الفصل الثامن

أصل نظام الطوائف الهندية

الطائفة في الهند مجموع أسر تقوم رابطة بعضها بالبعض الآخر على أساس القيام بالطقوس المقررة خاصة الزواج والطعام، إذ إن قوانين الزواج من أشد ما عرف من أمثالها، والطائفة نظام وراثي يفرض على الرجل أن لا يتزوج من نساء أسرته، على حين لا يجوز له أن يتزوج من خارج طائفته. وثمة أناس يُعهد إليهم بمَهمة الحكّام يسمون «البانشايات». تُعيِّنهم كل طائفة للفصل فيما يتصل بمخالفة القوانين، كالاعتداء على الآداب العامة ونقض الزواج، والديون.

وعند الهندوسي المؤمن بعقيدة أن للطائفة أصلًا سماويًّا، غير أنه ليس ثمة ما يُثبت أن الآريين عرفوا الطوائف حين كانوا في البنجاب، هذا وقد جاز النظام الطائفي مراحل مختلفة، خاصة كلما اندمج أهل إحدى الطبقات بغيرها عن طريق الزواج المختلط، أو حين تصبح إحدى القبائل الوطنية الأصلية أو بطنًا أو فخذًا منها هندوسيًّا، سواء أبقي الاسم لأن اسمه الأصلي أم غيره، أو حين تنتقل جماعة من حرفتها الأصلية إلى غيرها، أو حين تعمد فئة من الناس إلى تأليف طائفة جديدة أو حين تتغير الطقوس.

وليس بعجيب — والأمر كما بيَّنَّا — أن يكون من أثر هذا أن يقترن تاريخ الهند بالفتن والحروب الداخلية وبقيام الدول والدويلات المتخاصمة، وأن لا تشهد الهند، طوال عهدها الطويل، غير فترات قليلة من السكينة والسلام، وذلك حين كان يتاح للحكومة المركزية القوة لفرض إرادتها على البلاد. ومن هنا طالما قامت هناك الإمبراطوريات، وسقطت من غير أن يؤثر هذا في حياة الهندوس؛ إذ إنهم كانوا خاضعين لنظامهم الطائفي بما يقوم عليه من الواجبات الاجتماعية والدينية والتبِعات الاقتصادية والمدنية. وحسبنا أن نذكر هنا ما كان قائمًا بين ظهرانيهم من نظام حماية الأرامل واليتامى والطاعنين في السن والعَجَزَة. قال «مونير ويليامز»: لقد جَنَتِ الهند من وراء النظام الطائفي — إلى إذكاء روح التضحية بالذات — كفالة خضوع الفرد لهيئة نظامية، وقمع الرذيلة، ومنع التسَوُّل».

المنبوذون

هذا ويمثل المنبوذون «الأنجاس» في الهند أحقر طوائفها، أما عددهم فيبلغ في الهند البريطانية وحدها نحو عشرين في المائة من السكان. ومما يرجى أن يُعِين على علاج مشكلتهم، ازديادُ عدد المتعلمين الهنود عامة ونمو المبادئ الديموقراطية والإنسانية وتشابك العائلات وكثرة المواصلات؛ مما يجعل السكان يتقابلون في القُطُرات والأسواق.

ولقد امتاز القرن السادس قبل الميلاد بخصائص لم يشهدها تاريخ ما قبل التاريخ: ذلك أنه كان هناك ثلاثة من عظماء المفكرين المعاصرين خالدي الذكر والأثر، لا يعرف أحدهم عن الآخرين شيئًا (أشعيا) الذي كان يعلم ويتنبأ بين اليهود في بابل، و«هراقليتيس» الذي كان في إفيسوس معنيَّا بتحقيقاته النظرية التي تدور حول طبيعة الأشياء. أما ثالثهم فكان «جوتاما بوذا» الذي كان يُعلِّم تلاميذه وحواريِّيه في بنارس من مدن الهند.

كذلك شهد القرن السادس قبل الميلاد تبدُّلًا في الأفكار وجديدًا في الترميق، فقد شرعت العقول، في البلاد التي ظهر فيها هؤلاء الثلاثة، وفي الصين وغيرها — تبدي من أمارات التحرر من رِقّ المعتقدات السخيفة ومن ضروب الشجاعة في الجهر بالآراء المُندِّدة بهذه المعتقدات والتقاليد فيما يتصل بتأليه الملوك وتقديس الكهنة وتقديم الضحايا البشرية قرابين للآلهة وأشباههم، ما كأنما العالم قد جاوز بعد عشرين ألف سنة سن الطفولة ليستقبل عهد الرجولة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤