة أخرى للإيجار تُسمَّى بالتأجير العيني وبمقتضاها يحصل المالك على جزء ثابت، أيْ نسبة معيَّنة من المحصول أو المحاصيل المُتَّفق على زراعتها بينه وبين المستأجر ويتضمنها عقد الإيجار، وبهذه الطريقة يحصل المالك على الإيجار المُتَّفق عليه بعد نضج المحصول، أيْ مؤخرًا، بعكس الحال في التأجير النقدي. وللتأجير العيني طريقتان؛ أن يحصل المالك على نسبة معيَّنة من المحصول تتفق مع مقدار مساهمته مع المستأجر في العمليات الزراعية وإمدادها بالمال، وهذه تتطلب جهدًا وعنايةً من المالك، أو أن يُحدَّد مقدارٌ معيَّن من المحصول يُقدَّم للمالك كإيجار للأرض بعد الحصاد، كأن يحصل المالك على ثلاثة أرادب من فدَّان الأرض وثلاثة قناطير من فدَّان القطن إلى غير ذلك من الأنصبة، فإذا عجز المستأجر عن توريد الكمية المُتَّفق عليها أو جزء منها، يقوم بدفع تعويض للمالك يساوي ثمنها السائد بأسعار السوق وقت التسليم.٤١
ويحتوي هذا النوع من التأجير على طرق متعددة في كيفية اقتسام المحصول بين المالك والمستأجر تفاوتت من مديريةٍ إلى أخرى، كما تنوعت طريقة التعامل بالنسبة للمحصول الواحد.٤٢ وأدت هذه الطريقة — في بعض الأحيان — إلى الإخلال بنظام الدورة الزراعية الثلاثية، بما يترتب عليها من إضعاف التربة، لأن المستأجر كان يلجأ لتعويض العجز في محصول القطن بزراعته على مساحةٍ أوسع، مما يقضي به نظام الدورة الزراعية، حتى يتسنَّى له تسوية موقفه في الموسم التالي،٤٣ وقد فضَّل بعض المُلَّاك طريقة التأجير العيني، لأن حصتهم من الإيجار عينًا تفوق ما يحصلون عليه من الإيجار النقدي، وتتيح لهم الاستفادة من الزيادة التي يحقِّقها الإنتاج لأيِّ غلة من الغلال، كما أنها تكفل للمالك الإشراف المباشر على زراعة الأرض.٤٤
وإلى جانب التأجير النقدي والتأجير العيني، وُجدت طريقةٌ أخرى لاستغلال الأراضي الزراعية في الملكيات الكبيرة عُرفت ﺑ «المزارعة»، ونعني بها المشاركة أو المقاسمة، حيث كان الفلاح يزرع للمالك مساحةً معيَّنةً من الأرض مقابل الحصول على قدر معلوم من المحصول، كالرُّبع، أو الخُمس، أو النِّصف، أو ما شاكل ذلك. وكان لكل نصيب من تلك الأنصبة قواعد محدَّدة تحكم زراعته، ينظمها العُرف.٤٥

فالمرابع، هو الذي يزرع الذرة النيلية، وله الرُّبع فيما يزرعه مقابل عمله، ويتولى المالك تقديم التقاوي والأسمدة والأدوات الزراعية له. أمَّا الفلاح فعليه أن يتعهد الأرض بالرعاية حتى يسلم المحصول للمالك في نهاية الموسم، وعليه — أيضًا — أن يعمل مجانًا في أرض المالك أثناء فراغه من خدمة زراعة الذرة.

أمَّا المخامس، فهو الذي يشتغل في أراضي المزرعة بخدمة جميع المزروعات مقابل حصوله على خُمس المحصول بعد خصم التكاليف التي ينفقها المالك على الأرض.٤٦ وقد جرت العادة على أن يستولي المالك على محصول القطن، ويبيعه بالثمن الذي يروق له، ويحاسب مخاميسه على نصيبهم فيه، ولكن هؤلاء قلما كانوا ينالون شيئًا من ثمرة كدِّهم في هذا المحصول الرئيسي؛ لأن الفلاح كان يقترض عادةً طوال العام من مالك الأرض ما يحتاجه من مال لمواجهة متطلبات معيشته، ويقيد المالك هذه القروض في سجلاته طوال العام، ولا يحاسب الفلاح عليها إلا عند بيع محصول القطن. كذلك كان المالك يقدِّر ما يأخذه الفلاح من الحبوب طوال العام بالثمن الذي يروق له، ولا يستطيع الفلاح أن يعترض على تقدير المالك لما عليه من دَين، ولذلك كثيرًا ما كان الفلاح يخرج صفر اليدين، إذ يندر أن يتبقى له شيء من نصيبه في محصول القطن، وغالبًا ما كان المالك يحرص على أن تسفر عملية المحاسبة عن بقاء بعض الدَّين على الفلاح تعجز حصته في محصول القطن عن الوفاء به، فيُقيَّد كدَينٍ عليه سدادُه في العام الذي يليه.٤٧

أمَّا المناصف، فهو الذي يزرع الأرض ويقوم بحرثها وتوفير التقاوي والأسمدة اللازمة لها، وعليه أن يتعهد الزرع حتى ينمو، فيكون له نصف المحصول عند الحصاد. ولمَّا كان الفلاح أعجز من أن يستطيع الإنفاق على الزراعة، فقد كان المالك يمدُّه بكل ما يلزم الزراعة من نفقات يستوفيها من حصة الفلاح في المحصول عند الحصاد، فإذا تعرَّض المحصول للآفات، أو أصابه الضرر بسبب العوامل الطبيعية، وكان نصيب الفلاح من المحصول لا يكفي لسداد دَينه، أُضيفَ باقي الدَّين إلى حسابه في العام التالي، وبذلك كان الفلاح يتحمل وحده مخاطر الإنتاج في هذا النوع من المُزارعة.

وثمة شكلٌ آخر من أشكال العلاقات الإنتاجية التي قامت في المَزارع الكبيرة، هو «الزراعة بالمثل»، وهو ما يطلق عليه الفلاحون (فدَّان يخدم فدَّانًا)، أيْ إن المُزارع يستأجر مساحةً من الأرض بإيجار مخفَّض، مقابل قيامه بزراعة مساحة مناظرة تمامًا من الأطيان لحساب المالك. وكانت الزراعة بالمثل شائعةً في بعض جهات المنوفية والغربية، حيث درجة خصوبة الأرض الزراعية عالية، ويتوفر عدد كبير من الأيدي العاملة.٤٨

وبالإضافة إلى ذلك وُجدت طريقةٌ أخرى للإيجار عُرفت بالتأجير بالمُزايدة، وتأجير الأرض بهذه الطريقة يجعل استغلالها قريب الشبه بنظام الاستغلال الرأسمالي، وطريقة التأجير بالمُزايدة كانت تتم وفقًا لنظام معيَّن بين المُتزايدين، محوره التنافس على استئجار الأرض، مما يؤدي إلى كثير من المناورات والمساومات بين المُتزايدين وبعضهم البعض، حتى يرسو المزاد على أحدهم.

وتحدث المُزايدة عندما يقدِّم الراغبون في الاستئجار عطاءاتهم داخل مظاريف مختومة تُفتح بعد وصولها ليد المالك أو مَن يحلُّ محلَّه في جلسةٍ تُخصَّص لذلك، أو تُقدَّم العطاءات على قائمة مزاد مفتوحة في جلسة علنية بوجود الراغبين في استئجار الأرض. وكان التأجير بواسطة المظاريف المختومة قليل الاستعمال، ولا يُلجأ إليه إلا في أحوال نادرة، حين يُراد تأجير الأرض كلها دفعةً واحدة، وذلك في المساحات الكبيرة. أمَّا التأجير في الجلسات العلنية فقد كان أكثر شيوعًا، وقبل تحديد جلسات المزاد كان المالك المُلمُّ بأعمال الزراعة يقوم ببعض إجراءات تحضيرية، فيعاين الأرض التي ينوي تأجيرها ليقف على حالتها، ويحصر القويَّ منها والضعيف، ثم يقسمها إلى أحواض تتراوح مساحة كل حوض منها بين ٣٠–٢٠٠ فدَّان، ثم يحرر قائمة مزايدة لكل قسم من هذه الأقسام مع بيان حدود كل قطعة ورقمها على خريطة فكِّ الزمام، واسم حوضها ورقمه، والناحية والمركز والمديرية الكائنة بها، ويحدِّد القيمة الأساسية للإيجار. وبعض المُلَّاك كان يفضِّل أن تحتوي كل قطعة على جزء من الأطيان الجيدة وجزء من الأطيان الضعيفة، وهو ما سُمِّي عُرفًا «تحميل الأرض على بعضها»، وبعد انتهاء عملية المزاد يُحرَّر عقد الإيجار بين المالك ومَن رسا عليه المزاد، وهذا العقد كان يتكون عادةً من ٢٤ مادةً تشمل شروط استغلال الأرض بمعرفة المستأجر والضمانات الكافية للمالك قبل المستأجر دون تقدير للظروف الطبيعية التي قد تصيب الأرض أو المحصول. ويُلاحَظ أنه كان يدخل ضمن مساحة الأرض المؤجَّرة: التُّرع والمساقي والجسور والطرق والبور والبرك، وينصُّ عادةً على التزام المستأجر بصيانة مصادر الريِّ والصرف على نفقته الخاصة، واحتفظ المالك لنفسه بحقِّ القيام بتلك الصيانة وتحميل تكلفتها على المستأجر، كذلك كان على المستأجر أن يتحمل تكاليف الحراسة.٤٩
وبجانب طريقة التأجير بالمُزايدة، كانت هناك طريقة التأجير بالممارسة، حيث يتمارس (أيْ يتفاوض) المالك مع المستأجر على تأجير أرضه له، وبعد مساومات طويلة تُحدَّد قيمة الإيجار السنوي للأرض وطرق استخدامها وكيفية سداد أقساط الإيجار وقيمة التأمين، وهذه الطريقة كان يلجأ إليها مُلَّاك الأراضي الذين لهم مطلق التصرف في أراضيهم دون شريك.٥٠

تلك كانت طرق الإيجار الشائعة بين مُلَّاك الأراضي منذ استقرت حقوق الملكية، وقد اختار المُلَّاك منها ما يناسب أهدافهم وتطلعاتهم لتحقيق أكبر قدر من الربح. وعمومًا كان كبار المُلَّاك يفضلون التأجير النقدي، والمُزايدة أو الممارسة، ويلجئون إلى المُزارعة في الأحوال الاستثنائية. ويعود تفضيل التأجير النقدي إلى أنه يجنِّب المالك تحمُّل مخاطر الإنتاج، ويعفيه من الحاجة إلى إدارة الزراعة، ويوفر له ربحًا مضمونًا. وغالبًا ما ينحصر التأجير بالمُزايدة بين فئة كبار المستأجرين من المُضاربين والمُرابين الذين يقومون بدورهم بتأجير الأرض لصغار الفلاحين من الباطن بفئات إيجار عالية تحقِّق لهم ما ينشُدون من ربح، وبذلك يقع الغُرْم كله على عاتق الفلاح الصغير.

ولقد كانت الحكومة تتبع في تأجير الأملاك الأميرية وأراضي الأوقاف الطرق التي كان يتبعها كبار المُلَّاك خلال الفترة، وخاصةً الإيجار النقدي أو الإيجار بالمُزايدة، ولم تكُن تلجأ إلى إيجار المُمارسة أو المُزارعة. وبلغت جملة الأراضي التي كانت تؤجِّرها الحكومة في عام ١٩١٤م مساحةً قدرُها ١٠٥٩١١ فدَّانًا، وغير المؤجَّرة ١٠٦٥٤٠٢٨٧ فدَّانًا، ثم أصبحت الأراضي التي قامت الحكومة بتأجيرها عام ١٩٣٠-١٩٣١م تُقدَّر بمساحة ١١٧٢٨١ فدَّانًا، واستمرت المساحة المؤجَّرة في الزيادة بعد ذلك.٥١
ومن المُلاحَظ أن ظاهرة تأجير الأرض انتشرت بين كبار المُلَّاك بصورة ملحوظة ابتداءً من عام ١٩٣٩م؛ فقد كانت نسبة الأراضي المؤجَّرة ١٫٧٣٪، زادت إلى ٦٠٫٧٪ عام ١٩٤٩م، ثم أصبحت ٧٥٪ في عام ١٩٥٢م. وهذا يرجع إلى أن الدخل من الإيجار كان يفوق الدخل من الزراعة على الذمة؛ فقد كان دخل الفدَّان عام ١٩٤٧-١٩٤٨م لا يزيد على ١٧٫٥ جنيهًا، بينما كان إيجار الفدَّان يتراوح ما بين ٣٥–٤٠ جنيهًا. وكانت وزارة الأوقاف تؤجِّر أراضيها في الوجه البحري بمتوسط ٣٠ جنيهًا لكبار المستأجرين، وبمتوسط ٣٨ جنيهًا لصغارهم، وقد أثبتت مصلحة الفلاح التابعة لوزارة الزراعة من خلال البحوث التي قامت بها أن إيراد الزراعة على الذمة يقلُّ عن إيراد الأراضي المؤجَّرة بنسبة الثُّلث.٥٢
ولا شكَّ أن الزيادة في نسبة الأراضي المؤجَّرة أدَّت إلى زيادة التنافس على امتلاك الأرض باعتبارها استثمارًا مربحًا، وأدَّى ذلك بالتالي إلى ارتفاع أثمان الأراضي تبعًا لزيادة الطلب عليها، كما دفع عددًا من أصحاب المهن غير الزراعية من سكان المُدن إلى تملك الأراضي الزراعية واستغلالها عن طريق الإيجار، فنشأت بذلك طبقة الوسطاء من كبار المستأجرين الذين سيطروا على سوق المُزايدات في إيجار الأطيان، وأقصوا بذلك صغار المستأجرين عن هذا الميدان، وبلغ حجمهم قدرًا جعلهم يكوِّنون جماعة ضغط لرعاية مصالحهم أسموها «لجنة اتحاد مستأجري الأطيان بالوجهَين القبلي والبحري».٥٣
لقد كانت علاقة كبار المُلَّاك بالفلاحين المستأجرين تنحصر في تحصيل قيمة الإيجار ولا شيء غير ذلك، مما جعل الفلاح يرهب المالك، ويذكر الأب هنري عيروط أن أحد كبار المُلَّاك قال له «إن الفلاحين يجب سَوْقُهم بالسَّوْط»، ويذكر أيضًا أنه رأى أحد ضباط الشرطة يوسع أحد الفلاحين المتهمين ضربًا، فلما أظهر امتعاضه أجابه الضابط بأنه «ينبغي أن يُعامَل الفلاحون على هذا النحو لأنهم بهائم».٥٤
وإذا تأخر المستأجر في دفع الإيجار المقرَّر في الموعد المحدَّد، فلا شيء أمام المالك يمنعه من تحصيله بكافة الطرق والوسائل سواء كانت قانونية أو غير قانونية،٥٥ فإذا عجز المستأجر عن سداد الإيجار نتيجة هبوط أسعار المحاصيل، أنكر عليه المُلَّاك ذلك، واتهموه بالظلم وفقدان الذمة.٥٦
وإذا ما أُثيرت فكرة تخفيض إيجارات الأراضي في مجلس النواب، أجاب المُلَّاك على ذلك بأن مثل هذه الاتجاهات فيها «القضاء على المُلَّاك قبل كل شيء، وأننا إذا أردنا أن نُشرِّع، وجب أن يتناول تشريعنا المُلَّاك كما يتناول المستأجرين»، وكانت مشروعات تخفيض الإيجارات التي تُقدَّم لمجلس النواب، تُحال إلى لجان الاقتراحات وغيرها، حتى تنتهي الدورة دون أن تفرغ اللجان من بحثها، ورغم ما كان يحدث فعلًا من تخفيضٍ للإيجارات في بعض السنوات.٥٧

(٣) تمويل الإنتاج (القروض والديون العقارية)

كان تمويل الإنتاج الزراعي من أكثر ملامح العلاقات الإنتاجية تأثيرًا على التطور الاقتصادي والاجتماعي لمصر، منذ استقرت أوضاع الملكية الزراعية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، واستمرت تلعب دورًا سلبيًّا على التنمية الاقتصادية في مصر حتى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢م، ومن ثَم وجب أن نقف عندها نُلقي الضوء عليها وعلى ما ترتب عليها من آثار، فقد كان الفلاحون يفتقرون إلى رأس المال اللازم للإنفاق على زراعة المحاصيل، وخاصةً أن الاتجاه السائد — وقتئذٍ — كان قاصرًا على الاهتمام بالمحاصيل النقدية التي تتطلب مزيدًا من الإنفاق على إعداد الأرض للزراعة ورعاية المحصول حتى يحلَّ موسم الحصاد، ثم يُباع المحصول وفق حالة السوق. ولم يكُن المُزارع الصغير في مركز يسمح له بخَزْن المحصول حتى يبيعه بالسعر الملائم؛ لأن ملاحقة الدائنين له كانت تدفعه إلى بيع القطن — محصوله الرئيسي — بالثمن الذي يحدِّده المُرابون، وكثيرًا ما كان هذا الثمن يبخس الفلاح جهده وعَرَقه.

وكان ثمة نوعان من القروض التي كان يحصل عليها الفلاحون، تمثل النوع الأول منها في اقتراض صغار الفلاحين مبالغ من المال في بداية العام، على أن يقوموا بسدادها في الخريف بعد بيع محصول القطن،٥٨ وهم — في هذه الحالة — يقعون فريسة المُرابين من السوريين والأوروبيين والأقباط الذين وجدوا في إقراض الأموال لصغار الفلاحين مجالًا لاستثمار أموالهم، هذا بالإضافة إلى كبار المُلَّاك الزراعيين الذين كانوا يحصلون على قروض كبيرة من البنوك العقارية بفائدة ٩٪، ثم يجزئون تلك القروض إلى مبالغ صغيرة يقدمونها للفلاحين من مُزارعيهم ومُستأجري أراضيهم لقاء فائدة باهظة كانت تتراوح — في معظم الحالات — بين ٢٥٪ و٤٠٪.٥٩
أمَّا النوع الآخر من القروض التي كانت تُقدَّم لصغار المُزارعين، فكان طويل الأجل، يلجأ إليه الفلاح لمواجهة أغراض متعددة، كأن يشتري بعض رءوس الماشية أو أدوات الزراعة، أو يشتري قطعة من الأرض، أو يواجه نفقةً طارئةً تستلزم قدرًا من المال، وفي هذه الحالة كانت البنوك العقارية تتولى تقديم القروض الكبيرة، ولكن الحصول على قروض من تلك البنوك كان يقتضي أن يكون الفلاح مالكًا لمساحة من الأطيان الزراعية يغطي رهنُها قيمةَ القرض الذي يُعطَى له٦٠ ومن ثَم كان صغار المُلَّاك قلما ينالون فرصة التعامل مع البنوك العقارية،٦١ وخاصةً أن معظمهم لم يكُن لديهم حُجَج تُثبت ملكيتهم للأرض، إذ لم يعنوا بالحصول على حجج الملكية بسبب الرسوم التي كان عليهم سدادها نظير الحصول على هذه الحجج، هذا بالإضافة إلى ما كان يطلبه شيوخ القُرى والصيارف وكتبة المحاكم من الرشاوى مقابل تيسير استخراج هذه الحجج، فبقيت معظم أطيان صغار المُزارعين مقيَّدةً بأسماء المُتوفَّين، واستمر ورثتهم يؤدُّون مالها على هذا النحو، ولذلك لم يكُن أمامهم مفرٌّ من اللجوء إلى المُرابين من التجار وأصحاب الملكيات الكبيرة للحصول على ما يلزمهم من قروض بفوائد باهظة.٦٢

وكثيرًا ما كان الفلاح يعجز عن سداد الديون التي يقترضها بضمان الأرض، وترتَّب على ذلك فقدان الكثير لملكياتهم نتيجة لجوء الدائنين إلى الحجز عليها وبيعها وفاءً للديون، ولم يكُن يستطيع شراء تلك الأراضي سوى متوسطي المُلَّاك وكبارهم، وبذلك أصبحت الملكيات الصغيرة عُرضةً للتلاشي، ومن ثَم كان لا بدَّ من إيجاد حلٍّ لمشكلة ديون الفلاحين للحيلولة دون تلاشي الملكيات الصغيرة.

فحاولت الحكومة — في عام ١٨٩٥م — أن تضطلع بتقديم تسهيلات ائتمانية للفلاحين، فخصَّصت ٥٠ ألف إردبٍّ من تقاوي القطن لتوزيعها على الفلاحين، على أن يحصل ثمنها عند جَنْي المحصول، ولكن المُرابين وقفوا لهذه التجربة بالمرصاد، فهدَّدوا الفلاحين بإيقاف التعامل معهم والحجز على أراضيهم إذا أخذوا البذرة التي تعرضها الحكومة عليهم، مما أدَّى إلى فشل المشروع.٦٣
وفي العام التالي قامت الحكومة بتجربة تقديم قروض صغيرة للفلاحين خصَّصت لها ١٠٠٠٠٠ جنيه في ميزانية عام ١٨٩٦م، وقدَّمت هذه القروض للفلاحين في خمس قُرًى تابعةٍ لمديرية الغربية في حدود جنيهين لكل فدَّان، بحدٍّ أقصى عشرة جنيهات، وبفائدةٍ قدرُها نصف في المائة.٦٤
ويبدو أن التجربة قد أخفقت أو أن الحكومة أدركت صعوبة اضطلاعها بعبء تقديم تسهيلات ائتمانية للفلاحين، فحاولت إقناع البنك العقاري المصري بتخفيض الحدِّ الأدنى للقروض التي يقدِّمها لعملائه من ألف جنيه إلى مائة جنيه، حتى يستفيد منها صغار المُلَّاك، ولكن البنك رفض الاستجابة لهذا الطلب، فما كاد يتم تأسيس البنك الأهلي المصري في عام ١٨٩٨م، حتى اتفقت معه الحكومة على أن يقدِّم قروضًا صغيرةً للفلاحين على آجال طويلة بفائدة ٩٪ (وهو أعلى سعر للفائدة قانونًا)، على أن يحصل وكلاء البنك بالأقاليم على عمولةٍ قدرُها ١٪ من تلك الفائدة، وتتولى الحكومة تحصيل أقساط تلك القروض بواسطة صيارفة القُرى عند سداد مال الأطيان.٦٥ واكتفى بأن يقدِّم الفلاح للبنك كشفًا معتمدًا من صرَّاف القرية يوضح مساحة أطيانه، وشهادةً بعدم وجود تصرفات على تلك الأطيان، حتى يسمح له بالحصول على القرض المطلوب،٦٦ وضمنت الحكومة للبنك أرباح تلك العمليات.٦٧
واختير مركز بلبيس بمديرية الشرقية ميدانًا لهذه التجربة التي أثبتت نجاحًا ملحوظًا،٦٨ أدَّى إلى تأسيس بنك خاص لهذا الغرض، في عام ١٩٠٢م، هو البنك الزراعي المصري، The Agricultural Bank of Egypt، وساهم البنك الأهلي المصري في رأسمال البنك الجديد الذي كان معظمه إنجليزيًّا، وازداد رأس المال من ١٦٩٩٣٥٠ جنيهًا مصريًّا في عام ١٩٠٤م، إلى ٨٥٨٩٧٥٠ جنيهًا مصريًّا في عام ١٩٠٧م، لمواجهة الطلب المتزايد على القروض.٦٩ وقد ضمنت الحكومة للبنك حدًّا أدنى للأرباح قدرُه ٣٪، على أن يقدِّم القروض للفلاحين بفائدةٍ قدرُها ٩٪، وعلقت عليه الحكومة الأمل في الحدِّ من نشاط المُرابين، وزيادة مساحة الملكيات الصغيرة، أو — على الأقلِّ — تثبيتها، ولكن البنك لم ينجح في تحقيق هذه الغاية الأخيرة، لأن الفلاحين استخدموا القروض التي حصلوا عليها في سداد جانب من الديون التي أثقل المُرابون بها كواهلهم للتخلص من الفوائد الباهظة التي كانوا يدفعونها لهم، كما أن قروض البنك لم تكُن تُقدَّم إلا لمَن لديهم أراضٍ يرهنونها، ولذلك فهي لا تستطع أن تتيح للفلاحين المعدمين فرصة امتلاك الأطيان نظرًا لارتفاع قيمة الأراضي في ذلك الحين.٧٠
وفي أثناء فترة التضخم المالي وارتفاع الأسعار التي سبقت أزمة ١٩٠٧م، دخل بعض الأفراد والمؤسسات في عمليات إقراض واسعة تفوق إمكانياتهم، وتبع ذلك هبوط في الأسعار في سوق القطن في موسم ١٩٠٧م، ترتَّب عليه ركود عام في الأسواق، واضطرَّ عدد كبير من البنوك العقارية أن يحجزوا على أطيان المَدينين، فتم بذلك نزع ملكيات الكثيرين، وكان صغار المُلَّاك في طليعة ضحايا تلك الأزمة، فقد اضطرَّ البنك الزراعي المصري، أن يتخذ الإجراءات القانونية ضدَّ مَن تأخروا عن سداد الديون، فحصل — في الفترة من آخر ديسمبر ١٩٠٨م حتى نوفمبر ١٩٠٩م — على أحكام لصالحه ضدَّ ٣٢٨ مَدينًا، بِيع على أثرها ٧٩٤ فدَّانًا. وتفاقمت هذه العملية في العامين التاليين فنزع المُرابون ملكية الكثير من أطيان صغار المُلَّاك، وارتفعت الأصوات مطالبةً بحماية صغار المُلَّاك.٧١
وأخذ الحزب الوطني زمام المبادرة، فدعا عمر بك لطفي (أول نوفمبر ١٩٠٨م) إلى تأسيس «نقابات التعاون» — أو الجمعيات التعاونية الزراعية — لتعمل على حماية الفلاح من المُرابين الأجانب، فتقدِّم له التسهيلات الائتمانية، وأُنشِئت أولى تلك الجمعيات بقرية شبرا النملة-غربية (في أبريل ١٩١٠م)، وتولت تلك الجمعية — وغيرها من الجمعيات التي أُسِّسَت في تلك الفترة —٧٢ إمداد المشتركين فيها بالبذور والأسمدة الكيماوية بأسعار معتدلة، كما قدَّمت لهم القروض المالية بفائدة ٩٪، وأرشدت الفلاحين إلى أفضل الطرق الملائمة للزراعة لتحقيق أجور المحاصيل، وعاونتهم على تسويق إنتاجهم بأفضل الأسعار.٧٣
واهتمَّ القائمون على الحركة بتشجيع الأعيان على المساهمة في الجمعيات الوليدة، وبرز اتجاهٌ يدعو إلى وضع تلك الجمعيات تحت رئاستهم، وأن تكون هناك لجنة عامة تتولى الإشراف على الجمعيات التعاونية، يرأسها الأمير حسين كامل باشا وتمثل فيها الجهات الإدارية.٧٤ ولعلَّ أصحاب هذه الدعوة كانوا يهدفون من ورائها إلى اجتذاب الحكومة إلى رعاية تلك الجمعيات الناشئة ومدِّ يد العون لها، ومنع كبار المُزارعين من محاربتها، ولكن سلطات الاحتلال لم تكُن لتشجع الحركة التعاونية ما دام الحزب الوطني يدعو إليها، حتى لو كان فيها العلاج الناجح لمشكلة ديون الفلاحين، ولتحُول بين الحزب وبين التغلغل وسط جماهير الفلاحين، لذلك لم تُلقِ الحكومة بالًا إلى الجمعيات التعاونية، كما أن كبار المُزارعين لم يستجيبوا لتلك الدعوة؛ لأن نجاح الجمعيات التعاونية وانتشارها يوجه ضربةً قاضيةً إلى ما لهم من نفوذٍ على الفلاح ويُهيِّئ للأخير فرصة الاستغناء عن اقتراض الأموال منهم بفوائد باهظة، ويمكِّنه من بيع محصوله بالسعر المناسب، فتكسر بذلك احتكارهم السوق.
وحاولت الحكومة أن توفر للفلاح جانبًا من الخدمات التي يمكن أن تقدِّمها له الجمعيات التعاونية، فأنشأت — في سبتمبر ١٩١٢م — «حلقات القطن» بغرض حماية صغار المُزارعين من تلاعب تجار القطن بالأسعار والموازين، وتولت مجالس المديريات الإشراف على تلك الحلقات التي كانت بمثابة أسواق صغيرة، وتركزت في الأقاليم الرئيسية المنتجة للقطن، فأُنشِئت ٩٢ حلقةً في عددٍ من المراكز والبنادر، وكانت «حلقات القطن» تعلن في نشرات يومية — تُعلَّق في مكان بارز — أسعار القطن في بورصتَي الإسكندرية؛ حتى لا ينخدع الفلاحون بأكاذيب التجار، وخُصِّص لكل حلقة وزَّان، أو أكثر، حسب اتساع أعمال الحلقة، للقيام بأعمال الوزن والمراجعة لكل مَن أراد التحقق من الكمية التي يعرضها للبيع، ولقيت هذه الحلقات إقبال الفلاحين، فبلغ عدد مَن باعوا أقطانهم فيها، خلال موسم ١٩١٢-١٩١٣م، نحو ١٤٥ ألف مُزارع.٧٥
كذلك حاولت الحكومة أن تتدخل لحماية الملكيات الصغيرة عن طريق التشريع، فصدر — في ٢٨ نوفمبر ١٩١٢م — قانون يقضي بعدم جواز الحجز على أطيان مَن يملكون خمسة أفدنة أو ما دونها، كما نصَّ على أنه لا يجوز الحجز — أيضًا — على مسكن المالك وملحقاته ودابتين من الدواب التي تُستعمَل في الجر، والأدوات الزراعية التي تُستخدَم في فِلاحة الأرض.٧٦ ثم أُدخِل تعديلٌ على القانون — في أول مارس ١٩١٣م — نصَّ على أن يُستثنى من ذلك مَن كانت ملكياتهم تزيد على خمسة أفدنة وقت نشوء الدَّين (مادة ١)، وألَّا يترتب على القانون «ضياع حقوق الدائنين الذين تكون سنداتهم مقيَّدةً في السجل أو مُسجلةً به عند العمل بهذا القانون …» (مادة ٢).٧٧ ويبدو أن ذلك التعديل صدر تحت ضغط الدائنين من المُرابين الذين هُرعوا يسجلون عقود الدَّين التي بأيديهم عندما أعلنت الحكومة عن اعتزامها إصدار القانون — في صيف ١٩١٢م — فبلغت جملة العقود التي سُجِّلت في ذلك الحين نحو ١٢٥ ألف عقد، وبادر الدائنون برفع الدعاوى على الفلاحين قبل صدور القانون،٧٨ ولذلك كان يُهمِّهم المحافظة على حقوقهم، كذلك احتجَّ البنك الزراعي المصري على القانون عند صدوره، مما دفع كتشنر — المعتمد البريطاني — إلى مهاجمة البنك واتهامه بالعجز عن أداء المهمة التي أُنشِئ من أجلها.٧٩
كذلك اعترض كبار المُلَّاك على القانون، وقدَّم مرقص سميكة بك — أحد كبار المُلَّاك بالصعيد وعضو مجلس شورى القوانين — اقتراحًا إلى المجلس (يناير ١٩١٣م)؛ طالب فيه بأن يُعتبر الإيجار من الديون الممتازة التي لا يجوز فيها الدفع بعد إمكان الحجز على الأملاك، وبرَّر هذا الطلب بأن كبار المُلَّاك بالصعيد — الذين يؤجِّرون أطيانهم للفلاحين — لا يتوافر لهم الضمان الكافي لحقِّهم في الإيجار، لأن أراضي الصعيد تُزرع حبوبًا، ولذلك يسرع المستأجر في التصرف في المحصول، ولا يجد المالك ما يحجز عليه وفاءً لقيمة الإيجار، بعكس الحال في الوجه البحري؛ حيث يوفر القطن ضمانًا كافيًا للمُلَّاك في حالة عدم قيام المستأجر بتسديد الإيجار. وأيَّد الكثيرون من أعضاء مجلس شورى القوانين هذا الطلب، بل هدَّد مصطفى خليل باشا — أحد أعيان الشرقية وعضو المجلس — بأن كبار المُلَّاك سيمتنعون عن تأجير أطيانهم للفلاحين إذا لم يكُن ثمة ضمانٌ كافٍ لحقوقهم، وطلب من النظَّار أن يفكروا في الأمر برويَّة «لأنهم من كبار المُلَّاك»، فردَّ حسين رشدي — ناظر الحقانية — على ذلك بأن المجلس «مُركَّب من كبار المُلَّاك»، وليس من بين أعضائه مَن يمثل صغار الفلاحين، ولذلك فليس من حقِّه أن يطلب هذا التعديل في غيبة وجهة نظر الطرف الآخر في هذه المشكلة. وانتهى الأمر بعدم٨٠ اعتبار الإيجار من الديون الممتازة التي يجوز فيها توقيع الحجز على الملكيات الصغيرة.
وقد أدَّى صدور قانون الخمسة أفدنة إلى وضع نهاية لعمليات الإقراض التي كان يقوم بها «البنك الزراعي المصري»، فتناقصت من ٦٩٧٠٢٦٩ جنيهًا في عام ١٩١٢م، إلى ٥٥٣٣٣٥٥ جنيهًا عام ١٩١٤م، إلى ٥٧٨٦٦٨ جنيهًا عام ١٩٣٢م، ثم صُفِّي البنك نهائيًّا في عام ١٩٣٤م.٨١
ولمَّا كان الفلاح يضطرُّ إلى الاقتراض من المُرابين، لأنه لم يكُن ثمة مصدر آخر يستطيع أن يحصل منه على المال اللازم للإنفاق على الزراعة، فإنه لم يكُن أمامه إلا أن يبيع محصوله للمُرابين مقدَّمًا بالسعر الذي يحدِّدونه، وازداد — تبعًا لذلك — نشاط المُرابين، وارتفعت أسعار فوائد القروض التي كانوا يقدِّمونها للفلاحين ارتفاعًا فاحشًا، فأصبحوا يقرضون الفلاحين بضمان المحاصيل، ووقَّعوا الحجز على المحاصيل وفاءً للديون، فحُرِم الفلاح بذلك من قوته وثمرة كدِّه.٨٢ كذلك ترتَّب على القانون زيادة تفتيت الملكيات الصغيرة، فقد لجأ الفلاحون إلى تجزئة أطيانهم وتسجيلها على أسماء أفراد الأُسرة حتى يأمنوا شرَّ حجز الدائنين عليها.٨٣
وقد اشتمل القانون على أوجه نقص متعددة، منها أنه قصر حمايته على مَن يملكون خمسة أفدنة أو أقل، ومعنى ذلك أن مَن يملك أكثر من خمسة أفدنة ولو بقيراط واحد لا يحميه القانون، ولو نقصت أملاكه في المستقبل عن خمسة أفدنة، ولا يُعتبر جديرًا بأن يستبقي خمسة أفدنة يتعيش منها، وبذلك يصير أسوأ حالًا من المُزارع الصغير، وهذا لا يتفق مع حكمة التشريع؛ لأنه ما دام الغرض منه حماية الملكية الزراعية الصغيرة، فسيَّان أن يكون المُزارع في الأصل مالكًا لما يزيد على نِصاب هذه الملكية، أو لأكثر منه. وكان الواجب أن يضمن القانون لكل مالك حدًّا أدنى من الملكية يخرج من التنفيذات العقارية ليقوم بأوده. ومن أوجه النقص في ذلك القانون أنه لم يُوجِد للفلاحين مصدرًا صالحًا للتسليف الزراعي يجد فيه صغارُ المُلَّاك الزراعيين المالَ الذي يحتاجون إليه لاستثمار ملكيتهم الزراعية فلا يضطرون إلى بيعها.٨٤
ولا أدلُّ على فشل قانون الخمسة أفدنة في تثبيت الملكيات الصغيرة من أن اللورد لويد عاب على القانون أنه أُعدَّ على عجل، فجاء مليئًا بالثغرات، وذكر أن العلاج الناجح لمشاكل صغار المُلَّاك إنما يكمن في الجمعيات التعاونية، ولكنه تشكك في إمكانية نمو الروح التعاونية في المجتمعات المتخلفة.٨٥ وذلك رغم أن بعض الجمعيات التعاونية كانت موجودةً — عندئذٍ — بالفعل، ولم تحاول الحكومة الخاضعة للاحتلال البريطاني مدَّ يد العون لها.
وما لبثت الحكومة أن قدَّمت إلى «الجمعية التشريعية» مشروع قانون تنظيم الجمعيات التعاونية الزراعية (فبراير ١٩١٤م)، ولكن ذلك المشروع كان يتجه إلى وضع الجمعيات التعاونية تحت الوصاية الإدارية والمالية للحكومة، وإلى تعقيد إجراءات تكوينها، وكان يعطي للحكومة حقَّ حلِّها إذا رأت أنها بدأت تزاول نشاطًا سياسيًّا، وقد أقرت الجمعية التشريعية القانون رغم ما كان فيه من عيوب.٨٦ وعلى الرغم من ذلك، فإن القانون لم يصدُر إلا في عام ١٩٢٣م بنفس بنود مشروع عام ١٩١٤م، ثم عُدِّل في عام ١٩٢٧م بصورة جعلت الجمعيات التعاونية تمارس نشاطها بحرية أكثر من ذي قبل.٨٧

ولم تكُن الملكيات الصغيرة وحدها ضحية القصور في أدوات الائتمان التي تساعد الفلاح على تمويل الإنتاج، مما دفع الفلاحين دفعًا إلى الوقوع في شرك الديون، بل كان للمُلَّاك الكبار نصيبٌ من تلك الظاهرة كبير؛ إذ كانت علاقتهم بالمؤسسات المالية التي أقرضتهم الأموال لتوسيع مساحة ملكياتهم، أو الإنفاق على الزراعة أو مواجهة متطلبات مالية غير عادية، وراء بروز مشكلة الديون العقارية التي كانت لها آثارٌ سلبيةٌ على التطور الاقتصادي والاجتماعي حتى نهاية فترة الدراسة.

فقد تضافرت عوامل مختلفة في نشأة تلك المشكلة، أبرزها سهولة الاقتراض في أوقات الرخاء دون اعتبار للعوامل الاقتصادية المحلية والعالمية. ويمثل عام ١٩١٤م بداية مرحلة جديدة في تكوُّن الديون العقارية، فارتفاع أسعار القطن في ذلك العام وزيادة قيمة الصادرات، والرواج الذي أحدثه الطلب على السلع الاستهلاكية من جانب الجنود البريطانيين، ساعد على تراكم الفائض لدى كبار المُلَّاك، فقاموا بسداد الديون التي تراكمت عليهم منذ أزمة ١٩٠٧م، فانخفضت نسبة ديون البنك العقاري المصري من ٢٩٨٥٧٤٢٨ جنيهًا في عام ١٩١٤م إلى ١٩٥٦١٤٧٧ جنيهًا في عام ١٩٢٠م. غير أنهم ما لبثوا أن أقدموا على عقد قروض أخرى جديدة، ويعدُّ عام ١٩١٧م عام الذروة في الاقتراض، وخاصةً من البنك العقاري المصري، حيث بلغت قيمة القروض ١٢٤٩٠٠٠ جنيه، بينما كانت في عام ١٩١٥م تبلغ ٥١٧٠٠٠ جنيه، وفي عام ١٩١٦م بلغت ٤٨٥٠٠٠ جنيه.٨٨
وهكذا كان شأن كبار المُلَّاك، تزداد أرباحهم كما تزداد ديونهم في أوقات الرواج الاقتصادي، فمن رصيد الأرباح كانوا يسدِّدون بعضًا من ديونهم ويشترون بجانب منها أراضي جديدة، يقترضون أموالًا من البنوك العقارية لتمويل شرائها، وهذا ما حدث قبل عام ١٩٢٧م، وقبل عام ١٩٢٩م، أيْ قبل حدوث الكساد العالمي الكبير، فاعتمادًا على توقعات ارتفاع أسعار المحاصيل، عُقدت الصفقات الكبرى وتم شراء الكثير من الأراضي. وفي عام ١٩٣٠م وصلت الديون العقارية إلى أعلى مراحلها، إذ بلغت قيمتها — وفق تقدير المسيو مينوست E. Minost مدير عام البنك العقاري المصري — ثلاثين مليونًا من الجنيهات بضمان أراضي بلغت مساحتها ٣٣٤٠٠٠٠ فدَّانًا، أيْ ما يعادل تقريبًا أراضي مصر كلها، فيما عدا أراضي الوقف والملكيات الصغيرة التي خضعت لقانون الخمسة أفدنة. وجديرٌ بالملاحظة أن قروض البنك العقاري المصري التي تزيد على أربعة آلاف جنيه للقرض الواحد، كانت تخصُّ مَن يملكون أكثر من خمسين فدَّانًا، وكان نصيبهم من الأراضي المرهونة للبنك يبلغ ٧٧٫٦٪، كما كان يخصُّهم ٨٠٫١٪ من جملة القروض التي قدَّمها البنك.٨٩
ومن المُلاحَظ أن صفوة كبار المُلَّاك في مصر كانوا مثقلين بالديون العقارية، إذ كانت أراضيهم مرهونةً لأكثر من بنك، ولأكثر من بيت مالي، ولأفراد من المُموِّلين، فكان من بينهم رجال السياسة الذين لعبوا دورًا بارزًا خلال الفترة، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد الشريعي باشا، ولملوم بك السعدي، والمصري باشا السعدي، وعبد العظيم بك المصري من بين أعيان المنيا، وحمد وعبد الستار وسالم الباسل من أعيان الفيوم، ونجيب باشا غالي وورثة بطرس باشا غالي بالجيزة وبني سويف، وألفريد شماس وأبو رحاب بجرجا وأسيوط، وسليم وسمعان صيدناوي بالفيوم، ويوسف بك نحاس بالشرقية، وحسين رشدي باشا ببني سويف، وعلي شعراوي باشا وقليني فهمي باشا بالمنيا، وغيرهم من كبار المُلَّاك.٩٠

ولقد حمل هؤلاء لواء المطالبة بتدخل الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أملاكهم المرهونة والمعروضة للبيع في المزادات في حالة عجزهم عن السداد، وكان في مقدمة هؤلاء — كما سنرى — ألفريد شماس، وقليني فهمي، ويوسف نحاس الذي كان سكرتيرًا عامًّا للنقابة الزراعية العامة، وغيرهم ممَّن كتبوا في الصحف، أو قدَّموا الأسئلة والاستجوابات للحكومة في البرلمان، أو كانوا وراء إصدار القرارات والتوصيات في الاجتماعات الدورية لمجالس المديريات.

ولقد كانت مناقشات كبار المُلَّاك بشأن الديون العقارية، تدور حول ضرورة تدخل الحكومة بالحلول محلَّ البنوك الدائنة، حتى لا تتسرب الأرض من أيديهم إلى الأجانب، وكان أول مَن لفت الأنظار إلى خطورة هذه المسألة قليني فهمي باشا الذي قدَّم اقتراحًا إلى الحكومة (في ٨ أبريل ١٩١٢م)؛ طالبها فيه بحصر ديون الأهالي وسدادها للبنوك، على أن يقوم المَدينون بسداد ديونهم للحكومة بالتقسيط على آجال طويلة، واقترح أن يتم السداد على مدى تسعين عامًا وبفائدةٍ مقدُارها ٤٪، وأعاد تقديم الاقتراح مرةً ثانيةً في أبريل ١٩١٥م، وثالثةً في يونيو ١٩٣١م، ورابعةً في سبتمبر ١٩٣١م؛ حيث طالب الحكومة بتأجيل تحصيل أموال الأطيان (الضرائب)، حتى يتمكن المُلَّاك من مواجهة مطالب البنوك العقارية.٩١
وقد انتقد يوسف نحاس هذا الرأي، على أساس أن انتقال الديون إلى الحكومة بدلًا من البنوك يكلفها أعباء إدارية كبيرة تصل إلى ٦٪ سنويًّا، ومن ثَم لا تستطيع تحمُّل نسبة ٤٪ كفوائد على الديون، كما أبدى تخوفه من أن يترتب على البيوع الجبرية للأراضي المرهونة انخفاض في أسعار الأرض الزراعية.٩٢
وقدَّم زكريا نامق (عضو الجمعية التشريعية) إلى حسين رشدي باشا رئيس الوزراء اقتراحًا في فبراير ١٩١٦م بأن تقوم الحكومة بتعيين حراس من الأعيان للأراضي التي تنزع ملكيتها، وتكون مهمتهم إدارة الأرض بمعرفتهم وسداد أقساط ديونها للبنوك من رِيعها لمدَّة خمس سنوات، يتمكن بعدها صاحب الأرض من إدارة شئون زراعته بنفسه ودفع الأقساط المطلوبة، وبذلك لا تتعرض أرضه لنزع ملكيتها.٩٣ واتفق معه في الرأي محمد بك أبو الفتوح، وطالب الحكومة بإيقاف البيوع الجبرية حفاظًا على قيمة الأرض، وأن تُقسم مواعيد تحصيل الأموال الأميرية على أربعة أشهر تبدأ من نوفمبر، وتعديل لوائح بورصة البضائع في مينا البصل، على أن يحاول الأهالي من جانبهم الاتحاد فلا يبيعون محاصيلهم إلا دفعةً واحدةً، حتى يضمنوا سعرًا معقولًا، ويقتصدوا في نفقاتهم كلما كان ذلك ممكنًا.٩٤
وقد بلغت الأزمة ذروتها في منتصف عام ١٩٣١م مع احتدام الأزمة العالمية، فزادت البيوع الجبرية زيادةً رهيبةً وقُدِّرت مساحة الأراضي المعروضة للبيع الجبري في نهاية عام ١٩٣١م بخمسين ألف فدَّان، وبلغ متوسط ثمن الفدَّان المعروض للبيع ٨٧ جنيهًا، ولمَّا كان المُتَّبع في البيع الجبري تخفيض خُمس الثمن الأصلي، فإن قيمة متوسط ثمن الفدَّان هبطت إلى سبعين جنيهًا في أول جلسة، ثم واصلت الانخفاض في الجلسات التالية عند تعذُّر البيع حتى بلغت خمسةً وأربعين جنيهًا للفدَّان.٩٥
واستجابةً لدعوات كبار المُلَّاك المَدينين، تدخلت الحكومة فأصدر مجلس الوزراء قرارًا (في ٢٥ نوفمبر ١٩٣١م) بالموافقة على اقتراح وزارة المالية بتدخل الحكومة لشراء الأراضي المعروضة للبيع الجبري بالمزاد، على أن يكون هذا التدخل عن طريق الشركة العقارية المصرية — إحدى شركات بنك مصر — التي تتولى إدارة تلك الأطيان بعد شرائها حتى تجد مشتريًا لها بثمنٍ مناسب، مع إعطاء المَدين الأصلي وعائلته وأهل منطقته حقَّ الأولوية في الشراء خلال السنوات الخمس التالية لانتقال ملكية الأرض إلى الشركة، وتكون الشركة بعد ذلك حُرةً في البيع لمَن تشاء؛ بشرط أن يكون المشتري مصريًّا في كل الأحوال.٩٦ وتم الاتفاق على أن تضع الحكومة تحت تصرف الشركة مبلغ ١٠٠ ألف جنيه لاستخدامه في شراء الأراضي الزراعية المعروضة للبيع الجبري بأقلَّ من قيمتها الحقيقية، على أن تُقسم الأرباح — إن وُجِدت — مناصفةً بين الشركة والحكومة، أمَّا الخسارة فتتحملها الحكومة وحدها.٩٧ غير أن خلافًا نشب بين المُلَّاك والشركة أدَّى إلى توقفها عن شراء الأراضي منذ ١٨ مايو ١٩٣٣م، وظلَّت الشركة تدير ما تحت يدها من الأراضي حتى أول أغسطس ١٩٣٤م؛ عندما صدر قرار مجلس الوزراء بإنهاء هذه العملية وتسليم مصلحة الأملاك الأميرية ما بقي لدى الشركة من أراضٍ لإدارتها وعرضها للبيع على أصحاب الأولوية في الشراء.
وقدَّمت النقابة الزراعية العامة اقتراحًا للحكومة (في ١٩ ديسمبر ١٩٣٢م)؛ طالبت فيه بإلزام شركات الرهن العقاري بتخفيض فوائد التأخير من ٩٪ المنصوص عليها في العقود إلى الحدِّ الأصلي المشروط عليه لنُظم ولوائح البنوك، كما اقترحت أن تضع الحكومة قانونًا يجعل الحدَّ الأعلى للفوائد التي يجوز التعاقد عليها مستقبلًا لا يتجاوز ٧٪.٩٨ واستمرت المناقشات في مجلس النواب تطالب الحكومة بوضع حلول عملية لمشكلة الديون العقارية.
وقد اعترفت الحكومة بأن الإجراءات التي اتخذتها «لم تكُن لتكفي لمعالجة معضلة الديون العقارية، وأنها إنما كانت إجراءاتٍ مؤقتةً برَّرها الأمل وقت اتخاذها في قرب انقشاع غياهب الضيق العالمي».٩٩ ومن ثَم فاوضت الحكومة البنوك العقارية الثلاثة؛ البنك العقاري المصري، وبنك الأراضي، وشركة الرهن العقاري (في مايو عام ١٩٣٢م)، وتوصلت إلى الاتفاق التالي:
  • (١)

    تجميد وتجديد القروض الحالية مع كل المبالغ المُستحَقَّة على الدائنين.

  • (٢)

    تخفيض الفائدة على بعض القروض التي عُقدت بفئاتٍ مرتفعة.

  • (٣)
    تقوم الحكومة بسداد ثُلثَي الأقساط المتأخرة حتى نهاية عام ١٩٣٢م بأذونات على الخزينة بفائدة تتراوح ما بين ٤–٤٫٥٪ تصدرها الحكومة وتتداولها البنوك، على أن تحصل الحكومة من المَدينين لها (بمقتضى دفع ثُلثَي الديون) على فائدة في حدود ٥٪.١٠٠
وفي ١٤ فبراير ١٩٣٣م، صدَّق مجلس الوزراء على الاتفاقيات التي عُقدت مع البنوك الثلاثة، وصدر في مارس قانون قضى بتنفيذها. وفي مايو ١٩٣٣م صدر قانون قضى بتخصيص مليون جنيه من الاحتياطي العام لإصدار المرحلة الأولى من الأذونات المالية التي كان قد سبق إقرارها.١٠١

ورغم هذه التسويات، لم يتمكن المَدينون من تسديد الأقساط المُستحَقَّة عليهم في مواعيدها، فلم تمضِ ستة شهور على إبرام الاتفاقيات حتى بدأت مناقشة الموضوع من جديد على صفحات الجرائد وفي النقابة الزراعية العامة ومجالس المديريات والبرلمان، للمطالبة بإعادة النظر في التسويات لتتفق مع ظروف الأرض وما تدرُّه من غلَّات.

فقد أُثيرت مناقشات عديدة في مجلس النواب، وطُرح الكثير من الأسئلة والاستجوابات حول سياسة الحكومة تجاه مسألة الديون العقارية، كان أهمُّها ما ذكرته لجنة المالية بالمجلس أثناء نظر موازنة الدولة لعام ١٩٣٤-١٩٣٥م، من أن تسوية ١٩٣٣م وُضِعت على أمل تحسن الأسعار، غير أن ذلك لم يتحقق، ولهذا عندما حانت مواعيد السداد وجد المُزارعون أنفسهم في نفس المأزق الذي كانوا فيه عند وضع التسوية. كما أن تدخل الشركة العقارية لم يحقق الفائدة المرجوَّة، بل جاء — على حدِّ تعبير اللجنة — في أغلب الأحيان لمصلحة الدائنين. ولذلك طالبت اللجنة الحكومة باتخاذ خطوات حازمة لإنقاذ الثروة العقارية، فإذا تعذر الاتفاق مع الدائنين كان عليها «أن تعمل على تمصير الديون العقارية»، غير أن اللجنة لم توضح ما تقصده بالتمصير، وهل يكون عن طريق إحلال الحكومة محلَّ البنوك الدائنة، أم قيام الرأسماليين المصريين بشراء تلك الديون.١٠٢
والحقيقة أن هذه المناقشات كانت تعبِّر عن واقع أزمة الديون العقارية وعجز المَدينين عن الوفاء بها، فمن بين المَدينين للبنوك الثلاثة الكبرى البالغ عددهم ٧٦١٤، لم يسدِّد قسط ديسمبر ١٩٣٣م كاملًا سوى ١٧٢٣ مَدينًا، بينما سدَّد ٢٢٧٠ مَدينًا جانبًا من القسط، أمَّا الذين لم يسدِّدوا تمامًا فبلغ عددهم ٣٦٢١ مَدينًا، كانت نسبتهم ٣٩٫٦٨٪ من مَديني البنك العقاري المصري، و٦٣٫٢٣٪ من مَديني بنك الأراضي، و٣٨٫٩٪ من مَديني شركة الرهن العقاري.١٠٣ وقد أصدرت وزارة المالية بيانًا في ١١ أغسطس ١٩٣٥م، اعترفت فيه بعجز تسويات ١٩٣٣م عن مواجهة مشكلة الديون العقارية لعدم تحسن الحالة الاقتصادية، وذكرت أنها توصلت مع البنوك الدائنة إلى تسويةٍ لتخفيض سعر الفائدة.١٠٤
ولمَّا كانت هذه التسويات قاصرةً على مَديني البنوك العقارية الكبرى الثلاثة، ولا تشمل الديون التي جاءت من مصادر أخرى، فقد قامت الحكومة بإجراءات لتسوية ديون الدرجة الثانية التي تأتي في المرتبة التالية لديون البنك الثلاثة، فأصدرت قراراتٍ في يوليو ١٩٣٥م، وأبريل–أغسطس ١٩٣٦م؛ حيث أحالت تلك الديون إلى البنك العقاري الزراعي المصري ليتولى فحص كل حالة على حدة، وخوَّلته الحقَّ في أن يحلَّ محلَّ الدائنين، واشترط للتسوية ألَّا تزيد الديون المُستحَقَّة على المَدين عن ٧٥٪ من قيمة الأرض، وخُفِّضَت هذه النسبة إلى ٧٠٪ فيما بعد، على أن يقوم البنك بجدولة الدَّين الذي دفعه نيابةً عن الدائنين ليتم تسديده على آجال طويلة، ويكتفي بدفع الفوائد فقط مع تأجيل البدء في دفع أقساط استهلاك رأس المال إلى عام ١٩٤٠م. وقد خُفِّضَت أسعار الفائدة في كثير من الأحوال إلى ٤٪.١٠٥
ولكن مشكلة الديون العقارية لم تنتهِ بتدخل الحكومة على هذا النحو، ولكن حدَّتها خفَّت كثيرًا، فقد أدَّى الانتعاش المالي خلال الحرب العالمية الثانية إلى تمكن المَدينين من تسديد أقساط من الديون، كما هبطت نسبة الاقتراض من البنوك إلى درجة ملحوظة، كذلك انخفضت قيمة الديون التي لم يتم تسديدها.١٠٦ وجديرٌ بالذكر أن بعض أفراد أُسرة محمد علي الحاكمة كانوا من بين المَدينين للبنوك العقارية، فقد بلغت ديونهم للبنك العقاري المصري وحده ٨٤٠٠٩٩ جنيهًا من جملة ديون البنك التي بلغت قيمتها في نهاية عام ١٩٥٢م مليونَي جنيه، وكانت تلك الديون موزَّعةً بين كلٍّ من عمرو إبراهيم (١٦٠٤٢ جنيهًا)، وفاطمة إسماعيل (١٢١٠٠٠ جنيه)، وإلهامي حسين (١٩٥١٣١ جنيهًا)، وسميحة حسين (٢٥٦٧ جنيهًا)، وورثة أحمد فؤاد عزت (١٥٥٢٩ جنيهًا)، ومحمد وحيد الدين (٤٦٣٥٢١ جنيهًا)، ووفيق عباس يكن (١٣٠٠٠ جنيه)، وتوحيدة يكن (١٣٣٠٩ جنيهات).١٠٧
لقد ظلَّت مشكلة الديون العقارية تسيطر على الأفق السياسي في مصر حتى نهاية الفترة رغم التسويات التي تمَّت وهبوط نسبة المَدينين والديون، حتى إننا نسمع الدعوة في عام ١٩٤٢م إلى ضرورة تأليف حزب يُسمَّى «حزب البنوك العقارية»، لصيانة الأرض وإبقائها في أيدي الوطنيين.١٠٨

لقد كانت الديون العقارية — في جانبٍ منها — مشكلةً قوميةً وليست فئوية، ومهما قِيل من أن أسبابها كانت ترجع إلى ظروف دولية وليست محلية، فإن تفاقم المشكلة كان يرجع — في جانبٍ منه — إلى ترف كبار المُلَّاك وإسرافهم، وإنفاقهم الأرباح الناتجة عن استغلال الأرض في مجالاتٍ لا يدخل بينها تسديد الديون، هذا فضلًا عن أن المبالغ التي تحملتها خزانة الدولة في تسوية مارس ١٩٣٣م لحلِّ مشكلة المَدينين، كانت تمثل أموال دافعي الضرائب من مختلف فئات الشعب وليس المُلَّاك الزراعيين وحدهم، وكان من الممكن إنفاق تلك المبالغ على المشروعات العامة التي كان المجتمع في أمسِّ الحاجة إليها. ومن هنا تكمن مسئولية كبار المُلَّاك في تكريس التخلف في مصر إلى حدٍّ كبير، حيث أهدروا طاقة الدولة في حلِّ مشاكلهم الخاصة بدلًا من التصدي لحلِّ المشاكل العامة، هذا فضلًا عمَّا أصاب صغار الفلاحين من أضرارٍ بالغةٍ بسبب هذه الديون.

•••

لقد كانت علاقة كبار المُلَّاك بالفلاحين تحكمها أشكال الإيجار المختلفة التي كانت سائدةً في البلاد خلال الفترة، أيْ إن العلاقة كانت تعاقديةً تتم في إطار التقاليد والعُرف السائد وقوانين ونُظم العقود الإيجارية التي وفرت نصوصُها الحمايةَ لمصالح المُلَّاك دون المستأجر. وقد حرص المُلَّاك على ألَّا تتدخل الحكومة في تحديد العلاقة بينهم وبين المستأجرين بأيِّ حالٍ من الأحوال، ويتفق ذلك مع نظرة المُلَّاك إلى الحكومة كسُلطةٍ مركزيةٍ يقتصر دورها على حماية مصالحهم والدفاع عنها. وإذا كانت الحكومة قد تجاوزت هذا الدور أحيانًا فتدخلت لمعالجة الأزمة الاقتصادية، فقد كان ذلك بطلبٍ من المُلَّاك أنفسهم حمايةً لمصالحهم التي جاءت سياسةُ الحكومة في معظم الأحوال تعبيرًا عنها.

ولا غرابة في ذلك؛ فالحكومة التي تمثل السُّلطة التنفيذية، كانت تعبِّر عن مصالح كبار المُلَّاك باعتبارهم أصحاب المصالح الزراعية التي تمثل المصدر الأساسي للثروة القومية، هذا فضلًا عن احتلال كبار المُلَّاك معظم المناصب الكبرى التي تطلق يدهم في صناعة القرار المناسب لمصالحهم، ولم يكُن يغلُّ يد الحكومة عن توفير الحياة الكاملة لتلك المصالح سوى وجود الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة، وتجلَّى ذلك بوضوح عند معالجة قضية الديون العقارية التي عجزت الحكومة عن حلِّها جذريًّا لصالح الثروة القومية التي كانت مهدَّدةً بالضياع، ولهذا فكل ما استطاعت الحكومة أن تفعله هو تسوية المشاكل التي تتصل بالمصالح الأجنبية عن طريق التراضي والتوفيق، ويمكننا تصور حركة الحكومة في هذا الاتجاه، التي استمرت حتى انتهاء دور المحاكم المختلطة عمليًّا عام ١٩٤٩م.

١  محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، ج١، ص١٧١.
٢  Edwin de Leon: Op. Cit., pp. 211–215.
٣  محمد رشيد رضا، المرجع السابق، ص١٧١.
٤  فيليب جلاد، قاموس الإدارة والقضاء، ج٣، ص٢٩٠.
٥  المصدر السابق، نفس المجلد، ص٢٨٥.
٦  المحروسة ٥ / ١٢ / ١٨٨١م.
٧  Baer, G.: Studies in the Social History of Modern Egypt, Chicago 1909, pp. 99–101.
٨  المحروسة، ١٩ / ٥ / ١٨٨١م.
٩  مضابط شورى القوانين، جلسة ٢٦ / ٢ / ١٨٨٧م.
١٠  فيليب جلاد، المرجع السابق، ج٣، ص٢٩٨.
١١  تقرير ناظر الأشغال العمومية عن أعمال العونة في عام ١٨٩٣م، المصدر السابق، ج٦، ص٩٠.
١٢  تقرير ناظر الأشغال العمومية من أعمال العونة عام ١٨٩٦م (الزراعة، ٤ / ٩ / ١٨٩٧م).
١٣  روتشتيتن، تاريخ المسألة المصرية ١٨٧٥–١٩١٠م، ترجمة العبادي وبدران، ط٢، القاهرة ١٩٣٦م، ص٢٨٠.
١٤  Arminjon, P.: La Situation Economique et Finan ciere de L’Egypte, p. 172.
١٥  الفِلاحة المصرية، مجلة شهرية يناير ١٨٩٨م.
١٦  مجلة اتحاد مُزارعي القُطر المصري، عدد ٢٠ / ١١ / ١٩٠١م.
١٧  الفِلاحة المصرية، نفس العدد السابق.
١٨  مجلة اتحاد مُزارعي القُطر المصري، نفس العدد السابق.
١٩  يوسف نحاس، الفلاح؛ حالته الاقتصادية والاجتماعية، ص١١١.
٢٠  الفِلاحة المصرية، عدد فبراير ١٨٩٨م.
٢١  Arminjon, P: Op. Cit., p. 172.
٢٢  عبد الحكيم الرفاعي، المصدر السابق، ص١٩٨. انظر أيضًا: حسن سعد شديد، طرق استغلال الأراضي الزراعية (المجلة الزراعية المصرية، يناير، فبراير، ومارس ١٩٤٣م).
٢٣  عبد النبي غنام، المصدر السابق، ص١٢٧.
٢٤  نفسه، ص٦١.
٢٥  جمال الدين محمد سعيد، اقتصاديات مصر، ص١٣٢.
٢٦  محمد السعيد محمد، المصدر السابق، ص١١٨.
٢٧  عبد الحليم إلياس نصير، نظام ضرائب الأطيان (بحث مقدَّم للمؤتمر الزراعي الأول ١٩٣٦م).
٢٨  أحمد حسين، أساس التشريع الذي ينظم العلاقة بين مُلَّاك الأراضي ومستأجريها (بحث مقدَّم للمؤتمر الزراعي الثالث ١٩٤٩م).
٢٩  محمد السعيد محمد، المصدر السابق، ص١٠٨.
٣٠  أحمد حسين، نفس المصدر السابق.
٣١  محمد السعيد محمد، المصدر السابق، ص١٠٩، ١١٠. انظر أيضًا: مريت غالي، المصدر السابق، ص٧٣–٧٦. وأيضًا: أحمد علي، المصدر السابق، ص٤. ومحمد فهمي لهيطة، المصدر السابق، ص٤١٢.
٣٢  عبد الغني غنام، المصدر السابق، ص٢٦.
٣٣  عبد الحكيم الرفاعي، المصدر السابق، ص٢٠٠. انظر أيضًا: عبد الغني غنام، المصدر السابق، ص٤٤.
٣٤  أحمد عبد الوهاب باشا (وكيل وزارة الزراعة)، مذكرة بشأن إقرار الحكومة لسياسة قطنية مستديمة، ص٦-٧.
٣٥  محمد السعيد محمد، المصدر السابق، ص١١٢.
٣٦  حسن سعد شديد، المصدر السابق.
٣٧  عبد الغني غنام، المصدر السابق، ص١٣٠. انظر أيضًا:
F.O 371/4979/8076, Memo by Brigadier General Sir O. Thomas M. P. to Milner’s Mission on “Agricultural and Economic Position of Egypt”.
٣٨  حسن سعد شديد، المصدر السابق.
٣٩  عبد الغني غنام، المصدر السابق، ص٣١٧.
٤٠  إبراهيم رشاد، علاقة صاحب الأرض بمستأجرها (مشروع مقدَّم لوزارة الشئون الاجتماعية)، المقطم، ٢ / ٦ / ١٩٥٢م.
٤١  محمد السعيد محمد، المصدر السابق، ص١١٥.
٤٢  حسن سعد شديد، المصدر السابق، عبد الغني غنام، المصدر السابق، ص١٣٣.
٤٣  إبراهيم رشاد، المصدر السابق.
٤٤  محمد السعيد محمد، المصدر السابق، ص١١٦.
٤٥  يوسف نحاس، المرجع السابق، ص١٠٨.
٤٦  الفِلاحة المصرية، عدد فبراير ١٨٩٨م.
٤٧  يوسف نحاس، المرجع السابق، ص١٨٠.
٤٨  الفِلاحة المصرية، عدد فبراير ١٨٩٨م.
٤٩  عبد الغني غنام، المصدر السابق، ص١٣٥-١٣٦، ١٣٩–١٥٠، جمال الدين محمد سعيد، التطور الاقتصادي في مصر منذ الكساد العالمي الكبير، ص١٢٧.
٥٠  عبد الغني غنام، المصدر السابق، ص١٣٤.
٥١  أمين سامي، المصدر السابق، ١٣٣؛ مضابط مجلس النواب، جلسة ٣٠ / ٦ / ١٩٣٠م.
٥٢  إبراهيم عامر، الأرض والفلاح، ص١٠٦. وكان يوسف وروز سمعان صيدناوي، وإلياس سليم صيدناوي يؤجِّران ٣٧٣ فدَّانًا وخمسة قراريط إلى ٧٦ مستأجرًا، تراوحت مساحة القِطَع المؤجَّرة بين ١–١٢ فدَّانًا، وبلغت القيمة الإيجارية حوالي ١٠٩١٠ جنيهات في عام ١٩٥٢م (حافظة عقود إيجار، ملف يوسف سمعان صيدناوي، الهيئة العامة للإصلاح الزراعي).
٥٣  المقطم، ٧ / ١ / ١٩٢٣م.
٥٤  هنري عيروط، المصدر السابق، ص٣٩.
٥٥  جاء في محاكمة فؤاد سراج الدين أن وكيل دائرة عبد العزيز البدراوي عاشور ذهب إلى ثلاثةٍ من المستأجرين وأخذ الإيجار بطريقةٍ استفزازية، حتى إنه أخذ أقراط النساء وباعها، فسبَّه أحد المستأجرين، فاشتكاه وكيل الدائرة إلى نقطة بوليس نبروه، حيث قام بعض الضباط والجنود بالقبض على المستأجرين الثلاثة، وضربوهم بالعِصيِّ الغليظة، فتجمهر الأهالي وأطلق البوليس النار في الهواء، فما كان من عبد العزيز البدراوي إلا أن أطلق الرصاص على الفلاحين فقتل أحدهم (مضبطة محاكمة فؤاد سراج الدين، جلسة ١٧ / ١ / ١٩٥٤م، مصلحة الاستعلامات).
٥٦  علي فكري، مقال بعنوان «ما أشدَّ ظلم الفلاح»، المقطم ٢ / ١ / ١٩٣٤م.
٥٧  مضابط جلسات مجلس النواب، مارس–يونيو ١٩٣٣م.
٥٨  Egypt No. 1 (1900), p. 5.
٥٩  نشرت جريدة العلم — الناطقة بلسان الحزب الوطني — دراسةً دقيقةً لمشكلة الديون بمناسبة اعتزام الحكومة إصدار «قانون الخمسة أفدنة»، وكتب الدراسة المحرر الاقتصادي للجريدة، وظهرت أجزاء الدراسة أسبوعيًّا في الفترة من ٧ يوليو–١٧ أكتوبر ١٩١٢م؛ وهي دراسة تحليلية دقيقة تعتمد على عدد وفير من الإحصائيات الرسمية التي استقاها صاحب الدراسة من واقع ميزانيات البنوك وشركات الرهن العقاري.
٦٠  كانت القروض — عادةً — تعادل نصف قيمة الأرض المرهونة (انظر: Egypt No. 1, 1904, p, 13).
٦١  كان هناك تحالفٌ يجمع بين بنوك وشركات الرهن العقاري، يقضي بتوحيد نظام الإقراض وبعدم قبول أيِّ بنك من البنوك المتحالفة عميل الآخر، ويسَّر سبيل تنفيذ هذا التحالف أن عددًا من أعضاء مجلس إدارة البنك العقاري المصري كانوا أعضاء في مجلس إدارة بنك الأراضي وبنك كاسل، وهي المؤسسات المالية الرئيسية التي كانت تسيطر على سوق الائتمان العقاري في البلاد (انظر: الجريدة، عدد ٢٦ / ١ / ١٩١٠م).
٦٢  المحروسة، ٢ / ١٢ / ١٨٨١م.
٦٣  الأهالي، ٧ / ١ / ١٨٩٥م.
٦٤  الزراعة، ٢٤ / ١ / ١٨٩٦م.
٦٥  Egypt No. 1 (1900), p. 5.
٦٦  المؤيد، ٨ / ٧ / ١٩٠٢م.
٦٧  Crouchley: The Investment of Forgeign Capital, p. 54.
٦٨  Egypt No. 1 (1910), p. 5.
٦٩  Crouchley: Op. Cit., p. 55.
٧٠  Egypt No. 1 (1910), p. 12.
٧١  Crouchley: Op. Cit., p. 67.
٧٢  بلغ عدد الجمعيات التعاونية الزراعية التي كانت موجودةً بمصر حتى عام ١٩١٩م، عشر جمعيات كانت موزَّعةً على عشر من قُرى مديريات الغربية والدقهلية والجيزة والقليوبية، وبلغ عدد أعضاءها ١٨٦٨ عضوًا، وجملة رأسمالها ٩٠٣٥٠ جنيهًا مصريًّا (انظر: مليكة عريان، مركز مصر الاقتصادي، ص٤٢).
٧٣  نقابة كوم النور وكفر الدليل الزراعية؛ تقرير سنوي عن عام ١٩١١م مُقدَّم لجمعية النقابة العمومية يوم ١٥ / ٢ / ١٩١٢م.
٧٤  المؤيد، ٧ / ١٢ / ١٩١٠م.
٧٥  Hussein Ali El-Rafai: La Question Agraire en Egypt.
٧٦  القانون رقم ٣١ لسنة ١٩١٢م، مذكورًا في أحمد محمد حسن وآخر، المرجع السابق، ص١٤١. وانظر أيضًا: أحمد قمحة، شرح قانون الخمسة أفدنة، القاهرة ١٩١٣م، ص١٣ وما بعدها.
٧٧  القانون رقم ٤ لسنة ١٩١٣م، مذكورًا في أحمد محمد حسن وآخر، المرجع السابق، ص١٤٢.
٧٨  العلم، الدراسة الخاصة بالديون العقارية، ٢١ / ٧ / ١٩١٢م.
٧٩  Lloyd: Egypt Since Cromer, vol. 1, London 1933, p. 140.
٨٠  مضابط شورى القوانين، جلسة ٣٢ / ١ / ١٩١٣م.
٨١  Crouchley: Op. Cit., p. 68.
٨٢  عريضة مرفوعة من بعض فلاحي قرية السدِّ، مركز قليوب، إلى الجمعية التشريعية؛ يطالبون فيها بإلغاء قانون الخمسة أفدنة (انظر: مضابط الجمعية التشريعية، جلسة ٦ / ٥ / ١٩١٤م).
٨٣  Gabra, Sami, Ecquisse de L’histoire Economique et Politique de La Propriete Fonciere en Egypte, Bordeux 1919, pp. 120-121.
٨٤  عبد الرحمن الرافعي، محمد فريد، ٣٦٠-٣٦١.
٨٥  Lloyd: Op. Cit., p. 149.
٨٦  مضابط الجمعية التشريعية، ١١ / ٢، ٢٢ / ٤، ١٠، ١٦ / ٦ / ١٩١٤م.
٨٧  عبد الرحمن الرافعي، المرجع السابق، ص٣٦٢.
٨٨  Baer, G: Op. Cit., p. 105.
٨٩  Ibid., pp. 102, 107.
انظر أيضًا: عزيز خانكي، معجزة من معجزات الإصلاح الزراعي، ص١، حيث يذكر أن مسيو أفيجدور — كبير المفتشين بالبنك العقاري المصري — تولَّى إدارة ١٥٠ عزبة، بلغت مساحتها ٣٠ ألف فدَّان، وقيمتها ٥٠٢٠٠٠٠٠٠ جنيه، وهي الأراضي التي عجز أصحابها عن سداد ديونهم.
٩٠  هذه الحالات مأخوذة من مكلفات الأطيان الزراعية بالمنيا والفيوم والجيزة وبني سويف وأسيوط والشرقية، دار المحفوظات المصرية بالقاهرة.
٩١  المقطم، ٨ / ٤ / ١٩١٥م، ٢٥ / ٦ / ١٩٣١م، ١٢-١٣ / ٩ / ١٩٣١م.
٩٢  المقطم، ٢٤ / ٤ / ١٩١٥م، الأهالي، ٧ / ٣ / ١٩١٥م.
٩٣  المقطم، ٥ / ٢ / ١٩١٦م، الأهالي ١٢ / ٢ / ١٩١٦م.
٩٤  المقطم، ٢٦ / ٥ / ١٩١٦م.
٩٥  المقطم، ١٣ / ٨ / ١٩٣١م.
٩٦  جمال الدين محمد سعيد، المرجع السابق، ص٦٨-٦٩.
٩٧  أحمد علي المرجع السابق، ص٨.
٩٨  المقطم، ١٤ / ١٠ / ١٩٣٢م، يوسف نحاس، المرجع السابق، ٢٤٧.
٩٩  راجع المناقشات في مضابط مجلس النواب، مايو–يوليو ١٩٣٢م، ٣ / ١ / ١٩٣٣م؛ المقطم ٢١ / ١٠ / ١٩٣٢م؛ مذكرة وزارة المالية إلى مجلس الوزراء في ٨ / ١٢ / ١٩٣٢م بشأن الديون العقارية، مضابط مجلس النواب، جلسة ٢١ / ٢ / ١٩٣٣م.
١٠٠  مضابط مجلس النواب، جلسة ٢١ / ٢ / ١٩٣٣م.
١٠١  مضابط مجلس النواب، جلسات ٨ / ٣ / ١٩٣٣م، ٢٧ / ٥ / ١٩٣٣م.
١٠٢  انظر على سبيل المثال: مضابط مجلس النواب، جلسات ١٥ / ٢، ٥ / ٦ / ١٩٣٣م، وكذلك جلسة ٢١ / ٥ / ١٩٣٤م التي قدَّم فيها إبراهيم دسوقي أباظة، ومعه ٤٤ نائبًا، استجوابًا للحكومة. وانظر أيضًا: جلسة ١٣ / ٦ / ١٩٣٤م؛ تفاصيل تقرير لجنة المالية.
١٠٣  يوسف نحاس، المرجع السابق، ص٢٥٥.
١٠٤  انظر: نص البيان في المقطم، ١٢ / ٨ / ١٩٣٥م.
١٠٥  انظر: مضابط مجلس النواب، جلسة ٨ / ٧ / ١٩٣٦م، ونصَّ بيان وزارة المالية عن تسوية الديون العقارية في المقطم، ٣ / ٥ / ١٩٤٠م.
١٠٦  للمزيد من التفاصيل راجع: Baer, G.: Op. Cit., p. 110.
١٠٧  الأهرام، ١٤ / ١، ٥ / ٤، ٧ / ٦، ١٢ / ١٠ / ١٩٥٤م.
١٠٨  مجلة المصور، ١٧ / ٤ / ١٩٤٢م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤