الشياطين … فوق طاولة التجارب!

قفزَت «إلهام» في الهواء قفزةً بارعة، كما لو كانت كرةً من المطاط، فابتعدَت عن مصدر إطلاق الرصاص، واحتمَت خلف جدارٍ من الطوب بعيدًا عن طلقات الرصاص المُنهمِرة كالمطر.

وصَرخَ أحد الحُراس: اقتلوا هذه الشيطانة، جزاءً لها على ما فعلَته.

فاندفع بعض الحراس شاهرين أسلحتهم وقد كساهم الغضب الشديد. لم يكن الشياطين بحاجة إلى اتفاقٍ للعمل، كان تدخُّلهم في القتال كفيلًا بكشف حقيقتهم.

ولكن حياة «إلهام» كانت أهم … وفي لحظةٍ واحدة تحرَّك الشياطين بطريقةٍ مدهشة، فقفَزوا في الهواء معًا، كما لو كانوا يقدِّمون عرضًا جماعيًّا رائعًا للأكروبات … وسقطوا فوق خمسة من الحراس، وطارت قبضات وركلات الشياطين، تُطيح بالحُراس في كل اتجاه.

ولكن الرصاص المنهمر من أعلى الأسوار، جعل بقية الشياطين يتقَهقَرون إلى الخلف للاحتماء بجدار الطوب مع «إلهام».

وقالت «إلهام» في أسَف: لقد وضعتكم في مأزقٍ سيئ، ولكنني لم أستطع تحمُّل منظر هؤلاء المتوحِّشين وهم يضربون ذلك الشاب!

أحمد: لا عليكِ يا «إلهام»، فسنُواجِه قدَرنا على أي حال.

وبدأ الحائط ينهار تحت طلقات الرصاص المنهمرة عليه كالمطر … وصار الشياطين مكشوفين ومعرَّضين للموت. وفجأةً دوَّى صوتٌ يقول: توقَّفوا عن إطلاق الرصاص.

توقَّف الحُراس عن إطلاق الرصاص، وظَهر «كارلوس» بوجهٍ متجهم وهو يقول: ما الذي يحدُث هنا؟

أجاب أحدُ الحُراس في شك، وهو يشير نحو الشياطين: إنَّ هؤلاء الستة يبدون غير عاديين على الإطلاق؛ فهم يقاتلون بطريقةٍ مذهلة كأنهم أبطالُ قتال وليسوا أبطالًا في كرة السرعة.

تأمَّل «كارلوس» وجوه الشياطين في شَك وقال: يبدو أنَّ ظنوني قد تحقَّقَت … وأنَّ جهةً ما قد قامت بخدعةٍ لإرسال بعض المقاتلين إلى هنا لاكتشاف أسرار الجزيرة، وربما لإنقاذ من فيها.

ولمعَت عيناه وهو يضيف: ولا شك أنَّهم قد أرسلوا أفضل عناصرهم، فريقًا مُدرَّبًا على أحسن مستوًى وقادرًا على اقتحام الخطَر. وهذه هي النوعية التي كنتُ أحتاجُها بشدة لاكتمال تجاربي.

وقَهقَه «كارلوس» بشدة، فترامَق الشياطين في صمت وقلق، ثم توقَّف العالِم المجنون عن الضحك، وأشار إلى رجاله قائلًا: خُذوهم إلى زنزانةٍ خاصة حتى أبُتَّ في أمرهم.

سدَّد الحراس مدافعهم الرشاشة نحو الشياطين الذين استسلموا إليهم في صمت، وقادُوهم الحُراس إلى زنزانةٍ صغيرة من الصُّلب داخل السجن الكبير، ثم أغلقوا بابها عليهم.

وانفجَرَت «إلهام» باكيةً في حزن، وهي تقول: لقد تسبَّبتُ بتهوُّري في كشفِ حقيقتنا.

احتضَنَت «هدى» «إلهام» في إشفاقٍ قائلة: كانت الحقيقة ستنكشف على أي حال، فلا داعي لأن تلومي نفسك.

وتساءل «خالد» في توتُّر: تُرى كيف يفكِّر ذلك الشيطان المجنون «كارلوس»، وما الذي ينوي أن يفعلَه بنا؟

أحمد: لنَنتظِر ونَرَ!

وفي المساء انفتح باب الزنزانة … وظهر أربعة من الحراس المسلَّحين أشاروا إلى «إلهام» بالخروج، وقال أحدهم: البروفيسور يرغب في رؤيتك.

تبادلَت «إلهام» مع الشياطين نظرةَ قلَق، وهتَف «أحمد» في وجوه الحُراس: إننا لن نتحرك إلا معًا. ولكن «إلهام» تقدَّمَت في شجاعةٍ قائلة: لا تخشَ شيئًا يا «أحمد»، فإذا كان هناك أي خطر، فأنا أعرف كيف أتعامل معه جيدًا … خاصةً إذا كان من صنف ذلك النوعِ من المجانين!

وخَرجَت «إلهام» مع الحُراس، الذين أغلقوا باب الزنزانة خلفهم، وتساءل «أحمد» في توتُّرٍ شديد: تُرى ما الذي يريده هذا المجنون من «إلهام»؟

وجاء صوتٌ من مكانٍ ما بالزنزانة يقول في سخرية: ألم تدركوا الهدف بعدُ؟

كان صوتَ «كارلوس»، وكان يأتي من ميكرفونٍ خفي في ركن الزنزانة، وتنبَّه الشياطين، وأكمل «كارلوس» قائلًا: لقد أخبرتُكم أنَّكم النوعية التي كنتُ أحتاجها بالضبط لإكمال تجاربي … نوعيةٌ مميَّزة من الشبان الرياضيين، الذين يملكون قدراتٍ عالية من الناحية البدنية والعقلية، وأيضًا تجارب وخبراتٍ مميزة، وهو ما كنتُ أحتاجه بالضبط لإكمال تجاربي.

صاح «عثمان» في غضب: هل تظُننا فئرانَ تجاربَ أيها المجنون؟

هدَر «كارلوس» في غضبٍ أشد قائلًا: سوف أعاقبك بشدة على وصفكَ لي بالمجنون، وذلك عندما يحين دَورُك للرقاد فوق طاولة العمليات.

أحمد: ماذا تقصد؟

قَهقَه «كارلوس» قائلًا: إنَّ زميلكم كان محقًّا فيما قاله، سوف تكونون فئرانَ تَجاربَ كالآخرين تمامًا، وسأبدأ بزميلتكم التي غادرَت الزنزانة منذ لحظات؛ فستكون هي أول من تُجرى عليها التجاربُ من فريقكم.

ظهَر الذهول على وجوه الشياطين، وارتعد «أحمد» في غضبٍ قائلًا: أيها المتوحشُ، أقسم أن أنتقم منك لو لمستَ شعرةً واحدةً من «إلهام» بأذًى!

قال «كارلوس» ساخرًا: وكيف ستنتقم مني، وأنت أيضًا والآخرون، ستلحقون بها قريبًا … بل قريبًا جدًّا؟

وتعالى صوت ضحكات «كارلوس» المجنون، ثم تلاشى الصوت وساد سكونٌ عميق … تبادَل الشياطين النظراتِ المتوتِّرة، وأشار «أحمد» إلى الباقين أن يتحدَّثوا بلغة الأصابع حتى لا تنقل الميكروفوناتُ السرية حديثهم إلى العالِم المجنون.

تساءلَت «هدى»: ما العمل الآن؟ يجب أن نتدخل لإنقاذ «إلهام» فورًا.

عثمان: ولكن كيف؟! سيستحيل علينا مغادرة هذه الزنزانة لإنقاذ «إلهام»!

ضاقت عينا «أحمد» وهو يفكِّر بشدة، ثم أشار بأصابعه قائلًا: إنَّ لديَّ خطةً لإنقاذ «إلهام»، ولكنها تتطلب أولًا خروجنا من هذه الزنزانة اللعينة بأقصى سرعة.

تساءل «خالد»: وما هي هذه الخطَّة؟

أجاب «أحمد» بشرح تفاصيل الخطَّة، وقالت أصابع «قيس» في حركاتٍ مبتهجة: إنَّها خطةٌ ذكيةٌ جدًّا … وستُوفِّر لنا مجهودًا كبيرًا، ولكن المهم وكما قلتَ أنت، فعلينا أن نغادر هذه الزنزانة فورًا، وقبل بدء التجارب على «إلهام» … فكيف سنُحقِّق ذلك؟

لمعَت عينا الشيطان الأسمر «عثمان»، وقالت أصابعُه: إنَّ لديَّ خطةً لذلك!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤