أجيالٌ … من السوبر مانات!

أحسَّ الشياطين بالماء البارد حولهم يكاد يشلُّ أطرافهم … وقد بدأَت الأمواجُ تعلو وتهبط، والرياح القوية تُنذِر بعاصفةٍ قريبة … على حين أخذَت الباخرة نجمة المحيط تبتعد وتبتعد كأنها سرابُ أملٍ يستحيل التعلُّق به.

وبذَل «أحمد» مجهودًا كبيرًا حتى يتخلَّص من قيوده ونزعَ الكمامةَ من فوق فمه، وعاون بقية الشياطين على التخلُّص من قيودهم.

وفجأة برز من قلب المحيط شيءٌ ضخم، راح سطحه المعدني يشُق قلب الماء أمام عيونهم، حتى استقر فوق صفحة الماء، ولمعَت عدة لمباتٍ قوية حوله … وكان هذا الشيء عبارةً عن غوَّاصةٍ كبيرة … من النوع القديم الذي كان سائدًا في الحرب العالمية الثانية … كانت غواصةً ألمانية، لا تزال تحمل آثار شعار النازي القديم.

تبادَل الشياطين النظرات المندهشة، ولم يكن لديهم شكٌّ في صاحب تلك الغواصة. وانفتحَت كُوَّة الغوَّاصة، وظهر فيها عددٌ من المسلحين بالمدافع الرشَّاشة، ألقَوا إلى الشياطين بالحبال، فتسلَّق الشياطين سطح الغواصة نحو كُوَّتها، وهم يرتجفون، بسبب البردِ وملابسِهم المبتلَّة.

وقادهم المسلَّحون إلى حُجرةٍ متَّسِعة، فصاح «عثمان» متظاهرًا بالغضب: إننا نريد أن نفهم سِرَّ ما يحدُث هنا … أولًا … مجموعة من المجرمين يختطفوننا من حجراتنا ويقيِّدوننا، ثم يُلقوننا داخل الماء … وبعد ذلك تظهر غوَّاصةٌ مملوءة بالمسلحين، لتَنتشِلَنا من قلب الماء … ما الذي يحدُث هنا؟

لوَّح أحد الحُراس بمدفعه الرشَّاش في وجوه الشياطين قائلًا: ليس لدينا إجابة عن أسئلتكم، وعندما تَصِلون ستعرفون كل شيء.

تساءل «أحمد»: عندما نصل إلى أين؟

لوَّح الحارس بمدفعه الرشَّاش في غضبٍ قائلًا: «إنني لا أُحب الأسئلة الكثيرة … لقد ضاقت الجزيرة بمن عليها، وسيكون من الأفضل لو نقَص عددكم قليلًا … فلا تدفَعوني إلى ذلك، باستعمال سلاحي!

تبادَل الشياطين النظراتِ الصامتة … وجلسوا في ركن الحجرة صامتين وقد استغرقوا في تفكيرٍ عميق … كان من الواضح أنَّ رجال «كارلوس» من النوع الذي لا يتورَّع عن القتل. وكانت المفاجأة امتلاكه لغواصةٍ من مخلَّفات الحرب العالمية الثانية، تدل على أنَّه على استعدادٍ لأن يفعل أي شيءٍ من أجل تحقيق أهدافه الجنونية.

وبلُغة الأصابع تحدَّث «أحمد» قائلًا: لا داعي لأن نتبادل أي حديثٍ قد يكشف عن حقيقتنا … فربما كان هناك من يراقبنا ويُسجِّل حديثنا.

وساد الصمتُ المكان، واستمرَّت الغوَّاصة في إبحارها، إلى جهةٍ مجهولة، وأقبل بعض المسلحين ببعض الطعام تناوَلَه الشياطين في صمت؛ فقد كانوا بحاجة إلى تقوية قُواهم في الساعات القادمة.

كما لم يكن أمامهم ما يفعلونه لقطعِ الوقتِ غير النوم.

واستيقَظوا على صوتٍ خشِن يقول: هيا انهضوا أيها الأغبياء … هل أعجبَتْكم الإقامة هنا؟

تنبَّه الشياطين واستيقَظوا … ولوَّح أحد الحُراس بمدفعه قائلًا: لقد وصَلْنا … هيا لتُغادِروا الغوَّاصة. اتَّجه الشياطين نحو أبواب الغوَّاصة التي استقرَّت فوق سطح الماء، فظَهرَت لهم على مسافةٍ قريبة جزيرةٌ صغيرة تُحيط بشواطئها الأشجار الاستوائية فتُخفِي قلبها عن العيون الفضولية.

وكان هناك زورقٌ كبيرٌ سريع، نقَل الشياطين تحت الحراسة إلى شاطئ الجزيرة … وفي انتظارهم كان هناك عددٌ آخر من المسلَّحين قادوهم إلى مبنًى صغيرٍ مختفٍ وسط الأشجار … ودخلوا قاعةً واسعة بها بعض الأثاث القليل، وتلفَّتوا حولهم في دهشة فلم يجدوا أحدًا.

وانفتَح بابٌ في ركن القاعة … وظهر في مدخله العالم الألماني الهارب «كارلوس هانز»، وكان يبدو عليه الهُزال والنَّحافة بشكلٍ بالغٍ عجيب، واقتَرب «كارلوس» من الشياطين وهو يتفحَّصهم، ثم قال: لعل رحلتكم إلى هنا كانت مريحة، برغم قِدَم الغوَّاصة التي أبحرتُم بها؛ فقد اشتريتُها من الحكومة الألمانية باعتبارها خُردة … ولم يدُر في خلَدهم أنَّها ستعود للعمل مرةً أخرى.

تقدَّمَت «إلهام» بوجهٍ غاضبٍ قائلة: إننا نريد أن نفهم ما يحدُث لنا هنا، من أنت ومن هؤلاء الذين اختطفونا، ولماذا أتَوا بنا إلى هذه الجزيرة في قلب المحيط؟

كارلوس: ليس لديَّ ما أُخفيه هنا … إنَّ هذه الجزيرة هي بمثابة معمل اختباراتٍ وأبحاثٍ ضخم … شيَّدتُه لخدمة البشرية … وهنا ستجدون كل أنواع الرياضيين الذين يساهمون بكل شيءٍ في سبيل خلق أجيالٍ من البشر … أجيال رياضية ذات قُدراتٍ خارقة!

ولمعَت عيناه وهو يضيف: أجيال من السوبر مانات!

أحمد: إننا لا نفهم ما تقوله!

أجاب «كارلوس» في غموض: ستفهمون حالًا … عندما تبدأ التجارب عليكم … بعد أن أنتهي من فَحصِكم بدقة … أجسادكم، ثم عقولكم.

عثمان: «هل جُنِنتَ … إننا نرفُض أن نخضَع لهذه التجاربِ المجنونة … سوف نشكوكَ إلى حكومتنا و…

قاطَعه «كارلوس» قائلًا في سخرية: فوق هذه الجزيرة لا سُلطة أخرى غير سُلطتي ولا أحد يصدر الأوامر هنا غيري … وحكومتك أو الحكومات الأخرى لن يُمكِنها أن تفعل أي شيء لإيقافي … وإنني أعِدُكم إذا كنتم مطيعين ولم تُحاوِلوا المقاوَمة أو إثارة الشَّغْب مثل البعض ممن أحضَرناهم هنا، فستكون تجاربي عليكم في رفقٍ ودون ألَم … أما إذا حاولتم المقاومة … فلن أخسر شيئًا أن أقوم بتجميدكم، ثم أفحصكم على مهلٍ ودون مشاكل.

تبادَل الشياطين نظرة دهشة عميقة؛ فقد كانت كلمات «كارلوس» تؤكِّد أنَّه مجنون بالفعل لا يتورَّع عن فعل شيءٍ في سبيلِ الوصول لأهدافه.

وضاقت عينا «كارلوس» وهو يقول: كما أخبرتُكم فإنني أعمل لصالح البشرية … من أجل أن يسود العالمَ أجيالٌ من الأقوياء … ويختفي المرضى والأجساد الضئيلة وأصحاب القُدرات الضعيفة، سوف يكون كل سكان هذا العالَم من الأقوياء وأصحاب الأبدان الصحيحة والقُدرات الرياضية … ومن أجل هذا الغرض النبيل، قمتُ ببناء هذه القلعة العلمية التي تكلَّفَت الملايين، وعهدتُ إلى نوعيةٍ خاصة من الرجال بالعمل معي، لتنفيذ أوامري دون نقاش، في إحضار من أُريد من الرياضيين، لإكمال تجاربي عليهم.

عثمان: ما الذي ستستفيدُه من ذلك … ما الفائدة التي ستعود عليك من هذا العمل؟ لمعَت عينا «كارلوس» ببريقٍ جنوني وقال: سوف أحكُم العالم كله … فهذه الأجيال الجديدة من «السوبر مانات» سوف تَدين بالولاء لي وتنصِّبني زعيمًا لها.

قالت «إلهام» ساخرة: وهل تظن أنَّ العمر سيمتدُّ بك حتى ترى هذه اللحظة، حتى بفَرض نجاح تجاربك؟!

قَهقَه «كارلوس» ساخرًا وأجاب: سوف أعيش طويلًا … أطول مما عاش أي إنسان لأنَّه ضمن تجاربي فإنني أبحثُ عن عقار إعادة الشباب … العقار الذي يجعل الخلايا لا تُهزم أو تموت وتظل شابة وتجعل صاحبها يعيش عمرًا طويلًا جدًّا … وقد قاربَت تجاربي على الاكتمال؛ فلا أحد يعيش عمرًا طويلًا مثل الأصحَّاء من الرياضيين، ومن أجل هذا كانت تجاربي عليهم لأحُصل أيضًا منهم على الإكسير الرائع … إكسير الشباب الدائم.

تبادَلَ الشياطين نظرةَ الدهشة، وظهَر الإعياء والضعف على «كارلوس» وهو يقول: «لقد تحدَّثتُ إليكم كثيرًا أكثر مما ينبغي، وفقدتُ كثيرًا من القوة بسبب ذلك.

وأشار إلى رجاله وهو يَسعلُ بشدة، فاندفع إلى المكان ستة حُراسٍ مسلَّحين قادوا الشياطين خارج الحجرة، ثم ساقوهم إلى قلب الجزيرة التي تراصَّت فيها مبانٍ صغيرة، مُخْفاةٌ وسط الأشجار، وظهر إلى اليسار مُولِّدٌ كهربائيٌّ قوي، لم يكن من شَكٍّ في أنَّه مصدر إمداد الجزيرة بالطاقة.

وظهَر إلى اليمين مبنًى مستطيلُ الشكل، كُتبَت عليه يافطة «مبنى التجميد»، فأصاب الشياطينَ الارتعادُ بالرغم منهم.

وواصَل الحُراس مسيرتَهم في قلب الجزيرة، فتساءل «أحمد»: إلى أين تأخذوننا؟

أجاب الحارس: إلى المكان الذي ستقيمون بعض الوقت فيه، قبل أن تبدأ التجارب عليكم.

وقَهقَه الحارس في سخرية … وانتهى السير إلى مبنًى عريضٍ كان يبدو أشبه بالسجن … تُغلِقه بوَّابةٌ ضخمة من الحديد … ويقف على حراسته وأسواره مجموعةٌ من الحُراس المسلَّحين، وانغلق باب المبنى عليهم … وطالعَهم فِناءٌ كبير قد جلس فيه عددٌ من الشبان يبدو عليهم الذهول والتخدير … وتركَهم الحُراس … وابتعدوا إلى الأسوار.

وهتفَت «إلهام» وقد تعرَّفَت على بعضهم: إنَّهم بعضُ أعضاءِ فريق «هارلم»، وكذلك بعض أعضاء منتخبنا العربي لكرة القدم.

عثمان: إنَّهم في حالة تخدير … حتى لا يُقاوِموا مُختطِفيهم وكذلك التجارب التي ستُجرى عليهم … وهم لا يدرون ما سوف يحدُث لهم، بسبب هذا التخدير.

صاحت «إلهام» في غضب: هذا العالِم المجنون. إنَّه يُضحِّي بأرواح العشرات دون أن يهتَز له قلب أو ضمير … إنَّه وحشٌ وليس إنسانًا.

هدى: هل لاحظتم نحافتَه غير العادية؟ إنَّه ولا شك مريضٌ مرضًا شديدًا.

أحمد: هذا هو السبب الذي يدفعه إلى تلك التجارب المجنونة … إنَّ مرضَه سبَّب له الجنون؛ فهو يريد أن يحصل على جسدٍ رياضيٍّ متناسق بدلًا من جسده الهزيل، وهو يظُن أنَّ تجاربه ستُمكِّنه من ذلك، وأنَّه سيتوصَّل أيضًا إلى إكسير الشباب الذي سيجعله يعيش طويلًا.

غَمغَم «عثمان» في غضب: هذا الرجل لا بد أنَّه سيدفع ثمنًا غاليًا لجنونه.

تساءل «خالد» في قلَق: تُرى ما هو نوع التجارب التي ينوي هذا المجنون إجراءها علينا؟

إلهام: لا أحد يدري.

هتف «عثمان» في حدَّة: وهل سننتظر إلى أن يقوم هذا المتوحش بإجراء تجاربه المجنونة على أجسادنا وعقولنا؟ … يجب أن نتصرَّف ونفعل شيئًا!

أحمد: إننا بحاجة إلى بعض الوقت لمعرفة المزيد عن تفاصيل المكان وعدَد حُراسه ومصادر قُوَّته، ولا تنسَوا أنَّنا بدون أسلحة … ويجب علينا الحصول على أسلحة قبل القيام بأيَّة خطوة.

هدى: سيكون من السهلِ الحصولُ على بعض مدافع الحُراس الرشَّاشة.

أحمد: إنَّها لن تكفي لسيطرتنا على الجزيرة ومسلَّحيها … فهناك عشرات الحراس … والمهم الآن أن نبدو كما أننا قد استسلمنا لمصيرنا حتى لا يشُك أحدٌ فينا ويُفسِد خطَّتنا.

واقتربَت «إلهام» من أحد الشبان وكان يبدو غائبًا عن الوعي، فكادت عيناها تدمعان وهي تقول: إنَّه «مسعد العربي»، الهداف الخطير في فريق الكويت لكرة القدم، انظروا كيف يبدو شكلُه؟

وفجأةً اندفع ثلاثةُ حُراسٍ مسلَّحين نحو «مسعد»، ودفَعوه في قوة، وصاح أحدُهم فيه: هيَّا، قد حان أوانُ إجراء التجارب عليك.

صرخ «مسعد» في رعب وهلع: لا … اتركوني … لا أريد أن أموت … أيها المتوحِّشون دعوني أعيش.

ولكن الحُراس اندفعوا نحوه في غضب، وانهالُوا عليه ضربًا وركلًا في وحشية، حتى سقط «مسعد» فاقدَ الوعي بين أيديهم.

وارتجفَت «إلهام» في غضبٍ هائلٍ صارخة: أيها المتوحشون الذين لا قلوب لكم.

ثم اندفعَت إلى أقرب الحُراس، وضربَتْه ضربةً قوية فأطاحت به إلى الوراء في عنفٍ شديد وأطاحت ببندقيته بعيدًا.

وقبل أن يتمكَّن بقية الشياطين من أن يفعلوا شيئًا، انطلقَت عشرات الرصاصات نحو «إلهام»، من الحُراس المنتشرين في المكان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤