الفصل الرابع

الرهان والتأمين

سأَخرج قليلًا عن القصة الأساسية وأتحول الآن إلى حالة خاصة من الاختيار من الرهانات، تتمثل فيها جميع الجوائز في مبالغ مالية. وسوف أقدم المناقشة، في أغلب الأحيان، في السياق الذي تُعطى فيه الاحتمالات بدلًا من ذلك الذي لا تُعطى فيه احتمالات، غير أنه في ضوء مناقشة الفصل الثالث، يمكن تأويل القصة في السياق الثاني من خلال استبدال احتمالات ذاتية بالاحتمالات المعطاة.

(١) التوجهات نحو المخاطرة

يمكن التعبير عن الرهانات التي تتضمن نقودًا إما في إطار الثروة النهائية، وإما في إطار المكاسب والخسائر. على سبيل المثال، إذا كانت ثروتك الحالية تبلغ ٥٠٠٠ دولار، فإن الرهان الذي يمنحك ثروة نهائية قيمتها إما ٤٠٠٠ وإما ٦٠٠٠ دولار يمكن التعبير عنه كرهان تربَح أو تخسر فيه ١٠٠٠ دولار. وسوف أستخدم الشكل الأنسب في لحظتها أيًّا كان، ولكن سأميز الشكل الذي يعبر فيه عن الجوائز كمكاسب أو خسائر بوضع علامة الجمع أو الطرح قبل هذه الجوائز.

fig09
شكل ٤-١: مخطط منفعة: القيمة المتوقعة للرهان الذي يسفر عن وجود ثروتك إما عند النقطة (أ) وإما (ب)، باحتمالية متساوية هي ثروتك عند النقطة (ﺟ)، واليقين التقريبي لهذا الرهان هو ثروتك عند النقطة (د)، وعلاوة المخاطرة لهذا الرهان هي المسافة بين (ﺟ) و(د).

ولأسباب ستتضح فيما بعدُ، سوف أفترض أن الثروة يمكن أن تتنوع بشكل مستمر، كذلك سوف أتيح كل الرهانات خلاف تلك التي قد تحوِّل ثروتك إلى قيمة سالبة، مهما كان حجم الزيادة التي قد تضيفها هذه الرهانات إلى ثروتك (قد يجدر بنا الإشارة بشكل عارض إلى أن هذا يعني ضمنًا أن هناك الكثير من الجوائز بشكل لا متناهٍ).

اعتمادًا على النظرية الموضحة في الفصل الثالث، يمكننا تعيين منفعة عددية لكل جائزة محتملة. وإذا اعتبرنا أنك تبدأ بمستوًى معين للثروة، فإن هذا يماثل تعيين منفعة لكل مستوًى من الثروة، أو تحديد «مخطط منفعة» للثروة. على سبيل المثال، قد يعين مخطط المنفعة الخاص بك لكل مستوًى من الثروة (والتي يعبر عنها بآلاف الدولارات) الجذر التربيعي لذلك المستوى. في هذه الحالة سوف تعين، على سبيل المثال، منفعة قيمتها ٢ لثروة قيمتها ٤٠٠٠ دولار (وسوف أشير إلى هذا المخطط بمخطط الجذر التربيعي). ويمكن توضيح مخطط المنفعة من خلال شكل بياني تقاس فيه ثروتك على المحور الأفقي، والمنفعة على المحور الرأسي. ومثل هذا المخطط (مخطط الجذر التربيعي في الواقع) موضح بالشكل.

إن الخط البياني هنا له خصائص متنوعة؛ الأولى: أنه ينحدر إلى أعلى. ولسوف أتبنى الافتراض الذي لا جدال فيه بأنك تفضِّل الثروة الأكبر على الثروة الأقل، والذي يضمن هذا بالطبع. الثانية: هي أن الخط البياني مقعر؛ بمعنى أن الخط الواصل بين أي نقطتين على الشكل يقع بالكامل أسفل الخط البياني. وسوف أناقش هذه الخاصية التي تعد مسألة ذات مغزًى لاحقًا. الخاصية الثالثة: هي أن الخط البياني متصل؛ أي ليس به قفزات. وهذه الخاصية تعدُّ أحد التداعيات لكون الخط مقعرًا؛ فإذا رسمت خطًّا بيانيًّا به قفزة، فسوف تستطيع أن ترسم بين نقطتين ما خطًّا لا يقع بالكامل أسفل الخط البياني.

وسوف أستغل جانبين من جوانب أي رهان؛ وهما: «قيمته المتوقعة» و«يقينه التقريبي». يتم إيجاد المنفعة المتوقعة لأي رهان بضرب كل جائزة في احتماليتها وجمع الأرقام الناتجة. على سبيل المثال، القيمة المتوقعة للرهان:

٩٠٠٠ دولار باحتمالية ٠٫٢، و٥٠٠٠ دولار باحتمالية ٠٫٥، و١٠٠٠ دولار باحتمالية ٠٫٣.

هي — بآلاف الدولارات — (٩ × ٠٫٢) + (٥ × ٠٫٥) + (١ × ٠٫٣)، أو ٤٦٠٠ دولار (القيمة المتوقعة مشابهة للمنفعة المتوقعة، غير أن القيمة المتوقعة لا تكون منطقية إلا حيث تكون جميع الجوائز بنفس الوحدات، مثل الدولار. فلو لم تكن كذلك لَمَا استطعنا، بشكل عام، ضربها في الاحتمالات ثم جمعها). ولسوف أصف أيَّ رهان بأنه «عادلٌ» إذا كانت قيمته المتوقعة صفرًا، وإيجابيٌّ إذا كانت هذه القيمة موجبة، وسلبيٌّ إذا كانت القيمة سالبة (وكلمة عادل مستخدمة هنا بالمعنى المتعلق برياضيات التأمين، وليس لها أي وقع أخلاقي إضافي).

أما اليقين التقريبي للرهان فهو المبلغ الذي ستقبله محل الرهان، أو ما ستدفعه للحصول على الرهان. بمزيد من الدقة، إنه المبلغ المالي الذي لو ضمنتَ الحصول عليه لَاعْتبرتَه مساويًا للرهان. من السهل أن ترى أن أي رهان له يقين تقريبي واحد فقط (لو لم نُتِحْ للثروة أن تتنوع بشكل مستمر، وإنما فقط بقدْرٍ تدريجي — لنَقُل دولارًا واحدًا — فقد لا يكون الأمر كذلك؛ فقد يكون الأمر أنك قد اعتبرت أن ١٠٠٠ دولار أسوأ من رهانٍ ما، بينما اﻟ ١٠٠١ دولار أفضل منه).

ولتوضيح حساب اليقين التقريبي، افترضْ أن مخطط المنفعة الخاص بك هو مخطط الجذر التربيعي، وتأمَّلِ الرهان الذي إذا أقدمت عليه فسوف يؤدي إلى أن تكون ثروتك إما ٩٠٠٠ دولار، وفي هذه الحالة تكون المنفعة ٣؛ وإما ١٠٠٠ دولار، وفي هذه الحالة تكون المنفعة ١، كلاهما باحتمالية مساوية. المنفعة المتوقعة لهذا الرهان تُساوي ٢، واليقين التقريبي للرهان هو مستوى الثروة الذي تتساوى عنده منفعتك مع هذه المنفعة المتوقعة البالغة ٢؛ أي ٤٠٠٠ دولار. وهذا موضح في الشكل البياني السابق؛ فالرهان يؤدي إلى أن تكون ثروتك إما عند (أ) وإما (ب)، ومنفعتك المتوقعة هي منفعتك عند النقطة (ﺟ)، واليقين التقريبي هو ثروتك عند النقطة (د).

سوف أقول بأنك «متجنب للمخاطرة» فيما يتعلق برهانٍ ما إذا كنت تفضل القيمة المتوقعة للرهان المضمون على الرهان ذاته. وعلى نحو مساوٍ، تكون متجنبًا للمخاطرة إذا كانت القيمة المتوقعة أكبر من اليقين التقريبي. وعلى العكس، أنت محب للمخاطرة إذا كنت تفضل الرهان على القيمة المتوقعة له، أو إذا كانت القيمة المتوقعة أكبر من اليقين التقريبي. والفارق بين القيمة المتوقعة واليقين التقريبي هو «علاوة المخاطرة» الخاصة بالرهان. والمنفعة المتوقعة التي حسبناها للتوِّ، والتي سوف تؤدي إلى أن تكون ثروتك إما ٩٠٠٠ وإما ١٠٠٠ دولار باحتمالية متساوية، تُساوي ٥٠٠٠ دولار. وهكذا تكون علاوة المخاطرة ٥٠٠٠–٤٠٠٠ دولار؛ أي ١٠٠٠ دولار. وهذا أيضًا موضح في الشكل البياني؛ فالقيمة المتوقعة للرهان هي ثروتك عند النقطة (ﺟ)، وعلاوة المخاطرة هي المسافة بين (ﺟ) و(د).

يبدو واضحًا أنك متجنبٌ المخاطرة فيما يتعلق برهانٍ ما إذا كانت علاوة المخاطرة الخاصة به موجبة، ومحبٌ للمخاطرة إذا كانت سالبة. وسوف أصفك بأنك متجنبٌ للمخاطرة (دون قيود) إذا كنت متجنبًا للمخاطرة بالنسبة لجميع الرهانات، ومحبٌّ للمخاطرة إذا كنت محبًّا للمخاطرة بالنسبة لجميع الرهانات. ومن السهل أن ترى أنك متجنبٌ للمخاطرة إذا كان الخط البياني لمخطط المنفعة مقعرًا، ومحبٌ للمخاطرة إذا كان هذا الخط محدبًا (فالتحدُّب عكس التقعُّر).

يبدو واضحًا أن تجنُّب المخاطرة هو القاعدة. فإذا كنت تعتقد أنك محب للمخاطرة، فإن المثال التالي (الذي يعود إلى دانييل برنولي، الذي التقيناه في الفصل الثالث، ويعود اسمه إلى كونه قد نشر لأول مرة في «مذكرات» أكاديمية سانت بطرسبرج) قد يجعلك تغير رأيك.

(١-١) مثال سانت بطرسبرج

يُحسم رهان بإلقاء عملة محايدة بالقدر اللازم من المرات للحصول على الصورة؛ فإذا استلزم الأمر رمية واحدة فقط تكون الجائزة ٢ دولار، وإذا استلزم رميتين تكون ٤ دولارات، وإذا استلزم ثلاثًا فالجائزة ٨ دولارات، وهكذا. كم ستكون مستعدًّا للدفع مقابل هذا الرهان؟ بمعنى، ما هو معدل يقينك التقريبي؟ توقَّفْ لبرهة وفكِّر.

إذا كان المبلغ الذي أنت مستعد لدفعه أقل من القيمة المتوقعة للرهان، فأنت متجنب للمخاطرة، على الأقل بالنسبة لهذا الرهان. وعلى الرغم من أن عدد الجوائز المحتملة لا متناهٍ، فمن السهل حساب القيمة المتوقعة. الصف الأول في الجدول التالي يعطي عدد (ق) الرميات اللازم للحصول على صورة، والصف الثاني هو الجائزة إذا تطلب الأمر (ق) رميات، أما الصف الثالث فهو احتمالية أن يتطلب الأمر (ق) رميات (وهي بالضبط احتمالية الحصول على العدد (ق) من النتائج المحددة باحتمالية ٠٫٥ لكلٍّ منها على التوالي)، والصف الرابع هو الجائزة في الصف الثاني مضروبة في الاحتمالية في الصف الثالث.

الرميات ١ ٢ ٣
الجائزة +٢ دولار +٤ دولارات +٨ دولارات
الاحتمالية ١ / ٢ ١ / ٤ ١ / ٨
الناتج ١ دولار ١ دولار ١ دولار

بجمع المبالغ في الصف الرابع، نحصل على القيمة المتوقعة. ولما كان هذا هو إجمالي سلسلة غير منتهية كلُّ عنصرٍ فيها يساوي دولارًا، فهو تسلسل لا متناهٍ؛ ومن ثَمَّ، حتى إذا وافقت، ربما بشكل متسرع، على دفع مليون دولار مقابل هذا الرهان، فأنت متجنب للمخاطرة. توقف مرة أخرى لبرهة وفكر، في ضوء هذه المناقشة، ما المبلغ الذي ستكون على استعداد لدفعه؟ تشير الملاحظة العارضة إلى أن الناس مستعدون لدفع مبلغ ١٦ دولارًا في المعتاد.

(٢) قياس تجنُّب المخاطرة

لما كان تجنُّب المخاطرة يبدو أنه القاعدة، فسوف أفترضه من الآن فصاعدًا. تذكَّرْ أن علاوة المخاطرة موجبة، وأنك من ثَمَّ متجنب للمخاطرة إذا، وفقط إذا، كان الخط البياني لمخطط المنفعة الخاص بك مقعرًا. ويبدو منطقيًّا بالفعل أنه كلما كان الخط البياني لمخطط المنفعة أكثر تقعرًا، كانت علاوة المخاطرة أعلى؛ ومن ثمَّ تكون أكثر تجنُّبًا للمخاطرة. وهذا يشير إلى أننا قد نكون قادرين على تفسير درجة التقعر عند مستوًى ما للثروة بأنه: «مقدار تجنب المخاطرة» الخاص بك عند هذا المستوى.

إذا كنا سنفعل هذا، فنحن بحاجة لأن تكون لدينا القدرة على قياس درجة التقعر؛ ومن ثم عند أي مستوًى للثروة، نستطيع قياس انحدار الخط البياني لمخطط المنفعة، وهو حاصل قسمة التغير الرأسي أو معدل التغير في المنفعة على التغير الأفقي أو معدل التغير في الثروة، بالنسبة لتغير عشوائي صغير في الثروة (ومن ثم فهو يعادل المنفعة الحدية للثروة). ويتغير هذا الانحدار بتغير مستوى الثروة؛ فإذا كان الخط البياني مقعرًا صار أكثر تسطحًا، أو على نحو مساوٍ يقل انحداره مع زيادة الثروة. وتقاس درجة التقعر بقسمة المعدل النسبي لانخفاض الانحدار؛ أي المعدل الذي يقل عنده الانحدار، على الانحدار نفسه.

ولتوضيح حساب مقدار تجنب المخاطرة، افترض أن مخطط المنفعة الخاص بك هو مخطط الجذر التربيعي. على ذلك تكون منفعتك عند مستويات الثروة التي تتراوح عند ٤٠٠٠ دولار هي (تقريبًا):

٣٩٩٩ دولارًا ١٫٩٩٩٧
٤٠٠٠ دولار ٢٫٠٠٠٠
٤٠٠١ دولار ٢٫٠٠٠٢

إن درجة انحدار الخط البياني لمخطط المنفعة تحت ٤٠٠٠ دولار مباشرة تُساوي ٢٫٠٠٠٠ − ١٫٩٩٩٧؛ أي ٠٫٠٠٠٣، ودرجة الانحدار فوقها مباشرة تُساوي ٠٫٠٠٠٢؛ ومن ثم يكون معدل انخفاض الانحدار هو ٠٫٠٠٠١. ومن خلال قسمة هذه القيمة على متوسط قيمة المنحدر نفسه؛ أي على ٠٫٠٠٠٢٥، نحصل على المعدل النسبي للانخفاض، أو مقدار تجنُّب المخاطرة، الذي يساوي ٠٫٤ (وهذه القيمة تقريبية بالضرورة؛ لكوننا نستخدم تغيرات دولارية في الثروة وليس تغيرات صغيرة بشكل عشوائي، وهناك أيضًا خطأٌ ما في التقريب).

يبقى أن نتدبر مدى قوة هذا القياس. وأول نقطة يجب ملاحظتها هي أن مقدار تجنبك للمخاطرة لا يتغير إذا تم تحويل منفعتك بطريقة خطية. وهذا يُعزى إلى أن مضاعفة كل المنافع، مثلًا، تُضاعف كلًّا من الانحدار ومعدل انخفاضه، بينما إضافة ٧، لنَقُل، لكل المنافع لا تُغيِّر الانحدار أو معدل انخفاضه.

ثمة نقطة ثانية؛ وهي أن القياس، بشكل واضح، يكون موجبًا عند مستوًى ما للثروة إذا، وفقط إذا، كان الخط البياني مقعرًا حول هذا المستوى. وبشكل أقل وضوحًا قليلًا فقط، يكون المقدار موجبًا بالنسبة لجميع مستويات الثروة إذا، وفقط إذا، كان الخط البياني مقعرًا (في كل موضع)، أو بشكل مساوٍ إذا، وفقط إذا، كنت متجنبًا للمخاطرة (دون قيود).

والآن تدبر كيف نقارن تجنبك للمخاطرة بتجنبي للمخاطرة. من الطرق البديهية لتناول هذا، القولُ بأنك «أكثر تجنبًّا للمخاطرة» مني، إذا كنتُ مستعدًّا لقبول أي رهانٍ أنت مستعدٌّ لقبوله، ولكن ليس العكس. من السهل أن ترى أن الأمر يكون هكذا إذا، وفقط إذا، كانت علاوة المخاطرة الخاصة بك لأي رهان أكبر من علاوة المخاطرة الخاصة بي. ولكن هل توجد أية صلة بين كونِكَ أكثر تجنبًا للمخاطرة مني ومقدار تجنُّبنا للمخاطرة؟ هناك صلة؛ فأنت أكثر تجنبًا للمخاطرة مني إذا، وفقط إذا، كان مقدارُ تجنبك للمخاطرة عند كل مستويات الثروة أكبر مني.

حتى الآن يبدو قياسنا لتجنُّب المخاطر سليمًا. وكي نرى الموضع الذي قد تكمن فيه مشكلة، نحتاج للتفكير في معنى أن يكون رهانٌ ما «أكثر مخاطرة» من آخر. تأمَّلِ الرهانين العادلين التاليين: (س) وهو:

+١٥٠ دولارًا باحتمالية ٠٫٤، و−١٠٠ دولار باحتمالية ٠٫٦.

و(ص) وهو:

+٤٠٠ دولار باحتمالية ٠٫٢، و−١٠٠ دولار باحتمالية ٠٫٨.

افترض أنك أقدمت على الرهان (س)، وإذا فزت تراهن ﺑ ٢٥٠ دولارًا على إلقاء عملة؛ أي تُقْدم على الرهان العادل الأبعد:

+٢٥٠ دولارًا باحتمالية ٠٫٥، و−٢٥٠ دولارًا باحتمالية ٠٫٥.

(وإذا خسرت في الرهان (س) لا تفعل أي شيء آخر). باستخدام هذا الإجراء لتقدير الرهانات المركبة التي ناقشناها في الفصل الثالث، يكون من السهل أن ترى أن هذا الرهان ذا المرحلتين مساوٍ للرهان ذي المرحلة الواحدة. وعلى ذلك، يمكن النظر إلى الرهان (ص) بوصفه الرهان (س) مضافًا إليه رهان عادل؛ ومن ثم يمكننا أن نقول، بشكل منطقي، إن الرهان (ص) أكثر مخاطرة من الرهان (س). وبشكل أكثر عمومية، يكون أي رهان عادل أكثر خطورة من رهان ثانٍ إذا كان الأول مساويًا للثاني بعد إضافة رهان عادل آخر أو أكثر.
يمكننا مقارنة خطورة الرهانات غير العادلة بالنظر إلى أجزائها الخطرة؛ أي إلى مكاسبها وخسائرها بالنسبة لقِيَمها المتوقعة. بمزيد من الدقة، «الجزء الخطر» من أي رهان هو أن ينخفض الرهان بكل جوائزه المحتملة بمقدار قيمته المتوقعة؛ فهو بالطبع رهان عادل. على سبيل المثال، الجزء الخطر للرهان (ع):

+٥٠٠ دولار باحتمالية ٠٫٢، ولا شيء باحتمالية ٠٫٨.

والذي تبلغ قيمته المتوقعة ١٠٠ دولار، هو الرهان العادل (ص). ووفقًا لذلك، ولما كان (ص) أكثر مخاطرة من (س)، يمكننا القول بأن (ع) أكثر مخاطرة من (س). وبشكل عام، يكون أي رهان أكثر خطورة من رهان ثانٍ إذا كان الجزء الخطر من الرهان الأول أكثر مخاطرة من الجزء الخطر من الرهان الثاني.

أستطيع الآن التحول إلى القصة الأساسية. تأمَّلْ رهانين، (س) و(ص)، لهما نفس القيمة المتوقعة. إذا كنتَ متجنبًا للمخاطرة، فلا غرابة في أن اختيارك سيقع دائمًا على (س) وليس (ص) كلما كان (س) أقل مخاطرة. حتى الآن كل شيء على ما يرام، ولكن تأمل الآن رهانين جديدين هما (د) و(ﻫ)؛ حيث المنفعة المتوقعة للرهان (د) أكبر من نظيرتها للرهان (ﻫ)، ولكنه أيضًا أكثر مخاطرة. فإذا اخترتَ (د) وليس (ﻫ)، وإذا كنت أكثر تجنبًّا للمخاطرة مني، فسوف يبدو طبيعيًّا أن أختار أنا أيضًا الرهان (د) وليس (ﻫ)، وإذا كانت المنفعة المتوقعة الأعلى بمنزلة تعويض للمخاطرة الإضافية بالنسبة لك، ينبغي أيضًا أن تكون هكذا بالنسبة لي. وإذا كان (ﻫ) رهانًا محدد القيمة، فمن السهل أن ترى أن هذا هو الأمر. غير أن الأمر، في العموم، ليس هكذا.

إذن فلدينا مشكلة؛ فيبدو أن هناك شيئًا غير مُرضٍ إما بشأن قياسنا لتجنب المخاطرة، وإما بشأن فهمنا لما يعنيه أن يكون رهانٌ ما أكثر مخاطرة من آخر. أيهما ستتدارك؟

(٣) بعض الإضافات

يتضمن كلٌّ من الرهان (بالمعني الدارج) والتأمينِ الإقدامَ على مقامرة (بالمعني الحرفي)؛ فالرهان يتضمن دائمًا الإقدام على رهان آخر جديد. فإذا راهنت ﺑ ١٠٠ دولار على الأحمر في لعبة روليت، فإنك تُقْدم على الرهان (س) الذي جوائزه +١٠٠ دولار (إذا فاز الأحمر)، و−١٠٠ (إذا لم يفز). أما التأمين فيتضمن الإقدام على رهان يوازن رهانًا قائمًا. فإذا كان لديك سيارة قيمتها ٥٠٠٠ دولار ومعرضة لخطر السرقة، فإن لديك رهانًا قائمًا (ص) الذي جوائزه −٥٠٠٠ دولار (إذا سُرقت السيارة)، ولا شيء (إذا لم تسرق). إذن إذا أقدمت على الرهان (ع) الذي جوائزه +٤٩٤٠ (إذا سُرقت السيارة)، و−٦٠ دولارًا (إذا لم تُسرق)، تنتهي بالرهان الصافي (المحدد القيمة) الذي جائزته −٦٠ دولارًا، سواءٌ سُرقت سيارتك أم لم تُسرق. واختيار الرهان (ع) يوازن رهانك القائم (ص)؛ فهو بمنزلة تأمين بقسط قيمته ٦٠ دولارًا.

إذا كان بعجلة روليت صفر واحد، إذن فهناك ١٨ فتحة حمراء و١٩ فتحة غير حمراء (علمًا بأن الصفر لا يكون أحمر ولا أسود)؛ ومن ثم يكون لرهانك (س) على عجلة الروليت منفعة متوقعة قيمتها (+١٠٠ دولار × ١٨ / ٣٧) + (−١٠٠ دولار × ١٩ / ٣٧)، أو حوالي −٣ دولارات. وإذا كانت احتمالية سرقة السيارة تُساوي ٠٫٠١، فإن رهان التأمين (ع) الخاص بك له منفعة متوقعة تُساوي (٤٩٤٠ دولارًا × ٠٫٠١) + (−٦٠ دولارًا × ٠٫٩٩)، أو −١٠ دولارات. ولما كانت جميع عجلات الروليت التجارية بها أصفار، فإن لعب الروليت في نوادي القمار سوف يتضمن دائمًا اختيار رهانات غير مواتية (الرهان المنظم بالكامل يقوم على شروط غير مواتية. وتعد سباقات اليانصيب القومية حالة متطرفة، والتي عادة ما يتضمن الرهانُ فيها ﺑ ١٠٠ دولار اختيارَ رهان بقيمة متوقعة −٥٠ دولارًا). ولما كان لشركات التأمين مصروفات وتكاليف؛ فسوف يتضمن التأمين أيضًا اتخاذ رهانات غير مواتية.

fig12
شكل ٤-٢: عجلة روليت: في بالم بيتش.

لا يوجد شيء غير عقلاني، سواء في الرهان وفق شروط غير مواتية، أو التأمين وفق شروط غير مواتية، غير أنه من السهل أن ترى أنك إذا كنت متجنبًا للمخاطرة، فلن تراهن وفق شروط غير مواتية، وإن كنت قد تؤمِّن. بالمثل، إذا كنت محبًّا للمخاطرة، فلن تؤمِّن وفق شروط غير مواتية، وإن كنت قد تراهن. غير أن الملاحظة العارضة يبدو أنها تشير إلى أن العديد من الأشخاص يراهنون ويؤمِّنون، على حدٍّ سواء، وفق شروط غير مواتية؛ فهُم يشترون تذاكر في سباقات اليانصيب القومية ويؤمِّنون على سياراتهم. وإذا اشتريت تذكرةً في يانصيب قومي، فلا بد أنك محب للمخاطرة؛ وإذا أمَّنت على سيارتك، فلا بد أنك متجنب للمخاطرة. فكيف يمكن أن تكون الاثنين معًا؟

أحد حلول هذا اللغز المحير يعتمد على حقيقة أنك قد تكون متجنبًا للمخاطرة عند بعض مستويات الثروة، ومحبًّا للمخاطرة عند مستويات أخرى. وعلى وجه التحديد، قد تتجنب المخاطر حين تكون فقيرًا، ولكن قد تكون أكثر استعدادًا لخوض المخاطرة كلما ازددت ثراءً. تذكَّرْ أنك إذا كنت متجنبًا للمخاطرة، فإن الخط البياني لمخطط المنفعة الخاص بك يكون مقعرًا، وإذا كنت محبًّا للمخاطرة فهو محدب، غير أنك إذا كنت متجنبًا للمخاطرة عند المستويات المنخفضة للثروة، ومحبًّا للمخاطرة عند المستويات المرتفعة؛ فإن الخط البياني لمخطط المنفعة الخاص بك يكون مقعَّرًا عند المستويات المنخفضة، ومحدَّبًا عند المستويات المرتفعة.

وكمثال، افترضْ أن ثروتك الحالية ٥٠٠٠ دولار، ومخطط المنفعة الخاص بك كالتالي:

١٠٠٠ دولار ٢
٣٠٠٠ دولار ٩
٥٠٠٠ دولار ١٠
٧٠٠٠ دولار ١١
٩٠٠٠ دولار ١٨

تأملْ أولًا الرهان ﺑ ٢٠٠٠ دولار على حصان بأرجحية عادلة ٢ إلى ١. سوف يسفر هذا الرهان عن ارتفاع ثروتك إلى ٩٠٠٠ دولار باحتمالية ١ / ٣ (حال فوز حصانك)، أو هبوطها إلى ٣٠٠٠ دولار باحتمالية ٢ / ٣ (حال خسارته)، ومنفعته المتوقعة تُساوي (١٨ × ١ / ٣) + (٩ × ٢ / ٣)، أو ١٢. ولما كانت هذه المنفعة تتجاوز منفعة ثروتك الحالية، والتي تُساوي ١٠؛ فإنك تقدم على الرهان.

تأمل الآن قرارك التأميني. يمكنك التأمين على سيارتك التي تُساوي ٦٠٠٠ دولار بقسط عادل قيمته ٢٠٠٠ دولار. إن كون ثروتك المضمونة ٥٠٠٠ دولار يعني أن سيارتك مؤمن عليها، ولا بد أن تختار ما إن كنت ستلغي التأمين أم لا. ويتضمن الإلغاءُ الإقدامَ على رهان جديد سوف يسفر عن ارتفاع ثروتك إلى ٧٠٠٠ دولار باحتمالية ٢ / ٣ (إذا لم تكن سيارتك مسروقة)، أو هبوطها إلى ١٠٠٠ دولار باحتمالية ١ / ٣ (إذا سُرقت). والمنفعة المتوقعة لهذا الرهان الجديد تُساوي (١١ × ٢ / ٣) + (٢ × ١ / ٣) أو ٨. ولما كانت هذه المنفعة أقل من منفعة ثروتك الحالية، والتي تُساوي مرة أخرى ١٠، فإنك لا تُقْدم على هذا الرهان الجديد؛ أي إنك تؤمِّن. لاحظ أن هذا يبين أنك قد تراهن وتؤمِّن، وفق شروط عادلة، على حدٍّ سواء. ومن السهل أن ترى أنه إذا أصبحت الشروط غير عادلة قليلًا؛ فقد تستمر في الرهان والتأمين.

وهذا موضَّح في الشكل البياني، الذي تقع فيه ثروتك الحالية عند النقطة (أ). سوف يؤدي رهان الخيل إلى تواجد ثروتك إما عند (ب) وإما (ﺟ)، فيما تقع منفعتك المتوقعة فوق منفعتك عند النقطة (أ) مباشرة؛ ومن ثم تُقْدم عليه. وسوف يؤدي رهان التأمين إلى تواجد ثروتك إما عند (د) أو (ﻫ)، فيما تقع منفعتك المتوقعة أسفل منفعتك الواقعة عند (أ) مباشرة؛ ومن ثم لا تُقدم عليه؛ أي إنك تؤمِّن.

fig10
شكل ٤-٣: الرهان والتأمين: إذا كانت ثروتك عند النقطة (أ)، فستقبل الرهان العادل الذي سيسفر عن تواجد ثروتك إما عند (ب) وإما (ﺟ)، ولكن ترفض الرهان الذي سيسفر عن تواجد ثروتك إما عند (د) وإما (ﻫ).

وبقدر ما قد يكون هذا الحل مبدعًا وبارعًا، فإنه يبدو مصطنعًا؛ فهو لا يتطلب فقط أن يكون للخط البياني لمخطط المنفعة الشكل المطلوب، ولكن يتطلب أيضًا أن تكون ثروتك الحالية عند المستوى المطلوب؛ فلا يمكن أن تكون أعلى بكثير من ذلك عند (ﻫ) (وإلَّا فلن تؤمِّن) أو أسفل من ذلك بكثير عند (ب) (وإلَّا فلن تراهن).

ثمة حل بديل يتمثل في أن الناس يكونون متجنبين للمخاطرة عند كل مستويات الثروة؛ ومن ثَمَّ يؤمِّنون وفق شروط غير مواتية، ولكنهم لا يراهنون وفق شروط غير مواتية. فقط يَبدون أنهم يفعلون ذلك. فإذا كانت أرجحيات عدم فوز ألكوف بسباقٍ ما هي ٢ إلى ١، وتعتقد أن احتمالية فوزه ٠٫٤، إذن فقد تراهن عليه حتى إذا كنت متجنبًا للمخاطرة. وهذا يُعزى إلى أنك بقيامك بذلك إنما تُقْدم على الرهان الذي يمنحك +٢٠٠ دولار باحتمالية ٠٫٤، و−١٠٠ دولار خلاف ذلك، وقيمته المتوقعة +٢٠ دولارًا.

قد تعتقد، ولك الحق في هذا تمامًا، أن احتمالية فوز ألكوف ٠٫٤؛ فالمعتقدات، مثل الميول، أمر شخصي. قد تتفهم جيدًا أن وكلاء الرهانات لديهم تكاليف ونفقات؛ ومن ثَمَّ فإن الرهان العشوائي على الخيول هو رهان وفق شروط غير مواتية. لكن قد تعتقد أن لديك بعض المعلومات الخاصة، وأنك لا تراهن عشوائيًّا؛ فأنت، وأنت وحدك، مَن لَمَحَ اللمعة في عين ألكوف وهو يسيطر على الحلبة. عادةً ما تكون مخطئًا في هذا الاعتقاد، ولكن ذاك أمر آخر.

يبدو هذا الحل، في ظاهره، أقل منطقية في سياق الرهان على عجلة الروليت أو مسابقات اليانصيب القومية عنه في سياق الرهان على الخيول. لا شك أن الجميع يعرف أن جميع الأرقام لها نفس احتمالية الفوز في كلٍّ من الروليت وفي مسابقات اليانصيب، أليس كذلك؟ ربما تَعْلم ذلك، ولكن وجود كم هائل من الكتب والنظم التي تزعم أنها تخبرك كيف تفوز في الروليت، أو أي الأرقام تُختار في اليانصيب القومي؛ يوحي بأنْ ليس كل شخص يعلم ذلك.

أتحوَّلُ الآن إلى السؤال الذي أُثيرَ في الفصل الثالث بشأنِ ما إذا كانت المنفعة العددية يمكن أن توفر أساسًا للآراء المؤيدة لإعادة توزيع الثروة. تذكَّرْ أنه على الرغم من أن المنافع الحدية ليس لها معنًى عندما تكون المنفعة ترتيبية، فإنها تكتسب معنًى ما حين تكون المنفعة عددية. وهذا يُعزى إلى أنه إذا كان الفارق بين المنفعتين اللتين تعيِّنهما ﻟ ١٠٠٠ دولار و٢٠٠٠ دولار أكبر من الفارق بين المنفعتين اللتين تعيِّنهما ﻟ ٨٠٠٠ دولار و٩٠٠٠ دولار، بموجب إحدى طرق تعيين المنافع العددية، فإنه يكون أكبر بموجب كل الطرق الأخرى. ولكن ما معنى هذا؟ معناه أنك متجنب للمخاطرة لا أكثر ولا أقل. وعلى وجه التحديد، لا يعني ذلك أنه سيكون هناك نوع من الربح الصافي إذا انتقلتْ ١٠٠٠ دولار من شخص يملك ثروة قدرها ٩٠٠٠ دولار إلى شخص يمتلك ثروة قدرها ١٠٠٠ دولار. وبعيدًا عن أي شيء آخر، سوف ينطوي هذا على مقارنة غير مبررة بين منافع أشخاص مختلفين. الأهم هنا أنه يحاول ترجمة أحد مقاييس السعادة أو الرفاهية إلى ما يعد ببساطةٍ طريقةً عدديةً لتمثيل التوجهات نحو المخاطرة. وحتى لو كنا سنستخدم المنافع العددية لتبرير إعادة التوزيع، متجاهلين مشكلة المقارنة بين الأشخاص، كنا سنعيد التوزيع ببساطة على أساس توجهات الأشخاص نحو المخاطرة. ولو كان البشر محبين للمخاطرة، كانت إعادة التوزيع على هذا الأساس ستأخذ من الفقير وتعطي للغني.

ثمة محاولة أكثر تعقيدًا لتبرير إعادة التوزيع تستخدم «ستار جهل» خياليًّا. لنفترض أن الجميع يتدبرون كل التوزيعات المحتملة للثروة. بعض الأمثلة، بالنسبة لمجموعة سكانية قوامها ١٠ ملايين قد تكون:
  • ١ مليون عند ١٠٠٠ دولار، ٥ ملايين عند ٤٠٠٠ دولار، و٤ ملايين عند ٨٠٠٠ دولار.

  • ١ مليون عند ١٠٠٠ دولار، و٩ ملايين عند ٥٠٠٠ دولار.

  • ١٠ ملايين عند ٢٠٠٠ دولار.

ليست كل التوزيعات تتضمن الإجمالي نفسه، لما كان من المفهوم ضمنًا أن التوزيعات مُصاغة بطريقة تتطلب مشاركة من جانبنا، وأن بعض التوزيعات تمنح حوافز أكبر للمشاركة من غيرها.

إذن يختار كل شخص أحد التوزيعات دون معرفة وضعه الفردي في هذه التوزيعات (أي دون معرفة ما إذا كانت ثروته في التوزيع الأول سوف تكون ١٠٠٠، أم ٤٠٠٠، أم ٨٠٠٠ دولار). ويُزعَم أن كل شخص سوف يختار التوزيع الذي يمنح أكبر مبلغ لأفقر شخص، أو أفقر مجموعة من الأشخاص؛ ففي المثال الحالي سوف يختار الجميع توزيع «١٠ ملايين عند ٢٠٠٠ دولار». ويُزعم أيضًا أن التوزيع الذي يختاره الناس من خلف ستار الجهل هو توزيع عادل، وأنه إذا كان التوزيع الفعلي يختلف عن هذا، تكون إعادة التوزيع لها ما يبررها. وهذا هو مبدأ الفرق الذي صاغه الفيلسوف جون رولس (المولود عام ١٩٢١):

جميع القيم الاجتماعية — الحرية والفرصة، والدخل والثروة، وقواعد احترام الذات — يُفترَض أن تُوزَّع بالتَّساوي، ما لم يكن التوزيع غير المتساوي لأيٍّ من هذه القيم أو كلها سيصبُّ في مصلحة الجميع.

يعد الادعاء الأول، بأن جميع الناس سوف يختارون التوزيع الذي يَمنح أكبرَ مبلغ لأفقر شخص، ادعاءً جوهريًّا، ويرتبط مباشرة بنظرية الاختيار؛ فخلف الستار عليك أن تختار من بين الرهانات؛ مثل:
  • ١٠٠٠ دولار باحتمالية (ﺣ)، ٤٠٠٠ دولار باحتمالية (ق)، و٨٠٠٠ دولار خلاف ذلك.

  • ١٠٠٠ دولار باحتمالية (ر)، و٥٠٠٠ دولار خلاف ذلك.

  • ٢٠٠٠ دولار باحتمالية ١.

سوف تختار فقط آخر هذه الرهانات الثلاثة إذا كنت متجنبًا للمخاطرة إلى أبعد الحدود. وبالفعل، لو أنك فضلت هذا الرهان الثالث على الثاني، مثلًا، لجميع قيم الاحتمالية (د)، لخالفت شرط الاستمرارية. وهكذا فإن الادعاء بأنَّ كل شخص سوف يختار التوزيع الذي يمنح أكبر مبلغ لأفقر شخص يبدو واهيًا.

أما الادعاء الثاني، بأن التوزيع الذي يختاره الناس من خلف ستار الجهل هو توزيع عادل، وأنه إذا كان التوزيع الفعلي يختلف عن هذا، يكون لإعادة التوزيع ما يبررها، فهو مسألة أخلاقيات؛ ومن ثَمَّ لن توضحه نظرية الاختيار، غير أنني أشير عرَضًا إلى وجود آراء أخرى. أحد هذه الآراء أن التوزيع يكون عادلًا إذا كان نتاج أفعال إرادية وليس لأي سبب آخر. فإذا كنت أكثر ثراءً مني؛ لأنك دءوب ومجتهد وأنا كسول، فتلك خلاصة الأمر؛ فليس لأي شخص أن يأخذ منك ليعطيني. وهذه هي نظرية الاستحقاق التي صاغها روبرت نوزيك، الذي التقيناه في الفصل الثالث.

لسنا في موضع الأطفال الذين مُنحوا قطعًا من فطيرة من شخصٍ يُجري الآن تعديلات في اللحظات الأخيرة لتدارك أخطاء التقطيع العشوائي؛ فلا يوجد توزيع مركزي، ولا وجود لشخص أو مجموعة تسيطر على الموارد كافة، وتقرر كيف سيتم تقسيمها. فما يحصل عليه كل شخص إنما يحصل عليه من أشخاص في مقابل شيء أو كَهِبَة. وفي مجتمع حرٍّ، يتحكم أشخاص متنوعون في الموارد المختلفة، وتنشأ حيازات جديدة نتيجة تبادلات وأفعال إرادية للأشخاص. ولا يوجد توزيع للحصص بقدرِ ما يوجد توزيع للأزواج في مجتمع يختار فيه الأشخاص من سيقترنون بهم.

(٤) ملخص

تتجلى التوجهات نحو المخاطرة في الاختيارات من بين الرهانات التي تكون كل جوائزها مبالغ مالية.

علاوة المخاطرة لأي رهان هي (١) القيمة المتوقعة للرهان، والتي يتم إيجادها بضرب كل جائزة في احتماليتها وجمع الأرقام الناتجة، يطرح منها (٢) اليقين التقريبي للرهان، وهو المبلغ الذي ستقبله بدلًا من الرهان.

مقدار تجنب المخاطرة عند مستوًى ما للثروة هو المعدل النسبي لانخفاض انحدار الخط البياني لمخطط المنفعة في هذا المستوى.

أنت أكثر تجنبًا للمخاطرة مني إذا كنتُ مستعدًّا لقبول أي رهان أنت مستعد لقبوله، ولكن ليس العكس.

أنت أكثر تجنبًا للمخاطرة مني (١) إذا، وفقط إذا، كانت علاوة المخاطرة الخاصة بك لكل الرهانات أكبر من علاوة المخاطرة الخاصة بي، و(٢) إذا، وفقط إذا، كان مقدار تجنبك للمخاطرة عند كل مستويات الثروة أكبر من مقدار تجنبي للمخاطرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤