الفصل الخامس

الثَّعْلَبُ ريدي يَتَسَلَّلُ هَارِبًا

التَّسَلُّلُ هَرَبًا هُوَ مُغَادَرَةُ الْمَرْءِ الْمَكَانَ خِلْسَةً مُحَاوِلًا التَّوَارِيَ عَنِ الْأَنْظَارِ، وَعَادَةً مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْجَلُونَ مِنْ أَنْ يَرَاهُمُ الْآخَرُونَ لِسَبَبٍ أَوْ آخَرَ. وَمَا إِنِ اسْتَعَادَ الثَّعْلَبُ ريدي الْقُدْرَةَ عَلَى الرُّؤْيَةِ بَعْدَمَا قَذَفَ الظَّرِبَانُ جيمي رَائِحَتَهُ الْكَرِيهَةَ فِي وَجْهِهِ، حَتَّى انْطَلَقَ قَاصِدًا الْغَابَةَ الْخَضْرَاءَ. كَانَ يَرْغَبُ فِي الِانْفِرَادِ بِنَفْسِهِ بَعِيدًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْرِي رَافِعًا رَأْسَهُ وَذَيْلَهُ الْكَثَّ الشَّبِيهَ بِالرِّيشِ فِي فَخْرٍ كَعَادَتِهِ. كَلَّا، فَعِوَضًا عَنْ ذَلِكَ، أَحْنَى رَأْسَهُ وَتَدَلَّى ذَيْلُهُ بَيْنَ سَاقَيْهِ؛ فَكَانَ صُورَةً مُجَسَّدَةً لِلْخِزْيِ؛ فَقَدْ عَلِقَتِ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ الَّتِي قَذَفَهَا عَلَيْهِ الظَّرِبَانُ جيمي بِفَرْوَتِهِ الْحَمْرَاءِ، وَأَدْرَكَ أَنَّهُ لَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنْهَا، لَيْسَ قَبْلَ مُرُورِ وَقْتٍ طَوِيلٍ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ. وَأَدْرَكَ أَيْضًا أَنَّهُ أَيْنَمَا ذَهَبَ، فَسَوْفَ يَسُدُّ جِيرَانُهُ أُنُوفَهُمْ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَسَيَصِيرُ مَنْبُوذًا مِنَ الْجَمِيعِ؛ لِذَلِكَ تَسَلَّلَ هَارِبًا عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ بِاتِّجَاهِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَمِنْ فَرْطِ شُعُورِهِ بِالْإِعْيَاءِ وَالْحَقَارَةِ وَالتَّعَاسَةِ لَمْ يَغْضَبْ مِنْ طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي، الَّذِي كَانَ يَسْخَرُ مِنْهُ وَيَقُولُ لَهُ إِنَّهُ قَدْ نَالَ جَزَاءَهُ الْعَادِلَ.

مِسْكِينٌ ريدي! لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا عَسَاهُ يَفْعَلُ أَوْ أَيْنَ عَسَاهُ يَذْهَبُ؛ فَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ إِلَى الْمَنْزِلِ؛ إِذْ سَتَطْرُدُهُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ، فَقَدْ حَذَّرَتْهُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا مِنَ اسْتِفْزَازِ الظَّرِبَانِ جيمي، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَنْ تُسَامِحَهُ أَبَدًا إِذَا مَا جَلَبَ تِلْكَ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَنْزِلِ. كَمَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَنْ يَمُرَّ وَقْتٌ طَوِيلٌ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ سُكَّانُ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارُ كُلُّهُمْ بِمَا حَدَثَ لَهُ، فَسَوْفَ يَحْرِصُ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي عَلَى إِخْبَارِهِمْ. كَانَ يَعْرِفُ تَمَامًا كَيْفَ سَيُشِيرُونَ إِلَيْهِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَنْ يَنْتَهِيَ مِنْ سُخْرِيَتِهِمْ أَبَدًا، وَشَعَرَ أَنَّهُ لَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ مَرْفُوعَ الرَّأْسِ وَالذَّيْلِ ثَانِيَةً أَبَدًا. كَانَ يَتَوَقَّفُ كُلَّ بِضْعِ دَقَائِقَ وَيَتَمَرَّغُ فِي الْأَرْضِ مُحَاوِلًا التَّخَلُّصَ مِنْ تِلْكَ الرَّائِحَةِ الْبَغِيضَةِ.

وَحِينَ وَصَلَ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، أَسْرَعَ ريدي إِلَى الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ لِيَغْسِلَ عَيْنَيْهِ، وَكَانَ مِنْ حَظِّهِ التَّعِسِ أَنْ جَاءَ الْمِنْكُ بيلي فِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ. لَمْ يَكُنْ بيلي بِحَاجَةٍ إِلَى إِخْبَارِهِ بِمَا حَدَثَ، فَقَدْ هَتَفَ قَائِلًا وَهُوَ يَسُدُّ أَنْفَهُ: «أُوفْ!» ثُمَّ اسْتَدَارَ وَأَسْرَعَ مُبْتَعِدًا عَنْ تِلْكَ الرَّائِحَةِ، وَحِينَ ابْتَعَدَ مَسَافَةً كَافِيَةً، تَوَقَّفَ وَأَخَذَ يَسْخَرُ مِنَ الثَّعْلَبِ ريدي وَيَسْتَفِزُّهُ بِكُلِّ مَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ مِنْ كَلَامٍ، وَلَكِنَّ ريدي لَمْ يَعْبَأْ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَقَدْ كَانَ تَعِيسًا إِلَى حَدٍّ أَعْجَزَهُ عَنِ الدُّخُولِ فِي شِجَارٍ.

بَعْدَ أَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ، شَعَرَ بِتَحَسُّنٍ. لَمْ يَكُنِ الْمَاءُ لِيُزِيلَ عَنْهُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ، وَلَكِنَّهُ هَدَّأَ آلَامَ عَيْنَيْهِ. ثُمَّ حَاوَلَ أَنْ يُخَطِّطَ لِمَا سَيَفْعَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

فَكَّرَ ريدي قَائِلًا فِي نَفْسِهِ: «الشَّيْءُ الْوَحِيدُ الَّذِي يُمْكِنُنِي الْقِيَامُ بِهِ هُوَ الِابْتِعَادُ عَنِ الْجَمِيعِ إِلَى أَقْصَى حَدٍّ مُمْكِنٍ. أَظُنُّ أَنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيَّ أَنْ أَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَرْعَى الْقَدِيمِ وَأَعِيشَ هُنَاكَ بَعْضَ الْوَقْتِ.»

وَهَكَذَا، انْطَلَقَ ريدي إِلَى الْمَرْعَى الْقَدِيمِ، مُحَاوِلًا الِابْتِعَادَ عَنِ الْأَنْظَارِ قَدْرَ الْإِمْكَانِ، وَبَيْنَمَا هُوَ فِي طَرِيقِهِ، تَذَكَّرَ أَنَّ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ يَعِيشُ فِي الْمَرْعَى الْقَدِيمِ. بِالطَّبْعِ، كَانَ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَقْتَرِبَ ريدي مِنْ مَنْزِلِ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا مَا اشْتَمَّ هَذِهِ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ وَاكْتَشَفَ أَنَّ ريدي مَصْدَرُهَا، فَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ سَيَطْرُدُهُ مِنَ الْمَرْعَى الْقَدِيمِ، وَحِينَهَا أَيْنَ سَيَذْهَبُ؟ هَكَذَا، تَوَجَّهَ ريدي إِلَى أَكْثَرِ أَنْحَاءِ الْمَرْعَى الْقَدِيمِ عُزْلَةً، وَانْسَلَّ إِلَى دَاخِلِ مَنْزِلٍ قَدِيمٍ كَانَ قَدْ حَفَرَهُ هُوَ وَالْجَدَّةُ ثعلبة مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، حِينَ اضْطُرَّا لِلْعَيْشِ فِي الْمَرْعَى الْقَدِيمِ عِنْدَمَا كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَكَلْبُ الصَّيْدِ باوزر يُطَارِدَانِهِمَا لِسَرِقَتِهِمَا الدَّجَاجَ. وَهُنَاكَ تَمَدَّدَ ريدي فِي بُؤْسٍ بَالِغٍ.

غَمْغَمَ ريدي قَائِلًا: «لَمْ أَكُنْ لِأَتَضَايَقَ هَكَذَا لَوْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِعْلًا، لَكِنَّنِي لَمْ أُخْطِئْ. لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ الظَّرِبَانَ جيمي دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَلَمْ أَقْصِدْ دَفْعَهُ لِيَتَدَحْرَجَ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ. لَقَدْ كَانَ الْأَمْرُ بِرُمَّتِهِ حَادِثًا وَ…» تَوَقَّفَ ريدي وَتَسَلَّلَتْ إِلَى عَيْنَيْهِ الصَّفْرَاوَيْنِ نَظْرَةُ شَكٍّ. قَالَ بِبُطْءٍ: «تُرَى هَلْ كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر يَعْرِفُ بِوُجُودِ الظَّرِبَانِ جيمي دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ وَخَطَّطَ لِلْإِيقَاعِ بِي فِي تِلْكَ الْمَتَاعِبِ كُلِّهَا؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤