الفصل التاسع

«من صعد إلى السموات ونزل؟ من جمع الريح في حفنتيه؟ من صر المياه فى ثوب؟»

انقطع المطر وسكنت الريح، وكان إبراهيم واقفًا إلى نافذة غرفته يطل على الحديقة التي مر بك الكلام عليها، أو على الأصح يحدق في الظلام الدامس والسكون الرهيب اللذين لفت فيهما الكون، حين دخلت عليه شوشو ودنت منه ووقفت تتأمله، وهو لاهِ عنها بما يرسمه له خياله النشيط. وكان البرد قارصًا والليل صامتًا لا حركة فيه ولا حس، كأنما استحال كل شيء في السماء والأرض صورة مرسومة، وقد خيّل إلى إبراهيم وهو يرمي هذا السواد بعينيه كأن هاوية من الخرس قد ابتلعت كل صوت ونأمة، وأنه لو أرسل في ظلمتها صيحة لما ارتد منها إلى الأذن رجع ولا كان لها صدى، وأنه لو ألقى فيها بحجر لما سمع له وقعًا ولا بلغ الحجر قاع الهاوية، وبدأ له كأن الأرض قد ضرب عليها السحر شيطان وألزمها حالة غير إنسانية يعيى الإنسان نعتها، أو كأنها في غيبوبة أفقدتها وعيها أو كأنما هو ينظر إلى الدنيا الذاهلة عنه من خلفها ويتأملها وهي مدبرة عنه أو يسترق السمع من وراء أستار الكون.

وعالج إبراهيم، وهو ثابت الحملاق، أن يصور لنفسه وقع هذا المشهد الرهيب وما انطوى عليه من الجمال والجلالة والموت في آن، وأن يتبين نوع إحساسه به، وأن يهتدي إلى العبارة عنه فأعياه التماس ذلك، وماذا عسى أن يبلغ من طاقة المرء على تصوير هذا المنظر المسحور — هذه الدنيا التي أنامتها عين غير مرئية؟

وطال الأمر على شوشو أو لعلها خشيت أن تعديه الطبيعة فيجمد وينقلب تمثالًا، فقد جعلت تمر كفها على ذراعه وتمسح له شعره براحتها، وهو في شغل عنها، فلما رأت أن ذلك لم يرده إلى الحياة ولا أشعره وجودها أدارته إليها وربتت له خده فاختلجت شفتاه ولكنه لم ينطق، فافترت له عن أعذب ابتساماتها وقالت له وهي تجره إلى الكنبة: قل لي مالك؟

فقال وهو يقعد أو يلقي على الأصح بنفسه على الأريكة: تسألينني ما بي؟ بي هذه الطبيعة التي كانت منذ ساعة تبرق وترعد وتمطر وتصخب كأنما يعول فيها مائة ألف شيطانة ثم آضت كما ترين، الآن فقط فهمت ما كنت أقرأ في صباي عمن مسخوا حجارة!

– هل تريد أن تقول إن هذا أول عهدك بمثل ذلك؟

– نعم، ولشدّ ما أتمنى أن أجرب ذلك في نفسي لحظة واحدة! لحظة واحدة تسكن فيها نفسي هذا السكون فتخرس ألسنة الهواتف وتّمحي صور الحوادث، ويغيض ذلك العباب الجائش هنا في صدري هذا.

فقاطعته شوشو قائلة: ما أعجب أمرك والله! تكون معنا كأنْ لا شيء على وجه الأرض يعنيك ثم لا تكاد تخلو بنفسك حتى تنقلب إنسانًا غيرك، كأنّ في جوفك بركانًا يريد أن ينفجر، أفلا تفضى إلى بما يكربك؟ قل لي! هات ما عندك! أطلعني على دخيلة نفسك! ائتمنّى على سرك.

فوقع من نفسه عطفها وحنوها، وهمّ أن يبثّها شكواه ويقول لها بشجوه ولكنه ضعف لم يساوره إلا ريثما التفت إليها، ثم ملك نفسه وكبحها. وقال — وعلى فمه ابتسامة سرور وشكر لم تخلُ من ذلك السخر: يا فتاتي الصغيرة أتقدرين أن ….

فحزّت هذه الابتسامة في نفس شوشو ووثبت إلى قدميها وهي تقول: بودي ألا تتكلم كأنك شيخ هرم وأنا طفلة أحبو؟

– لا تغضبي! (ومد يده فتناول ذراعها) عودى إلى مكانك بجانبي. دعي بداوتي هذه. لا تلتفتي إليها. إنها مرارة النفس يقطر بها اللسان وينضح بها الوجه وتفيض بها العين، وبكرهي أن تري مني ذلك أنت أو سواك من خلق الله — آه يا شوشو لو تعلمين! إذًا لعذرتني.

– وماذا يمنعك أن تخبرني فتطرح عن صدرك هذا الحجر؟

– يمنعني كبرياء نفسي وعلمي أن الشكوى عبث وباطل ومحال ليس يُجدي.

– أدام الله عليك الكبرياء التي أفاضها عليك!

ونظرت إلى ساعتها على معصمها وقالت: الساعة الآن الحادية عشرة فقم إلى سريرك والتحف بها!

فضحك وقال: وأنت؟ هل أثقل رأسك النعاس؟

– أوَيعنيك أن تعرف؟

– بلاشك.

– إذًا اعلم أني لست ذاهبة لأنام.

– وماذا تنوين أن تصنعي؟

– سأجلس قليلًا وأفكر.

– في أي شيء؟

– ليس لي مثل كبريائك فلا أكتمك أن سأفكر في غرابة أطوارك.

– آه! أوَ لاتزالين غضبى؟

– كلا. ليس ما بي غضب. لقد كنت أود.. على أن هذا لا يهم الآن.

فخطر له أن هذه الفتاة على صغر سنها متعلمة وأنها قد تستطيع أن تفهم وأن تعذُر فقال: اسمعي يا شوشو. إن الواحدة تكون طفلة وتدّعي لنفسها مع ذلك قدرة الأنبياء ومنزلة الرسل ….

قالت مقاطعة: «لا أفهم».

قال: «لست وحدك التي لا تفهم. إن كل امرأة مثلك لا تستطيع أن تخرج من خصوصها إلى العموم. إن قلب الواحد منكن يدق عطفا ومرثية للألم الفردي، ولكنه يعجز عن أن يجعل عطفه أو إحساسه على العموم عميقًا شاملًا لاَلام الحياة..».

فابتسمت وهزّت رأسها وقالت بلهجة مبطنة بالسخر: صدقني إني أعطف عليك.

فقال ولم يلتفت إلى سخرها: إن الجنس الإنساني معناه — فيما تعلم المرأة — هذا الطفل المعين أو هذا الرجل المعين الذي لعلها أبصرته واقفًا إلى جانب الباب ينتظر في البرد أو تحت الشمس مثلًا. إن المرأة عاجزة عن الإحساس بالآلام العامة، عمياء لا تستطيع أن تراها. هذه هي الدنيا نصف عمياء نصف مستوحشة تصرخ شرقًا وغربًا وقد أجنّها الألم والخطيئة أيضًا. فهل ثم امرأة واحدة يشحب وجهها إذ ترى هذا النمر العالمي يهز قفصه؟ هل تكف واحدة منكن عن نظم العقود وتطريز الثياب من فرط إحساسها «بجملة» هذا الألم العالمي؟ أريني دمعة واحدة أراقتها امرأة — كما أراقت كورديليا عبراتها — لأن الدنيا جنت؟ ليس من بينكن من ترى أن تبكى من أجل هذا؛ على كثرة دموعكن وسهولةِ إسبالها! إنكن لا تبكين إلا لما تعرفن وأنتن معذورات: طفل مريض تلمسه المرأة بأصابعها فتحس ما به من الحمى فتنهمر الدموع! ولكن مليونًا يمرضون! هذا شيء آخر! والأولى أن ينتفر المرء منكن أن تبكين من أجل الكسور العشرية أو المركبة إنكن لا تفهمن الدنيا باعتبارها وحدة وكلًا، ومن أجل هذا لا تتأثر بكن هذه الدنيا لأن الواحدة منكن لا تقدر أن تتسرب في المجموع وتفنى في الجماعة. نجد فيكن الأم الرؤوم، والزوجة الوفية الكاملة، وقد نرى فيكن الولية والقديسة، ولكنا لن نفوز منكن بنبي أو رسول — لا حتى ولا بشاعرة.

وأمسك بعد هذه الخطبة الطويلة، وعجب لنَفَسِه الذي ساعفه على كل هذا الكلام، واضطجع وأطبق شفتيه.

ولم تجبه شوشو بشيء بل نهضت وأغلقت الباب وراءها.

استيقظ إبراهيم على صوت بقرة، فدفع يده تحت الوسادة وتناول الساعة فألفاها الثالثة صباحًا، فعاد فأغمض عينيه وفي ظنه أن البقرة ستكف عن هذا الصخب الذي جاء قبل أوانه، ولكن البقرة على ما يظهر كانت تعتقد أن الليل قد انحسر وأن الصبح قد أسفر، فوثب عن السرير إلى النافذة فإذا السماء صافية والقمر مضيء ففتحها وأطل برأسه فرأى البقرة إلى جانب الباب وقد مطت عنقها ورفعت عينها إلى السماء، ولم يكن يعرف البقر إلا مجازًا، ولا كان له بهذا الضرب من الخلائق عهد فجعل يصيح بها «هش. هش»، ويوهمها أنه سيقذفها بشيء، غير أن صيحاته وحركاته وإشاراته كانت تنعشها كأنما سرّها أن تعرف أن لأصواتها مستمعًا، كما يشجع المغني أن يرى الطرب يهيج سامعيه. فلما رأى ذلك توهم أن ظهوره لها هو الذي يشجعها وأنها خليقة أن تثوب إلى السكينة، وأن تثبط همتها إذا انصرف عنها، فأغلق النافذة وتحرّى أن يحدث في إغلاقها من الضجيج أكثر مما تدعو إليه الحاجة إيذانًا لها بإهمال شأنها. وكأنما حسبت البقرة أن احتجاجه عنها كان داعيه أنها قصّرت في الأداء، وأن التعبير كان ضعيفًا وأن الإحساس فيه فاتر، فأطلقت عليه أقوى أصواتها، وكانت جفونه قد كاد يطبقها النعاس فأطارته هذه الصيحات المتلاحقة وكادت تطير بلبه معها، فجرّ نفسه إلى الكنبة وانطرح عليها وأشعل سيجارة ومضى يفكر على هذا النحو.

«النوم قد جفاني ولا سبيل إليه الآن مادامت، هذه البقرة قد شاءت أن تعد الصباح قد طلع. والجلسة هنا — إلى صباح الآدميين لا صباح البقر — كلفة شاقة. وإذا كان الحظ قد رمى بي إلى هذا الريف الذي يبكر ناسه في النوم وتبكر أبقاره في اليقظة، فالرأي أن أخرج إلى هذه الحديقة التي أفسدتها البقرة وأن أنتظر فيها الفجر لعله يوحي إلى بعض معانيه».

ولما انتهى إلى هذا الرأي أسرع فلبس معطفه وحذاءه وأخرج من الحقيبة مذكرته وقلمه وفتح الباب وخرج وأغلقه خلفه ولكن من أين؟

وكانت البقرة تواصل الصخب فأراد أن يسرع ليدركها ويثأر منها. غير أن الاهتداء إلى باب السلم المؤدي إلى الحديقة استغرق من الوقت وكلفه من المتاعب ما لم يكن يخطر له ببال. وكانت الغرف كلها موصدة حتى غرفته، والمكان مظلمًا. وكان ظنه أن هذه الصالة فارغة فإذا به يحسها مكتظة؛ فقد كان ثمة دلو ثقيل اصطدم به أكثر من عشر مرات في لفه ودورانه حتى انتهى إلى وجوب حمله معه وهو «يطوف» في أرجاء هذه الصالة التي أصارتها الظلمة لا أول لها يُعرف ولا آخر لها يوصف، وراح يعزي نفسه عن حمل هذا الدلو الثقيل بأنه سيضرب البقرة به.

ولكن كيف يهتدي إلى الباب وهو لم يكد يخطو خطوات في الصالة ويصطدم بالدلو لأول مرة حتى اختلط عليه الأمر ولم يعد يعرف شرقًا من غرب بل لم يعد يعرف أين باب غرفته هو؟

ووقف برهة يفكر في المخرج من هذا التيه فبدا له أن الإشكال يحل بأن يلتمس الحائط ويسير على محاذاته فإنه إن فعل ذلك لا محال موفق إلى الباب، ففعل بلا عناء يستحق الذكر وسار كما اعتزم. غير أن الواقع أنه بدأ بباب السلم وهو يحسبه باب غرفته وراح يمضى عنه لا إليه، والتقى في طريقه بما لا يذكر أنه رآه في النهار أو في اللحظات القليلة التي اجتاز فيها هذه الصالة قاصدًا إلى غرفته أو خارجًا منها، وتعثر بما حسبه «غابة» من القوارير حتى لم يجد معدى عن أن ينأى عن الحائط مرغمًا، وسار بضع خطوات فإذا به يلتقي بقوارير توهمها غير الأولى فضحك وقال لنفسه لعل أرض المكان قد فرشت بالقوارير!

وصادف بعد ذلك برميلًا. نعم برميلًا؛ فوقف يعجب ويتساءل هل قررت شوشو أن تقلب الصالة حانة خمَّار؟

وملّ هذه البراميل والقوارير فقال أترك الحائط وأرمي بنفسي في جوف الصالة وأدفع أول باب أبلغه، ألم يقل، بشار: «وفاز بالطيبات الفاتك اللهج»؟ فكان هذا فاتحة التوفيق. ذلك أنه وجد بابًا لم يعن نفسه لفرط ضجره بالتساؤل عنه أيَّ باب هو؟ وعالجه فانفتح فإذا به باب سلم فصافح وجهه نسيم الليل المقرور وأعاد إليه اتساق خواطره فانحدر ولكنه لم يجد حديقة ما فوقف كالأبله!

وكان صوت البقرة لا يزال يصل إليه فلم يجد عسرًا في فهم ما حدث. ذلك أنه لم يهتد إلى سلم الحديقة بل على سلم خلفي يفضى إلى فناء «الحريم»، وبذلك صار الجناح الذي ينزل فيه بينه وبين البقرة فقال: «لا بأس وإن كانت البقرة قد نجت بجلدها» ووضع الدلو مقلوبًا وكان لا يزال معه وقعد عليه وأخرج القلم والمذكرة ليدون ما يخطر له.

ولم يخالجه شك في أن الشمس ستطلع لا محالة من الناحية التي جلس ينظر إليها فقد أخذت السماء تصطبغ بلون قرمزي شيئًا فشيئًا، ولكنه لم يكتب شيئًا ولم يخط حرفًا لأن إحجام الشمس عن الطلوع حيّره حتى خالجه شعور وقتي بالخوف عليها وابتسم وهو يقول لنفسه: «لولا ما تعلمته في المدرسة لحسبت أن الشمس قد غيّرت رأيها وعدلت عن الطلوع اليوم».

ثم نهض ونظر خلفه ولم يمنعه قيام البناء في وجهه أن يدرك أن الشمس طلعت من ورائه!

وجلس وكتب في المذكرة هذه الملاحظات وهم يبتسم ويقول «لعل فيها فائدة لشوشو»!

«ديسمبر — الريف. يظهر أن البقر أحس بالفجر من الديكة وأسرع إلى تحية الصباح من العصافير. وفي وسع من يعنيه ذلك أن يقضي ليلة في الريف ويبكّر في القيام قبل الفجر بساعة وبعض ساعة. وليس في الريف ذلك السكون المزعوم فإذا سكنت الطبيعة هاجت الأبقار؛ ويجب على من يبغي الراحة والنوم العميق في الريف أن يأخذ معه كمية من الأسبرين أو الفيرامون تكفي له وللبقر عند الحاجة».

ولم يفتح الله عليه بأكثر من هذا أو أشبه منه بالمعاني الشعرية ولم يدون شيئًا من الخوالج أو الإحساسات؛ لأنه كان في تلك الساعة مجردًا منها. وعلى أنه — كما قال لنفسه — ما حاجته إلى الإحساسات التي قد يخطئ في تصويرها أو بوشيها بما يجعل ألوانها أزهى أو أقتم؟ أليست هناك مدرسة ترى أن يكون الوصف مطابقًا للحقيقة عاريًا من زينة الخيال وحليه وتفويفه؟ وهب لا مدرسة هناك فما ذنبه هو إذا كانت شمس الريف قد أبت إلا أن تطلع من ناحية غير مرقوبة؟ ومن أين تأتي هذه الخيالات أو تنشأ الإحساسات ولا تفكير له إلا في البقرة التي هدَّت رأسه بأنغامها، والدلو الذي شلّ ذراعيه جميعًا على التوالي بثقله؟

ومع ذلك لم يرَ أنه يبخل على السماء بملاحظات تنفعه إذا حدثته نفسه أن يكون روائيًا فيكتب:

«تبدو السماء قرمزية ثم تخضر لسبب ما، ثم تصفر أو تبيض لسبب آخر غير واضح».

وضحك وقال لنفسه فلنشبهها بشيء! أليس التشبيه ضروريًا في كل كلام شعري ولو لتقريب الصورة التي يراد أداؤها؟ ولكن من أين تجيء لها بمشبه وهى لا تثبت على لون؟ وماذا تقول شوشو إذا اطلعت على هذه العبارات … شوشو؟ لقد خطرت له شوشو مرتين في نصف ساعة؟ ولكن لا عجب، فما يقضي معظمَ وقته إلا معها ولا يملأ جوًه سواها الآن.

وعاد إلى التشبيه اللائقٍ بهذا الجانب من السماء الذي احمر ثم اخضر ثم اصفر، وبينما كان جادًا في البحث عنه، خرجت فاطمة الزنجية من باب الحريم ولم تكد تراه — وهو لاهٍ عنها — حتٍى انكفات راجعة وعادت بأهل البيت جميعًا كبارًا وصغارًا وسادًة وخدمًا وفي طليعتهم نجية وشوشو وأقبلوا عليه جميعًا يسألونه في وقت واحد عمَّا به؟ وما جاء به إلى هنا؟ وفيم الجلوس على هذا الدلو؟ وماذا يصنع بالقلم والكتاب في يده؟ وهل هذه عادته في مصر؟ إلى آخر هذه الأسئلة التي قعد ينتظر آخرها على غير جدوى، وهو ينقل عينه من وجه إلى وجه تبعًا لمصادر الأسئلة حتى كاد يجن.

ولما أعياه أن يجد فرصة للكلام وسط هذا اللغط المتواصل نهض عن الدلو في صمت ومضى إلى غرفته وأوصد بابها وراءه وانطرح على السرير بما عليه من ثياب وهو يقول: «لماذا لم أنم؟ سأنام حولًا كاملًا متى عدت، إلى القاهرة! ماذا كنت أصنع؟ لقد كنت أريد أن أخرِسَ هذه البقرة التي أزعجتني كما لم تزعجني سيارات القاهرة وأبواقها وترامها وصياح البائعين فيها. ذلك كله هناك غير مستغرب وأعصاب المرء مستعدة له بسبق التوقع وبالعادة. ولكن هنا. هنا حيث يقولون إن السكون سابغ والهدوء مطبق محيط، والمرء لا يتوقع شيئًا من الضوضاء، والأعصاب متفترة مسترخية من الاطمئنان والأمن، تكفي بقرة واحدة لإطارة العقل».

وأخذه النوم وهو يحدث نفسه بالرحيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤