الفصل السادس

دُعَابَةُ الْأَرْنَبِ بيتر تَنْقَلِبُ عَلَيْهِ

طَوَالَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الظَّرِبَانُ جيمي يُعَاقِبُ فِيهِ الثَّعْلَبَ ريدي عَلَى دَحْرَجَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ وَهُوَ دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَبَيْنَمَا كَانَ ريدي يَتَسَلَّلُ هَارِبًا إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ لِلِابْتِعَادِ عَنِ الْأَنْظَارِ، كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر مُخْتَبِئًا فِي مَنْزِلِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمِ، بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي انْتَهَتْ عِنْدَهُ رِحْلَةُ الظَّرِبَانِ جيمي الْجُنُونِيَّةُ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ. وَكَانَ بيتر قَدْ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ حِينَ رَأَى الظَّرِبَانَ جيمي يَقِفُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَعَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ أَذًى مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ الْجُنُونِيَّةِ. وَإِذِ انْبَطَحَ بيتر عَلَى الْأَرْضِ فِي مَدْخَلِ مَنْزِلِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمِ، اسْتَطَاعَ أَنْ يَرَى كُلَّ مَا يَدُورُ دُونَ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ، وَكَانَ بِإِمْكَانِهِ سَمَاعُ كُلِّ مَا يُقَالُ.

أَطْلَقَ بيتر ضَحْكَةً مَكْتُومَةً حِينَ رَأَى الثَّعْلَبَ ريدي يَصْعَدُ التَّلَّ وَكَادَتْ عَيْنَاهُ تَخْرُجَانِ مِنْ مَحْجِرَيْهِمَا مِنْ فَرْطِ الْإِثَارَةِ وَهُوَ يَتَرَقَّبُ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ. كَانَ وَاثِقًا مِنْ أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي سَيَلْقَى مَا لَا يُرْضِيهِ، وَسَرَّهُ ذَلِكَ. بِالطَّبْعِ، كَانَ ذَلِكَ سُلُوكًا مَعِيبًا مِنْ بيتر، وَهُوَ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ تَمَامًا فِي أَعْمَاقِهِ؛ لَكِنَّ الثَّعْلَبَ ريدي كَانَ يُطَارِدُهُ كَثِيرًا، وَكَثِيرًا مَا أَفْزَعَهُ، حَتَّى إِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ شَعَرَ بِأَنَّهُ يَنْتَقِمُ مِنْهُ؛ لِذَلِكَ رَاحَ بيتر يَضْحَكُ فِي سِرِّهِ مُتَرَقِّبًا مَا سَيَحْدُثُ. وَفَجْأَةً، انْقَطَعَتْ ضَحْكَاتُهُ وَصَاحَ: «أَوَّاهُ!» فَقَدْ شَعَرَ بِأَلَمٍ حَادٍّ كَمَا لَوْ أَنَّ إِبْرَةً سَاخِنَةً غُرِسَتْ فِيهِ؛ مِمَّا جَعَلَهُ يَقْفِزُ مِنْ مَكَانِهِ فِي الْمَدْخَلِ، لَكِنَّهُ تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَبَدًا أَنْ يَظْهَرَ بِالْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي وَالظَّرِبَانَ جيمي سُرْعَانَ مَا سَيَشُكَّانِ فِي أَنَّ لَهُ عَلَاقَةً بِرِحْلَةِ جيمي الْمُرَوِّعَةِ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ وَهُوَ دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ؛ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَظْهَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا أَبَدًا!

كُلُّ مَا كَانَ بِاسْتِطَاعَتِهِ الْقِيَامُ بِهِ هُوَ أَنْ رَاحَ يَرْكُلُ وَيَتَلَوَّى وَيَتَلَفَّتُ خَلْفَهُ لِتَبَيُّنِ مَا يَحْدُثُ، وَسُرْعَانَ مَا عَرَفَ. وَبَيْنَمَا هُوَ يَنْظُرُ مَا يَحْدُثُ، شَعَرَ بِأَلَمٍ حَادٍّ آخَرَ؛ مِمَّا دَفَعَهُ إِلَى الصُّرَاخِ مَرَّةً ثَانِيَةً: «أَوَّاهُ!» وَجَعَلَهُ الْأَلَمُ يَرْكُلُ بِأَقْدَامِهِ أَشَدَّ مِنْ ذِي قَبْلُ. كَانَ ثَمَّةَ حَشَرَتَانِ غَاضِبَتَانِ لِلْغَايَةِ تَسْتَعِدَّانِ لِلَدْغِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَالْمَزِيدُ مِنْهَا آتٍ. لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْحَشَرَاتُ سِوَى الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ الَّتِي تَنْتَمِي إِلَى عَائِلَةِ الدَّبَابِيرِ، وَتَحْمِلُ رِمَاحًا صَغِيرَةً حَادَّةً جِدًّا فِي أَذْيَالِهَا. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ مَنْزِلُ الْخُلْدِ جوني قَدْ هُجِرَ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ جِدًّا، حَتَّى قَرَّرَتِ الدَّبَابِيرُ الصَّفْرَاءُ أَنْ تَبْدَأَ فِي بِنَاءِ مَسَاكِنِهَا دَاخِلَ الرَّدْهَةِ بِمَا أَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ آخَرَ يَسْتَخْدِمُ الْبَيْتَ، وَقَدْ فَعَلَتْ.

مِسْكِينٌ بيتر! مَاذَا كَانَ عَسَاهُ أَنْ يَفْعَلَ؟ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْرُؤُ عَلَى الْخُرُوجِ، وَكَذَا لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ الْبَقَاءَ فِي مَكَانِهِ. وَأَيًّا كَانَ مَا سَيَفْعَلُهُ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْرِعَ؛ إِذْ بَدَا لَهُ أَنَّ جَيْشًا مُنَظَّمًا مِنَ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ كَانَ مُتَوَجِّهًا صَوْبَهُ، وَكَانَتْ تِلْكَ الرِّمَاحُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي تَحْمِلُهَا فِي أَذْيَالِهَا أَكْثَرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَرَفَهَا إِيلَامًا. عِنْدَئِذٍ كَانَ قَدْ فَقَدَ كُلَّ اهْتِمَامٍ بِمَعْرِفَةِ مَا يَحْدُثُ بِالْخَارِجِ؛ فَقَدْ كَانَ مَا يَحْدُثُ عِنْدَهُ بِالدَّاخِلِ كَافِيًا، بَلْ كَثِيرًا جِدًّا فِي الْوَاقِعِ. هُنَالِكَ تَذَكَّرَ أَنَّ جوني يَحْفِرُ بَيْتَهُ فِي الْأَرْضِ عَلَى عُمْقٍ كَبِيرٍ، فَنَظَرَ إِلَى أَسْفَلِ الرَّدْهَةِ الطَّوِيلَةِ، وَوَجَدَ الظَّلَامَ دَامِسًا بِالْأَسْفَلِ. كَانَ قَدْ فَكَّرَ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُحَارِبِينَ الصِّغَارَ الْغَاضِبِينَ رُبَّمَا لَا يَتَّبِعُونَهُ إِذَا مَا نَزَلَ إِلَى أَسْفَلَ، وَكَانَ الْأَمْرُ يَسْتَحِقُّ عَنَاءَ الْمُحَاوَلَةِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ.

وَهَكَذَا، هَبَّ بيتر عَلَى قَدَمَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَهَرْوَلَ نَازِلًا الرَّدْهَةَ الطَّوِيلَةَ، وَبَيْنَمَا كَانَ يَجْرِي، رَاحَ يَصْرُخُ: «أَوَّاهُ! أَوَّاهُ! آهْ! آآهْ!» لَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الرِّمَاحُ الصَّغِيرَةُ نَشِطَةً جِدًّا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ سَبِيلٍ لِمُقَاوَمَتِهَا. وَفِي نِهَايَةِ الرَّدْهَةِ الطَّوِيلَةِ، كَانَ ثَمَّةَ حُجْرَةٌ صَغِيرَةٌ آمِنَةٌ، مُظْلِمَةٌ جِدًّا، لَكِنَّهَا مُعْتَدِلَةُ الْبُرُودَةِ وَمُرِيحَةٌ. وَكَمَا تَمَنَّى تَمَامًا؛ لَمْ تَتْبَعْهُ الدَّبَابِيرُ إِلَى هُنَاكَ؛ فَقَدْ طَرَدَتْهُ مِنْ مَنْزِلِهَا الَّذِي كَانَ قَائِمًا بِجِوَارِ الْمَدْخَلِ مُبَاشَرَةً، وَاكْتَفَتْ بِذَلِكَ.

وَلَكِنْ يَا لَهَا مِنْ وَرْطَةٍ تِلْكَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا بيتر! يَا لَهُ مِنْ مَأْزِقٍ مُخِيفٍ! كَانَ يَشْعُرُ بِالْأَلَمِ وَالْوَخْزِ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ مِنْ جَسَدِهِ. يَا إِلَهِي، كَمْ كَانَ يَتَأَلَّمُ! عِلَاوَةً عَلَى أَنَّهُ لِكَيْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَنْزِلِ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُرَّ بِعُشِّ الدَّبَابِيرِ الصَّفْرَاءِ مَرَّةً أُخْرَى.

قَالَ بيتر مُتَأَوِّهًا، مُحَاوِلًا عَبَثًا أَنْ يَجِدَ لِنَفْسِهِ وَضْعًا مُرِيحًا: «يَا إِلَهِي، لَيْتَنِي لَمْ أُفَكِّرْ قَطُّ فِي هَذِهِ الْخُدْعَةِ. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي قَدْ نِلْتُ جَزَائِي.»

أَرَى أَنَّهُ قَدْ نَالَ جَزَاءَهُ حَقًّا. أَلَا تُوَافِقُونَنِي الرَّأْيَ؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤