الفصل الحادي عشر

السحر

لم تعلم سارا كم من الوقت استغرقت في سباتها، لكن عندما أخذت تفيق بالتدريج في صباح اليوم التالي، وعيناها لا تزالان مغمضتين، شعرت بأنها في حاجة إلى المزيد من النوم. وكانت الآنسة منشن تتركها تنام ساعة إضافية يوم الأحد.

أو لعلَّها ما زالت غارقة في نومها، وتحلم بالفعل، وهل من طريقة بديلة لتشعرها بالدفء والراحة؟ عندما تمد يدها، هل من طريقة تشعرها بأنها تتدثر في لحاف دافئ سوى الأحلام؟ وكيف لها أن تسمع الطقطقة الخفيفة لألسنة اللهب في مدفأتها الصدئة القديمة سوى في الأحلام؟

بعد قليل فتحت عينيها، واستمر الحلم كالمعجزة. وفضلًا عن كل الأشياء التي تخيلتها — من السجادة الهندية الناعمة الزرقاء السميكة والأريكة الناعمة الوثيرة ذات الوسادات والسجادة المصنوعة من جلد النمر أمام المدفأة — كانت هناك طاولة صغيرة قابلة للطي. وكانت مغطاة بمفرش أبيض وتعلوها وليمة صغيرة ساخنة شهية من الحساء، والسندويتشات، والخبز المحمص، والفطائر.

وجدت سارا نفسها مستلقية في فراش جديد، وفوقها بطانيات دافئة ناعمة. كيف حدث هذا؟ لم يكن لديها أي فكرة. وعند طرف فراشها كان هناك ثوب حريري دافئ وزوج من الأخفاف المبطنة. والأروع من كل هذا، وجدت سارا بجانب المقعد بالقرب من المدفأة مجموعة من الكتب الجميلة.

وفيما أخذت سارا تنظر حولها، رأت مصابيح ملونة باللون الوردي، ولوحات وزينة على الجدران، وسجادًا ووسادات ملونة، وورودًا في مزهريات جميلة، وكمًّا هائلًا من الأشياء الأخرى الرائعة.

قالت سارا لاهثة: «لمَ لا يتلاشى هذا الحلم؟ لم يراودني مثل هذا الحلم من قبل؟»

قفزت سارا من فراشها، وهبَّت إلى أرجاء الغرفة تتحسس كل شيء، حتى إنها قربت يدها قدر استطاعتها من نيران المدفأة، فارتدَّت سريعًا إلى الوراء، وصرخت: «إنها ساخنة!» ارتدَت سارا الثوب وأخذت تمرره على وجنتها وصرخت أيضًا: «إنه دافئ وناعم للغاية!» ثم تذوقت بعضًا من الطعام الشهي الذي وُضع لها على الطاولة، وصاحت: «إنه لذيذ للغاية! وكل هذا حقيقي! أنا لا أحلم!»

وفجأة رأت سارا ورقة صغيرة موضوعة فوق الكتب مكتوب فيها: «من صديق إلى فتاة العلية.»

وما إن قرأت سارا هذه الكلمات، حتى صدر عنها رد فعل غريب؛ لقد نكَّست رأسها على الورقة، وأجهشت في البكاء، وقالت: «ثمة شخص يكترث لأمري. لديّ صديق.»

ولك أن تتخيل كيف كان بقية صباح سارا؛ على الفور دقت سارا على جدار بيكي دقات الاستدعاء، وأمضت الفتاتان الساعات المعدودات التالية تستدفئان أمام نيران المدفأة المضطرمة. في بادئ الأمر ظلت بيكي عاجزة عن التكلم من شدة الخوف، لكن ما إن تغلبت على شكوكها، حتى التهمت الفتاتان الطعام. والأهم من ذلك كله، أن عطف صديق سارا «السحري» الخفي بث السعادة في قلبيهما. وعلى نحو ما تراجع خوفهما من الآنسة منشن إلى مؤخرة عقليهما. وقررت سارا أن تحفظ العجائب التي حدثت لهما في طي الكتمان قدر المستطاع.

وبالطبع ستضطران أن تنزلا بعد قليل إلى أسفل من أجل العمل، لكن في هذا اليوم، فعلت الفتاتان هذا بكل شجاعة وقوة، وقد احمرت وجناتهما واشتدَّت خطواتهما.

وكان كل فرد في المدرسة قد سمع بما حدث الليلة المنصرمة، لذا كان من المتوقع أن تنزل سارا بوجه ذليل خجِل. لكن على العكس من ذلك، كانت تحلق في كل الأرجاء تعلوها سيماء الفخامة والهيبة أكثر من المعتاد.

همست لافينيا إلى جيسي: «إنها لا تبدو جائعة.» وكانت لافينيا قد سمعت بالعقاب الذي حلّ بسارا ولم تشعر بذرة من الأسف لأنها وشت بها. أردفت لافينيا: «لعلها تتظاهر بأنها تناولت طعامًا جيدًا!»

حذَّرتها الآنسة منشن بصرامة: «تذكري أنكِ منقوم عليكِ. وقاحة منكِ أن تتبختري في كل الأرجاء مزهوة بنفسك وكأن ثروة قد هبطت عليك من السماء!»

كان الطقس في هذا اليوم أشد ضراوة من اليوم الأخير الذي خرجت فيه سارا لأداء مهامها، إذ كان أشد رطوبة وبرودة وموحلًا أكثر من ذي قبل، وكانت سلتها أثقل، والطاهية أكثر حدة وأشد غضبًا. لكن سارا استطاعت على نحو ما أن تتحمل كل هذا، وفكرت في أنه حتى لو تلاشى السحر من غرفتها عندما تعود إليها في هذه الليلة، فإنها سوف تظل دائمًا شاكرة ومدركة أن ذلك قد أنقذ حياتها.

عندما فتحت سارا باب غرفتها هذه الليلة، أخذ قلبها يخفق بشدة من هول المفاجأة، فأغلقت الباب وراءها، والتصقت به، وأخذت تدير نظرها من جانب إلى آخر؛ فما زال السحر موجودًا، ليس هذا فحسب، بل أحيا الغرفة أيضًا من جديد؛ إذ كانت النيران المُضرمة حديثًا تتوهج بشكل أكثر بهجة للعيون من قبل، وعجَّت الغرفة بالمزيد من الحلل الأنيقة والصور والوسادات. والأروع من كل هذا، كان بانتظارها عشاء شهي ساخن على الطاولة، وقد أُزيلت كل أطباق الإفطار المتسخة.

وعندما وصلت بيكي انفجرت في الضحك والقهقهة كأنها فقدت عقلها. وجلست الفتاتان لتناول العشاء كأنهما أميرتين.

ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، تعود سارا كل يوم إلى غرفتها، لتجد شيئًا جديدًا قد أضُيف إليها. وعندما لم يعد هناك موضع قدم في غرفة سارا، تحول السحر ليفيض في غرفة بيكي. سألت سارا نفسها: «هل هذه غرفتي؟ وهل أنا تلك الفتاة الصغيرة ذات الثياب الرثَّة التي تعاني البرودة؟ لا بد أنني أعيش قصة خيالية؟»

لم يتغير أي شخص في معاملته الدنيئة للفتاتين، لكن هذا لم يعد يهم؛ فقد دبت الحياة مرة أخرى في وجناتهما التي بدأت تمتلئ. وبعد وقت قليل لم تعد أعينهما كبيرة على حجم وجهيهما.

قالت الآنسة أميليا للآنسة منشن: «تبدو كل من سارا كرو وبيكي في حالة جيدة بعد أن كانتا هزيلتين من قبل.»

هاجمتها الآنسة منشن في محاولة للتغطية على أفعالها الشنيعة: «ولم لا تبدوان كذلك؟! إنهما يُعاملان أحسن معاملة.»

أحيانًا كانت سارا تفكر في أن تختبئ وتمسك بصديقها الخفي أثناء قيامه بذلك، لكن هذا قد يفسد السحر. ومع ذلك أرادت أن تشكر وليّ نعمتها، لذا تركت له ورقة في الصباح التالي إلى جانب أطباق العشاء، ووقعتها باسم: «فتاة العلية.» وفي الصباح التالي اختفت الورقة مع أطباق العشاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤