الفصل السادس

كبار المُلَّاك في الحياة السياسية

لم يكُن كبار مُلَّاك الأراضي الزراعية أصحاب مصالح اقتصادية فقط يدافعون عنها بمختلف الطرق والوسائل — كما رأينا — بل إن ملكياتهم هذه جعلت لهم مكانةً اجتماعيةً بين الناس وساعدتهم أيضًا على الارتباط بالحياة السياسية في أشكالها وسُلطاتها المختلفة من تشريعية وتنفيذية، بحيث جاء وجودهم في الهيئات السياسية من برلمانية وحزبية وحكومية تعبيرًا عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، حتى لقد أُطلق على كبار المُلَّاك هؤلاء «أصحاب المصالح الحقيقية»؛ باعتبار أن الأرض الزراعية كانت مصدر الثروة الأساسي ومصدر النسبة الكبيرة لإيرادات الدولة إلى فترة طويلة.

وسوف نحاول في هذا الفصل التعرف على نسبة وجود كبار المُلَّاك في الهيئات التشريعية المختلفة، بما فيها مجالس المديريات باعتبارها سُلطاتٍ إقليميةً لها دورٌ تشريعي، ثم التعرف على نسبتهم في السُّلطة التنفيذية (نظارات، وزارات، مديرو أقاليم … إلخ). ننتقل بعدها إلى التعرف عليهم في التجمعات السياسية الحزبية التي شهدها المجتمع المصري خلال الفترة، حتى يصبح في إمكاننا تحديد الدور الذي لعبوه في الحياة السياسية.

والحقيقة أنه قبل ١٨٣٧–١٨٧١م، أيْ قبل أن تستقر حقوق الملكية الفردية للأرض الزراعية، لا يمكن الحديث عن طبقة كبار مُلَّاك أراضٍ زراعية، وإنما يمكن الحديث عن طبقة من المنتفعين بالأرض (حيازة) يمثلون قوةً اجتماعيةً في الريف المصري، ولكن عندما استقرت قوانين الملكية الفردية بشكل نهائي في ١٨٩١م، يصبح بالإمكان الحديث عن طبقة مُلَّاك أراضٍ زراعية، يأتي على رأسها صفوة كبار المُلَّاك الذين قاموا بدور أساسي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حتى صدور قانون الإصلاح الزراعي في سبتمبر ١٩٥٢م مع ثورة يوليو، ثم قيامهم بدور غير مباشر في الفترة التالية.

وبصرف النظر عمَّا إذا كان هؤلاء المُلَّاك يشكلون طبقة مُلَّاك أرض بالمعنى القانوني أو طبقة منتفعين، فقد كانوا يمثلون نخبةً اجتماعيةً اعتمد عليها الحاكم واعتمدت عليه في تحقيق أهداف مشتركة أو أهداف خاصة، سواء كان هذا الحاكم من أُسرة محمد علي، أو كان المعتمد البريطاني بعد ١٨٨٢م، أو كان الحكم مطلقًا فرديًّا أو كان دستوريًّا، لأنهم في التحليل الأخير كانوا يمثلون أركان السياسة العامة في البلاد.

لم تكُن ثمة أهميةٌ تُذكر للمجالس التي أُنشِئت في عهد محمد علي لاستطلاع الرأي في الشئون العامة للبلاد، وقد أسَّس أول هذه المجالس في عام ١٨٢٤م تحت اسم «مجلس شورى الخديو»، وكان يضمُّ الأغوات (الضباط)، والأفندية مأموري الأقاليم البحرية والقبلية، ثم ضمَّ إليه — في العام التالي — بعض مشايخ القُرى، فاختير من كل قريةٍ شيخان، ثم أُعيدَ تنظيمُ المجلس في عام ١٨٢٩م تحت اسم «مجلس المشورة الملكية»، فأصبح مكونًا من ١٥٧ عضوًا، منهم ٥٨ مُعيَّنون، وهم الأغوات والمأمورون أعضاء المجلس القديم، ثم جميع حكام الأقاليم القبلية والبحرية، ونظَّار الدواوين، ونقيب الأشراف، وأربعةٌ من كبار العلماء من كل مذهب، و٩٩ عضوًا من مشايخ القُرى. غير أن هذا المجلس كان محدود السُّلطات، فلم يكُن ينعقد إلا مرةً واحدةً في كل عام، وكانت آراؤه استشاريةً لا يعتدُّ بها إلا إذا صادفت هوًى في نفْس محمد علي.١

وعندما تولَّى إسماعيل الحكم (١٨٦٣–١٨٧٩م) أتاح لأعيان المصريين فرصة تولي بعض المناصب الإدارية المهمة، ورأى أن يستكمل شكل الدولة الحديثة بإقامة مجلس نيابي يشترك فيه الأعيان في مناقشة الأمور الداخلية بصورة منظمة، وفي إطار محدود، لا يمسُّ جوهر الحكم المطلق.

ولم تكُن الحياة النيابيَّة — على هذا النحو — وليدة تطور طبيعي نتيجة الصراع بين الجماهير والسُّلطة المطلقة بغرض الحصول على حقِّ المشاركة في السُّلطة، وتقييد الحكم بقيود دستورية تحفظ للأمة حقوقها، وتحدِّد التزامات الحاكم إزاء شعبه — كما هو الحال بالنسبة للظروف التي أدَّت إلى قيام نُظم نيابيَّة في دول أوروبا — وإنما كان قيام مجلس شورى النواب، بمثابة منحة من الخديو، وهو أمرٌ قد يبدو غريبًا في بابه، وخاصةً أن أعيان البلاد لم يعتادوا — حتى ذلك الحين — أن يرفعوا إصبعًا في وجه الحاكم، وأن الحركة الوطنية لم تكُن قد تبلورت بالشكل الذي يُهيِّئ الأذهان للحكم النيابي.

وعلى هذا يبدو أن الدافع الحقيقي الذي جعل الخديو إسماعيل يُقدِم على تلك الخطوة، يرجع إلى رغبته في الاستناد إلى قوةٍ في تنفيذ ما يعنُّ له إصداره من قرارات،٢ وخاصةً أن هؤلاء الأعيان كانوا (زعماء) الفلاحين — سواد الشعب — فإذا أشركهم الخديو في تقرير سياسته المالية، كان من السهل أن تنفذ هذه السياسة دون معارضة.
ومن ثَم كان إنشاء «مجلس شورى النواب» في أكتوبر ١٨٦٦م، وتشكيله وفقًا للائحة خاصة صدر بها أمرٌ من الخديو ليتولى النظر في «المنافع الداخلية والمسائل التي تراها الحكومة من خصائص المجلس»، ويُدلي المجلس برأيه فيما يعرض عليه من أمور، ثم يبلغ ما استقر عليه الرأي إلى «المجلس الخصوصي»، ثم إلى الخديو الذي له وحده حقُّ الموافقة على رأي المجلس أو رفضه (بند ٢ من اللائحة الأساسية).٣
ويتضح من ذلك أن الحكومة لم تحدِّد اختصاصات المجلس بشكلٍ واضح، وأبقت لنفسها حقَّ عرض ما تشاء من المسائل عليه، دون أن تتقيد بإعطاء المجلس حقَّ النظر في مسائل بعينها، وجعلت سُلطة رئيس المجلس — الذي كان يعينه الخديو من بين كبار الذوات الأتراك — مطلقةً في إدارة دفَّة العمل بالمجلس، فهو يتابع مواظبة الأعضاء على حضور الجلسات ويعاقب مَن يتخلف عن حضورها (بند ١٢–١٥)، وله حقُّ عقد الجلسات وقتما يشاء، وتأجيلها وقتما أراد، حتى ولو كان عدد الأعضاء كاملًا (بند ٣٠)، وخضع المجلس لإشراف نظارة الداخلية، فكان لا بدَّ من الحصول على موافقتها على المداولة في المقترحات التي يتقدم بها الأعضاء (بند ١٥)، وكانت القرارات التي يتخذها الخديو في أمر من أمور البلاد الداخلية تُتلى بالمجلس، وتُعتبر نافذةً وغير قابلة للمناقشة (بند ٤٤).٤ وبذلك كان مجلس شورى النواب أقرب إلى الهيئات الإدارية منه إلى الهيئات النيابيَّة.
وكان المجلس يتكون من ٧٥ عضوًا (بند ١٠)، ينتخبون لمدَّة ثلاث سنوات (بند ٩)، واشترط في الناخب ألَّا تقلَّ سنُّه عن ٢٥ عامًا، وأن يكون من «أولاد الوطن» (بند ٢)، وأن «لا يكون من الأشخاص الذين حُكم على أموالهم وأملاكهم بأحكام الإفلاس …» أو «يكون من الفقراء، أو أن يكون قد صدر ضدَّه حكمٌ يخلُّ بالشرف» (بند ٣)، وخُصِّصَت ستة مقاعد لنواب القاهرة والإسكندرية وبعض الثغور والمُدن الأخرى (بند ٦).٥ أمَّا بقية المقاعد فقد خُصِّصَت لنواب الأقاليم الذين تم انتخابهم بواسطة مشايخ القُرى الذين كانوا يجتمعون بالمركز لانتخاب نائب القسم من بينهم (بند ٧)، ومن ثَم كانت غالبية أعضاء المجلس من العُمَد والأعيان، الذين كانوا يمثلون — في نفس الوقت — المصالح الزراعية الواسعة باعتبارهم من كبار المُزارعين في الأقاليم التي يمثلونها. ولمَّا كان الأعيان يشكلون الزعامات التقليدية للريف، فإن الحكومة تكسب من وراء إشراكهم في تقرير سياستها تأييد جماهير الفلاحين لها، ولكنها تضع من الضوابط والقيود ما يحُول دون تحول مجلس شورى النواب إلى هيئة نيابيَّة دستورية، لذلك صرف أعضاء المجلس معظم جهدهم إلى المسائل التي كانت تتعلق بالمجتمع الريفي كالريِّ والزراعة وحيازة الأطيان.٦

ولكن أعيان البلاد الذين لم يخرجوا عن الإطار الذي حدَّدته لهم الحكومة طوال السنوات التي شهدت بداية انطلاق الحياة السياسية، منذ أُنشِئ مجلس الشورى في عام ١٨٦٦م حتى عام ١٨٧٦م، والذين لم يتجاوز اهتمامُهم بالحياة العامة حدودَ المصالح المتعلقة بالزراعة، ما لبثوا أن تجاوزوا حدود الإطار الذي فُرض عليهم، وبدءوا يلعبون دورًا بارزًا في الحياة السياسية للبلاد.

وكانت الظروف التي مرت بها البلاد آنذاك وراء هذا التطور الذي طرأ على موقف الأعيان، فقد ازدادت وطأة التدخل الأجنبي في شئون البلاد بحُجَّة حماية مصالح الدائنين، وبدأ يتحول إلى وصاية أجنبية على الشئون المالية للبلاد، تمثلت في صندوق الدَّين والمراقبة الثنائية، ثم المحاكم المختلطة. وبالغت الحكومة في جباية الضرائب في وقتٍ بلغت فيه أحوال الفلاحين حدًّا كبيرًا من السوء، ولعبت الصحافة دورًا هامًّا في تنوير الأذهان من خلال المقالات التي كانت تُنشر بأقلام تلاميذ جمال الدين الأفغاني وغيرهم من الكتَّاب المصريين والسوريين، كما أن بعض ضباط الجيش وبعض أعضاء مجلس شورى النواب التحقوا بالمحافل الماسونية، وتبادلوا الأفكار بشكلٍ أدَّى إلى خَلق نوع من الروابط بينهم كانت نواةً لنشوء «الحزب الوطني المصري»،٧ ونبَّه إعلان الدستور في الدولة العثمانية (١٨٧٦م) الأفكار إلى حقوق الشعب، كما انتهزت الصحافة فرصة الحرب بين الترك والصرب (١٨٧٦م)، ثم بين الترك والروس (١٨٧٧م)، لتتحدث عن مطامع أوروبا في الشرق وتحذِّر المصريين من مطامع المستعمرين. وأدَّى ذلك كله إلى نمو الروح الوطنية، وتكوُّن رأي عام بين الصفوة الممتازة من المثقفين والأعيان، كان له انعكاساته على الحياة السياسية.٨

وكانت بداية المعارضة داخل مجلس شورى النواب أثناء دور انعقاد ١٨٧٦م، بسبب قلق المنتفعين من حقيقة العمل بقانون المقابلة، وزادت حدَّة المعارضة السياسية داخل مجلس شورى النواب في عام ١٨٧٨م الذي بلغ فيه الضغط الأوروبي — السياسي والاقتصادي — ذروته، فأرغم الخديو على التخلي عن بعض سُلطاته لمجلس وزراء أُنشِئ لأول مرة برئاسة نوبار باشا (٢٨ أغسطس ١٨٧٨م)، ومثلت فيه المصالح الأوروبية بوزيرَين، أحدهما إنجليزي للمالية والآخر فرنسي للأشغال.

وتآزرت مختلف القُوى الاجتماعية للتخلص من وزارة نوبار (التي عُرفت بالوزارة الأوروبية)، والحدِّ من التدخل في شئون البلاد، وقد شجع إسماعيل الأعيان على معارضة الحكومة، وأدَّى ذلك إلى زيادة ثقة أعضاء مجلس شورى النواب بأنفسهم، وإحساسهم بالمسئولية المُلقاة على عاتقهم.٩
وبلغت ثقة الأعيان بأنفسهم حدَّ الاحتجاج على الحكومة لإصدارها قرارًا يقضي بأن تتولى لجنة التحقيق العليا وضع لوائح أو نُظم لجميع الجهات التي تعدُّ موضع اهتمامها، وذلك دون الرجوع إلى المجلس في موضوع القرار، ونعى الأعضاء على رئيس النظَّار تخطيه للمجلس، ورأوا ضرورة استدعائه لبحث الأمر معه، وشكَّلوا لجنةً من عشرة أعضاء لدراسة هذا الموضوع من الجهة القانونية.١٠
وحضر نوبار أمام المجلس بجلسة ٢٢ يناير ١٨٧٩م، وأدلى ببيان غامض، ذكر فيه أن هذه المسألة لا يمكن الردُّ عليها دون بحث الأمر في مجلس النظَّار، وعرض ما يسفر عنه البحث على الخديو ليأمر بما يُتَّبع في هذا الموضوع، فلم يوافق النواب على هذا الأمر، وطالبوا الحكومة بأن تعترف للمجلس بحقِّه الكامل في النظر في كل أمر من أمور البلاد.١١ وزادت حدَّة المعارضة داخل المجلس ضدَّ وزارة نوبار، وبذلك خرج الأعيان عن الإطار الذي فُرض عليهم عندما أُنشِئ مجلس شورى النواب، ولم يقنعوا بالحدود التي وُضعت على مشاركتهم في الحياة السياسية، فطالبوا بأن يكون لهم نصيبٌ في إدارة أمور البلاد، وتقييد السُّلطة المطلقة بقيود دستورية، وساعدتهم الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي كانت تمر بها البلاد في ذلك الحين على تحقيق أغراضهم.
وقد استقر رأي الأعيان والنواب والذوات والتجار والعلماء على ضرورة إسقاط الوزارة، فعقدوا اجتماعاتٍ متتاليةً لهذا الغرض، كان أهمها اجتماعًا عُقد في منزل إسماعيل راغب باشا في أوائل أبريل،١٢ اتفقوا فيه على وضع بيان يتضمن مشروع تسوية مالية يعارضون به مشروع لجنة التحقيق، يجعل البلاد قادرةً — بضمانتهم — على وفاء ديونها، والمطالبة بتأليف وزارة وطنية، وإقصاء الوزيرَين الأوروبيَّين عن منصبهما، وإعادة «المراقبة الثنائية» على مالية البلاد لتأمين حقوق الدائنين، وتقرير نظام دستوري للبلاد تكون الوزارة فيه مسئولةً أمام مجلس شورى النواب، على أن يتم تعديل لائحة المجلس بمعرفة النواب أنفسهم، وقد أطلق المجتمعون على أنفسهم اسم «الجمعية الوطنية».١٣
وعلى هذا قام إسماعيل بتكليف محمد شريف باشا بتشكيل الوزارة، وافتتحت وزارة شريف عملها بإقرار مجلس شورى النواب على استمرار الانعقاد، وقدَّمت للمجلس مشروع اللائحة الأساسية الجديدة التي أقرت مبدأ المسئولية الوزارية (مادة ٤٣)، ونصَّت على أنه من حقِّ النواب النظر في الميزانية وتقرير الضرائب وطرق وأوقات تحصيلها، بحيث لا يجوز أن تفرض ضريبةً دون موافقة المجلس (مادة ٤٥)،١٤ وبذلك أصبح الأعيان من النواب على وشك تحقيق أملهم المنشود في أن يكون لهم صوتٌ مسموعٌ في إدارة أمور البلاد.

ولكن القُوى الأوروبية لم تشأ أن تترك الموقف يفلت من يدها، فسارعت إلى التدخل لدى الباب العالي لعزل الخديو إسماعيل، وتم لها ما أرادت (٢٦ يونيو)، وخلفه ابنه محمد توفيق، ثم عطلت اجتماعات مجلس شورى النواب (٦ يوليو) بحُجَّة أن نظر اللائحة الأساسية ولائحة الانتخاب يتطلب وقتًا طويلًا، وطلب من النواب العودة إلى بلادهم، فاستجابوا للطلب دون اعتراض يذكر، مما يؤكد أنهم كانوا يعتمدون على مساندة الخديو إسماعيل لهم حين احتجُّوا على قرار تعطيل المجلس.

بدأ الخديو توفيق عهده بالخضوع للضغط الأجنبي وتكريس الحكم المطلق، وتصفية المعارضة السياسية.١٥
ولم يكُن من الطبيعي أن تخمد الجذوة الوطنية التي اتقدت في نهاية حكم إسماعيل، فعمَّ السُّخط على التدخل الأجنبي في شئون البلاد، وضاق كبار المُلَّاك ذرعًا بالإجراءات الجديدة التي أصابت مصالحهم في الصميم، ووجد أعيان المصريين والذوات الأتراك في الحزب الوطني السري متنفَّسًا للتعبير عن معارضتهم للحكومة، وضمُّوا إليهم الضباط المصريين الذين تذمروا من سوء المعاملة داخل الجيش، وعدم المساواة في الحقوق بينهم وبين زملائهم الضباط الأتراك والشراكسة.١٦ وكان الأعيان من رجال الحزب الوطني — وخاصةً محمد سلطان باشا وسليمان أباظة باشا وحسن الشريعي باشا — قد أخذوا يوثقون صلتهم بالضباط، فانضمَّ زعماء حركة الجيش إلى الحزب الوطني، وبدأ التفكير في الاستفادة من الحركة في تجديد المطالبة بالحكم النيابي، فكانت مظاهرة عابدين في ٩ سبتمبر.١٧
وأسفرت المظاهرة عن إجابة مطالب الأمة بإسقاط وزارة رياض باشا، وأُسندت الوزارة إلى شريف باشا الذي تردَّد في قبولها حتى لا يقع تحت ضغط العسكريين، وانتهى الأمر بأن قدَّم بعض كبار الأعيان١٨ مذكرةً إلى شريف باشا، التمسوا فيها قبوله رئاسة النظَّار، وأنهم يضمنون ولاء الجيش للحكومة، كما قدَّموا له مذكرةً وقَّع عليها ١٦٠٠ شخص من عُمَد وأعيان البلاد، يطلبون فيها تشكيل مجلس نيابي يكون له «ما لمجالس الأمم الأوروبية المتمدِّنة من الحقوق الشرعية إزاء هيئة الحكومة»،١٩ وبذلك آزر الأعيان الجيش وأيَّدوا موقفه في المطالب التي قدَّمها باسم الأمة.
وقد تشكل مجلس شورى النواب الجديد وفق لائحة ١٨٦٦م، التي كانت تقضي بأن يتولى مشايخ القُرى اختيار المندوبين، على أن يتولى المجلس بعد انعقاده وضع نظام جديد للانتخاب يُراعَى فيه اشتراك الأهالي في اختيار النواب، وأصبح مفهومًا أنه سيكون للمجلس حرية مناقشة جميع المسائل المتعلقة بأحوال البلاد الداخلية، وعدم التعرض للمعاهدات المُبرَمة بين مصر والدول الأوروبية، ومسألة الديون وقانون التصفية.٢٠
وافتتح مجلس شورى النواب الجديد في ٢٦ ديسمبر ١٨٨١م، وكانت غالبية أعضائه من العُمَد والأعيان، بالإضافة إلى بعض التجار الذين مثلوا القاهرة والإسكندرية وبعض الثغور الأخرى، وعين محمد سلطان باشا رئيسًا للمجلس، فكان بذلك أول رئيسٍ له من أعيان المصريين بعد أن كانت رئاسته قاصرةً على الذوات الأتراك، وقد استهلَّ سلطان باشا أولى جلسات المجلس بدعوة الأعضاء إلى حفظ عهود مصر مع الدول وعلاج الأمور ﺑ «الحكمة والاعتدال والتبصر والثبات»،٢١ ولعلَّه كان يشير إلى أن مصالح الأعيان تقتضي تهدئة الموقف ومنع تصعيد الثورة إلى حدِّ الاصطدام بالدول الأجنبية صاحبة المصالح في البلاد، وهو اتجاه غلب على موقف الأعيان من الثورة العرابية.
وعرضت الحكومة على المجلس مشروع اللائحة الجديدة (في ٤ يناير ١٨٨٢م)، فتولت بحثها لجنة خاصة شُكِّلت لهذا الغرض من بين أعضاء المجلس، وأقرَّتها بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها، ولكن تدخل إنجلترا وفرنسا فيما عُرف باسم «المذكرة المشتركة» (٧ يناير)، وما أقدم عليه قنصلا الدولتَين من طلب عدم تخويل المجلس حقَّ إقرار الميزانية في مشروع اللائحة (الدستور) المقترح، أدَّى ذلك إلى وضع العراقيل أمام إقرار اللائحة الجديدة، وانتهى الأمر بتغلب وجهة نظر مجلس شورى النواب وإسقاط وزارة شريف باشا، وتشكيل وزارة الثورة برئاسة محمود سامي البارودي (٤ فبراير). ونال الأعيان مقعدًا في الوزارة الجديدة، فاختير حسن الشريعي باشا ناظرًا للأوقاف، ودخل عرابي الوزارة ناظرًا للحربية والبحرية، ثم تم إقرار اللائحة (الدستور) بعد ذلك بثلاثة أيام.٢٢
ويمثل مجلس شورى النواب في هذه المرحلة ازدياد إحساس النواب بالمسئولية المُلقاة على عاتقهم، وحرصهم على المحافظة على المصلحة العامة، فحاولوا الاستفادة من الظروف المحيطة بهم في تقنين بعض الأوضاع التي تمسُّ الحياة الاقتصادية للبلاد تجنبًا لاستبداد السُّلطة بمصالح الأهالي عامة والأعيان خاصة.٢٣
أمَّا عن الموقف السياسي فقد اختار هؤلاء الأعيان طريق المسالمة مع السُّلطة (الخديو)، وعدم الاصطدام بها، فعندما بدأت إنجلترا وفرنسا توجهان سُفنًا حربيةً إلى الإسكندرية لحماية الرعايا الأوروبيين، استغلَّ الخديو توفيق هذا الأمر في إقناع الأعيان ونواب المجلس بأن المصلحة تقتضي الاعتدال والتخلي عن مساندة الثورة والعمل على تدعيمه، وبذلك نجح في كسب سلطان باشا رئيس مجلس شورى النواب ومجموعة الأعيان إلى صفِّه،٢٤ وذلك بعدما رأى الأعيان أن الاستمرار في مساندة الثورة قد يعرِّض مصالحهم للخطر، خاصةً وأن بعض خطباء الثورة تناولوا موضوعاتٍ من شأنها أن تؤلب الفلاحين عليهم، فكثيرًا ما كان عبد الله النديم يندِّد ﺑ «الأغنياء السفهاء الذين ينفقون الذهب فيما لا يعود عليهم ولا على الوطن إلا بالفساد، ثم يمسكون أيديهم عن الفقراء ويبخلون على وطنهم بما جنوه من دم أبنائه»،٢٥ كما دعا عرابي — ذاته — إلى إزالة الظلم الاجتماعي الذي حاق بالفلاحين في الماضي، وخطب أحد الضباط في بعض فلاحي الزقازيق قائلًا لهم إن الأرض التي يمتلكها الأثرياء من حقِّهم وحدهم.٢٦ وإذا كانت هذه العبارات التي وردت على ألسنة بعض خطباء الثورة قد جمعت صفوف الفلاحين من صغار المُلَّاك والمعدمين حولها، فإنها باعدت بينها وبين الأعيان وكبار التجار، وجعلتهم يتوجسون خيفةً من مواصلة تأييدها، بينما كان الذوات خصومًا طبيعيين لها بسبب مناداتها بمبدأ «مصر للمصريين»، ومعاداتها للأتراك والشراكسة.
لذلك كان من الطبيعي أن يقف النواب والأعيان موقفًا متردِّدًا خلال حوادث الثورة العرابية، فعندما طلبت إنجلترا وفرنسا بمذكرة مشتركة (٢٥ مايو ١٨٨٢م)، استقالة وزارة البارودي لم يحتج الأعيان، وحين قدَّمت الوزارة استقالتها احتجاجًا على قبول الخديو المذكرة، لم يسندها سوى الجيش الذي تمسَّك بعرابي، وعندما طالب عرابي، في اجتماع ببيت محمد سلطان (٢٧ مايو)، بخلع الخديو لم يؤيِّده سوى العسكريين وقليل من الأعيان، وعندما ضرب الأسطول البريطاني الإسكندرية (١١ يوليو)، كان النظَّار وبعض كبار الأعيان والذوات في حماية الأسطول.٢٧
وباستثناء بعض الأعيان والعُمَد وبعض الذوات الذين أيَّدوا الثورة العرابية وقدَّموا المال والغلال للجيش، لم يتخلف عن واجب المساهمة في توفير الميرة للجيش سوى عائلات بعض الأعيان الذين عضدوا الخديو في موقفه، وجهروا بالعداء للثورة (مثل عائلتَي أباظة وسلطان)، إلى حدِّ أن عرابي كان يضطرُّ إلى الكتابة لهم مذكرًا إياهم بما عليهم من واجب نحو الوطن، ويحثُّهم على تقديم المعونات للجيش أسوةً بغيرهم من المواطنين.٢٨
ولعب بعض كبار الأعيان أمثال محمد سلطان باشا، وأحمد بك عبد الغفار (عُمدة تلا)، والسيد الفقي (عُمدة كمشيش) دورًا بارزًا في الخيانة التي أدَّت إلى هزيمة التل الكبير (١٣ سبتمبر)، فقد صاحب هؤلاء القوات البريطانية عند تقدمها من جهة قناة السويس، واتصلوا ببعض كبار الضباط وأفهموهم أن الإنجليز حضروا إلى مصر بأمر السلطان لتأييد سُلطة الخديو، وتوعدوهم بالويل إذا لم يساعدوا الغُزاة على الظفر بالجيش المصري، ووعدوا مَن يتعامل معهم بالمناصب والرُّتب الرفيعة،٢٩ فاستجاب لهم بعض الخونة من ضعاف النفوس، ومكنوا الأعداء من تحقيق نصر رخيص.

وحين زاولت «لجنة التحقيق» في حوادث الثورة نشاطها — بعد تسليم القاهرة — تنصَّل جميع العُمَد والأعيان والذوات الذين وقعوا على محضر «الجمعية العمومية» — الذي خلعوا فيه طاعة الخديو — من تصرفهم، وزعموا أنهم وقعوا تحت ضغط رجال الجيش الذين هدَّدوا مَن يمتنع عن التوقيع بالقتل.

وسارع بعض كبار الأعيان بتكوين وفد منهم قابل رياض باشا (ناظر الداخلية) — في ٢٨ سبتمبر — وأبلغوه عزمهم على تقديم هدية فاخرة من السلاح لقادة جيش الاحتلال «شكرًا لهم على إنقاذ البلاد من غوائل الفتنة العاصية»، فأذِن لهم في ذلك.٣٠

وبذلك يتضح أن كثيرًا من كبار الأعيان بادروا بطعن الثورة العرابية في ظهرها، حين أيقنوا أن الاحتلال واقعٌ لا محالة بحكم تفوق القوات البريطانية على الجيش المصري في العتاد والعُدَّة والتنظيم، وتردُّد الدولة العثمانية في التدخل، وانضمام الخديو وكبار الذوات إلى الإنجليز. وكان على الأعيان أن يحدِّدوا موقفهم، فاختاروا الجانب الأقوى الذي يضمن لهم المحافظة على مصالحهم، والتزموا حدود الإطار الذي وضعه لهم الاحتلال البريطاني.

وهكذا سارت طبقة كبار المُلَّاك الزراعيين — بمختلف عناصرها من الأعيان والذوات والأجانب — في رِكاب الاحتلال الذي دعم وجوده في البلاد عن طريق إقامة نوع من التوازن بين مختلف القُوى الاجتماعية، وحرص على أن يظلَّ هذا التوازن قائمًا ليتمكن من أن يلعب دور الحكم بين بعضها البعض، فلم يكُن يسمح لإحدى تلك القُوى بأن تحيد عن الخط الذي رُسم لها، أو أن تتحد مع بعضها البعض في عمل موجَّه ضدَّ الاحتلال.٣١
ولم تتجه سُلطات الاحتلال إلى إشراك الأعيان في الحكم — بصورة إيجابية — إلا في وقت متأخر، واكتفت بما أُعطيَ لهم في القانون الأساسي الصادر في أول مايو ١٨٨٣م، الذي نصَّ على أن تكون هناك ثلاث هيئات نيابيَّة هي: مجالس المديريات، ومجلس شورى القوانين، والجمعية العمومية. وكانت الشروط المحدَّدة لعضوية تلك الهيئات لا تسمح إلا لكبار المُلَّاك بأن يتمتعوا بها … فبالنسبة لمجلس المديرية اشترط في المنتخب أن يكون ممَّن يدفعون ضريبةً لا تقلُّ عن خمسة آلاف قرش سنويًّا (أيْ ممَّن يملكون حوالي أربعين فدَّانًا باعتبار أن الضريبة على الفدَّان الخَراجي ١٢٨ قرشًا)، وبالنسبة لمجلس شورى القوانين اشترط ألا تقلَّ الضريبة عن ألفَي قرش سنويًّا (حوالي خمسة عشر فدَّانًا). أمَّا الجمعية العمومية فإنها تتكون من جميع أعضاء مجلس شورى القوانين وأعضاء من مجلس المديريات والوزراء (النظَّار).٣٢
وقنع الأعيان بنصيبهم من (المشاركة) في إدارة أمور البلاد من خلال تلك المجالس، وأخذوا يلعبون دورهم في الحياة السياسية — خلال السنوات العشر الأولى من عهد الاحتلال — في حدود ما كفله لهم القانون الأساسي الصادر في ١٨٨٣م، ومن ثَم صرفوا جهودهم إلى الدفاع عن مصالحهم خاصةً ومصالح المشتغلين بالزراعة عامة، كما حرصوا على تدعيم وضعهم في المجتمع من خلال التشريعات الخاصة بتوسيع اختصاصات العُمَد.٣٣
ولكن مع بداية عهد عباس حلمي الثاني (١٨٩٢–١٩١٤م) الذي أبدى مقاومةً للاحتلال وتشجيعًا للروح الوطنية، عادت روح المعارضة إلى الظهور في مجلس شورى القوانين، وتمثل ذلك في الاعتراض على الميزانية العامة للدولة ابتداءً من ديسمبر ١٨٩٣م، وحتى تعطيل الحياة النيابيَّة عند قيام الحرب العالمية الأولى.٣٤
غير أن روح اليأس التي لحقت بالبلاد بسبب ضغط السلطات البريطانية، وتراجع المصالح المصرية في السودان أمام المصالح البريطانية بمقتضى اتفاقية الحكم الثنائي للسودان (١٨٩٩م)، وانسحاب فرنسا من قبل (عام ١٨٩٨م)، في حادثة فاشودة جنوب السودان أمام بريطانيا، فتح الطريق أمام بريطانيا للانفراد بمصر، وكانت الحركة الوطنية بزعامة مصطفى كامل تعتمد على التناقض الأنجلو فرنسي بشأن مصر، حتى إذا كان الوفاق الودِّي في عام ١٩٠٤م بين إنجلترا وفرنسا (Entente cordiale) بشأن توقف فرنسا عن مطالبة إنجلترا بالجلاء عن مصر، فقدت الحركة الوطنية مساندة فرنسا لها.
وعلى هذا أخذ الأعيان يتحيَّنون الفرص لإبداء ولائهم للاحتلال، ولم يبقَ في ميدان المعارضة سوى بعض الأعيان وأبناء الطبقة الوسطى التي بدأت تنمو مع نمو المُدن المصرية، وكانت عناصر هذه الطبقة من المثقفين الذين تعلَّموا بمصر وخارجها.٣٥
وفي أعقاب حادثة دنشواي (يونيو ١٩٠٦م) التي أثارت الرأي العام ضدَّ بريطانيا، عملت سُلطات الاحتلال على استمالة الأعيان إلى جانبها، فبدأت في إشراك المثقفين المصريين منهم في الحكم (السُّلطة التنفيذية)، وكانت المشاركة — من قبل — تقتصر على الذوات (ذوي الأصول التركية) دون غيرهم. وفي هذا الإطار عين سعد زغلول ناظرًا للمعارف (أكتوبر ١٩٠٦م)٣٦

وبدأ الأعيان وكبار المُلَّاك يعبِّرون عن مصالحهم من خلال صحيفة «الجريدة» التي تأسست في يوليو ١٩٠٧م، ثم كوَّنوا حزبًا سياسيًّا باسم «حزب الأمة» (٢١ سبتمبر ١٩٠٧م)، وتزعمه حسن باشا عبد الرازق من كبار مُلَّاك المنيا.

وعلى حين كانت معظم الأحزاب السياسية التي تكونت هذا العام تطالب بجلاء الإنجليز،٣٧ كان حزب الأمة يدعو إلى الاعتدال في مواجهة الاحتلال وعدم معاداته، ذلك أن الاستقلال — في رأي الحزب — لا يتحقق إلا بالتدريج، وأنه يحتاج إلى معدَّات تتلخص في النهوض بالتعليم والزراعة والصناعة والتجارة، وتوزيع اختصاصات مجالس المديريات ومجلس شورى القوانين والجمعية العمومية في مسائل الريِّ والقضاء والتعليم، وأن من حقِّ الأعيان، باعتبارهم رؤساء العائلات، أن يشتركوا مع الحكومة في إدارة شئون البلاد، وفي ذلك إشارة ضمنية إلى أن يقتصر حقُّ الانتخاب على الأعيان من كبار المُلَّاك.٣٨
وكان الخديو يرى أن الحكمة تقتضي تهدئة النفوس بتقرير نظام يحقِّق اشتراك الأمة مع الحكومة في إدارة أمور البلاد دون المساس بالامتيازات، لكنه لم يكُن يرضى بمنح الأمة دستورًا كاملًا.٣٩ وحاول إقناع سُلطات الاحتلال بذلك، فكوَّن وفدًا من بعض أشياعه من أعضاء مجلس شورى القوانين — برئاسة إسماعيل باشا أباظة — توجَّه إلى لندن لمقابلة إدوارد جراي (وزير الخارجية)، و«لجنة أصدقاء مصر» التي تكونت من بعض أعضاء حزب الأحرار البريطاني،٤٠ لبسط وجهة نظره في أحوال البلاد،٤١ ووصف أعضاء الوفد أنفسهم بأنهم يمثلون «العائلات الشهيرة العريقة في الوطنية ذات المصالح الحقيقية المادية في الوجهين القبلي والبحري»،٤٢ وركز الوفد مطالبه حول ضرورة توسيع سُلطات الهيئات النيابيَّة القائمة آنذاك (مجالس المديريات – مجلس شورى القوانين – الجمعية العمومية)، والأخذ بمبدأ الحكم الذاتي عن طريق إعطاء مجالس المديريات المزيد من السُّلطات، والاهتمام بترقية التعليم في جميع المدارس، وخاصةً المدارس العالية، مع استخدام اللغة العربية في التدريس، وتعيين المصريين الأكفاء في الوظائف العالية بدلًا من الاعتماد على الإنجليز في تلك الوظائف دون غيرهم.٤٣

غير أن الحكومة البريطانية لم تكُن مستعدةً — في ذلك الحين — لتغيير سياستها في مصر بالشكل الذي يتيح للمصريين الاشتراك الفعلي في إدارة أمور البلاد، ومن ثَم عاد الوفد بخُفَّي حُنَيْن، وكان معنى ذلك انتصار وجهة نظر القائلين بالتدرج في المطالبة بالحكم النيابي، وبالاعتدال في مواجهة الاحتلال.

وهكذا تم تعديل القانون الأساسي (الصادر في ١٨٨٣م) تعديلًا شكليًّا لا يغير من جوهر النظام القائم، من ذلك أن تكون جلسات مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية علنيةً، اعتبارًا من أول يونيو ١٩٠٩م، وأن يكون من حقِّ أعضاء مجلس الشورى توجيه أسئلة إلى النظَّار في المسائل ذات المصلحة العامة.٤٤ كما تم تعديل قانون مجالس المديريات (١٣ سبتمبر ١٩٠٩م)، فأصبح يمثل كل مركز عضوان بالمجلس، وأعطى المجلس سُلطة فرض ضرائب إضافية على الأطيان في حدود ٥٪ من مجموع الضرائب الأصلية للصرف منها على المنافع العامة، ومن بينها التعليم.٤٥
ورغم ذلك التعديل فقد استمرت حركة المطالبة بالدستور، واكتسبت تأييدًا شعبيًّا كبيرًا بسبب ما كانت تنشره الصحافة من مقالات وتعليقات حول أعمال مجلس شورى القوانين، ونتيجة موقف الجمعية العمومية من مسألة مدِّ امتياز قناة السويس (فبراير ١٩١٠م)، فازداد المصريون ثقةً بأنفسهم، وارتفع مدُّ المطالبة بالدستور، وقدَّم عددٌ من أعضاء الجمعية العمومية المشايعين للحزب الوطني اقتراحاتٍ بمنح الأمة مجلسًا نيابيًّا يُراعَى فيه تمثيل الأمة تمثيلًا حقيقيًّا. ودارت مناقشاتٌ بين الأعضاء حول هذه الاقتراحات؛ انتهت بانتصار وجهة نظر المطالبين بالدستور، فاتخذت الجمعية قرارًا بمطالبة الحكومة ﺑ «إيجاد مجلس ينوب عن الأمة، له رأي قطعي في إدارة أمور البلاد الداخلية من إدارية ومالية وغيرهما، وتدبير شئونها المحلية، وأن يكون رأيه تقريرًا في مشروعات القوانين واللوائح التي تُطبَّق على الأهالي، وفي تقرير الضرائب والرسوم، وليس شوريًّا، ودون المساس بالمعاهدات الدولية وغيرها من المصالح الأجنبية التي تنظمها اتفاقياتٌ دولية، مع تعديل نظام الانتخاب بشكل يكفل زيادة الأعضاء إلى حدٍّ تتحقق فيه النيابة عن الأمة بمعنى أكمل من الحالة الراهنة».٤٦

وإذا كانت الحركة الوطنية قد اتخذت من المطالبة بالدستور محورًا لنشاطها، فقد رأى الإنجليز إيجاد نظام نيابي جديد لا يغير من جوهر النظام القائم، ولكن يمتصُّ السخط على الاحتلال بالاستجابة إلى بعض المطالب الوطنية، فكان تأسيس «الجمعية التشريعية» — يوليو ١٩١٣م — التي أُدمجت فيها اختصاصات مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية.

وقد تكونت هذه الجمعية الجديدة من النظَّار (الوزراء)، وسبعة وعشرين عضوًا تُعيِّنهم الحكومة، وينتخب الأهالي ستةً وستين عضوًا. واشتُرط أيضًا في النائب أن يكون ممَّن يدفعون ضريبة أطيان خمسين جنيهًا (أيْ ممَّن يملكون حوالي ٤٠ فدَّانًا أيضًا)، أو عوائد أملاك قدرُها ٢٠ جنيهًا سنويًّا، أو ضرائب أطيان وعوائد أملاك قدرُهما معًا ٣٥ جنيهًا سنويًّا. ولهذه الشروط شغل الأعيان في الجمعية ٤٧ مقعدًا من مقاعد الأقاليم التي بلغت ٥٥ مقعدًا.٤٧ كما كان معظم المُعيَّنين من كبار المُلَّاك الذوات (الأصول التركية)، والأعيان، وشيوخ البدو.
وقد اهتمَّ كبار المُلَّاك والأعيان في الجمعية التي لم تستمر إلا فصلًا تشريعيًّا واحدًا (٢٢ يناير–١٧ يونيو ١٩١٤م) بأمور الزراعة في الغالب الأعم، مع الاهتمام بتوسيع مجال التعليم الفني الصناعي والتجاري.٤٨

وعندما خضعت مصر للحماية البريطانية في ١٨ ديسمبر ١٩١٤م، عطلت اجتماعات الجمعية إلى أجل غير مُسمَّى، وتوقفت الحياة النيابيَّة، ثم ما كان مع قيام ثورة ١٩١٩م، وإعلان تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م، وتكوين لجنة للنظر في دستور البلاد (الذي عُرف بدستور ١٩٢٣م). وقد عُرفت هذه اللجنة بلجنة وضع المبادئ العامة، وتكونت من ١٨ عضوًا؛ كان عدد كبار المُلَّاك فيها ١١ عضوًا، أيْ بنسبة ٦١٫١٪. أمَّا اللجنة العامة للدستور — التي ناقشت المبادئ العامة — فكانت تتكون من ٣٢ عضوًا؛ منهم ٢٠ من كبار المُلَّاك، أيْ بنسبة ٦٢٫١٪.

أمَّا عدد كبار المُلَّاك في الهيئات النيابيَّة التي شُكِّلت على أساس دستور ١٩٢٣م، ونسبتهم إلى مجموع النواب، فيوضحه الجدول التالي:

جدول : يوضح عدد كبار المُلَّاك بالهيئات النيابيَّة ونسبتهم إلى إجمالي النواب
الهيئة النيابيَّة تاريخها مجموع الأعضاء عدد كبار المُلَّاك
الأولى ١٥ / ٣ / ١٩٢٤–٢٤ / ١٢ / ١٩٢٤م ٢١٤ ٩٣
الثانية ٢٣ / ٣ / ١٩٢٥–٢٣ / ٣ / ١٩٢٥م ٢١٤ ٩٥
الثالثة ١٠ / ٦ / ١٩٢٦–١٩ / ٧ / ١٩٢٨م ٢١٤ ١٠٥
الرابعة ١١ / ١ / ١٩٣٠–١٢ / ٧ / ١٩٣٠م ٢٣٥ ١٠٨
الخامسة ٢٠ / ٦ / ١٩٣١–٣٠ / ١١ / ١٩٣٤م ١٥٠ ٥٨
السادسة ٢٣ / ٥ / ١٩٣٦–٢ / ٢ / ١٩٣٨م ٢٣٢ ١١٢
السابعة ١٢ / ٤ / ١٩٣٨–٧ / ٣ / ١٩٤٢م ٢٦٤ ١٣١
الثامنة ٣٠ / ٣ / ١٩٤٢–٩ / ٨ / ١٩٤٤م ٢٦٤ ٩٣
التاسعة ١٨ / ١ / ١٩٤٥–٧ / ١١ / ١٩٤٩م ٢٨٥ ١٢٣
العاشرة ١٦ / ١ / ١٩٥٠–٢٣ / ٧ / ١٩٥٢م ٣١٧ ١١٩
مصدر الجدول: تاريخ الهيئات النيابيَّة والعدد الإجمالي للنواب مستخرج من محمد خليل صبحي: تاريخ الحياة النيابيَّة في مصر من عهد محمد علي، الجزء الخامس والسادس، وكذلك جداول المنتخبين بمضابط البرلمان. أمَّا تحديد كبار المُلَّاك فيستند إلى ملفَّات الخاضعين لقانونَي الإصلاح الزراعي ١٧٨ / ١٩٥٢م، ١٢٧ / ١٩٦١م.

ويُلاحَظ من هذا الجدول أن أكبر نسبة لكبار المُلَّاك في مجلس النواب كانت في الهيئة النيابيَّة السابعة (١٢ / ٤ / ١٩٣٨–٢٧ / ٢ / ١٩٤٢م)، حيث بلغت ٥٣٫٩٪، وهي المدَّة التي حكمت فيها وزارات محمد محمود (الأحرار الدستوريون)، وعلي ماهر، وحسن صبري، وحسين سري (وهي وزارات الأقلية المؤتلفة مع أحزاب الأقلية)، تليها الهيئة النيابيَّة الثالثة (١٠ / ٦ / ١٩٢٦–١٩ / ٧ / ١٩٢٨م)، حيث بلغت ٤٩٫٧٪، وهي المدَّة التي حكمت فيها وزارات عدلي يكن، وعبد الخالق ثروت، ومصطفى النحاس.

أمَّا أقلُّ نسبة لهم فكانت في الهيئة النيابيَّة الثامنة (٣٠ / ٣ / ١٩٤٢–٩ / ٨ / ١٩٤٤م)، حيث بلغت ٣٥٪، وهي المدَّة التي حكم فيها الوفد برئاسة مصطفى النحاس خلال الحرب العالمية الثانية، تليها الهيئة النيابيَّة العاشرة (١٦ / ١ / ١٩٥٠–٢٣ / ٧/ ١٩٥٢م)، حيث بلغت نسبتهم ٣٧٪، وهي المدَّة التي حكم فيها الوفد أيضًا برئاسة مصطفى النحاس، ثم وزارات الأقلية بعد إقالة الوفد عقب حريق القاهرة واضطراب الموقف السياسي، ثم تليها الهيئة النيابيَّة الخامسة (٢٠ / ٦ / ١٩٣١–٣٠ / ١١ / ١٩٣٤م)، حيث بلغت نسبتهم ٣٨٫٢٪، وهي المدَّة التي حكم فيها إسماعيل صدقي، وعبد الفتاح يحيى استنادًا إلى دستور ١٩٣٠م، الذي كان صدقي قد أحلَّه مكان دستور ١٩٢٣م. وبصفة عامة لم يزد متوسط نسبتهم في جميع الهيئات النيابيَّة خلال الفترة عن ٤٤٫٤٪.

أمَّا عدد كبار المُلَّاك بمجلس الشيوخ ونسبتهم إلى مجموع الأعضاء فيوضحه الجدول التالي:

جدول : يوضح عدد كبار المُلَّاك بمجلس الشيوخ ونسبتهم إلى إجمالي الأعضاء
مجلس الشيوخ تاريخه مجموع الأعضاء عدد كبار المُلَّاك نسبتهم إلى المجموع
الهيئة الأولى ١٩٢٧–١٩٣٠م ١٧٨ ٨٨ ٥٠٪
الهيئة الثانية ١٩٣١–١٩٣٤م ١١١ ٥٧ ٥١٫٣٩٪
الهيئة الثالثة ١٩٣٦م ٢٩٩ ١٥١ ٥٠٪
مصدر الجدول: محمد خليل صبحي، المصدر السابق، فيما يتعلق بتاريخ مجالس الشيوخ وإجمالي الأعضاء. وملفَّات الخاضعين لقانونَي الإصلاح الزراعي ١٧٨ / ١٩٥٢م، ١٢٧ / ١٩٦١م في تحديد نسبة كبار المُلَّاك.

ويُلاحَظ من هذا الجدول أن أكبر نسبة لكبار المُلَّاك في مجلس الشيوخ كانت في الهيئة الثانية (١٩٣١–١٩٣٤م)، حيث بلغت ٥١٫٣٩٪، وهو المجلس الذي تكون على أساس دستور ١٩٣٠م، على حين كانت نسبتهم في مجلس النواب في خلال الفترة نفسها ٣٨٫٢٪.

كما يُلاحَظ أن نسبة كبار المُلَّاك في مجلس الشيوخ كانت أكبر من نسبتهم في مجلس النواب بصفةٍ عامة، ولعلَّ هذا يرجع إلى أن مجلس الشيوخ — طبقًا لمبادئ الدستور — هو الذي يراجع مشروعات القوانين التي يناقشها مجلس النواب، ويعدِّل فيها بما يتراءى له بحيث لا تصدر في النهاية إلا بعد موافقته، ومن ثَم كان تفضيلهم — فيما يبدو — لعضوية مجلس الشيوخ على عضوية مجلس النواب.

ننتقل بعد ذلك إلى التعرف على نسبة وجود كبار المُلَّاك في اللجان الداخلية بمجلس النواب في الهيئات المختلفة، والجدول التالي يوضح نسبة كبار المُلَّاك إلى مجموع أعضاء كل لجنة من هذه اللجان.

ويُلاحظ من الجدول السابق أنه لم يكُن لكبار المُلَّاك لجنة معيَّنة احتفظوا بأغلبية فيها في كل الهيئات النيابيَّة، حتى في اللجان المتصلة بشئونهم ومصالحهم الاقتصادية مباشرة، ففي لجنة الزراعة مثلًا وصلت أعلى نسبةٍ فيها إلى ٦٦٫١٤٪ في الهيئة السادسة، كما وصلت أيضًا إلى ٣٨٫٢٪ في الهيئة السابعة، وتراوحت بين ٤٥٫٥٪، ٥٧٫١٪، ٦١٪ في الهيئات الأخرى. كذلك اللجنة المالية، وصلت أعلى نسبةٍ لهم فيها إلى ٨٠٪ في الهيئة السادسة، كما وصلت إلى ٣٨٫٢٪ في الهيئة الرابعة، وتراوحت بين ٦١٪، ٥٧٪، ٤٧٪ في الهيئات الأخرى. وأيضًا لجنة الأشغال وصلت أعلى نسبةٍ لهم فيها إلى ٥٢٫٨٪ في الهيئة الأولى، كما وصلت إلى ٣٨٫٢٪ في الهيئة الرابعة، وتراوحت بين ٦١٪، ٥٧٪، ٤٧٪ في الهيئات الأخرى.

على أن أعلى متوسط نسبةٍ لهم في مختلف اللجان في كل الهيئات النيابيَّة كان في لجنة القطن والمحاصيل، حيث بلغت نسبتهم ٨٠٫٣٩٪، تليها اللجنة المالية بنسبة ٥٧٫٢٢٪، ثم لجنة الخارجية ٥٧٫٥٩٪، ثم لجنة المحاسبة ٥٧٫٧٪. أمَّا أقلُّ نسبةٍ لهم في المتوسط فكانت في اللجنة التشريعية، حيث بلغت ١٩٫٧٣٪، تليها لجنة العمال والشئون الاجتماعية ٢٤٫٨٠٪، ثم لجنة الشئون البلدية والقروية ٣٣٫١٪.

أمَّا نسبة وجود كبار المُلَّاك في اللجان الداخلية بمجلس الشيوخ في هيئاته المختلفة فكانت كما يلي:

جدول : *
هيئات الشيوخ الأولى ١٩٢٤–١٩٣٠م الثانية ١٩٣١–١٩٣٤م الثالثة ١٩٣٦م
اللجنة عدد اللجنة كبار المُلَّاك النسبة٪ عدد اللجنة كبار المُلَّاك النسبة٪ عدد اللجنة كبار المُلَّاك النسبة٪ متوسط النسبة٪
الداخلية ٩ ٦ ٦٦٫٢ ٩ ٦ ٦٦٫٢ ٩ ٦ ٦٦٫٢ ٦٦٫٢
الحربية والبحرية والطيران ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٤٤٫٤
الخارجية ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٥٥٫٥
الأوقاف والمعاهد الدينية ٩ - - ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٣٧
المالية التجارية والصناعية والجمارك ٩ ٧ ٧٧.٧(١) ١٢ ٧ ٥٨٫١(٢) ١٢ ٨ ٦٦٫٢ ٦٧٫١
الحقانية ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٤٤٫٤
الصحية ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٤٨٫٣
المعارف ٩ ٣ ٣٣٫١ ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٤٤٫١
الزراعة ٩ ٧ ٧٧٫٧ ١٢ ٧ ٥٨٫١ ٩ ٦ ٦٦٫٢ ٣٧٫١
الأشغال ٩ ٦ ٦٦٫٢ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٥٥٫٤
المواصلات ٩ ٦ ٦٦٫٢ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٥٩٫٢
المحاسبة - - - ٥ ١ ٢٠ - - - ٢٠
التجارة والصناعة - - - ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٥٥٫٥
العمال والشئون الاجتماعية - - - ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٤ ٤٤٫٤ ٤٩٫٤
الحسابات - - - - - - ٦ ١ ١٦٫٤ ١٦٫٤
الاقتراحات والعرائض ٩ ٢ ٢٢٫٢ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٩ ٥ ٥٥٫٥ ٤٤٫٤
توضيح للجدول:
(١) أصبحت لجنة المالية فقط.
(٢) أصبحت لجنة المالية والجمارك فقط – لجان أُلغيت أو استُحدثت.
ويُلاحَظ أن نسبة كبار المُلَّاك في اللجان الداخلية بمجلس الشيوخ تميزت بالثبات والاستقرار في الهيئات الثلاثة على عكس مجلس النواب، كما رأينا، وعمومًا فقد احتفظ كبار المُلَّاك بنسبةٍ كبيرةٍ حقَّقت لهم الأغلبية في الهيئات الثلاث للشيوخ في مختلف اللجان، وخاصةً اللجان التي لها صلة مباشرة بمصالحهم الاقتصادية مثل الزراعة ٦٧٫١٪، والمالية والتجارية والصناعية والجمارك ٦٧٫١٪، والداخلية ٦٦٫٢٪، والمواصلات ٥٩٫٢٪، على حين لم تكُن لهم أغلبيةٌ في اللجان الأخرى التي ليست لها صلة مباشرة بمصالحهم — فيما يبدو — مثل الأوقاف والمعاهد الدينية ٣٧٪، والحقانية والمعارف ٤٤٫١٪، والعمال والشئون الاجتماعية ٤٩٫٩٪.٤٩

ولم يهتم كبار المُلَّاك بعضوية مجلس النواب والشيوخ كسُلطة تشريعية فقط، بل اهتموا بمجالس المديريات كهيئاتٍ محليةٍ تعبِّر عن المصالح القائمة وتحميها.

وإذا لم يكُن في مقدورنا وضع نسبة تقديرية لهم في هذه المجالس خلال الفترة، إلا أن نرجح، وإن لم يكُن هذا مؤكدًا، أن غالبية عضوية مجالس المديريات كانت لكبار المُلَّاك، ذلك أن قانون المجالس اشترط فيمَن يتقدم للعضوية أن يكون ممَّن يدفعون ضريبةً لا تقلُّ عن ثلاثين جنيهًا سنويًّا (أيْ يملك ما يعادل ثلاثين فدَّانًا تقريبًا).٥٠ فإذا علمنا أن مجلس المديرية يتكون من أعضاء بعدد الدوائر الانتخابية لمجلس النواب،٥١ وأن نواحي بأكملها (وهي دوائر الانتخاب) تكاد تكون مركَّزةً في أيدي كبار المُلَّاك، أدركنا أن انتخاب أعضاء مجلس المديرية يكاد يقتصر على فئةٍ قليلةٍ جدًّا. وإذا أضفنا إلى هذا العصبية الأُسرية «العزوة»، وهي عامل هام في المكانة الاجتماعية بالقرية، علمنا أن التمتع بعضوية مجالس المديريات كان لكبار المُلَّاك حتى ولو وجد مَن يدفع ثلاثين جنيهًا سنويًّا ضريبة، لأنه لن يستطيع منافسة المالك الكبير صاحب الكلمة المسموعة، وقد يُستثنى من هذا الدوائر البعيدة عن الملكيات الكبيرة، وهي قليلة إلى حدٍّ كبير.
ولقد عبَّر عن هذه الحقيقة فخري عبد النور، حين ذكر في معرض مناقشة مشروع قانون انتخاب أعضاء مجالس المديريات، أن شروط الانتخاب تكاد تكون محصورةً في عدد قليل جدًّا يكاد معها الانتخاب أن يكون تعيينًا … في الواقع لا يوجد في بعض الدوائر إلا اثنان أو ثلاثة يدفعون ضريبةً مقدارُها ثلاثون جنيهًا.٥٢
كما أن المذكِّرة الإيضاحية لمشروع هذا القانون، أشارت إلى أن عضو مجلس المديرية «يجب أن يكون من ذوي الشأن والمصلحة فيها ومرتبطًا بها ارتباطًا وثيقًا يجعل منه شخصًا صالحًا للنظر فيما يُهمُّهم، (أيْ أهل الدائرة) من شئون الريِّ والصرف والزراعة والتعليم والصحة وغيرها، ومدركًا لحالتهم من جهة تقرير الرسوم الإضافية على ما يدفعون من الضرائب، قادرًا على تعرف مصالحهم بالدفاع عنها».٥٣
هذا إلى أن وزارة الداخلية أصرت على شرط ضريبة الثلاثين جنيهًا، كحدٍّ أدنى حين جرت محاولاتٌ من بعض النواب لتخفيضها إلى عشرة جنيهات، وإعفاء المتعلمين منها، وذكر مندوبها في معرض الدفاع عن ذلك بأن هذه الضريبة كانت في الماضي خمسةً وثلاثين جنيهًا، وفي الماضي البعيد نوعًا خمسين جنيهًا.٥٤ كل هذا يؤكد الترجيح الذي ذهبنا إليه من أن عضوية مجالس المديريات كادت تقتصر على كبار المُلَّاك.

بعد أن أوضحنا نسبة كبار المُلَّاك في مجلس النواب والشيوخ باعتبارهما السُّلطة التشريعية، ووجودهم في مجالس المديريات باعتبارها سُلطات محلية، ننتقل إلى التعرف على نسبة كبار المُلَّاك في مختلف الوزارات التي شهدتها الفترة باعتبارها سلطة تنفيذية. والحقيقة أن الوزارات قبل عام ١٩١٤م، كانت جميعها في يد صفوة كبار المُلَّاك بنسبة ١٠٠٪ من أصحاب الحيازات الكبرى المُنعَم بها عليهم من قبل الخديوية من أبعاديات وجفالك ومسموح المصاطب والمشايخ وأراضي العهد والوسايا. وكان عددها تسع وزارات؛ وهي الخارجية، والمعارف، والأوقاف، والداخلية، والأشغال العمومية، والزراعة، والحقانية التي أخذت اسم العدل، والمالية التي أخذت أسماء الاقتصاد الوطني والمالية والاقتصاد، والجهادية والبحرية التي أخذت اسم الدفاع الوطني، ثم الحربية والبحرية في كل وزارات الفترة من ٢٨ / ٨ / ١٨٧٨–٢١ / ١٠ / ١٩١٠م، وعددها ٢٠ وزارة.

أمَّا الوزارات بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر في ١٩١٤م، وحتى عام ١٩٥٢م، فلم يقتصر فقط على صفوة كبار المُلَّاك، وإنما تداولتها عناصر من الصفوات الاجتماعية الأخرى من غير المُلَّاك الزراعيين طبقًا لمقتضيات التطور الاقتصادي الاجتماعي في مصر.

والجدول التالي يوضح عدد الوزراء في كل وزارة ونسبة كبار المُلَّاك في كلٍّ منها خلال الفترة من ١٩١٤–١٩٥٢م، وعددها خمسون وزارة:

جدول : يبين نسبة كبار المُلَّاك في السنوات من ١٩١٤–١٩٥٢م
الوزارة وتاريخها عدد الوزراء عدد المُلَّاك النسبة٪
حسين رشدي ٥ / ٤ / ١٩١٤–١٨ / ١٢ / ١٩١٤م ٨ ٦ ٧٥
حسين رشدي ١٩ / ١٢ / ١٩١٤–٨ / ١٠ / ١٩١٧م ٧ ٦ ٨٥٫٥
حسين رشدي ٩ / ١٠ / ١٩١٧–٨ / ٤ / ١٩١٩م ٧ ٦ ٨٥٫٥
حسين رشدي ٩ / ٤ / ١٩١٩–٢٢ / ٤ / ١٩١٩م ٧ ٥ ٧١٫٣
محمد سعيد ٢٠ / ٥ / ١٩١٩–١٥ / ١١ / ١٩١٩م ٧ ٧ ١٠٠
يوسف وهبة ٢٠ / ١١ / ١٩١٩–٢١ / ٥ / ١٩٢٠م ٨ ٧ ٨٥
محمد توفيق نسيم ٢١ / ٥ / ١٩٢٠–١٥ / ٣ / ١٩٢١م ٨ ٦ ٧٥
عدلي يكن ١٦ / ٣ / ١٩٢١–٢٤ / ١٢ / ١٩٢١م ٩ ٨ ٨٨٫٨
عبد الخالق ثروت ١ / ٣ / ١٩٢٢–٢٩ / ١١ / ١٩٢٢م ٩ ٥ ٥٥٫٥
محمد توفيق نسيم ٣٠ / ١١ / ١٩٢٢–٩ / ٢ / ١٩٢٣م ١٠ ٨ ٨٠
يحيى إبراهيم ١٥ / ٣ / ١٩٢٣–٢٧ / ١ / ١٩٢٤م ١١ ٧ ٦٣٫٧
سعد زغلول ٢٨ / ١ / ١٩٢٤–٢٤ / ١١ / ١٩٢٤م ١١ ٧ ٦٣٫٧
أحمد زيور ٢٤ / ١١ / ١٩٢٤–١٣ / ٣ / ١٩٢٥م ١٢ ٩ ٧٥
أحمد زيور ١٣ / ٣ / ١٩٢٥–٧ / ٦ / ١٩٢٦م ١٠ ٨ ٨٠
عدلي يكن ٧ / ٦ / ١٩٢٦–٢١ / ٤ / ١٩٢٧م ٩ ٧ ٧٧٫٧
عبد الخالق ثروت ٢٥ / ٤ / ١٩٢٧–١٦ / ٣ / ١٩٢٨م ١٠ ٧ ٧٠
مصطفى النحاس ١٦ / ٣ / ١٩٢٨–٢٥ / ٦ / ١٩٢٨م ١٠ ٦ ٦٠
محمد محمود ٢٥ / ٦ / ١٩٢٨–٢ / ١٠ / ١٩٢٩م ٩ ٦ ٦٦٫٢
عدلي يكن ٣ / ١٠ / ١٩٢٩–١ / ١ / ١٩٣٠م ١٠ ٥ ٥٠
مصطفى النحاس ١ / ١ / ١٩٣٠–١٩ / ٦ / ١٩٣٠م ١٠ ٦ ٦٠
إسماعيل صدقي ١٩ / ٦ / ١٩٣٠–٤ / ١ / ١٩٣٣م ١٠ ٦ ٦٠
إسماعيل صدقي ٤ / ١ / ١٩٣٣–٢٧ / ٩ / ١٩٣٣م ١٢ ٩ ٧٥
عبد الفتاح يحيى ٢٧ / ٩ / ١٩٣٣–١٤ / ١١ / ١٩٣٤م ١٠ ٥ ٥٠
محمد توفيق نسيم ١٤ / ١١ / ١٩٣٤–٣٠ / ١١ / ١٩٣٦م ٩ ٤ ٤٤.٤
علي ماهر ٣٠ / ١ / ١٩٣٦–٩ / ٥ / ١٩٣٦م ٩ ٢ ٢٢٫٢
مصطفى النحاس ٩ / ٥ / ١٩٣٦–٢١ / ٧ / ١٩٣٧م ١١ ٦ ٥٤٫٦
مصطفى النحاس ١ / ٨ / ١٩٣٧–٣٠ / ١٢ / ١٩٣٧م ١٢ ٨ ٦٦٫٢
محمد محمود ٣٠ / ١٢ / ١٩٣٧–٢٧ / ٤ / ١٩٣٨م ١٦ ١٠ ٦٢٫١
محمد محمود ٢٧ / ٤ / ١٩٣٨–٢٤ / ٦ / ١٩٣٨م ١٣ ٨ ٦١٫٧
محمد محمود ٢٤ / ٦ / ١٩٣٨–١٨ / ٨ / ١٩٣٩م ١٢ ٦ ٥٠
علي ماهر ١٨ / ٨ / ١٩٣٩–٢٧ / ٦ / ١٩٤٠م ١٤ ٧ ٥٠
حسن صبري ٢٧ / ٦ / ١٩٤٠–١٤ / ١١ / ١٩٤٠م ١٦ ٩ ٥٦٫١
حسين سري ١٥ / ١١ / ١٩٤٠–١٣ / ٧ / ١٩٤١م ١٥ ٨ ٥٣٫١
حسين سري ٣١ / ٧ / ١٩٤١–٤ / ٢ / ١٩٤٢م ١٥ ١٠ ٦٦٫٢
مصطفى النحاس ٤ / ٢ / ١٩٤٢–٢٦ / ٥ / ١٩٤٢م ١١ ٧ ٦٣٫٧
مصطفى النحاس ٢٦ / ٥ / ١٩٤٢–٨ / ١٠ / ١٩٤٤م ١٤ ٩ ٦٤٫٢
أحمد ماهر ٨ / ١٠ / ١٩٤٤–١٥ / ١ / ١٩٤٥م ١٣ ٧ ٥٣٫١١
أحمد ماهر ١٥ / ١ / ١٩٤٥–٢٤ / ٢ / ١٩٤٥م ١٥ ٨ ٥٣٫١
محمود فهمي ٢٤ / ٢ / ١٩٤٥–١٥ / ٢ / ١٩٤٦م ١٤ ٧ ٥٠
إسماعيل صدقي ١٦ / ٢ / ١٩٤٦–٨ / ١٢ / ١٩٤٦م ١٢ ٤ ٣٣٫١
محمود فهمي ٩ / ١٢ / ١٩٤٦–٢٨ / ١٢ / ١٩٤٨م ١١ ٦ ٥٤٫٦
إبراهيم عبد الهادي ٢٨ / ١٢ / ١٩٤٨–٢٥ / ٧ / ١٩٤٩م ١٦ ٨ ٥٠
حسين سري ٢٥ / ٧ / ١٩٤٣–٣ / ١١ / ١٩٤٩م ١٩ ١٣ ٦٨٫٨
حسين سري ١٣ / ١١ / ١٩٤٩–١٢ / ١ / ١٩٥٠م ١٤ ٤ ٢٨٫٤
مصطفى النحاس ١٢ / ١ / ١٩٥٠–٢٧ / ١ / ١٩٥٢م ١٧ ٥ ٢٩٫٧
علي ماهر ٢٧ / ١ / ١٩٥٢–١ / ٣ / ١٩٥٢م ١١ ٢ ١٨٫٢
أحمد نجيب الهلالي ١ / ٣ / ١٩٥٢–٢ / ٧ / ١٩٥٢م ١٣ ٥ ٣٨٫٦
حسين سري ٢ / ٧ / ١٩٥٢–٢٢ / ٧ / ١٩٥٢م ١٤ ٤ ٢٨٫٤
أحمد نجيب الهلالي ٢٢ / ٧ / ١٩٥٢–٢٤ / ٧ / ١٩٥٢م ١٥ ٦ ٤٠
علي ماهر ٢٤ / ٧ / ١٩٥٢–٧ / ٩ / ١٩٥٢م ١١ ٤ ٣٦٫٤

المصدر: محمد خليل صبحي، المصدر السابق، الجزء الخامس والسادس فيما يتعلق بعدد الوزراء. وكذلك كتاب: النظارات والوزارات المصرية ج١، إصدار مركز تاريخ مصر المعاصرة والهيئة العامة للإصلاح الزراعي فيما يتعلق بتحديد كبار المُلَّاك.

ويلاحظ من هذا الجدول أن نسبة كبار المُلَّاك في مختلف الوزارات كانت كبيرة بصفة عامة، وكانت أعلى نسبة لهم في وزارة محمد سعيد ( ٢٠/ ٥ / ١٩١٩م–١٥ / ١١ / ١٩١٩م)، حيث بلغت ١٠٠٪، وهي الوزارة التي عاصرت مراحل العنف في ثورة ١٩١٩م، وبداية تصفيتها على حين كانت أقل نسبة لهم في وزارتَي علي ماهر (٣٠ / ١ / ١٩٣٦–٩ / ٥ / ١٩٣٦م) و(٢٧ / ١١ /  ١٩٥٢–١ / ٣ / ١٩٥٣م)، حيث بلغت ٢٢٫٢٪، ١٨٫٢٪، وهما وزارتان انتقاليتان، فالأولى كانت قُبيل معاهدة ١٩٣٦م، والثانية عقب حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢م.

كما يُلاحَظ أن أكبر نسبة لكبار المُلَّاك بصفة عامة كانت في وزارات الأقلية غير الحزبية، يليها بنسبة أقلَّ وزارات الأحرار الدستوريين، ثم وزارات الوفد، ثم وزارات السعديين. أيْ إنهم تمتعوا بعضوية الوزارات في مختلف العهود وتحت لواء أيِّ حزب من الأحزاب. ولا عجب في ذلك، فقد كانوا منتشرين في كل الأحزاب والتجمعات السياسية التي شهدتها الفترة، وبصفة عامة كان متوسط نسبتهم في كل وزارات الفترة ٥٨٫٣٥٪، أيْ إن الأغلبية كانت معهم دائمًا.

جدول : نسبة كبار المُلَّاك في كل وزارة نوعية على حدة
الوزارة عدد مَن تولاها كبار المُلَّاك النسبة٪
الداخلية ٥٠ ٣٢ ٦٤
الأشغال ٥٠ ٣٢ ٦٢
المعارف ٥٠ ١٧ ٣٤
المالية ثم المالية والاقتصاد ٥٠ ٣٣ ٦٦
الأوقاف ٥٠ ٣١ ٦٢
الخارجية ٤٣ ٣١ ٧٢٫٤
الحقانية ثم العدل ٥٠ ٣٢ ٦٤
الزراعة ٥٠ ٣٤ ٦٨
الحربية والبحرية والدفاع الوطني ٥٠ ٢٤ ٤٨
المواصلات ٤٥ ٢٥ ٥٥٫٥
التجارة والصناعة ٢٥ ١١ ٤٤
الصحة ٢٦ ٩ ٣٤٫١٦
التموين ١٧ ٦ ٣٥٫٥
الشئون الاجتماعية ١٧ ٧ ٤١٫٣
الوقاية المدنية ٢ ١ ٥٠
الشئون البلدية والقروية ٥ ٢ ٤٠

ويُلاحَظ من هذا الجدول — أيضًا — أن كبار المُلَّاك تركزوا أكثر في وزارات الخارجية (٧٢٫٤٪)، والزراعة (٦٨٪)، والمالية والاقتصاد (٦٦٪)، والداخلية (٦٤٪)، وهي وزارات لها صلة مباشرة بمصالحهم الاقتصادية، بينما نجد نسبتهم قليلةً في وزارة الصحة (٣٤٫١٦٪)، والتموين (٣٥٫٥٪)، والشئون البلدية والقروية (٤٠٪)، والشئون الاجتماعية (٤١٫٣٪). وهذا يبين مدى اهتمام المُلَّاك بهذه المجالات الاجتماعية.

كما يُلاحَظ أن نسبة وجودهم في الوزارات المختلفة تتفق إلى حدٍّ كبير مع نسبة وجودهم في اللجان الداخلية بالهيئات البرلمانية، حيث كانوا يتركزون في اللجان ذات الصلة المباشرة بمصلحتهم كما سبقت الإشارة. يضاف إلى هذا أن اثني عشر فردًا من أُسر كبار المُلَّاك كانوا قاسمًا مشتركًا عظيمًا في الوزارات خلال الفترة، وهي عائلات: سري، ومحمود سليمان، وأبو علي، وخشبة، ويكن، وثروت، وحنا، وعبيد، وغالي، وذو الفقار، وبركات، والمطيعي.

كما يُلاحَظ أن عددًا لا بأس به من رؤساء الوزارات ممَّن كانوا من غير كبار المُلَّاك، كان يرتبط بصلة قوية ببعض كبار المُلَّاك مثل مصطفى النحاس الذي كان يرتبط بأُسرة الوكيل، وعلي ماهر الذي كان يرتبط بأُسرة المكباتي فضلًا عن علاقته بالأُسرة الملكية، وأحمد نجيب الهلالي الذي كانت له صلة بأُسرة عمرو … إلخ. وإذا تذكرنا أن الملك كان أكبر مالك زراعي وله سلطات دستورية وتشريعية وتنفيذية، أدركنا مدى النفوذ الواسع الذي كان لكبار المُلَّاك في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة.٥٥
على أن وزارة الزراعة — على عكس الوزارات الأخرى — كانت نموذجًا لتجمُّع كبار المُلَّاك، فضلًا عن أن نسبة مَن تولاها من كبار المُلَّاك بلغت (٦٨٪)، فقد كانوا ممثلين في المجلس الاستشاري الزراعي الذي تكون أول مرة في ١٠ يونيو ١٩١٤م، حيث نصَّ قرار التشكيل على تمثيل كبار المزارعين بالإضافة إلى الأعضاء الفنيين في الوزارة، والأعضاء الذين يُختارون من الهيئات التي لها صلة بالنشاط الزراعي بأيِّ صورة من الصور. وبجانب المجلس الاستشاري الزراعي كان هناك مجلس التجارة الزراعية، وقد أنشأته وزارة الزراعة لدراسة المسائل المتعلقة بتسويق الحاصلات الزراعية نتيجة التغيرات التي لحقت بالسوق الدولية من جراء الحرب العالمية الأولى، وكان يشترك فيه أيضًا أعضاء من كبار المُلَّاك.٥٦
وعندما أنشأت وزارة الزراعة «الاتحاد الملكي لجمعيات رعاية الحيوان بالمملكة المصرية» في ٢٨ أبريل ١٩٤٣م، تمتع كبار المُلَّاك أيضًا بعضوية هذا الاتحاد، إذ جاء في الفقرة (د) من المادة (٧) من القانون النظامي للاتحاد، وهي المادة الخاصة بتشكيل مجلس إدارته، أنه يُشكَّل من «ثمانية أعضاء يعيِّنهم وزير الزراعة من بين الأعيان، باعتبار عضوين عن كلٍّ من الوجه القبلي والوجه البحري ومحافظتَي مصر وإسكندرية».٥٧
هذا بالإضافة إلى وجود كبار المُلَّاك في مجلس إدارة النقابة الزراعية المصرية العامة منذ تشكلت في ١٩٢١م، ثم في أعوام ١٩٢٤م، ١٩٣٣م، ١٩٣٥م، وهذا المجلس الأخير هو الذي استمر حتى نهاية الفترة، وهذا شيء طبيعي؛ إذ إن النقابة تمثل أصحاب المصالح الزراعية.٥٨ بالإضافة إلى وجودهم بمجلس إدارة بنك مصر، ومجالس إدارات الشركات المختلفة.٥٩
ننتقل بعد هذا إلى التعرف على انتماءات كبار المُلَّاك للأحزاب السياسية التي شهدها المجتمع المصري خلال هذه الفترة. ومن المُلاحَظ بصفة عامة أن كبار المُلَّاك قد اشتركوا في كل الأحزاب السياسية التي شهدتها هذه الفترة بدرجة أو بأخرى، بحيث يصعُب القول إن هناك حزبًا معيَّنًا اشترك فيه كبار المُلَّاك وحزبًا آخر لم يشتركوا فيه، وكل ما هنالك هو التفاوت في نسبة كبار المُلَّاك بين حزبٍ وآخر. أمَّا الوفد المصري الذي تشكل منذ نوفمبر ١٩١٨م للمطالبة بالاستقلال، فقد ضمَّ كبار المُلَّاك، بل إن اللجنة المركزية التي شُكِّلت لقيادة الثورة من ثلاثة وأربعين عضوًا،٦٠ كان عدد كبار المُلَّاك المشتركين فيها ستةً وثلاثين عضوًا، أيْ بنسبة ٨٣٫٣١٪.

فقبل تأسيس الوفد في نوفمبر ١٩١٨م، كانت الأحزاب القائمة، وعددها ثمانية وأُعلنت بين عامَي ١٩٠٧–١٩٠٨م، تتكون جميعها من كبار المُلَّاك، باستثناء الحزب الجمهوري ورئيس حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية.

ولمَّا خرجت من الوفد المجموعة التي كونت حزب الأحرار الدستوريين في أكتوبر ١٩٢٢م، لم يكُن ذلك يعني خروج جميع كبار المُلَّاك من التجمع الوفدي الكبير، بل إن المسألة لم تكُن أكثر من خروج مجموعة من كبار المُلَّاك، وإن كانت كبيرة، وبقاء مجموعة أخرى مثل فتح الله بركات، وواصف بطرس غالي، ومرقص حنا، وأحمد مظلوم. ولهذا نجد أن الهيئة الوفدية في مجلس شيوخ ١٩٢٤م تتكون من اثني عشر عضوًا، كلهم دون استثناء من كبار المُلَّاك. وفي ٢ ديسمبر ١٩٣٢م ضمَّ الوفد اثني عشر عضوًا جديدًا،٦١ كان منهم ثمانية أعضاء من كبار المُلَّاك، أيْ بنسبة ٦٦.٢٪. ومنذ عام ١٩٣٦م، وبعد عقد المعاهدة، نجد أن الوفد يضمُّ عددًا من كبار المُلَّاك.٦٢
أمَّا حزب الأحرار الدستوريين (تكوَّن في ١٩٢٣م)، فقد اشتهر بأنه يمثل المُلَّاك الزراعيين، وهذه حقيقة ثابتة إلى حدٍّ كبير، وإن لم تكُن تعني أن الحزب اقتصر فقط على كبار المُلَّاك دون أحد من قُوى المجتمع الأخرى، وكل ما يمكن قوله أن النسبة الغالبة في الحزب كانت لكبار المُلَّاك،٦٣ ففي مجلس إدارة الحزب عام ١٩٢٥م٦٤ كانت نسبتهم ٦٦٫٢٪، وفي مجلس إدارة عام ١٩٢٩م٦٥ كانت نسبتهم ٧٣٫١٣٪، وفي مجلس إدارة عام ١٩٣٠م٦٦ كانت نسبتهم ٧١٫٣٪.
والحقيقة أن التوصيف الاجتماعي لحزب الأحرار الدستوريين من الأمور المحيِّرة والصعبة في نفس الوقت، فالبعض يرفض الموافقة على فكرة أن خروج الأحرار الدستوريين يمثل خلافًا في المصالح الاجتماعية لكبار المُلَّاك داخل الوفد، وعدم رضائهم عن خطط سعد زغلول في العنف الثوري، ويرون فيه خلافًا عائليًّا بحتًا، فهؤلاء الذين خرجوا (في أبريل ١٩٢١م) — عندهم — كانوا يمثلون مجموعة المثقفين الليبراليين الذين اشتهروا بالكلام في الصالونات الأدبية وفي الصحافة قبيل الحرب العالمية الأولى حول الحرية والديموقراطية … إلخ، ومن ثَم لم يوافقوا على انفراد سعد زغلول بآرائه وإصراره عليها، ولهذا اعتبر هؤلاء أن الأحرار الدستوريين يمثلون تجمعًا عقائديًّا، بينما ظلَّ الوفد حزبًا يمثل كل العناصر الاجتماعية الأخرى بما فيها كبار المُلَّاك.٦٧

ويُضعف من هذا التوصيف — في رأينا — أنه اعتبر أشخاصًا مثل عبد اللطيف المكباتي، وأحمد لطفي السيد، ومحمد علي علوبة محامين أو مهنيين بصفة عامة، وأغفل كونهم من كبار المُلَّاك قبل أن يكونوا مهنيين، هذا إلى أنه جعل المثقفين حزبًا واحدًا قائمًا بذاته، مع أن المثقفين قطاع أفقي منتشر في أيِّ مجتمع من المجتمعات، يضمُّ عناصر وفئاتٍ وطبقاتٍ مختلفة.

أمَّا حزب الاتحاد الذي تكوَّن في يناير ١٩٢٥م، فقد ضمَّ عددًا من كبار المُلَّاك، فاللجنة التحضيرية التي اجتمعت لتأسيس الحزب كانت من تسعةٍ وعشرين عضوًا،٦٨ منهم أحد عشر عضوًا من كبار المُلَّاك، أيْ بنسبة ٣٧٫٢٧٪، وكان أول مجلس إدارة له من ثمانيةٍ وعشرين عضوًا،٦٩ منهم خمسة عشر عضوًا من كبار المُلَّاك، أيْ بنسبة ٥٣٫٨٪، وهي نسبة قليلة إلى حدٍّ ما، رغم محاولة الملك فؤاد أن يضمَّ إلى هذا الحزب الأعيان الذين لم يستقروا على اتجاه معيَّن، لموازنة النفوذ القوي الذي كان يتمتع به الوفد.٧٠
أمَّا حزب الشعب الذي كوَّنه إسماعيل صدقي في نوفمبر ١٩٣٠م، فقد ضمَّ أيضًا عددًا من كبار المُلَّاك، فالجمعية التأسيسية للحزب كانت من أربعةٍ وثمانين عضوًا٧١ منهم سبعةٌ وعشرون من كبار المُلَّاك، أيْ بنسبة ٣٣٫٤٪. وكذلك الحال في الهيئة السعدية التي كوَّنها أحمد ماهر والنقراشي في عام ١٩٣٧م بعد خروجهما من الوفد، فقد نالت تأييدًا من بعض كبار المُلَّاك، رغم ما قِيل من أن خروج أحمد ماهر والنقراشي كان احتجاجًا على انضمام بعض كبار المُلَّاك إلى الوفد في ذلك العام (١٩٣٧م)، بل إن سكرتير الهيئة — وهو ممدوح رياض — كان من كبار المُلَّاك. وكان من بين كبار المُلَّاك الذين أيدوا الهيئة السعدية: محمد الشعراوي، وأحمد حلمي محمود، وأفراد من عائلة الأتربي.٧٢
كذلك كان الحزب الوطني على علاقة بكبار المُلَّاك منذ بداية تأسيسه على يد مصطفى كامل، فعمر سُلطان عضو اللجنة المركزية ومموِّلها من كبار المُلَّاك، بالإضافة إلى أفراد آخرين أيدوه مثل عمر لطفي، ومرقص حنا، وسيف الله يسري، ومحمد أحمد شريف، ومحمد علي علوبة أيضًا، وآخرين.٧٣ فضلًا عن أن محمد فريد، ومحمد حافظ رمضان رئيس الحزب فيما بعد، كانا من كبار المُلَّاك.٧٤
أمَّا حزب الكتلة الوفدية الذي تكوَّن في عام ١٩٤٣م كردِّ فعلٍ للخلافات الشخصية بين مكرم عبيد وزعماء الوفد، فيكفي أن رئيسه كان من كبار المُلَّاك في الوجه القبلي.٧٥

وبصفة عامة فقد كان كبار المُلَّاك الزراعيين على علاقة بكل الأحزاب السياسية البرلمانية التي شهدها المجتمع المصري خلال الفترة، سواء كانوا أعضاء في مجالس إدارة هذه الأحزاب، أو أعضاء في لجان وقواعد الأقاليم، أو مؤيِّدين متعاطفين.

على أن عضوية أيِّ مالك من كبار المُلَّاك في أيِّ حزب من هذه الأحزاب، لم تكُن عضويةً دائمةً أو ثابتة، بل كثيرًا ما كان ينتقل من حزب إلى آخر بين كل دورة انتخابيةٍ وأخرى.٧٦ ولا قاعدة في هذا، فالذي بدأ وفديًّا أصبح اتحاديًّا أو سعديًّا أو شعبيًّا أو دستوريًّا أو مستقلًّا، وهذا أضعف الإيمان، والذي بدأ دستوريًّا تنقَّل بين أحزاب الاتحاد والشعب والوفد، وكذلك الحال بالنسبة لمَن بدأ اتحاديًّا أو شعبيًّا أو وطنيًّا أو سعديًّا.

ومن الصعب أن يفسَّر هذا الانتقال من حزب إلى آخر على أساس وجود اختلافات عقائدية بين الأحزاب بحيث يكون الانتقال بحثًا عن ضالة منشودة مثلًا، ومن الصعب أيضًا أن يفسَّر على أساس وجود اختلافات جذرية بين برامج هذه الأحزاب، إذا كان لبعضها برامج أصلًا، وعندنا أن هذا الانتقال كان يحدث إما لعصبية أُسرية، وإما لميلٍ مع ميزان القُوى ولأيِّ حزب يتجه، بحيث يكون هناك ضمان مستمر للمصالح الخاصة.

وقد يؤكد هذا عدم وجود خلاف دقيق بين هذه الأحزاب حول ضرورة استقلال مصر، وإنهاء السيادة الإنجليزية، ولا خلاف بينها في المحافظة على سُلطة الأمة وحقوق العرش، كما أن جميعها يهتم بالمصالح الاقتصادية من حيث تخفيف الأعباء عن كاهل المزارعين بتخفيض الضرائب وتوزيعها توزيعًا عادلًا، وحماية الإنتاج الداخلي وإنشاء النقابات الزراعية، واستصلاح الأراضي، وتنظيم العلاقات بين أصحاب الأعمال والعمال.٧٧

ولعلَّ وحدة هذه البرامج واختفاء الفوارق الدقيقة بينها ساهمت — من ناحية أخرى — في عدم وجود حزب خاص بكبار المُلَّاك أو أصحاب المصالح الزراعية، فضلًا عن أن عددًا غير قليل من هؤلاء كان يعيش في المُدن بعيدًا عن الريف وله استثماراته في مجالات التجارة والصناعة — كما تقدَّم — بحيث كان من الصعب عليه اختيار أيِّ المصالح المباشرة للدفاع عنها؛ الزراعة، أم التجارة، أم الصناعة! كل هذه الاعتبارات جعلت من الانتماء السياسي لكبار المُلَّاك نوعًا من الرفاهية السياسية، وقدرًا من صراع السُّلطة في نفس الوقت.

ورغم هذا فقد كانت هناك محاولة من جانب كبار المُلَّاك لإنشاء إطار تنظيمي يجمعهم تحت اسم «نادي الأعيان»، وترجع فكرة هذا النادي إلى عام ١٩١٣م، غير أن ظروف الحرب العالمية الأولى حالت دون إكمال إجراءات إنشائه، فلما انتهت الحرب أُعيدَ التفكيرُ فيه مرةً أخرى في أواخر عام ١٩١٨م.٧٨ ومع تطور حوادث ثورة ١٩١٩م وقُرب مجيء بعثة ملنر، زادت الشبهات حول النادي، وربط الناس بين توقيت إنشائه وبين قدوم بعثة ملنر، ومن ثَم اعتقدوا أن النادي لم يُنشأ إلا توطئةً لاستضافة هذه البعثة والتفاوض معها.٧٩ وابتعادًا بالنادي عن الشبهات رأى البعض استخدامه لتأسيس نقابات فرعية في الأقاليم كأنها فروع لهذا النادي الذي يجب أن يقصر اهتماماته على الشئون الزراعية والاقتصادية.٨٠

على أيَّة حال فشلت فكرة هذا النادي وانفرط عِقد دُعاته، نظرًا للشبهات التي حامت حوله، وعدم استيعاب الرأي العام في مصر فكرة إقامة نادي لطبقة أو فئة معيَّنة من الأمة في عصر الديمقراطيات وامتزاج عناصر الأمة في العمل الوطني، كما تصوَّر معارضو الفكرة. ويبدو أن إقامة النقابة الزراعية العامة في يناير ١٩٢١م — كما سبقت الإشارة — تعدُّ إحياءً لفكرة هذا النادي بصورة أو بأخرى، حيث أقبل كبار المُلَّاك على الانضمام إليها.

بعد أن تناولنا الوجود السياسي لكبار المُلَّاك في السلطات التشريعية والتنفيذية، ورأينا أنهم كانوا يحتفظون بنسبة عالية في كلٍّ منها، يجدُر بنا أن نتناول مسألةً هامَّةً تتعلق بهذا الوجود السياسي؛ وهي إلى أيِّ حدٍّ حاول كبار المُلَّاك التعبير عن أنفسهم من خلال هاتين السُّلطتين.

في مناقشات لجنة وضع المبادئ العامة ومناقشات اللجنة العامة لدستور ١٩٢٣م — وهو مصدر السُّلطة التشريعية — حاول كبار المُلَّاك التعبير عن أنفسهم في أكثر من مناسبة. وقد لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إنهم عملوا جاهدين من خلال شروط العضوية لمجلس النواب ومجلس الشيوخ، على أن تتمثل السُّلطة التشريعية في مجموعة محدَّدة بعينها؛ وهي كبار المُلَّاك أصحاب المصالح الزراعية.

ولقد دارت اقتراحات أعضاء اللجنة على اشتراط قصر عضوية مجلس النواب على مَن يدفع ٣٠ جنيهًا ضريبة أطيان سنويًّا، أو ١٢ جنيهًا في السنة عوائد أملاك، أو ١٢٠ جنيهًا في السنة إيجارًا للسكن. أمَّا أصحاب الإيراد فلا ينبغي أن يقلَّ إيرادُهم السنوي عن ٥٠٠ جنيه في السنة. وكانت هذه الشروط تقصر العضوية على مَن يملك ٥٠–٦٠ فدَّانًا. ورغم أنه عدل عن هذا الشرط، إلا أنه اشترط أن يدفع المرشَّح للعضوية ١٥٠ جنيهًا، وهو شرط لا يتوفر إلا للمُلَّاك أيضًا. أمَّا عضوية مجلس الشيوخ فقد اشترط لمَن يتقدم لها أن يكون ممَّن يدفعون ضريبة أطيان سنويًّا قدرُها ١٥٠ جنيهًا.٨١
وبعد أن انتهت اللجنة العامة للدستور من تحديد الشروط التي يجب أن تتوفر في عضو البرلمان، وكانت في جانب أصحاب المصالح الزراعية، كما رأينا، انتقلت إلى مناقشة تحديد الدوائر الانتخابية. وقد اقترحت اللجنة أن يكون الانتخاب فرديًّا، بأن ينتخب عن كل دائرة انتخاب نائب واحد، وتحدد الدائرة الانتخابية عن كل ٧٥٠٠٠ من السكان.٨٢ وقد وُوفِق على هذا النص، ورُفض اقتراح بأن يكون الانتخاب بالقائمة، مع أن انتخاب القائمة من شأنه أن يوفر شخصياتٍ عامةً تناقش موضوعاتٍ أشمل تاركةً التفاصيل لمجالس المديريات.٨٣
وبالنسبة لعضوية مجالس المديريات، تقرر قصر العضوية على مَن يكون ممَّن يدفعون ضرائب عقارية لا تقلُّ عن ثلاثين جنيهًا في السنة، أو يكون مستحقًّا في وقف لا يقلُّ رِيع استحقاقه السنوي عن ٣٠٠ جنيه، أو يملك محلًّا تجاريًّا في الدائرة لا يقلُّ رأسماله عن ٥٠٠٠ جنيه، أو يتناول معاشًا سنويًّا لا يقلُّ عن ٣٠٠ جنيه، مع إعفاء حملة الشهادات العليا.٨٤

وإذا كان أصحاب المصالح الزراعية قد حاولوا جاهدين أن تعبِّر السُّلطة التشريعية عن مصالحهم، وأن تكون السُّلطة التنفيذية أداتهم في حماية هذه المصالح، فقد عملوا أيضًا على ألا يحتفظ الملك بسُلطات مطلقة يكون من شأنها تقييد حريتهم فيما يهدفون إليه من تقرير أمور في صالحهم قد تتعارض مع رغبات الملك بصورة أو بأخرى.

وتبدو رغبتهم في تحديد سُلطة الملك وتحديد علاقته بالسُّلطة التشريعية والتنفيذية من خلال مناقشة المبادئ العامة للدستور، المتعلقة بمبدأ سيادة الأمة وسُلطة الملك، أو ما كان يُسمَّى بحقوق العرش.

والذي حدث أن كثيرًا من المُلَّاك أعضاء اللجنة اعترضوا على النصِّ في الدستور إن مصر «ملكية دستورية وراثية في أُسرة محمد علي»، على أساس أن السيادة يجب أن تكون للأمة حتى لا يكون الدستور منحةً من الملك. كما حدث اعتراض أيضًا على النصِّ «بأن الملك يحكم مع وزرائه وبواسطتهم»، حتى لا يكون الوزراء آلةً في يد الملك، وأن الأفضل أن يكون الملك فوق الأحزاب يملك ولا يحكم. كما تم الاعتراض على أن يكون أمراء الأُسرة المالكة من الذين يُعيَّنون بمجلس الشيوخ، حتى ولو كانوا من المُلَّاك.٨٥

إن محاولة أصحاب المصالح الزراعية المحافظة على سيادة الأمة بتحديد دور القصر وتقييد سُلطاته وتحديد علاقته بالسُّلطة التشريعية والتنفيذية هو محاولة لحماية مصالحهم في الوقت نفسه، فالأمة التي يحافظون عليها هنا مفهوم ليبرالي برجوازي يعبِّر عن أصحاب المصالح، أيْ أصحاب وسائل الإنتاج زراعيةً كانت أو صناعيةً أو تجارية. وهذا اعتقاد يتفق والتطور الذي شهده المجتمع المصري، فحقُّ الملكية الفردية للأرض الزراعية الذي كان قد استقر في أخريات القرن التاسع عشر لم يكُن يكتمل إلا بحمايته الحماية الدستورية والقانونية اللازمة، هو مَن يتمتع به بطبيعة الحال وما يترتب عليه من نتائج مختلفة، ومن هنا كانت محاولتهم وضع الدستور (١٩٢٣م) مع المحافظة في نفس الوقت على النظام الملكي، لأن الأُسرة المالكة من أكبر ملاك الأراضي الزراعية، ومن ناحية أخرى فإن النظام الملكي أقرب من النظام الجمهوري ومن غيره إلى المحافظة على الملكيات الفردية، ولهذا فمن الصعب، إن لم يكُن من الخطأ، مناقشة معارك الرأي في دستور ١٩٢٣م على أنها مجرد تيارات فكرية متصارعة فقط، دون ربطها بهذا الوضع الاقتصادي الجديد الذي أفرز مجموعةً من كبار المُلَّاك المحليين الذين أرادوا أن يثبتوا أقدامهم في الحياة الاجتماعية بتأييد وحماية المؤسسات الدستورية.

أمَّا علاقة كبار المُلَّاك بالإنجليز، وهم القوة السياسية الأخرى بعد القصر، فقد كانت علاقةً مزدوجة، فمن ناحية كانوا يميلون أكثر من غيرهم إلى تأييد الاحتلال البريطاني الذي اعتبرهم عُمَد الحياة في الأقاليم، فقد كانت خطة كرومر أول معتمد بريطاني في مصر استمالة الأُسر الكبيرة وتعيين أفرادها في الإدارات الحكومية العامة،٨٦ ومن ناحية أخرى كانوا يودُّون استعادة سُلطانهم في الأقاليم، الذي قيدته الإدارة البريطانية إلى حدٍّ كبير، ومن ثَم كانوا في طليعة الحركة الوطنية ضدَّ الإنجليز رغم ارتباطهم بهم اقتصاديًّا وسياسيًّا.٨٧
والواقع أنه لا يمكن القول بأن كبار المُلَّاك كانوا جميعًا، وبدرجة واحدة، أكثر ميلًا للإنجليز من غيرهم، ولكن من الثابت أيضًا أن بعضًا منهم كان يشعر بأهمية الوجود الإنجليزي في حماية مصالحهم، كما كان الإنجليز من ناحية أخرى يعتمدون على البعض منهم في دعم سياساتهم … فقد كان لهم أنصار ومؤيدون في انتخابات الجمعية التشريعية،٨٨ ومنهم مَن كان يقوم بدعايات كبيرة لتمجيد سياسة الاحتلال،٨٩ ومنهم مَن كان يُكثر من دعوة رجال السياسة الإنجليز إلى بيوتهم في مُدن الأقاليم واستضافتهم.٩٠

•••

بعد أن تناولنا الوجود السياسي لكبار المُلَّاك في السُّلطتَين، التشريعية والتنفيذية، بمختلف صورها وأشكالها، وعلاقاتهم بالقُوى السياسية القائمة من الإنجليز إلى القصر إلى الأحزاب والتجمعات السياسية الأخرى، ننتقل إلى التعرف على دور كبار المُلَّاك في الحركة الوطنية المصرية خلال الفترة. على أننا قبل أن نتلمس دور كبار المُلَّاك في الحركة الوطنية ينبغي أن نتعرف في إيجاز على الظروف الموضوعية التي جعلت كبار المُلَّاك يتصدرون لقيادة الحركة الوطنية في ١٩١٩م.

لقد انتهى التطور الاقتصادي الذي مرَّ به المجتمع المصري إلى نمو الملكيات الزراعية الكبيرة التي ألَّف أصحابها مجموعة أصحاب المصالح الزراعية اقتصاديًّا وسياسيًّا بطبيعة الحال. وفي نفس الوقت تضاءل حجم الطوائف الحرفية المختلفة، والتي كان من الممكن أن تتطور رأسماليًّا تاركةً هذا المجال للرأسمالية الأجنبية العالمية التي حولت جانبًا من استثماراتها إلى مصر. يُضاف إلى هذا اعتماد الاقتصاد المصري على الزراعة، وبصفة خاصة على القطن وتشجيع السياسة الإنجليزية لأصحاب المصالح الزراعية منذ البداية، فهم أصدقاء أصحاب الجلاليب الزرقاء، وهم الذين رأوا في كبار المُلَّاك عُمَد الحياة الريفية، ومنهم كان يتشكل مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية ثم الجمعية التشريعية ومجالس المديريات، وهم الذين كان كرومر قد أطلق عليهم «الجيروند» نسبةً إلى المعتدلين في الثورة الفرنسية.٩١
وثمة عوامل اقتصادية ساهمت في اشتراك أصحاب المصالح الزراعية في ثورة ١٩١٩م، تأتى في مقدمتها الديون العقارية التي عرَّضت أراضيهم أكثر من مرة لخطر البيع الجبري في المزادات لحساب رأس المال الأجنبي في بنوكه وشركاته.٩٢ ومن ناحية أخرى وضعت سُلطات الاحتلال القيود أمام تصدير الأقطان، وقيام الحكومة البريطانية بشراء جميع محصول بذرة عام ١٩١٧م بسعر أقلَّ من قيمته، فضلًا عن الإعلان عن شراء محصول القطن لموسم ١٩١٧م بسعر ٤٢ ريالًا للقنطار من نوع الفولي جود سكلاريدس، على حين أن ثمنه الحقيقي إذ ذاك كان يتراوح بين ٥٠–٦٠ ريالًا.٩٣
يُضاف إلى هذا أن أصحاب المصالح الزراعية ضاقوا كثيرًا بتحديد الحكومة لمساحة القطن بثُلث الزمام المزروع خلال الحرب ومنع زراعته بالوجه القبلي، وهو التحديد الذي فرضته الحكومة لكي توفر مساحاتٍ لزراعة الحبوب التي كان استيرادها قد توقَّف بسبب ظروف الحرب، وكانت وجهة نظر المزارعين في هذا التحديد أن فرصة الربح من زراعة القطن أعلى من زراعة الحبوب.٩٤ وبالإضافة إلى ذلك فلقد تعرَّض المزارعون، كبارهم وصغارهم على السواء، لبعض مضايقات من السُّلطة الإنجليزية خلال الحرب، إذ كانت قد فرضت عليهم تقديم كميات معيَّنة من الحبوب والتبن والمواشي، فأذعن البعض، واحتجَّ البعض، وسوَّف البعض الآخر.٩٥
كما أن السلطات الإنجليزية كانت تقوم بجمع «الأنفار» للخدمة العسكرية تحت شعار التطوع، وهي مسألة أثارت ضيق المزارعين صغارهم وكبارهم أيضًا، فبالنسبة لصغارهم كانت هذه المسألة تهدِّد الأُسر الصغيرة بفقدان أحد أفرادها أو أكثر ممَّن يمثلون مصدر رزقها. وبالنسبة لكبار المُلَّاك كان هذا «التطوع» يُخرج من ميدان العمل عددًا لا بأس به من عمال الزراعة، وكان استمراره يؤدي إلى ارتفاع أجور العمال الباقين طبقًا لنظرية العرض والطلب، خاصةً وأن هذا «التطوع» استمر حتى قُبيل توقيع الهدنة بيومين اثنين فقط.٩٦
كما يجب ألا نغفل بعض العوامل الأخرى التي لا بدَّ وأنها أثارت كبار المُلَّاك كما أثارت غيرتهم بطبيعة الحال، مثل تعطيل الجمعية التشريعية، وإعلان الأحكام العُرفية، واعتقال كثير من المصريين وإلقائهم في السجون كإجراء وقائي من وجهة النظر البريطانية.٩٧
ولقد جاء عامل آخر في أفق الحياة السياسية أثار خاطر أصحاب المصالح الزراعية وأشعَرَهم بأن السياسة الإنجليزية تحُول بينهم وبين ممارسة حقوقهم السياسية، فقد قدَّم برونييت في أواسط نوفمبر ١٩١٨م مذكرةً بشأن الإصلاح الدستوري إلى لجنة الامتيازات الأجنبية، والتي انتهى فيها إلى اقتراح بإنشاء هيئة تشريعية تتألف من مجلسين؛ مجلس للأعيان وآخر للنواب. أمَّا مجلس الأعيان فيضمُّ المستشارين الإنجليز بمختلف الوزارات، وخمسة عشر أجنبيًّا ينتخبهم الأجانب المقيمون في مصر، وثلاثين مصريًّا منتخَبًا. وبرَّر برونييت وجود الأجانب بأن النشاط الاقتصادي في أيديهم، وأن نشاط المصريين ضئيل لا يسوِّغ انفرادهم بشئون التشريع الذي تقرر أن يكون من صلاحية مجلس الأعيان. أمَّا مجلس النواب فلم يُعطِ رأيًا قاطعًا في شيء من مصالح البلاد، إذ أُجيز تخطيه من جانب الحكومة بإرسال مشروعات القوانين مباشرةً إلى مجلس الأعيان، كما نصَّ على ألا تعتمد القوانين التي تصدر من أيٍّ من المجلسَين إلا بعد إقرارها في وزارة الخارجية البريطانية.٩٨
ولا يبعُد أن هذه الاعتبارات المادية والمعنوية كانت في أذهان كبار المُلَّاك حين بدت في الأفق السياسي بوادر القيام بثورة ضدَّ الإنجليز للمطالبة بالاستقلال، ومن ثَم اشتركوا في حركة التوكيلات التي قرَّرها الوفد المصري، بل إن المجموعة التأسيسية للوفد قد تألفت منهم، وإن كان بعض كبار المُلَّاك قد تراجع في موقفه من التوكيلات وتأييد الثورة تحت ضغط الإنجليز ومعارضتهم للتوكيلات، مؤثِرين السلامة ومتظاهرين بتأييد الثورة.٩٩
لقد تكوَّن الوفد إذَن من كبار المُلَّاك الزراعيين، وهذا يفسر البداية الهادئة التي بدأها في مقابلة ١٣ نوفمبر ١٩١٨م، حين عرض الوفد (سعد زغلول، وعلي شعراوي، وعبد العزيز فهمي) على المندوب السامي البريطاني أن تعترف إنجلترا باستقلال مصر، على أن ترتبط بمعاهدة صداقة مع بريطانيا، وأن تحافظ مصر على مصالح إنجلترا، بل وتمكِّنها من احتلال قناة السويس إذا اقتضى الأمر ذلك. ويفسر أيضًا التأني والحرص الذي سيطر على عبارات التوكيل الذي وضعه الوفد «السعي بالطرق السليمة والمشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلًا في استقلال مصر».١٠٠ ولم يكُن من المتصوَّر والحال كذلك أن تتجاوز حركة الوفد حدود المصالح الاقتصادية التي كان يمثلها أعضاؤه، لأنه من البداية حدَّد مسار الحركة في أنها سلميَّة أولًا، ومشروعة ثانيًا، وفي حدود المستطاع ثالثًا. وهذا معناه من ناحية أخرى أنها لا بدَّ أن تكون ضدَّ العنف بمختلف مظاهره وصوره.
في ضوء هذا يمكن تتبع موقف كبار المُلَّاك في ثورة ١٩١٩م، حيث رفضوا العنف من البداية حتى لا يثيروا غضب الإنجليز،١٠١ وطلبوا من مأموري المراكز بالأقاليم عقد اجتماعات مع الوجهاء والأعيان، وإفهامهم خطورة أعمال التخريب. وكانت هذه بداية تكوين «لجان تهدئة الخواطر» في الأقاليم من الوجهاء وكبار المُلَّاك، حيث كرست جهودها لكبح جماح ثورية الجماهير وعنفهم،١٠٢ فضلًا عن قيام بعض كبار المُلَّاك بطرد شيوخ العزب التابعين لهم، عقابًا لهم على اشتراكهم في المظاهرات.١٠٣
وإذا كانت تلك هي جهود الأعيان أو كبار المُلَّاك في الأقاليم من أجل معارضة العنف الثوري ومظاهره، فلقد خطا السياسيون منهم في القاهرة خطواتٍ إيجابيةً لإبطال العنف وتجريمه، إذ تقابل عبد العزيز فهمي ومحمد علي علوبة وأحمد لطفي السيد مع الجنرال كلايتون في ١٦ مارس ١٩١٩م، وأعربوا عن فزعهم من الأسلوب الذي تجرى به الأمور، واقترح لطفي السيد أن تتألف وزارة، وتدخل في مفاوضات مباشرة مع الإنجليز، على أن يكون مسموحًا لها بتقديم بعض التنازلات حتى تهدأ الأمور وتكون بذلك في مركز قُوًى في المفاوضات.١٠٤
على أن أبرز جهود هؤلاء السياسيين من كبار المُلَّاك — الذين تصفهم الوثائق الإنجليزية بالنبلاء — في الوقوف ضدَّ العنف، كان في المقابلة التي تمَّت بينهم وبين الجنرال اللنبي في ٢٦ مارس ١٩١٩م عقب وصوله للقاهرة، ففي ذلك اليوم دعا اللنبي جمعًا من الشخصيات البارزة بالبلاد وجميعهم من كبار المُلَّاك وكذلك رؤساء الطوائف الدينية، وقال لهم إن ملك بريطانيا عيَّنه مبعوثًا فوق العادة، وإن واجبه ورغبته نشر الهدوء والرضا في أنحاء البلاد.١٠٥ وقد أثمرت هذه المقابلة عن نداء نشر بالصحف موقَّع عليه من ٥٥ شخصيةً ممَّن حضروا الاجتماع يناشدون فيه «الشعب المصري أن يجتنب كل اعتداء … وأن الاعتداء مُجرَّم بالشرائع الإلهية والقوانين الوضعية».١٠٦
يُضاف إلى هذا أن اللورد كيرزون Kurzon اقترح على شيتهام Cheetham الذي كان قائمًا بعمل اللنبي أثناء غيابه عن مصر، أن يجمع حوله «نبلاء» الأقاليم المعروفين بصداقتهم للإنجليز، ليعتمد عليهم في تنفيذ السياسة الإنجليزية.١٠٧ وكان كيرزون قد خطب في مجلس اللوردات (٢٤ / ٣ / ١٩١٩م)، وأثنى على «عقلاء الأمة» الذين لم يشتركوا في الثورة، والأعيان الذين برهنوا على صداقتهم للإنجليز وجهودهم في تهدئة الاضطرابات.١٠٨
وتعددت الاجتماعات واللقاءات في المديريات بين المديرين والأعيان لإقناع العامة بالكفِّ عن المظاهرات. وهكذا كان عقلاء الأمة هم الأعيان أو النبلاء أو أصحاب المصالح الزراعية الكبرى، الذين عارضوا العنف وسيلةً لاستخلاص استقلال البلاد من الإنجليز، وأثبتوا أنهم يكوِّنون جناح المعتدلين في الحركة السياسية.١٠٩
في ضوء هذا يمكن فهم المرسوم السُّلطاني رقم (٨)، الذي صدر في ١٠ يونيو ١٩١٩م، بتشكيل محاكم فورية لمحاكمة المشتركين في ثورة ١٩١٩م من رجال الأمن،١١٠ وصدور هذا المرسوم يعدُّ — في تقديرنا — قمة نشاط الجناح المعتدل في ثورة ١٩١٩م، وبرهانًا قويًّا على الوقوف ضدَّ العنف الثوري.
فقد صدر هذا المرسوم والثورة مشتعلة في الأقاليم، فكأنه كان إيذانًا بتصفية الثورة، والمطَّلع على حيثيات الأحكام التي صدرت بإدانة رجال الأمن من مأموري المراكز أو المعاونين، يجدها تدور حول محور واحد؛ وهو التساهل مع المتظاهرين والسماح لهم باقتحام مخازن السلاح بالمراكز والاستيلاء عليه، وعدم اتخاذ تدابير من شأنها منع اجتماعات «الرعاع» و«الغوغاء»، وهي الصفات التي أطلقَتها هيئات المحاكم على المتظاهرين المصريين، مما أدَّى في نظر المحكمة إلى الحطِّ من هيبة الحكومة والمساس بكرامتها.١١١ والمُلاحَظ أن المحاكم لم تعقد لمحاكمة رجال الأمن فقط، بل حاكمت المدنيين١١٢ الذين أمكن اعتقالهم، وكانوا من القيادات الجماهيرية التي برزت من خلال الأحداث.
وفي ضوء عنف الجماهير ومعارضة الأعيان له، يمكن تفسير قيام ما كان يُسمَّى بالجمهوريات أو السوفيتات في بعض الأقاليم، والتي أُقيمت لحماية ممتلكات أصحاب المصالح الزراعية الذين أقلقتهم مظاهر العنف في الثورة، مثلما حدث في المنيا١١٣ وزفتى١١٤ وقليوب؛١١٥ حيث قام صلاح الدين الشواربي بإعلان استقلال قليوب وأعلن نفسه حاكمًا على كل المنطقة.

وإذا كان المؤرخون الإنجليز هم الذين وصفوا هذه الجمهوريات بالسوفيتات، فلم يكُن هذا الوصف دقيقًا بحيث يتطابق تمامًا مع المعنى العلمي للسوفيتات، إلا أنها في مصر تكونت لحماية الأملاك من احتمال هجمات الثائرين عليها، ولم تتكون للاستيلاء على ملكيات الإقطاع كما حدث في روسيا.

لقد أدَّى رفض العنف الثوري والتمسك بالوسائل السلمية المشروعة والممكنة إلى عدم استثمار ثورة الجماهير الحقيقية وتوجيهها لصالح قضية الاستقلال، كما أدَّى بالتالي إلى انتصار فكرة المفاوضات مع الإنجليز، وهي الفكرة التي فرضت نفسها على الموقف السياسي آنذاك. على أن القبول بمبدأ المفاوضات يعني القبول بمبدأ المساومة ويعدُّ في نفس الوقت بدايةً للتنازلات، وهذا ما حدث بالفعل …

وجاءت بداية التحول في الموقف، وتصدُّع الجبهة الوطنية، وبروز جناح المعتدلين، مع قدوم بعثة ملنر إلى مصر في ٧ ديسمبر ١٩١٩م لاستطلاع الرأي العام، ورغم أنه تقرر وقتها مقاطعة هذه اللجنة والاحتجاج على قدومها، إلا أن اللجنة سعت إلى مقابلة بعض كبار المُلَّاك، كما سعى بعضهم إليها بدورهم.١١٦
ثم جاءت مفاوضات سعد زغلول – ملنر Milner في لندن نقطة تحول حاسمة في الحركة الوطنية، إذ بدأت المفاوضات في يونية ١٩٢٠م، وانتهت بإعلان مشروع ينصُّ على عقد محالفة بين مصر وإنجلترا تعترف فيها مصر بحاجة إنجلترا إلى حماية مصالحها الخاصة، ومسئوليتها بخصوص ضمان مصالح الجاليات الأجنبية، ونصَّ المشروع على عدم اعتبار وجود القوات البريطانية في مصر احتلالًا عسكريًّا، وتعديل الامتيازات الأجنبية لتكون أقلَّ إضرارًا بمصالح البلاد، وأن تقوم جمعية تأسيسية بوضع مشروع دستور لمصر يجعل الوزراء مسئولين أمام هيئة تشريعية، واستبعاد السودان خارج المحالفة على أن تضمن إنجلترا لمصر مصالحها في مياه النيل. وقد رأى سعد زغلول إرسال المشروع لمصر ليُعرَض على الأمة مع اعترافه بأنه غير وافٍ بالمطالب، ولا يخلو من مزايا، وأن الظروف الدولية قد تغيرت، وأن مصر لم يعد لها سندٌ دولي، وأن إنجلترا انفردت بالقوة، وأن الأمة لا تستطيع الاستمرار في المعارضة والمقاومة.١١٧
وقد عهد الوفد إلى أربعةٍ من أعضائه، وهم في لندن (محمد محمود، وعبد اللطيف المكباتي، وأحمد لطفي السيد، وعلي ماهر)، بمهمة السفر إلى مصر لعرض المشروع على «الأمة». وقد حصل هذا الوفد الجزئي على موافقة أعضاء الجمعية التشريعية في اجتماع تم في ١٦ سبتمبر ١٩٢٠م، وكانت الجمعية معطَّلةً منذ وُضعت مصر تحت الحماية البريطانية وإعلان الأحكام العُرفية.١١٨ وبعد ذلك بحوالي شهرين، أيْ في ديسمبر ١٩٢٠م، أُشيعَ أن عدلي يكن شرع في تأليف حزب عقب عودته إلى مصر يُسمَّى بالحزب المعتدل، والتفَّت حوله مجموعة ممَّن كانوا يرون في مشروع ملنر أقصى ما يمكن الحصول عليه من الإنجليز.١١٩
وهكذا تصدَّع التماسك الوطني الذي كان سمة الحركة الوطنية في بدايتها، فقد شعر كبار المُلَّاك «النبلاء» بخطورة العنف الثوري، وخطورة مناطحة الإنجليز، فجعلهم هذا يسرعون بالاتفاق مع إنجلترا.١٢٠ ومن هنا علقت إنجلترا أهميةً على عدلي يكن ورشحته لأن يكون السياسي المصري الذي يقبل التسوية في جوهرها بعد الوساطة التي قام بها بين لجنة ملنر والوفد، وما بذله من جهد أثناء المفاوضات للتوفيق بين الطرفين، حتى لقد قِيل إن عدلي يكن كان مبعوث ملنر غير الرسمي للاتصال بسعد زغلول.١٢١
وفي ٢٦ فبراير ١٩٢١م أبلغت إنجلترا السلطان فؤاد رغبتها في تبادل الآراء حول اقتراحات ملنر، وتشكلت وزارة برئاسة عدلي يكن لاستئناف المفاوضات، وانتهى الأمر بإعلان تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م من جانب إنجلترا ووضع البلاد أمام الأمر الواقع، وكانت السُّلطات البريطانية قد أقدمت على نفي سعد زغلول للمرة الثانية باعتباره قوةً معارضةً لمشروع الاتفاق، كما كان عدلي يكن قد استقال عندما تبيَّن إصرار بريطانيا على نفي سعد زغلول.١٢٢

لقد أحدث استخدام العنف الثوري ردَّ فعلٍ كبيرًا لدى كبار المُلَّاك أو أصحاب المصالح الزراعية ممَّن تصدَّوا لقيادة الثورة، والذين خشوا أن تتجه الثورة إلى امتيازاتهم الاجتماعية، ومن ثَم عارضوا العنف وجرَّموه، ورأوا أن الطريق الوحيد لضمان مصالحهم هو الإسراع بالاتفاق مع الإنجليز وتسوية الأمور معهم، ومن هنا رأوا في مشروع ملنر أفضل ما يمكن الوصول إليه، فأخذوا يروجون له بين المصريين. ولمَّا تبينوا أن سعد زغلول يرى أن المشروع دون مطالب الثورة المصرية ولا يحقِّق الاستقلال التام، خرجوا من الوفد وتحلَّقوا حول عدلي يكن الذي شرع في تأليف حزب يضمُّهم، يجنح إلى الاعتدال في المطالب الوطنية، ويكون أقلَّ عداءً للإنجليز.

ومن هنا نستطيع أن نُحمِّل كبار المُلَّاك الزراعيين مسئولية تصفية الثورة وانطفائها بسرعة، فمعارضتهم للعنف وقيامهم بتهدئة الخواطر ودعوتهم إلى (التعقل) والتصدي للجماهير الثائرة، بل ومحاكمة رجال الأمن في الأقاليم ممَّن ساعدوا الثوار عن إيمان أو عن ضعف … كل ذلك كان له تأثيره القوي على الثورة، وحرم الثوار من الوقود اللازم لاستمرار الشعلة، فليس من المفهوم أن تقوم ثورة تحررية تطالب بالاستقلال دون أن يكون العنف شكلًا رئيسيًّا من أشكال نضالها.

ونستطيع أن نقول أيضًا إن كبار المُلَّاك الزراعيين كانوا يرون في الثورة وسيلةً للحصول على قدر من المشاركة في السُّلطة، خاصةً وأن الجمعية التشريعية كانت قد عُطِّلت عند بداية الحرب، ولم يكُن هناك أيُّ شكل شرعي يمارسون من خلاله السُّلطة السياسية لتدعيم الامتيازات والحقوق الاقتصادية، والتي كانت قد تأكدت بعد استقرار الملكية الفردية للأرض الزراعية في ١٨٩١م، ومن ثَم رأوا أن تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م يعطي لهم هذه المشاركة من حيث تأسيس جمعية وطنية تضع الدستور وتقرر مشروع الاتفاق.

حقيقة أن سعد زغلول الذي بدأ معتدلًا، تطور كثيرًا بعد اندلاع الثورة في مارس، وشعر أن وراءه قوةً شعبيةً يمكن الاستناد إليها، الأمر الذي دفعه إلى مزيد من التشدُّد في موقفه، فربط نفسه بهذه القُوى الجماهيرية استنادًا إلى التوكيل، أكثر مما ربط نفسه بالجناح المعتدل في الوفد، ولعلَّ هذا يفسر رفضه لمشروع ملنر الذي رأى أنه لا يحقِّق الاستقلال التام، كما سبقت الإشارة، ويفسر أيضًا وجود جهاز سري للثورة تابع له مباشرةً، دون أن يعلم به بقية أعضاء الوفد أو أعضاء لجنته المركزية في القاهرة، باستثناء عبد الرحمن فهمي، سكرتير اللجنة المركزية والمسئول عن الجهاز.١٢٣

ومع هذا فلم يكُن في استطاعة سعد زغلول، في تقديرنا، أن يفعل شيئًا كثيرًا لاستثمار الثورة، فقد بقي وحده — ومعه نفر قليل — بعد أن سعى كبار المُلَّاك بعضهم إلى بعض، وقدَّموا استقالتهم من الوفد، وكل ما فعله — وهذا له أهميته الكبرى — أنه حدَّد قُوى الثورة الحقيقية في جماهير الشعب المصري التي وُصفت بالرعاع والغوغاء، وحدَّد القُوى المضادة للثورة في كبار المُلَّاك وأصحاب المصالح.

وإذا كان أحدٌ قد أفاد من ثورة الجماهير في ١٩١٩م، فهم كبار المُلَّاك الزراعيين بالدرجة الأولى، الذين جاءت مكاسبهم على مرحلتين؛ الأولى تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م الذي أتاح لهم قدرًا من المشاركة السياسية في الحكم مع الإنجليز، وقيامهم بوضع دستور يعبِّر عن مصالحهم في مختلف دقائقه وتفاصيله كما سبقت الإشارة، أمَّا المكسب الثاني فقد كان معاهدة ١٩٣٦م التي كان من أهمِّ نتائجها بالنسبة لهم إلغاء الامتيازات الأجنبية، فأتاح لهم بذلك متنفَّسًا اقتصاديًّا رحبًا وفُرصًا واسعةً للاستثمار بعيدًا عن القيود الثقيلة التي كانت تفرضها تلك الامتيازات، والتي كانت تحُول بينهم وبين حماية استثماراتهم كما سبقت الإشارة.

وهكذا انتهت ثورة الجماهير في ١٩١٩م إلى اطمئنان أصحاب المصالح الخاصة على مصالحهم، وتدعيمها وحمايتها بالسلطات التشريعية والتنفيذية التي اكتسبوها بعد أن تسلموا الحركة الوطنية وتولَّوا قيادتها ووجهوها إلى حيث شاءوا، فأصبح من المتوقَّع دائمًا أن يقاوموا أيَّ حركة تحاول التعرض لامتيازاتهم، وأن يقوموا بقمعها بشدة، كما حدث بالنسبة لمظاهرات وأحداث فبراير ١٩٤٦م التي تزعمتها لجنة الطلبة والعمال.

وكانت هذه اللجنة قد دعت في بياناتها إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية «لأن الحكومة تزيد الأغنياء غِنًى والفقراء فقرًا، وأن الباشوات الرأسماليين يشتركون في مجالس إدارة عدَّة شركات بلغ استغلالها للشعب حدًّا كبيرًا، ولا هدف لها غير توفير الأرباح الفاحشة لحفنة من كبار الرأسماليين، وأن سوء توزيع الثروة القومية يتطلب إعادة الأرض ومنحها للفلاحين في شكل ملكيات صغيرة وإنشاء نظام تعاوني».١٢٤
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن إسماعيل صدقي دافع عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أمام مجلس الشيوخ في ١٥ يوليو ١٩٤٦م، كما تحدَّث في هذه الجلسة عن الدعوة للاشتراكية التي كانت تنتشر في تلك الأيام، وعن حركات العمال، ولجنة العمال للتحرر القومي، ولجنة الطلبة التنفيذية، ثم اللجنة الوطنية للعمال والطلبة التي يؤدي نشاطها إلى هدم النظام القائم. وفي محاولة اكتساب كبار المُلَّاك من أعضاء المجلس إلى جانبه والحصول على تأييدهم لسياسته قال لهم «إن الطلبة هناك سيعملون لإفساد العلاقات في القُرى بين المُلَّاك والمزارعين، وهذا أشدُّ ما يكون خطرًا على النظام الاجتماعي».١٢٥

ولقد وجد كبار المُلَّاك الزراعيين في السُّلطة التشريعية بأشكالها المختلفة التي شهدتها الفترة من مجلس شورى النواب ومجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية ومجالس النواب والشيوخ ومجالس المديريات بنِسبٍ ضمنت لهم التفوق وحماية مصالحهم، كما كانوا في السُّلطة التنفيذية، أيْ في الوزارات التي حكمت خلال الفترة، كما انتشروا في كل الأحزاب السياسية التي ظهرت على مسرح الحياة السياسية بعد التجمع الوفدي الكبير في ثورة ١٩١٩م، وبنِسبٍ متفاوتةٍ أكثرُها في الواقع كان في حزب الأحرار الدستوريين، وأقلُّها كان في الوفد، مما يدل على أن تعدُّد الانتماء الحزبي لكبار المُلَّاك نوع من الرفاهية السياسية ومحاولة للتمتع بقدر من السُّلطة، حتى لقد كان أبناء الأُسر الكبيرة يوزعون أنفسهم في أكثر من حزب ضمانًا للسُّلطة وحمايةً لمصالحهم مع أيِّ حزب يكون في الحكم، فضلًا عن سهولة الانتقال من حزب إلى آخر دون دورة الانتخابات المختلفة.

يُضاف إلى هذا أن نقد الأحزاب لبعضها، وهي خارج الحكم، كان يتناول فقط العلاقات مع إنجلترا بأبعادها المختلفة، أو التشهير بمثالب كل حزب ومخالفاته، ولكن لم يحدث اختلاف بينها على السياسة الاقتصادية والاجتماعية العامة، ولا عجب في هذا، فأغلبهم، إن لم يكونوا جميعًا، أبناء تكوينة اجتماعية واحدة.

وإذا كان هناك اختلاف بين هذه الأحزاب فقد كان في الوسائل لا الأهداف، وأوضح دليل على ذلك أن سعد زغلول ومَن بقي من الوفد حينما عاد إلى مصر بعد النفي الثاني، دخل أول انتخابات عُقدت على أساس دستور ١٩٢٣م الذي لم يشترك في وضعه، بل كان قد وصف اللجنة التي وضعته بلجنة الأشقياء.

ولما اندلعت ثورة الجماهير في مارس ١٩١٩م ضدَّ الإنجليز مطالبةً بالاستقلال الوطني التام، حرص كبار المُلَّاك الذين تصدَّوا لقيادتها على ألَّا تتجاوز الحركة مصالحهم، خاصةً بعد أن سيطر العنف على مشاعر الجماهير، وأخذوا يدمرون كل ما يرمز للسيطرة والاحتلال، ومن هنا كان إسراعهم بالاتفاق مع الإنجليز وقبولهم مشروع ملنر الذي كان دون مطلب الحركة الوطنية ولا يحقِّق الاستقلال التام.

ولقد كان كبار المُلَّاك في حركتهم السياسية يحرصون على مصالحهم الاقتصادية، ومميزاتهم الاجتماعية، وهذا وضع طبيعي، فالإنسان لا يتحرك ضدَّ مصالحه، ولكنه يتحرك مع مصالحه وضدَّ مصالح الآخرين إذا اقتضى الأمر ذلك، وليس من المتصوَّر أن يرتفع الإنسان عن حدود مصالحه الخاصة إلا إذا كان فوق مستوى البشر.

وفي ضوء هذه الاعتبارات يمكن إدراك فلسفة حكم كبار المُلَّاك الزراعيين ومَن شاركهم من أصحاب المصالح الصناعية والتجارية للمجتمع المصري خلال الفترة.

١  محمد خليل صبحي، تاريخ الحياة النيابيَّة في مصر، ج٤، القاهرة ١٩٤٧م، ص١٠.
٢  راجع ما ذكره مالورتي Malortie من أن خطوة إسماعيل جاءت تحت ضغط داخلي وخارجي يتعلق بالأزمة المالية:
Malortie, Baron de: Egypt, Native Rulers Foreign Interference, London 1883, p. 117.
انظر أيضًا: أحمد عبد الرحيم مصطفى، مصر والمسألة المصرية ١٨٧٦–١٨٨٢م، دار المعارف ١٩٦٥م، ص٢٢-٢٣.
٣  أمين سامي، تقويم النيل وعصر إسماعيل، مجلد ٢، ج٣، ص٦٧٦.
٤  نفسه، ص٦٧٨-٦٧٩.
٥  نفسه، ص٦٧٦-٦٧٧.
٦  Landau: Parliaments and Parties in Egypt, New York 1954, p. 22.
ومن هذه المسائل تنظيم العمل في العمليات الخاصة بالريِّ، ووضع نظام للريِّ بالوجه القبلي، وإصدار لائحة ترتيب مجالس تفتيش الزراعة (يناير ١٨٧١م)، والاعتراض على تقسيم أرض الانتفاع بالميراث وأن يكون التكليف باسم أرشد أفراد الأُسرة (١٨٦٩م). راجع: الرافعي، عصر إسماعيل، ج٢، ص٩١–٩٤، وادي النيل، أسبوعية، ٤ يونيو ١٨٦٩م، ١٧ يونيو، ٢٢ يونيو ١٨٧٠م، روضة الأخبار، أسبوعية، ٢٨ / ٣ / ١٨٧٥م، نظارة المالية، لوائح الأطيان المصرية، نص لائحة ترتيب مجالس تفتيش الزراعة، ص٤.
٧  Sabry, M.: La Genese de L’Esprit National Egyptian 1863–1882, Paris 1924, pp. 142-143.
٨  أحمد عبد الرحيم مصطفى، المرجع السابق، ص٨٦–٨٧.
٩  Landau: Op. Cit., p. 22.
١٠  التجارة، ٣، ٨ / ٢ / ١٨٧٩م.
١١  نفسه.
١٢  كان إسماعيل راغب أول رئيس مجلس شورى النواب (١٨٦٦م)، كما كان يعدُّ المتحدث بلسان الذوات الأتراك المدنيين أرباب المناصب الكبرى، وقد شغل منصب ناظر المالية في وزارة محمد شريف باشا (٧ أبريل–٥ يوليو ١٨٧٩م)، كما تولَّى رئاسة مجلس النظَّار (١٧ يونيو–٢١ أغسطس ١٨٨٢م).
١٣  التجارة، ٥ / ٤ / ١٨٧٩م.
١٤  الرافعي، المرجع السابق، ص١٩٩-٢٠٠.
١٥  انظر مظاهر ذلك في: الوقائع المصرية ٣١ / ٨ / ١٨٧٩م، ١٢، ١٩ / ١ / ١٨٨٠م، الرافعي، الثورة العرابية، ص٤٢.
١٦  أحمد عرابي، مذكرات عرابي «كشف الستار»، ج١، ص٢٣٠.
١٧  Blunt, W. S.: Secret History of the British Occupation of Egypt, 2nd, ed., London 1907, p. 490.
١٨  وهؤلاء هم: محمد سلطان باشا – سلطان أباظة باشا – حسن الشريعي باشا – أحمد المنشاوي بك – أمين الشمسي بك – الشيخ علي الليثي – عبد السلام المويلحي بك – الشيخ أحمد محمود – الشيخ الصباحي – إبراهيم الوكيل.
١٩  المحروسة، ١٩ / ١ / ١٨٨١م.
٢٠  المفيد، ٢٢ / ١٢ / ١٨٨١م.
٢١  الوقائع المصرية، ٢٢ / ١٢ / ١٨٨١م.
٢٢  الرافعي، الثورة العرابية، ص١٨٧-١٨٨.
٢٣  ومن أبرز المشروعات التي تقدموا بها: منع تصدير الغلال في موسم الحصاد، ووضع قانون ينظم علاقة الموظفين بالأهالي، وقانون ينظم أحوال العُمَد والمشايخ وتحسين الريِّ وإنشاء خزان عند أسوان (الوقائع المصرية ٤، ٩، ٢٨ / ٣ / ١٨٨٢م).
٢٤  انظر: الرافعي، المصدر السابق، ص٢٦٣–٢٦٦.
Blunt: Op. Cit., pp. 268-269.
٢٥  الوقائع المصرية، ١١ / ١ / ١٨٨٢م.
٢٦  أحمد عبد الرحيم مصطفى، مصر والمسألة المصرية، ص١٩٤.
٢٧  انظر: الرافعي، الثورة العرابية، ص٢٧٧–٢٧٩، الوقائع المصرية ٣١ / ٧ / ١٨٨٢م.
٢٨  وثائق الثورة العرابية، قضية أحمد عرابي، محفظة ٨، ملف ٥٣، إجابات عرابي على التهم المنسوبة إليه، ص٣. ونفس المحفظة، وثيقة ٣٢-٣٣ بتاريخ ٦ و٣ / ٩ / ١٨٨٢م. ونفس المحفظة، ملف ٥٣ / ٤ / ٢، وثيقة ١٦ بدون تاريخ.
٢٩  مذكرات عرابي، ج٢، ص٢٣-٢٤.
٣٠  قدَّم الهدية لفيفٌ من كبار الأعيان نيابةً عن أعيان البلاد، وأعضاء مجلس شورى النواب؛ وهؤلاء هم: محمد سلطان – محمد الشواربي – عبد الشهيد بطرس – عبد السلام المويلحي – محمود سليمان – أحمد السيوفي. انظر: الوقائع المصرية، ٢٨ / ٩ / ١٨٨٢م، ٨ / ٤ / ١٨٨٣م.
٣١ 
  • Cromer: Modern Egypt, vol. 11, London 1908, pp. 169–178.
  • Tignor. R.: Modernization and British Colonial Rule in Egypt 1882–1914, Princeton 1960, p. 175.
٣٢  أحمد قمحة وعبد الفتاح السيد، نظام القضاء والإدارة، ط ٢، القاهرة ١٩٢٣م، ص١٢٤–١٣٣. انظر أيضًا: النافع ٣ / ٢ / ١٩٠٥م، أحمد شفيق، مذكراتي في نصف قرن، ج١، القاهرة ١٩٣٤م، Egypt No. 1 (1907) p. 28.
٣٣  مضابط شورى القوانين، ١٧، ٢٠ / ٦ / ١٨٩١م، ٢٦ / ٤ / ١٨٩٣م، ٧ / ٩ / ١٨٨٧م.
٣٤  اتجهت مناقشة أبواب الميزانية إلى التخفيف من قيمة الضرائب، والاعتراض على إنشاء الأقلام divisions الإفرنجية بالمصالح الحكومية، وإلغاء مجلس بلدية الإسكندرية لسيطرة الأجانب عليه، والاعتراض على الاعتمادات المخصَّصة لجيش الاحتلال.
انظر: مضابط شورى القوانين، جلسات ٢٣ / ١٢ / ١٨٩٣م، ١١ / ١٢ / ١٨٩٤م، ١٠ / ١٢ / ١٨٩٦م، ٢٩ / ١٢ / ١٨٩٦م، ١٥ / ١٢ / ١٩٠٠م.
٣٥  انظر: عبد الرحمن الرافعي، مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، ط ٤، القاهرة ١٩٦٢م، ص١٦٦-١٦٧، ١٨٥–١٨٧، الجمعية العمومية، جلسة ٢٥ / ٢ / ١٩٠٤م. انظر أيضًا:
Baer, G: Studies in the Social History of Modern Egypt, pp. 147-148.
Alexander: The Truth About Egypt, London 1911, pp. 218-219.
٣٦  حاولت بلنت Blunt إقناع كرومر في فبراير ١٨٩١م بإشراك بعض الأعيان في الحكم عن طريق «وزارة إصلاح» تضمُّ في هيئتُها بعض الأعيان المصريين، واقترح بلنت أسماء: الشيخ محمد عبده، وحسن باشا الشريعي، وبلبع بك، وأمين بك فكري، وسعد زغلول، وأحمد محمود، وإبراهيم الوكيل، ومحمود بك شكري، وأحمد بك حشمت، ويوسف بك شوقي، ولكن كرومر رفض مثل هذه الفكرة بحُجَّة أن الحكمة تقتضي التريُّث في اتخاذ هذه الخطوة، حتى ينقرض النظَّار الأتراك تدريجيًّا. انظر:
Baer, G: Studies in the Social History of Modern Egypt 1888-1914, Vol. 1, London 1918, pp. 56–61.
٣٧  الحزب الوطني، والحزب الجمهوري المصري، وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، وحزب العمل ١٩٠٩م، والحزب الاشتراكي المبارك ١٩٠٩م.
٣٨  الجريدة، ٢١ / ٩ / ١٩٠٧م، ٣٠ / ٩ / ١٩٠٧م.
٣٩  أحمد شفيق، مذكراتي في نصف قرن، ج٢، ص١٥٢–١٥٦.
٤٠  وهي اللجنة التي كوَّنها (بنجمان مرزلي)؛ وهو قاضٍ إنجليزي عمل بالمحاكم الأهلية في مصر (١٩٠٤م)، ثم اعتزل الخدمة واشتغل لحساب الخديو عباس حلمي الثاني بهدف تكوين جماعة من السياسيين الإنجليز، وأعضاء مجلس العموم تعطف على وجهة نظر الخديو، وكان أهم أعضاء تلك اللجنة (روبرتسون) الذي كان عضوًا بمجلس العموم وأحد أعضاء حزب الأحرار البارزين (انظر: مذكرات الخديو عباس حلمي الثاني، المصري، ٩ / ٧ / ١٩٥١م).
٤١  كان الوفد يتكون من إسماعيل باشا أباظة، ومحمد الشريعي بك، وعبد اللطيف الصوفاني بك، ومحمد عثمان أباظة بك، وناشد حنا بك (المصدر السابق، نفس العدد).
٤٢  من خطاب إسماعيل باشا أباظة في المأدبة التي أقامها لبعض أعضاء مجلس العموم البريطاني، في لندن، يوم ٢٨ يوليو ١٩٠٧م (المؤيد، ٧ / ٩ / ١٩٠٨م).
٤٣  انظر: نص المذكرة التي تقدَّم بها الوفد إلى السير إدوارد جراي (المصدر السابق، ٢ / ٩ / ١٩٠٨م).
٤٤  مضابط شورى القوانين، جلسة ٢٢ / ٦ / ١٩٠٩م.
٤٥  أحمد محمد حسن وآخر، مجموعة القوانين، ص١١٦٦-١١٦٧.
٤٦  مضابط الجمعية العمومية، جلسة ٢٤ / ٣ / ١٩١٠م، ٣٠ / ٣ / ١٩١٠م. انظر: متابعة الحركة المطالبة بالدستور في: مضابط مجلس شورى القوانين؛ جلسة ٢١ / ٥ / ١٩١١م، ٢٩ / ١١ / ١٩١١م، ١٠ / ٧ / ١٩١٢م.
٤٧  أحمد قمحة وآخر، نظام القضاء والإدارة، ص١٥١ وما بعدها. انظر أيضًا: تقرير المعتمد البريطاني عن الانتخابات في: F.O., 371/1964/15259.
٤٨  اهتمَّ بعض الأعضاء من كبار المُلَّاك (محمود باشا أبو حسين – الشيخ محمد حسن عزام – كامل صدقي بك) بالتعليم الزراعي والصناعي والتجاري، وقدَّموا اقتراحاتٍ في هذا الصدد (انظر: مضابط الجمعية التشريعية، جلسات ٣٠ / ٤، ١١ / ٥، ١٦ / ٥، ١٣ / ٦ / ١٩١٤م.)
٤٩  أعضاء اللجان الداخلية بالهيئات النيابيَّة، وهيئات الشيوخ مستخرجة من مضابط البرلمان خلال الفترة. وتحديد كبار المُلَّاك في هذه اللجان يستند إلى قانونَي الإصلاح الزراعي ١٧٨ / ١٩٥٢م، ١٢٧ / ١٩٦١م.
٥٠  مجلس النواب، ٤ / ١ / ١٩٢٨م.
٥١  نفسه.
٥٢  مجلس النواب، ١٣ / ١ / ١٩٢٨م.
٥٣  نفسه.
٥٤  نفسه، ٤ / ١ / ١٩٢٨م.
٥٥  G. Baer: Op. Cit., p. 144.
٥٦  مذكرة بإنشاء مجلس التجارة الزراعية (المقطم، ١١ / ٤ / ١٩١٦م).
٥٧  المرسوم الملكي بتشكيل الاتحاد الملكي لجمعيات رعاية الحيوان بالمملكة المصرية (مجلة الزراعية المصرية، يوليو ١٩٤٣م). وقد كان الأعضاء الثمانية في مجلس إدارة هذا الاتحاد لعام ١٩٤٧م، ١٩٥٠م، على سبيل المثال، من كبار المُلَّاك، وهم: محمد زكي عبد الرازق، وعبد الظاهر عبد العزيز الجمال، وأحمد قرشي (عن الوجه القبلي)، ورياض أبو حسين، والسعدي الأتربي (عن الوجه البحري)، وفؤاد أباظة، وصالح عنان (القاهرة)، ومحمد فرغلي، والسيد الدليل، ومحمد عبد المنعم الديب (عن الإسكندرية). انظر: المجلة الزراعية المصرية، أكتوبر ونوفمبر وديسمبر ١٩٤٧م، ١٩٥٠م.
٥٨  يوسف نحاس، المصدر السابق، ملحق الكتاب.
٥٩  انظر: الفصل الثالث من هذا الكتاب.
٦٠  الأهالي، ١٦ / ٤ / ١٩١٩م.
٦١  المقطم، ٣ / ١٢ / ١٩٣٢م.
٦٢  محمد زكي عبد القادر، أقدام على الطريق، ص٣٤٧، وعلى سبيل المثال: فؤاد سراج الدين الذي تولَّى سكرتارية الوفد فيما بعد، ومحمد سليمان الوكيل، ومحمد المغازي عبد ربه، وبشري حنا، ومحمد الحفني الطرزي، وأحمد مصطفى عمرو، وفهمي ويصا، ومحمد صبري أبو علم، وكمال علما، وسيد بهنس، ومحمد محمود خليل.
٦٣  في أبريل ١٩٢١م، خرجت مجموعة من الوفد المصري مكونة من علي شعراوي، ومحمد محمود، وحمد الباسل، وعبد اللطيف المكباتي، وأحمد لطفي السيد، ومحمد علي علوبة، وجورج خياط، وكلهم من كبار المُلَّاك (المقطم ٣٠ / ٤ / ١٩٢١م)، وفي أكتوبر ١٩٢٢م أعلن هؤلاء قيام الحزب.
٦٤  السياسة ٤ / ١٠ / ١٩٢٥م.
٦٥  نفسه، ٢٥ / ٢ / ١٩٢٩م.
٦٦  نفسه، ٢٣ / ٦ / ١٩٣٠م.
٦٧  L. J. Cantori: The Organizational Basis of an Elite Political Party: The Egyptian Wafd, p. 319-320.
٦٨  السياسة، ١١ / ١ / ١٩٢٥م.
٦٩  المقطم، ١ / ٤ / ١٩٢٥م.
٧٠  أحمد عبد الرحيم مصطفى، المصدر السابق، ص١٠٥.
٧١  المقطم، ١٩ / ١١ / ١٩٣٠م.
٧٢  G. Baer: Op. Cit., p, 146.
٧٣  Ibid., p. 174.
٧٤  مكلفة نواحي مركز الفيوم، المدَّة من ١٩٠٧–١٩٣٠م، دار المحفوظات العمومية.
٧٥  مكلفة مراكز سوهاج وقنا، المدة من ١٩١٤–١٩٤٨م، دار المحفوظات العمومية.
٧٦  انظر: متابعة للانتقال من حزب إلى حزب بين كل انتخابات وأخرى في:
السياسة، ١١،٦،٤ / ١، ١٣ / ٣ / ١٩٢٥م، ٢٥ / ٥ / ١٩٢٦م، ٢٠ / ٢ / ١٩٢٨م، ١٥ / ١١ / ١٩٢٩م، ١٩ / ١١ / ١٩٣٠م، ٢٣ / ٥، ١٣،٣ / ٦ / ١٩٣١م، ٦ / ٥ / ١٩٣٦م، ٣،٢،١ / ٤ / ١٩٣٨م، ٥ / ١١ / ١٩٤٩م.
٧٧  انظر: برامج الأحرار الدستوريين (السياسة، ٣٠ / ١٠ / ١٩٢٢م)، وحزب الاتحاد (السياسة، ١١ / ١ / ١٩٢٥م)، وحزب الشعب (المقطم، ٢٠ / ١١ / ١٩٣٠م).
٧٨  محمد الشريعي، بيان حقيقة حول نادي الأعيان (الأهالي، ٢٩ / ٩ / ١٩١٩م).
٧٩  الأهالي، ٢٩ / ٩ / ١٩١٩م.
٨٠  المقطم، ٢٦ / ٧ / ١٩١٩م (نادي الأعيان بقلم قليني فهمي)، ٢٨ / ٧ / ١٩١٩م (نادي الأعيان بقلم محمد إبراهيم هلال). انظر: مناقشات لاقتراح إنشاء النادي في: المقطم ٥ / ٨ / ١٩١٩م، ١٥ / ٨ / ١٩١٩م، ٢٣ / ٨ / ١٩١٩م، الأهالي ١٢ / ٨ / ١٩١٩م.
٨١  لجنة وضع المبادئ العامة، جلسات: ١٩–٢١ / ٤ / ١٩٢٢م، ٥ / ٥ / ١٩٢٢م.
٨٢  اللجنة العامة للدستور، جلسة ٣٠ / ٤ / ١٩٢٢م.
٨٣  اللجنة العامة للدستور، جلسة ٧ / ٦ / ١٩٢٢م.
٨٤  مجلس النواب، ٤ / ١ / ١٩٢٨م.
٨٥  لجنة وضع المبادئ العامة، جلسات ١٩–٢٨ / ٤ / ١٩٢٢م، ٥–٧ / ٥ / ١٩٢٢م، وراجع أيضًا وجهات النظر المختلفة بشأن تقييد سلطات الملك دستوريًّا في: محمد حسين هيكل؛ مبادئ في السياسة المصرية، ط ١، ص١٣٧. عبد العزيز فهمي، هذه حياتي، ص١٣٩-١٤٠، وأيضًا في:
V. Wavell, Op. Cit., pp. 92-93.
٨٦  السياسة الأسبوعية، ٢٦ / ٣ / ١٩٢٧م (سلسلة مقالات بعنوان: في المرآة، بدون توقيع).
٨٧  Charles Issawi: Op. Cit., p. 34.
٨٨  F.O. 371/1964/15252.
٨٩  المقطم ٢٧ / ٦ / ١٩١٦م، ١٣ / ١٢ / ١٩١٦م.
٩٠  المقطم ٢٩ / ٥ / ١٩٢٧م.
٩١  محمد أنيس، والسيد رجب حراز، ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، وأصولها التاريخية، ص١١٣. انظر أيضًا:
John Marlowe: Anglo-Egyptian Relations 1800–1953, p. 258.
٩٢  تشير الإحصائيات إلى أن ثمن العقارات التي رست بالمزاد على البنوك العقارية في نهاية عام ١٩١٦م بلغت ١٫٣٤٠٫٢٥١ جنيه، ثمن ٤٢ عمارة، ١١٤٥٧ فدَّانًا (للبنك العقاري المصري)، ٢٠٧٦٨٠ جنيهًا، ثمن عمارتين، ٣٨١٦ فدَّانًا (لبنك الأراضي المصرية)، ١٦٩١٥٩ جنيهًا، ثمن أراضٍ وعمارات لشركة الرهن العقاري. انظر: خليل حسن خليل، المرجع نفسه؛ ص٣٥٦، وكان من بين المَدينين صفوة من كبار المُلَّاك على مدى سنوات ١٩١٤–١٩١٧م. انظر أيضًا:
F.O. 371/1964/15252.
٩٣  يوسف نحاس، المرجع نفسه؛ ص٦. انظر أيضًا:
Milner Papers: Wingate to Graham, March 24, 1918, “Private letters, box 2”.
٩٤  Lord Lloyd: Egypt since Cromer, vo 1, p. 244; Charles Issawi Op. Cit., p. 38.
٩٥  تقرير مدير البحيرة عن أسباب المظاهرات كما تلقَّاها من المراكز في ١٢ / ٦ / ١٩١٩م. وأيضًا: ملف مأمور مركز دمنهور خلال ثورة ١٩١٩م، وملف مأمور مركز أطسا الذي يذكر أنه كان قد فرض على حمد الباسل باشا تقديم ٢٧٠ إردبًّا ذرة، فطلب تخفيضها إلى ١٥٠ إردبًّا، فوافق على ذلك وأخذ نقودًا بقيمة الباقي (دار المحفوظات العمومية).
٩٦  ملفات مأمور مركز دمنهور، ومأمور مركز جرجا، ومأمور سوهاج، ومأمور مركز طهطا خلال ثورة ١٩١٩م (دار المحفوظات العمومية).
٩٧  قامت السُّلطات الإنجليزية باعتقال ٥١٨ شخصًا فور إعلان الحرب. انظر:
F.O., 141-469-1616.
٩٨  أحمد عبد الرحيم مصطفى، المصدر السابق؛ ص٩٧-٩٨.
٩٩  R. M. Graves to K. Boyd, December 1, 1918 (Wingate Papers, box 170); F.O. 407/184 Memo, by Patterson, Director of State Accounts.
١٠٠  عبد الرحمن الرافعي، ثورة ١٩١٩م؛ ط ٢، ص١٠٢، أحمد عبد الرحيم مصطفى، المرجع نفسه؛ ص١٠٧.
١٠١  انظر في هذا ما قاله عبد العزيز فهمي للطلاب الذين أرادوا التظاهر احتجاجًا على اعتقال سعد زغلول وزملائه «إنكم تلعبون بالنار، دعونا نعمل في هدوء ولا تزيدوا غضب الإنجليز». انظر أيضًا: ملفات مأموري مراكز فارسكور، وديروط، ودمنهور، وأطسا، وبني مزار، وتحتوي على التحقيقات مع المأمورين لعدم تصدِّيهم للعنف (ملفات المعاشات بدار المحفوظات). وانظر أيضًا:
F.O. 407/184, Memo, by Sir R. Graham on The Unrest in Egypt.
١٠٢  ملف مأمور مركز بني مزار (دار المحفوظات العمومية). انظر أيضًا:
Murray Harris, Op. Cit., p. 154; F.O. 141/780/8915, 24 April, 1919; F.O. 848, Report on the Political Situation at June 1919.
١٠٣  دفاتر قيد عُمَد ومشايخ مراكز بني مزار وأطسا وديروط. وأيضًا:
F.O. 141/743/8974.
١٠٤  Rough Notes taken at the Meeting of the National Delegation with General Watson and a Subsequent interview with General Clayton, March 16, 1919 (Clayton Papers, Box 470).
١٠٥  V. Wavell, Op. Cit., p. 38; Valentine Chirol, Op. Cit., p. 139.
وأيضًا الأهالي، ٣٠ / ٣ / ١٩١٩م.
١٠٦  الأهالي، ٢٨ / ٣ / ١٩١٩م.
١٠٧  L. J. Cantori, Op. Cit., p. 205-206.
١٠٨  عبد الرحمن الرافعي، ثورة ١٩١٩م، ج١، ص٢٥٢.
١٠٩  المقطم، ٧ / ١١ / ١٩١٩م. انظر أيضًا:
Valentine Chirol, Op. Cit., p. 158–160.
١١٠  ملف مأمور مركز فارسكور خلال ثورة ١٩١٩م (دار المحفوظات العمومية).
١١١  ملفَّات مأموري مراكز بني مزار، وفارسكور، وأطسا، ودمنهور، وديروط، وملفَّات معاوني مركز ديروط، وأطسا، وملفَّات ملاحظ بوليس ديروط وملاحظ نقطة دير مواس خلال ثورة ١٩١٩م (دار المحفوظات العمومية).
١١٢  عبد الرحمن الرافعي، ثورة ١٩١٩م؛ ج٢، ص٥٦–٦٩.
١١٣  أنيس وحراز، المصدر السابق؛ ص١١٨. وأيضًا:
Valentine Chirol, Op. Cit., p. 163.
١١٤  أحمد بهاء الدين، المصدر السابق، ص١٢٧.
١١٥  F.O., 141-780-8915. Report, March, 31, 1919.
١١٦  انظر متابعة لهذه المقابلات في الوثائق البريطانية الآتية:
F.O., 848-12. Special Letter to Clayton, February 6, 1920.
F.O., 848-21-3967.
F.O., 848-5-404.
F.O., 848-8-3953.
١١٧  أحمد عبد الرحيم مصطفى، المرجع السابق، ص٢٣-٢٤.
١١٨  نفسه، ٢٠ / ١٢ / ١٩٢٠م.
١١٩  Amine Youssef Bey, Independent Egypt, p 136.
انظر أيضًا: تقارير الخارجية البريطانية في ٣، ٨ مايو ١٩٢١م عن تحول بعض الشخصيات لتأييد طريق المفاوضات، راجع: F.O., 141-514-12487.
١٢٠  Charles Issawi, op, cit., p. 40.
١٢١  أحمد عبد الرحيم مصطفى، المصدر السابق، ص١٢٢، ١٢٦.
١٢٢  نفسه، ص١٢٦، ١٣٢. انظر أيضًا:
Amin Youssef Bey, Op. Cit., p. 86; V. Wavell, Op. Cit., p. 68.
١٢٣  أنيس وحراز، المرجع نفسه؛ ص١١٦، ١١٨.
١٢٤  أنيس وحراز، المرجع نفسه؛ ص١٧٥، المقطم ٧ / ٨ / ١٩٤٦م.
١٢٥  مجلس الشيوخ، جلسة ١٥ / ٧ / ١٩٤٦م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤