الشاويش يتدخَّل

في الصباح قرَّر «تختخ» الاتصال بالمفتش «سامي»، وإخباره بما حدث في الليل حتى يقوم بتفتيش الغرفة السرية في العربة، ولكن المفتش لم يكن موجودًا، وقال الضابط الذي تحدَّث إلى «تختخ» إن عليه الاتصال بالشاويش ليقوم بالتفتيش اللازم.

كانت الدقائق ثمينة؛ فقد يهرب «حسبو» وأخته، وهما الوحيدان اللذان يمكن الاستدلال عن طريقهما إلى «الخنفس»، وهكذا وجد «تختخ» نفسه يركب دراجته ويُسرع ليُقابل الشاويش.

وكالمعتاد استقبل الشاويش «تختخ» في ضيق، فقال «تختخ»: اسمع يا حضرة الشاويش، إن «الخنفس» الذي تبحث أنت عنه، أبحث عنه أنا أيضًا؛ فقد أخطرني المفتش «سامي» بذلك، وأرسل لي صورته، وكل المعلومات الخاصة به، وقد استطعتُ الوصول إلى كنز «الخنفس» — إذا صحَّ أن نُسمِّيه كنزًا — وأقصد به المسروقات الكثيرة التي حصل عليها، من عمليات السطو الجريئة التي قام بها قبل القبض عليه، وأنا لا أملك سلطة تفتيش أحد، ولكنك تملك هذه السلطة، وأنا أنصح بأن تذهب فورًا، وتُفتِّش عربة «حسبو» في «السيرك»؛ فقد علمتُ أن بها مسروقات «الخنفس».

قال الشاويش باسترابة: وهل «الخنفس» هناك؟

تختخ: لو كنتُ أعرف مكان «الخنفس» لقلتُ لك، ولكني حتى الآن لم أرَه، ولم أعثر له على أثر، وقد وجدتُ من الأفضل أن نحصل على المسروقات قبل تهريبها، ونحن مستمرُّون في البحث عن «الخنفس»، فما رأيك؟

أخيرًا اقتنع الشاويش بعد أن وصف «تختخ» له مكان الكنز في الغرفة السرية، فركب دراجته واتجه إلى مدينة الملاهي، ومن بعيدٍ تبعه «تختخ» ليرَ نتائج التفتيش.

اتجه الشاويش إلى حيث تقف العربات، وسأل عن «حسبو»، ولمَّا لم يكن معه إذن بالتفتيش من النيابة كنص القانون؛ فقد كان عليه أن يلجأ إلى الحيلة.

كان «تختخ» يرقب الشاويش من بعيد، فرآه يُحدِّث «حسبو»، فاقترب منه وسمعه يقول: سمعتُ أن أحد اللصوص قد سطا على عربتك أمس، فهل سرق شيئًا؟

حسبو: على كل حال لم يكن لصًّا محترفًا، إنه متشرِّدٌ صغير كان يعمل مع البهلوان، وقد هرب عندما رآني.

قال الشاويش: هل يمكن أن أرى العربة؟

ولدهشة «تختخ» الشديدة قال «حسبو» ببساطة: تفضَّل.

واتجه الاثنان إلى العربة ودخلاها، فأسرع «تختخ» يقترب منها ويسمع ما يدور بداخلها، سمع الشاويش وهو يسأل عن باب الغرفة السرية، و«حسبو» وهو يفتح له بابها، ثم سمع صوت أقدام الشاويش وهو ينزل إلى الغرفة، فأحسَّ بقلبه يخفق بشدة؛ فالشاويش الآن قد وصل إلى المسروقات، ولكن ما حدث بعد ذلك كان شيئًا غريبًا؛ فقد خرج الشاويش وعلى وجهه علامات الغضب قائلًا ﻟ «حسبو»: ماذا كان يُريد هذا المتشرِّد من غرفةٍ فارغة؟ كان «تختخ» يختبئ خلف طرف العربة، وسمع ما قاله الشاويش، وأدرك كل شيء؛ لقد نقل «حسبو» المسروقات ليلًا بعيدًا، وضاع أثرٌ آخر من آثار «الخنفس».

وقبل أن يراه أحد، ركب «تختخ» دراجته، وانطلق عائدًا إلى منزله ورأسه يموج بالأفكار. كانت «نازك» في الحديقة، فاتجه إليها وقد بدا عليه الضيق واليأس، فسألته متلهِّفة: أين كنت؟ لقد بحثتُ عنك في كل مكان، فلم أعثر لك على أثر.

قال «تختخ» وهو يجلس: كنت في مغامرة فاشلة.

ثم روى لها ما حدث فقالت: على كل حال هذا أفضل من أن يهربوا جميعًا فلا نعثر ﻟ «الخنفس» على أثر، وفي رأيي أننا محتاجون إلى أن نُراقبهم مراقبةً دقيقةً فقد …

وقبل أن تُنهي «نازك» جملتها، ظهر الشاويش «فرقع» على باب الحديقة بوجهٍ متجهِّم، وقد سال العرق على وجهه في هذا اليوم الحار.

كان «تختخ» يتوقَّع ما سيقوله الشاويش، فأخذ ينظر إليه بهدوء، وحدث ما توقَّعه فعلًا؛ فقد وقف الشاويش أمامه قائلًا: هكذا إذن عثرت على كنز «الخنفس»! أين هو هذا الكنز المزعوم؟! وكيف سمحتَ لنفسك بخداعي، وإضاعة وقتي فيما لا فائدة فيه؟! سوف أُبلغ المفتش «سامي» بما فعلت، وإنني أُحذِّرك من التدخُّل في عملي أنت وبقية الأولاد الذين تُحيط نفسك بهم … هل تفهم؟!

ردَّ «تختخ» بهدوء: أؤكد لك يا حضرة الشاويش أن المعلومات التي قلتها لك صحيحة، ولا بد أن «حسبو» ومن معه قد هرَّبوا المسروقات.

قال «الشاويش» وهو ينصرف: إنك تُريد أن تلعب أدوار البطولة على حسابي، ولكني لن أسمح لك بذلك مرةً أخرى!

كانت «نازك» قد اتفقت مع «مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» على الحضور، فلم يكد الشاويش ينصرف حتى ظهر الأربعة، وانضمُّوا إلى «تختخ» و«نازك» في الحديقة.

وبعد أن استمعوا إلى مغامرة «تختخ» الليلية، قالت «لوزة»: اسمع يا «تختخ»، إننا هذه المرة خالفنا أسلوبنا في العمل؛ فنحن لم نكتب قائمةً بالمشتبه فيهم كالمعتاد؛ حتى نستطيع متابعة كل واحد مشتبه فيه، وبذلك يمكننا العثور على «الخنفس».

تختخ: المشكلة يا «لوزة» أنه ليس هناك مشتبه فيهم على الإطلاق؛ فعندنا «حسبو» وهو بالطبع ليس «الخنفس»، وأخته «لعبة» وهي ليست «الخنفس»، وأمهما العجوز وهي ليست «الخنفس» أيضًا، والبهلوان، وقد رأيته بلا ملابس وبلا تنكُّر فلم يكن يُشبه «الخنفس» في أي شيء، فأين المشتبه فيهم لنكتب هذه القائمة؟

سكت الجميع؛ فلم يكن هناك أي ردٍّ يمكن أن يُقال، ثم قال «مُحب» بعد فترة: معنى هذا أننا لا نسير في الطريق الصحيح، ولعل «الخنفس» يعمل في مكانٍ آخر في مدينة الملاهي، بعيدًا عن «حسبو» وعن «لعبة»، فلماذا لا نُعاود البحث في المدينة؟

تختخ: على العكس؛ «فالخنفس» قريبٌ جدًّا منهما، وإلَّا كيف وصلت المسروقات إلى العربة؟ ولماذا يُعرِّض «حسبو» نفسه للقبض عليه إذا وُجدت المسروقات عنده، ما لم يكن على صلةٍ «بالخنفس»؟ بل لعله عضوٌ في عصابة «الخنفس» أيضًا.

نوسة: ولماذا لا يقوم المفتش «سامي» باستجواب «حسبو» عن هذه المسروقات، لعله يحصل منه على اعتراف؟

تختخ: لن يعترف «حسبو» طبعًا، وسيكون هذا إنذارًا آخر ﻟ «الخنفس» بأن الشرطة تعرف مكانه، وسوف يختفي من «المعادي» في مكانٍ آخر، قد لا يعرفه رجال الشرطة مطلقًا.

فجأةً قالت «نازك»: ما رأيكم أن ننصب فخًّا ﻟ «الخنفس»؟

التفت الجميع إليها وقالت «لوزة»: كيف ننصب له فخًّا ونحن لا نعرف أين هو، ولا من هو؟!

نازك: سنجعل «الخنفس» يعلم عن طريق «حسبو» أو «لعبة» أو العجوز أن هناك ثروةً يمكنه الحصول عليها بعميلة سرقة بسيطة، ومثل هذا اللص لن يتردَّد في الإقدام على هذه المغامرة، وكلُّ ما علينا أن نُراقب مكان السرقة حيث سيظهر «الخنفس»، وبهذا نعرفه.

كانت فكرة ممتازة، وافق الجميع عليها، ولكن كان المهم أولًا هو تدبير هذا الفخ، ليكون مقنعًا ودقيقًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤