الفصل الثامن

أبو هلال العسكري

في الأدب العربي رجلان باسم العسكري يشتبهان كثيرًا على الباحثين؛ لأن كلًّا منهما الحسن بن عبد الله العسكري، وكان من أسباب هذا اللبس أن أخطأ صديقنا الأستاذ خير الدين الزركلي في كتابه «الأعلام»١ فأرخ وفاة أحدهما بوفاة الآخر اعتمادًا على فهرس دار الكتب المصرية.

قال ياقوت: أما وفاته فلم يبلغني منها شيء غير أنني وجدت في آخر كتاب الأوائل من تصنيفه «وفرغنا من إملاء هذا الكتاب لعشر خلت من شعبان سنة ٣٩٥.» وقد ظن جورجي زيدان أن هذا تاريخ الوفاة.

والفرق بين ذينك الشخصين أن أحدهما يكنى أبا أحمد؛ وهو الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، وثانيهما يكنى أبا هلال؛ وهو الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، وقيل: إن أبا هلال كان ابن أخت أبي أحمد.٢
والعسكري نسبة إلى عسكر مكرم، وهي مدينة من كور الأهواز، ومكرم الذي تنسب إليه مكرم الباهلي وهو أول من اختطها، كما يقول ابن خلكان.٣

وكان أبو أحمد العسكري من رجال اللغة والرواية، وكان الصاحب بن عباد يود الاجتماع به ولا يجد إليه سبيلًا، فقال لمخدومه مؤيد الدولة بن بويه: إن عسكر مكرم قد اختلت أحوالها، وأحتاح إلى كشفها بنفسي؛ فأذن له في ذلك، فلما أتاها توقع أن يزوره أبو أحمد العسكري فلم يزره، فكتب الصاحب إليه:

ولما أبيتم أن تزوروا وقلتمو
ضعفنا فلم نقدر على الوخدان٤
أتيناكمو من بعد أرض نزوركم
وكم منزل بكر لنا وعوان
نسائلكم هل من قرى لنزيلكم
بملء جفون لا بملء جفان

وكتب مع هذه الأبيات شيئًا من النثر، فجاوبه أبو أحمد عن النثر بنثر مثله، وجاوبه عن الشعر بهذه الأبيات:

أروم نهوضًا ثم يثني عزيمتي
تعوذ أعضائي من الرجفان
فضمنت بيت ابن الشريد كأنما
تعمد تشبيهي به وعناني
«أهم بأمر الحزم لو أستطيعه
وقد حيل بين العير والنزوان»

فلما وقف الصاحب على الجواب عجب من اتفاق هذا البيت له وقال: «والله لو علمت أنه يقع له هذا البيت لما كتبت إليه على هذا الروي.»

وقد رأى أبو أحمد أن هذا لا يقنع الصاحب، وأنه لا بد من الحمل على النفس، فركب بغلة وقصده فلم يتمكن من الوصول إليه لاستيلاء الحشم، فصعد قلعة ورفع صوته بقول أبي تمام:

ما لي أرى القبة الفيحاء مقفلة
دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها
كأنها جنة الفردوس معرضة
وليس لي عمل زاكٍ فأدخلها
فناداه الصاحب: ادخلها يا أبا أحمد فلك السابقة الأولى! فتبادر إليه أصحابه فحملوه حتى جلس بين يديه، فسأله عن مسألة فقال: الخبير صادفت! فقال الصاحب: يا أبا أحمد، تغرب في كل شيء حتى في المثل السائر! فقال: تفاءلت عن السقوط بحضرة مولانا. وأصل المثل: «على الخبير سقطت»، وكانت وفاة أبي أحمد العسكري سنة ٣٨٢. ٥
وإنما كتبنا هذه الكلمة عن أبي أحمد؛ لأنه كان أستاذ أبي هلال، ولترشد القارئ إلى أن أبا هلال حين يقول في الصناعتين: «أخبرنا أبو أحمد» فإنه لا يريد رجلًا سواه. ومن كتاب الصناعتين نعرف شيئًا كثيرًا عن أبي أحمد العسكري من الوجهة الأدبية، فقد نقل عنه أشياء كثيرة في أغلب ضروب البيان، واختار شذرات من نثره تمثله من أوساط الكتاب.٦

أما أبو هلال فهو شخصية قوية جذابة لها أثر عظيم في اللغة العربية، ولو لم يكن له إلا كتاب الصناعتين لكفى دلالة على فضله وبراعته وتفوقه فيما عُني به من درس الشعر والنثر وتعقب مذاهب الشعراء والكتاب.

كان أبو هلال أبي النفس، قوي القلب، يترفع عن الدنايا، وينأى بنفسه عما يرتطم فيه أدعياء الأدب من كسب العيش عن طريق التزلف إلى الأمراء والرؤساء، وقد رأينا أن أستاذه وخاله أبا أحمد العسكري كان قدوة له في ذلك؛ إذ كان الصاحب يستدعيه إلى حضرته فيتعذر بالضعف والشيخوخة فرارًا من أن يحشر في زمرة الأتباع وطلاب الغنائم وأرباب الغايات.

كان أبو هلال يتجر في الثياب احترازًا من الطمع والدناءة والتبذل،٧ ولكنه كان قوي الشعور بأن تلك مهنة لا تليق به ولا بأدبه، فكان يزفر بمثل قوله:
جلوسي في سوق أبيع وأشتري
دليل على أن الأنام قرود
ولا خير في قوم يذل كرامهم
ويعظم فيهم نذلهم ويسود
ويهجوهمو عني رثاثة كسوتي
هجاء قبيحًا ما عليه مزيد

وقوله:

إذا كان مالي مال من يلقط العجم٨
وحالي فيكم حال من حاك أو حجم
فأين انتفاعي بالأصالة والحجا
وما ربحت كفي على العلم والحكم
ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي
فلا يلعن القرطاس والحبر والقلم٩
وقد كان أبو هلال مع هذا التأبي متصل الحبل بالصاحب بن عباد، وليس في كتب التراجم ما يشرح لنا صلته بذلك الوزير الذي استعبد معاصريه من الكتاب والشعراء، ولكني رأيت في كتاب الصناعتين ما يدل على أن صلته به كانت قوية، ولذلك مظهران:
  • الأول: إشادته بأدب الصاحب.
  • والثاني: تحامله على المتنبي، وكان ابن عباد يكره المتنبي كرهًا شديدًا لترفعه عن مدحه، فكان لذلك يدفع النقاد إلى النيل منه والوقوع فيه، والغض من شعره.
أما إشادته بأدب الصاحب فتظهر في استشهاده بكلامه؛ كقوله في باب السجع والازدواج: «ومثله قول الصاحب: لكنه عمد إلى الشوق فأجرى جياده غرًّا وقرحًا، وأورى زناده قدحًا فقدحًا … وقوله: هل من حق الفضل تهضمه شغفًا ببلدتك، وتظلمه كلفًا بأهل جلدتك … وقوله: وقد كتبت إلى فلان ما يوجز الطريق إلى تخلية نفسه، وينجز وعد الثقة في فك حبسه.»١٠

ونرى أبا هلال في مكان آخر يقول: «رُوي لنا أن عمر بن أبي ربيعة أنشد ابن عباس (رضي الله عنه):

تشط غدًا دار جيراننا
… … … …

فقال ابن عباس:

وللدار بعد غد أبعد
… … … …

فقال عمر: والله ما قلت إلا كذلك … وإذا كان القوم في قبيلة واحدة وفي أرض واحدة فإن خواطرهم تقع متقاربة، كما أن أخلاقهم وشمائلهم تكون متضارعة … وأنشد الصاحب إسماعيل بن عباد:

كانت سراة الناس تحت أظله
… … … …

فسبقني وقال:

فغدت سراة الناس فوق سراته
… … … …
وكذلك كنت قلت، فعلى هذا جائز ما يدعى لهم.١١

وفي هذه العبارة تظهر مجاملة أبي هلال للصاحب، فهو يتخذ من حضور ذهنه دليلًا على أن حضور الذهن من النعم التي قد يهبها الله للناس!

ونراه في باب الفصل والوصل يقول: «وهكذا يفعل الكتاب الحذاق والمترسلون المبرزون … ألا ترى ما كتب الصاحب في آخر رسالة له: فإن حنثت فيما حلفت، فلا خطوت لتحصيل مجد، ولا نهضت لاقتناء حمد، ولا سعيت إلى مقام فخر، ولا حرصت على علو ذكر … وهذه اليمين التي لو سمعها عامر بن الظرب لقال: هي الغموس،١٢ لا القسم باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى … فأتى بأيمان ظريفة ومعانٍ غريبة.

وكتب أيضًا في آخر رسالة: وأنا متوقع لكتابك، توقع الظمآن للماء الزلال، والصوَّام لهلال شوال.

وكتب آخر أخرى: وسئل أن أخلفه في تحشيم مولاي إلى هذا المجتمع، ليقرب علينا تناول البدر بمشاهدته، ولمس الشمس بغرته.

فانظر كيف يقطع كلماته على كل معنى بديع ولفظ شريف.»١٣

وأما تحامله على المتنبي فيظهر في مواطن كثيرة من كتابه، فهو لا يذكره باسمه، ولا يتحدث عن شعره إلا حين يريد التمثيل للشعر القبيح، ففي باب تمييز المعاني ينشد قول السيد الحميري:

أيا رب إني لم أرد بالذي به
مدحت عليًّا غير وجهك فارحم

ثم يقول: «فهذا كلام عاقل يضع الشيء في موضعه، ويستعمله في إبانه، ليس كمن قال وهو في زماننا:

جفخت وهم لا يجفخون بها بهم
شيم على الحسب الأغر دلائل١٤

فأشمت عدوه بنفسه.

وفي باب الكناية والتعريض يقول: «ومن شنيع الكناية قول بعض المتأخرين:

إني على شغفي بما في خمرها
لأعف عما في سراويلاتها

وسمعت بعض الشيوخ يقول: الفجور أحسن من عفاف يعبر عنه بهذا اللفظ.»

و«بعض الشيوخ» ذاك هو الصاحب بن عباد الذي قيد هذه الملاحظة في آخر رسالته في الكشف من مساوي المتنبي.١٥

وفي باب الترصيع يقول: «ومن معيب هذا الباب أيضًا قول بعض المتأخرين:

عجب الوشاة من اللحاة وقولهم
دع ما تراك ضعفت عن إخفائه
هذا رديء لتعميمة معناه.»١٦

وفي باب التوشيح يقول: «ومما عيب من هذا الضرب … قول بعض المتأخرين:

فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا
قلاقل عيس كلهن قلاقل

وإنما أخذه من قول أبي تمام فأفسده:

طلبتك من نسل الجديل وشدقم
كومٌ عقائل من عقائل كوم.»١٧

وتحامل أبي هلال على المتنبي هو المطعن الظاهر في أخلاقه، فقد كان يستطيع أن ينقد شعر المتنبي فيظهر الجيد منه والرديء، ولكل شاعر جيد ورديء، ولكنه سلك خطة واحدة هي النص على السخيف من شعر المتنبي مع التعامي عن معانيه الجيدة، وخياله الوثاب، فانضم بذلك إلى النقاد المغرضين الذين كلفوا بالبحث عن عيوب المتنبي ابتغاء مرضاة الوزير ابن عباد، وما أحط الأدب إذا سخِّر لأهل الملك والسلطان!

ويعد نثر أبي هلال من الطبقة العالية، وهو يسجع، ولكنه لا يلتزم السجع، والتعبير المشرق الفصيح من أظهر مميزاته، ولا يكاد القارئ يرى في نثره عبارة غامضة أو فكرة يحوطها اللبس، وإنما يمضي في الشرح والإيضاح بلغة سهلة مقبولة لا يعتريها ضعف ولا التواء، وانظر قوله في جودة الرصف وحسن النظم:
أجناس الكلام المنظوم ثلاثة: الرسائل والخطب والشعر، وجميعها تحتاج إلى حسن التأليف وجودة التركيب، وحسن التأليف يزيد المعنى وضوحًا وشرحًا، وسوء التأليف مع رداءة الرصف والتركيب شعبة من التعمية، فإذا كان المعنى سبيًا،١٨ ورصف الكلام رديًّا، لم يوجد له قبول ولم تظهر عليه طلاوة، وإذا كان المعنى وسطًا، ورصف الكلام جيدًا، كان أحسن موقعًا وأطيب مستمعًا، فهو بمنزلة العقد إذا جعل كل خرزة منه إلى ما يليق بها كان رائعًا في المرأى وإن لم يكن مرتفعًا جليلًا، وإن اختل نظمه فضمت الحبة إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقًا ثمينًا. وحسن الرصف أن توضع الألفاظ في مواضعها وتمكن في أماكنها، ولا يستعمل فيها التقديم والتأخير والحذف والزيادة إلا حذفًا لا يفسد الكلام ولا يعمي المعنى … وسوء الرصف تقديم ما ينبغي تأخيره منها، وصرفها عن وجوهها، وتغيير صيغتها، ومخالفة الاستعمال في نظمها.١٩

ولا يستطيع وضع لغة التأليف في مثل هذه السهولة وهذه الدقة إلا الكتاب المتفوقون.

وانظر أيضًا قوله:
والبلاغة ليست مقصورة على أمة دون أمة، ولا على ملك دون سوقة، ولا على لسان دون لسان، بل هي مقسومة على أكثر الألسنة، فهم فيها مشتركون، وهي موجودة في كلام اليونان وكلام العجم وكلام الهند وغيرهم، ولكنها في العرب أكثر لكثرة تصرفها في النثر والنظم الخطب والكتب والسجع والمزدوج والرجز، وهم أيضًا متفاوتون فيها، فقد يكون العبد بليغًا ولا يكون سيده، وتكون الأمة بليغة ولا تكون ربتها، فالبلاغة قد تكون في أعراب البادية دون ملوكها، وقد يحسنها الصبي والمرأة.٢٠

وجمال هذه الفقرة يرجع إلى دقتها وسلامتها من الفضول، وفيها صورة لفهم رجال ذلك العهد لمواقع البلاغة، فهي في رأيهم ليست وقفًا على أمة دون أمة، ولكنهم يشعرون أن العرب أقدر الناس على الكلام البليغ، ولا يمكن أن يطالب الرجل بغير ذلك، فمن الصعب أن يدرك الناقد أن هناك لغة أجمل من لغته؛ إذ كان تذوق الأساليب يرجع إلى طول الألفة والصداقة الروحية لأسرار الكتاب والشعراء، وفي رأيي أن البلاغة كالموسيقا لا تفهم ولا تذاق إلا بطول السماع، فهناك ألحان شرقية بديعة لا يدرك جمالها إلا الشرقيون، ولو سمعها الغربيون لسخروا منها وعدوها من عبث الرعاع، وهناك ألحان غربية دقيقة لا يقدرها إلا الغربيون ولو سمعها الشرقيون لسدوا آذانهم وقالوا: هذه همهمة الأعجام!

وكان أبو هلال يجيد الشعر، ويضع شعره في طبقة أشعار المفلقين، فينشده في الصناعتين مستشهدًا به كما يستشهد بشعر أبي تمام والبحتري، أو النابغة وامرئ القيس، ومن إليهم من القدماء والمحدثين، وهذا يدل على اعتداده بقيمته الفنية، ونحن كذلك نراه من الشعراء المجيدين، فنستحسن قوله وقد أنشده في باب المطابقة:

قل لمن أدنيه جهدي
وهو يقصيني جهده
ولمن ترضاه مولا
ك ولا يرضاك عبده
أمليحٌ بمليح الشـ
ـكل أن يخلف وعده
أم جميل بجميل الـ
ـوجه أن ينقض عهده
ما الذي صدك عني
ليت ما صدك صده٢١

ونستجيد قوله في تفضيل الشتاء على غيره من الأزمنة:

إن روح الشتاء خلص روحي
من حرور تشوي الوجوه وتكوي
برد الماء والهواء كأن قد
سرق البرد من جوانح خلو
ريحه تلمس الصدور فتشفي
وغماماته تصوب فتروي
فلست أنسى منه دماثة دجن
ثم من بعده نضارة صحو
وجنوبًا يبشر الأرض بالقطـ
ـر ما بشر العليل ببرو
وغيومًا مطرزات الحواشي
بوميض من البروق وخفو
كلما أرخت السماء عراها
جمع القطر بين سفل وعلو
وهي تعطيك حين هبت شمالًا
برد ماء فيها ورقة جو
وليال أطلن مدة درسي
مثلما قد مددن في عمر لهوي٢٢

كتاب الصناعتين

أجمل أثر لأبي هلال العسكري هو كتاب الصناعتين: الكتابة والشعر، وقد أراد أن يودعه جميع ما يحتاج إليه في صنعة الكلام نثره ونظمه من غير إخلال ولا إسهاب، وجعله عشرة أبواب مشتملة على ثلاثة وخمسين فصلًا، تكلم فيها عن موضوع البلاغة، وتمييز الكلام جيده من رديئه، والإيجاز والإطناب، وحسن الأخذ وقبحه، والتشبيه والسجع والازدواج، والبديع وفنونه … إلخ.

والغاية من علم البلاغة — فيما نص أبو هلال — هي أن يعرف المتأدب إعجاز القرآن، وهي فكرة كثيرة الذيوع عند المتقدمين، فعلوم اللغة العربية في عرفهم إنما وضعت لفهم القرآن المجيد، وهم يريدون أن يطمئن المؤمن إلى إعجاز القرآن اطمئنانًا مؤسسًا على قواعد من البيان تحمل المنصف على الإقرار بإعجاز ذلك الكتاب، وهناك غايات ثانوية؛ منها فهم الأدب، ومنها القدرة على إجادة الإنشاء.٢٣
وقد أشار أبو هلال إلى أن الكتب المصنفة في ذلك الفن كانت لعهده قليلة، وأن أشهرها كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وهو في رأيه كتاب جم المنافع لما اشتمل عليه من جيد الفصول والفقر والخطب والأخبار، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، إلا أن الإبانة عن حدود البلاغة وأقسام البيان والفصاحة مبثوثة في تضاعيفه، فهي ضالة بين الأمثلة لا توجد إلا بالتأمل الطويل، والتصفح الكثير.٢٤
كتاب الصناعتين كتاب جيد، تشعر وأنت تقرؤه أنه كتاب نادر المثال، والمؤلف قوي الشعور بذلك، فإنا نراه يقول بعد أن شرح نعوت البلاغة ووجوه البيان والفصاحة: «ولم يسبقني إلى تفسير هذه الأبواب وشرح وجوهها أحد، وإنما اقتصر من كان قبلي على ذكر تلك النعوت عارية مما هي مفتقرة إليه من إيضاح غامضها، وإنارة مظلمها، فكأن المنفعة بها للعالم دون المتعلم، والسابق دون اللاحق، وربما اعترض الشك فيها للعالم المبرز، فسقطت عنه معرفة كثير منها، وأنت — أيدك الله — تعتمد ما ذكرته من ذلك، وتأتم بما شرحته منه، وتستدل به على ما ألفيته من جنسه إذا عثرت به، لتستغني عن جميع ما صنف في البلاغة، وسائر ما ذكر من أصناف البيان والفصاحة، إن شاء الله.»٢٥
ونراه يقول بعد أن تكلم عن قبح الأخذ: «وقد أتيت في هذا الباب على الكفاية، ولا أعلم أحدًا ممن صنف في سرق الشعر فمثل بين قول المبتدئ وقول التالي، وبين فضل الأول على الآخر والآخر على الأول غيري، وإنما كان العلماء قبلي ينبهون على مواضع السرق فقط، فقس بما أوردته على ما تركته فإني لو استقصيته لخرج الكتاب عن المراد.»٢٦
وأول ما يلاحظ في كتاب الصناعتين أنه كتاب أدب قبل أن يكون كتاب نقد، فإن المؤلف ينتهز جميع الفرص ليعرض للقارئ طرائف النثر الجيد والشعر البليغ، وهو لا يكتفي بشاهد واحد، وإنما يندفع فينتقل من رسالة أنيقة إلى حكمة بليغة، ومن بيت جيد إلى قطعة مختارة، وقد بقي كتاب الصناعتين لذلك مرجعًا لأجمل ما أنتجته القرائح العربية؛ ففيه نماذج من النثر البليغ قد يندر أن نجدها في كتاب سواه، وإليك هذه الدرة التي نقلها عن كثير بن هراسة في وصية ابنه:
يا بني، إن من الناس ناسًا ينقصونك إذا زدتهم، وتهون عليهم إذا أكرمتهم، ليس لرضاهم موضع فتقصده، ولا لسخطهم موضع فتحذره، فإذا عرفت أولئك بأعيانهم، فأبد لهم وجه المودة وامنعهم موضع الخاصة، ليكون ما أبديت لهم من وجه المودة حاجزًا دون شرهم، وما منعتهم من موضع الخاصة قاطعًا بحرمتهم.٢٧

ومن أظهر الدلائل على أنه كتاب أدب قبل أن يكون كتاب نقد أنه يكثر من الاستطراد، والاستطراد هو المنهج الغالب على كتب الأدب الخالص، وهو منهج جميل كان يريد به القدماء نشر المعارف الأدبية، أو ما يسمى اليوم بالثقافة العامة، ومن أمثلة استطراده أنه أراد أن يضرب مثلًا للعلم الكثير في القول اليسير فقال: وسئل بعض الأوائل: ما كان سبب موت أخيك؟ قال: كونه! … وهنا مضى أبو هلال يخبرنا أن الناس تنازعوا هذا المعنى، فقد قيل لأعرابي: كيف حالك؟ فقال: ما حال من يفنى ببقائه، ويسقم بسلامته، ويؤتى من مأمنه، وأن النبي عليه السلام قال: «كفى بالسلامة داء». وأن حميد بن ثور قال:

أرى بصري قد رابني بعد صحة
وحسبك داء أن تصح وتسلما

وقال آخر:

كانت قناتي لا تلين لغامز
فألانها الإصباح والإمساء
ودعوت ربي بالسلامة جاهدًا
ليصحني فإذا السلامة داء

وقال ابن الرومي:

لعمرك ما الدنيا بدار إقامة
إذا زال عن نفس البصير غطاؤها
وكيف بقاء العيش فيها وإنما
ينال بأسباب الفناء بقاؤها
وقريب من ذلك قول محمد بن علي: ما لك من عيشك إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك، وتقربك من يومك، فأية أكلة ليس معها غصص، وشربة ليس معها شرق؟ فتأمل أمرك، فكأنك قد صرت الحبيب٢٨ المفقود أو الخيال المحترم. وقال أبو العتاهية:
أسرع في نقص امرئ تمامة
… … … …

ولم يكتف بهذا أبو هلال، بل ذكر أن أول من نطق بهذا المعنى النمر بن تولب في الجاهلية إذ قال:

يود الفتى طول السلامة والغنى
وكيف يرى طول السلامة يفعل
يرد الفتى بعد اعتدال وصحة
ينوء إذا رام القيام ويحمل
ثم ذكر من الأمثال: كل من أقام شخص، وكل من زاد نقص. وأضاف إلى ذلك شيئًا من مختار شعره في هذا المعنى.٢٩
ومما يؤاخَذ عليه أبو هلال أنه يهمل أسماء الكتاب والشعراء في كثير من الشواهد؛ كأن يقول: كتب بعضهم إلى أخ٣٠ له: «أما بعد؛ فإن المرء ليسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك فيما قدمت من خير، وأسفك على ما فاتك من بر.» وكأن يقول: كتب بعضهم يصف رجلًا فقال: «أما بعد؛ فإنك قد كتبت تسأل عن فلان كأنك قد هممت بالقدوم عليه، أو حدثت نفسك بالوفود إليه، فلا تفعل، فإن حسن الظن به لا يقع إلا بخذلان الله تعالى، وإن الطمع فيما عنده لا يخطر على القلب إلا بسوء التوكل على الله تعالى، والرجاء لما في يديه لا ينبغي إلا بعد اليأس من رحمة الله تعالى، لا يرى إلا أن الإقتار الذي نهى الله عنه هو التبذير الذي يعاقب عليه، والاقتصاد الذي أمر به هو الإسراف الذي يغضب منه … وأن مواساة الرجل أخاه من الذنوب الموبقة، وأفضاله عليه إحدى الكبائر المرهقة، وأن الله تعالى لا يغفر أن يؤثر المرء على نفسه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء!»٣١

ويكثر أبو هلال من كلمة «قال الشاعر، وقال الآخر» من غير تعيين، وهذا عيب لم ينفرد به، وإنما عيب غالب على أكثر المؤلفين في اللغة العربية، وصلنا به إلى الجهل المطبق بتمييز العصور بعضها من بعض، ولو نسبت كل كلمة إلى قائلها لعرفنا كثيرًا من تطورات المعاني والألفاظ والأساليب.

وسر البلاغة عند أبي هلال يرجع إلى الألفاظ «وليس الشأن في إيراد المعاني؛ لأن المعاني يعرفها العربي والعجمي، والقروي والبدوي، وإنما هو في جودة اللفظ وصفائه، وحسنه وبهائه.»٣٢ ودليله على أن مدار البلاغة على تحسين اللفظ أن الخطب الرائعة، والأشعار الرائقة ما عملت لإفهام المعاني فقط؛ لأن الرديء من الألفاظ يقوم مقام الجيد منها في الإفهام، ودليل آخر عنده أن الكلام إذا كان لفظه حلوًا عذبًا ومعناه وسطًا دخل في جملة الجيد، وإذا كان المعنى صوابًا واللفظ باردًا فاترًا — والفاتر شر من البارد — كان مستهجنًا ملفوظًا، ومذمومًا مردودًا.٣٣

وقد ضرب المثل فيما سبق بالعقد المنظوم، فإنه يكون أروع إذا جعلت كل خرزة منه إلى ما يليق بها وإن لم يكن مرتفعًا جليلًا، وإن اختل نظمه فضمت الحبة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقًا ثمينًا.

وقد عرض في باب التتميم إلى قول الخنساء:

وإن صخرًا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار

وبين أنه مأخوذ من قول الأعشى:

وتُدفن منه الصالحات وإن يسئ
يكن ما أساء النار في رأس كبكبا
إلا أنها أخرجته في معرض أحسن من معرض الأعشى، ثم قال: «وهذا دليل على صحة ما قلناه من أن مدار البلاغة على تحسين اللفظ وتجميل الصورة.»٣٤
وحسن اللفظ عند أبي هلال موقوف على جمال المعنى، فلا خير فيما أجيد لفظه إذا سخف معناه،٣٥ والكلام عنده بسلاسته وسهولته وتخير لفظه وإصابة معناه وجودة مطالعه واستواء تقاسيمه، مع عدم ضروراته بحيث يكون المنظوم مثل المنثور في حسن رصفه وتأليفه، وكمال صوغه وتركيبه،٣٦ وهو يفضل الكلام السهل، ويراه أدل على قدرة الشاعر والكاتب.٣٧

وهذا حق؛ فإن سهولة الكلام تحتاج إلى صنعة ومهارة وحذق، وليس في مقدور كل كاتب أن يخاطب الناس جميعًا بما يفهمون في لغة سهلة تجري إلى أذهانهم وعقولهم وأذواقهم، ثم تظل مع ذلك فوق قواهم لا يستطيعون أن يأتوا بشيء من مثل ما فيها من الألفاظ المتخيرة، والمعاني الشريفة، والخيال الجميل.

وقد ضرب المثل للسهل الممتنع بقول العباس بن الأحنف:

إليك أشكو رب ما حل بي
من صد هذا التائه المعجب
إن قال لم يفعل وإن سيل لم
يبذل وإن عوتب لم يعتب
صب بعصياني ولو قال لي
لا تشرب البارد لم أشرب

وقول البحتري:

أيها العاتب الذي ليس يرضى
نم هنيئًا فلست أطعم غمضا
إن لي من هواك وجدًا قد استهـ
ـلك نومي ومضجعًا قد أقضا
فجفوني في عبرة ليس ترقا
وفؤادي في لوعة ما تقضى
بأبي شادنٌ تعلق قلبي
بجفون فواتر اللحظ مرضى
لست أنساه إذ بدا من قريب
يتثنى تثني الغصن غضا
واعتذاري إليه حين تجافى
لي عن بعض ما أتيت وأغضى
واعتلاقي تفاح خديه تقبيـ
ـلًا ولثمًا طورًا وشمًّا وعضا

وقول الآخر:

صرفت القلب فانصرفا
ولم ترع الذي سلفا
وبنت فلم أذب كمدًا
عليك ولم أمت أسفا
كلانا واجد في النا
س ممن مله خلفا
ولكن السهولة عند أبي هلال شيء آخر غير الليونة، فالكلام الذي يسهل حتى يصل إلى الرخاوة والانحلال رديء مردود.٣٨
والكلام الجزل يجيء بعد السهل في الرتبة، والجزل في رأيه هو الذي تعرفه العامة إذا سمعته ولا تستعمله في محاوراتها،٣٩ والفرق بين السهل والجزل على هذا أن السهل تفهمه العامة وتطمع فيه مع عجزها عنه، أما الجزل فهو ما تفهمه العامة وتشعر مع فهمها له أنها لا تقدر عليه.
والجزالة عند أبي هلال شيء آخر غير الوعورة، فهي الجمع بين القوة والسهولة، كقول سعيد بن حميد:
وأنا من لا يحاجك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يلتمس رضاك إلا من جهته، ولا يستدعي برك إلا من طريقته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالجرم، نبت بي عنك غرة الحداثة، وردتني إليك الحكمة، وباعدتني منك الثقة بالأيام، وأدنتني إليك الضرورة، فإن رأيت أن تستقبل الصنيعة بقبول العذر، وتجدد النعمة باطراح الحقد، فإن قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة، فإن أيام القدرة وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت قليلة، فعلت.٤٠
ومما هو أجزل من هذا قول الشعبي للحجاج وقد أراد قتله لخروجه عليه مع ابن الأشعث:
أجدب بنا الجناب، وأحزن بنا المنزل، واستحلسنا الحذر،٤١ واكتحلنا السهر، وأصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. فعفا عنه.٤٢
ومع اهتمام أبي هلال باللفظ نراه ينص في مكان آخر على أن المدار على إصابة المعنى، وأن المعاني تحل من الكلام محل الأبدان، والألفاظ تجري معها مجرى الكسوة.٤٣ وهنا يناقض رأيه الأول، فضلًا عن ضعف تشبيه المعاني بالأبدان والألفاظ بالأثواب، وكان أولى لو شبه الألفاظ بالأجسام والمعاني بالأرواح.
وفي رأيي أنه يجب أن يفرق بين المعنى والغرض؛ لأن ما جرى عليه أبو هلال وغيره من كتاب النقد والبيان يرتكز على وحدة البيت في الشعر، وعلى وحدة الفاصلة في النثر، مع أنه يجب التفكير في وحدة الغرض الذي سيق من أجله الكلام، وبذلك ننقل النقد إلى أفق أوسع، وتكون المعاني الجزئية وحدات تتكون منها الرسالة أو الخطبة أو القصيدة، كما ينظم العقد من حبات الجمان.٤٤

وهناك أبواب في كتاب الصناعتين تشعرك بنفحات الأدب الجميل، وإن لم تكن في جملتها مبتكرات أبي هلال، ففي باب الالتفات شواهد بديعة مسندة إلى الأصمعي، إذ قال: أتعرف التفاتات جرير؟ قلت: لا، قال:

أتنسى إذ تودعنا سليمى
بعود بشامة سُقِيَ البشام

ألا تراه مقبلًا على شعره — لعل الصواب: شأنه — ثم التفت إلى البشام فدعا له؟

وقوله:

طرب الحمام بذي الأراك فشاقني
لا زلت في علل٤٥ وأيك ناضر٤٦

وفي باب الرجوع يمثل بقول القائل: ليس معك من العقل شيء، بلى بمقدار ما يوجب الحجة عليك. وقول الشاعر:

أليس قليلًا نظرة إن نظرتها
إليك! وكلا ليس منك قليل٤٧
وفي تجاهل العارب يتحفنا بهذه القطعة النفيسة من نثره هو — طيب الله ثراه — إذ يقول:
سمعت بورود كتابك، فاستفزني الفرح قبل رؤيته، وهز عطفي المرح أمام مشاهدته فما أدري أسمعت بورود كتاب، أم ظفرت برجوع شباب، ولم أدر ما رأيت: أخط مسطور، أم روض ممطور؟ وكلام منثور، أم وشي منشور؟ ولم أدر ما أبصرت في أثنائه؛ أأبيات شعر، أم عقود در؟ ولم أدر ما حملته: أغيث حل بوادي ظمآن، أم غوث سيق إلى لفهان.٤٨

وقد يلاحظ أن أبا هلال يغالي أحيانًا في نقده، فيؤاخذ مثلًا أوس بن حجر في قوله:

ولست بخابئ أبدًا طعامًا
حذار غد لكل غد طعام
لما تكرر فيه من لفظ غد.٤٩

ونحن لا نطالب أبا هلال بأن يصيب في كل أحكامه، فذلك مطلب عسير، وإنما يكفي أن نقول: إن كتابه يضع القارئ في حركة فكرية متصلة، وأنا شخصيًّا مدين له، فقد قرأته أكثر من عشرين مرة، وأشعر كلما عدت إليه بأنه كتابٌ جديد يقرأ لأول مرة، وذلك أقصى ما يطلب من الكتاب النفيس.

هوامش

(١) (١ / ٢٢٩).
(٢) ياقوت (٣ / ١٣٧).
(٣) وفيات الأعيان (١ / ٢٣٥).
(٤) الوخدان: سعة الخطو، كالوخد والوخيد.
(٥) وفيات (١ / ٢٣٥)، وقيل: سنة ٣٧٧. ياقوت (٣ / ١٣٤).
(٦) انظر: الصناعتين ص٣١٩.
(٧) ياقوت (٣ / ١٣٥).
(٨) العجم: النوى.
(٩) ص١٣٦.
(١٠) ص٩٧.
(١١) ص١٧٣.
(١٢) اليمين الغموس — بالغين المعجمة — التي تغمس صاحبها في النار.
(١٣) ص٣٥٤، ٣٥٥.
(١٤) لم يذكر أبو هلال عجز البيت (ص٤٥)، ص٢٩٣.
(١٥) مخطوطة في دار الكتب المصرية.
(١٦) ص٣٠٠.
(١٧) ص٣٠٤، والجدال وشدقم فحلان كانا للنعمان.
(١٨) السبي هنا معناه: الجيد، والسبية: الدرة.
(١٩) الصناعتين ص١٢٠.
(٢٠) ص٢١٣، التفصيل بين بلاغتي العرب والعجم ضمن مجموعة التحفة البهية، طبع الآستانة.
(٢١) ص٢٤٧ من الصناعتين.
(٢٢) ياقوت (٣ / ١٣٨).
(٢٣) ص٣ من مقدمة الصناعتين.
(٢٤) ص٥.
(٢٥) ص٣٩.
(٢٦) ص١٧٩.
(٢٧) ص٢٤٠.
(٢٨) في الأصل «الجيب» وهو تحريف، والتصويب عن الكامل (١ / ٨٧) طبعه الخشاب.
(٢٩) راجع: ص٢٧–٢٩.
(٣٠) ص٣١.
(٣١) ص٢٨١.
(٣٢) ص٤٢.
(٣٣) انظر: ص٤٢، ٤٣.
(٣٤) ص٣١٠.
(٣٥) ص٤٤.
(٣٦) ص٣٩.
(٣٧) ص٤٤.
(٣٨) ص٤٧.
(٣٩) ص٤٧.
(٤٠) ص٤٩.
(٤١) استحلسنا الحذر: اتخذناه حلسًا. والحلس — بالكسر: كساء على ظهر البعير تحت البرذعة ويبسط في البيت.
(٤٢) ص٤٩.
(٤٣) ص٥١.
(٤٤) انظر: الصفحات ٩٣–١٠٢ من كتاب «الموازنة بين الشعراء».
(٤٥) العلل، بالتحريك: الشرب بعد الشرب تباعًا.
(٤٦) ص٣١٠.
(٤٧) ص٣١٣.
(٤٨) ص١٣٤.
(٤٩) ص٤١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤