الفصل الثالث والعشرون

الْعَمُّ بيلي يَكْشِفُ نَفْسَهُ

لَمْ يَسْبِقْ لِلْعَمِّ بيلي أَنْ أَتْقَنَ مُمَارَسَةَ حِيلَتِهِ الْقَدِيمَةِ أَفْضَلَ مِمَّا فَعَلَ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ، وَكَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَعْرِفُ أَنَّ الْعَمَّ بيلي يَتَظَاهَرُ بِالْمَوْتِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ تَمْثِيلُ الْعَمِّ بيلي بَارِعًا حَتَّى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الصَّعْبِ عَلَى ابْنِ الْمُزَارِعِ براون أَنْ يُصَدِّقَ مَا يَعْرِفُ أَنَّهُ الْحَقِيقَةُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَمَّ بيلي نَابِضٌ بِالْحَيَاةِ، لَكِنَّهُ يَتَحَيَّنُ فُرْصَةً لِلْهُرُوبِ لَا أَكْثَرَ.

كَانَا فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ بَيْنَ فِنَاءِ الدَّجَاجِ وَالْمَنْزِلِ حِينَ جَاءَ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر لِيَلْتَقِيَ سَيِّدَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، بَيْنَمَا باوزر يَأْتِي إِلَيْهِ مُهَرْوِلًا: «الْآنَ، سَنَرَى مَا سَوْفَ يَحْدُثُ؛ إِذَا اسْتَطَاعَ الْعَمُّ بيلي تَحَمُّلَ هَذَا الِاخْتِبَارِ، فَسَأَخْلَعُ لَهُ قُبَّعَتِي كُلَّمَا الْتَقَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.» وَمَدَّ يَدَهُ بِالْعَمِّ بيلي إِلَى باوزر، فَرَاحَ الْكَلْبُ يَتَشَمَّمُهُ.

تَخَيَّلْ ذَلِكَ! تَخَيَّلْ أَنْ يَتَشَمَّمَكَ أَحَدُ الْكَائِنَاتِ الَّتِي تَرْتَعِبُ مِنْهَا دُونَ أَنْ تُحَرِّكَ سَاكِنًا! أَسْقَطَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الْعَمَّ بيلي عَلَى الْأَرْضِ، فَدَحْرَجَهُ باوزر وَتَشَمَّمَهُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى سَيِّدِهِ، وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ: «هَذَا الْكَائِنُ لَا يُثِيرُ اهْتِمَامِي، إِنَّهُ مَيِّتٌ. لَا بُدَّ أَنَّهُ ذَلِكَ الْكَائِنُ الَّذِي رَأَيْتُهُ يَدْخُلُ أَسْفَلَ حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ. كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟»

ضَحِكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَرَفَعَ الْعَمَّ بيلي مِنْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ ذَيْلِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَقَالَ لِباوزر الَّذِي كَانَ يَسِيرُ مُتَوَاثِبًا تِجَاهَ الْمَنْزِلِ: «لَقَدِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَخْدَعَكَ يَا صَدِيقِيَ الْعَجُوزَ، وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ ذَلِكَ.» كَانَتْ زَوْجَةُ الْمُزَارِعِ براون وَاقِفَةً عَلَى بَابِ الْمَنْزِلِ، تُشَاهِدُهُمْ وَهُمْ يَقْتَرِبُونَ.

سَأَلَتِ الْأُمُّ ابْنَهَا قَائِلَةً: «مَاذَا لَدَيْكَ هُنَاكَ؟ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَبُوسُومٌ! أَيْنَ قَتَلْتَهُ؟ هَلْ كَانَ هُوَ السَّبَبَ فِي وُقُوعِ تِلْكَ الْجَلَبَةِ بَيْنَ الدَّجَاجِ؟»

حَمَلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الْعَمَّ بيلي إِلَى الْمَطْبَخِ وَأَلْقَاهُ عَلَى مَقْعَدٍ، فَجَاءَتِ السَّيِّدَةُ براون لِتَنْظُرَ إِلَيْهِ عَنْ كَثَبٍ، وَقَالَتْ: «يَا لَلصَّغِيرِ الْمِسْكِينِ! يَا لَلصَّغِيرِ الْمِسْكِينِ! إِنَّهُ لَأَمْرٌ مُؤْسِفٌ لِلْغَايَةِ أَنْ يُوَرِّطَ نَفْسَهُ فِي إِيذَاءِ الْآخَرِينَ فَيَسْتَوْجِبَ قَتْلَهُ، لَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ سَبِيلًا خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ. لِسَبَبٍ مَا يَبْدُو لِي دَائِمًا أَنَّهُ مِنَ الْخَطَأِ أَنْ نَقْتُلَ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ الصَّغِيرَةَ لِمُجَرَّدِ أَنَّهَا تَسَبَّبَتْ فِي بَعْضِ الْأَذَى، فِي حِينِ أَنَّهَا طِيلَةَ الْوَقْتِ لَا تَعْرِفُ أَنَّهَا تُسَبِّبُ الْأَذَى.» ثُمَّ رَبَّتَتْ عَلَى الْعَمِّ بيلي بِحُنُوٍّ.

لَمَعَتْ عَيْنَا ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، وَتَوَجَّهَ إِلَى أَحَدِ الْأَرْكَانِ وَجَذَبَ قَشَّةً مِنْ مِكْنَسَةِ وَالِدَتِهِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْعَمِّ بيلي وَأَخَذَ يُدَغْدِغُ أَنْفَهُ. بَدَتْ عَلَامَاتُ الْحَيْرَةِ عَلَى وَجْهِ السَّيِّدَةِ براون، وَكَانَتْ حَائِرَةً بِالْفِعْلِ.

سَأَلَتِ ابْنَهَا قَائِلَةً: «لِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟»

أَجَابَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «لِمُجَرَّدِ التَّسْلِيَةِ.» وَوَاصَلَ دَغْدَغَةَ أَنْفِ الْعَمِّ بيلي. لَقَدِ اسْتَطَاعَ الْعَمُّ بيلي أَنْ يَتَحَمَّلَ أَنْ يُقْرَصَ ذَيْلُهُ، وَأَنْ يُحْمَلَ مَقْلُوبًا، وَأَنْ يُسْقَطَ عَلَى الْأَرْضِ، لَكِنْ أَنْ يُدَغْدَغَ أَنْفُهُ كَانَ أَكْبَرَ مِمَّا يَحْتَمِلُ؛ فَأَرَادَ أَنْ يَعْطِسَ، كَانَ «لَا بُدَّ» أَنْ يَعْطِسَ، وَقَدْ فَعَلَ. لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنَ الْعَطْسِ، مَعَ أَنَّ هَذَا كَانَ سَيُكَلِّفُهُ حَيَاتَهُ.

صَاحَتِ السَّيِّدَةُ براون وَهِيَ تَقْفِزُ إِلَى الْخَلْفِ مُمْسِكَةً بِأَطْرَافِ تَنُّورَتِهَا بِكِلْتَا يَدَيْهَا، كَمَا لَوْ أَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَقَّعُ أَنَّ الْعَمَّ بيلي سَيُحَاوِلُ الِاخْتِبَاءَ وَرَاءَهَا — أَيِ التَّنُّورَةَ: «يَا إِلَهِي! هَلْ تَقْصِدُ أَنَّ هَذَا الْأَبُوسُومَ حَيٌّ؟»

أَجَابَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَائِلًا، بَيْنَمَا عَطَسَ الْعَمُّ بيلي مَرَّةً أُخْرَى حَيْثُ كَانَتِ الْقَشَّةُ لَا تَزَالُ تُدَغْدِغُ أَنْفَهُ: «يَبْدُو ذَلِكَ، بِالتَّأْكِيدِ يَبْدُو الْأَمْرُ كَذَلِكَ. هَذَا الْمُجْرِمُ الْعَتِيدُ حَيٌّ مِثْلِي تَمَامًا، وَيَتَظَاهَرُ بِالْمَوْتِ لَا أَكْثَرَ. لَقَدْ خَدَعَكِ يَا أُمَّاهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَخْدَعْنِي. أَنَا لَمْ أَمَسَّ شَعْرَةً مِنْهُ، لَا بُدَّ أَنَّكِ تَعْرِفِينَنِي الْآنَ بِمَا يَكْفِي لِتَعْرِفِي أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ لِأُوذِيَهُ.»

نَظَرَ الصَّبِيُّ إِلَى أُمِّهِ مُعَاتِبًا، فَأَسْرَعَتْ بِالِاعْتَذَارِ إِلَيْهِ، وَسَأَلَتْ: «مَاذَا كَانَ عَسَايَ أَنْ أَظُنَّ؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَائِنُ يَبْدُو مَيِّتًا، فَكَيْفَ تَبْدُو الْحَيَوَانَاتُ الْمَيِّتَةُ؟ مَاذَا سَتَفْعَلُ بِهِ يَا بُنَيَّ؟»

أَجَابَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَائِلًا: «سَآخُذُهُ بَعْدَ الْإِفْطَارِ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَأُطْلِقُ سَرَاحَهُ.»

وَهَذَا مَا كَانَ، وَلَمْ يُضِعِ الْعَمُّ بيلي وَقْتًا فِي الْوُصُولِ إِلَى بَيْتِهِ. وَمَرَّ وَقْتٌ طَوِيلٌ قَبْلَ أَنْ يُقَابِلَ الظَّرِبَانَ جيمي مَرَّةً أُخْرَى، وَحِينَ الْتَقَاهُ كَانَ الظَّرِبَانُ جيمي يَتَصَرَّفُ بِطَبِيعَتِهِ الطَّيِّبَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَكَانَ الْعَمُّ بيلي حَكِيمًا بِمَا يَكْفِي لِعَدَمِ الْإِشَارَةِ لِلْبَيْضِ. وَهَكَذَا، سَنَتْرُكُهُمَا وَقَدْ عَادَا صَدِيقَيْنِ حَمِيمَيْنِ مَرَّةً أُخْرَى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤