الفصل الثاني

في وقتٍ مبكرٍ علمتُ أن ابني يمكن أن يحسِّن من مزاجي العام عندما أستجيب لاحتياجاته العاطفية غير المعتادة، فعلى مدار أيام كثيرة وحتى الآن، النظام كالآتي:

أصِلُ إلى البيت متعبًا من العمل (ربما لأني كنتُ مستيقظًا معه الليلة الماضية)، بل ومحبَطًا؛ فلم تفشل إحدى السفن الخاصة بعملي في الوصول فقط، ولكن اتضح أيضًا أنها لم تبحر على الإطلاق! وبينما ضوء النهار يتلاشى، يلعب ووكر مع أولجا، وهي مربيته منذ ولادته، واسم عائلتها دي فيرا، ولكننا نناديها دائمًا بأولجا، وإذا لم تكن قد عادت معه من المشي خارج المنزل الذي يستغرق ثلاث ساعات (هو يحب الخروج) وحَمَّمَتْه، أستطيع أن أقوم أنا بذلك. اعتدتُ القيام بذلك يومًا بعد الآخَر، حين كان معنا طوال الوقت، فتحميمه يعيد الروح إلى نفسي.

أُحمِّمه، آخُذه من أولجا في الدور السفلي (يتبعها بانتظامٍ من المطبخ إلى حجرة غسيل الملابس في القبو، ثم إلى المطبخ، وهو يقوم من حينٍ لآخَر بجولاتٍ ذاتيةِ التوجيه لحجرة المعيشة وحجرة الطعام والبيانو والرَّدهة الأمامية وسلالم منزلنا الضيِّق في المدينة؛ ولمدةٍ طويلةٍ، حتى بلوغه سن السادسة، كانت السلالم مكان تسكعه المفضل)، وبحماسة أحرِّره من ملابسه (أفكُّ الأزرار والسحَّاب وأحل المشكلة الهندسية الخاصة باستخراج ذراعيه المتيبِّستين من كُمَّيْ ملابسه، وجعله يقف على قدمَيْه، ومنعه من السقوط على الأرض بينما أنحني لخلع حذائه، متمنيًا لو أننا كنَّا قد اشترينا حذاءً بلاصقة فيلكرو بدلًا من الحذاء الذي برباط)، ثم أفكُّ الحِفَاض وأُنحِّيه جانبًا وأنظِّف ووكر إذا استدعى الأمر. والآن بعد أن انتهيت من ذلك، أرفعه وأضعه في حوض الاستحمام وأراقبه مثل مراقبة حركة السفن حتى لا يغطس في الماء، بينما أخلع ملابسي في لحظة وأقفز معه في حوض الاستحمام.

ثم نتمدَّد في حوض الاستحمام حيث تلامِس نعومة ظهره العاري صدري. يكون هادئًا مثل بركة المياه، وحلمات صدره دقيقة في حجم رأس المسمار بالضبط، وهي تثير توتري ولكني لا أدري السبب (يمكنني تخيل السبب). عظام كتفَيْه وعظام ظهره ناعمة ولينة ومرنة بطريقة غير عادية كما لو أنها مغطَّاة بنوعٍ من التنجيد السحري، وجلد ذراعَيْه وفخذَيْه يُشعِرك بأنه مصطنع أيضًا، وهو باهت وخشن للغاية، ولا ينساب بطريقةٍ طبيعيةٍ، وكأنَّ الخلايا مهتاجة تفرط في البناء، وهذا أحد أكثر النتائج المباشِرة للمشكلات الوراثية التي أوصلته إلى هذه الحالة.

يتغيَّر جسمه ببطء شديد لدرجة أنني غالبًا ما أنسى قدر تغيُّره، وكلما كَبُر نلاحِظ تشوُّهات جسمه بصورةٍ أكبر؛ حذَّرونا من هذا عندما كان رضيعًا. لديه الآن كرش صغيرة، وهو أمر لم يكن كذلك من قبلُ؛ فحين كان في سنٍّ أصغر، كان نحيفًا جدًّا مثل الحبل، بينما يوجد الآن حول وسطه مقدارٌ ضئيلٌ من اللحم حوالي ربع بوصة، مثل اللفة في فردة الجورب، وجلده الآن أنعم حقًّا عمَّا كان عليه وهو رضيع، كما لو كان الزمنُ يسير بالعكس.

في البداية، حين كان طفلًا صغيرًا، كان الاستحمام يُضايِقه، ولكن إذا ضبطتُ درجةَ حرارة الماء إلى الدرجة المناسبة، وجلستُ بهدوء إلى جواره لفترة طويلة على نحوٍ كافٍ، ثم استبدلت بالماء البارد الماءَ الساخن ببطء، فإنه يهدأ ويستمتع بالاستحمام، حتى تغسل شعره أو تعطي جسمه الخارجي صدمةً جديدةً: يكره المصابون بمتلازمة القلب والوجه والجلد المثيراتِ الجديدةَ؛ إذ يبدو أن أعصابهم شديدةُ الحساسية باستمرار. ومع مرور الوقت بدأ يعتاد ماءَ الاستحمام، وبَدَا أنه يحرِّر أطرافه غير المترابطة على نحوٍ قويٍّ، ويخفِّف من العبء الذي تفرضه عليها الجاذبية. والمفارقة هنا أن الماء كان أحد أعدائه الأصليين؛ فقد كان هناك سائل أمنيوسي زائد عن الحد في الرَّحِم، وقد استنشق بعضَه قبل الولادة، وكذلك كان هناك سائل زائد عن الحد في المخ، يملأ تجاويف مخيخه الكبيرة الحجم.

يضحك كثيرًا وهو في حوض الاستحمام، بالطبع أميل إلى الاعتقاد بأنه يضحك لأنه معي، ولكن هذا سخف؛ فهو سيضحك تقريبًا مع أي شخص آخَر.

***

يوم آخَر. نستيقظ صباحًا قبل وقت الإفطار، في حين أن الجميع نائمون. بدأنا ندعه يستيقظ حين يريد ذلك لنوحي إليه أنه هو الذي يختار ما يقوم به. أذهب برفقة ووكر إلى المطبخ، وأقوم بمتابعة قائمة المهام اليومية للعناية بجسمه: أذنيه (أذناه تشبه القنَّبيط من ضربه لنفسه؛ وهذا يعرِّضها للعدوى المستمرة)، وأنفه (لا تسأل)، وحالته العامة. يلعب بكيس بلاستيكي مليء بعروات علب المشروبات الغازية التي تحتفظ بها أولجا. لا أدري لماذا تحتفظ بها، لكن يوجد المئات منها محفوظة وملفوفة ومخفية في أماكن مختلفة حول المنزل؛ بانتظارِ استخدامِها في كارثة غريبة تستعد لها أولجا بشكلٍ مستمرٍّ.

هل تكون الكارثة غيابها النهائي؟ أنقذتْ أولجا حياتنا؛ فقد كانَتْ ترعى والدة رأسماليٍّ بارزٍ في فترة حياتها الأخيرة قبل أن نحصل عليها من خلال مافيا المربيات الفلبينيات. كانت هايلي حينها تبلغ من العمر عامًا واحدًا، وكانت أولجا قد عملت حول العالم في وظيفة مقدمة رعاية للآخَرين وخادمة بعد أن أُجبِرت على ترك كلية التمريض في مانيلا لكي تعول أسرتها. وبعد ولادة ووكر بعد ذلك بعامين وبداية المشاكل من اليوم الأول، بدأت أولجا ترعاه. كان نسخة منها ولكنه كان أقصر؛ فهي مكتنزة، ولديها إرادة قوية، ويصعب تشتيت انتباهها. بدأت تغسل ملابسه، وتنظِّف حجرته، وتنظم أدويته وطعامه، وتغيِّر له ملابسه، وتأخذه للمشي لساعات دون توقُّفٍ، وتغني له قبل النوم؛ وإذا لم تكن تفعل ذلك، فقد كانت تساعدنا في القيام بذلك. وكانت تغسل الملابس كما لو أنها تمارس طقوسًا دينية بكلِّ دقةٍ، على الأقل مرتين يوميًّا. فقط بالليل وفي الصباح وفي عطلات نهاية الأسبوع عندما تذهب إلى بيتها، كنَّا نشعر بعدم الأمان في البيت، فنصبح بمفردنا مرة أخرى من دون أولجا. ولا يزعج أولجا شيء سواء أكان صراخًا أم مرضًا أم قذارة أم كارثة. وقد كانت تدوِّن كلَّ ما يتعلَّق بووكر: عدد مرات التبرُّز وطبيعته، ومدة المشي، وحالته المزاجية، والأدوية والجرعات التي يحصل عليها أربع مرات في اليوم، والنوبات المرضية، والحالات الغريبة، وأماكن وجودنا المختلفة، كل ذلك في دفتر سلك تحتفظ به على الميكروويف:
١٩ نوفمبر صباحًا
ووكر براون
٣٠ : ١٠ كلورال
٠٠ : ١١ بيبتامول/كلاريتين/ريسبيريدون
براز = نعم = متوسط الكمية = منتظم القوام
الاستحمام = نعم

إذا لم تكن ترعى ووكر، كانت تدلِّك ظهر هايلي وقدمَيْها. تطلق عليها هايلي «أولجز»، وهي ليسَتْ لديها مؤهلات خاصة لرعاية ولد حالتُه معقَّدَة مثل ووكر، غير صبر لا ينتهي وخيال وروح دعابة غريبة، وقدرة رهيبة على تحمُّل المسئولية وحبٍّ للهاتف المحمول، وقلب كبير لا يميِّز بين حاجات شخصٍ وآخَر. وفي المرات النادرة التي يغلب فيها ووكرَ النعاسُ، كانت تقرأ كل الصحف الموجودة في المنزل على منضدة المطبخ. كانت في مثل سني بالضبط. كل شهرين، كانت تقوم هي و٤٠ من الصديقات الفلبينيات برحلة سياحية شاملة بالحافلة، ويتوجَّهْنَ إلى أورلاندو أو لاس فيجاس أو شيكاجو أو نيويورك أو أتلانتيك سيتي ويَعُدْنَ بعد خمسة أيام. وبعد ذلك قد يُعتبَر أي شيء — حتى ووكر — بالنسبة إليها عطلة.

الكيس المليء بعروات علب المشروبات الغازية والذي يضربه ووكر بعنف؛ مصنوعٌ من لب معدني: فهو يسحبه ثم يمسك به ثم يسحقه، واضعًا إياه باستمرارٍ بين يديه اللتين تشبهان شريحة لحم مأخوذة من خاصرة بقرة مثل سلسلة خاصة بإنسان آليٍّ؛ شيء يهدئه، كما لو أنه شيء من فيلم الخيال العلمي «بليد رانر». لا أدري لماذا يقوم بهذا، وماذا يمثِّل هذا الفعل له! عليَّ أن أكون راضيًا بدلًا من ذلك بالحقيقة الوحيدة لديَّ، وهي أنه يحب أن يلمس الكيس كثيرًا. ويُعَدُّ هذا أحدَ الأشياء الغريبة لوجود طفلٍ لديك مثل ووكر: فهو لديه حياته الخاصة، وعالمه المجهول على الدوام، فهذا يعطي له مظهرًا مهمًّا خاصًّا بالبالغين، حتى إن كان لا يزال ولدًا صغيرًا، فهو لديه أشياء يقوم بها وأشياء يضغط عليها.

هل السبب هو العروات الحادة التي توجد تحت نعومة الكيس البلاستيكي، مما يعطيه شعورَيْن متساويين ومتضادين في الوقت نفسه؟ قد يكون الكيسُ البلاستيكي المليء بعروات علب المياه الغازية نسخةَ ووكر من مفهوم القدرة السلبية، التي هي المعادل الموضوعي لفكرة كيتس عن المفاهيم المتساوية والمتعارضة التي توجد في العقل في الوقت نفسه دون حدوث انهيار عصبي، ودون تفضيل واحدٍ على الآخَر. ربما هي فكرة تحوَّلَتْ إلى شيء مادي. أو لعلِّي ما زلتُ أجتهد في الوصول إلى الحقيقة. إنه لا يدع لي فرصة الاختيار، بل يفرض عليَّ هذا الطريق، فنبتكر — هو وأنا — عالمنا معًا في كل لحظة أكون معه. «كيف حالك يا ووكي؟ ماذا تفعل؟ آه، أنت تضرب كيس عروات علب المياه الغازية بعنفٍ وتحاول أن تجد موسيقى في مكانٍ ما، هل هذا ما تريد؟»

هناك طرق أسوأ لقضاء الوقت.

***

كلُّ شيء يتعلَّق به يضغط عليَّ، إنْ لم يكن يرعبني، وأحيانًا يكون له كلا التأثيرين. اليوم، وهو مستيقظ في حجرته، وقبل أن ننزل إلى الدور السفلي ببطء درجةً واحدة في كل مرة، ممسكين بالدرابزين — هو دائمًا ما ينزل بقدمه اليسرى أولًا — حدث شجار الوسائد، واستمرَّ هذا لمدة عشرين دقيقة، أطول مما أعرفه عن قدرته على التحمُّل. للمرة الأولى منذ عشر سنوات، أكتشف أنه يحب أن يُضرَب بالوسادة. كيف فاتني هذا؟ مفاجأة ومتعة، وملل قليل حين يطول عليَّ الأمر، ولكن سعادة «كلية» لأنه سعيد. قبل أن يبدأ سريان مفعول هيدرات الكلورال في جسمه، بينما لا يزال يقف بجوار سريره يحاول أن يتبرز (عمل روتيني صباحي، بمجرد القيام من الفراش)، ويبدو هذا على وجهه الذي لا يُبدِي أيَّ شعور (وبالفعل منظره واضح)، بَدَا قَلِقًا ومتضايقًا، يفرك بأصابع يده موضعَ أنبوب التغذية كما لو كان منجمًا مفتوحًا. إنه لا يجرح الجلد ولكنه يحكُّه فقط؛ وهو ما يعدُّ أمرًا طفيفًا بمعايير معاقبة الذات لدى ووكر. كان جلده أبيض وقد بَلِيَ من الحكِّ، وأظن أن الأمر مؤلم بالرغم من أنه لا يبدو عليه الشعور بألم كبير، وهو مما يعدُّ عَرَضًا آخَر من أعراض المتلازمة التي يعاني منها. في كل الأحوال، أحبُّ نزول السلالم معه؛ إذ يبدو الأمر وكأنَّ تقدُّمًا يتحقَّق. أكره حجرته وهذا السرير البالي في الدور الثالث، وأكره السجادة ذات اللون الأزرق السماوي التي تغطي أرضية الغرفة من الجدار إلى الجدار، وملصقات بابار (التي لا تتغير، مثله تمامًا)، وحمَّالة الأحزمة الخشبية الرخيصة التي دائمًا ما تقع على الأرض (لم يكن لديه حزام يناسبه قطُّ يكون صغيرًا بما يكفي ليناسب خصره النحيل الذي يعلو ساقيه الطويلتين)، والخِزانات المتعددة الأدراج (غير المتناسقة، والتي بعضها مصنوع من الخيزران والبعض الآخَر من إنتاج شركة إيكيا) المكدسة بملابس لا نستطيع أن نحمل أنفسنا على التخلُّص منها، والسرير المغطى البالغ ثمنه ١٠ آلاف دولار أمريكي الذي يستند على أحد الجدران مثل المذبح، المغطى بشبكةٍ تمنعه من الهرب، وحامل أكياس التغذية المتعدد الأجزاء المصنوع من الصلب المقاوم للصدأ الذي ثمنه ١٢٠٠ دولار أمريكي، الموجود في ركن الحجرة مثل العم بيرتي المهمل (والذي لا نستطيع التخلُّص منه، حيث من الممكن أن نستخدمه في حالة الطوارئ، أو نحتاجه مرةً أخرى: يا إلهي! ماذا لو احتجناه مرة أخرى؟) والكرسي الهزاز الذي أعطتني إياه أمي وأنا طفل، والذي انكسر الآن، وهو أحد الأشياء القليلة التي تربطها بابني. وبالطبع كلارنس المهرج، رأس المهرج البلاستيكي الرهيب الذي يتفكَّك إلى قِطَع: عينين، وأنف، وفم، بينما يتحدَّث كلارنس إليك، ويسمح لك بإعادة ترتيب وجهه، مع اختيار شكله؛ الشكل الحزين، أو السعيد، أو التكعيبي، أو الإرهابي. هل هذا يعبِّر عن شيء، أن لعبةً يمكن إعادةُ ترتيب وجهها وتشويهه تكون لعبةً مفضَّلَة لولدي المشوَّه؟ أم هل ما يستهويه أنه يستطيع تشغيل الصوت الإلكتروني وإيقافه، على عكس صوته؟ أخبرني أنت! أكره حجرته؛ لأنها مثل مُتحف عَفاه الزمن، مكان نادرًا ما يتطوَّر، مثل ولدي.

جسده جسد لاعب ملاكمة كبير السن: مربع، يشبه فعلًا العلبة التي نشتري فيها القميص، عندما تكون في وضعٍ قائم. وعلب ذراعيه — الأنابيب المصنوعة من مادة صلبة تمنعه من ثَنْي مرفقَيْه؛ حتى لا يُحدِث جروحًا رهيبة بالمنطقة العلوية في جمجمته طوال اليوم — تمنعه من تقوية عضلات أعلى الذراع، ولكن لديه مجموعة عضلات قوية في ساعدَيْه. فكه السفلي ثقيل، وخداه ممتلئان، وليس لديه ذقن يُذكر، وشعره مجعد، لكن ليس لديه حاجبان، حيث لا يوجد شعر تمامًا، وهو يشبه في ذلك رائد الفضاء. وأنفه عريض وهو من سمات هذه المتلازمة (من بين العديد من السمات الأخرى). وشفاهه غليظة، خاصةً الشفة السفلى، والتي وصفها الأطباء بأنها «متسعة»، عندما كان لا يزال صغيرًا. أسنانه مربعة، اصفرَّتْ من اللبن الصناعي الذي يتناوله، ولكن لم يصبها التسوُّس، ويداه مثل القفازات، كبيرة مقارنةً بحجمه، والخوذة التي يلبسها معظم الوقت وأصبح لونها الآن أزرق مائلًا إلى الأرجواني، مصنوعة من مادة رغوية منزلقة لامعة؛ تمتص الضربات التي كان يوجِّهها لرأسه، ولها رباط بلون قوس قزح، إشارةً إلى الشمولية. (هل ووكر غريب بالنسبة إلى العالم الخارجي مثل شخص متحوِّل جنسيًّا؟ أحيانًا ما أسأل نفسي هذا السؤال.) ويمكنه إصابة نفسه والآخَرين بالتلويح بذراعيه، والنطح برأسه؛ وهو يضرب حتى جيني، كلبة الترير الخاصة بجيراننا، دون قصدٍ. لا تنزعج الكلبة من ذلك، وأنا أيضًا ألتمس لووكر العذر في ذلك دائمًا.

الآن توجد حجرتان وثلاثة أرباع حجرة في المنزل مخصَّصة لمتعلقاته. كان مجال نفوذه قد زاد بالتدريج، ولكن ما زالَتْ إمبراطوريته على حجمها إلى اليوم، بعد ثلاث سنوات من ترك المكان إلى دار الرعاية، في سن الحادية عشرة. يقضي ووكر هناك أسبوعًا ونصفًا ثم ثلاثة أيام في البيت، ولكننا ما زلنا نحتفظ بنسختنا من عالم ووكر كما هي، ويرجع هذا إلى أننا بالطبع لا يمكن أن ندعه أبدًا يتركنا، حتى إنْ أراد. هناك حجرة كاملة في الدور الثالث، بجوار حجرة نومه، مخصَّصَة لحفظ لعبه التي لم يلعب بها قطُّ، والملابس التي لم يلبسها قط؛ التاريخ الأثري لاعتقادنا غير المجدي أن هذه اللعبة أو تلك سوف تُخرِجه من عالمه المنغلق، إلى عالمنا الأكثر انفتاحًا، ونادرًا ما جعلته تلك الألعاب يفعل هذا.

هناك أدراج تمتلئ بالملابس التي قدَّمَها غرباء لووكر كهدايا، وهي ملابس تحتاج إلى كثيرٍ من الإصلاحات أو تركيب الأزرار، ملابس مصنوعة من أقمشة لا تناسب جلده شديد الحساسية، وهي هدايا تنمُّ عن نوايا نبيلة حيَّرَتْ عشرات الناس وهم يفكِّرون ويتساءلون ما الذي يمكنهم أن يشتروه لابننا الغريب ذي القدرات المحدودة. وهناك أيضًا قلعة الديناصورات التي تكلفت مائة دولار وتشغله لمدة خمس دقائق في الشهر، إذا كان مستيقظًا هنا وكان في مرمى وجودها. وهناك أيضًا مستر وندرفُل، وهي الدمية التي عندما تضغط على بطنها تقول كل الأشياء الصحيحة: «حبيبي، لِمَ لا تأخذ جهازَ التحكُّم عن بُعْد؟ وما دمت معك، فلا أبالي بما نشاهد.» وهذا يلفت انتباهه لمدة خمس عشرة ثانية، على الرغم من أن زوجتي كانت تضحك بسبب ذلك كثيرًا.

من ناحية أخرى، يلفت انتباهه «جملون»؛ منزل قديم مصنوع من كعك الزنجبيل مُلصَق على طبق ورقي — كان قد تحجَّرَ ولم يَعُدْ صالحًا للأكل منذ وقتٍ طويلٍ — كلما يراه. وهكذا الحال مع كيس زينة الكريسماس البلاستيكي، وهو ابتكار آخَر من ابتكارات أولجا، والذي يمكنه أن يلفه حول يده مئات المرات في اليوم الواحد. لوحات وألغاز وكرات وألعاب نارية وألعاب تشبه الأجراس وصلصال، ولوحات نشاط ولعبة عفريت العلبة وألعاب تربوية تكفي لتغيير مستقبل أفريقيا، ودُمًى وحيوانات لعبة محشوَّة، وملابس؛ تقبع كلها بلا فائدة مثل الشعور بالذنب في مجموعة من سلال الغسيل البيضاء.

توجد في القبو، في مكان الساونا القديمة الذي نستخدمه كمخزنٍ (مَن لديه وقت للحصول على حمام ساونا؟) أشياء غريبة أكثر، الأدوات المخيفة حقًّا التي أعارتنا إياها أقسام الخدمات الاجتماعية بالجهات الحكومية المختلفة التي يستعملها المُعالِجون حين يزورون المنزل. حين كان ووكر طفلًا صغيرًا جدًّا، كان هناك احتمال كبير أنه كلما دخلتُ منزلنا، أجد امرأةً في الثلاثينيات أو الأربعينيات من عمرها ترتدي معطفًا مصنوعًا من قماش الدنيم، تجلس على أرضية غرفة معيشتي، تربِّتُ على ووكر، وتنشط خدوده، وتعالج يديه، وفي صبرٍ تكرر نفس الصوت أو نفس الإيماءة مراتٍ ومرات. وفي كل مرةٍ أدخل وأرى مثل هذه المرأة أشعر ببعض الحزن؛ لأن هذا يذكرني بأن لديَّ ابنًا في حاجةٍ إلى مساعدتها، وأشعر بموجة من الأمل والعرفان بالجميل؛ لأن هذه الجلسة قد تحقِّق انفراجة كبيرة تُعِيده إلى الحياة الطبيعية، وما زلتُ أشعر بكلا الشعورين حين أراه ومعه معلم جديد مفعم بالنشاط، وغير يائس.

على سبيل المثال، حتى يومنا هذا في مكان الساونا، توجد مجموعة من الدِّلاء الصغيرة الصفراء البلاستيكية، ارتفاعُ كلٍّ منها ثلاث بوصات، وفي كلٍّ منها أداة مختلفة في أسفلها، وفي إحداها على سبيل المثال عجلة ينيانج، وهي دوامة لونها أبيض في أسود بمقبض يلفها. أعرف عجلة ينيانج؛ فالأطفال الصغار يستجيبون استجابة جيدة للتناقض، لأنماط الأبيض والأسود. وحول حافة هذه العجلة بشكل تبادُلي مسامير معدنية تُحدِث صوتًا كلما تحرَّكَتْ عجلة ينيانج. دنج دنج دنج دنج! شيء غامض نيبالي، أو تبتي. هل من المفترض أن تفيد هذه الأداة ولدي الصغير؟ على أي حالٍ، توجد الأداة في الداخل في قاع الدلو الصفراء، وهناك فتحتان في قاع الدلو أيضًا، ربما للمسك بالأصابع، وربما لإسالة المياه، أو ربما للأمرين معًا. لم أتمكَّن من فهم كيف أستخدم هذه الأداة تمامًا، ولم ألحظ قطُّ أنها تستحوذ على انتباه ووكر لأكثر من ثانيتين، ولا حتى لمدة ثانيتين، ولكننا نحتفظ بها على أي حال؛ ربما لأن هذه (كما هو مكتوب) ستكون الدلو السحرية، الأداة الغريبة الشكل التي ستغيِّر كلَّ شيء. وهناك ملصق ورقي على الجزء الخارجي للدلو الصغيرة الصفراء يقول:
مواد لتنمية المهارات الحركية الدقيقة
حرِّكْ وأَدِرْ وتعلَّمْ
وحدة دقِّ الأجراس كلَّ ساعة رقم ١٠
وأسفل ذلك، كتابة مختومة بختم مطاطي حبري:
برنامج مترو
لذوي الاحتياجات الخاصة [رؤية]

لا أعلم أي جوانبها أكثر كآبةً: التصميم الأخرق غير الملائم، أم فُتْحتَي الأصابع/التسريب غير المفهومتين، أم العلامات البيروقراطية (رقم ١٠، واحدة من الكثير منها)، أم علامة دقِّ الأجراس كلَّ ساعة (ألم يكن من الملائم أكثر أن تدقَّ الأجراسُ كلَّ ربع ساعة؟) أم حتى القسم الأكثر بيروقراطيةً (رؤية) داخل القسم الأكبر (برنامج مترو لذوي الاحتياجات الخاصة)، إضافةً إلى استدعائه للبرامج الإقليمية والقومية الكبيرة والشاملة المذكورة سابقًا، وكلُّ واحد منها مقسم إلى نُظُمٍ أصغر حتى نصل في النهاية، على الأقل، إلى هذا الركن من النظام الصغير القبيح الهمجي غير الملائم الأخرق البلاستيكي الأصفر ذي الفتحتين المخصَّص لولدي غير القابل للعلاج؟ أم الأمل المؤثِّر، وفي نفس الوقت اليأس المطلق، الذي يعكسه هذا الملصق، مفهوم الإنسان البُدائي للطبيعة الإنسانية (مثير/استجابة، جيد/سيئ، مفتوح/مغلق)؟ أم هل الأمر يرجع إلى وجود أربعة دلاء نشاط بلاستيكية صفراء أخرى في الدور السفلي، مثل هذه الدلو ولكن مع وجود اختلافات؟ طائرة ذات مروحة متحركة، ومهرِّج يرتدي بابيونًا دوَّارًا، وطاقة من الزهور على سيقان متمايلة، وأكليشيهات كبيرة؛ لأن الأطفال يستجيبون على نحوٍ جيد للأكليشيهات، على الأقل الأطفال العاديون، ولكن ليس ووكر. يصعب تشغيل كل تلك الدلاء، ويذكرنا هذا بكيف أن فَهْمنا لتطوير مهارات الأطفال غامضٌ وضبابيٌّ وقاصرٌ في الحقيقة، ولا نعلم إلا القليل عن الأمر. ولكنها قابلة للتكديس: الدلاء يمكن وضع بعضها فوق بعضٍ لأنها تسمح بذلك. أنا أدرك أهمية القابلية للتكديس، وكم هي مهمة في منزل مليء بالأشياء غير المستعملة وخيبة الأمل.

في كل مرة أنظر فيها إلى دلاء النشاط الصفراء (وقد وضعتُها في مكان الساونا لكيلا أضطر إلى النظر إليها)، أرى تاريخَ حياة ووكر بتفاصيلها الدقيقة، وهي ليست سوى بضعة أشياء غريبة الشكل عليها ملصقات موضوعة بعناية، أقرضتنا إياها المجالس التربوية وجهات الرعاية الخاصة ومجموعات العناية الخاصة؛ أقرضتنا إياها! ويتوقَّعون منَّا أن نغسلها ونردَّها إليهم بعد حلِّ مشكلتنا! كما لو أن المشكلة ستُحَلُّ في يومٍ من الأيام، كما لو أنه حين يَحُلُّ هذا اليوم سنتمكَّن من أن نجدها مرةً أخرى في ظلِّ أكوام الألعاب التي نعيش وسطها، وسنعرف من أيِّ الوكالات العديدة أتَتْ منها، وأين هذه الوكالة الآن، فنغسلها ونضعها في السيارة — ربما يأتي معنا ووكر — ونذهب نعيدها إليهم! حلم جميل. أتمنى أن يحدث هذا، يا إلهي، أتمنى أكثر من أي شخص أن يحدث هذا!

بدلًا من ذلك، توجد الدلاء الصفراء في مكان الساونا غير المستخدم، وهي تُشعِرني بالذنب حتى هذا اليوم؛ لأنها تمثِّل مهمةً أخرى ليس لديَّ وقت لإنجازها. كان هناك نظام مخطَّطٌ له بوضوحٍ مصمَّمٌ لتدريس المهارات لووكر؛ حدة البصر! المهارات الحركية الأساسية! الربط بين الصوت وحركة اليد! القدرة على وضع الإصبع في فتحة صعبة جدًّا! لماذا لم أستطع العمل وفق هذا النظام؟ بالتأكيد فعل ذلك آباء آخَرون؛ ولهذا السبب صُمِّمَ النظام بالطريقة التي وُضِعَ بها، وهذا ما جعلني أقتنع بطريقة تصميم هذا النظام على أي حال.

لا يهم أن النظام لم يُعلِّم الولد أيَّ شيء.

من أغرب الأدوات التي استعرناها وأخفيناها عندنا؛ الصندوقُ مثلث الشكل ذي اللون الأحمر في الأبيض، ولهذا الشيء الغريب شريط لاصق مكتوب عليه أيضًا:
ألعاب للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
منشور بلاستيكي
رقم ٥ مفهرس

الأضلاع الثلاثة الطويلة للصندوق مثلث الشكل حمراءُ اللون، وأطرافها بيضاء. أربعة من الجوانب الخمسة مصمَّمة لإثارة الطفل بطريقة مختلفة.

توجد مرآة في أحد الجوانب، وهذه المرآة مخدوشة للغاية لدرجة أنها تشبه رقعةً من الرصيف، ولكنها في النهاية مرآة.

في جانب آخَر يوجد زرَّان على جانبَي الضوء، ويوجد الضوء في منتصف دائرة منخفضة.

هناك انخفاض آخَر في جانبٍ ثالثٍ، وفيه نمط وجه مبتسم يقع في أضواء حمراء صغيرة، ويوجد أسفل الوجه بكرة خشبية لا تتدحرج، ولكنها تطقطق عند دفعها.

وأخيرًا، في أسفل هذا الشيء الغريب يوجد خيط كان يضيء أنوارَ الوجه، ومن خبرتي لم تعمل الأضواء قطُّ، ولكن هذا نظريٌّ. وتشير النظرية إلى أنه إذا سحَبَ الطفلُ الخيطَ، تضيء الأنوار في الوجه، وهذا ما يشجِّع الطفل على أن يحرِّك يده نحو البكرة أسفل الوجه، وستُحدِث البكرة صوتَ ضوضاء ضعيفًا. وتمثِّل المعادلةُ التالية الهدفَ من الأداة والجانب النظري لعملها:

خيط + أضواء = التعرُّف على الوجه من خلال الارتباط بالصوت/الضوضاء.

بناءً على ذلك، تهدف هذه اللعبة إلى تعليم ووكر أن يربط الوجوه بالأصوات، وأن يضع في ذهنه مفهومَ أن الوجه والصوت قد يرتبطان. على الأقل هذا أفضل تخمين عندي، حاولْتُ أن أتصل بالمُصنِّع لكي أعرف ماذا يمكن لهذه الأداة أن تُعلِّم ابني، الذي يبتسم أحيانًا لي حين أضع وجهي بجانب وجهه وأقول اسمه، ولكن لا يوجد اسم المُصنِّع على اللعبة، قد يكون هذا مشتِّتًا للغاية.

ما زلتُ أتذكَّر اليوم، حين كان ووكر طفلًا صغيرًا، حين اقترحَتْ زوجتي فكرةَ أن نضع سلة ألعاب في كل دورٍ من أدوار المنزل، وكان رأيي أنها فكرة عبقرية؛ وظننتُ أننا حللنا المشكلة، ولكن بعد مرور كل هذه السنوات ما زالَتْ هناك كما هي، مكدَّسة وكاملة، تمامًا مثلنا في الغالب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤