الفصل السادس والعشرون

عَمَلُ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون يَضِيعُ هَبَاءً

حَوْلَ الْمَنْزِلِ الَّذِي طَالَمَا عَاشَ فِيهِ الثَّعْلَبُ ريدي، كَانَ الْعُشْبُ مُبَلَّلًا بِالنَّدَى عِنْدَمَا أَنْزَلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بُنْدُقِيَّتَهُ، وَخَلَعَ مِعْطَفَهُ، وَطَوَى أَكْمَامَ قَمِيصِهِ ثُمَّ أَمْسَكَ الْجَارُوفَ. كَانَ الْجَوُّ بَارِدًا وَجَمِيلًا عَلَى حَافَةِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ. وَكَانَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ الْمَرِحُ قَدْ بَدَأَ رِحْلَةَ تَسَلُّقِهِ إِلَى السَّمَاءِ الزَّرْقَاءِ. وَكَانَ طَائِرُ السُّمْنَةِ الْمُغَرِّدُ يُغَنِّي بِسَعَادَةٍ بَيْنَ عُشْبِ الْبِرَكِ عَلَى حَافَةِ الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ. أَجَلْ؛ لَقَدْ كَانَ الْمَنْظَرُ جَمِيلًا جِدًّا جِدًّا، وَلَمْ يَبْدُ أَنَّهُ يُمْكِنُ حُدُوثُ أَيِّ أَذًى لِأَيِّ أَحَدٍ فِي هَذَا الصَّبَاحِ الْجَمِيلِ.

وَلَكِنْ كَانَ هُنَاكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون. لَقَدْ زَحَفَ عَلَى يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ دُونَ إِحْدَاثِ أَيِّ صَوْتٍ لِيَقْتَرِبَ مِنْ مَنْزِلِ الثَّعْلَبِ ريدي بِمَا يَكْفِي لِيُطْلِقَ النَّارَ عَلَيْهِ إِذَا خَرَجَ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ إِشَارَةٍ لِوُجُودِ ريدي؛ لِذَلِكَ قَفَزَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَبَدَأَ يُصَفِّرُ بَيْنَمَا يَحْفِرُ. بَدَا وَجْهُهُ الْمَلِيءُ بِالنَّمَشِ طَيِّبًا، وَلَمْ يَبْدُ أَنَّهُ يُرِيدُ إِيذَاءَ أَيِّ أَحَدٍ. وَلَكِنْ هَا هِيَ الْبُنْدُقِيَّةُ تَرْقُدُ بَيْنَمَا يَعْمَلُ هُوَ وَكَأَنَّهُ يَنْوِي الْوُصُولَ إِلَى قَاعِ مَنْزِلِ ريدي.

أَخَذَ عُمْقُ الْحُفْرَةِ يَكْبُرُ وَيَكْبُرُ، وَأَخَذَتْ كَوْمَةُ الرِّمَالِ تَعْلُو وَتَعْلُو وَهُوَ يَقْذِفُهَا خَارِجًا. لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يُشَاهِدُهُ إِلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر. لَمْ يَرَ الْخُلْدَ جوني وَهُوَ يَتَلَصَّصُ مِنْ وَرَاءِ مَجْمُوعَةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ عُشْبِ الْمَرْجِ، أَوِ الْأَرْنَبَ بيتر وَهُوَ يَتَلَصَّصُ مِنْ وَرَاءِ شَجَرَةٍ عَلَى حَافَةِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، أَوِ الرَّاكُونَ بوبي وَهُوَ يَنْظُرُ مِنْ مَكَانٍ آمِنٍ أَعْلَى نَفْسِ الشَّجَرَةِ. لَمْ يَرَ الظَّرِبَانَ جيمي أَوِ الْعَمَّ بيلي الْأَبُوسُومَ أَوْ السِّنْجَابَ جاك السَّعِيدَ أَوِ الْغُرَيرَ الْحَفَّارَ. لَمْ يَرَ أَيًّا مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ رَأَوْهُ جَمِيعًا. رَأَوْا كُلَّ حَفْنَةٍ مِنَ الرِّمَالِ يَرْمِيهَا، وَكَانَتْ قُلُوبُهُمْ تَخْفِقُ وَهُمْ يُرَاقِبُونَ؛ فَقَدْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَشْعُرُ أَنَّ شَيْئًا مُرِيعًا سَيَحْدُثُ لِلثَّعْلَبِ ريدي.

كَانَ الصَّقْرُ ميستاه الْعَجُوزُ هُوَ الْوَحِيدَ الَّذِي يَعْرِفُ الْحَقِيقَةَ. فَمِنْ مَوْقِعِهِ أَعْلَى السَّمَاءِ الزَّرْقَاءِ كَانَ يُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فِي الْأَسْفَلِ. كَانَ يُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ أَهْلِ الْمُرُوجِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ الَّذِينَ يُرَاقِبُونَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون. وَكُلَّمَا عَمِلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بِجُهْدٍ أَكْبَرَ، ضَحِكَ الصَّقْرُ ميستاه الْعَجُوزُ. عَلَى مَاذَا كَانَ يَضْحَكُ؟ لَقَدْ كَانَ يَرَى وَجْهَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ الْحَادَّ وَهِيَ تَتَلَصَّصُ مِنْ وَرَاءِ سُورٍ قَدِيمٍ، وَكَانَتْ تَضْحَكُ ضَحْكَةً وَاسِعَةً؛ لِذَلِكَ عَرَفَ الصَّقْرُ ميستاه الْعَجُوزُ أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي بِأَمَانٍ.

وَلَكِنَّ أَهْلَ الْمَرْجِ الْأَخْضَرِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارَ لَمْ يَعْرِفُوا أَنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ وَالثَّعْلَبَ ريدي قَدِ انْطَلَقَا، وَبَدَتْ وُجُوهُهُمْ تَحْزَنُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ وَهُمْ يُرَاقِبُونَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون وَهُوَ يَحْفِرُ أَعْمَقَ وَأَعْمَقَ فِي الْأَرْضِ.

قَالَ الْأَرْنَبُ بيتر شَاكِيًا: «لَقَدْ أَقْلَقَنِي الثَّعْلَبُ ريدي حَتَّى الْمَوْتِ، وَسَيَلْتَهِمُنِي إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ إِمْسَاكِي، لَكِنْ بِطَرِيقَةٍ مَا لَنْ يَكُونَ الْحَالُ نَفْسُهُ بِدُونِهِ فِي الْأَرْجَاءِ. يَا إِلَهِي! لَا أُرِيدُ مَوْتَهُ.»

قَالَ الظَّرِبَانُ جيمي: «رُبَّمَا يَكُونُ غَيْرَ مَوْجُودٍ بِالْمَنْزِلِ.»

فَأَجَابَهُ الْخُلْدُ جوني: «إِنَّهُ فِي الْمَنْزِلِ بِالطَّبْعِ؛ لَقَدْ كَانَ جَسَدُهُ مُتَيَبِّسًا جِدًّا وَمُتَأَلِّمًا، وَبِالْكَادِ يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَشْيِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَقَاءُ فِي الْمَنْزِلِ. مَا الْمُشْكِلَةُ الْآنَ؟»

نَظَرَ الْجَمِيعُ. لَقَدْ خَرَجَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مِنَ الْحُفْرَةِ. بَدَا مُتْعَبًا وَغَاضِبًا. جَلَسَ لِيَرْتَاحَ لِبِضْعِ دَقَائِقَ، وَأَثْنَاءَ ذَلِكَ كَانَ وَجْهُهُ عَابِسًا. ثُمَّ بَدَأَ يُعِيدُ الرِّمَالَ إِلَى الْحُفْرَةِ؛ فَقَدْ وَصَلَ إِلَى الْقَاعِ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا هُنَاكَ.

صَاحَ الْأَرْنَبُ بيتر وَهُوَ يَضْرِبُ بِقَدَمَيْهِ وَيَقْفِزُ فِي الْهَوَاءِ: «مَرْحَى!»

كَانَ الْآخَرُونَ مَسْرُورِينَ بِنَفْسِ الْقَدْرِ مِثْلَ الْأَرْنَبِ بيتر. كَانَ الْخُلْدُ جوني مَسْرُورًا بِشَكْلٍ خَاصٍّ؛ فَكَمَا تَرَى لَقَدْ وَجَدَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مَنْزِلَ جوني الصَّغِيرَ فِي إِحْدَى الْمَرَّاتِ، وَكَانَ عَلَى جوني الِانْتِقَالُ فَجْأَةً مِثْلَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ وَالثَّعْلَبِ ريدي. كَانَ جوني يَعْلَمُ كَيْفَ يَشْعُرُ الثَّعْلَبُ ريدي؛ فَقَدْ عَاشَ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ ضَيِّقَةٍ فِي حَيَاتِهِ الْقَصِيرَةِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤