الفصل الرابع والعشرون

الْجَدَّةُ وَريدي يُضْطَرَّانِ لِلِانْتِقَالِ

قَالَ الثَّعْلَبُ ريدي مُتَذَمِّرًا: «لَا أُرِيدُ الِانْتِقَالَ؛ فَجَسَدِي مُتَيَبِّسٌ جِدًّا وَلَا أَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ.»

دَفَعَتْهُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ وَصَاحَتْ فِي غَضَبٍ: «اذْهَبْ وَافْعَلْ كَمَا قُلْتُ لَكَ! لَوْ أَنَّكَ أَطَعْتَ أَوَامِرِي، لَمَا كُنَّا مُضْطَرَّيْنِ لِلِانْتِقَالِ. إِنَّهَا غَلْطَتُكَ بِالْكَامِلِ. وَالْعَجِيبُ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَمْ يَقْتُلْكَ عِنْدَمَا أَطْلَلْتَ بِرَأْسِكَ خَارِجَ الْبَابِ أَمَامَهُ. وَالْآنَ لَنْ يَتْرُكَنَا فِي سَلَامٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَيْنَ نَعِيشُ. تَحَرَّكِ الْآنَ! هَذَا أَفْضَلُ مَنْزِلٍ حَصَلْتُ عَلَيْهِ، وَالْآنَ عَلَيَّ تَرْكُهُ. يَا إِلَهِي! يَا إِلَهِي!»

تَعَثَّرَ الثَّعْلَبُ ريدي وَهُوَ يَمْشِي عَبْرَ الْقَاعَةِ إِلَى خَارِجِ الْبَابِ الْأَمَامِيِّ. كَانَ يَمْشِي عَلَى ثَلَاثِ أَقْدَامٍ، وَفِي كُلِّ خُطْوَةٍ كَانَ وَجْهُهُ يَعْبِسُ، فَكَمَا تَعْلَمُ، كَانَ الْمَشْيُ يُؤْلِمُهُ بِشِدَّةٍ.

كَانَتِ النُّجُومُ قَدْ بَدَأَتْ تَظْهَرُ فِي السَّمَاءِ، وَرَاقَبَتِ الثَّعْلَبَ ريدي وَهُوَ يَعْرُجُ خَارِجًا مِنْ بَابِ الْمَنْزِلِ الَّذِي عَاشَ فِيهِ طَوِيلًا وَخَلْفَهُ تَمَامًا الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ. تَنَهَّدَتِ الْجَدَّةُ وَمَسَحَتْ دَمْعَةً وَهِيَ تُوَدِّعُ مَنْزِلَهَا الْقَدِيمَ. كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي مَشْغُولًا بِمَشَاكِلِهِ فَلَمْ يَلْحَظْ كَمْ هِيَ حَزِينَةٌ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ. وَكَانَ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ وَالرَّاحَةُ كُلَّ بِضْعِ خُطُوَاتٍ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ كَانَ يُؤْلِمُهُ.

قَالَ الثَّعْلَبُ ريدي مُتَذَمِّرًا: «لَا أَرَى فَائِدَةً مِنْ الِانْتِقَالِ اللَّيْلَةَ عَلَى أَيِّ حَالٍ. سَيَكُونُ الِانْتِقَالُ أَسْهَلَ وَأَلْطَفَ عِنْدَمَا تَكُونُ الشَّمْسُ سَاطِعَةً؛ فَهَوَاءُ اللَّيْلِ يَجْعَلُ جَسَدِي مُتَيَبِّسًا، وَأَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْ أَنِّي لَنْ أَتَعَافَى مِنْهُ.»

اسْتَمَعَتْ لَهُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ لِبُرْهَةٍ، ثُمَّ فَرَغَ صَبْرُهَا. أَجَلْ يَا عَزِيزِي، فَرَغَ صَبْرُ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ؛ فَضَرَبَتِ الثَّعْلَبَ ريدي عَلَى إِحْدَى أُذُنَيْهِ ثُمَّ عَلَى الْأُخْرَى، وَبَدَأَ ريدي يَبْكِي.

قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِحِدَّةٍ: «تَوَقَّفْ عَنْ ذَلِكَ! هَلْ تُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ الْجِيرَانُ كُلُّهُمْ أَنَّنَا أُجْبِرْنَا عَلَى الِانْتِقَالِ؟! سَيَكْتَشِفُونَ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَالْآنَ اتْبَعْنِي دُونَ أَيِّ ضَوْضَاءَ. فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ، فَسَأَنْطَلِقُ وَأَتْرُكُكَ تَنْتَقِلُ وَحْدَكَ. وَعِنْدَهَا كَيْفَ سَتَحْصُلُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ لِتَأْكُلَهُ؟»

مَسَحَ الثَّعْلَبُ ريدي عَيْنَيْهِ بِطَرْفِ مِعْطَفِهِ وَأَخَذَ يَعْرُجُ بِأَقْوَى مَا عِنْدَهُ. كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَسْبِقُهُ وَتَرْكُضُ إِلَى الْأَمَامِ قَلِيلًا لِتَرَى إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا أَمْ لَا ثُمَّ تَعُودُ مِنْ أَجْلِ ريدي؛ ريدي الْمِسْكِينِ! لَقَدْ حَاوَلَ بِكُلِّ جُهْدِهِ أَلَّا يَشْتَكِيَ، وَلَكِنَّ الْمَجْهُودَ كَانَ كَبِيرًا عَلَيْهِ. نَوْعًا مَا كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ. لَقَدْ كَانَ مَذْعُورًا جِدًّا عِنْدَمَا خَالَفَ أَوَامِرَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ وَأَطَلَّ بِرَأْسِهِ مِنَ الْبَابِ لِيَجِدَ وَجْهَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون أَمَامَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ عَادَ إِلَى الْوَرَاءِ بِسُرْعَةٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مِنْ إِصَابَتِهِ بِالرَّصَاصِ، وَالْآنَ لَمْ يَكُنْ يَفْهَمُ لِمَاذَا أَرَادَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ الِانْتِقَالَ فِي اللَّيْلِ.

تَمْتَمَ الثَّعْلَبُ ريدي: «إِنَّهَا تَكْبَرُ فِي الْعُمْرِ. تَكْبَرُ فِي الْعُمْرِ وَتُصْبِحُ مُتَرَدِّدَةً وَصَعْبَةَ الْمِرَاسِ.» فَقَدْ كَانَ يَعْرُجُ خَلْفَهَا.

بَدَا لِريدي وَكَأَنَّهُمَا يَسِيرَانِ لِأَمْيَالٍ وَأَمْيَالٍ. كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُمَا سَارَا طَوَالَ اللَّيْلِ تَقْرِيبًا عِنْدَمَا تَوَقَّفَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ أَمَامَ أَقْبَحِ مَنْزِلِ ثَعَالِبَ قَدِيمٍ رَآهُ ريدي. قَالَتْ: «هَا نَحْنُ قَدْ وَصَلْنَا!»

صَاحَ ريدي: «مَاذَا؟! هَلْ سَنَعِيشُ فِي هَذَا الشَّيْءِ؟! إِنَّهُ لَا يَلِيقُ بِأَنْ يُدْخِلَ أَيُّ ثَعْلَبٍ مُحْتَرَمٍ أَنْفَهُ فِيهِ.»

صَاحَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ غَاضِبَةً: «لَقَدْ وُلِدْتُ هُنَا! وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَبْتَعِدَ عَنِ الْأَذَى؛ فَلَا تَكُنْ مُسْتَعْلِيًا الْآنَ.»

إِنَّ الَّذِي يَسْتَنْكِرُ الْأَشْيَاءَ الْبَسِيطَةَ
وَيَسْتَعْلِي أَمَامَ كُلِّ مَا يَرَاهُ عَلَى الْبَسِيطَةِ،
مِنَ الْمُؤَكَّدِ سَيَشْعُرُ بِسِكِّينِ الرَّغَبَاتِ
الَّتِي سَتَقْطَعُ عَلَيْهِ طَرِيقَ الْمُتْعَةِ وَالْمَلَذَّاتِ.

«وَالْآنَ، لَا تَجْعَلْنِي أَسْمَعُ كَلِمَةً أُخْرَى مِنْكَ، ادْخُلْ فَوْرًا!»

لَمْ يَفْهَمِ الثَّعْلَبُ ريدي كُلَّ مَا قَالَتْهُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مَتَى يَجِبُ أَنْ تُطَاعَ؛ وَلِذَلِكَ زَحَفَ بِحَذَرٍ عَبْرَ الْمَدْخَلِ الْمُتَهَدِّمِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤