الفصل الثالث

كان سابعَ ثَلاثةَ عَشَرَ من أبناء أبيه، وخامسَ أحدَ عَشَرَ من أشِقَّته، وكان يشعر بأن له بين هذا العدد الضخم من الشباب والأطفال مكانًا خاصًّا يمتاز من مكان إخوته وأخواته. أكان هذا المكان يُرضيه؟ أكان يُؤْذيه؟ الحقُّ أنه لا يتبيَّن ذلك إلا في غموضٍ وإبهام، والحق أنه لا يستطيع الآن أن يحكم في ذلك حكمًا صادقًا. كان يُحِسُّ من أُمِّه رحمةً ورأفةً، وكان يجد من أبيه لينًا ورفْقًا، وكان يشعر من أخوته بشيء من الاحْتياط في تحدُّثهم إليه ومعاملتهم له. ولكنَّه كان يجد إلى جانب هذه الرحمة والرأفة من جانب أمِّه شيئًا من الإهمال أحيانًا، ومن الغِلْظة أحيانًا أخرى. وكان يجد إلى جانب هذا اللين والرفق من أبيه شيئًا من الإهمال أيضًا، والازْوِرار١ من وقتٍ إلى وقت، وكان احتياط إخوته وأخواته يُؤْذيه؛ لأنه كان يجد فيه شيئًا من الإشفاق مشوبًا بشيءٍ من الازدراء.
على أنه لم يلبث أن تبيَّن سبب هذا كله، فقد أحسَّ أن لغيره من الناس عليه فضلًا، وأن إخوته وأخواته يستطيعون ما لا يستطيع، وينهضون من الأمر لما لا ينهض له، وأحس أن أمه تأذن لإخوته وأخواته في أشياء تحظرها عليه،٢ وكان ذلك يُحْفِظه، ولكن لم تلبث هذه الحفيظة أن استحالت إلى حزن صامت عميق؛ ذلك أنه سمع إخوته يصفون ما لا علم له به، فعلم أنهم يرون ما لا يرى.
١  الازورار: الإعراض والانحراف.
٢  تحظرها عليه: تحرمها عليه وتمنعه منها. ويُحفظه: يُغضبه، وما يبقى في نفس المرء من الغيظ والغضب يقال له: الحفيظة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤