فريق … من الشياطين!

علَت الدهشة وجوه الشياطين، وهتَف «عثمان» في استنكار: نقع في الأسر، كيف تكون هذه مهمَّتنا؟

أجاب رقم «صفر» في هدوء: ستكون هذه هي مهمَّتكم باعتباركم فريقًا مصريًّا من أبطال لعبةٍ رياضيةٍ خاصة.

أحمد: إذن فستكون مهمَّتنا التظاهُر بأننا فريقٌ رياضي … وسنسعى لأن يقوم هؤلاء المجرمون باختطافنا ونقلنا إلى جزيرة «كارلوس» لإجراء تجاربَ علينا.

رقم «صفر»: بالضبط … وبهذا تدخلون الجزيرة دون أن يدري أحدٌ شيئًا عن حقيقتكم، ودون أن تتهدَّد حياة الرياضيين المُختطَفين داخل الجزيرة، وستكون مهمَّتكم هي إنقاذ هؤلاء الرياضيين والقبض على «كارلوس» وعصابته … وتدمير الجزيرة، حتى لا يستخدمها أحدٌ في أعمال الشرِّ بعد ذلك.

لمَعَت عينا «أحمد»، وقال: سنكون فريقًا رياضيًّا … ولكن أبطاله كلهم من الشياطين!

ابتسَم الجميع، وتساءلَت «إلهام»: وما هي اللعبة التي سنكون أبطالها؟

رقم «صفر»: كرة السرعة!

نطقَها رقم «صفر» في هدوء … واكتسى وجهُ «إلهام» بابتسامة؛ فقد كانت تتوقَّع ذلك. وهمس «أحمد» إليها: لقد تحقق ما تمنَّيتِه أن تكوني بطلةً لكرة السرعة.

إلهام: «إنني لن أُحطِّم الأرقام القياسية لهذه اللعبة فقط … بل سأُحطِّم رأس كلِّ من سأقابله فوق تلك الجزيرة!

رقم «صفر»: سوف يتكون فريق كرة السرعة من ستة أفراد … «أحمد» و«عثمان» و«خالد» و«قيس» و«إلهام» و«هدى». ومن المُفترَض أنَّكم ستُسافِرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق البحر، بباخرةٍ عابرةٍ للمحيط، من مدينة «الدار البيضاء» إلى «نيويورك»، وبذلك ستكونون هدفًا سهلًا للإرهابيين؛ لأنَّكم ستكونون قريبين جدًّا من مكانهم، وكأنَّنا بذلك نضع أمامهم طُعمًا لاصطيادكم.

أحمد: ولكن، أليس من الممكن أنَّ هؤلاء الإرهابيين وزعيمهم المجنون، لن ينتبهوا إلى سفر فريق أبطال كرة السرعة من المغرب إلى أمريكا؟

رقم «صفر»: لقد كان هذا واردًا في ذهننا منذ وقت؛ ولذلك قمنا بحملةٍ دعائيةٍ كبيرة في الصحف والجرائد العربية، بل والعالمية أيضًا، عن سفر هذا الفريق المصري من أبطال كرة السرعة إلى أمريكا … ولو راجعتُم جرائد الأيام القليلة الماضية، ستجدون أخبارًا منشورةً عن سفر هذا الفريق، وكلها تبدو بريئةَ المَظْهر.

هتفَت «إلهام» في دهشة: يا إلهي … إذن فلَم تكن تلك الأخبار المنشورة عن سفر فريق كرة السرعة إلا أخبارًا عنَّا نحن … وأنا التي تمنَّيتُ الانضمام إلى هذا الفريق!

رقم «صفر»: وها قد تحقَّقَت أمنيتُكِ بصورة لا يتوقَّعها أحد … والآن هل هناك أيَّةُ أسئلة؟

هزَّ الشياطين رءوسهم بالنفي … وجاء صوت رقم «صفر»، يقول: وفقكم الله.

ثم سَمِعوا خطواته وهو يغادر القاعة.

وهكذا بدأَت المهمَّة.

•••

كانت الرحلة إلى «الدار البيضاء» قصيرة ومريحة … بفضل طائرة الشياطين الخاصة، التي حملَت الشياطين الستة من القاعدة السِّرية، إلى مطارٍ صغير بمدينة «الدار البيضاء».

ووصَل الشياطين المدينة في الصباح الباكر … وبدَت الدار البيضاء في ذلك الوقت، مثل عروس … تستيقظ من نومها … وقد ارتدَت فستان زفافها الأبيض الناصع.

كان كلُّ شيء بالمدينة أبيضَ اللون … يشعُّ بالبهجة والهدوء … وقد تناثَرَت المنازل الصغيرة بحدائقها المورَّدة في كل اتجاه، والتلال والروابي الصغيرة، القليلة الارتفاع، تُحيط بالمدينة من الخلف، كأنَّها أذرُع ماردٍ عملاق، يحميها من أي اعتداء. ومن الأمام، وبامتداد البصر، ظهر المحيط الأطلنطي، كمساحةٍ لا نهائية من الماء الأزرق الصافي، والهواء النديِّ يهبُّ منه على المدينة، كأنَّه يدٌ حانية، تمسح فوق وجهِها لتُوقِظها برفق.

وقفَت «إلهام» تتأمل المشهد الخلَّاب أمامها من إحدى شُرفات الفندق المتعدِّدة المُطِلة على المحيط، واقترب منها «أحمد» بوجهٍ مشرق، متسائلًا: هل أعجبكِ المشهد؟

إلهام: إنَّه أكثر من رائع … ففي كل مرة أزور فيها «الدار البيضاء» أشعر كأنني أُولد من جديد، بين أحضان هذه المدينة الجميلة.

أحمد: يبدو أنَّ الدار البيضاء ستشهد مولدَ شاعرةٍ جديدة!

ابتسمَت «إلهام» قائلة: لقد كنتُ أكتب الشِّعر فيما مضى … فأنا لستُ شاعرةً مبتدئة على أي حال.

أحمد: ولماذا توقَّفتِ عن كتابته؟

إلهام: وهل تظنُّ أن عملنا يترك لنا بقيةً من وقت أو مشاعر … لكتابة الأشعار؟

أحمد: معكِ حَق، إنَّ طبيعية حياتنا العنيفة الخشِنة تجعلُنا ننسى حتى أجمل هوايتنا المُحبَّبة إلينا.

صمتَت «إلهام» ولم ترُدَّ … وبدا عليها التفكير العميق، ثم التفتَت إلى «أحمد» متسائلة: هل تعتقد أنَّ «كارلوس» سيَعمِد إلى اختطافنا؟

أحمد: هذا ما أرجوه … وإلا فستفشل مهمَّتنا؛ فهي تعتمد على ذلك، ولن يكون هناك بديلٌ أمامنا غير البحث عن جزيرة هذا المجنون وسط المحيط بين آلاف الجزر … وهو أمرٌ قد يستغرق سنواتٍ ومزيدًا من الضحايا الرياضيين المساكين ممن سيختطفهم هذا المجنون.

إلهام: وهل تعتقد أنَّ «كارلوس» سيُحاوِل اختطافَنا من شواطئ المدينة كما هي عادتُه؟ أم أنَّه سينتظر ركوبَنا الباخرة ليختطفَنا منها؟

أحمد: أعتقد أنَّ رجاله سيُحاوِلون اختطافنا من «الدار البيضاء» قبل ركوبنا الباخرة؛ لأنَّ ذلك أسهلُ كثيرًا لهم … بل هذا أمرٌ مؤكدٌ في رأيي.

إلهام: إذن فعلينا أن نُسهِّل لهم ذلك الاختطاف، بذهابنا إلى الشاطئ، كأنَّنا نقوم بنزهة؛ لأنَّ وجودنا في الفندق قد يمنع رجال «كارلوس» من اختطافنا بسبب وجود آخرين حولنا.

أحمد: معكِ حَق. سأُخبِر بقية الشياطين ليستعدُّوا للذَّهاب إلى الشاطئ، وسنختار بقعةً مُتطرِّفة هناك للسباحة والتظاهُر بتمضية الوقت.

أومأَت «إلهام» برأسها مُوافِقة، وبعد دقائق، كان الشياطين يتَّجهون خارجين من الفندق … وساروا باتجاه الشاطئ.

همسَت «إلهام» إلى «أحمد»: إنني أشعر أننا مُراقَبون.

أحمد: هذا حسَن … إنَّ معناه أنَّ رجال «كارلوس» قريبون منا، وسيُحاوِلون اختطافنا في أقربِ وقت.

وعلى الشاطئ بامتداد البصر، ظهر الميناء الصغير، المُطِل على المحيط، يرسو فيه عددٌ من السفن الصغيرة وقوارب الصيد … وفي اتجاه الغرب، ظهر الشاطئ الرملي الساحر، وقد رقَد فوقه المصطافون من كل أنحاء العالم.

وقطع الشياطين الشاطئ إلى نهايته، واختاروا بقعةً متطرفةً على الشاطئ، بها بعض الصخور الحادَّة، ونصبوا شماسيهم ومقاعدَهم الخشبية فوقها … ثم انطلق «أحمد» و«عثمان» و«خالد» و«قيس» للسباحة، وعيونهم تتفحَّص المكان حولهم في حذَر … على حين وقفَت «إلهام» و«هدى» على الشاطئ تتظاهران بالقراءة … وبين الحين والآخر، تُطِل كلٌّ منهما حولها في حذَر، فلا تلمحان شيئًا.

وانتصف النهار. وتناوَلَ الشياطين غداءهم … وبدأَت الشمس تتجه للغروب … وأوشَك الليلُ على السقوط … وتبادَل الشياطين نظرةً حائرة. وتساءلَت «إلهام» في دهشة: هذا هو الوقت المناسب لأن يقوم رجال «كارلوس» باختطافنا؛ فلا أحد حولنا، والليلُ أوشَك على السقوط، فلماذا لا يفعلون ذلك؟

قيس: ربما ينتظرون لحظةً أفضل.

إلهام: ليست هناك أفضل من هذه اللحظة … ولا أظن أنَّهم سيُحاوِلون اختطافنا من الباخرة؛ ففي ذلك خطورةٌ شديدة عليهم … إلا إذا …

عثمان: إلا ماذا يا «إلهام»؟

إلهام: إلا إذا لم تكن هناك نيةٌ لاختطافنا!

ساد الوجوم بعد كلمات «إلهام» … وبدا كأنَّ هذه هي الحقيقة، ونظر «أحمد» في ساعته، وقال: تبقَّت ساعة ونصف على مغادرة باخرتنا للميناء، ولن نستطيع الانتظار هنا أكثر من ذلك، علينا بالعودة إلى الفندق، ثم الاتجاه إلى الميناء.

تساءلَت «هدى» في قلَق: وإذا لم يحدُث شيءٌ لنا، ووصَلنا سالمين إلى أمريكا باعتبارنا فريقًا من أبطال كرة السرعة، فماذا سنفعل هناك؟

لم يردَّ أحدٌ من الشياطين، واتَّجهوا بوجوهٍ مُقطَّبة إلى الفندق … وتلفَّتَت «إلهام» حولها في قلَق وحذَر … ولم يكن أحدٌ وراءها … ولكنَّ إحساسها بأنَّ هناك مَن يراقبهم، كان قد تعاظَم إلى حدٍّ كبير!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤