الفصل الثامن

جيمي يَبْحَثُ عَنْ بيتر

أَخَذَ الظَّرِبَانُ جيمي يُحَمْلِقُ فِي وَجْهِ طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي، وَسامي يُحَمْلِقُ فِي وَجْهِ جيمي، ثُمَّ أَغْمَضَ سامي إِحْدَى عَيْنَيْهِ بِبُطْءٍ وَفَتَحَهَا مَرَّةً أُخْرَى بِنَفْسِ الْبُطْءِ؛ كَانَ يَغْمِزُ لِجيمي.

قَالَ الظَّرِبَانُ جيمي: «هَلْ تَقْصِدُ أَنَّكَ تَظُنُّ أَنَّ الْأَرْنَبَ بيتر كَانَ يَعْرِفُ أَنَّنِي دَاخِلَ الْبِرْمِيلِ، وَأَنَّهُ قَفَزَ مِنْ فَوْقِهِ حَتَّى يَجْرِيَ الثَّعْلَبُ ريدي بِاتِّجَاهِهِ مُبَاشَرَةً وَيَصْطَدِمَ بِهِ؟ هَلْ هَذَا مَا تَظُنُّهُ؟»

لَمْ يَنْبِسْ سامي بِبِنْتِ شَفَةٍ، لَكِنَّهُ غَمَزَ مَرَّةً أُخْرَى، فَابْتَسَمَ جيمي، ثُمَّ بَدَا أَنَّهُ يُفَكِّرُ بِعُمْقٍ. وَقَالَ بِبُطْءٍ: «تُرَى هَلْ فَعَلَ بيتر ذَلِكَ لِكَسْبِ وَقْتٍ لِلْهُرُوبِ مِنَ الثَّعْلَبِ ريدي؟»

فَقَالَ سامي مُكَرِّرًا: «يَا تُرَى!»

وَاصَلَ جيمي حَدِيثَهُ قَائِلًا: «أَمْ تُرَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَطْ لِلْإِيقَاعِ بِريدي فِي الْمَتَاعِبِ؟»

فَقَالَ سامي مُكَرِّرًا: «يَا تُرَى!»

اسْتَأْنَفَ جيمي قَائِلًا، بَيْنَمَا أَخَذَ يَحُكُّ رَأْسَهُ مُفَكِّرًا: «أَمْ يَا تُرَى كَانَتْ تِلْكَ خُدْعَةً مِنْهُ، خُدْعَةً مُزْدَوِجَةً لِي وَلِلثَّعْلَبِ ريدي فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ!»

قَالَ سامي مَرَّةً أُخْرَى: «يَا تُرَى!» ثُمَّ انْفَجَرَ ضَاحِكًا.

جيمي يَتَمَتَّعُ بِذَكَاءٍ حَادٍّ؛ لِذَا قَالَ لِسامي مُومِئًا بِرَأْسِهِ: «هَذَا ظَنُّكَ إِذَنْ؟ حَسَنًا؛ لَنْ أُفَاجَأَ مُطْلَقًا إِذَا مَا اتَّضَحَ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي سَأَذْهَبُ لِلْبَحْثِ عَنْ بيتر، أَظُنُّهُ بِحَاجَةٍ إِلَى دَرْسٍ؛ فَالْمُزَاحُ الَّذِي يُعَرِّضُ الْآخَرِينَ لِلْخَطَرِ أَوِ الْمُعَانَاةِ لَا يُمْكِنُ اغْتِفَارُهُ. كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ تَنْكَسِرَ رَقَبَتِي فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ الْجُنُونِيَّةِ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّنِي تَعَرَّضْتُ لِمُعَانَاةٍ بَالِغَةٍ بِالتَّأْكِيدِ؛ فَقَدْ شَعَرْتُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِدَاخِلِي تَحَرَّكَ مِنْ مَكَانِهِ وَاخْتَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وَحَتَّى الْآنَ، لَا تَزَالُ مَعِدَتِي مُضْطَرِبَةً بَعْضَ الشَّيْءِ، كَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي وَضْعِهَا السَّلِيمِ. بِالْمُنَاسَبَةِ، أَيْنَ ذَهَبَ بيتر بَعْدَ أَنْ قَفَزَ فَوْقَ الْبِرْمِيلِ؟»

هَزَّ سامي رَأْسَهُ، وَأَقَرَّ قَائِلًا: «لَا أَعْلَمُ. كَانَ الْأَمْرُ مُثِيرًا جِدًّا حِينَ بَدَأَ الْبِرْمِيلُ فِي التَّدَحْرُجِ، وَعَلِمْنَا مِنَ الْأَصْوَاتِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ أَنَّ ثَمَّةَ أَحَدًا بِدَاخِلِهِ، وَأَظُنُّ أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي نَسِيَ أَمْرَ بيتر تَمَامًا، وَأَعْتَرِفُ أَنَّنِي أَيْضًا نَسِيتُ أَمْرَهُ. وَحِينَ تَهَشَّمَ الْبِرْمِيلُ عِنْدَ هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَسْفَلَ التَّلِّ، وَتَوَاجَهْتَ أَنْتَ وَريدي، أَصْبَحَ الْأَمْرُ أَكْثَرَ إِثَارَةً. وَحِينَ انْتَهَى الْأَمْرُ، بَحَثْتُ عَنْ بيتر، لَكِنَّهُ كَانَ قَدِ اخْتَفَى تَمَامًا عَنِ الْأَنْظَارِ. لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ وَقْتٌ كَافٍ لِلْوُصُولِ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. أَنَا عَنْ نَفْسِي أَوَدُّ حَقًّا أَنْ أَعْرِفَ أَيْنَ ذَهَبَ.»

اسْتَدَارَ الظَّرِبَانُ جيمي وَنَظَرَ إِلَى أَسْفَلِ التَّلِّ، ثُمَّ انْطَلَقَ عَائِدًا بِاتِّجَاهِ الْبِرْمِيلِ الْمُهَشَّمِ بِطَرِيقَتِهِ الْبَطِيئَةِ الْمُعْتَادَةِ.

فَسَأَلَهُ سامي: «إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ؟»

أَجَابَ جيمي قَائِلًا: «سَأَذْهَبُ لِلْبَحْثِ عَنِ الْأَرْنَبِ بيتر. أُرِيدُ أَنْ أَطْرَحَ عَلَيْهِ بِضْعَةَ أَسْئِلَةٍ.»

سَارَ الظَّرِبَانُ جيمي. فِي الْبِدَايَةِ، كَانَ غَاضِبًا جِدًّا حِينَ فَكَّرَ فِيمَا فَعَلَهُ بيتر، وَقَرَّرَ أَنَّ بيتر يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّنَ دَرْسًا لَا يَنْسَاهُ، لَكِنَّهُ بِيْنَمَا كَانَ يَسِيرُ مُتَهَادِيًا، أَدْرَكَ الْجَانِبَ الْمُضْحِكَ فِي الْأَمْرِ بِرُمَّتِهِ؛ فَالظَّرِبَانُ جيمي يَتَمَتَّعُ بِحِسِّ دُعَابَةٍ رَائِعٍ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى سَفْحِ التَّلِّ، كَانَ غَضَبُهُ قَدْ ذَهَبَ عَنْهُ تَمَامًا، وَرَاحَ يَضْحَكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.

وَفَكَّرَ جيمي قَائِلًا فِي نَفْسِهِ: «يُؤْسِفُنِي أَنْ أَكُونَ ظَلَمْتُ الثَّعْلَبَ ريدي، لَكِنَّهُ يُسَبِّبُ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَتَاعِبِ لِلْآخَرِينَ، حَتَّى إِنَّنِي أَظُنُّ أَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ غَيْرِي سَيَشْعُرُ بِالْأَسَفِ مِنْ أَجْلِهِ، وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَنْ يُضَايِقَ أَحَدًا لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الْوَقْتِ. لَا بُدَّ أَنْ يُعَاقَبَ بيتر، لَكِنَّنِي — لِسَبَبٍ مَا — لَا أَشْعُرُ بِرَغْبَةٍ مُلِحَّةٍ فِي مُعَاقَبَتِهِ كَمَا كُنْتُ أَشْعُرُ مِنْ قَبْلُ. سَأُخِيفُهُ قَلِيلًا فَقَطْ، وَأَكْتَفِي بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ لِذَلِكَ الْوَغْدِ. وَالْآنَ، يَا تُرَى أَيْنَ عَسَاهُ يَكُونُ؟ أَظُنُّهُ لَيْسَ بَعِيدًا جِدًّا عَنْ هُنَا. حَسَنًا، أَظُنُّنِي أَذْكُرُ أَنَّهُ ثَمَّةَ مَنْزِلٌ قَدِيمٌ لِلْخُلْدِ جوني لَا يَبْعُدُ كَثِيرًا عَنْ هُنَا، سَوْفَ أُلْقِي نَظْرَةً دَاخِلَهُ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤