الفصل الحادي عشر

جيمي يَفِي بِوَعْدِهِ

كُنْ صَادِقَ الْوَعْدِ، صَادِقًا مَعَ نَفْسِكَ، مَهْمَا صَارَ وَمَهْمَا كَانَ.

حِينَ صَاحَ جيمي بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ فِي رَدْهَةِ مَنْزِلِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمِ مُخْبِرًا الْأَرْنَبَ بيتر بِأَنَّهُ سَيَعُودُ مَعَ حُلُولِ الظَّلَامِ، لَمْ يَكُنْ جَادًّا تَمَامًا؛ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُشْعِرَ بيتر بِالِاضْطِرَابِ وَالْقَلَقِ. وَالْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ جيمي لَمْ يَعُدْ غَاضِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَقَدْ كَانَ قَدِ اسْتَعَادَ طَبِيعَتَهُ الطَّيِّبَةَ، وَصَارَ مَيَّالًا لِلضَّحِكِ هُوَ نَفْسُهُ عَلَى دُعَابَةِ بيتر، لَكِنَّهُ شَعَرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُتْرَكَ بيتر دُونَ عِقَابٍ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ؛ وَلِذَا قَرَّرَ أَنْ يُخِيفَهُ قَلِيلًا. كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ بيتر لَنْ يَجْرُؤَ عَلَى الْخُرُوجِ خِلَالَ سَاعَاتِ النَّهَارِ بِسَبَبِ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ الَّتِي كَانَ عُشُّهَا فِي مَدْخَلِ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ الْقَدِيمِ، كَمَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ بيتر لَنْ يَجْرُؤَ عَلَى مُوَاجَهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَخْشَى أَنْ يَلْقَى مَصِيرَ الثَّعْلَبِ ريدي. وَلِذَلِكَ أَخَبَرَ بيتر أَنَّهُ سَيَعُودُ عِنْدَ حُلُولِ الظَّلَامِ، فَقَدْ شَعَرَ بِأَنَّهُ إِذَا بَقِيَ بيتر حَبِيسًا هُنَاكَ لِفَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، شَاعِرًا بِالْقَلَقِ طَوَالَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَيَخْرُجُ بِهَا، فَسَيَتَرَدَّدُ كَثِيرًا فِي مُحَاوَلَةِ تَكْرَارِ مِثْلِ هَذِهِ الْخُدْعَةِ مَرَّةً أُخْرَى.

وَبَيْنَمَا كَانَ جيمي يَسِيرُ مُتَهَادِيًا بَاحِثًا عَنْ بَعْضِ الْخَنَافِسِ، رَاحَ يَضْحَكُ وَيَضْحَكُ وَيَضْحَكُ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: «أَعْتَقِدُ أَنَّ بيتر الْآنَ يَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ لَمْ يُفَكِّرْ فِي تَدْبِيرِ هَذِهِ الْخُدْعَةِ لِي وَلِلثَّعْلَبِ ريدي. رُبَّمَا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ اللَّيْلَةَ، وَرُبَّمَا لَا أَعُودُ، إِنَّهُ لَنْ يَعْرِفَ إِنْ كُنْتُ سَأَفْعَلُ أَمْ لَا، وَلَنْ يَجْرُؤَ عَلَى الْخُرُوجِ.»

هُنَا تَوَقَّفَ جيمي وَحَكَّ رَأْسَهُ مُفَكِّرًا، ثُمَّ تَنَهَّدَ، ثُمَّ حَكَّ رَأْسَهُ وَتَنَهَّدَ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَالَ مُتَمْتِمًا: «حَقًّا؛ لَا أَرْغَبُ فِي الْعَوْدَةِ إِلَى هُنَاكَ اللَّيْلَةَ، لَكِنْ أَظُنُّ أَنَّ عَلَيَّ أَنْ أَعُودَ. قُلْتُ إِنَّنِي سَأَعُودُ؛ لِذَا عَلَيَّ أَنْ أَعُودَ، فَأَنَا أُومِنُ بِضَرُورَةِ الْوَفَاءِ بِوُعُودِي، وَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ وَاكْتَشَفَ بيتر ذَلِكَ يَوْمًا مَا، فَإِنَّهُ لَنْ يُصَدِّقَنِي فِي الْمَرَّةِ الْقَادِمَةِ عِنْدَمَا أَقُولُ لَهُ إِنَّنِي سَأَفْعَلُ شَيْئًا مَا. نَعَمْ؛ لَا بُدَّ أَنْ أَعُودَ إِلَى هُنَاكَ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ أَهَمُّ مِنْ جَعْلِ الْآخَرِينَ يُصَدِّقُونَ أَنَّكَ حِينَ تَقُولُ شَيْئًا، فَأَنْتَ تَعْنِيهِ. وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِثْلُ أَنْ تَصُونَ الْعَهْدَ لِتَجْعَلَ الْآخَرِينَ يَحْتَرِمُونَكَ.»

وَلِكَوْنِهِ يَمِيلُ إِلَى الْكَسَلِ بِطَبْعِهِ، قَرَّرَ جيمي أَلَّا يَذْهَبَ إِلَى أَبْعَدَ مِنْ أَطْرَافِ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ الَّذِي يَعْلُو مَنْزِلَ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمَ، حَيْثُ يَمْكُثُ بيتر حَبِيسًا عَلَى بُعْدِ مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ، وَهُنَاكَ وَجَدَ جيمي بُقْعَةً دَافِئَةً مُشْمِسَةً، فَتَكَوَّرَ فِيهَا عَلَى نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ قَيْلُولَةً، بَلْ إِنَّهُ قَضَى طَوَالَ النَّهَارِ هُنَاكَ. وَحِينَ أَوَى قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ الْمَرِحُ إِلَى فِرَاشِهِ وَرَاءَ التِّلَالِ الْأُرْجُوَانِيَّةِ، وَغَزَتِ الظِّلَالُ السَّوْدَاءُ أَنْحَاءَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، أَفَاقَ جيمي مِنْ غَفْوَتِهِ وَتَثَاءَبَ ثُمَّ ضَحِكَ فِي سِرِّهِ، وَسَارَ مُتَهَادِيًا إِلَى مَنْزِلِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمِ، وَإِذْ نَظَرَ إِلَى آثَارِ الْأَقْدَامِ الْمَحْفُورَةِ فِي الرِّمَالِ عِنْدَ عَتَبَةِ الْمَنْزِلِ، أَدْرَكَ أَنَّ بيتر لَمْ يَخْرُجْ؛ فَجَلَسَ جيمي وَانْتَظَرَ حَتَّى حَلَّ الظَّلَامُ. بَعْدَ ذَلِكَ، دَسَّ رَأْسَهُ فِي مَدْخَلِ الْمَنْزِلِ، فَوَجَدَ الدَّبَابِيرَ الصَّفْرَاءَ قَدْ خَلَدَتْ إِلَى النَّوْمِ وَلَنْ تُفِيقَ حَتَّى الصَّبَاحِ.

صَاحَ جيمي عَبْرَ الرَّدْهَةِ، جَاعِلًا صَوْتَهُ يَبْدُو غَاضِبًا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، قَائِلًا: «اخْرُجْ يَا بيتر، أَنَا فِي انْتِظَارِكَ!» لَكِنَّهُ كَانَ يُقَهْقِهُ ضَاحِكًا فِي سِرِّهِ، ثُمَّ اسْتَدَارَ جيمي فِي هُدُوءٍ وَانْصَرَفَ إِلَى شَأْنِهِ. كَانَ قَدْ أَوْفَى بِوَعْدِهِ.

أَمَّا عَنِ الْأَرْنَبِ بيتر، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَحَدَ أَسْوَأِ الْأَيَّامِ الَّتِي يَذْكُرُهَا فِي حَيَاتِهِ، كَانَ يَشْعُرُ بِأَلَمٍ وَوَخْزٍ مِنْ لَدَغَاتِ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ، وَظَلَّ قَلِقًا طَوَالَ الْيَوْمِ؛ مِمَّا قَدْ يَحْدُثُ لَهُ إِذَا مَا قَابَلَ الظَّرِبَانَ جيمي، وَكَمَا أَنَّهُ كَانَ جَائِعًا. كَانَ لَدَيْهِ بَصِيصٌ ضَئِيلٌ مِنَ الْأَمَلِ فِي أَلَّا يَعُودَ جيمي عِنْدَمَا يَحُلُّ الظَّلَامُ، فَزَحَفَ صَاعِدًا جُزْءًا مِنَ الرَّدْهَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَمَدَّدَ مُنْتَظِرًا التَّأَكُّدَ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الدَّبَابِيرَ الصَّفْرَاءَ الْمُخِيفَةَ قَدْ خَلَدَتْ إِلَى النَّوْمِ، وَمَا كَادَ يُقَرِّرُ أَنَّ الْوَضْعَ صَارَ آمِنًا لِأَنْ يَلُوذَ بِالْفِرَارِ، حَتَّى وَصَلَهُ صَوْتُ الظَّرِبَانِ جيمي عَبْرَ الرَّدْهَةِ. مِسْكِينٌ بيتر! كَادَ سَمَاعُ ذَلِكَ الصَّوْتِ يَفْطُرُ قَلْبَهُ.

قَالَ بيتر شِبْهَ بَاكٍ وَهُوَ يَعُودُ أَدْرَاجَهُ إِلَى حُجْرَةِ نَوْمِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمَةِ: «لَقَدْ عَادَ، لَقَدْ أَوْفَى بِوَعْدِهِ.»

مَكَثَ بيتر فِي مَكَانِهِ ذَاكَ طِيلَةَ مَا تَبَقَّى مِنَ اللَّيْلِ تَقْرِيبًا، مَعَ أَنَّ مَعِدَتَهُ كَانَتْ خَاوِيَةً حَتَّى إِنَّهَا آلَمَتْهُ. وَقُبَيْلَ مَوْعِدِ شُرُوقِ الشَّمْسِ، غَامَرَ بيتر بِالِانْدِفَاعِ خَارِجًا مِنْ مَنْزِلِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمِ، فَاجْتَازَ عُشَّ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ بِسَلَامٍ؛ إِذْ لَمْ تَكُنْ قَدِ اسْتَيْقَظَتْ بَعْدُ، ثُمَّ قَفَزَ خَارِجًا مِنَ الْبَابِ وَقَلْبُهُ يَتَوَاثَبُ فِي صَدْرِهِ مِنْ فَرْطِ الْخَوْفِ. لَمْ يَكُنِ الظَّرِبَانُ جيمي بِالْخَارِجِ؛ فَتَنَهَّدَ بيتر بِارْتِيَاحٍ ثُمَّ انْطَلَقَ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ الْآمِنِ.

وَأَخَذَ يُرَدِّدُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَجْرِي: «لَنْ أُدَبِّرَ خُدْعَةً أُخْرَى مَا حَيِيتُ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤