المعجم

الغرض من هذا المعجم تقديم قائمةٍ مرجعيةٍ موجزةٍ تتضمن معظم المصطلحات التي نجدها عند يونج، وبعض المصطلحات التي استعان بها شرَّاح يونج أو أتباعه، إلى جانب بعض مصطلحات فرويد، ومعظم الألفاظ الأجنبية التي وردت في الدراسة وإن لم تكن مصطلحاتٍ سيكلوجية.

والمعروف أن القوائم المرجعية الموجزة تحيل القارئ إلى المادة العلمية الواردة في متن الدراسة، وهذا ما يقدِّمه هذا المعجم أساسًا، ولكنَّه يتميز بالتوسُّع المحدود فيما لم تتعرض له الدراسة بالتفصيل؛ أي باستكمال المادة التي لم توفَّ حقَّها من الإيضاح في الدراسة بسبب عدم وقوعها في سياق إحدى الأفكار الرئيسية عند يونج أو غيره، وأما الألفاظ الأجنبية التي لا يختلف معناها العام عن معناها عند يونج فقد اقتصر المعجم على إيراد المقابل العربي الشائع لها.

وأما مصادر المعجم فهي في المقام الأول كتابات يونج نفسه، إمَّا من طبعة الأعمال الكاملة ليونج التي صدرت ما بين عامي ١٩٧٠م و١٩٩٢م، وإمَّا من طبعاتٍ سابقةٍ لبعض الأعمال، وقد أرفقت القائمة الكاملة للأعمال المجموعة في ملحق الكتاب، وأشير إلى ما أقتبسه منها برقم المجلد ورقم الفقرة، وأمَّا الأعمال المطبوعة قبلها فأشير إليها بعنوان الكتاب ورقم الصفحة، وإن توافر هذا وذاك أشرت إليهما معًا.

وقد استعنت أيضًا بالمعجم النقدي للتحليل اليونجي الذي اشترك في وضعه أندرو صمويلز، وبني شورتر وفريد بلاوت، والذي صدر أوَّلًا عام ١٩٨٦م، وآخر طبعاته عام ١٩٩٢م (وهي التي أستند إليها في الإحالات) وأشير إليه باسم المؤلف الأول (صمويلز) فقط.

كما استعنت إلى جانب ذلك بالمعجم المختصر الذي وضعته أنييلا جافَّا وألحقته بالسيرة الذاتية ليونج ذكريات وأحلام وتأملات (١٩٦١م) والطبعة التي أشير إلى صفحاتها صدرت عام ١٩٨٩م، وهي طبعة Vintage Books؛ فالشُّرَّاح والنقاد يشيرون إلى طبعاتٍ مختلفةٍ تتفاوت أرقام الصفحات فيها ما بين طبعةٍ وطبعةٍ، وإن كانت الطبعة المنقحة revised النهائية قد صدرت عام ١٩٧٣م، وبمعجم ستاين (١٩٩٨–٢٠١٠م) الصغير في كتابه: «خريطة الروح عند يونج».

ويتضمن المعجم أحيانًا شروحًا لا يذكَر لها مصدرٌ محددٌ؛ فهذه من شروح المصطلحات التي وردت في متن الدراسة مصحوبةً بالمراجع المعتمدة، ويستطيع القارئ بسهولةٍ أن يرجع إليها لإدراك المراد، كما أن المصادر الأجنبية مذكورةٌ في قائمة الببليوغرافيا.

وغنيٌّ عن البيان أن الشروح التي أقدِّمها لمصطلحات يونج تمثل الدلالات التي كان يونج يراها في هذه المصطلحات بصفةٍ أساسيةٍ؛ ولذلك فالمعجم يجمع أحيانًا بين مفهوم المصطلح عند يونج وما يعنيه عند غيره، بل وخارج علم النفس التحليلي كلِّه إذا لزم الأمر، وقد يتطرق المعجم إلى الأصول الاشتقاقية لبعض الألفاظ العربية والإنجليزية واستعمالاتها الشائعة، بهدف إقامة الإطار الدلالي اللازم لإدراك خصوصية معاني يونج (أو عدم خصوصيتها)، فذلك هو المتوقَّع من أيِّ معجمٍ متخصصٍ. وقد لاحظت أنني أميل أحيانًا إلى التوسُّع أو التكرار أو الاستطراد إذا لاحت «فائدةٌ» لغويةٌ، كما يسميها أساتذة العربية، واستطعت السيطرة على هذا «الميل» في بعض الأحيان ولم أستطع ذلك في أحيانٍ أخرى، والواقع إن يونج من أكثر الكتَّاب الذين قرأت لهم توسعًا وتكرارًا واستطرادًا، وربما كنت أحاكيه دون أن أدري فيما يعتبره الإنجليز آفةً، ويعتبره غيرهم مزيَّةً، ما دام الوضوح مقصده.

خفض تركيز الوعي abaissement du niveau mental

والمعنى الحرفي خفض المستوى النفسي؛ أي خفض الضوابط النفسية، ومن آثار ذلك غياب الانتباه والتركيز، وهي حالةٌ قد تسمح بخروج محتوياتٍ غير متوقعةٍ من اللاوعي. كان أول من استخدمه بيير جانيه، الأستاذ الفرنسي ليونج، وينطبق هذا التعريف على كل حالة خفضٍ تأتي معها بانطلاق عكس القيم، ومن الممكن حدوثه في حالة تعاطي المخدِّرات أو السُّكر، وإبداع الأساطير، وتكمن المشكلة في ظهور حالات ذهانٍ كامنةٍ. وعلى الرغم من ذلك فقد تظهر هذه الحالة عند الفنانين أثناء انطلاقات الخيال. (المجلد ٩ / ١ الفقرة ٢٦٤، ص١٥٥) (انظر أيضًا صمويلز، ص٧)

إعادة عيش حالة abreaction

إعادة عيش تجربةٍ صادمةٍ أو إحياؤها شعوريًّا سواء في حالة اليقظة أو تحت التنويم؛ أي أن يتصور المرء ما حدث له ويعيد معاناته منه حتى ينقله من اللاوعي إلى الوعي، وهو ما كان فرويد يفعله ثم عدل عنه، مثلما عدل عنه يونج بعد أن اكتشف أنه لا يكفي بذاته، قائلًا: إن الواجب هو إعادة التكامل الذي تعرَّض للشرخ نتيجة الصدمة، لا مجرد إعادة تذكُّرها وعيشها. (صمويلز، ص٨)

استخلاص/تجريد abstraction

يقول يونج: «وفق ما تدل عليه الكلمة، فإنها تعني استخلاص مضمونٍ معينٍ (مثل المعنى أو الطابع العامِّ) وفصله عمَّا يربطه بعناصر أخرى تمثِّل في مجموعها شيئًا فريدًا أو لا مثيل له؛ ومن ثمَّ لا تتاح مقارنته بغيره …»

«ومن ثمَّ فإن التجريد شكلٌ من أشكال النشاط النفسي الذي يحرر المضمون الأساسيَّ أو الحقيقة الأساسية ممَّا ترتبط به من عناصر لا علاقة لها بالموضوع؛ أي إنه يميز بينه وبينها، أو بعبارةٍ أخرى، يفرِّق بينهما. وبالمعنى الأعم نقول: إن كلَّ شيءٍ مجردٌ abstract ما دامت صلته قد قطعت بالعناصر غير المتصلة بالموضوع.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٢٠)

التفعيل acting out

يتفق مفهوم يونج للتضخيم المرضي inflation إلى حدٍّ ما مع استعمال فرويد لتعبير التفعيل المذكور؛ إذ نجد «أن الذات أثناء خضوعها للرغبات والخيالات المنبثقة من اللاوعي، تعود حتى تعيشها في الزمن الحاضر، وتحسُّ بأنها تقع مباشرةً لها، بسبب رفض الذات الاعتراف بمصدرها في اللاوعي وطابعها المتكرر.» (لابلانش وبونتاليس: لغة التحليل النفسي، ١٩٨٠م، ص٤٢)

المخيلة الفعَّالة/الخيال الفعَّال active imagination

استخدم يونج هذا المصطلح عام ١٩٣٥م في وصف عملية الحلم بعينين مفتوحتين (المجلد ٦، هامش الفقرة ٧٢٣)؛ إذ يبدأ المرء التركيز على نقطةٍ معينةٍ أو حالةٍ نفسيةٍ أو صورةٍ أو حدثٍ، ثم يسمح لتخيلاتٍ مرتبطةٍ بها أن تنمو وتتجسد. وهو ما يخلق نفسيًّا حالةً جديدةً؛ فالأشياء التي كانت غامضةً تتضح وتترابط، وإذا بالأنا الواعية تتجاذب معها خيرًا مما يحدث في الأحلام.

والخيال الفعال عكس أحلام اليقظة. فأحلام اليقظة يبتكرها الفرد وتظلُّ قريبةً من سطح الخبرة الشخصية واليومية. أمَّا الأحداث المتجسدة نتيجة الخيال الفعَّال فهي فيما يبدو «ترغم من يشاهدها على المشاركة، فينتج موقفٌ جديدٌ تعرض فيه بعض الموادِّ من اللاوعي على الذهن اليقظ» (المجلد ١٤ الفقرة ٧٠٦). ووجد يونج في ذلك دليلًا على الوظيفة التَّعالية؛ أي التعاون بين العوامل الواعية واللاواعية. (صمويلز، ص٩)

التكيف adaptation

التكيُّف يتعلق بالتصالح بين العوامل الخارجية والعوامل الداخلية، وإحداث توازنٍ بينها؛ فهو جانبٌ بالغ الأهمية من جوانب عملية التفرُّد.

تعليل العصاب aetiology (of neurosis)

في الفترة التي كان يونج يتعاون فيها مع فرويد في التحليل النفسي، اهتدى الاثنان إلى أن أسباب الاضطراب النفسي المسمَّى «العصاب» neurosis لا ترجع فحسب إلى تأثير صدمةٍ معينةٍ، بل ترجع أيضًا إلى موقف المريض نفسه. وكان يونج يركز على حالة المريض خصوصًا إذا لمح لديه إسقاطًا لبعض الأنماط الفطرية أيضًا. وبعد دراساته وبحوثه في موضوع التفرُّد، كتب يقول: إن العصاب قد لا تكون له أسبابٌ مرَضيةٌ، كما أنه «ينهض بدور إيجابي في تنمية الفرد. وقال إن الواضح في معظم الحالات أن السبب الأول للعصاب يرتبط بفقدان المعنى والقيمة.» (صمويلز، ص١١)

العاطفة affect

يقول يونج: «نفهم من مصطلح العاطفة وجود حالة شعورية تتسم بالتنبيه العصبي والعضلي للبدن (تجاه الحركة) من ناحية، واضطرابًا غريبًا في عملية التفكير من ناحية أخرى. وأنا أستخدم emotion بمعنى العاطفة مرادفة لمصطلح affect، وعلى عكس ما يقوله بلويلر bleuler أميز بين feeling أي الشعور وبين العاطفة، على الرغم من عدم وجود حدود تفصل بينهما، ما دام كل شعور يقوم، بعد أن يبلغ قوة معينة، بإطلاق التنبيه تجاه الحركة فيصبح بهذا عاطفة.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٢٢)

الإثارة العاطفيَّة affectivity

يقول يونج: «هذا مصطلح سكَّه بلويلر. فالإثارة العاطفية لا يقتصر معناها على «إثارة العواطف وحدها، بل يتضمن إثارة أرهف المشاعر أو الدرجات الشعورية للألم واللذة» [حسبما يقول في كتاب صدر عام ١٩٠٦م] فمن ناحية يميز بلويلر بين الإثارة العاطفية، وبين جميع الأحاسيس وغيرها من المدركات الجسدية، ومن ناحيةٍ أخرى يميز بينها وبين المشاعر الداخلية التي يمكن اعتبارها عمليات إدراكية باطنة (مثل «الشعور» باليقين أو الاحتمال) أو بينها وبين الأفكار أو الرؤى غير الواضحة». (الأنماط السيكلوجية، ص٥٢٣)

الخيمياء alchemy

(انظر الفصل السابع من الدراسة).

الدلالة المزدوجة/ذو دلالتين متضادتين ambivalence

يستخدم يونج المصطلح الذي أدخله بلويلر في دراسة علم النفس ليعني به إحدى الأفكار التالية: (١) صهر مشاعر إيجابية وسلبية معًا تجاه كيان واحد (كالشخص أو الصورة أو الفكرة أو جزء من الذات) وهي مشاعر تنبع من نفس صاحبها فقط. ويقول صمويلز إن استعمال يونج في الواقع لهذا اللفظ يوحي بثنائية الدلالة bivalence. (٢) أحيانًا ما يزيد عدد المشاعر المتضادة على اثنين، وهو يعمم هذه الفكرة بحيث يمكن اعتبار التضادِّ الثنائيِّ صفةً إنسانيةً أصيلةً. (٣) يقول يونج: إن كل موقف يستتبع ما ينفيه، وإن المصطلح المذكور يشير إلى هذه الظاهرة، (٤) ازدواجية محتومة في حالة العلاقة مع الوالدين، و(٥) ازدواج المعنى له حضور محتومٌ في العالم، ويقول يونج: إن «قوى الطبيعة دائمًا ذات وجهين» (المجلد ٥، الفقرة ١٦٥)، «وفي الحياة نفسها نجد التوازن بين الخير والشرِّ، والنجاح والفشل، والأمل واليأس.» (المجلد ٩، الجزء الثاني، الفقرة ٢٤). (صمويلز، ص١٥–١٦)

توسيع وإيضاح amplification

التوسع في تفاصيل الحلم وإيضاحه من خلال تداعياته المباشرة ونظائره في العلوم الإنسانية.

القياس analogy

التحليل analysis

التحليل عند يونج علاقة جدلية طويلة الأجل بين شخصين: محلل ومريض، وغايته البحث في اللاوعي عند المريض، وما يحتويه وأساليب عمله، بغرض تخفيف حالة ذهانية يشعر المريض أنه لم يعد قادرًا على احتمالها بسبب إضرارها بحياته الواعية. ويمكن تلخيص اختلاف تحليل يونج عن التحليل النفسي بعد انفصاله عن فرويد عام ١٩١٣م فيما يلي: (١) يعتبر يونج التحليل صراعًا بين أضدادٍ؛ ومن ثمَّ ابتكر ما يسميه العلاج التركيبي، (٢) على الرغم من اعترافه بدور الغرائز كان يرى أنها تصطدم بما أسماه «الروح»، قائلًا إنها قوة أنماط فطرية تتخذ شكل الصور، و(٣) ويقول يونج أخيرًا إنه «يفضل أن ينظر إلى الشخص على ضوء ما يعتبر صحيحًا وسليمًا فيه، لا على ضوء مثالبه.» (المجلد ٤، الفقرتان ٧٧٣–٧٧٤)

المحلل والمريض analyst and patient

يلحُّ يونج على اعتبار العلاقة بين المحلل والمريض علاقة جدلية، تتساوى فيها سلطة الجانبين، بدلًا من اعتبارها علاقة طبيب ذي سلطة بمريض لا حول له ولا قوة؛ إذ كان يرى أن مشاركة المريض في التحليل عامل أساسي من عوامل النجاح. (المجلد ٤، الفقرة ٥٣٦)

علم النفس التحليلي analytical psychology

بعد انفصال يونج عن حركة التحليل النفسي في عام ١٩١٣م، بدأ يستخدم مصطلح «علم النفس التحليلي» للإشارة إلى ما أصبح يقول إنه «علم سيكلوجي جديد» نبع من حركة التحليل النفسي، وبعد أن رسخت أركان هذا «العلم الجديد»، أصبح يونج يقول: إن فرويد يستخدم منهج «التحليل النفسي»، وإن آدلر يستخدم «علم النفس الفردي».

أندروجين؛ أي الجمع بين الذكورة والأنوثة androgyne

تعريب المصطلح أفضل من ترجمته؛ لأنه مفهوم نظري للجمع بين الذكورة والأنوثة على عكس hermaphrodite؛ أي الخنثى؛ أي الفرد الذي يجمع في تكوينه الجسدي بين عناصر الجنسين وصفاتهما في الوقت نفسه؛ أي إن الأندروجين كيانٌ نفسيٌّ لا بدنيٌّ. وكان يونج يرى مثالًا له في عمل الخيمياء التي تمزج بين الأضداد، وأقرب مثالٍ له في فكره هو مفهومه للأنيما والأنيموس.

أنيما وأنيموس anima & animus

الأنيما تجسيد للعنصر الأنثوي في اللاوعي الذكوري، والأنيموس تجسيد للعنصر الذكوري في اللاوعي الأنثوي. وهذه الثنائية الجنسية السيكلوجية تتجلى فيها الحقيقة البيولوجية القائلة إن العدد الأكبر من جينات الأنثى أو الذكر هو الذي يحدد جنس المولود أنثى أو ذكرًا. والعدد الأقل من الجينات المقابلة [المضادة] يؤدي إلى تشكيل طابعٍ مضادٍّ جنسيًّا عادةً ما يظلُّ كامنًا في اللاوعي. والأنيما والأنيموس يتجسدان عادةً في الأحلام وفي التخيلات. وباعتبارهما يتحكمان في السلوك يعتبران من أشدِّ الأنماط الفطرية نفوذًا وتأثيرًا. (انظر الدراسة: القسم ٩ من الفصل ٣)

المغناطيسيَّة الحيويَّة/الاجتذاب الرُّوحيُّ animal magnetism

مختبر قياس الذَّكاء البشريِّ anthropometric laboratory

سابق الوجود/سلفًا/فطري a priori

قلق anxiety

يتميز مفهوم القلق عند يونج بعدة ملامح أهمُّها:
  • (١)
    لا ترجع جميع أنواع القلق إلى أصلٍ جنسيٍّ (انظر psychoanalysis).
  • (٢)

    يمكن أن يكون للقلق جانبٌ إيجابيٌّ وهو تنبيه الفرد إلى حالة غير مرغوب فيها.

  • (٣)

    يمكن أن يكون القلق تجنبًا للوعي بالمعاناة. (صمويلز، ص٢٥)

الإدراك الجديد الموضح apperception

يقول يونج: «يشير هذا المصطلح إلى عملية نفسية تؤدي إلى الإفصاح عن مضمونٍ نفسيٍّ جديدٍ مماثلٍ لمضمونٍ موجودٍ سلفًا بحيث يلقي المضمون الجديد الضوء عليه، فيتضح ويُفهم وتدرَك أبعاده. ونحن نميز بين نوعين من هذا الإدراك الموضِّح: الأول إيجابي والثاني سلبي. أما الأول فهو الذي تقوم به الذات، بدوافع ذاتيةٍ، بوعي وانتباهٍ، لإدراك المحتوى الجديد وإدماجه في المحتوى الآخر الجاهز لذلك، وأما الثاني فيشير إلى عملية خارجية (من خلال الحواس) أو داخلية (من خلال اللاوعي) تفرض نفسها على الوعي، وترغم الفرد، إلى حدٍّ كبيرٍ، على الانتباه والفهم، وفي الحالة الأولى يكون التركيز على الأنا في هذه العملية، وفي الحالة الثانية يقع التركيز على المضمون الجديد الدخيل.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٢٤)

الطابع القديم/الأزلي archaism

يقول يونج: «أقصد بهذا المصطلح الإشارة إلى الطابع القديم [بمعنى الأزلي] لمحتويات النفس ووظائفها. ولا أعني بذلك التشبه بالقدماء archaistic أو محاكاتهم، كما تتجلى مثلًا في أعمال النحت الروماني المتأخرة زمنيًّا أو الأساليب القوطية في القرن التاسع عشر، بل أقصد الصفات التي كتب لها البقاء على مرِّ الزمن. وجميع الخصائص النفسية التي يمكن إطلاق هذا الوصف عليها — تتفق أساسًا مع الخصائص النفسية البدائية. ومن الواضح أن هذا الطابع يرتبط بخيالات اللاوعي أساسًا؛ أي بأنشطته التخيلية التي تصل إلى الوعي، وتعتبر الصورة قديمةً إذا تميزت بخصائص أسطوريةٍ لا تخطئها العين.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٢٤)

نمط فطري archetype

يقول يونج: إن مفهوم النمط الفطري مستقى من ملاحظة ظهور موتيفات معينةٍ بانتظامٍ في الأساطير والحكايات الخرافية في الأدب العالمي، وهي موجودة في التخيلات والأحلام وحالات الهذيان والضلالات الشاردة لدى الأفراد اليوم. وكلُّها تنبع من النمط الفطري، وهو شكل سابق الوجود في اللاوعي يستعصي على التمثيل، ويعتبر فيما يبدو جزءًا من البناء الموروث للنفس. ويمكن أن يتجلَّى تأثيره بأية صورة في أي مكان. (المجلد ١٠، الحضارة في مرحلة انتقالية، فقرة ٨٤٧)

الاستيعاب assimilation

يقول يونج: «يعني المصطلح «استيعاب» محتوًى جديد من محتويات الوعي أو إلحاقه بمادةٍ ذاتيةٍ موجودةٍ سلفًا، حيث يتأكد تشابه المادة الجديدة مع المادة الذاتية التي تنتظرها إلى الحدِّ الذي يؤثر سلبيًّا في المحتوى الجديد. ويعتبر الاستيعاب أساسًا عملية إدراكٍ جديدٍ موضِّحٍ، ولكنه يتميز عنها بالتكيُّف المذكور للمادة الذاتية … وأنا أستخدم الاستيعاب بمعنًى أوسع إلى حدٍّ ما، ألا وهو تكييف الموضوع ليناسب الذات بصفة عامة …» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٢٥)

تداعٍ/ترابط association

الصلة بين الأفكار والمدركات الحسية، وهلم جرًّا … وفقًا للتشابه والتعايش والتعارض واعتماد بعضها على بعض.

التداعي الحر – free association

في تفسير الأحلام الفرويدي معناه الأفكار التي تخطر للنائم من دون أدنى صلة بموضوع الحلم.

التداعي الموجَّه أو المرتبط – directed or controlled association

في تفسير الأحلام عند يونج معناه الأفكار التلقائية النابعة من موقفٍ معينٍ في أحد الأحلام وترتبط به دائمًا.

اختبار التداعي association test

أساليب اكتشاف المركَّبات من خلال قياس مدة ردِّ الفعل وتفسير الإجابات المقدمة إزاء كلماتٍ حافزةٍ معينةٍ stimulus words.

مؤشرات المركبات complex indicators

طول مدة رد الفعل، والأخطاء، والنوعيات المميزة للإجابات عندما تمسُّ الكلمة الحافزة مركَّباتٍ تودُّ الذات إخفاءها أو لا تكون واعيةً بها.

Assumption of the Virgin Mary

رفع مريم البتول إلى السَّماء proclamation of dogma..

إعلان أنه ركن ثابت من أركان العقيدة:

أعلن البابا بيوس الثاني عشر في عام ١٩٥٠م أن رفع مريم البتول عليها السلام إلى السماء حقيقةٌ مقطوعٌ بها، ورحب يونج بالمرسوم البابوي قائلًا إنه يمثل رفع النموذج المسيحي للنمط الفطري للأمِّ إلى مستوى الحقيقة التي لا مراء فيها. (المجلد ٩، الجزء الأول، الفقرة ١٩٥)

ارتباط attachment

موقف attitude

يقول يونج: إن المصطلح أدخل في علم النفس منذ عهدٍ قريبٍ، وهو يضع المرادف الألماني بين قوسين، Einstellung والذي لا يتضمَّن المعنى الذي يرمي إليه يونج إلا إذا أسبقته بصفةٍ صريحةٍ مثل geistige، فيكون معناه الموقف النفسي (أو النفسية عمومًا) ولكن يونج يحدد دلالته بأنها التي وضعها إبينجهاوس Ebbinghaus قائلًا إنه يعني «استعداد النفس للعمل أو الاستجابة بصورة معينة» ويضيف قائلًا: «إن لهذا المصطلح أهميةً كبرى في الدراسة السيكلوجية للظواهر النفسية المركبة؛ فهو يعبر عن تفاوت تأثير بعض العوامل من حالةٍ إلى حالةٍ … واتخاذ المرء موقفًا معينًا يعني أن يكون متهيئًا لوقوع شيءٍ محددٍ، حتى ولو كان ذلك داخل اللاوعي ما دام اتخاذ الموقف مرادفًا لاتخاذ توجهٍ ما سلفًا، سواء أكان قائمًا في الوعي أم لا.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٢٦)

أصيل ومستقل وتلقائي autochthonic

يستخدم شراح يونج هذه الصفة وقرينتها autochthonous مقابل صورتها الألمانية autochthon (والصفة بزيادة حرف e للدلالة على صفة «الأصلي» في عبارة «السكان الأصليين» مثلًا)، فهم يريدون لها معنى indigenous [قارن الألمانيتين Ureinwohner والأخرى Ureingesessen] ويونج يستخدم الكلمة بصورها المختلفة في وصف الأنماط الفطرية ليؤكد الخصائص الثلاث التي قدَّمتها ترجمة لها؛ فالأصلي عنده أصيل بمعنى أنه قديم [بسبب البادئة ur الألمانية]، وهي مستقلة؛ لأن عالمها هو اللاوعي الذي لا تتحكم فيه الأنا، وهي تلقائية؛ لأنها لا تخضع لرقابة الوعي عليها. (هيلمان ١٩٨٣م، ص٤٢)

ثقة أساسية basic trust

المقصود بها علاقة الرضيع بأمه التي تمنحه ثقةً في كل ما حوله أثناء قيامه باستكشاف دنياه الخاصة ما دام مطمئنًا إلى علاقته بأمِّه، وأيُّ إضرارٍ بهذه الثقة (ناهيك بغيابها) يضرُّ بعلاقة الطفل بما حوله ومن حوله أثناء النمو. (إريك إريكسون: الطفل والمجتمع)

تعارضٌ ثنائي binary opposition

من المبادئ الأساسية للبنيوية، ويتفق المبدأ المذكور مع ميل يونج إلى رؤية كل حركة نفسية في صورة علاقة بين أضداد.

الجسم body

كان يونج يوحي في كتاباته الأخيرة بأن للأنماط الفطرية أصولًا نفسيةً وجسديةً معًا؛ فهي تربط الجسد (الغرائز) بالنفس (الصور) فالغرائز والصور تنبع من اللاوعي، وكان يؤمن بأن هذا التفسير يعلي من قيمة الجسد ما دام يشير إلى عوامل مشتركةٍ بين الجميع ويسهِّل اكتشاف اللاوعي الجمعي فيها.

المخُّ brain

اتجه بعض شراح يونج، مثل ستيفنز (١٩٨٢م) ومثل هنري (١٩٧٧م) وروسِّي Rossi (١٩٧٧م) إلى تحديد أمكنةٍ في المخ يجري فيها نشاط الأنماط الفطرية، ولكن يونج كان يقول إنه يعتبر البدن كله «صورة جسدية مادية للنفس» (المجلد ٩، الجزء الأول، الفقرة ٣٩٢)

التطهير catharsis

كان يونج يرى أن إعادة عيش تجربة صادقة في حالة اليقظة أو تحت التنويم يؤدي إلى تطهير النفس من مثالبها.

السببية causality

انظر علم التعليل أو العلِّيَّة aetiology أدناه، وانظر التزامن synchronicity في هذا المعجم.

رقيبٌ censor

قوة طردٍ للخارج [في حركة دائرية] centrifugal

قوة جذبٍ للداخل [في حركة دائرية] centripetal

هيولى/عماء/خاءوس chaos

حالة وجود مادي لا شكل له ويمكن تعريب اللفظ إذا أريد به المعنى العامُّ لا إحدى الدلالتين المتخصصتين.

الطَّواف (الدائري) circumambulation

لا يقتصر معنى الطواف على الحركة الدائرية بل أيضًا رسم موقع مقدس حول شيءٍ مركزي. ويحدد يونج معنى المصطلح من الناحية النفسية قائلًا إنه التركيز والانشغال بموقع يعتبر مركزًا للدائرة، فإذا توسعنا قلنا إنه كان يراها رمزًا للعجلة، وإن الأنا من الأبعاد الكبرى للذات. (المجلد ٩ الجزء الثاني، الفقرة ٣٥٢)

عنقود cluster

العيش معًا (للذكر والأنثى) دون زواج cohabitation.

الجمعي/الجماعي collective

يقول يونج: إن المحتويات النفسية التي لا تخصُّ فردًا واحدًا وحسب بل تخصُّ في الوقت نفسه عددًا كبيرًا من الناس «سواء كان مجتمعًا أو شعبًا أو البشر كلهم» أطلق عليها اسم الجمعي (الأنماط السيكلوجية، ص٥٣٠). وقد استفاد يونج من التمييز بين الوعي واللاوعي الذي وضعه رواد حركة التحليل النفسي في وضع نظريته الخاصة عن اللاوعي الجمعي باعتباره مستودع التراث النفسي للإنسان وإمكاناته، وبذلك يعتبر قوةً جبارةً قادرةً على تبني أوهامٍ خادعةٍ هائلةٍ وحالات ذهانٍ جماعيةٍ mass psychosis. وأما الفرديَّة individuality المضادة للجمعية/الجماعية، فكان يونج يرى أنها تمثل التماهي في المثل الأعلى الجمعي الذي يؤدي إلى التضخم المرَضي inflation وأخيرًا إلى جنون العظمة megalomania.

اللاوعي الجمعي collective unconscious

انظر archetype وcollective وunconscious

التعويض compensation

يقول يونج إنه وجد وظيفة نفسية تعويضية يمكن إثبات وجودها عمليًّا وتجريبيًّا، وهي تتفق مع وظائف التنظيم الذاتي والتثبيت المتزن homeostatic للكائن الحي، وهي التي نلاحظ وجودها في الجانب الفسيولوجي للإنسان. ويقول يونج: «إن التعويض يعني الاتزان والاستكمال» والتكيُّف؛ ومن ثمَّ فإن النشاط التعويضيَّ للاوعي يمثل إحداث توازنٍ مع أيِّ اتجاهٍ نحو الانفراد بالعمل من جانب الوعي. (الأنماط السيكلوجية، ص٥٣١)

الاكتمال completeness

يقصد به يونج اكتمال العناصر النفسية التي تشكِّل الشخصية (أو الذات) بحيث يتصف الفرد بكونه كيانًا كليًّا واحدًا wholeness وهو غاية عملية التفرُّد حيث يختفي الفاصل بين الوعي (الأنا) واللاوعي.

مركَّب complex

يقول معجم صمويلز: «تقوم فكرة المركَّب على نقض الفكرة التي تعتبر الشخصية كيانًا واحدًا كالصخرة الصُّلبة». فلدينا ذواتٌ كثيرةٌ على نحو ما تعرِّفنا إيَّاه الخبرة. وعلى الرغم من بعد الشُّقة بين هذا المعنى واعتبار المركَّب كيانًا مستقلًّا داخل النفس؛ فإن يونج يؤكِّد أن «المركَّبات تتصرف كما لو كانت كياناتٍ مستقلةً» (المجلد ٨، الفقرة ٢٥٣).

كما كان يقول: «بعدم وجود اختلافٍ من ناحية المبدأ بين الشخصية المفتتة والمركَّب … فالمركَّبات شظايا نفسية» (المجلد ٨، الفقرة ٢٠٢) والمركَّب مجموعةٌ من الصور والأفكار في صورة عنقودٍ مجتمعٍ حول نواةٍ تتكون من نمطٍ فطريٍّ واحدٍ أو أكثر، ويتميز بشحنةٍ شعوريةٍ مشتركةٍ، وهو يتكوكب becomes constellated؛ أي ينشط فيؤثِّر في السلوك وفي الحالة الشعورية (ص٣٣–٣٤).

ويقول يونج: إن المركَّبات شظايا نفسيةٌ انفصلت نتيجة تأثير إحدى الصدمات أو الميول المتناقضة أو المضادة. والمركَّباتِ تتدخل فتفسد النوايا والإرادة والأداء الواعي، كما تؤدي إلى اضطراباتٍ في الذاكرة وإعاقة سيَّال التداعي «الطبيعي». وهي تظهر وتختفي وحدها، وأحيانًا ما تستولى على اللاوعي وتؤثر في الكلام والفعل تأثيرًا لا يعيه الفرد. (بناء النفس ودينامياتها، المجلد ٨، ص١٢١)

التجسيد concretism

يقول يونج: «أعني بهذا المصطلح خصيصةً محددةً في الفكر والشعور تمثل النقيض للتجريد. والمعنى الحقيقيُّ للصفة concrete هو النمو معًا، والمفهوم الذي يُبنى على فكرٍ تجسيديٍّ مفهومٌ نما مع مفاهيم أخرى أو اندمج فيها.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٣٣)

الوحدة بين الأضداد coniunctio oppositorum

كان يونج يميل إلى النظر إلى الحركة التي تشمل النمو والتطور والتفاعل والتبادل وشتى العمليات النفسية في صورة صراع بين الأضداد يؤدي إلى الوحدة. فالصحة النفسية تعني غياب الصراع بين العوامل المتضادة وتوحيدها.

الوعي consciousness

يقول يونج: قد يدهش الإنسان حين يلاحظ أن أيَّ حدثٍ يحدث في الدنيا يطبع في الوقت نفسه، صورةً داخليةً له في النفس والذهن؛ أي يصبح حدثًا قائمًا في الوعي. (سيمنار بازل، ١٩٣٤م، ص١) فالواقع أن الوعي لا يخلق نفسه، بل ينبع من أعماقٍ مجهولةٍ، فهو يستيقظ كل يومٍ مع الطفل من أعماق النوم واللاوعي، وهو ما يعني أنه يشبه الطفل الذي يولد يوميًّا من رحم اللاوعي الأزلي. (علم النفس والدين في الغرب والشرق، ٥٦٩)

وحدة المعرفة consilience

المقصود الوصول إلى نتيجةٍ واحدةٍ بأدلةٍ مستقاةٍ من مصادر مختلفةٍ، بعضها ماديٌّ وبعضها تجريدي، وهو عنوان كتاب وضعه أ. أ. ويلسون E. O. Wilson ويعرِّف المصطلح فيه بأنه «الاتفاق في المداخل إلى موضوعٍ يشمل عدَّة مباحث أكاديمية من العلوم الطبيعية والإنسانيات». وعنوان الكتاب الكامل هو: Consilience: Unity of Knowledge وقد صدر عام ١٩٩٨م، والمعروف أن ويلسون عالم بيولوجي.

كوكبة constellation

كان يونج يشير إلى المركَّب بعبارة كوكبة وإلى نشاط المركَّب؛ أي تأثيره في النفس بفعلٍ مشتقٍّ من هذا اللفظ وهو يتكوكب to constellate؛ أي إن المركَّب يمارس عمله «الضارَّ» في النفس.

بنَّاء/تركيبي constructive

يقول يونج: أستخدم هذا المفهوم بمعنًى معادلٍ لمعنى التركيبي synthetic بل وباعتباره مثالًا عمليًّا للتركيب، ومعنى هذا وذاك مضادٌّ لمعنى الاختزال … والمنهج البنَّاء يعني تفصيل القول فيما ينتجه اللاوعي (الأحلام والتخيلات وهلم جرًّا)، وهو يعتبر كلَّ نتاجٍ من نواتج اللاوعي نقطة انطلاقٍ، أو التعبير الرمزيَّ الذي يبشر بمرحلةٍ مقبلةٍ من التطور النفسي. (الأنماط السيكلوجية، ص٥٣٦)

يؤوِّل construe

التأويل هو إضفاء معنًى على الكلام غير ظاهرٍ في دلالته المباشرة، وسبب الخلط في معنى الكلمة أن الاسم منها؛ أي «التأويل» يشترك مع اللفظ الذي يفيد البناء وهو construction.

تجاور/تقارب contiguity

أحد مبدئي تداعي الألفاظ والمعاني والآخر هو التشابه.

المسار المتصل continuum

أي الحلقات المتداخلة والمترابطة إلى درجة تشكيل مسارٍ موحدٍ ومترابطٍ، وأهمُّ ما يستخدم فيه المصطلح الترابط بين الظواهر الجسدية والظواهر النفسية، أو بين العالم الخارجي والعالم الداخلي للإنسان، وفقًا لبعض أساتذة الطبِّ النفسي مثل ستافورد-كلارك.

النقل المضاد countertransference

المقصود أن المحلل تنقل إليه في عملية التحليل بعض أعراض المريض، وكان يونج رائدًا في تبيان تأثُّر المحلل بما لدى المريض؛ فالمحلل ينقل إلى المريض بعض ما يعينه على قهر «مركَّباته» اللاواعية، مثلما ينقل المريض إليه بعض ظواهرها أو آثارها. وقد كتب يونج في عام ١٩٢٩م يقول: «لن تنجح في التأثير إن لم تكن تقبل التأثُّر … فالمريض يؤثِّر [في المحلل] بلا وعي، وأشهر أعراض ذلك هو النقل المضادُّ الناجم عن النقل» (المجلد ١٦، الفقرة ١٦٣)

عقيدةٌ إيمانيَّةٌ creed

ذكرى منسيَّةٌ cryptomnesia

ثقافة الجماعة culture

يقول معجم صمويلز: «يمكن أن نقول بصفة عامة إن يونج كان يستخدم هذا المصطلح بدلالة مرادفة لمعنى «الجماعة»؛ أي مجموعة أو شريحة اجتماعية متميزة إلى حدٍّ ما، وتتمتع بوعي انتمائها إلى البشرية كلها. وهو يستخدم المصطلح (في معظم الأحوال) في وصف حدثٍ أو تحوُّلٍ معينٍ، كقوله «ذو ثقافة جماعية أكبر» أو «يتسم بالقدم وعدم التمتع بأية ثقافة جماعية». وهو يوحي، من الزاوية النفسية، بأن ثقافة الجماعة تشير إلى اكتسابها هويةً ومعنًى، إلى جانب الاستمرار وغرضية المعنى.» (ص٣٨)

الشِّفاء cure

يعارض يونج الفكرة الشائعة التي تقول: إن العلاج النفسي الناجع يؤدي إلى شفاء الفرد من مرضٍ ما؛ إذ كان يؤمن بأن من طبيعة الحياة أن تقيم بعض العراقيل في المسار النفسي للفرد، ومن بينها العلل؛ فالتعامل مع العلل لا يؤدي إلى الالتئام healing الكامل للجروح بل إلى الوعي بها باعتبارها فرصًا متاحةً للتأمل في أخطاء تكيُّف الأنا مع ما حولها، وإفساح الطريق لتكيُّفٍ أفضل.

الحضور/الوعي بالوجود في الزمن dasein

كلمةٌ ألمانيةٌ تفيد إحساس المرء بأنه حاضرٌ؛ أي موجودٌ وجودًا زمنيًّا، لا مطلقًا، وهي من سك الفيلسوف هايديجر.

غريزة الموت death instinct

أصدر فرويد عام ١٩٢٠م كتابًا عنوانه: «ما وراء مبدأ اللذة» يقول فيه: إننا نستطيع تقسيم الغرائز إلى مجموعتين كبيرتين هما غرائز الحياة وغرائز الموت. أمَّا الأولى فتتضمن غرائز الحفاظ على النفس، مثل الجوع والعدوان، والغرائز الجنسية. وأمَّا الثانية فتتبدَّى في طابع النكوص الذي تتسم به جميع الغرائز؛ أي ميل الغريزة إلى إطلاق طاقتها حتى تفرغ تمامًا وتبلغ إثارتها درجة الصفر، وقد طوَّرت كلاين هذه الفكرة، ولكنَّ التحليل النفسي لم ينتفع بها. ويقول جودرون في كتابه: «الموت والإبداع» (١٩٧٨م) إن يونج كان يرى أن غريزة الموت تقدم إطارًا يشجع الفرد على الإبداع؛ فهي دافعٌ نفسيٌّ على زيادة النمو. والفكرة قريبة ممَّا يقوله هايديجر عن الموت: انظر كتابي: «مصطلحات الفلسفة الوجودية عند هايديجر»، القاهرة ٢٠١٧م.

استدلالٌ/استنتاجٌ Deduction

(عند تشومسكي) البناء العميق في اللُّغة Deep structure

أنواع الدفاع عن الذَّات Defences of the self

يقول مايكل فوردام في كتابه: «الذات ومرض التوحد» (١٩٧٦م) إن جميع أنواع الدفاع عن الذات تعتبر «طبيعيةً» أو من خصائص الأسوياء في نظر يونج، إلا إذا بولغ فيها وتعددت عواملها؛ إذ ينشأ اتجاهٌ نحو تصوُّر القوة الغلَّابة، وهو الذي يؤدي إلى الإحساس بالعظمة والتحجُّر. والغريب أنه يؤدي إلى ظهور مرض التوحد autism، وفي أي الحالين يحرم الفرد من مصادر الرضى الذي تضفيه العلاقات ما دامت الغيرية otherness نفسها هي التي ستوحي له بالاضطهاد. (ص٧٦)

الانسلاخ وإعادة الانضمام deintegration and reintegration

يقول مايكل فوردام في كتابيه: «الأطفال باعتبارهم أفرادًا» (١٩٦٩م) و«الذات ومرض التوحد» (١٩٧٦م) إنه اعتمد على الدراسة النظرية التي أجراها يونج للذات، ثم توسع فيها حتى استخدمها باعتبارها مفهومًا من مفاهيم التطور والتنمية، وهو يشرح ذلك قائلًا: إن يونج يفترض وجود ذاتٍ أصليةٍ في بداية الحياة. وتتضمن هذه الذات الأولية جميع الإمكانات الطبيعية والأنماط الفطرية القادرة على التعبير عن الشخص. وفي البيئة المناسبة تبدأ هذه الإمكانيات في الانسلاخ عن بعضها بعضًا deintegration — أي تتفكك — بعد أن كانت متكاملة في اللاوعي. وتسعى إلى العثور على ما يقابلها في العالم الخارجي. وهكذا «تقترن» إمكانات الطفل القائمة في الأنماط الفطرية بردود الفعل الإيجابية من الأمِّ، فتكون الحصيلة تكاملًا جديدًا في كائنٍ نفسيٍّ داخليٍّ. ويقول فوردام إن يونج يؤمن بأن عملية التفكك وإعادة التكامل تستمرُّ طول العمر. (فوردام ١٩٦٩م، ص١٢ وما بعدها)

هذيان Delirium

وهمٌ delusion

يقدم يونج للوهم تعريفًا قائمًا على الخبرة، قائلًا: إن المريض يشعر feels بشيءٍ يشبه الحكم المبنيَّ على الذهن أو الشعور المستقى من انطباعاتٍ حسيةٍ معينةٍ، ولكنَّه في الواقع مبنيٌّ على عوامل معينةٍ عنده في اللاوعي. ويؤكِّد يونج أن مثل هذه المشاعر ليست بالضرورة سلبيةً؛ فهي «طبيعيةٌ» مثل الأحلام، بشرط أن نفهمها حقَّ الفهم. وكان يونج رائدًا في الدعوة إلى تفسير الأوهام. وهو يورد عددًا من الأوهام الجمعية (المختلفة عن التفسيرات الجمعية للأوهام الفردية) ومن بينها وهمٌ شائعٌ وهو أننا كائناتٌ عقلانيةٌ وحسب!

الخرف المبكِّر dementia praecox

كلمة praecox لاتينية، وتعني المبكِّر أو السابق لأوانه، وكانت تطلق على خلل نفسيٍّ/عقليٍّ يصيب المرء في المراهقة أو بداية الشباب، ثم يتفاقم على مرِّ السنين، وكان أول من استخدم التعبير أرنولد بيك Pick (١٨٥١–١٩٢٤م) في عام ١٨٩١م بهذا المعنى في جامعة تشارلز في براغ؛ أي إن التركيز في البداية كان على التدهور «العقلي النفسي» ثم تحول يونج إلى تعبير الشيزوفرينيا بعد أن نشر بلاولر Bleuler في عام ١٩١١م كتابًا قدم فيه مصطلح الشيزوفرينيا أول مرة بدلًا عن الخرف المبكر. وقد ترجم إلى الإنجليزية عام ١٩٥٠م بعنوان:
Dementia Praecox, or the Group of Schizophrenias.

(في الغنوصيَّة) القوَّة المنفذة لمشيئة الخالق demiurge

اكتئاب depression

يرتكز مدخل يونج إلى تحليل الاكتئاب على مسألة الطاقة النفسية لا على العلاقات الموضوعية؛ أي مع الآخرين أو فقدانها أو الانفصال عنهم. وعلم النفس التحليلي يستعير الكثير من التحليل النفسي في هذا المجال؛ إذ يعرِّف يونج الاكتئاب بأنه إقامة سدٍّ أو عائقٍ في وجه الطاقة النفسية، بسبب مشكلةٍ معينةٍ؛ إما عصابيةٌ وإما ذهانيةٌ، وإطلاق الطاقة يساعد في حل المشكلة.

موقف اكتئابي depressive position

هذا هو المصطلح الذي وضعته ميلاني كلاين لوصف موقفٍ مزدوجٍ؛ أي سلبيٍّ وإيجابيٍّ معًا تجاه أيِّ شيءٍ، وهي تركِّز أولًا على موقف الطفل من الأمِّ باعتبارها مصدر حبٍّ ومصدر خوفٍ معًا، وهو موقفٌ يزداد تعقيدًا على الأيام ويؤدي في نظرها إلى مولد الضمير. ولكن مدرسة علم النفس التحليلي (انظر كتاب صمويلز يونج ومن تلاه ١٩٨٥م)، تقول: إن التوفيق الذي يحرزه الطفل في نهاية العام الأول بين صورتَي الأمِّ يعتبر أول إنجاز في المصالحة بين الأضداد، وهو يرتبط بالمنظور التنموي للذات.

علم النفس العميق depth psychology

يعتبر عام ١٨٩٦م نقطة انطلاقٍ تاريخية للنظرية السيكلوجية وتطبيقاتها، وميلاد ما نسمِّيه علم النفس العميق، حين نشر فرويد بحثًا عنوانه: «عن تعليل الهيستيريا» وما تلاه مما أثبته في عبارته الشهيرة: «من العسير التمييز بين التخيل والذاكرة في اللاوعي». ومن تلك اللحظة، خصوصًا بالتعاون مع يونج، انصبَّ الاهتمام على دراسة اللاوعي. ويونج يقرُّ بفضل فرويد في هذا المجال (في المجلد ١٥ مثلًا) وإن عارضه في نسبة الدافع اللاوعي للجنس وحده، مثلما عارضه آدلر قائلًا بنسبته إلى طلب السلطة والغلبة (أو القوة).

مصيرٌ destiny

التَّطوُّر/التَّنمية development

عادة ما تتضمن آراء يونج عن تطور الشخصية إقامة تركيبٍ بين العوامل الفطرية الخاصة بكيان المرء والظروف التي يجد الفرد فيها نفسه، ويمكن أن ينظر إلى التطور من وجهة نظر علاقة المرء بنفسه أو علاقته بالآخرين أو بالنوازع الغريزية. وتتضمن حركة التطوُّر اتجاهاتٍ تقدميةً وانتكاسيةً معًا، ولكنها دائمًا ذات دلالاتٍ لا يستهان بها.

المثابرة التَّنمويَّة developmental perseveration

يقول يونج في حديثه عن العوامل التي تتحكم في نمط الشخصية الانطوائية أو الانبساطية وميلها إلى أحد الأنماط الوظيفية — وهي التفكير والشعور والإحساس والحدس — إنها ثلاثة عوامل: الوراثة [العامل الفطري] ونمط الأبوين، والمثابرة التنموية؛ أي إن الصبيَّ يكتشف نمطًا وظيفيًّا واحدًا أو أكثر يستطيع به تحقيق النجاح فيثابر على تنميته، وهو ما يؤثِّر في نمط شخصيته عند النضج. (الأنماط السيكلوجية، الفصل الثالث)

العملية الجدلية dialectical process

يقصد يونج أن المحلل يتأثر بحالة المريض مثلما يؤثر فيه؛ فالتحليل النفسي الصادق عمليةٌ جدليةٌ تقوم على الشيء ونقيضه وصولًا إلى التركيب. انظر مادة المحلل والمريض أعلاه.

التَّمييز والفصل differentiation

المصطلح شائع في كتابات يونج؛ ويعني به تمييز الأجزاء عن الكيان الكلِّيِّ، أو استخلاصها أو فصل ما كان مشتبكًا مع غيره في اللاوعي. ومن ثمَّ فيمكننا أن نتحدث عن وجود أجزاء من الشخصية تتمتع بتمييزٍ أكثر من سواها؛ أي إنها متميزةٌ تميُّزًا راسخًا وقائمةٌ في صلب الوعي. ويضرب يونج مثلًا على عكس ذلك قائلًا إن «التفكير غير المتميز لا يستطيع التفكير من دون تدخُّل الوظائف الأخرى — الشعور والإحساس والحدس — فهو مختلطٌ بها، وبالخيالات التي تجيء بها مثل إضفاء الطابع الجنسيِّ على الشعور والتفكير في حالة العصاب.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٣٩)

التفكير الموجَّه والتفكير التخيلي directed and fantasy thinking

يقدم يونج هذين المصطلحين لتحديد شكلين مختلفين من النَّشاط الذهنيِّ وكيف تعبِّر النَّفس بأسلوبين مختلفين عن نفسها (في المجلد الخامس، في الفقرات من ٤ إلى ٤٦) وفيما يلي تلخيص ما يقول. يقول يونج: إن التفكير الموجَّه يعني الاستخدام الواعي للغة ومفاهيمها؛ إذ يقوم أو يُبنى على الواقع الملموس؛ فهو يهدف إلى التوصيل إلى الآخرين ومن أجل الآخرين. إنه لغة الذهن، لغة العرض العلميِّ والمنطق السليم. وأمَّا التفكير التَّخيُّليُّ فهو يستخدم الصور — إمَّا مفردةً وإمَّا بأشكالٍ ذات دلالةٍ — والعواطف، وثمار الحدس، ولا تنطبق عليه قواعد المنطق ولا الفيزياء، ولا الأخلاق. ويمكن وصف هذا التفكير بأنه مجازيٌّ أو رمزيٌّ أو خياليٌّ. ويقول يونج: إن التفكير التخيليَّ قد يكون واعيًا، ولكنه عادةً سابقٌ للوعي preconscious أو نابعٌ من اللاوعي.

متهرئ/مفتَّت disintegrated

وصف يونج الشيزوفرينيا في بحثٍ نشره عام ١٩٣٦م وأعيد طبعه في كتابٍ عنوانه: «العاطفة» عام ١٩٦٦م بأنها تهرؤ الشخصية أو تفتُّتها، وهو يستخدم كلمة أخرى بمعنًى قريبٍ هو fragmentation الذي يترجمه بعض العلماء العرب بالتَّشظِّي، وذلك حتى ينفي دلالتها على تعدد الشخصية أو، على الأقل، وجود شخصيةٍ أولى وشخصيةٍ ثانيةٍ، كما أوضحت في الدراسة. (انظر ص٨٢)

النَّبذ/الطَّرح dissimilation

التفكُّك dissociation

يشير المصطلح إلى التفكيك اللاواعي لما ينبغي أن يكون مترابطًا في الشخصية. بحيث يصبح «المرء منقسمًا على نفسه» (المجلد ٨ الفقرة ٦٢)، وهو ما يعني انهيار إمكان بلوغ المرء مرحلة الكيان الكامل wholeness. ويعتبر التَّفكُّك جانبًا مهمًّا من جوانب العصاب، وقد يتخذ هنا صفة «التفاوت بين الموقف الواعي والتيارات القائمة في اللاوعي» (المجلد ١٦ الفقرة ٢٦). والكبت حالةٌ خاصَّةٌ تمثله، مثل العجز عن التصالح مع النوازع الجسدية، أو مع الظلِّ بصفة عامة. وكان يونج يعتبر التحليل علاجًا ناجعًا له؛ خصوصًا العلاقة الجدلية بين الطبيب والمريض (المبينة عاليه).

السَّائد/المهيمن dominant

حديث يونج عن العقد nodal points باعتبارها عناصر مهيمنةً غير شخصيةٍ — يمثِّل المرحلة الثانية من مراحل فكره الخاصِّ بالأنماط الفطرية. انظر المدخل التالي.

النقاط العقدية المهيمنة dominant nodal points

كان يونج يشير إلى ما يرى أنه بعض العناصر المهيمنة في النفس بتعبير النقاط العقدية، والنسبة إلى العقدة والعقد في العربية — خصوصًا في سياق علم النفس — يمثِّل مشكلةً؛ لأن هذه الترجمة قد توحي بالتسمية الشائعة أو «الشعبية» للمركَّب complex؛ وهو الذي سبق تعريفه في الدراسة وفي المعجم، ولكنَّ الكلمة الإنجليزية المستعملة للإشارة إلى العقدة، وهي node — لا تعني في العلوم الطبيعية غير نقطة التقاء أو نقطة انبثاقٍ، مثل نقطة انطلاق فرعٍ من جذع الشجرة، وهي العقد التي تظهر في الخشب على شكل دوائر، والتعبير العاميُّ المصريُّ «يحط العقدة في المنشار» يعني يتسبب في صعوبة، والمعاجم تشرحها بكلمة knot التي تعني الربطة التي يلتفُّ فيها الحبل التفافًا معقدًا لتثبيت شيءٍ ما. وهذه هي التي نشير إليها بالتعبير الاصطلاحيِّ الإنجليزيِّ to cut the Gordian knot الذي يعني حلَّ مشكلةٍ عويصةٍ بطريقةٍ غير تقليديةٍ؛ إذ تقول الأساطير إن جورديوس ملك فريجيا ابتدع أسلوبًا لتعقيد الحبل بحيث يكاد يستحيل فكُّ عقده، وكانت النبوءة تقول: إن من يستطيع حلَّها سوف يهيمن على آسيا، وحين فشل الإسكندر الأكبر في حلِّها قطعها بسيفه، وهذا المعنى؛ أي العقدة — بمعنى العقبة أو الصعوبة — هو الذي نفهمه من الآية الكريمة: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي (طه: ٢٧–٢٨). وكان تصوُّر يونج للنِّقاط العقديَّة — يمثل المرحلة الثانية من تفكيره الذي أدَّى إلى وضع تصوُّر الأنماط الفطرية.
كان يونج في عام ١٩١٢م يتحدث عن الصور الأزلية، كما ذكرت في الدراسة، وهي التي توصَّل إلى تصوُّر وجودها بناءً على ما اكتشفه في «حياة» اللاوعي عند مرضاه وفي تحليله لنفسه أيضًا. وقد راعه التشابه الشديد بينها؛ فهي أولًا توجد في اللاوعي، وهي ثانيًا ذات طاقةٍ روحيةٍ مسيطرةٍ numinosum وهي ثالثًا تتمتع بالاستقلال. وكان يرى أن هذه الصور ينمِّيها اللاوعي الجمعي. وما إن حلَّ عام ١٩١٧م حتى بدت له هذه الصور الأزلية في شكل نقاطٍ عقديَّةٍ أو عناصر غير شخصيةٍ مهيمنةٍ في النفس، وكان يرى أنها تجتذب الطاقة وتؤثِّر في سلوك الفرد. ولكنه أدرك أن المعنى الذي يريده لا يتمثل في المضمون (وهو ما يوحي به تعبير الصُّور) بل في النسق أو الأنساق التي تتميز بها هذه «الأشياء»؛ فهذه الأنساق يصعب تمثيلها موضوعيًّا؛ لأنها شكلٌ مجردٌ لا شيءٌ مجسَّدٌ؛ ومن ثمَّ عدَّل المصطلح إلى النمط الفطريِّ archetype عام ١٩١٩م، وأصبح يقول إن النمط الفطريَّ قد يتخذ أيَّ مضمونٍ ويرمز لأيِّ شيءٍ ما دام مرتبطًا بحياة الإنسان في كل زمانٍ ومكانٍ، مثل المولد والموت، وعلاقة الأبوة والأمومة، فالعلاقة نمطٌ فطريٌّ أزليٌّ مهما تغير مضمون الأب أو الأم؛ وقس على ذلك الموتيفات التي نجدها في الأساطير والتراث الأدبي والرحلة؛ مثل موتيفة البحث عن شيءٍ (بغضِّ النظر عن الباحث أو المطلوب) وهلم جرًّا.

حلمٌ dream

يقول يونج: «الحلم بابٌ خفيٌّ صغيرٌ في أعمق خبايا النفس وأبعدها، وهو ينفتح على الليل الكوني الذي كان نفسًا قبل أن يوجد أيُّ وعي بالأنا بمدة طويلة، وسوف يظل نفسًا مهما اتسع وامتد وعي الأنا … والوعي يفصِّل كلَّ شيءٍ، لكننا في الحلم نمسي أشبه ما نكون بذلك الإنسان العالميِّ الخالد الحقيقيِّ المقيم في ظلمة الليل الأزليِّ. إنه قائم فيه وما يزال كلًّا كاملًا، والكلُّ الكامل ما يزال فيه، لا يميزه شيءٌ عن طبيعة كلِّ «أنا» مجردة. ومن داخل هذه الأعماق التي يتحدُّ كلُّ شيءٍ فيها يخرج الحلم، ولو بلغ حدًّا لا مثيل له من المظهر الطفوليِّ أو الغرابة المخيفة أو الانحلال الخلقيِّ.» (الحضارة في مرحلة انتقالية، المجلد ١٠، الفقرة ٣٠٤)

[همَّةٌ]/قوَّةٌ دافعةٌ أو حافزةٌ drive

يؤمن يونج بأن الإنسان مدفوعٌ بالفطرة إلى طلب البقاء؛ حتى بفعل غريزة الموت، وهو في هذا يتفق نظريًّا مع ما يقوله هايديجر عن الموت، وكيف ينبغي أن يعي كلُّ من في قيد الحياة بالنهاية المحتومة حتى يضاعف من جهوده لتحقيق ذاته، ولكن هايديجر لم يكن يُرجع ما يسميه ضرورة العزم والحزم resolve إلى قوًى نفسيةٍ أو روحيةٍ بل إلى الوعي بالوجود؛ أي الحضور dasein، وأما يونج فكان منذ البداية مؤمنًا بالروح، كما ذكرت في الدراسة، ويقول في أحد أبحاثه التي ألقاها قبل التخرُّج إنه يؤمن بأن مهمة دراسة الطب النفسي علميًّا إثبات وجود الروح/النفس soul باعتبارها طاقةً متحررةً من الزمن والمكان (ستيفنز ١٩٩٠م، ص١٥٠) وكان يرى أن دراسة هذا الكيان غير المحسوس ماديًّا — كفيلٌ بتبيان دوافع الحياة أو غريزة الحياة التي تضارع في النهاية غريزة الموت. ويقول يونج تعليقًا على أحد أحلامه إن نزوله إلى القبر في ذلك الحلم «كان يمثل زيارة معبدٍ تحت الأرض، وكانت ستائره الخضراء تمثل المروج، أو بعبارةٍ أخرى: سر الأرض الغامض التي تغطيها النباتات الخضراء» (ذكريات وأحلام وتأملات ص١٣) ويقول ستيفنز تعليقًا على ذلك: إن روح النبات في مصر القديمة كان يمثلها أوزوريس ربُّ العالم السفليِّ الذي كان يتحول بانتظامٍ في دائرةٍ من الموت والبعث، وعندما كان أحد المصريين يموت، كان يقال إن روحه عادت إلى أوزوريس (ستيفنز ١٩٩٠م، ص١٠٦) وكان انشغال يونج بمعتقدات المصريين القدماء تعبيرًا عن إيمانه بالروح التي كان يراها وراء الكثير من الدوافع الغامضة (في اللاوعي) للإنسان.

انتقائي eclectic

أي المفكر الذي لا يلتزم بمنهجٍ فكريٍّ لأحد الفلاسفة أو العلماء بل ينتقي من أقوالهم ما يناسبه وحسب. والمفكر الانتقائيُّ إذن عكس المفكر المذهبيِّ (systematic).

الأنا ego

يقول صمويلز في معجمه: «بذل يونج جهدًا جهيدًا في رسم خريطة النفس psyche للتمييز بين مفهوم الأنا عنده ومفهوم فرويد للأنا». ويقول يونج في كتابه «الأنماط السيكلوجية»: «إنني أفهم الأنا باعتبارها مركَّبًا من الأحاسيس التي تمثل مركز مجال الوعي، وتتمتع بدرجةٍ كبيرةٍ من الاستمرار والهوية» (ص٥٤٠). ولكنه يؤكد أيضًا أوجه قصورها باعتبارها أقل من الشخصية الكاملة. فالأنا مرتبطةٌ بالهوية الشخصية، والحفاظ على الشخصية، والاستمرار في الزمن، والتوسط بين مجالَي الوعي واللاوعي، والمعرفة، وما يسمَّى اختبار الواقع، ولكننا يجب أن نرى أنها تستجيب لمطالب كيانٍ أعلى وهو الذات self؛ أي المبدأ التنظيميُّ للشخصية كلِّها. والعلاقة بين الذات والأنا تشبه العلاقة «بين الذي يحرك وما يحركه». (صمويلز، ص٥٠)

محور الأنا والذَّات ego-self axis

الدافع الحيوي élan vital

كان هنري برجسون الفيلسوف الفرنسي (١٨٥٩–١٩٤١م) يقول: إن في داخل الإنسان قوةً أو نزعةً حيويةً، وهي قائمة أيضًا في جميع الكائنات الحية، أما في الإنسان فهي مسئولةٌ عن الإبداع والنمو والتغيُّر ولا بدَّ منها للتطور.

عفريتةٌ/جنِّيةٌ elf

إكسير الحياة elixir

العاطفة emotion

يقول يونج: إن المصطلح مرادفٌ لكلمة affect. (الأنماط السيكلوجية، ص٥٤١)

المنهج التجريبي/التجريبية empiricism

كان يونج يعتبر منهجه في علم النفس تجريبيًّا، بمعنى أنه يستند إلى الملاحظة والتجربة لا على النظريات، وكان يرى أن هذا يمثل عكس التأمل الحدسيِّ speculation أو الأيديولوجي، وكان يرى أن المذهب التجريبيَّ يتمتع بمزية تقديم الحقائق بأكبر دقةٍ ممكنةٍ على الرغم من طابعه المحدود؛ أي عدم تقديره لقيمة الأفكار. وكان يقول: إن المذهبين عقلانيان.

التفاعل مع النمط الفطري enactment

المعنى المعجميُّ للفعل enact والاسم منه enactment سن القوانين، ومعناه الآخر الأقلُّ شيوعًا هو التمثيل بمعنى تحويل الفكرة إلى حدثٍ، ولكن يونج يستخدمه بمعنى يكاد يشبه to act out أي يتيح التفعيل بمعنى قريبٍ من abreaction؛ أي إعادة عيش خبرةٍ معينةٍ، ويونج يعني بالمصطلح أن يدرك المرء وجود المنبِّه الذي أدَّى إلى تنشيط النمط الفطريِّ وأن يقبله وأن يتفاعل معه، محافظًا على سيطرة الأنا، ومن ثمَّ يسمح لمعنى النمط الفطريِّ «المجازيِّ» بأن يظهر في صورةٍ شخصيةٍ وفرديةٍ.

الانقلاب إلى الضد/المسار المضاد enantiodromia

يقول يونج: إن هذا قانونٌ نفسيٌّ وضع هيراقليطس معناه المعروف، ألا وهو أن كلَّ شيء يتحول إلى ضدِّه عاجلًا أو آجلًا، ويعرِّفه يونج (مقتبسًا قولًا لهيراقليطس نفسه) قائلًا: «إنه المبدأ الذي يحكم جميع دورات الحياة الطبيعية، من أصغرها إلى أكبرها» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٤١) كما أضاف إلى ذلك مقولةً اشتهرت؛ ألا وهي: «لا يستطيع أن يفلت من قانون الانقلاب إلى الضدِّ — وهو قانونٌ جهم الطلعة — إلا من يعرف كيف يفصل ذاته عن اللاوعي» (المجلد ٧، الفقرة ١١٢). فإن عدم الانفصال يؤدي إلى الاعتماد المبالغ فيه على آلية التنظيم الذاتيِّ، وهو ما يؤدي إلى تجاهل سيطرة الأنا. ويونج يكثر من الإشارة إلى ظاهرة الانقلاب إلى الضدِّ، ويؤمن بأنها حقيقيةٌ لا رمزيةٌ؛ فهو ينسب إليها (باعتبارها قانونًا طبيعيًّا) كلَّ تغيُّرٍ في اللاوعي لا يقابله تغيُّرٌ في الوعي، وهو يستند إليها في بناء مفهومه لما يسميه التعويض المشار إليه آنفًا؛ بمعنى أن التعويض الذي يأتي بالاتزان — يمنع الانقلاب إلى الضدِّ في غفلةٍ من الأنا. (عن سيكلوجية اللاوعي، في المجلد ٧، الفقرة ١١٥)

طاقة energy

كان يونج يستعمل هذا المصطلح مرادفًا لمصطلح ليبيدو libido (المجلد ٦، الفقرة ٧٧٨)، ويقول الشُّرَّاح: إن الطاقة النفسية محدودةٌ، ويمكن تدميرها، وفي هذا الصدد توازي أفكار يونج نظرية الليبيدو عند فرويد، وأمَّا مثار الخلاف فهو الطابع الجنسيُّ الخالص الذي ينسبه فرويد إلى الليبيدو، أو إلى الطاقة النفسية. أمَّا تصوُّر يونج فأقرب إلى أن يكون شكلًا من أشكال طاقة الحياة، ذات الطابع المحايد. فهو يبين أن الطاقة النفسية في المراحل «قبل الأوديبية» للتطور، تتخذ عدة أشكالٍ؛ من بينها الشكل التَّغذويُّ وما لفَّ لفَّه، ويمكن استعمال الطاقة النفسية باعتبارها جسرًا يصل ما بين التطوُّر البدني في مناطق معينةٍ والعلاقات مع الآخرين. (صمويلز، ص٥٤)

تضخم [الشخصية] enlargement

يقول يونج في الفصل الثاني من «الظواهر الناجمة عن استيعاب اللاوعي» (في المقالة الثانية من كتابه: «مقالتان عن علم النفس التحليلي»، وهو المجلد ٧، بتاريخ ١٩٢٨م): إن استيعاب اللاوعي يؤدي إلى ظواهر بغيضةٍ وواضحةٍ في الكثير من الأشخاص مثل الثقة في النفس المبالغ فيها «فهم يعرفون كلَّ شيءٍ، ويتصورون أن لديهم إحاطةً كاملةً بكل ما يتعلق باللاوعي عندهم». وعلى العكس من ذلك يشعر آخرون بالانسحاق تحت وطأة اللاوعي عندهم، ويفقدون ثقتهم بأنفسهم. ففي الحالة الأولى يؤدي هذا التضخم إلى «انتفاخ» معيبٍ inflation وجنون العظمة megalomania وفي الثانية إلى الإحساس بالدونية والانسحاق. (المختار من كتابات يونج، ص٨٣–٨٤، حتى ١٠٣)

قواعد التطور في النشأة epigenic rules

هذا مصطلحٌ مشتقٌّ من أصلٍ ذي معانٍ مختلفةٍ حسب المبحث العلمي الذي يستخدم فيه، فأمَّا المعنى الذي يستخدمه فيه يونج فهو المعنى البيولوجي الذي يقول: إن الجنين يتطور develops باكتساب إضافاتٍ لم تكن موجودةً فيه أصلًا، وهذه النظرية مضادةٌ لنظرية التشكيل السابق [أي إن الجنين يحمل منذ البداية كلَّ خصائصه] preformation وأمَّا الأصل أو الاسم الذي اشتقَّت منه الصفة فهو epigenesis الذي يعني التشكيل أو الوجود اللاحق، ودلالته الأولى جيولوجية، حيث يعني التحوُّل في طبيعة المعادن الموجودة في الصخور على مرِّ الزمن، والصفة منه epigenetic كما يشير الأصل في الدراسات الطبية إلى ظهور أعراضٍ لاحقةٍ، أو حتى إلى الأعراض الثانوية نفسها، وأمَّا في علم النبات فنجد صورةً صرفيةً أخرى يمكن أن نعتبرها أصلًا وهي epigeal؛ أي (فوق سطح الأرض epi = فوق، ge الأرض) وفي علم الحيوان تطلق على ما يعيش ويقتات منها قرب سطح الأرض، وفي اللغة اسمٌ يطلقٌ على أية فئةٍ من هذه الفئات وهو epigene والصفة epigenous.

التَّوازن/الاتِّزان equilibrium

إيروس Eros

إيروس ربُّ الحبِّ في الأساطير اليونانية، والصفة من الاسم في الإنجليزية تشير إلى الجنس erotic مثلما يشير الإنجليز (لا الأمريكان) إلى الجماع بتعبير love-making والخلط قديمٌ، ويظهر في تعبير courtly love الذي يترجم بالحبِّ الرفيع وإن كان يعني العكس تمامًا (انظر كتابي: «الترجمة الأدبية» ١٩٩٧م). وقد درج الشارحون على إقامة ترادفٍ بين الشعور feeling وبين إيروس، وهو ما لا يقصده يونج، ولكنه من تأثير الأعراف التي تنسب إلى المرأة الميل إلى العاطفة emotion أكثر من الرجل، وهذا أيضًا من أخطاء التقاليد التي يصعب التغلب عليها.
وأما ما يعنيه يونج بمصطلح إيروس فهو مبدأ العلاقة النفسية، وهو يميل أحيانًا إلى القول بأنها أقرب إلى طبع الأنثى منها إلى طبع الذكر، وإن ما يقابلها هو لوجوس logos الذي يعني العقلانية باعتبارها أقرب إلى طبع الرجل، ولكنه يحرص دائمًا على أن يؤكِّد أن هذا التقسيم مبنيٌّ على الحدس، ومن المحال إثباته علميًّا أو تعريفه تعريفًا دقيقًا، بل ويكرِّر القول: إن «إيروس» و«لوجوس» يوجدان في كل إنسان بغضِّ النظر عن اختلاف الجنس. وقد أضاف جوجنبول-كريج (الذي أشرت إليه من قبل) تفسيرًا طريفًا يحاول فيه تعميم معنى إيروس عند يونج قائلًا إنه يتضمن الإبداع والحبَّ الفطريَّ [في كتاب له بعنوان: «إيروس على عكازين» ١٩٨٠م] ومؤكِّدًا أنه قائم في اللاوعي عند الجميع.
ولكن المهم في هذا الصدد هو تمييز يونج بين حاجة المرأة إلى إيروس — بمعنى العلاقة النفسية — والمعنى الشائع للمصطلح بمعناه الجنسيِّ؛ إذ يؤكِّد يونج التمييز بين إيروس والجنس حتى وإن لم ينفصلا انفصالًا كاملًا في جميع الأحوال كما يقول، ونستطيع أن نفهم موقف يونج فهمًا أوضح إذا وضعناه في سياق المناظرة العامة حول ما أسماه فرويد: «غريزة الموت» مقابل «غريزة الحياة»؛ إذ كان فرويد يرى أن «غريزة الحياة» تتماهى مع إيروس، وأنها تعني إقامة العلاقات الأساسية والحفاظ عليها. ويرى أن «غريزة الموت» تنحصر في هدم هذه العلاقات، ويخصص يونج جانبًا كبيرًا من كتابه: «مقالتان في علم النفس التحليلي» لنقض هذا التضادِّ، قائلًا: «المنطق يقول: إن عكس الحبِّ الكراهية، وعكس إيروس الخوف phobos؛ ولكنَّ عكسه من الزاوية النفسية ما يكمن في اللاوعي من إرادة السلطة» (المجلد ٧، الفقرة ٧٨). فلقد كان يونج يؤكِّد (في هذا الكتاب وغيره) أن إيروس القائم في اللاوعي يجد التعبير عنه في الدافع إلى اكتساب السلطة، فإذا افترضنا وجود امرأةٍ يتملكها الأنيموس أو لا علاقة لها بإيروس — فلنا أن نفسر أفعالها؛ لا بأنها «غير منطقية»، بل بأنها خاضعةٌ لدافع اكتساب السلطة. وهو يقترب في هذا التحليل من موقف آدلر، وتقول بني شورتر إن التحولات الحديثة في أوضاع المرأة تدلُّ على أنها أقرب إلى محاولة اكتساب حقِّها في السلطة، وأن ذلك لا يتعارض مع ما فطرت عليه من طلب العلاقة النفسية التي يقول بها يونج. (صمويلز، ص٥٥–٥٦)

علم الأخلاق/مجموعة المطالب الأخلاقية ethics

كتب إريخ نيومان Erich Newmann في عام ١٩٤٩م كتابًا عنوانه: «أصول الوعي وتاريخه»، وكتب يونج تصديرًا للطبعة الألمانية قبل ترجمته إلى الإنجليزية ونشره عام ١٩٥٤م، وهو مخصَّصٌ لمناقشة الجوانب الأخلاقية لعلم النفس العميق. ويقول يونج في ذلك التصدير إن القانون الأخلاقيَّ لأي شخصٍ يعبِّر عن حقيقةٍ نفسيةٍ قد تخضع وقد لا تخضع للتأمل وللأحكام الصادرة من اللاوعي لديه. ويضيف قائلًا: إن تنمية الوعي تتطلب نظراتٍ عميقةً ومراعاةً للفكر الديني بحيث يتمكن المرء من رؤية الأشياء من زاويةٍ شخصيةٍ وزاويةٍ عالميةٍ في الوقت نفسه، ومؤكِّدًا أن ذلك سرُّ الأخلاق.

دراسة السلوك/دراسة سلوك الحيوان وتطوُّره ethology

ويستخدم المصطلح أحيانًا في الإشارة إلى تعامل الأحياء مع البيئة؛ أي bionomics والمقصود علاقات الكائنات الحية بما حولها، سواء أكان عالمها الخاص umwelt أم النظام البيئي ecology بصفةٍ عامَّةٍ.

الشَّرُّ evil

لم يكن موقف يونج من الشرِّ موقفًا فلسفيًّا بل براجماتيًّا؛ أي عمليًّا وواقعيًّا بمعنى أنه كان تجريبيًّا؛ أي إنه كان يتصدَّى لتحليل نظرة الفرد فيما يراه شرًّا أو خيرًا عندما يجتهد لعلاجه من مرضٍ نفسيٍّ ما؛ فالقول بهذا أو بذاك أمرٌ شخصيٌّ من الزاوية النفسية، ولكنه ليس نسبيًّا، فعلى البشر أن يتعاملوا مع الشرِّ باعتباره شرًّا ذا سلطان وغموضٍ شيطانيين.

ولكن من يقرأ كلام يونج يجد كثيرًا من الفكر الفلسفي؛ إذ يقول: ليس الشرُّ والخير كائنين بل أحكام نصدرها على أشياء وأفعالٍ، وهذه الأحكام حقيقيةٌ من الناحية النفسية، ونحن نجسِّد حقيقتها بالرموز، سواء أكانت دينيةً أم علمانيةً. فالذي يهمُّ يونج لا الحكم بالخير أو بالشر بل عواقب هذا الحكم على صحة المريض النفسية.

ويذكر جيمز هايسيج Heisig في كتابه: «دراسة سيكلوجية الدين عند ك. ج. يونج» (١٩٧٩م) إن يونج ناقش طبيعة الشرِّ في عدة رسائل متبادلةٍ مع قس إنجليزي يدعى فكتور هوايت ولكنهما اكتشفا استحالة التوفيق بين آرائهما.

استكمال بالاستقراء/التقدير بناء على بيانات extrapolation

هذا منهجٌ من مناهج العلوم الطبيعية الحديثة، وهو يطبَّق في الإنسانيات أيضًا، على ما في هذا من تجاوزٍ أو اقتراف أخطاء طفيفةٍ؛ مثل القطع بصحة نتيجةٍ إحصائيةٍ معينةٍ بشرط ألا تتجاوز نسبة الخطأ حدًّا معيَّنًا. والباحثون في الفوارق بين الجنسين يلجئون إلى هذا النوع من التقدير أو الاستنباط.

(الشخصية) الانبساطية extraversion

يقول يونج: «الانبساطية تعني توجُّه الليبيدو [أي الطاقة النفسية] إلى الخارج. وأعني بهذا المفهوم وجود صلةٍ واضحةٍ بين الذات والموضوع بمعنى وجود حركةٍ إيجابيةٍ للاهتمام الذاتيِّ نحو الموضوع [المقصود بالذات subject هو الشخص وبالموضوع object الشيء أو الآخرين]؛ فكلُّ من يتسم بالانبساطية يفكر ويشعر ويفعل ما يفعله في إطار علاقته بالأشياء وبالآخرين، بل وبطريقةٍ مباشرةٍ، وتسهُل ملاحظتها، بحيث ينتفي كلُّ شكٍّ في اعتماده الإيجابيِّ على الأشياء. وهكذا، فلنا أن نقول من زاويةٍ معينةٍ إن الانبساطية تعني نقل الاهتمام إلى الخارج من الذات إلى الموضوع. وإذا كانت الانبساطية ذهنيةً، فإن الذات يرى أنه داخل الموضوع، وإذا كانت الانبساطية شعوريةً فإن الذات يشعر أنه في داخل الموضوع، والحالة الانبساطية تعني التحكُّم القويَّ، وإن لم يكن خالصًا من جانب الموضوع. وللمرء أن يتحدث عن انبساطيةٍ فعالةٍ عندما تكون عامدةً وتمليها الإرادة، وعن انبساطيةٍ سلبيةٍ عندما يفرضها الموضوع؛ أي عندما يجتذب الموضوع اهتمام الذات بنفسه ورضاه ولو كان ذلك ضدَّ قصد الذات. فإذا أصبحت الحالة الانبساطية معتادةً — ظهر النمط الانبساطيُّ [للشخصية].» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٤٢–٥٤٣)
ملاحظةٌ: ينفرد مري ستاين Stein في كتابه: «خريطة الروح عند يونج» [١٩٩٨م] ٢٠١٠م، بتقديم هجاء مختلفٍ للكلمة وهو extroversion انظر معجمه الصغير ص٢٣٣، دون إبداء أسبابٍ لاستبدال اﻟ o باﻟ a.

جنِّيَّةٌ Fairy

الحكايات الخرافية fairy tales

يقول يونج: إن هذه قصص تمثل اللاوعيَّ الجمعيَّ، وتظهر في الحقب التاريخية والسابقة للتاريخ، وتصوِّر السلوك غير القائم على التعلُّم البشريِّ وحكمة النوع البشريِّ. وتتجلى في الحكايات الخرافية موتيفات متشابهةٌ في أماكن تفصلها مساحاتٌ شاسعةٌ وحقبٌ مديدةٌ، وهي تقدم أفكارًا دينيةً وأساطير إلى جانب الرموز التي تساعد مضمون اللاوعي على الانتقال إلى الوعي، ثم تفسَّر وتندمج فيه. وقد وجد يونج أثناء بحوثه في الشيزوفرينيا أن هذه الأشكال النمطية للسلوك والموتيفات تظهر في الأحلام، وفي الرؤى، وفي نظم الهذيان عند المجانين بغضِّ النظر عن التقاليد. ولما كانت هذه الحكايات تنشأ من ثيمات الأنماط الفطرية فقد افترض يونج أن المقصود بها لم يكن التسلية بل الحديث عن القوى الغامضة التي يخافها الإنسان لقوتها وخفائها، قائلًا: إن صفاتها قد أسقطت على أشخاصٍ وأشياء وأحداث في الأساطير الخرافية myths كما أسقطت في الأساطير التاريخية legends على حياة شخصياتٍ تاريخيةٍ. وهكذا كان يونج يقول: إن السلوك القائم على الأنماط الفطرية يمكن دراسته استنادًا إلى الحكايات الخرافية أو عن طريق التحليل. وأهم من طبَّق نظرية يونج الباحثة فون فرانز Von Franz التي درست الحكايات الخرافية بصفتها «أنقى وأبسط تعبيرٍ عن العمليات النفسية في اللاوعي الجمعي» (١٩٧١م).

وهمٌ/تخيُّل fantasy

يعرِّفه يونج بأنه تيارٌ متدفقٌ أو مجموعةٌ متحركةٌ من الصور والأفكار داخل النفس اللاواعية، وتشكِّل أهمَّ ما تتميز به من نشاطٍ. وهي تختلف عن الفكر والمعرفة، ويقول يونج إنها تتمتع في البداية بالاستقلال؛ أي إنها تعتبر منفصلةً عن وعي الأنا، على الرغم من إمكان التواصل معه. ويميز يونج بين المادة التي تستخدمها التخيلات — والتي ربما كانت مستمدَّةً من الواقع — والتحوُّل الذي يصيبها حين تنتقل إلى اللاوعي، كما يتحدث عن تدخُّل التخيلات في حياة الفرد الواعية، قائلًا: إن الصور أهمُّ مكوناتها، ويتحدث بالتفصيل عن تأثير هذه الصور في نفس المرء وسلوكه. ويضيف أن تخيلات الفنانين الإبداعية تنتمي إلى الرؤى المستمدَّة من أعمق أنواع «الحكمة» النفسية وأقدمها. (صمويلز، ص٥٨–٦٠)

الأب father

الشعور feeling

يقول يونج: «أعتبر الشعور من بين الوظائف النفسية الأربع، ولا أستطيع تأييد المدرسة السيكلوجية التي تعتبر الشعور ظاهرةً ثانويةً تعتمد على «أساليب العرض» أو الأحاسيس sensations، لكنني — مع هوفدينج Hoffding وفونت Wunt وليمان Lehmann وكولبه Kulpe وبلدوين Baldwin وغيرهم — أعتبر الشعور وظيفةً مستقلةً ومن نوعٍ خاصٍّ. والشعور في المقام الأول عملية تحدث بين الأنا ومضمونٍ ما، وهي تضفي على هذا المضمون قيمةً معينةً، من حيث القبول أو الرفض (الإعجاب أو النفور)، ولكنَّ الشعور يمكن أن يظهر مستقلًّا في صورة «مزاج» بغضِّ النظر عن محتويات الوعي العابرة أو الأحاسيس العابرة» (ص٥٤٣).
والشعور إذن عمليةٌ ذاتيةٌ بحتةٌ، كما أنه نوعٌ من الأحكام، وعندما يشتدُّ تركيز الشعور ويتكثف يصبح عاطفةً. والشعور «البسيط» المعتاد ملموسٌ أو محسوسٌ، ويمكن أن نطلق عليه إحساسًا شعوريًّا feeling-sensation وهو الامتزاج الذي يظهر في حالة العصاب، ولا يستطيع التفكير (أو الفكر المجرد) أن يصف الشعور؛ فالتفكير وظيفةٌ مستقلةٌ تتعلق بالمضمون. والشعور يتعلق بالقيمة، والشعور الفعال وظيفةٌ موجَّهةٌ، أو فعلٌ إراديٌّ مثل نشأة الحبِّ في القلب. وأمَّا كون المرء محبوبًا فهو وصفٌ للحال وحسب. «فإذا كان الموقف الشامل للفرد توجِّهه وظيفة الشعور، فلنا أن نتحدث عن شخصيةٍ ذات نمطٍ شعوري.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٤٣–٥٤٧)

الشعور النافذ feeling-into

يقول يونج: المعنى نفاذ الشيء إلى داخل الأنا. (انظر الدراسة)

أنثى female

(انظر مدخل الجنس أدناه).

نسوي/أنثى/أنثوي feminine

امرأة مهلكة femme fatale

المعنى أن امرأةً ما قد تتميز بجاذبيةٍ لا تقاوم، ولكنَّها تأتي لحبيبها بالبلايا. (انظر مقدمة الدراسة)

الأنثى الملهمة femme inspiratrice

(انظر الفصل الأخير من الدراسة).

التخمر fermentation

(انظر فصل الخيمياء).

الولع المرَضي/التعلق الشاذ fixation

يقول معجم صمويلز: «ما دام مفهوم التعلُّق الشاذِّ يفترض سلفًا وجود مسارٍ محدَّدٍ وجدولٍ زمنيٍّ متفقٍ عليه للتطور النفسي، بحيث يمكننا أن نقيس عليه «الشذوذ» عنه؛ أي الاختلاف معه؛ فإن هذا المصطلح لا يظهر كثيرًا في علم النفس التحليليِّ. وما دام يونج قد تخلَّى أيضًا عن اتخاذ مذهب اختزاليٍّ بحتٍ، فإنه لا يؤكد أيضًا مفهوم «نقاط التعلُّق الشاذِّ». وربما كانت التطورات الثلاثة الكبرى التي شهدها التحليل النفسي منذ أن قدَّم فرويد نظريته البنيوية (سيكلوجية الأنا، والعلاقات الموضوعية؛ أي بالآخرين، وسيكلوجية الذات)، تعتبر ابتعادًا عن التعلُّق الشاذِّ. فمن زاوية التحليل النفسي نجد أن الباحثين المعاصرين يزداد تركيزهم على تحليل الدفاعات (سيكلوجية الأنا) والعلاقات (العلاقات الموضوعية؛ أي بالآخرين) والمعنى (سيكلوجية الذات).» (ص٦٠)

أحمق/مضحك الملك [شيكسبير]/مهرج fool

(انظر مدخل المخادع trickster أدناه).

متشظٍّ/مصاب بالتشظي/مفتَّتٌ fragmented

قطع مفتَّتة/شظايا fragments

(انظر تعريف الشيزوفرينيا).

التداعي الحرُّ free association

(انظر association أعلاه).

وظيفة/عمل/مهمة function

يقول يونج: إن للنفس أربع وظائف؛ هي التفكير والشعور والإحساس والحدس، ويقول: إن كلَّ نمطٍ من نمطَي الشخصية (الانطوائية والانبساطية) يغلب عليه أداء إحدى هذه الوظائف؛ فقد تكون انطوائيةً يغلب عليها الشعور (انظر feeling أعلاه) أو الجمع بين الإحساس والشعور، وهلم جرًّا.

النَّفس/الرُّوح/العقل (ألمانية) Geist

النوع (من ذكر أو أنثى)/الجندر gender

لم يكن يونج يفرق بين كلمة جندر وكلمة sex؛ أي الجنس؛ فالتقاليد والأعراف تميز بين الجنسين؛ فتسمِّي أحدهما ذكرًا وتسمِّي الآخر أنثى، ولم ينتفِ هذا التمييز بل ما يزال قائمًا في لغة الإعلام بإضافة صفة الخشن إلى الأول واللطيف (أو الناعم إلى الثاني)، وأمَّا في الدراسات الأكاديمية فإن جندر تشير إلى الفصل القائم ثقافيًّا بين المذكر والمؤنث. وأنا أعرِّب كلمة جندر؛ وفي النفس شيءٌ منها، بعد أن أعيتني الحيل في مواجهة الرافضات لوصفهن بالإناث؛ فمنهن من يصررن على أن جندر الأجنبية تعني «النوع الاجتماعيَّ»؛ أي حرفيًّا social kind اهتداءً بالقول المأثور عن سيمون دي بوفوار «الشخص لا يولد امرأةً بل إنه يصبح امرأةً» ومعنى النوع الاجتماعيِّ، على ضوء كلام دي بوفوار أن المجتمع أو التقاليد، وربما الأعراف، (المقصودة في الفعل الذي يفيد التحوُّل) هي التي تتحكم في جنس المرأة، بغضِّ النظر عن الحقائق البيولوجية، ومنهنَّ من يعارضن بشدَّةٍ وحدَّةٍ المقولة التي جعلنها الشيطان المجسَّد؛ ألا وهي: «طبيعة الجسم تحدِّد المصير» anatomy is destiny؛ فكأنما كون المرأة أنثى مصيرٌ مدلهمٌّ لا بدَّ من كسر قيوده والتحرر منه، ومنهنَّ من سككن كلمةً جديدةً من الجنس على وزن الخئولة والعمومة هي «الجنوسة»، وهي كلمةٌ تفيد «حالة الجنس» ولا تنفيها مثل الأمومة والأنوثة والذكورة والعنوسة وغيرها؛ (ناهيك بجرسها الموحي ﺑ «الجموسة»؛ وهي الكلمة العامية للجاموسة) أضف إلى ذلك احتمال اعتبارها معرَّبةً عن gamos بمعنى الزواج (اليونانية الأصل) أو genos اليونانية التي اشتقَّت منها genus. فنحن ما نزال ندور في فلك الجنس. وأما المقصود في الواقع فهو الدور الاجتماعيُّ أو الثقافيُّ الذي يضاف إلى كلٍّ من الرجل والمرأة طبقًا للتقاليد والأعراف التي تختلف من بلدٍ إلى بلدٍ، ومن زمنٍ إلى زمنٍ، ومعنى الإضافة هو أن هذا الدور ليس فطريًّا بل هو من إنشاء البشر ويمكن تغييره، بل لقد تغيَّر فعلًا على امتداد القرن العشرين، وكنت قد أجريت فحصًا دقيقًا للنصوص الإنجليزية التي نقرؤها في الصحف ونسمعها في أجهزة الإعلام الأجنبية أثناء عملي في الأمم المتحدة في التسعينيات وخصوصًا ما كنا نترجمه إلى العربية في تلك المنظمة الدولية، وجمعت ما وجدته مهمًّا من هذه النصوص لأرى المقصود بكلمة جندر وحدها وفي المركَّبات التي تستخدمها، ولخصت النتائج في كتابي «مرشد المترجم» (٢٠٠٠م)؛ إذ اكتشفت أن المقصود إمَّا المرأة وإمَّا العلاقة بين الجنسين، في التعابير التالية مثلًا gender issues؛ أي قضايا المرأة مثل questions of gender أو gender-specific؛ أي الخاصَّة بالمرأة أو بالرجل، أو gender studies؛ أي دراسة أوضاع المرأة، أو مثل gender discrimination؛ أي التمييز بين الرجل والمرأة، والأمثلة كثيرةٌ، وفي كل حالة من هذه الحالات يؤكِّد السياق المعنى الذي يقصده الكاتب، وهل يتصور أحدٌ أن gender studies تعني دراسة أوضاع الرجال؟ إنها تعني إمَّا المرأة، كما ذكرت، أو العلاقة بين الرجل والمرأة.
ولكن الترجمة لم تأتِ بالحلِّ الذي يسعد أصحاب المذهب النِّسويِّ اللائي يتصورن أن المرأة لن تنال حقوقها [الإنسانية] كاملةً إلا إذا ألغى الكتَّاب التذكير واهتموا إمَّا بالضمائر المحايدة أو المؤنثة، فنشأ في أمريكا من يدعون إلى الإشارة إلى كل إنسان بتعبير gender person وأصبح الكتَّاب يمتنعون عن الإشارة إلى القارئ مثلًا بضمير المفرد الغائب المذكر بل بضمير الجمع، كالمثال التالي:
The main idea in the article may be found odd by the reader, but the conclusion should please them.
قد يجد القارئ غرابة في الفكرة الرئيسية في المقال، ولكن الخاتمة لا بدَّ أن تسرَّه [تسرهم في الأصل].
ويعمد كتابٌ آخرون (من الذكور) إلى الإشارة المذكورة بضمير المؤنث [تسرها]، ومن الطبيعي في اللغة العربية وغيرها من اللغات التي يتفق الفعل مع الاسم فيها تذكيرًا وتأنيثًا إما أن يترجم المترجم reader إلى القارئة وأن يجعل الفعل تجد (بدلًا من يجد) وإما أن يتجاهل التأنيث ويستبقي تذكير الفعل والضمير.

وكثيرًا ما أهمَّني عدم وجود كلمةٍ تطابق جندر تمام التطابق في الفصحى، أمَّا في العاميَّات العربية فنحن لا نحتاج إليها؛ إذ نستخدم التأنيث والتذكير بحرية، وأمَّا في العربية التراثية فوجدت كلمة «زوج» التي تطابق جندر، فهي تطلق على الرجل والمرأة بمساواةٍ تامَّةٍ في القرآن الكريم مثلًا؛ إذ نجدها في ٨١ آيةً؛ خمس منها في صورة الفعل، و١٧ في صورة الاسم المفرد، ومثنى في سبع آياتٍ، والجمع [منفصلًا أو متصلًا] في ٥٢ آيةً. ولكن كلمة «زوج» تعني في ذاتها الواحد/الواحدة والاثنين/الاثنتين، ولهذا صعبت مرادفتها بالجندر: فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (المؤمنون: ٢٧) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (النَّجم: ٤٥)، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (القيامة: ٣٩).

وأما في اللغة الإنجليزية فإن المعنى الأول لكلمة gender هو التأنيث والتذكير، وجميع استعمالاتها في المعاجم الحديثة (٢٠١٤م) تتعلق بالدلالة نفسها، فمنها جاء فعل له اسم مفعول هو gendered؛ أي خاص بأحد الجنسين، والاسم genderless؛ أي لا ذكر ولا أنثى، والمركب gender bender؛ أي من يتزيَّا بزي الجنس الآخر ويسلك سلوكه، وهذا بخلاف gender reassignment؛ أي من يقوم بتغيير جنسه من رجل إلى امرأة أو العكس، كما لدينا gender role؛ أي الدور الخاص بكل من الجنسين في المجتمع، كما نجد فعلًا مهجورًا هو to gender بمعنى ينجب، أو يولِّد أو يجامع. وينطبق هذا على الكلمة الألمانية المرادفة لجندر وهي Geschlecht التي تعني أولًا الجنس sex، ثم النوع في الفنون والآداب، وهو ما نستخدم له في اللغة الإنجليزية كلمةً فرنسيةً هي genre دون تغيير نطقها، والألمانية تعني أيضًا العرق أو الأسرة أو الجيل، أو العصر، وأخيرًا التذكير والتأنيث.
تقول بني شورت: «لم يكن ك. ج. يونج وزوجته إيما Emma (١٨٨٢–١٩٥٥م) غير مدركين للتغيرات التي أحدثتها الثقافة في أبناء جيلهما وبناته» (لاحظ في هذا الصدد احتفاءه بالمرسوم البابوي بإقرار الإيمان برفع مريم البتول عليها السلام إلى السماء ووعي إيما القائم على الحدس بالتغير في الصورة الذاتية للمرأة الذي قدِّر له أن يحدث بظهور وسائل منع الحمل الحديثة) ولكنهما كانا على الرغم من ذلك يهتمان اهتمامًا أكبر بما لهذه التفسيرات من تأثيرٍ موازٍ لها في الأفراد والصلات الناجمة عنها بسيكلوجية الذكورة والأنوثة؛ فهما، من زاويةٍ معينةٍ كانا يستبقان التغيرات التي نشهدها اليوم في هويَّة كلِّ من الجنسين، وربما يكونان قد مهَّدا الطريق، إلى حدٍّ ما، لحدوث هذه التغيرات. وكانت مواقفهما تتمشَّى بصفةٍ رئيسيةٍ مع القيم الثقافية في زمانهما في هذا الصدد، ولكن أيًّا منهما لم يعبِّر واعيًا عن تفضيل أحد الجنسين باعتباره فائقًا على الآخر.
«كان عملهما فيما يتعلق بالثنائي المقترن syzygy ذا توجُّهٍ نحو الدور الاجتماعي للرجل وللمرأة، ولكنَّ هذا القول أصبح اليوم مثار شكٍّ (صمويلز ١٩٨٥م)؛ فالعمل الجاري في مجال علم النفس التحليلي يسير في طرقٍ بحثيةٍ متعددةٍ؛ منها البحث في مدى استناد الاختلافات في الدور الاجتماعيِّ إلى جنس الفرد، والآثار السيكلوجية الناجمة عن التغيرات في الدور والمكانة الاجتماعيين، وما إذا كان البحث في الصور التقليدية قادرًا على أن يكشف لنا عن أيِّ شيءٍ حول الأشكال الثقافية التي تتجلى فيها نفسية الأنثى خصوصًا بصورةٍ أوضح، وإمكان وجود روابط بين تعريف الدور الاجتماعيِّ والإبداع.» (صمويلز، ص٦٠ و٦١)

الغنوصيَّة gnosticism

قزمٌ أسطوريٌّ/عفريتٌ صغير الحجم goblin

صورة الرب God-image

المصطلح مستمدٌّ من كتابات آباء الكنيسة الذين يقولون إن صورة الرب imago dei منطبعةٌ في الروح البشرية. فإذا ظهرت هذه الصورة تلقائيًّا في الأحلام والتخيلات والرؤى فإنها تصبح من وجهة النظر السيكلوجية رمزًا للذات، وللاكتمال النفسي. ويقول يونج: «يستطيع المرء إذن تفسير صورة الربِّ … باعتبارها انعكاسًا للذات، أو على العكس من ذلك، تفسير الذات باعتبارها صورة الربِّ في الإنسان.» (علم النفس والدين، في الغرب والشرق، المجلد ١١، ص١٩٠)

الأرباب والربات gods and goddesses

يقول يونج: إن أوائل الأرباب والربات الذين اهتدى الإنسان إليهم باعتبارهم قوًى روحيةً تحكم الكون — يمثلون نسقًا أساسيًّا يتجلَّى في سلاسل من الأساطير التي تجسِّد أنسابهم؛ فالحكايات الأسطورية المنسوجة حولهم ترينا أسلوب عمل الأنماط الفطرية التي يرخي الإنسان الزمام لها من دون أدنى تدخل للوعي في هذا العمل، وعلى العكس من ذلك تتكون الفردية من المواجهة والحوار مع هذه القوى القدريَّة اعترافًا بطاقتها الأولية ولكن من دون الاستسلام لها. (صمويلز، ص٩٥)

الأم العظمى great mother

أدَّت نظرية الأنماط الفطرية التي وضعها يونج إلى افتراضه أن ضروب تأثير الأمِّ في أطفالها — لا تستمدُّ بالضرورة من الأم نفسها باعتبارها شخصًا، أو من خصائص شخصيتها الفعلية، وبالإضافة إلى ذلك وجد يونج بعض الصفات التي يبدو أن الأم تتمتع بها، ولكنَّها تنبع في الحقيقة من بناء الأنماط الفطرية المحيط «بالأمِّ»، والتي يسقطها الطفل عليها.

وأما الأمُّ العظمى فهو الاسم الذي أطلقه على الصورة العامة المستقاة من الخبرة الثقافية الجمعية. فالصورة تكشف عن شمول النمط الفطريِّ، ولكنها تكشف أيضًا عن وجود قطبين؛ أحدهما موجبٌ والثاني سالبٌ، وهما القطبان اللذان ينظم الرضيع حولهما خبرته من الضعف والتبعية المبكرة. أما القطب الموجب فيضمُّ صفاتٍ حسنةً مثل «الرعاية الأمويَّة وحنان الأمِّ، والسلطة الساحرة للأنثى، والحكمة والرفعة الروحية التي تتجاوز العقل؛ وأيَّة غريزةٍ مفيدةٍ أو نازعٍ مفيدٍ، وكلِّ ما هو طيبٌ وحميدٌ، وكلِّ ما يأتي بالإعزاز والحفاظ على الروح، وكلِّ ما يسهم في النمو ويزيد الخصب.» (الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي، الفقرة ١٥٨، ص٨٢)

وأمَّا القطب السالب فيوحي بالأمِّ «السيئة»، أو كما يقول يونج: «أيُّ شيءٍ خبيءٍ سرِّيٍّ خفيٍّ؛ أو هو الهوَّة؛ عالم الموتى؛ أي شيءٌ ملتهمٌ ومغوٍ وسامٍّ، وهو مرعبٌ ولا مفرَّ منه مثل القدر» (المرجع نفسه)

والقضية التي يثيرها يونج هنا سبق أن أثارها في كتابه المبكر: «رموز التحول» ولكنه يتوسع هنا في جانب آخر؛ وهو ما يشير إليه علماء التحليل النفسي باسم «العلاقات الموضوعية؛ أي مع الآخرين» وهي النظرية التي تقول: إن تطور الصبيِّ قد يتعلق بأشياء أو أشخاصٍ تجتذب انتباهه و/أو تلبي حاجةً لديه، ومن خصائصها قدرة الطفل على تقسيم الشيء، splitting وهو ما يرى يونج أنه يحدث للطفل، فقد نجد من الغريب أن يقسم الطفل صورة الأمِّ، ولكنَّ ذلك شائعٌ، كما يقول يونج في جميع الثقافات. [في تراثنا الشعبيِّ المصريِّ يكثر استخدام ما يسمَّى «أمنا الغولة»]؛ ولكنَّ الطفل يتعلم آخر الأمر الربط بين الصورتين المتضادتين.

وكان يونج يؤمن بأن الإناث من الأطفال أقدر على التغلب على هذا الازدواج؛ إذ يرثن طبع الأنوثة الخاص بالأمِّ، وأن الذكور قد يعانون فترةً أطول في طفولتهم قبل تغلبهم على الازدواج المذكور. (المرجع نفسه: الفقرة ١٦٧ وما بعدها)

جماعة/مجموعة group

لم يكن يونج ذا موقفٍ قاطعٍ ممَّا يسمَّى سيكلوجية الجماعة (والعلاج النفسي في مجموعاتٍ)؛ إذ كان يقول: إن الوجود في مجموعة يمنح الفرد «شجاعةً وصبرًا ووقارًا، وهي الصفات التي ما أيسر أن تضيع إن ظل معزولًا»، ومع ذلك فإن مزايا الحياة الجماعية قد تغويه «فتؤدي إلى كبح فرديته.» (المجلد ٨ الفقرة ٢٢٨)

النمو growth

يحافظ يونج على التمييز بين النمو والتطور أو التنمية في رصده لمراحل الحياة النفسية؛ فالنُّموُّ زيادةٌ لا تكاد تختلف عن الأصل نوعًا أو كيفًا، وأمَّا التطوُّر أو التنمية development فيعني التغير من حالةٍ إلى حالةٍ كيفيًّا.

الإحساس بالذنب guilt

يقصد يونج الإحساس بالذنب من الناحية النفسية لا الأخلاقية أو القانونية؛ ومعنى هذا وجود شعورٍ قد تكون له أسسٌ موضوعيةٌ وقد لا تكون. والحالة الأخيرة أهمُّ بسبب الاعتلال الذي تأتي به، ولكن يونج يقول بوجود عواقب وخيمةٍ لعدم إحساس المرء بالذنب الذي يستند إلى أسسٍ عقلانيةٍ. ويقول يونج: إن الإحساس بالذنب يدفع المرء إلى تأمُّل معنى الشرِّ، وهو مهمٌّ مثل تأمُّل معنى الخير، ويضيف قائلًا: «لا يوجد في آخر المطاف خيرٌ لا يستطيع توليد شرٍّ، ولا يوجد شرٌّ لا يستطيع توليد خير.» (المجلد ١٢، الفقرة ٣٦)

الشفاء/التئام الجرح healing

يرجع إلى الباحثة روزماري جوردون (في كتاب) عنوانه: «الموت والإبداع: البحث عن المعنى» (١٩٧٨م) الفضل في التمييز بين استخدام يونج لهذا التعبير بمعنى شفاء الجرح؛ أي التئامه وبين cure الأقرب إلى معنى الشفاء بعلاج طبي؛ فالأول يتضمن الإيحاء بقدرةٍ ذاتيةٍ على الالتئام والثاني يوحي بتدخُّل الطبيب وتأثير أدويةٍ خارجيةٍ. وتشرح الباحثة ذلك قائلةً إن المحلل يبدي قدرًا من التعاطف يساعد المريض على أن يبرأ وحده من علَّته أو بالأحرى وحده إلى حدٍّ بعيد. وكان باحثٌ آخر قد سبق جوردون في الإشارة إلى تفاعل المحلل الذي ربما أصيب بجرحٍ نفسيٍّ هو الآخر أثناء العلاج؛ ومن ثمَّ أتى بمصطلحٍ طريفٍ هو المعالج الجريح wounded healer وهو المفهوم الذي طوَّره جوجنبول-كريج الذي سبقت الإشارة إليه.

الخنثى hermaphrodite

هذه صورة أزلية للجمع بين الذكر والأنثى على مستوى اللاوعي، ويقول يونج إن اليوروبوس uroboros؛ أي صورة الثعبان الذي يأكل ذيله رمزًا لهذه الوحدة بين الجنسين. وعلى الرغم من أن المصطلح يطلق على حالة الجمع المذكورة، وعلى الرغم من العقيدة الخيميائية التي يشار إليها كثيرًا بأنها «الغاية التي يجري من أجلها العمل» — بمعنى التحول النهائي — فالأفضل اعتبارها أندروجين androgyne في نظر يونج. وهذه من المسائل التي كان يعترض عليها؛ لأن الهدف الروحيَّ السامي في نظره للخيمياء ينبغي ألا يعبر عنه رمزٌ ماديٌّ ساذجٌ. فالواضح أن يونج كان يعتبر الجمع المذكور روحيًّا لا جسديًّا.

هرميس المعظَّم ثلاثًا Hermes trismegistus

سفر هرميس Hermes corpus

البطل hero

يمثل البطل موتيفة أسطورية تقابل ذات الإنسان اللاواعية، ويقول يونج إنها «كيان شبه بشريٍّ يرمز للأفكار والأشكال والقوى التي تشكِّل الروح/النفس أو تستولي عليها» (المجلد ٥ الفقرة ٢٥٩) وصورة البطل تجسِّد أقوى طموحات الإنسان وتكشف عن طرائق تحقيقها بأكبر قدرٍ من المثالية. (انظر البطل في الأدب والأساطير للدكتور شكري عيَّاد).

نظام العلاقة بين الجنسين heterosexual system

الزواج المقدس أو الروحي hierosgamos

توجد صور الأنماط الفطرية في أسرار الميلاد الجديد في الأزمنة الماضية، وأيضًا في الخيمياء. والأمثلة المعتادة لذلك تشبيه المسيح والكنيسة بالعريس والعروس Sponsus et Sponsa، وكذلك في الاقتران الخيميائي بين الشمس والقمر. (معجم جافا، ص٣٩٥)

ما وراء السَّاحل/المنطقة الخفيَّة hinterland

المقصود وجود مناطق في الوعي تكاد تنتمي إلى اللاوعي، وهي التي يمكن اعتبارها من اللاوعي القريب من السطح لارتباطها بحياة الإنسان الواعية، وقد تختلط في الأحلام بما يفرزه اللاوعي، ولا بدَّ للمحلل أن يميز بينها وبين إفرازات اللاوعي.

القداسة holiness

ثبات التوازن/الثبات الناجم عن التوازن homeostasis

مثلما كان يونج يؤمن بوجود التضادِّ في جميع ظواهر الحياة النفسية، وهو مبدأ «التعارض الثنائي» binary opposition الذي كان يشترك فيه مع المذهب البنيوي، فإنه كان يولي اهتمامًا بالغًا للتوازن بين الأضداد قائلًا: إن هذا التوازن قد يؤدي إلى التركيب بالمذهب الجدليِّ عند هيجل [أي إن كلَّ قضيةٍ thesis يقابلها نقيضٌ antithesis واجتماعهما يؤدِّي إلى التركيب synthesis] وقد يؤدِّي إلى الاتزان equilibrium من دون التركيب، وفي الحالتين يكون الثبات هو الغاية. والثبات عكس القلقلة أو الزعزعة النفسية mental instability.

الميول الجنسيَّة المثليَّة homosexuality

يقول الشُّرَّاح إن يونج كان ينظر إلى الميول الجنسية المثلية من منظورين هما المنظور البنيويُّ والمنظور التطوريُّ ويرى أنهما قد يتداخلان في تفسير نشأة هذه الميول. أمَّا من المنظور البنيويِّ فيرى يونج أن هذه الميول قد تنشأ من التماهي مع المكوِّن النفسي المضادِّ لجنس الشخص؛ أي مع الأنيما في حالة الذكر، ومع الأنيموس في حالة الأنثى، وأن هذا التماهي يجري في اللاوعي إلى حدٍّ بعيدٍ، بحيث يكتسب الذَّكر الذي يتماهى مع الأنيما في أعماق اللاوعي قالبًا أنثويًّا، وتكتسب الأنثى التي تتماهى مع الأنيموس في اللاوعي قالبًا ذكوريًّا؛ ومن ثمَّ ينشد الأوَّل شريكًا ذكرًا، وتنشد الثانية شريكةً من الإناث. والأول يسقط ذكورته على رجلٍ آخر والثانية تسقط أنوثتها على أنثى أخرى. ويقول: إن هذا الواقع النفسي قد ينطبق على الزواج المعتاد (أي بين الرجل والمرأة). ويقول إن الحالة الأولى قد تتميز بإعلاء شأن الذكورة، أو نشدان صورة الأب في الشريك، وإن الحالة الثانية قد تتميز بشعور الأخوة النسائية التي تربط الإناث بعضهنَّ ببعضٍ.

وأما من المنظور التطوُّريِّ، فيرى يونج أن هذه الميول قد تعبِّر عن نوعٍ معينٍ من العلاقة مع أحد والدي الجنس الآخر. ويعني بهذا حالة مركَّب حبٍّ للأمِّ أو للأب تجاوز حدوده، ولا يستطيع من يعاني منه التعبير عنه ﺑ «غشيان المحارم»، المحظور اجتماعيًّا ودينيًّا؛ ومن ثمَّ فلا تستطيع الطاقة النفسية الكامنة في ذلك المركَّب إلا أن تنطلق في اتجاه الميول المذكورة.

وعندما يتحدث يونج عن الميول الجنسية المثلية باعتبارها ميولًا باطنةً — يشير إشارةً صريحةً إلى قيمتها باعتبارها تمثل جانبًا من جوانب مركَّبٍ إيجابيٍّ، وهو يكتب الفقرة الآتية من وجهة نظر الرجل، ولكنَّه يؤكِّد في الكثير الذي كتبه عن الميول المثلية للمرأة أن ما انتهى إليه ينطبق أيضًا على المرأة. فهو يقول: إن الرجل الذي يعاني من مركبٍّ إيجابيٍّ لحبِّ الأمِّ قد يتسم أيضًا بطاقةٍ كبيرةٍ على الصداقة، وهي التي كثيرًا ما تخلق روابط ذات رقَّةٍ ورهافةٍ مدهشةٍ بين الرجال بل إنها قد تنقذ الصداقة بين الجنسين من غيهب المستحيل. وقد يتمتع بذائقةٍ راقيةٍ وبحسٍّ جماليٍّ يرعاهما الطابع الأنثوي. وإذن فربما كانت لديه موهبة المعلِّم الفائقة بسبب بصيرته وتأدُّبه اللذين يكادان يتصفان بالأنوثة. ومن المحتمل أن يولع بالتاريخ، وأن يكون محافظًا بأفضل معاني الكلمة، وأن يعتزَّ بلحظات الماضي وكثيرًا ما يتميز بثروةٍ من المشاعر الدينية والتقبُّل الروحيِّ العميق للحياة. (الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي، الفقرة ١٦٤، ص٨٦–٨٧)

ويقول صمويلز: إن الكتَّاب المعاصرين من أتباع يونج يصرُّون على أن الميول الجنسية المثلية في ذاتها ليست مرضًا نفسيًّا، زاعمين أن جانبًا كبيرًا ممَّا كُتب عنها ينمُّ على الخوف والتعصب، وأن النظريات الخاصة بها توضع خارج سياق واقع هذه الميول، ومن دون تحليلٍ لها، ولكنَّ كتابًا آخرين يحذِّرون من المبالغة في الاتجاه المضادِّ؛ أي في تمجيد الميول المذكورة أو قبولها باعتبارها نسقًا طبيعيًّا لا غبار عليه (ص٦٩).

المذهب الإنساني humanism

المصطلح حديث نسبيًّا؛ إذ نشأ في غضون الدراسة العلمية للفكر في العصر الحديث؛ خصوصًا في عهد النهضة الأوروبية التي ينتسب إليها هذا المصطلح وانطلاقًا منه، فالمعروف أنه اشتقاقًا يرتبط بأصل هندي أوروبي هو ghom الذي تحوَّل في اليونانية إلى chthon بمعنى الأرض أو أديم الأرض [المحرَّفة من مادة ghthem بالمعنى نفسه]، وهي التي أصبحت تعني الآدميَّ؛ أي الأرضيَّ وتحوَّلت في اللاتينية إلى humanus التي كانت أولًا تعني ابن البشر بسبب معنى الأديم الأصيل فيها، والانتقال إلى البشرية فيها يشبه إطلاق صفة البشرية في اللغة العربية على ابن آدم [والبشرة هي أديمه] فالمجاز واحدٌ في الحالين ثم اتسع معنى الكلمة وتخصصَّ فأعطانا الكلمات التي يرصدها مجدي وهبة في معجمه النفيس، ولكن الذي يهمُّنا هنا — ما دمنا نناقش المصطلح — هو التمييز في الفلسفة وعلم النفس جميعًا بين الإحالة إلى البشر humankind وما يتصف به البشر من خصائص أساسيةٍ مثل العقلانية rationality في تعبيرٍ مثل الإنسان العاقل homo sapiens والميل إلى ارتكاب الأخطاء fallibility أو الطاقة المحدودة، في تعبيراتٍ مشهورةٍ تستخدم فيها الصيغتان humanly وhuman في قولك (كلُّ ما في طوق البشر): all that is humanly possible أو (إنه ضعفٌ بشريٌّ وحسب) it is only a human frailty وبين الإحالة إلى الإنسان باعتباره مجال الدراسة في العصور الكلاسيكية؛ وهي التي يقال إنها كانت من وراء ظهور عصر النهضة بحيث يعني المصطلح المذكور؛ إمَّا هذا المذهب، وإمَّا أيَّ مذهبٍ فكريٍّ يقوم على طبيعة الإنسان ومثله العليا، وخصوصًا الحركة الفكرية العقلانية غير الدينية الحديثة التي تفترض أن الإنسان قادرٌ على تحقيق ذاته والسلوك الأخلاقي والرقيِّ المعنويِّ وما إلى ذلك بسبيلٍ من دون اللجوء للخوارق أو ما وراء الطبيعة.
وبسبب هذا الاختلاط بين المعاني المختلفة لكلمة human وصورها الصرفية، كان الدكتور لويس عوض يعرِّب المصدر الصناعيَّ المشتقَّ منها (إنسانية) فيشير إليه بلفظة هومانية، فذلك من شأنه أن يستبعد الإشارة إلى البشر، أو الظن بأن الإنسانية تعني الشفقة humaneness أو العمل الخيريَّ humanitarian أو العلوم الإنسانية أو الإنسانيات the humanities أو الأنسنة humanization المشتقة من فعلٍ مفترضٍ هو يؤنسن؛ أي يضفي صفة البشر على الجماد أو الحيوان، إلى جانب إيحائه بإضفاء القيم الإنسانية العليا على البشر. ولكن التعريب المذكور لم يشع واضطررنا إلى القبول بالصفة والموصوف نشدانًا لتحديد المقصود وحسب. ويلاحظ القارئ كيف حرصت في ترجمة هذا المصطلح عند يونج على تمييز ما يريده، في الحالات التي يتضح فيها ذلك.

التنويم [المغناطيسي] hypnosis

(انظر الفصل الثاني).

التذكر الفائق تحت التنويم hypnotic hypermnesia

(انظر الفصل الثاني).

هيستيريا/هرع hysteria

الهيستيريا حالةٌ نفسيةٌ مرَضيةٌ تتسم بالميل إلى التَّهيُّج الشعوريِّ، والقلق المفرط، والاختلالات الحسية والحركية، وهذا هو المعنى العام، وأمَّا المعنى الخاصُّ المهمُّ في سياق الطبِّ النفسي (والتحليل النفسي) فهو ظهور اختلالاتٍ بدنيةٍ تشبه الاختلالات العضوية مثل فقدان البصر أو السمع أو النطق أو الشلل، وكان اكتشاف هذه الظاهرة اللاواعية بفضل التنويم المغناطيسيِّ أولًا، خطوةً عمليةً واضحةً تؤكِّد وجود اللاوعي في أواخر القرن التاسع عشر، ويورد الباحثون قصة الفتاة التي وصلت إلى العيادة فوق كرسيٍّ متحركٍ لإصابتها بشللٍ في ساقيها، وعندما وُضعت تحت التنويم طُلب منها أن تنهض وتسير ففعلت؛ وعندها أدرك الطبيب أن الشلل هيستيريٌّ، وحالما أفاقها من النوم — وهي واقفةٌ — انهارت على الأرض؛ إذ عاودها الشلل، ويقول ستافورد-كلارك في كتابه عن الطبِّ النفسي (١٩٦٨م) إنك تستطيع أن تعرف إن كان المرض عضويًّا أو هيستيريًّا بأن تخزَّ الجزء المشلول مثلًا بدبوسٍ، فإذا أحس بالوخز كان الشلل عضويًّا، وإن لم يشعر به كان هيستيريًّا.

ويقول صمويلز: إن يونج لم يختلف مع فرويد في الكثير من آرائه عن الهيستيريا، على الرغم من إضافة تعليقه المعتاد على مبالغة فرويد في تقدير دور العامل الجنسيِّ، وكان يقول مع فرويد إن أعراض الهيستيريا تمثِّل عودة الذكريات المكبوتة بشكلٍ مختلفٍ، وإنها رمزيةٌ ويمكن إيضاحها بالتحليل، وإنها تتسم بفيضٍ إشكاليٍّ من الطاقة النفسية (وهي في العادة جنسية) وإننا يمكن أن نجد تعليل الهيستيريا في الخلفية الشخصية للمريض. ومن الغريب أن يونج لا يضيف اللاوعي الجمعيَّ إلى اللاوعي الشخصي عندما يتحدث عن الهيستيريا، وربما يكون السبب أن معظم ما كتبه في هذا الموضوع يرجع إلى فترة عمله الأولى بالطبِّ النفسي، وهي التي كان كثيرًا ما يناقش فيها نظريات فرويد أو يعرضها. ويمكن تلخيص إسهام يونج في هذا المجال على النحو التالي:
  • (١)

    أثبت اختبار تداعي الألفاظ الدور الرئيسيَّ المنوط بالسرية في الهيستيريا (أي الكشف عن الطابع المحرَّم؛ أي الجنسيِّ للتخيلات الهيستيرية).

  • (٢)

    في الهيستيريا نجد أن ميل النفس الطبيعي للانقسام إلى مركباتٍ مستقلَّةٍ نسبيًّا قد خرج عن السيطرة إلى الحدِّ الذي يغزو فيه أحد المركَّبات أو أكثر من مركَّبٍ واحدٍ جسد الشخص ويتملكه، وبذلك ينشأ شكلٌ من أشكال تفكُّك الشخصية، بحيث يمكن أن تمثِّل الأعراض الجسدية للهيستريا تمثيلًا رمزيًّا أمثال تلك المركَّبات المرَضية.

  • (٣)

    واستعان يونج بنظرية نمطَي الشخصية (الانطوائية والانبساطية) في الخروج بنتيجة تقول: إن الهيستيريا يمكن أن تعتبر خللًا انبساطيًّا (في حين أن الشيزوفرينيا خللٌ انطوائيٌّ). وأمَّا سبب حاجة المصابين بالهيستيريا إلى إشراك الآخرين في صعوباتهم؛ فهو أنهم أسقطوا هذه الصعوبات على العالم الخارجيِّ (ومن هنا جاءت الانبساطية). والتأثير الذي يحدثه المصاب بالهيستيريا في دنياه المباشرة — يدل على الحالة الباطنة للشخص. والمثال البسيط لذلك أن من يعاني شللًا هيستيريًّا (أي غير عضوي) في ساقيه يحتاج إلى مساعدة الآخرين له في المشي. وهل يوجد إثباتٌ أوضح من هذا على حالة النُّكوص للمريض وحاجاته الطفولية غير المشبعة؟

  • (٤)

    كثيرًا ما يتجلَّى في المصابين بالهيستيريا الولوع في الظهور بمظهر القائد، بسبب ما توضحه الفقرة رقم (٣) عاليه. وكان يونج يرى أن هتلر كان مثالًا لهذه الإصابة بالهيستيريا. وقد وصف النازية بأنها «هيستيريا جماعية» بمعنى أن مجموعةً كبيرةً تقسم جانبًا كبيرًا من ذاتها بحيث تصبح وظائفها «خارج السيطرة» وتتزامن ملامح التفكُّك في شخصية هتلر في تلك الحقبة بالتفكُّك الذي أصاب الشعب الألمانيَّ (معجم صمويلز ٦٩–٧٠).

التَّقديم والتأخير hysteron proteron

النفس السفلى/الغريزة id

الكلمة لاتينية تقابل es الألمانية التي ترجمت عنها، والإنجليزية it أي هو أو هي لغير العاقل، وكانت تعني في التحليل النفسي ذلك الجانب من النفس الذي يعتبر مستودعًا للدوافع الغريزية، ولكن يونج كان يفضل استعماله على الليبيدو، وأصبح يعني بهذا أو ذاك مصدر الطاقة الحيوية؛ أي إنه لم يعد يراه خاضعًا لمبدأ اللذة والأماني غير العقلانية، ولكنه استمرَّ يشارك فرويد رأيه في أن نوازعه تتحكم فيها الأنا ego والأنا العليا super ego.

المثال/معنى الصورة/الفكرة المبدئية idea

يكتب يونج في كتابه: «أنماط الشخصية» (المجلد ٦ / ١٩٢١) لا أقل من ألف كلمةٍ ليشرح المعنيين اللذين يستخدم بهما مصطلح الفكرة. أمَّا المعنى الأوَّل فيقصد به دلالة الصورة الموحى بها، وبذلك يبدو ظاهرةً ثانويةً. وأما المعنى الثاني فيتجلَّى لنا حين نعتبرها عاملًا سيكلوجيًّا أوليًّا، فإذا بها لازمةٌ لكل عاطفةٍ ملموسةٍ أو تصوُّرٍ محسوسٍ. يقول يونج:

«أستخدم لفظ الفكرة في الإشارة إلى شيءٍ جرِّد وانفصل عن الصورة المجسدة … ومن ثمَّ فهي تبدو مشتقةً من شيءٍ آخر، وتحديدًا من عوامل أوليةٍ، نتيجةً للتفكير، وهذا يعني أننا نعتبرها شيئًا ثانويًّا، حسبما يعرِّفها فونت Wunt وكثيرٌ غيره، ولكن لمَّا لم تكن الفكرة إلا المعنى الذي صغناه لصورةٍ أزليةٍ، وكانت تمثله رمزيًّا؛ فإن جوهر الفكرة ليس مشتقًّا وحسب، وليس ناتجًا وحسب، وإنما — إذا نظرنا إليه نظرةً سيكلوجية — هو وجودٌ سابقٌ لإمكانيةٍ ما عن الروابط الفكرية بصفةٍ عامَّةٍ. وهكذا فطبقًا لطبيعتها (لا للمعنى الذي وضعناه) تمسي الفكرة عاملًا نفسيًّا سابق الوجود وقادرًا على الحسم. وبهذا المعنى كان أفلاطون يرى أن الفكرة مثالٌ للصورة الأزلية للأشياء، وكان كانط يعرِّفها بأنها «النمط الفطري لاستعمال العقل»؛ ومن ثمَّ فهي مفهومٌ تعاليٌّ؛ لأنه يتجاوز الحدود الخاصة بخبرتنا بالأشياء.» (أنماط الشخصية، ص٥٤٨)

التماهي identification

هذا المصطلح الذي يفيد بناؤه بالعربية التشارك أو الاشتراك؛ يعني التطابق في الماهية [وهي المصدر الصناعيُّ من «ما هو» أو «ما هي» identity] وعادة ما يعني أن شيئًا ما شيءٌ آخر؛ فهو مشتقٌّ من idem اللاتينية التي تعني «الشيء نفسه»، ومنها اشتقت اللاتينية المتأخرة identitas، والتي يقول اللغويون إن بناءها تأثر بكلمةٍ لاتينيةٍ أخرى تفيد الجوهر، وهي essentitas، والطريف أن المصطلح الذي نحن بصدده تشكَّل في الفرنسية أولًا قبل أن يدخل الإنجليزية دون تغيير في الدلالة، ولكنَّ يونج يستخدمه بمعنًى خاصٍّ وهو الإسقاط اللاواعي لشخصية فردٍ على فردٍ آخر، سواء كان الآخر إنسانًا (وهو الأعمُّ) أو قضيةً أو مكانًا أو شكلًا قادرًا على تمكين الفرد المذكور من تبرير وجوده أو أسلوب وجوده. وهو يعتبر التماهي جانبًا مهمًّا من جوانب عملية التطور والنمو، وفي حالات تطرف التماهي قد يصل إلى حدِّ التطابق التامِّ أو التماثل الكامل في الهويَّة (المصدر الصناعي من الضمير هو أو هي)؛ أي identity بل وقد يؤدي إلى التضخم المعيب inflation؛ أي انتفاخ الذات، وأهمُّ ما جاء به يونج هو أن التماهي مع شخصٍ آخر يحول دون التفرُّد individuation ويقول شرَّاح يونج إن التماهي والتحرر من التماهي disidentification قد يجتمعان في النفس حتى بين الكبار. ويستهلُّ يونج تعريفه لهذا المصطلح قائلًا:
التماهي مصطلحٌ يشير إلى عمليةٍ نفسيةٍ تُنتزع الشخصية فيها dissimilated من ذاتها إمَّا جزئيًّا وإمَّا كليًّا. فالتماهي هو اغتراب الذات عن نفسها، ودخولها شيئًا تتنكر الذات فيه إلى حدٍّ ما، فالتماهي مع الأب، على سبيل المثال، يعني عمليًّا قبول ضروب سلوك الوالد وأخلاقه، كأنما كان الابن والأب فردًا واحدًا لا شخصين. ونحن نميز بين التماهي والمحاكاة استنادًا إلى أن التماهي عمليةٌ لا واعيةٌ، وأمَّا المحاكاة فهي تقليدٌ واعٍ … وقد يؤدي التماهي إلى التسبب في الانفصام؛ إذ يقسم الذات إلى شخصيتين تغترب كلٌّ منهما عن الأخرى … [وفي حالة التماهي مع غير الأشخاص] قد يؤدي إلى تكوين شخصيةٍ ثانويةٍ يتماهى معها الشخص بأشدِّ وظائفه تطورًا فإذا هو قد انفصل إلى حدٍّ بعيدٍ أو انفصل انفصالًا كاملًا عن الأساس الأصليِّ لشخصيته، وبذلك تنتقل فرديته إلى اللاوعي. (الأنماط السيكلوجية، ص٥٥١–٥٥٢)

الهويَّة/التَّشابه في الهويَّة/التَّساوي في الهوية identity

من الغريب أن هذا المصطلح الذي اتُّفق على ترجمته بالهوية (انظر المدخل السابق) هو نفسه الذي أتى إلينا بالفعل identify الذي يعني يحدد هوية شيءٍ ما، أو يتعرف عليه، وبالاسم identification؛ أي التماهي أو التطابق في الماهية أيضًا، فماهية الشيء لغويًّا تعني «ما هو» quiddity؛ أي الصفات التي تخصُّه ونتعرف بها عليه، ولكن معناها قد يختلف فلسفيًّا إذا قابلنا بينها وبين الجوهر essence أو substance وهو المضادُّ للعرض accident؛ أي الصفات المتغيرة التي قد تظهر في الشيء من دون أن تكون جزءًا من جوهره، وإن كانت جزءًا من «هويَّته» أو حتى من ماهيته. وإذا كان هذا يسيرًا في حالات الموادِّ الملموسة، أو الفيزيقية، مثل تعريف ماهية الماء بأنه H2O؛ أي الجزيء molecule الذي يتكون من ذرتين من الإيدروجين وذرةٍ من الأوكسجين، فإنه يتفق مع جوهره، وقد يختلف عن هويَّته إن قلنا إنه سائلٌ شفافٌ لا طعم له ولا رائحة، من دون أن يتضمن أية صفاتٍ عارضةٍ مثل تحوُّله إلى بخارٍ أو تجمُّده في صورة ثلجٍ أو جليدٍ، وهذه الفروق ميسَّرةٌ في العناصر الطبيعية وفق أسس التقسيم التي درجنا عليها؛ فالسوائل fluids تصف كلَّ سائلٍ إلا الزئبق، وإلا السائل الذي تتصف ماهيته بغير السيولة مثل الغاز حين يسال، أو الحديد حين يُصهر وهلم جرًّا. أقول إنها ميسَّرةٌ في الفيزيقا ولكنَّها غير ميسَّرة في العلوم الإنسانية، وخصوصًا في علمٍ يختصُّ بما لا يُرى أو يُسمع بل تُكتشف عناصره من ملاحظة الكائن الحيِّ والإنسان بصفةٍ خاصةٍ. ولذلك فحين يتكلم يونج عن الشخصية فهو لا يشير إلى شيءٍ ماديٍّ بل إلى مجموعة صفاتٍ يمكننا أن نجمع بينها ونعتبرها كيانًا له «ماهيةٌ» و«هويةٌ»، والتداخل هنا إذن محتومٌ، وإن كنا نستطيع أن نميز بين المصطلحين السابقين اللذين يشتركان في لفظٍ أجنبيٍّ واحدٍ وفقًا للاستعمال الخاصِّ بكلٍّ منهما، ولنقرأ ما يقوله يونج ونحاول أن ندرك أيَّ مصطلحٍ يعنيه:
«أستخدم مصطلح الهوية identity هنا في حالة المساواة السيكلوجية. فهي دائمًا ظاهرةٌ لا واعيةٌ، ما دامت المساواة الواعية من شأنها أن تتضمن بالضرورة وعي شيئين متماثلين، ومن ثمَّ الافتراض المباشر للفصل بين الذات والموضوع، وهو ما يعني أن ظاهرة تساوي الهوية قد حسم أمرها سلفًا. فالتساوي في الهوية يفترض سلفًا أنها ظاهرةٌ من ظواهر اللاوعي.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٥٢–٥٥٣)

العامل الحاسم الذي يرجِّح وجود دلالة الهوية لا التماهي إذن فكرة المساواة بين شيئين منفصلَين وإن كانا متشابهَين، ويدلنا على ذلك الأمثلة التي يضربها يونج لإيضاح ذلك قائلًا: إن سيكلوجية الطفل قائمةٌ في حالة المساواة في الهوية مع أبويه، وخصوصًا مع أمِّه؛ أي إنه يشترك في الحياة النفسية لوالديه ولا يكاد يتصف بحياةٍ نفسيةٍ خاصَّةٍ به، ولما كان هذا في الواقع غير صحيحٍ، على نحو ما انتهى إليه يونج نفسه فيما بعد، عندما أصبح يؤكِّد أن الوليد يتمتع بسيكلوجية معقدةٍ، فقد اتجه أتباعه إلى تعديل هذا الموقف بعض الشيء.

ويُستخدم تشابه الهوية اليوم باعتباره مصطلحًا عامًّا يدل على جميع ضروب الظواهر التي نلاحظها في الطفولة المبكرة قبل أن يستطيع الطفل التمييز الواعي الواضح بين الذات والموضوع، كما يشار إلى القدرة على هذا التمييز الواعي باعتباره إنجازًا مهمًّا إلى حدٍّ ما؛ أي باعتبار أن تشابه الهوية أو حتى تطابقها إنجازٌ مهمٌّ إلى حدٍّ ما، يتبدَّى في ثنائية الأمِّ والطفل، وأنها مرحلةٌ تتصف بسلوكٍ فعَّالٍ من جانب الطفل الصغير، ولا بدَّ من المرور بها قبل أن تبدأ عمليتا الارتباط والانفصال، حسبما يقول مايكل فوردام (الذات ومرض التَّوحُّد، ص٤٢).

ويقول فوردام إن إصرار يونج القديم على وجود حالة تشابه في الهوية «أصلًا» — قد تعرض للتعديل فيما كتبه بعد المرجع المشار إليه عاليه (١٩٢١م) فأصبح يونج يشير إلى وجود طاقاتٍ capacities فطريةٍ تنتمي إلى الأنماط الفطرية وتدفع إلى نشأة هذا التشابه في الهوية. وبتعبيرٍ أوضح يقول: إن المرء لا يستطيع أن ينفصل فعلًا قبل أن يرتبط مثل هذا الارتباط الوثيق. ويلخِّص فوردام الترتيب الزمنيَّ لهذه الأحداث على النحو التالي: (أ) في لحظة الميلاد تتسم الأم وطفلها بالانفصال نفسيًّا عن بعضهما بعضًا، ولكنَّ لدى كلٍّ منهما طاقاتٍ فطريةً للدخول في حالة تشابه الهوية. (ب) وبعد ذلك يصلان إلى مرحلة المساواة في الهوية. (ج) ومن داخل هذا التشابه ينشأ الارتباط الشخصيُّ، (د) ومن داخل الارتباط ينشأ الانفصال (ص٤٥–٤٧).
وسوف يجد القارئ في الدراسة نماذج شعريةً توضح هذه الأفكار المجردة، وخصوصًا ما تحوَّل إليه يونج من تصوُّرٍ لوجود روابط فطريةٍ تهيئ المشاركة في الهوية أولًا، ثم الانفصال ثانيًا حسبما يصوره فوردام، في حالة علاقة الرضيع بأمِّه (في الفصل الخامس)، ثم في حالة الزواج عندما يصبح الوعي باختلاف الهوية دافعًا للروائي والشاعر د. ﻫ. لورنس على كتابة قصيدة طويلة في هذا الموضوع (بعنوان «مانيفستو») ويبدو أن يونج لم يتخلَّ قطُّ عن فكرة المشاركة في الهوية، وربما في الماهية؛ أي التماهي، في إطار تصوُّره لوجود عوامل متعارضةٍ فطريةٍ كُتب لها أن ترتبط وتتحد (أو تتماهى) كما يقول جيمز هيلمان Hillman في كتابه: «الحلم والعالم السُّفلي» (١٩٧٩م) حيث يؤكِّد أن يونج ظل يؤمن إلى آخر أيام حياته بالأصول الفطرية للمشاركة في الهوية والتماهي. (انظر الفصل الرابع الذي يعرض نظرية فان جينيب عن الارتباط والانفصال)

تأليه شخصٍ ما/شخص مؤلَّهٌ idolized figure

أصل الكلمة idol من اللاتينية idolum التي تعني الشكل أو الصورة أو الطيف أو الشبح، من اليونانية eidolon [من eidos أي شكل، ومنها اشتقَّت الكلمة الجديدة التي دخلت النقد الأدبيَّ، وهي eidetic التي تصف الصور الخيالية الحاضرة] والكلمة كانت تستخدم في سياقاتٍ دينيةٍ في أوروبا؛ ومن ثمَّ فقد اتُّفق على اعتبارها معادلةً للصَّنم؛ فهذا هو تعريفها الثابت في النصوص الكلاسيكية؛ أي كلُّ صورةٍ أو تمثالٍ يعبده غير أصحاب الأديان السماوية، ويستخدمها العامَّة في الإشارة إلى كلِّ من يحظى بالحبِّ الشديد من الجماهير (في الغناء أو التمثيل وهلم جرًّا) ولكنَّ الكلمة لا صلة لها بفعل يعبد adore المشتق من أصلٍ مختلفٍ هو orare؛ أي يتكلم [ومنه جاءت الخطابة والخطيب oratoryorator]. ونحن لا نستطيع إيجاد فعلٍ في العربية من اسم الصَّنم [يصنِّم؟] ولكنَّنا نستطيع ذلك من اسم الوثن فنقول توثين، بيد أن هذه الكلمة كانت قد ظفرت بها كلمة أخرى واستقرَّت في صحبتها ألا وهي fetish [والفعل fetishize والمصدر fetishism] ودلالتها الأصلية هي التميمة؛ أي الشيء الفنيُّ الذي يتبارك به ويفعل فعل السحر؛ ومن ثمَّ يحظى بالتقديس والإجلال إلى حدِّ العبادة؛ ومن ثمَّ التوثين. فأمَّا الأصل فهو كما ذكرت شيءٌ فنيٌّ من اللاتينية facticius؛ أي شيءٌ صنعه الفن، ومنها دخل اللفظ البرتغالية feitiço حيث اكتسب معنى السحر والقوة الخارقة، ومنها إلى الفرنسية بالدلالة نفسها fétiche ومنها إلى الإنجليزية القديمة fetich، ثم الحديثة باستبدال Sh بالنهاية الفرنسية. ولقد أسعد المترجمين الحصول على هذا المعنى لإطلاقه على ميل أبناء «الحضارة» الحديثة إلى توثين أشياء معينةٍ، معظمها ماديٌّ [كالثروة ورموزها] وبعضها اجتماعيٌّ [كالمنصب والجاه] فالتصق التوثين بهذا المعنى الحديث. ومن الطبيعيِّ أن نحترم تخصيص هذه المصطلحات للسياقات التي شاعت فيها؛ ومن ثمَّ لجأنا إلى الجزء الأصيل الآخر في معنى كلمة «الصنم»؛ وهو العبادة أو التأليه، ويشوب هذا المعنى اختلاطه بكلمةٍ أخرى هي idealize المشتقَّة من ideal التي اتفقنا على ترجمتها بالمثل الأعلى، وهي المشتقة من اللاتينية المتأخرة idealis التي تعني المتعلق بالفكرة أو المثال idea إذ دلَّنا أساتذتنا المتخصصون على أن ideas عند أفلاطون تعني المثل (جمع مثالٍ) لا الأفكار؛ ومن ثمَّ فإذا اعتبرنا شيئًا مثلًا كاملًا كنا نضفي عليه صفةً ربانيةً؛ لأن الكامل هو الله وحده، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى (الروم: ٢٧)؛ ومن ثمَّ فنحن نستخدم هذا التعبير المجازيَّ أيضًا في ترجمة idealize.

صورة image

يحاول يونج في تعريفه للصورة في مرحلة النضج، ويمثلها الأنماط السيكلوجية (١٩٢١م)، تقديم مفهومٍ أوسع من مفهومه لها باعتبارها شبه مرادفةٍ للرمز في كتابه المبكر: «رموز التحول» (١٩١١–١٩١٢م)، وقد يكون من الصحيح — كما يقول صمويلز في كتابه: «يونج ومن تلاه» (١٩٨٥م) — أن التحوُّل من الحديث عن الرمز إلى الحديث عن الصورة سمةٌ سادت الفترة التي تلت يونج، ولكن المتتبع لأعمال يونج نفسها يلاحظ أن تصوُّره لمصطلح الصورة — وإن لم يعرب عنه بدقَّةٍ في جميع الأحوال — يعني شيئًا أسبق من الرمز زمنيًّا وأوسع دلالةً من المجموع الكليِّ لمكوناتها الرمزية، قائلًا: «الصورة تعبيرٌ مضغوطٌ ومكثَّفٌ عن الحالة النفسية برمَّتها، لا عن محتويات اللاوعي وحسب وحدها أو حتى بصفةٍ أساسية» (الأنماط السيكلوجية [المجلد ٦، الفقرة ٧٤٥] ص٥٥٥، والتوكيد في الأصل).

ومعنى هذا أن تصوُّره الأوَّل للصورة باعتبارها مفهومًا مجردًا قد تغير فأصبح بفضل الخبرة التجريبية حضورًا نفسيًّا مصاحبًا للمرء، ويرى الشُّرَّاح أن أهمَّ ما اكتشفه أن تطوُّر النفس أو مسارها يعتمد على الصور، وهي التي يقول إنها مجازيةٌ، وتشمل الأسطورة والاستعارة؛ إذ يقول عن الصورة في الفقرة المشار إليها ذاتها:

إنها تعبِّر بلا شكٍّ عن محتويات اللاوعي ولكنَّها لا تعبِّر عن جميع تلك المحتويات بصفةٍ عامَّةٍ بل عن تلك المحتويات التي تكوكبت مؤقتًا، وهذا التكوكب ثمرةٌ من ثمار نشاطٍ محددٍ للاوعي من ناحيةٍ، وللحالة الواعية المؤقتة من ناحيةٍ أخرى. ودائمًا ما يؤدي ذلك إلى تنشيط بعض المادة الباطنة، في الوقت الذي تكبح فيه نشاط ما لا يتصل بهذه الحال. ومن ثمَّ فإن الصورة تعتبر في آنٍ واحدٍ تعبيرًا عن اللاوعي وحالة الوعي القائمة. وهو ما يعني أن تفسير معناها لا يجوز أن ينطلق من اللاوعي وحده، ولا من الوعي وحده بل من علاقاتهما المتبادلة فقط. (المرجع نفسه)

ويدل هذا على أن الصورة ليست موضوعيةً بل تجمع بين الموضوعية والذاتية، ما دامت ترتبط بالحالة النفسية، ولمَّا كانت الصورة — كما يقول يونج في الفقرات التالية من كتابه المذكور (ص٥٥٦–٥٦٠) — تتضمن قدرًا من المادة الشعورية والعاطفة القائمة على عوامل متضادَّةٍ، فإنها تثبت وجود ذلك التضادِّ وحسب، على عكس الرمز الذي يعتبر أداةً للتعبير عنه، والمثال الذي يورده يونج على الجمع بين الواقع الباطنيِّ للصورة وما يقابلها في العالم الخارجيِّ هو صورة الأنيما التي تجمع بين الخبرتين الداخلية والخارجية — كما يشير إلى أنماطٍ فطريةٍ أخرى أهمُّها الأمُّ، مؤكِّدًا أن عمل التحليل يرمي إلى التوفيق بين الأضداد أو بين الصور الباطنة (النفسية) ونظائرها المادية في العالم الخارجي.

ومثلما يبدأ يونج تعريفه للصورة في كتابه الأنماط السيكلوجية (١٩٢١م) قائلًا إنه لا يعني بالصورة انعكاسًا نفسيًّا لشيءٍ خارجيٍّ بل يقدم مفهومًا مستمدًّا من تعبيرٍ شعريٍّ مجازيٍّ، وهو الصورة المتخيَّلة أو المتوهَّمة؛ [phantasy-image] أي إنها تستند إلى نشاط المخيِّلة أو الواهمة في اللاوعي phantasy-activity بل ويؤكد أن طابعها السيكلوجي (تقديم التخيلات phantasy-presentation ص٥٥٤)؛ فهو ينتهي في أحد كتبه الأخيرة وهو: «الارتباط الملغز» (١٩٥٥–١٩٥٦م)، وعنوانه الفرعي: «بحث في الفصل بين الأضداد النفسية وتركيبها في الخيمياء»، وهو المجلد ١٤ من أعماله الكاملة (انظر الملحق) إلى أن يقول:

الصورة حقيقةٌ نفسيةٌ تقول: إن الوهم المتخيَّل واقعٌ حقيقيٌّ، وهو مثلك كيانٌ نفسيٌّ حقيقيٌّ. فإذا لم يحدث هذا العمل الحاسم — أقصد دخول الوهم كيانك وردَّ الفعل من جانبك — فسوف تصبح جميع التغيرات خاضعةً لتدفُّق الصور، لكنَّك أنت لن تتغير. (المجلد ١٤، الفقرة ٧٥٣)

وعلى الرغم من أن معظم دارسي يونج يركزون على مفاهيمه للرموز؛ فإن الباحث هيلمان يحاول في كتابه المشار إليه آنفًا إيضاح العلاقة الصحيحة بين الفرد والصورة، كما يحاول غيره الربط بين الرمز والصورة، تفسيرًا لما يقوله يونج عن مشاركة الفرد في تأمُّل الصور واعيًا ومدركًا لكلِّ مرحلةٍ من مراحل هذا التأمُّل، حتى ولو كان فهمه إيَّاها قائمًا على الحدس وحده؛ إذ يجد «أن الصورة التالية — وهي نسخةٌ مكبَّرةٌ للصورة الأصلية — تبدأ في كل حالة على المستوى الأرفع الذي وصل الفرد إليه بحيث يبدأ في تبيُّن الغرض من وراء ذلك» (المجلد ٧ الفقرة ٣٨٦). ويذكرنا «المستوى الأرفع» بوصفه لما يسميه «العملية الرمزية» في أحد كتبه الأخيرة: «الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي» ١٩٥٩م، وهو المجلد ٩) حيث يستعين ببعض الرموز التي وجدها في الفكر الصيني قائلًا:

العملية الرمزية خبرةٌ في الصور وعن الصور. وتطوُّرها عادةً ما يقوم على تلاقي الأضداد؛ مثل بناء نصِّ «آي شينج»؛ ومن ثمَّ يمثل إيقاعًا ما بين السالب والموجب، والخسارة والمكسب، والظلام والنور. ويبدأ في كل حالةٍ تقريبًا بالإحساس بالوجود في طريقٍ مسدودٍ، أو في مأزقٍ من المحال الخروج منه، والهدف بصورةٍ عامَّةٍ هو التنوير أو الوعي الأرفع، وهو الذي تؤدي الاستعانة به إلى التغلب على الموقف المبدئيِّ والوصول إلى مستوًى أرفع. (الفقرة ٨٢، ص٣٨–٣٩، التوكيد في نص يونج)

ويضيف يونج أن انغماس الوعي في هذه الصور يعتبر «عمليةً رمزيةً» قد لا تستغرق وقتًا طويلًا، فقد تكون سريعةً سرعة أحلامٍ غير تفصيليةٍ، ولكن وظيفتها الرمزية ترفع الصور إلى مستوى التعبير عن الحالة النفسية الكاملة.

الصورة الباطنة [للآخر] imago

وضع يونج هذا المصطلح في أحد أوائل كتبه وهو: «رموز التحوُّل» (١٩١١–١٩١٢م) وشاع استخدامه في التحليل النفسي منذ ذلك الحين، فعندما يستخدم اللفظ imago بدلًا من image يصبح الهدف توكيد أن تلك الصور قد ولَّدتها الذات، وخصوصًا صور الآخرين. ومعنى هذا أن الشيء المرئيَّ يكتسب ملامحه وفقًا للحالة النفسية الباطنة للذات ودينامياتها. وللصورة الباطنة معنًى آخر وهو الإشارة إلى ظهور كثيرٍ من الصور التي لا تستند إلى خبراتٍ شخصيةٍ فعليةٍ؛ مثل بعض صور الآباء التي لا تبنى على الخبرة بآباء حقيقيين بل على تخيلاتٍ لا واعيةٍ، أو تستقى من أنشطة الأنماط الفطرية.

لا شخصيٌّ/غير شخصيٍّ impersonal

يقول يونج في كتابه: «الإنسان الحديث باحثًا عن روح» (١٩٣٣م) إن الفنان أو الشاعر يختلف من حيث شخصه عن الفنان أو الشاعر من حيث عمله؛ فالفنان الذي يُنسب إليه العمل طاقةٌ «لا شخصيةٌ»، بل و«لا بشريةٌ» فهو باعتباره فنَّانًا مرادفٌ لعمله لا مجرد فردٍ من أبناء البشر (ص١٦٨) فهو الفرد الذي يعيش داخل الخبرة بالبشر؛ ولذلك فإن كل عملٍ فنيٍّ عظيمٍ — موضوعيٌّ، ولا شخصيٌّ (ص١٧٢)؛ أي إنه يفصل بين الشخصية الحياتية والطاقة الإبداعية، وهو ما كان النقد الجديد يقول به، ثم عاد إليه أصحاب النظرية الفرنسية، مثل رولان بارت الذي أعلن «موت المؤلف» بمعنى أن الفنان أداةٌ في أيدي قوى الإبداع التاريخية والاجتماعية التي «تشكِّل» ما «يبدعه»، بحيث يقتصر دوره على دور الأداة لا المنشئ ولا الخالق، وهو ما يقوله فوكو وغيرهما بأسلوبٍ آخر. ولكن نظرية ت. س. إليوت فيما يتعلق «بلا شخصية» العمل الفنيِّ ما تزال أرجح نظريةٍ وأقربها إلى فكر يونج. (انظر مقدمة هذه الدراسة)

التَّكوين الحيُّ impregnatio

يقول يونج: إن كلَّ محاولةٍ لبلوغ الكيان الكامل الذي هو أساس التفرُّد لا بدَّ أن يتضمن تكوينًا جديدًا يتسم بروح جديدةٍ نتيجة الاقتران المحكم بين الروح والجسد، بمعنى أن قوى الروح التي تتضمن الطاقات النفسية وكلَّ ما قد يستعصي على التعريف يمتزج امتزاجًا كاملًا بطاقات الجسد بحيث ينشأ ما يسميه الكيان الحيَّ الجديد، وهو ما يعنيه أيضًا بالثبات المتَّزن؛ أي homeostasis؛ أي قدرة هذا الكيان المزدوج على الثبات.

ما يمكن وجوده/الموجود بالقوة in potential

الشيء الموجود بالقوة هو إمَّا الشيء القائم والكامن، وإمَّا ما يمكن أن يوجد فعليًّا أو بالفعل، ويونج يستخدم العبارة اللاتينية بالمعنيين جميعًا.

غشيان المحارم incest

يختلف يونج عن فرويد في النظرة إلى غشيان المحارم؛ إذ لا ينظر يونج إلى هذه الظاهرة من منظورٍ حرفيٍّ، وإن لم يستطع أن يتجنب التعليق على الأسلوب «العملي» الذي يعبِّر الأطفال به عنها، وذلك في فصل عنوانه: «الصراعات النفسية في الطفل» في المجلد ١٧ وعنوانه: «تطور الشخصية» (١٩٥٤م). والمهم لدينا أنه كان يرى تخيلات غشيان المحارم بصفتها تعبيرًا مجازيًّا عن الطريق الخاصِّ بالنموِّ النفسي والتنمية النفسية.

ويرى يونج أن الطفل الذي تنتابه مشاعر غشيان المحارم أو تخيلاتها يمكن النظر إليه باعتبار أنه يحاول بلا وعي إضافة طبقاتٍ من الخبرات التي تثري شخصيته من خلال الاتصال العاطفيِّ الوثيق مع الأمِّ، في حالة الابن، أو مع الأب في حالة البنت. وأمَّا الجانب الجنسيُّ للنزوع المذكور إلى غشيان المحارم فيؤكِّد عمق الاتصال ودلالته الخاصَّة. وأمَّا كون غشيان المحارم محظورًا فيحول دون التعبير الماديِّ عنه، وله غرضٌ نفسيٌّ خاصٌّ به.

ويعتبر النزوع إلى غشيان المحارم نكوصًا، وكان يونج يرى على عكس فرويد، أن النكوص ليس ظاهرةً سلبيةً في جميع الأحوال، أو أن على الشخص أن ينازله ويقضي عليه، بل إنه يجوز أن يكون ارتدادًا بقصد تجديد الطاقة النفسية وعلاج علةٍ ما من علل الشخصية (بشرط ألا يستمرَّ فترةً طويلةً بحيث يصيب الشخص بأضرارٍ جمَّةٍ). ويدلِّل يونج على وقوع ذلك النكوص بما رآه رأي العين في حالة الذين دفعهم النزوع إلى غشيان المحارم إلى الجمع بين الهدوء وشرود الذهن وعدم الاستقرار في آنٍ واحدٍ. ويقول صمويلز: إن هذه حالةٌ تشبه حالة المتصوف أو صاحب أحلام اليقظة الخلَّاقة، وهي الصفات التي يرصدها دارسو إبداع الفنانين.

ومعنى النكوص المذكور التخلِّي المؤقت عن سلوك الأنا الناضج، وينشأ من هذا لقاءٌ جديدٌ بالعالم الباطن وأسس الوجود؛ إذ إن الفعل الجنسيَّ بالنسبة للطفل (أو للبالغ الذي يعاني من الولع المرَضي بأحد المحارم) يعتبر دخولًا رمزيًّا في تلك الحالة ونشدان مزاياها؛ فالجسدان اللذان يمارسان ذلك يمثلان جانبين من جوانب النفس لم يتكاملا بعد، واللقاء بينهما يعد بمثل هذا التكامل.

وأحيانًا ما يمثِّل النكوص الناجم عن غشيان المحارم نشدانًا لنوعٍ كريهٍ من الوحدة القائمة على السلطة والتحكُّم في الآخر، وكان يونج يؤكِّد أهمية خروج المرء من حالة الاندماج مع أحد الأبوين؛ فهي مهمةٌ إنمائيةٌ معتادةٌ، وأمَّا في حالة الكبار فتمثِّل مواجهةً لازمةً مع حقائق الواقع في دنيا الكبار. ومن حسن الحظِّ إدراكنا أن مثل هذه الوحدة تعود بأضرارٍ جمَّةٍ؛ إذ تلتهم المرء ولا تبدو لها نهايةٌ. [انظر تفسير مري ستاين للظاهرة في الدراسة في آخر الفصل الثاني] (وانظر صمويلز، ص٧٤–٧٦)

الفرد individual

(انظر القسم ٤ من الفصل ٦).

المذهب الفرديُّ individualism

الفرديَّة individuality

التفرد individuation

يعني يونج بالمصطلح أن يصبح المرء ذاته؛ بمعنى اكتمال خصائصه النفسية وتكاملها وعدم انشطار أيِّ جانبٍ منها، وتميُّزه عن غيره من الناس بشرط الإبقاء على علاقته بهم ومجالاتهم النفسية. ويقول صمويلز: «المقصود أن يصبح الشخص واعيًا بالجوانب التي تميِّزه باعتباره إنسانًا مفردًا، وأن يعي في الوقت نفسه أنه لا يزيد عن كونه رجلًا معتادًا أو امرأةً معتادةً.» (صمويلز، ص٧٦)

الاستقراء induction

فترة الرَّضاعة والطُّفولة infancy and childhood.

الوظيفة الأضعف أو الثانوية inferior function

يطلق يونج هذه الصفة على أية وظيفةٍ لا تتمتع بالمرتبة الأولى أو المرتبة الرئيسية من الوظائف الأربع في الشخصية الانطوائية أو الانبساطية، والمعروف — كما سبق إيضاحه — أن الوظائف الأربع هي التفكير والشعور والإحساس والحدس. فإذا غلبت إحداها على شخصيةٍ ما، كانت الوظيفة المقابلة لها تمثِّل الوظيفة الأضعف أو الوظيفة الثانوية، ويخصِّص لها يونج تعريفًا مفصَّلًا يورده هذا المعجم في مدخل النمط type أدناه. (أنماط الشخصية ص٥٦٣–٥٦٥)

التَّضخُّم المرَضي inflation

يعني المصطلح أن تتضخم الشخصية فتتجاوز حدودها الصحيحة من خلال التماهي مع القناع أو مع أحد الأنماط الفطرية، أو، في حالات المرض النفسي، أن تتماهى مع شخصيةٍ تاريخيةٍ أو دينيةٍ. فالتضخُّم المرَضيُّ ينشئ إحساسًا مبالغًا فيه بالأهمية الذاتية، وعادةً ما يصاحبه تعويضٌ يتمثل في مشاعر النقص.

البنية التَّحتيَّة infrastructure

يستخدم يونج هذا المصطلح بمعناه الاشتقاقيِّ المعروف والمبيَّن هنا، لا بمعناه الشائع في الهندسة مثلًا (والمستعار في الاقتصاد) بمعنى البنية الأساسية؛ إذ إن تصوُّر يونج لبناء النفس لا يوحي بأن الطبقات التحتية للوعي — وهي التي تمثلها درجات الوعي القريبة من اللاوعي إلى جانب اللاوعي نفسه — تعتبر أساسًا تقوم عليه مكوِّنات الشخصية الأخرى الواعية، وعلى رأسها الأنا والأنا العليا، ولكنَّها تمثِّل وجودًا لا شكَّ في أهميته وإن لم يكن من المعتاد اعتباره أساسيًّا.

يكبح/يمنع من العمل inhibit

يستخدم يونج الكلمة بالدلالتين؛ فالكبح هو السيطرة التي قد تؤدِّي إلى الكبت repression بالمعنى الفرويدي، والمنع من العمل قد يمثِّل إعاقةً للعمل أو للتعبير بحريةٍ عن أية نوازع نفسيةٍ. وتصوُّر يونج لبناء النفس القائم على التعددية يولي اهتمامًا كبيرًا لتنازع العوامل أو المكونات؛ خصوصًا بسبب نظرته التي تقوم على التعارض والتضاد.

التدشين/بدء الالتحاق initiation

المعنى المعهود للتدشين — وهي الكلمة المستخدمة في العربية المعاصرة — هو بداية العمل لشيءٍ أو بشيءٍ بحيث تقابل كلمة الافتتاح inauguration في حالة افتتاح مكانٍ أو نشاطٍ، وتوازي كلمة إطلاقٍ أو انطلاقٍ launching في حالة السفينة التي اكتمل بناؤها وحان إبحارها، والاسم launch؛ أي القارب الذي يسير بدفع البخار، وعرَّبناه إلى «لنش»، وأصلها اللاتيني lancea الذي يعني الرُّمح lance فالرُّمح يرمي بقوةٍ تهبه السرعة، وعادةً من فوق متون الخيل، وهو سلاح الرِّمَّاحة، ومنه جاء في العامية «يرمح»؛ أي يجري مسرعًا، وكلُّ هذه الكلمات تلتقي في معنى الانطلاق، وهو معنًى مجردٌ ومجسَّدٌ معًا، فمنصة إطلاق الصواريخ مثلًا اسمها launching pad، وحفل تدشين كتابٍ جديدٍ يسمَّى launching وهلم جرًّا.
ولكن المصطلح الإنجليزي ذو تاريخٍ اجتماعيٍّ، وشبه دينيٍّ؛ إذ كان أحيانًا يُستخدم للإشارة إلى التحاق أحد الأفراد بجمعيةٍ سريةٍ أو دينيةٍ، أو حتى الالتحاق بمؤسسةٍ دينيةٍ معتادةٍ (كالدير) أو خاصةٍّ (مثل أصحاب «الطرق») وكان الملتحق حديثًا يسمَّى initiate وهو اسمٌ يوازي novice بالمعنى نفسه، وكانت للالتحاق خطواتٌ محددةٌ تسمَّى طقوسًا أو شعائر، وكانت أوضح ما تكون في المجتمعات البدائية، حيث تحدِّد القبيلة مراسم خاصَّةً لإعلان انتقال الصبيِّ من طور المراهقة إلى طور الشباب، أو الرجولة، وما نزال في مجتمعاتنا العربية نلاحظ هذه المراسم؛ وإن لم نطلق عليها أية أسماء، ولكننا نشهدها في سلوك المراهق الذي يتعمد العدوان على أقرانه، أو يصرُّ على ادعاء تعلقه بفتاةٍ أو يثبت ذلك عمليًّا، وفي الفتاة التي تثبت لنفسها الاستقلال؛ إمَّا بالانطلاق في طريق لا يرضاه أهلها أو الانزواء وكتابة خواطرها التي تسميها شعرًا (وهي نثرٌ صريحٌ). ويعترفون في الغرب بأحد هذه الطقوس الخاصَّة بالفتيات فتنظم الأسرة حفلًا يدعى «حفل التَّخرُّج» coming out party حيث تبدو الفتاة وقد غدت «مؤهلةً» للزواج. وسواء نسبنا هذه المظاهر للتقاليد أو للتراث فالواقع أنها تفصح عما يسمِّيه ستيفنز «الحاجة إلى التدشين بدافع نمطٍ فطريٍّ خاصٍّ» (١٩٩٠م، ص١٣٠)، وفي معظم الأحوال يتسم هذا التحوُّل الباطن بظهور ما يسمَّى «طقوس الانتقال» Les Rites de Passage، وهو عنوان كتاب الفيلسوف الفرنسي فان جينيب.

فطريٌّ innate

أي يعتبر جزءًا من الفطرة التي فطرها الله، واللفظ مرادفٌ للفظ inborn اشتقاقًا ودلالةً؛ فالحقُّ يقول: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ (الروم: ٣٠) وهو ما يدلُّ على أن المقصود هو الطبيعة ذات الصفات الأصلية والأصيلة؛ أي غير المكتسبة؛ يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار: ٦–٨). ووصف يونج للأنماط الفطرية بأنها أصليةٌ وأصيلةٌ في الإنسان يعني أنها جزءٌ من «تركيبه» البدنيِّ والروحيِّ، فليست مجردةً كالمثل الأفلاطونية بل لها كيانٌ بيولوجي، أو كما يقول: «كيانٌ حيٌّ وُهب قوةً توليديةً» (المجلد ٦، الفقرة ٦، الحاشية ٩) ولها وجودها في صلب الجهاز العصبيِّ المركزيِّ، ويلخِّص ذلك قائلًا: «في نهاية المطاف تستوي كلُّ روحٍ مفردةٍ مع الروح الخالدة للنوع البشريِّ.» (المجلد ١١، الفقرة ١٤٦)

آليات الإطلاق الفطرية innate releasing mechanisms

المقصود هو إطلاق الأنماط الفطرية من مكامنها في اللاوعي عند التعرُّض لعلامات منبهةٍ؛ أي لعوامل تنبيهٍ لها بمعنى إيقاظها من سباتها، وتسميتها بالعلامة sign تسميةً سيميائيةً؛ أي من منظور القائم بالتحليل الذي يدرك وجود المنبِّه stimulant حين يراها، وهي تتكوَّن من خمسة نظمٍ عاطفيةٍ affectional systems رصدها لفينسون. (انظر الدراسة في القسم الأول من الفصل الرابع)

غريزة instinct

انظر «غريزة الموت» أدناه، و«غريزة الحياة» أعلاه.

نافع أو مفيد/مؤثر وفاعل instrumental

يستخدم يونج الكلمة لتفيد أكثر من معناها المعتاد، وهو العمل أو الوساطة، بل يضفي عليها بعض ظلال الدلالة الحديثة على «الفائدة» أو «النفع العملي»، وهي الدلالة التي شاعت في المناظرة التي اندلعت منذ الفترة التالية للحرب العالمية الأولى حول تحديد قيم الأشياء، وعلى وجه الدقَّة ذلك الصراع بين قيمة الشيء في ذاته وبين قيمته باعتباره وسيلةً للحصول على شيءٍ نافعٍ أو مفيدٍ instrumentality ويونج ينحاز للرأي الأول في دفاعه عن قيمة الفن مثلًا بغضِّ النظر عن فوائده في العلاج النفسي، وعن قيمة التأمُّل والفكر بغضِّ النظر عن نفعهما للإنسان في حياته المادية؛ فالحياة الروحية منشودةٌ في ذاتها، بل إنه يخصص كتابه: «الإنسان الحديث باحثًا عن روح» (١٩٣٣م) للدفاع عن الرأي الأول.

التكامل integration

يستخدم يونج هذا المصطلح بمعانٍ متقاربةٍ في سياقات ثلاثة:
  • (١)

    وصف الحالة النفسية للفرد (أو حتى تشخيصها). والمعنى المقصود هنا فحص التفاعل بين الوعي واللاوعي، والجانب المذكر والجانب المؤنث في الشخصية (الأنيما والأنيموس والثنائيُّ المقترن)، وشتى ثنائيات الأضداد، والموقف الذي تتخذه الأنا في علاقتها بالظل، والتحرُّك ما بين وظائف الوعي ومواقفه، ويعتبر التكامل من حيث أعراضه نقيضًا للتفكُّك.

  • (٢)

    باعتباره عمليةً فرعيةً من عمليات التفرُّد، بحيث يصبح مرادفًا (تقريبًا) «للصحة النفسية» أو «النضج». ومعنى هذا أن التكامل باعتباره عمليةً تمثِّل العمل الأساسيَّ للتفرُّد، من دون التركيز الشديد على الطابع الفرديِّ وتحقيق الذات اللذين يوحي بهما المصطلح الأخير. ويستتبع ذلك النظر إلى التكامل باعتباره قادرًا على تحقيق الاكتمال، وهو الناجم عن تجميع الجوانب المختلفة للشخصية.

  • (٣)

    باعتباره مرحلةً من مراحل التطور، وعادةً ما يكون ذلك في النصف الثاني من العمر، وهي الفترة التي تنجح فيها القوى المذكورة في البند (١) عاليه في تحقيق درجة ما من التوازن (وإلا ارتفع الصراع والتوتر إلى أعلى مستوى لهما). (صمويلز، ص٨٣–٨٤)

النزاهة/الكمال أو السلامة integrity

لا يكاد يونج يستخدم الكلمة بالمعنى الأول بل يكاد معناها يقتصر على الكمال بمعنى الاكتمال أو الصحة.

الذهن/التفكير المباشر intellect

يستخدم يونج مصطلح «الذهن» في الإشارة إلى وظيفة رئيسية من وظائف الشخصية وهي التفكير الذي يقترن لديه بوظيفة الشعور، في مقابل الإحساس الذي يقصره على معطيات الحواسِّ. والترجمة هنا تقتصر على ما يعنيه يونج، وإن كانت كلمتا الشعور [انظر feeling أعلاه] والإحساس تتداخلان في اللغة، يقول تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: ٥٢) فالإحساس هنا مرادف لمعنى الشعور عنده، ولكن التمييز بين المصطلحين الإنجليزيين قائم في الإنجليزية الحديثة، فأنت تقول:
(The committee felt it was unwise to debate the matter openly).
أي إن اللجنة رأت أن الحكمة تقضي بعدم المناقشة العلنية لهذا الأمر، والرأي في اللغة هو الحكم الذي يعنيه يونج بمصطلح feeling؛ وهو من وظائف الذهن لا من وظائف الإحساس عند يونج، والمتنبي يقول:
الرأيُ قبلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ
هُوَ أَوَّلٌ وهِيَ المَحَلُّ الثَّاني
وكنا في مطلع القرن العشرين نستخدم الشعور بديلًا عن الوعي في علم النفس، ثم عدلنا عن ذلك، مثلما عدلنا عن استخدام العقل الباطن subconscious بديلًا عن اللاوعي، وذلك عندما عدل علماء النفس عن استخدام المصطلح الأول مفضِّلين المصطلح الأدقَّ. (الأنماط السيكلوجية ٥٥٦)

البينيَّة/المباحث العلميَّة المشتركة interdisciplinarity

أحد معاني discipline المبحث العلميِّ، ومن المفارقات أن ازدياد الفروع المتخصصة للبحث العلميِّ أدَّى إلى تعميق الإدراك بضرورة الجمع بينها في العلوم الإنسانية انطلاقًا من ازدياد الكشف عن الطبيعة المركبة للإنسان إلى الحدِّ الذي يفرض الجمع بين المداخل البحثية وهو ما يعني وحدة المعرفة في آخر المطاف. انظر مدخل consilience أعلاه (جو موران: البينية ٢٠١٠م)

الترجمة/التفسير interpretation

يقول صمويلز: التفسير/الترجمة يعني أن يوضح المرء بلغةٍ معينةٍ ما جاء التعبير به بلغةٍ أخرى. ويعرف جميع المترجمين صعوبات تفسير المعاني الدقيقة وظلال الدلالات القائمة في لغةٍ أخرى، وهي التي تعبِّر عن ثقافةٍ أخرى، وأسلوب حياتها وقيمها وإحساسها بالزمن والتوقيت، وتزداد الصعوبة حين يحاول المفسِّر ترجمة مقولةٍ سيكلوجية يكتنف الغموض منشأها ومعناها والغرض منها. ولكن ذلك ما يحاول الأطباء أو المحللون أو ممارسو الطبِّ النفسي أو العلاج النفسي أن يفعلوه؛ فالأحلام والرؤى والتخيلات تعبيراتٌ مجازيةٌ أو استعاراتٌ وكناياتٌ؛ أي مقولاتٌ صيغت بلغةٍ رمزيةٍ تتوسل بالصور في توصيل دلالاتها.

وعلى الرغم من أن معظم عمل يونج كان تفسيريًّا — فإن تعليقاته المباشرة على تقنيات التفسير بالغة الضآلة. وفيما يتعلق بأسلوب تفسيره للأحلام تتضح لنا المسائل التالية:
  • (١)
    ينبغي أن يأتي التفسير بشيءٍ جديدٍ إلى الوعي، وألا يعمد إلى التَّكرار أو الإرشادات الخلقية. ولا ينجح التفسير في تقديم المقصد الحقيقيِّ القائم على التعويض السيكلوجي لعملية الحلم؛ إلا إذا كشف عن مضمون غريب أو غير مألوف أو غير متوقع (انظر compensation).
  • (٢)

    ينبغي للتفسيرات أن تأخذ في اعتبارها السياق الشخصيَّ لحياة صاحب الحلم وخبرته السيكلوجية البيوغرافية. ويصل المفسر إلى هذه المعلومات، وإلى معرفة تأثير محيطه الاجتماعيِّ (الذي يشار إليه أحيانًا بتعبير الوعي الجمعيِّ) من خلال عملية التداعي.

  • (٣)
    وكذلك فإن المضمون الرمزيَّ للحلم يمكن رفع مستواه، حيثما اقتضى الأمر ذلك، من خلال المقارنات مع الموتيفات الثقافية والتاريخية والأسطورية المعتادة؛ إذ إنها تؤدِّي إلى توسيع السياق الشخصيِّ للحلم وتربطه «باللاوعي الجمعي». ويقتضي إجراء هذه المقارنات أن نتوسع في تفاصيله ورصد تداعياته المباشرة ونظائره في العلوم الإنسانية (انظر amplification).
  • (٤)

    ويستحسن أن يستمرَّ تركيز المفسرين على صورة الحلم؛ أي أن يظلوا عاكفين على ما رآه الحالم في منامه، وما التوسُّع في التفاصيل ورصد التداعيات إلا من وسائل زيادة حيوية الصورة الأصلية وتقريبها من الوعي وإبراز دلالاتها. ومع ذلك فإن صورة الحلم تنتمي إلى الحالم نفسه ولا بدَّ أن تحيلنا إلى حياته النفسية الخاصَّة.

  • (٥)

    ويعتمد الاختبار الأخير لصحة التفسير على مدى نجاحه؛ أي على قدرته على إحداث تحوُّلٍ في موقف الوعي عند صاحب الحلم. (صمويلز، ص٨٤–٨٥)

والواضح مما كتبه يونج عن تفسير الأحلام أنه كان يشقُّ لنفسه طريقًا مختلفًا عن الطريق الذي شقَّه فرويد؛ فهو — كما يبين صمويلز — يعتمد على المبادئ الخاصة لمذهبه، وهو مذهب كلِّيٌّ؛ أي يستند إلى جمع عناصر الحياة النفسية بحيث تمثِّل الإطار الخاصَّ لتفسير كلِّ حالةٍ على حدةٍ، بدلًا من التركيز الفرويدي على الحياة الجنسية؛ فهو؛ مثلًا يقدِّم فكرة علاقة الحلم بالتعويض، وبحياة صاحب الحلم بشتى تفاصيلها، وبالإطار الثقافيِّ والتاريخيِّ الذي يربط الحلم باللاوعي الجمعي، وباتباع البينية في البحث العلمي، وتطبيق مداخل من مباحث مختلفةٍ، تجتمع لإحراز النتيجة المنشودة، (انظر consilience) كما يستعين بالرموز التي تنتمي إلى البشر جميعًا. ومن أهمِّ ما يقوله يونج عن تفسير أحلام المرضى إقامة حوارٍ بين الطبيب والمريض بحيث ينشأ ما يشير إليه باسم «العملية الجدلية» (انظر dialectal process) التي تساعد المريض على المساهمة في تفسير أحلامه والانتقال من مرحلة اللاوعي الغامضة إلى مرحلة الوعي الواضح.

التقمص/الإسقاط العكسي introjection

يقول يونج: إن أحد معاصريه كان قد اقترح استعمال هذا المصطلح بمعنى الإسقاط projection؛ ومن ثمَّ لم يجد يونج فائدةً له، ولكن معاصرًا آخر يدعى فيرنزي Ferenczi قد صحَّح المفهوم قائلًا إنه يمثِّل عكس الإسقاط بمعنى أن الإسقاط يعني التَّوجُّه من الداخل إلى الخارج، على نحو ما تسقط الذات أية أفكارٍ أو صورٍ على ما يوجد خارجها من أشياء أو أشخاصٍ، وأما الإسقاط العكسيُّ فيعني إسقاط أية مادةٍ من الخارج إلى داخل النفس، فإذا كان الإسقاط المعتاد يعني الإسقاط من الذات على الموضوع فإن الإسقاط العكسيَّ يعني الإسقاط من الموضوع على الذات. ويقتبس يونج جملة لفيرنزي تقول: «إذا كان المصاب بالبارانويا يلفظ من «الأنا» كلَّ عاطفةٍ أصبحت بغيضةً؛ فإن المصاب بالعصاب يلتهم من العالم الخارجيِّ أكبر قدرٍ تستطيع «الأنا» لديه أن تهضمه، ويجعله مصدرًا للتخيُّلات في اللاوعي عنده».
ويضيف يونج قائلًا: «الإسقاط العكسيُّ عملية استيعابٍ assimilation وهي ضدَّ الإسقاط الذي يعتبر نبذًا وطرحًا dissimilation، فالإسقاط العكسيُّ تكييفٌ للموضوع مع الذات، ولكن الإسقاط يتضمن تمييزًا للموضوع عن الذات، والوسيلة نقل المحتوى الذاتيِّ إلى الموضوع.»

والإسقاط العكسيُّ عمليةٌ انبساطيةٌ ما دام يستلزم النفاذ شعوريًّا في الموضوع أو امتلاكه لإحداث التكيُّف مع الموضوع.

«ولنا أن نميز ما بين الإسقاط العكسيِّ السلبيِّ والإسقاط العكسيِّ الإيجابيِّ؛ فالأول ينتمي إلى عمليات النقل في معالجة أنواع العصاب، وبصفةٍ عامَّةٍ جميع الحالات التي يمارس فيها الموضوع اجتذابًا غير مشروطٍ للذات، وأمَّا النفاذ الشعوريُّ في الموضوع الذي يعتبر عملية تكيُّفٍ فينتمي للشكل الأخير.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٦٦–٥٦٧)

والمعروف أن الإسقاط قد يستخدم بمعنى التجاوب بسبب التعاطف الشديد إلى درجة التَّقمُّص empathy؛ أي إسقاط حالة الذات على شخصٍ آخر حتى تشاركه مشاعره وفكره، ولكن يونج يستخدم الإسقاط العكسيَّ لا الإسقاط مرادفًا للتقمص قائلًا: إن التقمص إسقاطٌ عكسيٌّ لشخصية الآخر أو حالته داخل الذات، لا العكس؛ أي لا إسقاط «الأنا» الخاصة بالمرء على نفس الشخص الآخر، وبذلك يختلف استعماله للمصطلح عن الاستعمال المعتاد فيما يتعلق بالتقمُّص، ويختلف كذلك عن المعنى الآخر للمصطلح الذي يفيد اعتبار جميع الكائنات حيةً [مثل مذهب الإيمان بروح الأشياء animism، وهو الذي يرتبط بمذهب الحلول الفلسفي immanence]؛ أي حلول روح الله جلَّ وعلا في جميع المخلوقات حتى الجماد.

الاستبطان/التَّأمُّل الباطنيُّ introspection

هذه سمةٌ مميِّزةٌ لكلِّ شخصيةٍ انطوائيةٍ، وكان يونج يؤمن بممارسة الاستبطان لكلِّ من يمارس علم النفس التحليلي، ويلحُّ على ضرورة ذلك.

الانطوائيَّة introversion

يقول يونج: «الانطواء يعني تحويل الليبيدو؛ أي الطاقة النفسية إلى الداخل؛ تعبيرًا عن علاقة سلبية بين الذات والموضوع. فالاهتمام لا يتوجَّه نحو الموضوع بل يتراجع نحو الذات. وكلُّ من يتَّسم موقفه بالانطوائية يفكر ويشعر ويتصرف بأسلوبٍ يثبت بوضوحٍ أن الذات هي العامل الرئيسيُّ فيما يتعلق بالدوافع، وأن الموضوع لا يحظى في أحسن الأحوال إلا بقيمةٍ ثانويةٍ. وقد تتسم الانطوائية بزيادة الطابع الفكريِّ أو زيادة الطابع العاطفيِّ، مثلما يمكن أن تتسم بالحدس أو الإحساس. وتعتبر الانطوائية فعالةً عندما تظهر الذات إرادتها لعزلةٍ معينةٍ تجاه الموضوع، وتعتبر سلبيةً عندما تعجز الذات عن أن تعيد إلى الموضوع الليبيدو؛ أي الطاقة النفسية التي تتدفق مرتدةً منه. وإذا أصبحت الانطوائية عادةً ملازمةً للشخصية أطلقنا عليها صفة النمط الانطوائي.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٦٧)

الحدس intuition

يقول يونج: «الحدس في نظري وظيفةٌ سيكلوجية أساسيةٌ. إنها الوظيفة السيكلوجية التي تنقل المدركات الحسية بطريقةٍ غير واعيةٍ، وكلُّ شيءٍ، خارجيًّا كان أو داخليًّا، وكلُّ ما يرتبط به؛ يمكن أن يكون من موضوعات الإدراك المذكور. ويتصف الحدس بهذه الصفة العجيبة؛ أي إنه ليس إحساسًا ولا شعورًا، ولا نتيجةً فكريةً، على الرغم من أنه قد يظهر في أيِّ شكلٍ من هذه الأشكال. فأيُّ مضمونٍ يمكن أن يقدَّم من خلال الحدس باعتباره كيانًا كلِّيًّا كاملًا، من دون أن نقدر على أن نشرح أو أن نكتشف كيف توصلنا إلى هذا المضمون. فالحدس ضربٌ من ضروب الإدراك الغريزي، بغضِّ النظر عن طبيعة محتوياته. وهو يشبه الإحساس في أنه وظيفةٌ إدراكيةٌ لا عقلانيةٌ، ومحتوياته مثل محتويات الإحساس، تتميز بأنها مفترضةٌ، على عكس طابع المحتويات التي نتوصل إليها بالاستقراء أو الاستدلال في حالتَي الشعور والتفكير. ومن ثمَّ فإن المعرفة الحدسية تتَّسم بطابعٍ أصيلٍ هو اليقين والاعتقاد الثابت، وكان ذلك ما دعا سبينوزا إلى أن يقول: إن المعرفة الحدسية scientia intuitive أعلى شكلٍ من أشكال المعرفة. ويشترك الحدس في هذه الصفة مع الإحساس الذي يعتبر أساسه الماديُّ مصدر اليقين فيه وعماده، وبالأسلوب نفسه يعتمد اليقين في الحدس على مادةٍ نفسيةٍ محددةٍ وحقيقيةٍ، وإن كانت الذات غير واعيةٍ بمصدرها وحالة جاهزيتها.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٦٧–٥٦٨)

غير عقلانيٍّ/لا عقلانيٌّ irrational

يقول يونج: «لا أقصد بهذا المصطلح الإشارة إلى ما هو مناقضٌ للعقل reason بل إلى شيءٍ يقع خارج مجال العقل، ومن ثمَّ فإثبات جوهره لا يقوم به العقل.

والحقائق الأولية تنتمي إلى هذه الفئة كقولك إن للأرض قمرًا، وإن الكلور عنصرٌ، وإن أعلى كثافةٍ للماء توجد في درجة الحرارة ٤٫٠ مئوية، والحادث العارض أيضًا غير عقلانيٍّ على الرغم من أنه يمكن وضع تفسيرٍ عقلانيٍّ له.»

ويواصل يونج عرض نظريته عمَّا هو عقلانيٌّ وما هو غير عقلانيِّ بمعنى أنه ينتمي إلى حقائق نفسيةٍ نقبلها من دون محاولة عقلنتها، ضاربًا أمثلةً من وظائف الشخصية الحدسية والشعورية والحسية، ويختتم عرضه قائلًا:

«وعلى الرغم من أن الأشياء غير العقلانية لا يمكن أن تصبح مادَّةً علميةً، فإن علم النفس العمليَّ يولي أهميةً كبرى للتقييم الصحيح للعامل غير العقلانيِّ. فعلم النفس العمليُّ يثير مشكلاتٍ كثيرةً تفلت من أيدي الحلِّ العقلانيِّ، ولا يمكن حلُّها إلا حلًّا غير عقلانيٍّ؛ أي إنها لا يمكن أن تحلَّ إلا بطريقةٍ لا تتفق مع قوانين العقل.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٧٠–٥٧١)

كامنٌ latent

قوانين التَّداعي laws of association

ليبيدو/طاقة نفسية libido

يقول يونج: «هذا المفهوم مرادفٌ في نظري للطاقة النفسية.» (عن سيكلوجية اللاوعي، ص٥٢٣)

«الطاقة النفسية هي شدة النشاط النفسي؛ أي قيمته السيكلوجية. ولا أقصد أن أعني بذلك أية قيمةٍ مبثوثةٍ؛ أخلاقيةً كانت أو جماليةً أو فكريةً»؛ فالقيمة السيكلوجية تقاس بمدى قدرتها على التحكُّم والحسم، وهي التي تتجلى في عملياتٍ نفسيةٍ محددةٍ («آثارها»). والليبيدو كما أفهمه ليس قوةً force نفسيةً؛ فذلك سوء فهمٍ ضلَّل الكثير من النقاد؛ إذ إنني لا أتصوَّر الطاقة النفسية في صورةٍ مجسدةٍ، ولكنني أستعمل المصطلح باعتباره مفهومًا يشير إلى الشدة أو القيمة. أما مسألة وجود قوَّةٍ نفسيةٍ محددةٍ أو عدم وجودها فلا علاقة له بمفهوم الليبيدو.

«وكثيرًا ما أخلط بين استعمال الليبيدو والطاقة.»

(الأنماط السيكلوجية، ص٥٧١–٥٧٢)

مقدمة الجزء الثاني من رموز التحول (١٩١٢م) بعنوان «مفهوم الليبيدو»، و«تحوُّل الليبيدو» ص١٣٩.

غريزة الحياة life instinct

يقول معجم صمويلز: «عندما يكتب يونج عن غريزة الحياة؛ فإن كلامه يرتبط دائمًا بغريزة الموت؛ وذلك لأنه كان مهتمًّا بأشكال امتزاج قوة التقدُّم بقوة النكوص في النفس. فرموز الموت وصوره على سبيل المثال، يمكن أن تفهم من حيث مغزاها ومعناها للحياة، في حين أن خبرات الحياة وخاطراتها تحتاج إلى أن تؤوَّل construed باعتبارها مؤديةً إلى الموت. ويمكن تلخيص منظوره في قولنا إننا نبصر الحياة باعتبارها استعدادًا للموت، ونبصر الموت باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الحياة.
«واستعمال يونج لتعبير «غريزة الحياة» أقلُّ دقَّةً من استعمال فرويد له. إذ لا نكاد نجد عند يونج ذلك التوتر الذي يصوِّره فرويد بين غرائز الحفاظ على الذات والحياة الجنسية. (والواقع أن مفهوم يونج «لغريزة الحياة» أقرب إلى مفهوم فرويد «لإيروس» Eros؛ أي التصوُّر العام لميل البشر إلى التجمُّع، ودعم بعضهم بعضًا، والوحدة؛ ومن ثمَّ التقدُّم). ولكن إشارات يونج إلى غريزة الحياة أقرب ما تكون إلى الإشارة إلى طاقة الحياة العامة، أو الدافع الحيوي élan vital أو حركة الروح في الكائنات. ولكن ذلك يؤدِّي إلى مشكلة نظرية؛ لأننا إذا اعتبرنا الطاقة مساويةً لغريزة الحياة، وهي تغذو في الوقت نفسه غريزة الموت، فلا بدَّ أن تكون النتيجة أن غريزة الحياة هي التي تغذو غريزة الموت. ويمكن التغلُّب على هذه الثنائية بوضع نموذجٍ بديلٍ عنها تتمتع فيه غريزة الحياة بالأولوية. وكان يونج يحاول تجنُّب ذلك بالعودة إلى فكرة الطاقة باعتبارها محايدةً؛ أي باعتبارها تغذو غريزتي الحياة والموت معًا، وعندها تعتبر الغريزتان خادمتين للنفس وللإنسان أو لأيٍّ منهما.» (صمويلز، ص٨٦)

الكلمة/الحكمة/العقل الأساسي logos

لوجوس كلمة يونانية يقول تعريفها إنها «الكلمة» أو «العقل»، وكان هيراقليطس المنتمي إلى عهد ما قبل سقراط يرى أن «اللوجوس» يعني العقل العالمي الذي يحكم العالم، ويبدو أن هذا المعنى هو الذي يستخدم يونج هذه الكلمة فيه، لكنه كان يعتبره مبدءًا وحسب؛ أي إنه لم يكن يتمتع لديه بمكانة «صورة الرب» أو المقابل المجازي لأي نمطٍ فطريٍّ؛ فاللوجوس عنده هو «العقل الأساسي»، وهي فكرةٌ تعاليَّةٌ تعبِّر عن نفسها في حياة الأفراد، بمعنى أن كل فرد له اللوجوس الخاصُّ به؛ أي المنطق الخاصُّ به الذي يربطه آخر الأمر بالمعنى (أي بمعنى الحياة).

ومعنى أن اللوجوس مبدأٌ يعني أن يونج كان يتحدث عنه باعتباره روحًا لا مادَّةً، وكان ينسبه إلى الذكور. وكان يستخدم كلماتٍ مثل الحكم، والتمييز، والبصيرة مرادفاتٍ للُّوجوس، وبذلك يفرِّق بينه وبين إيروس الذي كان يراه مبدأ الأنوثة المقابل له، وكان يقرنه بكلماتٍ مثل الحبِّ، والصلة الحميمة intimacy والارتباط بالغير relatedness. ويعتبر يونج أن اللوجوس مضادٌّ لإيروس، ولما كان قانون الانقلاب إلى الضدِّ enantiodromia يقول: إن التطرف في الاعتماد على مبدأٍ ما «يكوكب» [constellates] ضدًّا له؛ أي يؤدِّي إلى تشكيل مبدأٍ مضادٍّ له؛ فإن الرجل الذي يتخذ موقفًا متحجرًا في دفاعه عن اللوجوس يجد نفسه محاصرًا بالمبدأ النفسي المقابل له، وهو الذي يتولَّى تفعيله في اللاوعي لديه صور الأنيما (أي الأنثى). ويتضمن لوجوس فكرة العالمية، والتكوين الروحيَّ، والوضوح والعقلانية. ومن ثمَّ فيمكن أن يتماهى اللوجوس مع الأنيموس. وكل هذا يتناقض مع الصفات الشخصية المشبعة بالمشاعر المربكة النابعة من الأنيما. ومع ذلك فكلاهما من دوافع السلوك البشريِّ.

ويعترف يونج أن لوجوس، مثل إيروس، مفهومٌ من المحال تعريفه بدقةٍ أو الالتزام به في الحياة العملية، ويرى أن هذا أمرٌ مؤسفٌ من الناحية العلمية، وأما من الناحية الواقعية فإنه لا مناص من الصَّوغ النظريِّ لكلِّ مجالٍ من مجالات الخبرة. ويقول إنه كان يفضِّل استعمال أسماء لكلٍّ من صورتَي اللوجوس والإيروس، ويعني بها أسماءً مثل الشمس والقمر، وهي التي يستخدمها الخيميائيون، بحيث يجسد هذه المجردات، ولكنه يعترف بأن استخدام الصور يتطلب مخيِّلةً منتبهةً وذات حيويةٍ، وهي غير ملائمة في جميع الحالات للذين يلتزمون بالتجريد الفكري. فالصورة أشدُّ ثراءً؛ ولكنَّ الذهن لا يستطيع إدراكها وحده؛ إذ كتب يقول في هذا الصدد، «إن المفاهيم قيمٌ نسكُّها ونناقشها، أمَّا الصور فهي الحياة.» (المجلد ١٤ الفقرة ٢٦، وما بعدها)

فقدان الروح loss of soul

هذه حالةٌ مرَضيةٌ «غير طبيعية» وعصابية، ودائمًا ما تعرَّض الإنسان لخطرها منذ الأزل، وتعني انقطاع الصلة مع الحياة النفسية الفردية، وتتَّسم بانخفاض تركيز الوعي وإن لم تقتصر عليه، وكثيرًا ما تظهر في منتصف العمر، وقد تكون مقدمةً للمزيد من التفرُّد، وهذه مفارقةٌ؛ إذ يؤكِّد يونج أن «القيم التي يفتقر الفرد إليها في تلك الفترة قائمةٌ في الحالة العصابية نفسها» (المجلد ٧، الفقرة ٩٣).

ويقول يونج: إن هذه الحالة يصاحبها فقدان الطاقة، وفقدان الإحساس بالمعنى والغرض، وانخفاض مستوى الإحساس بالمسئولية الشخصية، وغلبة العاطفة، والوقوع آخر الأمر في هوَّة الاكتئاب والنكوص وميل الوعي إلى التَّفتُّت. ويضيف يونج أن هذه الحال إذا لم ينجح المرء في التصدِّي لها، فقد تؤدِّي إلى تذويب شخصية الفرد في النفس الجمعية، خصوصًا عند الشعوب البدائية. ويقول أحد شرَّاح يونج إن هذه الحال تميِّز الفرد الذي يشعر بالضياع الناجم عن عدم توافر فرصة تحقيق ذاته، فيجد في أية نفسٍ جماعيةٍ (مهما تكن تلك الجماعة) تعويضًا عن فقدان نفسه، وهو ما يحدث عادةً في مرحلة الشباب؛ إذ يستمدُّ من النفس الجماعية قدرًا من التعويض اللاواعي عمَّا فقده، فتنحلُّ إرادته ويعجز عن التحلِّي بالحزم والعزم اللازمين لإثبات وجوده، وهو ما يتبدَّى في الجماعات الدينية المتطرفة في أوروبا إلى حدٍّ ما وفي أمريكا إلى حدٍّ كبير. ويضيف فريد بلاوت Plaut (١٩١٣–٢٠٠٩م) الذي كان محرِّرًا لمجلة «علم النفس التحليلي» أن ما يبدو في صورة تعصبٍ دينيٍّ أو «لوثة استغراق في الغيب» ليس إلا فقدانًا للروح بالمعنى اليونجيِّ، والطريف أن هذه المقولة جاءت في سياق بحثٍ نشره عام ٢٠٠٤م في المجلة المذكورة، وكان في الحادية والتسعين من عمره.

الكون الكبير macrocosm

من النظريات الفلسفية التي تأثر بها يونج نظرية «الكون الكبير» أو المَقْروقُزْم، حسبما عرَّبه بعض مفكري العرب في زمن الجاحظ الذي يعبر عنه الإنسان ما دام يمثل نظامًا محكمًا ويخضع لقوانين عالميةٍ؛ فهو ميكروقزم microcosm أو صورةٌ مصغرةٌ للكون الكبير. والفكرة نفسها قديمةٌ وتنسب إلى أفلاطون (٤٢٧(؟)–٣٤٧ق.م) وإن كانت بعض الشَّذرات الفلسفية تدلُّ على وجودها في صورة أنماطٍ فطريةٍ في الأساطير التي صاغها فلاسفة ما قبل عصر سقراط في صورة مذهبٍ فكريٍّ متماسكٍ. ولكن يونج لم يكن يشير إلى هذه الجذور الفلسفية اليونانية بل إلى صور ذلك المذهب في الهند وفي الصين، حيث كانت النصوص القديمة التي كُتب لها البقاء وكُتب للعارفين بها تقديم الشروح التي درسها المتخصصون وعلَّقوا عليها، مثلما علَّق يونج نفسه عليها، وأهمُّ ما انتهى إليه في هذا الصدد هو أن المقروقزم يقوم على مبدأ الأنوثة؛ أي مذهب الحبِّ والعطاء والرعاية، وأن هذا المبدأ أصيلٌ في الإنسان، متحقِّقٌ في الأنماط الفطرية للأرض ولكلِّ ما يوحي بدورة الحياة، كما يوحي بها رمز المندلة mandala؛ أي الدائرة السحرية، وما تشتمل عليه من أشكالٍ رباعيةٍ تنتظم حول المركز، وترمز للطاقة النفسية في الإنسان؛ أي الكون الصغير؛ أي الميكروقزم، وكان انشغال يونج بهذا الرمز يتضمن أيضًا مبدأ الحركة على المستوى الصغير الذي يمثل الحركة في الكون الكبير. وكان للحركة عند يونج نموذجٌ أساسيٌّ هو التحوُّل، وهو الذي رصده في الخيمياء وبسط القول فيه في كتابه: «رموز التحوُّل» (١٩١١–١٩١٢م).
ويقول ستيفنز إن المفكرين في القرون الوسطى وضعوا رسومًا بيانيةً كثيرةً لإيضاح المبدأ الرباعيِّ الذي يقوم عليه الكون، وكيف أن هذا المبدأ يتضمن المراحل الأربع لحياة الإنسان، وكان من أشهر هذه الرسوم رسمٌ وضعه القديس (إيزادور الإشبيليُّ isadore of seville ت ٦٣٦م) بعنوان كتاب عن طبيعة الأشياء، ويتضمن سبعة أشكالٍ للكون الكبير، ستةٌ منها في صورة دوائر، وكان للكتاب أهميته الخاصَّة؛ أولًا لأنه يمثل مفهومًا استعاره من أحد آباء الكنيسة، ويدعى أمبروز ambrose، ألا وهو الثنائيُّ المقترن syzygy الذي يشير إلى تنظيم العناصر الأربعة في ثنائياتٍ تؤكِّد الصلات القائمة بينها، وهو المفهوم الذي استعمله يونج بدوره في دراسة سيكلوجية الذكر والأنثى، وثانيًا لأن الرسوم البيانية التي وضعها إيزادور تقيم رابطةً بين الرباعيات في الكون الكبير (المقروقزم) مثل عناصر الطبيعة والفصول الأربعة، والرباعيات في الكون الصغير (الميكروقزم) مثل أخلاط البدن الأربعة ومراحل الحياة الأربع، وبذلك تؤكِّد العقيدة القروسطية أن الإنسان عالمٌ صغيرٌ وأن العالم إنسانٌ كبيرٌ.
ويورد ستيفنز صورةً لمندلة ترجع إلى القرن الحادي عشر الميلاديِّ رسمها راهبٌ من رهبان دير رمزي Ramsey في إنجلترا اسمه بيرتفيرث Byrhtferth ويبين التوافق فيها بين رباعيات الكون ورباعيات الإنسان، قائلًا: «كانت تلك الأشكال البيانية للكون تحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ وتنشر على نطاقٍ واسعٍ وفي نسخٍ متعددةٍ؛ الأمر الذي يدلُّ على قوة جاذبيتها لنفس الإنسان. فلقد كانت محاولاتٌ لتمثيل رؤيةٍ متكاملةٍ للطبيعة حيث يعيش الإنسان في وفاقٍ مع كونٍ ذي نظامٍ محكمٍ كي يعبد الله.» (ستيفنز، ١٩٩٠م، ٦٩–٧٠)

ويضيف ستيفنز قائلًا: «كان رأي يونج في حياة الإنسان يتفق اتفاقًا كاملًا مع هذه التقاليد. وكان علم النفس لديه علمًا بالكون أيضًا؛ إذ إنه كان يرى أن جميع الجهود البشرية منطلقةٌ من داخل سياق الديمومة. فالنفس في نظره تتمتع بوجودٍ مستقلٍّ باعتبارها كيانًا طبيعيًّا موضوعيًّا، وتخضع للقوانين نفسها التي تحكم الكون، وتعتبر في ذاتها تعبيرًا فائقًا عن هذه القوانين.» (المرجع نفسه، ص٧١–٧٢)

السحر magic

يفسره يونج بأنه محاولةٌ لاعتراض طريق قوى اللاوعي أو التوحُّد معها، إمَّا ابتغاء استرضائها وإمَّا لتدميرها؛ أي إن الغاية مناهضة قواها الجبارة أو التحالف مع أغراضها التنافسية. ويقول يونج إنه كلما اشتد ضيق مجال وعي الشخص، ازداد في حالاتٍ كثيرةٍ احتمال مواجهة العوامل النفسية بصفتها أطيافًا شبه خارجيةٍ، إمَّا في شكل أرواح وإمَّا باعتبارها قوًى سحريةً أسقطت على الأحياء من الناس، أو على الحيوان أو الجماد، وهو يرى أن هذا الإسقاط مركَّبٌ مستقلٌّ، أو نصف مستقلٍّ ولم يأن بعد خضوعه للتكامل؛ أي للاندماج في البنية النفسية.

ومن ثمَّ فإن الإيمان بالسحر يعني أن للاوعي قوةً لا يستطيع الفرد أن يحكم السيطرة عليها، أو لا سيطرة له عليها إطلاقًا، كما يعني أن أداء الطقوس السحرية يمنح الشخص إحساسًا أكبر بالأمن. فوظيفة هذه الطقوس الحفاظ على التوازن النفسي. وأما الشخص القادر على التدخل في هذه الحال (سواء كان ساحرًا، أو شامانًا [عرَّافًا] أو ساحرة أو كاهنًا أو طبيبًا) فيعتبر شخصًا يتمتع بنوع من الطاقة الخارقة؛ فهو شخص يقف على حدود العالم الماديِّ liminal ويمثل بعض الأنماط الفطرية، الأمر الذي يجعله مرادفًا للشخصية المانية mana personality.

(انظر أدناه).

ذكر male

مانا mana

كلمة مانا من كلمات اللغة الرئيسية التي يتكلمها سكان مجموعة من الجزر تسمَّى ميلانيزيا melanesia في شمال شرقي أستراليا في المحيط الهادئ، وتعني الطاقة الجبارة المنبثقة من إنسانٍ أو شيءٍ أو فعلٍ أو حدثٍ أو من الكائنات الخارقة والأرواح. والمرادف الحديث لها كلمة «كاريزما» التي عادةً ما نترجمها بسحر الشخصية. والمقصود الطاقة النفسية الجبارة، والكلمة مأخوذة من الأنثروبولوجيا (معجم أنييلا جافا، ص٣٩٦)

الشخصية الساحرة/الشخصية المانية mana personality

نعني بصاحب الشخصية المانية أنه شخصٌ ذو قوةٍ حيويةٍ قادرةٍ على التغلغل في كل شيءٍ، وهي قوة تعتبر مصدرًا أوليًّا للنمو أو للشفاء السحري، ويمكن تشبيهها بالمفهوم البدائيِّ للطاقة النفسية؛ فهذه «المانا» قادرةٌ على أن تجتذب النفوس أو تصدَّها، وأن تدمرها أو تشفيها، وأن تواجه الأنا بقوةٍ أشمل وأعظم. وينبغي عدم الخلط بينها وبين الروح المسيطرة numinosity وهي التي لا تنتمي إلا إلى الحضور الرباني. وأمَّا قوة «المانا» فشبه ربانيةٍ فقط وتتعلق بالساحر الوسيط أو الكاهن أو الطبيب، أو المخاتل، أو القديس، أو الأبله الذي يتبارك به، أو بأي شخصٍ يشارك في عالم الروح مشاركةً تكفل له القدرة على بثِّ الطاقة المذكورة.

ويقدم صمويلز تحليلًا ضافيًا لتطوُّر صورة الشخصية المانية في الفترة التي تلت وفاة يونج، خصوصًا فيما يتعلق بالعلاج النفسي؛ إذ يقوم المحلل أحيانًا بدور الشخصية المانية باعتبارها شخصيةً «انتقاليةً»؛ أي تمارس قوتها في فترة انتقال المريض من حالة «الانجذاب» إلى الأنيما أو الأنيموس إلى الانجذاب إلى الطبيب؛ فالطبيب يقوم بدايةً بدور الشخصية المانية، وعند انتهاء الفترة الانتقالية يتوجَّه الفرد إلى قوةٍ خارجيةٍ وإن كانت تتمثل للشخص داخل نفسه، في صورة كيانٍ روحيٍّ، ويقول يونج: «إن «المانا» تستمسك بالمركز المنشود في منتصف الشخصية؛ أي ذلك الشيء الذي يستحيل التعبير عنه والذي يتوسط الأضداد، أو يوحِّد بينها، أو ينجم عن الصراع، أو يكون ثمرةً للتوتر في الطاقة؛ أي ميلاد الشخصية، وهي خطوةٌ بالغة العمق على طريق التقدُّم؛ أي إلى المرحلة التالية» (المجلد ٧، الفقرة ٣٨٢).

ويقول صمويلز:

تظهر الشخصيات المانية كلما قامت «الأنا» بمواجهة الذات مواجهةً واعيةً، أمَّا إذا نظرت إليها باعتبارها صورًا باطنة imagos وحسب للأب أو للأم، فيعني أنك تختزلها في صياغة تقصرها في نظر يونج على تلك الصور. أمَّا الشخصية المانية فهي صورةٌ مثاليةٌ لا يمسُّها الفساد وتنهض بدورٍ جوهريٍّ في عملية التدشين initiation وبعدها يكون المرء قد اكتسب إحساسًا جديدًا بفرديته. وأمَّا الخطر الذي يكمن في الفترات الانتقالية فهو أن يتماهى الفرد مع الشخصيات المانية وهو ما يؤدي إلى تضخمٍ معيبٍ في الشخصية. (صمويلز، ١٩٩٠م، ص٩٠)

المندلة mandala

الكلمة من اللغة السنسكريتية sanskrit التي تعتبر من أسرة اللغات الهندية الأوروبية التي انحدرت منها لغاتٌ كثيرةٌ في جنوب غربي آسيا والهند وبعض اللغات الأوروبية مثل اليونانية والجرمانية والإيطالية القديمة والسلافية إلى جانب بعض اللغات الأخرى في آسيا مثل اللغتين الإيرانيتين وهما الأفستانية والفارسية القديمة. وتستخدم السنسكريتية حاليًّا في العبادات الخاصَّة بالدين الهندوسي، والبوذية، وعند السيخ واليانية أيضًا. والكلمة تعني الدائرة السحرية في لغتها الأصلية، ولكنها دائرةٌ خاصَّةٌ؛ لأنها دائمًا ما تتضمن شكلًا رباعيًّا، بحيث يمكن اعتبار الدائرة وفق ما يقوله يونج رمزًا للمركز أو للهدف أو للذات باعتباره رمز الشُّمول؛ أي النفس الكاملة، أو حتى التمثيل الذاتيَّ للعملية النفسية الرامية إلى تحديد مركز جديد، ودائمًا ما يوجد فيها الشكل الرباعيُّ أو الرقم ٤ أو مضاعفاته، وفي الدين «اللامي» وفي اليوجا التنترية lamism & tantric yoga تعتبر وسيلة التأمل الديني. وتعبير المندلة المضطربة disturbed mandala يشير إلى أي شكلٍ ينحرف عن المركز، أو المربع، أو الصليب المتساوي الأضلاع ورقمه الأساسي هو أربعة (معجم أنييلا جافا، ص٥٢٣).

ويقول يونج: «إن هذا الشكل لا بدَّ أن يكون بالغ القدم؛ لأن الربَّ المصريَّ حورس يصوَّر مع أبنائه الأربعة من حوله عند المصريين القدماء … وتحاكيه المندلة القروسطية في وضع المسيح في المركز ومن حوله الرسل الأربعة … وكثيرًا ما تتخذ المندلة صورة زهرة أو عجلة تتميز بالميل الواضح إلى إظهار الرقم أربعة.» (يونج: تعليق على سر الزهرة الذهبية، المجلد ١٣، الفقرة ٣١)

ويقول يونج أيضًا إن المندلة عادةً ما تظهر في حالات التشويش النفسي والتخبط الروحيِّ؛ ومن ثمَّ فإن ظهورها يعتبر نمطًا فطريًّا يمثِّل نسقًا منتظمًا يفرضه الوعي على الاختلاط النفسي بحيث تنتظم الوظائف الأربعة للنفس [التفكير والشعور والإحساس والحدس] ويرتبط بعضها ببعض في حمى الدائرة التي تضمُّ الأركان الأربعة. (يونج: الحضارة في مرحلة انتقالية، المجلد ١٠، الفقرة ٨٠٣)

الجليُّ/يتجلَّى/يظهر بوضوحٍ manifest

الاقتران/الزواج/الانضمام marriage

للمصطلح عدَّة معانٍ تعبِّر عنها الألفاظ العربية المذكورة، ويعتمد القارئ عادةً على السياق ليعرف أيًّا من هذه المعاني يريدها يونج، فأمَّا المعنى الأوَّل فهو الزواج؛ أي العلاقة الطويلة الأجل بين الجنسين، والمعنى الثاني هو الاقتران الباطن بين الأنيموس (الجانب المذكر) والأنيما (الجانب المؤنث) داخل نفس الفرد، والمعنى الثالث هو انضمام coniuncto جانبين متضادين، والمعنى الرابع مجازيٌّ وهو الزواج المقدس hierosgamos أو الروحيُّ (انظر فصل الخيمياء في الدراسة).

كان يونج يعتقد أن الأضداد تتجاذب، ويرى أن حالات الزواج بالمعنى الأول من المحتمل أن تضمَّ شخصياتٍ متفاوتة الطباع، بل إنه وضع نموذجًا خاصًّا له في المجلد ١٧ في الفقرات ٣٢٤–٣٤٥ وعنوانه: «تطور الشخصية» (١٩٥٤م) يتضمن فصلًا عنوانه: «الزواج باعتباره علاقةً سيكلوجية»، أعيد نشره في المختار من كتابات يونج، من تحرير كامبل (وكان قد نشر أصلًا عام ١٩٢٥م، انظر العلاقة الزوجية في الفصل السادس من الدراسة). ويهمني في هذا المعجم تقديم النموذج المذكور من دون الدخول في التفاصيل الواردة في الدراسة، ومن دون التعرُّض لآراء النقاد المؤيدين والمعارضين على حدٍّ سواء.

يقول يونج: إن الزواج بالمعنى الأول يفترض أن أحد الزوجين يتسم بسيكلوجية شخصيةٍ أشدَّ تعقيدًا من زوجه (ولا تمييز هنا بين الجنسين). وهكذا فإن الشخصية ذات التركيب الأكبر تحتوي contain الشخصية الأبسط تركيبًا، ويمكن أن تنجح العلاقة فترةً زمنيةً معينةً. ولكن الشخصية ذات التركيب الأكبر سوف تجد أن شريكها أو شريكتها لا يقدم إليها الإثارة المنشودة، ومن ثمَّ سوف تسعى (خارج الزواج) إلى ما تراه مصدرًا للإثارة المذكورة. وتؤدي هذه الحال إلى أن تعتمد الشخصية الأبسط (والمحتواة) اعتمادًا أكبر على هذه العلاقة، ومن الأرجح أن تستثمر كلَّ شيء فيها. ويقول يونج: إن تجاربه مع مختلف الأزواج (رجالًا ونساءً) دلَّته على أن الشخصية التي تقوم بالاحتواء تخفي حاجةً سريَّةً إلى من يحتويها، وهي تشبع هذه الحاجة من خلال الاتصال والتواصل مع شخصياتٍ أخرى. وعلاج هذه الشخصية يتمثل في إدراك حاجتها إلى الاعتماد على غيرها، وأما الشخصية المحتواة فعليها أن تدرك أن خلاصها لا يكمن في شكل شريكها «الآخر».
هذا هو النموذج الذي يقدِّم ما أصبحنا نشير إليه اليوم بتعبير التواطؤ collusion ومعناه الاتفاق الخفيُّ بين الزوجين على معايير معينةٍ للعلاقة، وقد تتضمن ما يسمَّى في الغرب الزواج المفتوح open marriage؛ أي الذي لا يتقيد فيه الزوجان باليمين الذي أقسماه في حفل الزفاف أمام الكاهن، ويشير إليه أحد الظرفاء باسم الاحتكار الجنسيِّ، وأمَّا نحن في الشرق فإن لنا نظمًا تتطلب دراساتٍ نفسيةً ربما تختلف كثيرًا عن نموذج يونج. فنحن نحتاج إلى أن نأخذ في اعتبارنا علاقة كلِّ من الزوجين بالآباء والأمهات، والآثار «الخارجية»؛ (أي المادية من اجتماعية ودينية بل واقتصادية) التي تتحكم فيما يسميه يونج البناء المعقد complicated أو المركَّب complex للشخصية.

(انظر لمحاتٍ من حياة فرويد ويونج حيث أقصُّ طرفًا مما يحكيه يونج في سيرته الذاتية وبعض ما أورده كامبل عن زواج كلٍّ منهما في مقدمة كتابه المشار إليه.)

مذكر masculine

(انظر gender).

الهيولى/العماء massa confusa

المادة التي لا شكل لها والتي يفترض وجودها قبل خلق العالم؛ أي تشكيله أو تسويته، يقول تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ (فصِّلت: ١١)، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة: ٢٩) وكان التعبير اللاتينيُّ يعتبر موازيًا لكلمة خاءوس Chaos اليونانية قبل أن تشيع ترجمتها بالعماء.

النظام الأموي maternal system

يؤمن يونج بأن الفرد يتطور تطورًا نفسيًّا متزامنًا مع تطوره الجسدي، بمعنى انتقاله من «نظام عاطفي» إلى نظام عاطفيٍّ آخر، كما يبين في المجلد السابع، في الفقرة ٣٠٠ (وعنوان الكتاب: «مقالتان عن علم النفس التحليلي») حيث يشرح ما يتصور أنه التطور المستمرُّ والمحتوم داخل النفس ما بين نظمٍ عاطفيةٍ يشترك فيها مع الثدييات العليا primates، والتقط هذا الخيط بعض علماء البيولوجيا الذين حددوا هذه النظم وقسموها إلى خمسة نظمٍ، رابعها هو النظام الأمويُّ الذي يحفز المرأة على رعاية الطفل وإمداده بالغذاء والأمن العاطفيِّ، حتى ولو لم تنجب؛ فهو نظامٌ عاطفيٌّ فطريٌّ تصل إليه المرأة في مرحلة النضج، ويصاحبه أو يتلوه النظام الأبوي الذي يدفع الرجل إلى حماية الصغار والدفاع عن سلامتهم، وهذه النظم من وضع ﻫ. ف. هارلو، وم. ك. هارلو، اللذين يعرض آراءهما لفنسون في كتابٍ من تحريره بعنوان: «مواسم حياة الإنسان»، ١٩٧٨م.

المعنى meaning

يعرِّفه صمويلز (ص٩٢) بأنه الصفة المنسوبة إلى شيءٍ تمنحه قيمته، قائلًا إن هذه القضية شغلت يونج طول عمره، وانتهى من بحوثه فيها إلى أن موقع المعنى هو النفس وأن النفس وحدها هي التي تستطيع أن تتبين معنى كلِّ ما يمرُّ به المرء من خبراتٍ، وبذلك يؤكد الوظيفة الجوهرية لتأمل الحياة النفسية وينفي اقتصار الوعي على الذهن؛ إذ كان يراه عاملًا أساسيًّا من عوامل العصاب (انظر aetiology of neurosis أعلاه) ومن ثمَّ فإن اكتشاف معناه هو الطريق إلى الشفاء، قائلًا: «لا بدَّ لنا أن نفهم أن العصاب النفسي psychoneurosis معاناة روحٍ لم تكتشف المعنى في آخر المطاف» (المجلد ١١ الفقرة ٤٩٧) ومع ذلك فهو لا ينفي إمكان اعتبار الحياة بلا معنى، قائلًا: إن قضية المعنى تقوم على مفارقة: فالمعنى الذي يمنحه المرء للحياة نابعٌ من وعيه، وصياغته من ثمَّ قائمةٌ على أسطورةٍ، ما دام الإنسان عاجزًا عن اكتشاف الحقيقة المطلقة، ومع ذلك فإن اكتشاف المعنى خبرةٌ قائمةٌ على نشاطٍ روحانيٍّ يصاحبه الإحساس بالرهبة، ولغز الوجود، والرعب، وهي مشاعر دائمًا ما تقترن بالحضور الربانيِّ مهما تكن صورته. ويقول ستور: كان يونج يؤمن بأن الرضى والسكينة مشاعر دينيةٌ؛ فالفرد حين يضحِّي بالأهداف الدنيوية للأنا، ويقبل ما تأتي به المقادير — يدرك أنه يتوكل على ما يتجاوز الأنا، وما تحيا آياته في الآفاق وفي نفسه؛ فهو يراها في الأحلام وفي تأملات الكون، وهكذا فإن المعنى النابع من داخله يمنح حياته هدفًا وقيمةً؛ فالإنسان لم يخلق سدًى ولن يترك سدًى. (ستور: يونج، ص٨٢–٨٣)

وسيط/الوسيط الروحاني medium

كلمة وسيط الإنجليزية بهجائها الحالي لاتينية، وهي صيغة الجماد neuter من medius بمعنى الوسط القريبة من اليونانية mesos وقد دخلها التحريف الصوتي الذي دخل على الأصل في اللغة الهندية الأوروبية وهو medhjo فأصبحت midd بالإنجليزية القديمة، وmidjis في القوطية (أي الجرمانية القديمة) ويلاحظ أن حرف j ينطق ياءً في جميع الصور الصرفية، كما يلاحظ أن الحركة التالية للميم المبدئية تكون أحيانًا i وأحيانًا e وهو ما يرجع إلى اختلاف النطق، وكانت النتيجة أن أصبح لدينا لفظان يعنيان الوسط وهما medium وmiddle وإن اختلفت دلالات كلِّ منهما اختلافًا لا يسمح بإحلال أحدهما محلَّ الآخر. والذي يهمنا هنا هو medium بمعانيها الكثيرة التي تطورت واستقرت. أمَّا المعنى الأساسيُّ المشار إليه فهو الوسيط بمعنى الوسيلة أو الأداة، واشتهر أخيرًا ارتباط هذا المعنى بوسائط الإعلام أو أجهزة الإعلام information media أو وسائط الإعلام الجماهيرية mass media، وأصبح الكتَّاب يشيرون إلى أجهزة الإعلام باسم «ميديا» المعرَّبة فقط، وهذا غير دقيقٍ بطبيعة الحال، وأما المعنى الشائع الآخر للاسم فهو الوسيط الروحانيُّ؛ أي الذي يتوسط بين عالم الأحياء وأرواح الموتى، فقد تتقمصه روح أحدهم وتنطق بلسانه، والفرق الصرفي هنا أن جمع هؤلاء الوسطاء لا يتطلَّب تغيير الصورة بل الاكتفاء بإضافة علامة الجمع s = mediums. وللكلمة معانٍ أخرى لا علاقة لها بموضوعنا؛ أي الوساطة الروحانية. (انظر الفصل الأول)

نفسيٌّ/ذهنيٌّ/عقليٌّ mental

(انظر مناقشة المصطلح في آخر الفصل الأول).

المرض النفسي mental illness

كان يونج من الرواد الذين أشاعوا النظرة الحديثة التي تقول: إن السبب الجذريَّ للعصاب هو اعتلالٌ في النفس، مهتديًا في ذلك بأستاذه جانيه Janet في فرنسا، ومتضافرًا مع فوريل Forel في سويسرا، وفرويد في النمسا؛ إذ كانت النظرة السائدة حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، في الأوساط الطبية وأوساط الطب النفسي، تقول: إن العصاب والأمراض النفسية أمراضٌ تصيب مخ الإنسان. أما يونج فكان منذ بداية عمله في هذا المجال — يؤكِّد اختلافه مع التركيز على البحوث التشريحية في الأمراض النفسية ويصبُّ اهتمامه، بدلًا من هذا على محتوى content الذُّهان psychosis إلى جانب العصاب neurosis. وهكذا اتخذ موقفًا يؤكِّد فيه دور العوامل النفسية الدفينة في علاقتها بالشيزوفرينيا، فاجتهد في تحليل الأوهام delusions والهلاوس المصاحبة لها، حتى أثبت الحقيقة التي تقول: إن هذه كانت نواتج نفسيةً لها دلالتها. وبذلك استطاع الانهماك في دراسة سيكلوجية المرض واتخاذ مدخل العلاج النفسي في التصدي له. ولكن يونج كان يرى أن هذا العلاج على الرغم من قدرته على تخليص المريض من معاناته، لم يكن كافيًا لتحقيق الشفاء، بل ظل يؤكد طول عمره أهمية التفاعل بين المعالج (المحلل) وبين المريض.
ونحن نواجه هنا عدة ألفاظ يصعب العثور على مقابلات عربية دقيقة لها، أولها to treat والمعاني التي تهمنا هنا تبدأ بالفعل (١) «يعامل» أو «يتعامل مع»، والثاني (٢) «يعالج» أو «يتناول»، والثالث (٣) «يداوي» أو «يعالج»، وهكذا فإن الاسم treatment يعني المعاملة أولًا ثم العلاج أو المداواة، وأنا لا أشير هنا إلى الاستخدامات المجازية للاسم أو للفعل، بل لمعانيه الحقيقية؛ ويلاحظ القارئ أن معنى «العلاج» جاء أولًا في الدلالة الثانية وجاء ثانيًا في الدلالة الثالثة، ويقابل هذا فعل يختلف اختلافًا كبيرًا في معناه، على الرغم من مشاركته نسبة محدودة من معنى هذا الفعل، وهو cure؛ فمعناه الأول يشفي من مرضٍ ما، والثاني يعالج أو يداوي، والشائع هو الأول، كقولك «الجراحة قادرة على إبراء فلان من مرضه» surgery should be able to cure him ويختلف اللفظان إن أتيت بصيغهما المنفية، فقولك «المرض لا علاج له» untreatable يعني أننا لا نعرف كيف نعالجه، والمعنى المضمر أنه عضال؛ أي لا شفاء منه incurable وإن كان من الممكن أن يشفى المريض على الرغم من هذا الحكم، أما إذا بدأت فقلت إنه مرض لا شفاء منه، فأنت تقطع بأنه بدايةً مرضٌ فتَّاكٌ terminable. وقد يقول قائل إن الفرق ضئيل بين لفظٍ يوحي بمعنى خفيٍّ ولفظ يصرح به بدايةً، وهذا صحيح، فالأمراض النفسية تختلف أعراضها أو تجلياتها عن الأمراض الجسدية، ومن الطبيعي أن يختلف منظور العلاج (بأمل الشفاء الذي تثبته التجربة) عن منظور علاجٍ قد لا يكون احتمال الشفاء فيه واضحًا للمعالج، ويقابل عند يونج فعلًا ثالثًا يتداخل معناه مع الفعل الثاني وسبقت لي ترجمته ترجمةً مختلفةً، ألا وهو heal وربما كان غرام يونج به مستقًى من أصله الجرماني heilen الكلمة المقابلة للكلمة الإنجليزية القديمة haelan وأصلها hal بمعنى الكامل أو الصحيح مثل الإنجليزية الحديثة hale بمعنى السليم والصحيح البدن، والتي أنت منها whole [التي كان هجاؤها في الإنجليزية الوسطى hool]، والألمانية الحديثة heil وتفيدنا معرفة الأصل الاشتقاقي في فهم مدلولها عند يونج، فأما المعنى الأول للفعل المتعدي فيتفق مع معنى الشفاء ولكن بمعنى العودة إلى السلامة النفسية؛ أي الصحة، بالمعنى المجازي؛ أي عدم وجود نقص أو كسر [مثل الواحد الصحيح في الحساب intiger] ويقابله المعنى الذي نجده في التعبير الإنجليزي i am back all in one piece؛ أي عدت سالمًا. وهذا المعنى ينصرف إلى التئام الجرح healing مثلما ينصرف إلى الشفاء في الاستعمالات الجارية للغة الإنجليزية. ويشيع استعمال هذا في أيامنا هذه في الإشارة إلى الشفاء بقوة الإيمان faith healing والإشارة إلى المعالج الروحاني باسم الشافي healer وإن كنا نؤمن بأن الشافي أولًا وأخيرًا هو الله سبحانه وتعالى، كما يشيع قولنا إن الزمن كفيل باندمال الجرح؛ فالزمن خير شافٍ Time is a great healer وغنيٌّ عن البيان أن كلمة الصحة الحديثة health مشتقة من hal المذكورة آنفًا.

أما سبب هذا الاستطراد اللغوي فهو إصرار يونج على التمييز بين العلاج والشفاء، وتوكيده أن السبيل المؤكَّد لنجاح العلاج مشاركة المحلل (الطبيب) في الحياة النفسية للمريض، وتعامله معه معاملةً جدليةً؛ أي إنه يأخذ بقدر ما يعطي، وصولًا إلى ما يراه كفيلًا بالتئام الجروح، ولو أصيب هو نفسه بجراح جديدة نتيجة هذا التفاعل الشعوري، بل كثيرًا ما يشير إلى أن المعالج الناجح لا بدَّ أن يصاب بجرحٍ ما، وهو ما يفتأ يحلل نفسه، واثقًا أن الشفاء الكامل هدفٌ بعيد المنال؛ ولذلك نجده يقول عن شفائه مرضًا ما إنه تغلب على هذا المرض دون أن يقطع بشفاء المريض شفاءً مطلقًا. ولقد تعلم من الأزمة النفسية التي تعرَّض لها، ومن الأزمة النفسية التي أصابت فرويد قبله — أن النفس البشرية ذات أغوارٍ سحيقةٍ نحاول فهمها بالرموز وبجميع وظائف الشخصية الأربع، وهي التفكير والشعور والإحساس والحدس. ولذلك ظل إلى آخر أيامه يجاهد في سبيل الفهم دون أن يقطع باكتمال فهمه. (المجلد ٣، الفقرات ٥٥٣–٥٨٤)

Mercury = ميركوري/عطارد/الزئبق mercurius

(انظر فصل الخيمياء).

السيطرة بالإيحاء/قوة الإيحاء الغلَّابة/سحر الحديث/المِزْمَرية mesmerism

(انظر التنويم المغناطيسي في الفصل الثاني).

لغة المجاز/الاستعارة metaphor

نعرف أن المجاز محاولةٌ لتعريف شيءٍ واستكشاف حقيقته من خلال صورة شيء آخر. والمجاز أداةٌ شعريةٌ يستخدمها القصاصون والكتَّاب واعين في كلِّ حالةٍ يحتاجون فيها إلى التعبير عن دقائق لغزٍ من الألغاز، أو التعبير عما يستعصي بطبيعته على التعبير. وتستخدم الأساطير والطقوس والعقائد الدينية لغة المجاز التي تتضمن الاستعارة والتشبيه والمجاز المرسل والأمثلة السائرة.

وكان يونج يدرك وجود ذلك المستودع العميق من الصور التي من المحال تمثيلها تمثيلًا حقيقيًّا، ويسميها الأنماط الفطرية، داخل النفس، ويؤمن بأن النفس تتوسل بمنطق الصور والرموز، وأن هذا المنطق يقوم على المجاز، وأن المجاز وحده قادر على تقديم أفضل تعبيرٍ ممكنٍ عن الحقائق التي لا سبيل إلى تقديمها إلا بأسلوب استعاريٍّ أو رمزيٍّ. ومن هنا كان يرى أن تأويل الأحلام؛ أي تفسيرها تفسيرًا يظهر ما وراءها عادةً في اللاوعي — يمثل محاولةً لإدراك حقيقةٍ خبيئةٍ يعبِّر اللاوعي عنها رمزيًّا أو استعاريًّا، كما كان يؤمن أن تخفيف آلام المرضى النفسيين — خصوصًا مكابدة من يعانون العصاب — لا يتحقَّق إلا بالتوصل إلى المعنى الذي عادةً ما يتخفى في صورٍ وأحداثٍ مجازيةٍ لا يعي المريض معناها ما دامت مكبوتةً في اللاوعي؛ أي إن تأويل هذه المادة اللاواعية طريق العلاج، والتأويل يحتاج إلى ما نسميه التوسُّع أو الإيضاح amplification للغة المجازية المستخدمة في الأحلام وفي الأوهام والهلاوس. وهو يقول: إن التوسع أو الإيضاح لا يقتصر على تشكيل إطارٍ مرجعيٍّ كاملٍ للتفسير، بل يرمي إلى العثور على الصورة المجازية الصحيحة؛ أي التي تمثل حقيقة ما يكابده المريض. وهكذا فإن الأنا العقلانية (فهي واعيةٌ، تعريفًا) تقوم بالتحقق من المعنى الكامن في النفس (والذي يعتبر رسالةً مشفرةً) أو تقدم معنًى تقريبيًّا لتلك الرسالة، حتى تستطيع النفس مراجعة مسارها اهتداءً بالصورة التفصيلية الموسعة في داخل الوعي، وتعديل ذلك المسار. (صمويلز، ص٩٣–٩٤)

تناسخ الأرواح Metempsychosis

المعنى يعبر عنه التعبير الشائع لدينا؛ أي transmigration of souls وهي كلمة لاتينية حديثة مأخوذة من اليونانية بلفظها والمشتقة من كلمة يونانية أخرى هي metempsyehoon المكونة من meta بمعنى بعد أو وراء، وكلمة empsychoun؛ أي يضع روحًا أو نفسًا في [in = em] والدلالة واضحة على دخول الروح بعد الموت جسدًا آخر، من الإنس أو الحيوان. وفق بعض عقائد الشرق الأقصى.

منهج/المنهج العلمي method

منذ أن نشر ديكارت عام ١٦٣٧م كتابه المسمَّى: «مقال عن المنهج» باللغة اللاتينية، والعلماء يعتبرونه نصًّا مقدسًا؛ فالمؤلف رينيه ديكارت Descartes عالمٌ في الرياضيات وفيلسوف ينسب إليه وضع المنهج العلمي الحديث القائم على التجريب ومعطيات الحواس انطلاقًا من الشك ووصولًا إلى اليقين، وكان أهم ما أتى به منهج ديكارت هو أنه استثنى موضوعين يقعان خارج نطاق المنهج العلمي المذكور (الذي ارتبط باسم ديكارت) وهما النفس والله؛ فالإنسان يهتدي إليهما حدسًا لا بذلك المنهج الذي سرعان ما أصبح منهج العلم الطبيعي أو العلوم الطبيعية، وهو الذي بلغ ذروته في القرن التاسع عشر، ولمَّا كان الطبُّ آنذاك يعدُّ من العلوم الطبيعية، أصبح على الطبيب النفسي أن يحاول الالتزام بمنهج ديكارت، وكان ذلك، ولا شك، معضلةً؛ إذ كيف نطبِّق قواعد المنهج الديكارتيِّ في دراسة النفس وهي التي يستبعدها ديكارت نفسه من مجال الدراسة العلمية؛ أي التي تلتزم بالمنهج الذي وضع أسسه؟ ويقص علينا يونج كيف اكتشف في مطلع حياته الدراسية العلمية أن الطبَّ النفسي يجمع [أو يمكن أن يجمع] بين الحقائق البيولوجية والحقائق الروحية، وهو الذي كان يسعى للعثور عليه ولم يجده إلا في كتاب كرافت-إبنج (انظر الفصل الأول من الدراسة)؛ ومن ثمَّ جعل همَّه اتباع منهجٍ علميٍّ معدلٍ يتيح الوصول إلى الحقيقة بمداخل علميةٍ مختلفةٍ وهو ما يسمَّى consilience الذي يمكن تصوُّره في صورة «وحدة المعرفة» (انظر هذه المادة أعلاه). ويعتبر عمل يونج برمَّته محاولةً دائبةً لإقامة جسورٍ بين المنهج العلميِّ الصارم عند ديكارت ودراسة النفس مستندًا إلى الحدس وغيره من أساليب البحث العلميِّ؛ فالمنهج عنده يتسع للمعطيات النفسية والروحية ويدرجها في إطار البحث العلمي الذي لا يستبعد أية حقائق.

وفق منهجٍ منطقي/منهجي methodical

(انظر الفرق بين المذهب والمنهج في بداية الفصل الثالث من الدراسة).

ميكروقزم/الكون الصغير/الكائن الصغير microcosm

(انظر مادة macrocosm أعلاه).

منتصف العمر midlife

كان يونج يرى أن الفترة من أواخر الثلاثينيات إلى أوائل الأربعينيات من عمر الإنسان تمثِّل فترة تحوُّلٍ وتأمُّلٍ لما كان واستشرافًا لما سوف يكون، وهي لذلك قد توصف بالأزمة، ويلاحظ النقاد أنها الفترة التي أصيب فيها يونج بمرضٍ نفسيٍّ اختلفوا في تشخيصه، فنسبوه إلى تلك الأزمة، كما يشيرون إلى أن فرويد أصيب قبله أثناءها بمرضه النفسي الشهير، وإن تفاوتت العلل التي يفسرون بها هذه الظاهرة. والواقع أنني لم أقتنع يومًا بأن هذه الفترة في ذاتها تمثل أزمة، أو تتسبب في أزمة، إذا استثنينا ما يسمَّى بتغيُّر الحياة change of life عند المرأة في منتصف الأربعينيات لأسباب بيولوجية أساسًا. (انظر «مراحل الحياة» في الفصل الرابع من الدراسة)

المحاكاة mimesis

المشهور أن أرسطو ينصُّ على أن الفنَّ محاكاةٌ للطبيعة؛ فالشعر المسرحيُّ عنده يحاكي الطبيعة؛ أي طبيعة الإنسان التي لا تتغير قطُّ من زمنٍ إلى زمنٍ ومن مكانٍ إلى مكانٍ، وقد آمن الكلاسيكيون بذلك مثلما وعاه الرومانسيون، فكان درايدن (أبو النقد الأدبي الإنجليزي) يؤمن به (انظر درايدن والشعر المسرحي لمجدي وهبة ومحمد عناني) في القرن السابع عشر، مثلما آمن به ألكسندر بوب Pope في القرن الثامن عشر، ورسَّخه الدكتور صمويل جونسون في القرن نفسه، مثلما عرفه الرومانسيون في القرن التاسع عشر، وناقشوه وعدَّلوه، من وردزورث إلى شلِّي، ولكن لم يُكتب لهذا المبدأ أن يلقى اعتراضًا حقيقيًّا حتى أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين، حين بدأت المدارس الحداثية modernism التي تقوم أساسًا على معارضة المحاكاة، قائلةً إن الرسام أو الشاعر يعيد تشكيل الواقع (أي الطبيعة) تعبيرًا عن رؤية أو رؤيا لا يكاد يشاركه فيها أحدٌ، أو لم يفطن إليها قبله أحدٌ، مستلهمةً وصف كولريدج للخيال الثانويِّ أو التشكيليِّ الذي يسميه القوة التشكيلية esemplastic power على تفتيت الواقع وتذويبه ابتغاء إعادة خلقه، وكان سبيله إلى ذلك يبشر بما جاء به يونج وهو الأحلام أو ما يراه المرء في منامه (أو أحلام يقظته) من رؤى، وانظر الصورة التي يرسمها كولريدج في قصيدة قبلاي خان في الفصل الثالث (ص١٥٥–١٥٧)، وانظر إبداع الشاعر شلِّي في رؤاه لمستقبل الإنسان في أولى قصائده الطويلة (الملكة ماب)، وأروع مسرحياته: «بروميثيوس طليقًا»، وكان وليم بليك قد سبق هؤلاء جميعًا في أشعاره النبوئية.
وأما يونج فكان يؤكِّد التعديل الرومانسيَّ لمذهب المحاكاة، نافيًا أن تمثيل ما تراه العين أو يدركه الحسُّ يقوم على المحاكاة أو ما يسميه التشابه، بل يقوم على استقراء ما يخفى عن العين والحس في اللاوعي، وهو يسميه «الطرائق الرءوية للإبداع الفني» visionary modes of artistic creation (الإنسان الحديث باحثًا عن روح، ص١٥٦). وأما سبيل إخراج هذه الرؤى غير المألوفة فهو الترميز symbolic representation أو التمثيل الرمزيُّ، بمعنى التوسُّل بالرموز، وكان — كما أقول في المقدمة — يفرِّق بين الصورة والرمز؛ فالصورة التي تمثِّل شيئًا تقوم على وجه شبه أو أوجه شبه بينهما، أما الرمز فدلالته طليقةٌ، فهو يعبر عمَّا لا يعرفه (أي ما لا يعيه) المرء عن نفسه؛ ومن ثمَّ فهو مصدرٌ يُعتمد عليه في كشف الخبيء، والفنان يستخدمه دون وعي كاملٍ للتعبير عمَّا يعرفه وعمَّا لا يعرف، ويونج يدلل على صحة ما يقول بتخصيص ٩٠ صفحة في كتابه الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي لتحليل ٢٤ لوحةً ملونةً رسمتها امرأةٌ أمريكيةٌ يشير إليها باسم الآنسة س، ويتفنن في تحليل رمزية اللوحات، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن رمزية المندلة mandala مقدِّمًا في الكتاب نفسه ٥٤ لوحةً، أربعٌ منها ملونةٌ، والباقي غير ملونٍ، وهو يربط ما بين أشكالها الرمزية وبعض الأنماط الفطرية، مبينًا قدرة القوى الخفية في اللاوعي على تقديم رموز الحياة الروحية للإنسان، وهي التي لا يستطيع الفنان نفسه إدراك دلالاتها، وهكذا كان يونج يقدِّم زادًا من خبراته للمدارس الحداثية في الفن والأدب جميعًا، ومن المهمِّ أن نذكر أن دراسته لرمزية المندلة كتبها عام ١٩٥٠م، وأردفها بملحق قصير عام ١٩٥٥م.

النفس/العقل mind

(انظر: «عودٌ إلى المصطلح» في آخر الفصل الأول من الدراسة).

الأخلاق/السلوك الأخلاقي morality

أحيانًا ما نخلط في فهمنا (وفي ترجمتنا) للكلمتين اللتين تشيران إلى الأخلاق، وهذه إحداهما، كما سبقت الإشارة في هذا المعجم إلى الأخرى، وهي ethics، وترجمتها بعلم الأخلاق، أو مجموعة المطالب الأخلاقية، وهي كذلك في الفلسفة، فحتى لو ترجمت الكلمة بالأخلاق وحسب، فإنها تعني نظرية الأخلاق أو فلسفة الأخلاق، ومعنى الصيغة الصرفية معروفٌ في الإنجليزية، فعندما نقول politics فقد نعني السياسة بمعنى ممارسة السياسة أو التوجه السياسي، أو علم السياسة، وكذلك economics بمعنى الاقتصاد أو علم الاقتصاد، وقس على ذلك linguistics بمعنى علم اللغة الذي شاعت مرادفته: «اللغويات»، في حين أن «الاقتصاديات» لم تشع، والسبب في ظني أن من ترجموا الصيغة المذكورة لعلم اللغة كانوا من دارسي اللغات الأجنبية في بداية انتشار ذلك العلم فجاءوا بالأسلوبيات بدلًا من دراسة الأسلوب، وأمَّا غيرهم فهم حريصون على الصيغ العربية الأقرب لروح لغتنا فقالوا «علم دلالة الألفاظ» ترجمة لمصطلح semantics أو علم الدلالة وهلم جرًّا. وأمَّا كلمة morality فهي الاسم المجرد من الصفة moral التي تصف السلوك، وعادةً ما تنصرف إلى السلوك الصحيح؛ أي المقبول اجتماعيًّا، وهو في حالاتٍ كثيرةٍ خاصٌّ بالسلوك الجنسيِّ، فوصفك سلوكًا معينًا بأنه immoral يفيد الانحراف عن أشكال السلوك الجنسيِّ التي تقضي بها تقاليد ثقافةٍ معينةٍ أو أعرافها، وتوازيها إلى حدٍّ كبيرٍ كلمة manners فإذا وصفت رجلًا بأنه مستقيمٌ of good manners كنت تصف سلوكه أكثر من تحديد مبادئه الخلقية، وإن كان التداخل هنا محتومٌ، ومن الطريف ألا يوصف المخادع أو المخاتل بأنه immoral؛ فالخداع عيبٌ في تركيبته الخلقيَّة character ولكنه ما دام عفيفًا يغضُّ الطرف إن لاحت حسناء ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فلن يقول أحدٌ إنه immoral ولو كانت مبادئه الخلقية ethics غير حميدةٍ. والواقع أن الكلمة الإنجليزية التي نحن بصددها تتضمن المبادئ الخلقية، ولكنَّ الاستعمال اللغويَّ العامَّ؛ أي في الحياة اليومية، يخلط بينهما؛ فقولك إن فلانًا فاسدٌ أخلاقيًّا يعني he has no morals أي unscrupulous أو he has no moral scruples أو he is ethically corrupt ولذلك فنحن نفرق بين الاستعمال العام وبين الاستعمال المتخصص في العلوم الإنسانية = الإنسانيات. وهكذا فعندما نتعرض لموقف يونج من الأخلاق فلا بدَّ أن نحدد المعنى الدقيق الذي نريده، ومع ذلك فإن صمويلز عندما يناقش موقف يونج من قضايا الأخلاق يقول the field of ethics and morality فليكن! ماذا كان موقف يونج وما مدى إسهامه في هذا المجال؟ الإجابة على هذا تبرز لنا من وجهة نظر المحلل والطبيب النفسي؛ إذ يقول يونج: «لن تجد الرأي العام ولا القانون الأخلاقي وراء أفعال أيِّ إنسانٍ، بل سوف تجد الشخصية التي يظلُّ غير واعٍ بها» (المجلد ١١، الفقرة ٣٩٠). وبعبارةٍ أخرى يقول: إن المشكلة الأخلاقية تطرح نفسها سيكلوجيًّا حين يواجه الشخص قضية المستقبل الذي يمكن أن ينتظره، مقابل المستقبل الذي لا بدَّ له أن يجيء إذا استمرَّ في اتخاذ مواقف معينةٍ، أو قراراتٍ أو أفعالٍ معينةٍ، من دون النظر فيها نظرةً حصيفةً، ويونج يعني بهذا أن الأخلاق ليست من اختراع المجتمع بل إنها ذات جذورٍ راسخةٍ في قوانين الحياة؛ أي إنها قيام الشخص بأفعاله واعيًا بمسئوليته الخلقية تجاه نفسه، وتلك هي التي تخلق الثقافة وليست الثقافة هي التي تخلقها.
لم يكن يونج يشارك فرويد رأيه في أن الأنا العليا super ego هي المسئولة عن الأخلاق، بل كان يرى أن مبدأ الفردية الفطريَّ هو الذي يرغم كلَّ شخصٍ على اتخاذ أحكامٍ خلقيةٍ تتفق مع ذاته. ويتكون هذا المبدأ من المسئولية الأولية أمام الأنا، من ناحية، ومن العلاقة مع المطالب الكبرى للذات (أي ما يمكن أن يصبح عليه المرء) من ناحية أخرى؛ ومن ثمَّ فإنه المبدأ القادر على فرض مطالب بالغةٍ التعسُّف وبالغة الصعوبة. وقد لا تتصل هذه المطالب فيما يبدو بصلةٍ تذكر، أو بأية صلةٍ، بالمعايير الجمعية، ولكنَّها تنجح في الحفاظ على التوازن في المجتمع. ويقول يونج: إن نتيجة اتخاذ قرارٍ واعٍ بالتنازل عن موقع للأنا أو التخلي عنه (أي التضحية به) قد لا يقدِّم في الظاهر رضًى نفسيًّا خارجيًّا مباشرًا يعتدُّ به، ولكنَّه يصحح الأمور من الزاوية السيكلوجية؛ أي إنه، بتعبير يونج، ينجح. فهو يستعيد التوازن بين قوى الوعي وقوى اللاوعي.

ويقول يونج: إن أي لقاء مع نمط فطري يطرح مشكلةً خلقيةً، وتزداد صعوبة حلِّ هذه المشكلة حينما تكون الأنا ضعيفةً وعاجزةً عن الحسم فيما يتعلق بالجاذبية الروحية النابعة من النمط الفطري نفسه. فالنمط الفطريُّ للذات «يمثل استدعاءً قويًّا وقاطعًا»، ويبدو أنه يعني بهذا أنه من الممكن أن يقول المرء «لا» واعيًا لسلطة الذات؛ وأنه من الممكن أيضًا أن يعمل المرء بالتضافر مع الذات. أما محاولة تجاهل الذات أو إنكارها فغير أخلاقيٍّ؛ لأن ذلك يعتبر إنكارًا لقدرة المرء الفريدة على الوجود. وهذه الأفكار متسقةٌ مع نظرية يونج الأساسية عن الأضداد؛ إذ يرى أن صراع الأضداد هو الذي يمثل مشكلةً أخلاقيةً للشخصية. (صمويلز، ص٩٤)

الموت الجزئي mortificato

المصطلح يعني أن التحول في العمليات الخيميائية يؤدي إلى موت بعض عناصر المادة المتحولة، وهذا الموت الجزئيُّ يؤدي إلى حياةٍ أكمل لعناصر أخرى أثناء التحوُّل، ويستخدمه يونج رمزًا للتحوُّل أثناء انتقال المرء من مرحلة نفسيةٍ إلى مرحلةٍ أخرى. (انظر فصل الخيمياء في الدراسة)

الأمُّ mother

(انظر مادة great mother أعلاه. والقسمين ١ و٢ من الفصل الخامس).

صورةٌ أو فكرةٌ متكرِّرةٌ/موتيفة motif

تعدُّد الشخصية multiple personality

(انظر القسم الثاني من الفصل الثاني).

العالم الخيالي mundus imaginalis

وضع هذا المصطلح العلامة الفرنسيُّ هنري كوربان Corbin (١٩٠٣–١٩٧٨م) الذي كان متخصصًا في الدراسات الإسلامية، وخصوصًا فلسفة التصوف؛ إذ بدأ حياته بدراسة شهاب الدين السَّهروردي، المفكرك الصوفي الفارسي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، وتأثر بفلسفته؛ إذ أثر عنه قوله: «من خلال لقائي مع السَّهروردي تحدد مصير روحي للمرور في هذه الدنيا. قل إن الأفلاطونية التي تعبر عنها الدراسة الزرادشتية للملائكة، أو علم الملائكة anglology، الذي أنار بلاد فارس القديمة، هي التي أضاءت الطريق الذي كنت أنشده». وكان يقصد بالعالم الخيالي عالم الوجود الروحي ما بين الأرض والسماء، وكان يفضل شكل الصفة imaginal للدلالة على أنه حقيقيُّ الوجود وليس خيالًا imaginary وبذل جهدًا في رصد ما يسميه الفلسفة النبوئية في الإسلام، مؤكدًا أن الفلسفة الإسلامية لم تتوقف بعد ابن رشد، (١١٢٦–١١٩٨م). ومن أشهر كتبه التي تُرجمت إلى الإنجليزية: «تاريخ الفلسفة الإسلامية» (١٩٦٤م) (انظر كتاب صمويلز يونج ومن تلاه، ١٩٨٥م، ص٦٣). وقد التقط مصطلح «العالم الخيالي» جيمز هيلمان (١٩٢٦–٢٠١١م) في كتاب من تحريره بعنوان مواجهة الأرباب (١٩٨٠م)، وهو الذي وضع الأساس لتفسير المصطلح تفسيرًا يتفق مع روحانية يونج؛ إذ قال إن المقصود بالخيال هنا أسلوب الإدراك الروحيِّ أو أسلوب الوجود، وليس نهجًا أو مذهبًا من مذاهب التقييم، وإن ما يقصده كوربان هو مستوًى معينٌ أو مرتبةٌ معينةٌ من مراتب الواقع أو الوجود تقع بين الانطباعات الحسية للجسد وبين المعرفة العليا أو الروحانية. وهكذا أدخل هيلمان هذا المصطلح إلى علم النفس التحليليِّ باعتباره يشير إلى منطقة الصور القائمة على الأنماط الفطرية، وأما صمويلز فأضاف في كتابه المذكور ملاحظاتٍ قيِّمةً تسمح بتفسير مصطلح كوربان بأنه يشير إلى علاقةٍ تفاعليةٍ تخلق مجالًا يتفاعل فيه اثنان، ضاربًا المثل بالعلاقة بين المحلل والمريض. والفاحص لفكر كوربان، حسبما يعرضه صمويلز في كتابه المذكور، يلمح تأثير هايديجر فيما يتعلق بالوعي، أو الحضور، إلى جانب اللمسة الروحية التي وجدها، كما يقول، عند مارتن لوثر، بصدد توسط الإنسان بين الأرض والسماء، وكان يرى أنها قائمة عند السَّهرورديِّ.

أسطورة myth

شرحت في تعليقي على قصيدة «الخروج» لصلاح عبد الصبور معنى الأسطورة (الوهمية أو الخيالية) myth والفرق بينها وبين الأسطورة التاريخية legend أو ذات الأصول الحقيقية؛ (الفصل الرابع من الدراسة، في قسم الانفصال والانتقال والاندماج)، ولكنني مضطرٌّ إلى إعادة عرض التمييز بينهما من وجهة نظر علم النفس التحليلي؛ فالأسطورة الخيالية يمكن إرجاعها إلى ثمار التخيل أو التخيلات fancy/fantasy وهي التي قد ينشئها فردٌ أو أفرادٌ تعويضًا عما يحس بأنه لازمٌ لإضفاء معنى على حياته، وعادةً ما تتكون من أنماط فطرية شخصية أو جمعية، ثم تنتقل على الألسنة إن حكاها إلى غيره أو إلى الجيل التالي فتكتسب دلالتها الجمعية، ويمكن كذلك أن تكون قصةً خرافيةً fairy tale مجهولة النسب تمثل قيم جماعةٍ أو قبيلةٍ، وتعتبر نزوعًا لإثبات الصفات المثالية المتخيلة أو الحقيقية التي يزخر بها اللاوعي وتنشد تحقيقًا فنيًّا (باللغة أو بالتصوير أو النقش على الحجر) يكفل لها التجسيد القادر على نقلها من اللاوعي إلى الوعي، وتتحول على مرِّ الزمن إلى تراث جماعي أو جمعي. وأمَّا ما نسميه الأسطورة التاريخية legend فهي في العادة حدثٌ تاريخيٌّ أو شخصٌ تاريخيٌّ يبدي امتيازًا فائقًا أو خارقًا في نظر أهل زمانه، فيتحول إلى كائنٍ تتجلَّى فيه المثل العليا التي قد تنتمي إلى الوعي أو إلى اللاوعي. وهذا هو الذي يميز الأسطورة التاريخية عن الأسطورة الخيالية، فقد نطلق تعريف الأولى على أشخاص يعيشون أو عاشوا منذ فترة قريبة بيننا، أو إلى حدث خرق التوقعات المنطقية، وقد نضفي على الشخص أو الحدث صفاتٍ تجعله يتجاوز الواقع إلى جانب رصد سماته الواقعية؛ أي الحقيقية. ولمن يريد الاستزادة في هذا الباب فليرجع إلى كتاب الدكتور أحمد مرسي عن الأدب الشعبي.

وقد تختلط هذه الأنواع في عمل أدبي واحد، أو في حلم من أحلام النوم أو اليقظة بطرائق أسطوريةٍ، وهو ما اهتدى إليه يونج؛ إذ وجد أن أحلام بعض المرضى تتضمن موتيفات متكررةً، بل تزخر بها أيضًا هلاوسهم وتخيلاتهم، وبأشكال لا حصر لها بحيث يُستبعد أن تكون من الذكريات المنسية أو من خبرات رُويت لهم أو اطلعوا عليها في أيِّ مصدر من مصادر المعرفة، ثم اكتشف أن هذه الظواهر التي تشترك فيها الأحلام مع الأساطير تدل على أن مصدرها قائمٌ في اللاوعي الذي يتحكم في الأحلام مثلما يتحكم في مادة الأسطورة وشكلها. ومن ثمَّ افترض أن طاقة بناء الأساطير لا بدَّ أن تكون قائمةً في داخل النفس، وبناءً على ذلك افترض أيضًا وجود لا وعي جمعيٍّ أو مستودع للأبنية والخبرات والموضوعات القائمة على الأنماط الفطرية.

ويقول يونج: إن الإنسان في العصر الحديث يشبه أسلافه في ابتكار الأساطير، وهو ما يفسره رولان بارت تفسيرًا ثقافيًّا واجتماعيًّا، ولكنَّ الإنسان المعاصر يتمتع بالوعي الذي يحرره من سيطرة الأساطير على حياته، وخصوصًا إذا كان الفرد قد بلغ مرحلة التفرد، ومن مزاياها انفتاح الوعي على اللاوعي؛ ولذلك فإن يونج يصل إلى نتيجة مفادها ضرورة تناول نواتج التخيل اللاواعي، بما في ذلك الموتيفات الأسطورية، باعتبارها كشفًا عن نفس صاحبها (المجلد ٩ / ١ الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي، الفقرة ٢٦١، ص١٥٥). وكان قد قال قبل ذلك:

إن النفس البدائية لا تبتكر الأساطير بل تعيش في داخلها. فالأساطير تجلياتٌ أصيلةٌ للنفس في المرحلة السابقة للوعي preconscious وهي مقولاتٌ غير طوعيةٍ عن أحداث نفسية لا واعية، وليست إطلاقًا قصصًا رمزيةً عن عملياتٍ فيزيقية … فالأساطير ذات معنًى حيويٍّ. إذ إنها لا تقتصر على تمثيل الحياة النفسية للقبيلة البدائية بل إنها هي تلك الحياة ذاتها، ما دامت تتمزق وتتفتت وتذوي إذا فقدت تراثها الأسطوريَّ، مثل إنسانٍ فقد روحه. (المرجع نفسه، ص١٥٤، وانظر narcissus أدناه)

العناصر الأسطورية النظرية mythologems

المقصود هو العناصر النظرية التي تقوم عليها أية أسطورة، وتتضمن نظرةً أساسيةً يمكن إثبات صحتها بداهةً، أو قضيةً منطقيةً بسيطةً، theorem والطريف أن الكلمة التي سكَّها يونج للتدليل على الأسس النظرية في الكلمة ذات النهاية المماثلة — تجمع بين مادة «موثوس» اليونانية بمعنى القصة أو الحديث والفعل theorein اليوناني بمعنى ينظر في صورته الاسمية التي تنتهي بالمقطع ema في اليونانية واللاتينية.

النرجسية narcissism

الكلمة معرَّبة عن الاسم الأجنبي لزهرة النرجس narcissus وهي من أسرة الزنابق (جمع زنبقة) lily، وأوراقها طويلة ناعمة، ولها ستُّ زهيراتٍ منفصلةٍ ذات أنبوب يخرج من الوسط، واللفظ يوناني الأصل وهو narkissos من الفعل narké؛ أي يخدر، وقد أطلق عليها الاسم بسبب رحيقها المخدِّر، وهي ذات جذعٍ نحيلٍ طويلٍ يميل نحو الماء حين تنمو الزهرة على الشط، واللفظ اليوناني أصل الكلمة التي تطلق على المخدِّرات اليوم وهي narcotics المشتقة من اللاتينية الوسطى narcoticus. ويقول علماء الأساطير إن منظر الزهرة التي تميل على الماء كأنما لتبصر صورتها، لا رحيقها المخدر، هو الذي أوحى بالأسطورة اليونانية القديمة التي تقول: إن الزهرة كانت شابًّا وسيمًا متباهيًا بجماله وعازفًا عن مبادلة الغرام مع أية عاشقة له؛ ولذلك عوقب بأن يبصر ذاته في الماء يومًا فيتولَّه بعشقها، حتى ذبل وذوى وأصبح تلك الزهرة، ولكن أوفيد Ovid الشاعر الروماني يروي في مسخ الكائنات قصةً أخرى؛ إذ يضيف شخصية حورية من حوريات الغاب تدعى إيكو Echo وهي التي نترجمها بربة الصدى؛ لأن هذا المعنى هو المقصود؛ إذ تقول الأسطورة إنها خدعت الربة جونو Juno بإيهامها أن زوجها جوبيتر (رب الأرباب) في المدينة، فعاقبتها جونو بأن حرمتها القدرة على الثرثرة وذرابة اللسان، وحكمت عليها أن تردد فقط آخر كلمات تسمعها، وتقول صورة القصة عند أوفيد إنها أحبت نرجس وكشفت له عن نفسها ولكنه لم يعِرها أيَّ اهتمامٍ واشتكى إلى فينوس التي جعلت ربة الصدى تختفي عن الأنظار، ولا تعرف إلا من صوتها. وأما نرجس فإنه أثناء استحمامه رأى جمال وجهه فظنه إنسانًا ووقع في حبه حتى ذوى.
وقد تعمدت أن آتي بأسطورة شهيرة خلَّدها الأدب العالمي حتى أبين ما يقصده يونج بالدلالة السيكلوجية للأسطورة وما يعنيه بعناصرها النظرية؛ فالقصة رمزية بالمعنى اليونجي لا بالمعنى الحديث allegory؛ فالمعنى الرمزي السطحي هو حب النفس المهلك، وإضافة ربة الصدى إلى القصة الأسطورية تتسم برمزية مشابهة؛ وهي أن الثرثرة تتحول إلى أصداء لكلام الغير، ومن الطبيعي أن ينفر منها نرجس المختال المتباهي، ولكن الرمز عند يونج يكشف عن معانٍ كثيرةٍ معظمها في اللاوعي؛ فهو يرى في مثل هذه القصة الأسطورية عناصر نظرية قائمة على الأنماط الفطرية، وهو لا يصرِّح بموقفه الصريح من حب الذات رغم اعتباره مرضًا نفسيًّا؛ إذ يقول: إن التأمل والاستبطان لا يشيران إلى وجود موقفٍ نرجسيٍّ (المجلد ١٤، الفقرة ٧٠٩) ويرد على الذين يتهمون الفنانين بأنهم نرجسيون قائلًا: «الواقع أن كلَّ إنسان يسعى لتحقيق هدفه الخاص نرجسيٌّ» (المجلد ١٥، الفقرة ١٠٢). أي إنه كان يقرُّ بوجود مرضٍ نفسيٍّ عند كل نرجسيٍّ، ولكنه كان يراه مقصورًا على حب الذات الذي لا يؤدي إلى التركيز في الذات جنسيًّا (المجلد ١٠، الفقرة ٢٠٤).

ولم يكن ممارسو التحليل النفسي يكترثون لقضية النرجسية نفسها قبل عقد السبعينيات من القرن العشرين؛ إذ اكتشفوا بعض جوانب القضية التي دفعت ممارسي علم النفس التحليليِّ إلى فحص بعض مفاهيمهم، فاكتشفوا أن بعض أفكار يونج تتفق مع التطورات الحديثة في التحليل النفسي وتسبقها، وأن هذه الأفكار جديرة بالدرس.

كان فرويد يفرِّق بين نوعين من حب الذات؛ أي بين النرجسية الأولية primary التي تعني استثمار المرء جسده من خلال الليبيدو، وهو الذي يسبق القدرة على الاتصال بالآخرين وحبِّهم، وبين النرجسية الثانوية secondary التي تعني أن يجمع المرء في ذاته دنيا الأشياء والناس برمَّتها، بمعنى العجز عن فصل الذات عن الأشياء والناس. والنوع الثانوي هو الذي يؤدي إلى ما يسمَّى «اضطراب الشخصية النرجسي» الذي يشير إلى الحياة التخيلية مثلما يشير إلى السلوك الظاهر. ويرى أرباب التحليل النفسي اليوم أن النرجسية يمكن أن يتصف بها الأسوياء والمرضى، وهي تكتسب الطابع المرَضيَّ حين يتحول النوع الأول إلى النوع الثاني نتيجة للحرمان من حنان الأبوين، وهو ما يقول هاينز-كوهوت Heinz-Kohut [١٩١٣–١٩٨١م] في كتابيه تحليل الذات (١٩٧١م) واستعادة الذات (١٩٧٧م) إنه يؤدي إلى «تجميل» الذات لإخفاء مشاعر الخواء وعدم احترام النفس.
ويفصل كوهوت القول في العلاقة بين النرجسية التي تتطور بصورةٍ قد توحي بنظرية العلاقة الموضوعية أو بالآخرين، رغم الاختلاف وهو الذي شغل علماء التحليل النفسي في آخر القرن العشرين، بسبب القول بما أسموه الصراع، وهي مشكلة تصدِّي البعض لإبراز احتمال إسهام علم النفس التحليلي في حلِّها، والصراع هنا داخليٌّ، بطبيعة الحال، بين ارتباط المرء بالعالم (أي بالأشياء والناس) من حوله وبين حدبه على تحقيق ذاته والوصول إلى أهدافه، ونشأة قيمٍ جديدةٍ؛ الأمر الذي يعني أن التطور النرجسيَّ يصبح مهمة لا تتوقف طول العمر. والعلاقة بذات المرء the self هي التي أصبح أتباع يونج يهتمون بها؛ فلقد طوَّر كوهوت في كتابيه المذكورين مفهوم تحقيق الذات عند كلِّ نرجسيٍّ وفكرة التفرُّد عند يونج، ما دامت الذات مبنية على أنماطٍ فطريةٍ، وتتمتع بطاقةٍ روحيةٍ مسيطرةٍ numinosity. وأمَّا التطورات الحديثة فتتعلق بالجوانب المرَضية للنرجسية وهي لا تهمنا في هذا السياق. (صمويلز، ص٩٦–٩٨)

العُصاب neurosis

العُصاب هو المصطلح الذي شاع في وصف أيِّ اضطرابٍ نفسيٍّ يؤدي إلى متاعب أو معاناةٍ اتُّفق على نسبتها إلى خللٍ ما في النفس؛ ومن أعراضه الشائعة القلق الشديد، والأفكار المتسلطة، وأنواع الخوف أو الكراهية التي لا تستند إلى أسبابٍ منطقيةٍ وما إلى ذلك من المتاعب. ولكن يونج كان يقاوم اتجاه الطبِّ النفسي عمومًا في زمنه إلى بذل جهودٍ جهيدةٍ في التصنيف الصحيح للأمراض النفسية. وهكذا فهو يكتفي بالتمييز بصفة عامة بين العُصاب والذُّهان psychosis والمعروف أن الذُّهان اضطرابٌ نفسيٌّ خطيرٌ تتعرض فيه الشخصية لقلقلةٍ وزعزعةٍ، بحيث تصاب العلاقة بالواقع عادةً بالتهرؤ أو بالتقطع، كما كان يقال إن للذهان نوعين: الأوَّل وظيفيٌّ (المتسم بغياب أسباب عضوية ظاهرة)، وعادة ما ينتمي إلى الشيزوفرينيا، أو البارانويا، أو اجتماع القطبين المتنافرين bipolarity [أي الانتقال من الهوس المفرط mania إلى الكآبة النفسية الشديدة mental depression بالتناوب]، والثاني عضويٌّ؛ أي يتسم بتلف في المخ أو أيِّ مرضٍ عضويٍّ آخر مثل اضطراب التمثيل الغذائي وما إلى ذلك.

ويقول صمويلز: إننا لا نجد في كتابات يونج تصنيفًا مفصَّلًا للأمراض النفسية باستثناء التمييز العام بين العصاب والذُّهان (خصوصًا بين موقع الأنا وقوتها في الهيستيريا وموقعها وقوتها في الشيزوفرينيا) (المجلد ٢، الفقرة ١٠٧٠م). فنحن لا نجد عنده ما يوازي، مثلًا، التمييز الذي وضعه فرويد بين أنواع العصاب الحقيقية، المستمدَّة من الحياة الجنسية نفسها، وضروب العصاب النفسيٍّ (مثل الهيستيريا) الراجعة إلى الصراع النفسي الذي يتعذر التحكُّم فيه أو السيطرة عليه.

ولكن لابلانش وبونتاليس يقولان في كتابهما: «لغة التحليل النفسي»: «لا نستطيع أن نزعم أن تمييزًا فعَّالًا قد وُضع بين أبنية العصاب وأبنية الذهان، وأبنية الانحراف perversion؛ ومن ثمَّ فإن تعريفنا للعصاب يقبل الانتقاد حتمًا بأنه أوسع مما ينبغي» (١٩٨٠م، ص٣٢).

ويقول شرَّاحٌ محدثون آخرون إن يونج كان يهتم بالشخص العصابي أكثر من اهتمامه بالعصاب، وكان ينسب ذلك المرض إلى النمو غير المتزن أو ذي الاتجاه الواحد؛ بمعنى أن الخلل قد يصيب التوازن بين الأنا ومركب واحد أو أكثر، وقد يكون بمثابة فشلٍ مؤقتٍ من جانب النفس في التنظيم الذاتي أو التعويض، بل قد تكون أعراض العصاب دليلًا على محاولة النفس أن تشفي نفسها، ويقول آخرون إن امتناع يونج عن إرجاع أسباب العصاب إلى عوامل طفوليةٍ؛ يعني أنه لم يضع نظريةً شاملةً عن العصاب، وإن كنا نلمح أحيانًا ميله إلى نسبته إلى عوامل فطريةٍ.

نفسيٌّ عصبيٌّ neuropsychic

سواد النُّضج nigredo

مصطلحٌ استعاره يونج من العمليات الخيميائية؛ إذ وجد أن التفاعل عندما يصل إلى مرحلة النضج يجعل لون المخلوط أقرب إلى السواد؛ ومن ثمَّ جعله رمزًا لاقتراب المريض من الشفاء بمعنى أن ظهور الجهامة قد يبشر بالانفراج المنشود للأزمة.

الطاقة المسيطرة numinosum

ذكرت في الدراسة اشتقاق هذا المصطلح من اسم الربِّ الرومانيِّ نومن numen وكيف أصبح يعني إحداث تأثيرٍ معينٍ في النفس كالخشية والخشوع والخضوع، ويعني يونج بالمصطلح وجود طاقةٍ روحيةٍ تتحكم في النفس وتتيح للذات الإحساس برهبة الربانية. وهذا المعنى ربما استعير مباشرةً من المفكر أوتو رودولف Otto Rudolf (١٨٦٩–١٩٣٧م) عالم اللاهوت الألمانيِّ [اللوثريِّ] الذي استخدم المصطلح للدلالة على كلِّ إحساسٍ بالحيرة والرعب، ومواجهة أسرار لا تُكتنَه، ومشاعر تستعصي على التعبير في كتاب نشره بعنوان: «فكرة المقدس» عام ١٩١٧م، وهو إحساس لا ينشأ إلا في إطار الإحساس بوجود الله سبحانه، ولكن يونج يقول إنه يعني لديه أية طاقة روحية دينامية، لا تخضع للإرادة البشرية، بل تستولي على الذات الإنسانية وتتحكم فيها. ويضيف قائلًا: «وهذه الطاقة المسيطرة قد ترجع إلى مصدرٍ خارجيٍّ يبثُّها، أو إلى الإحساس بحضورٍ خفيٍّ يتسبب في إحداث تغييرٍ غريبٍ في الوعي» (يونج: المجلد ١١ الفقرة ٦) (انظر القسم ٦ من المقدمة، والقسم ٦ من الفصل الثالث)

المستوى الموضوعي objective plane

يقول يونج: «عندما أتكلم عن التفسير على المستوى الموضوعي، فإنني أشير إلى النظرة إلى الحلم أو التخيل التي تجعل الأشخاص أو الأحوال الظاهرة فيه ذات طابع موضوعيٍّ، أما إذا أشرت إلى المستوى الذاتي فإنني أعني أن تلك الأشخاص والأحوال ذوات طابعٍ ذاتيٍّ. والنظرة الفرويدية للحلم تجعله يدور على المستوى الموضوعي وحده تقريبًا، ما دامت الرغائب التي يعبر الحلم عنها تفسَّر باعتبارها إحالاتٍ إلى أشياء حقيقيةٍ، أو ترتبط بعملياتٍ جنسيةٍ تدور في المجال الفسيولوجي ومن ثمَّ خارج المجال السيكلوجي.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٧٢)

النفس الموضوعية objetive psyche

يستعمل يونج هذا المصطلح بدلالتين؛ الأولى لبيان أن النفس ذات وجودٍ موضوعيٍّ باعتبارها مصدرًا للمعرفة، والبصيرة والخيال. والثانية للإشارة إلى أن بعض «محتويات» النفس ذات طبيعةٍ موضوعيةٍ؛ أي غير شخصيةٍ وغير ذاتيةٍ. وكان يعادل، في هذا الصدد، النفس الموضوعية بما يسميه «اللاوعي الجمعي» (المجلد ٧، الحاشية على الفقرة ١٠٣)

العلاقات الموضوعية أو بالآخرين object relations

وُضعت هذه النظرية في التحليل النفسي حتى تقدِّم فهمًا للنشاط السيكلوجي الذي يستند إلى علاقة الإنسان بغيره (أي بالكيان الذي يجتذب الانتباه و/أو يشبع حاجةً معينةً لا بشيءٍ معينٍ). ويتعارض هذا مع أنواع الفهم القائمة على الدوافع الغريزية (مثل النظرة الفرويدية للجنس) أو ما يجري مجراها؛ وهي التي يعتبرها المؤمنون بالعلاقات الموضوعية علاقاتٍ آليةً.

وعلى الرغم من أن يونج لم يستخدم هذا المصطلح نفسه؛ فإن مداخله تنتفع ضمنًا به؛ فالمعروف أن المصطلح قد يعني العلاقة مع الكيان الكامل (مثل علاقة الطفل بأمِّه) أو العلاقة مع جانبٍ معينٍ من جوانب ذلك الكيان (مثل تعلُّق الرضيع بثدي أمِّه أو بدفء أحضانها إلخ) ويونج كان يرى أن النفس تتكون من عناصر شتَّى، وكان يركز أولًا على العلاقات ما بين هذه العناصر، كما كان يركز ثانيًا على العلاقات بين هذه العناصر وبين العالم الخارجيِّ، وكان يهتم ثالثًا بالدلالات الكامنة في ميل النفس إلى تقسيم الأشياء وتفتيتها أو تجسيدها، وذلك كله مما تقول به نظرية العلاقات الموضوعية. ويونج يقدم أفكارًا مماثلة لما تقول به النظرية من إشباع الحاجة وإقامة الترابط بين الأجزاء وبين الأضداد.

واندلع خلافٌ بين من يقولون بأن نظرية العلاقات الموضوعية لا تتضمن نصًّا صريحًا على وجود الذات self ومن يقولون إن هذا المفهوم منصوصٌ عليه ضمنًا في وصف العلاقات ذاتها (مثل سذرلاند ١٩٨٠م)، ويقول كوهوت، المشار إليه آنفًا إن النظرية المذكورة لا تتفق مع رؤية يونج للذات، وذلك حسبما يشرح القضية تولبين (١٩٨٠م)؛ لأن العلاقات الموضوعية قائمةٌ على الخبرة بمن هم موجودون خارج الذات، ونظرية يونج تقوم على ما يجري في داخل الذات وحسب. ولكن مري ستاين (١٩٩٨م) يردُّ على أمثال هؤلاء قائلًا: إن علاقات عناصر الذات فيما بينها وبين الآخرين — تدلُّ على وعي يونج بالنظرية المذكورة. ويقول صمويلز: إن المناظرة التي اندلعت في التحليل النفسي ليس لها نظيرٌ في علم النفس التحليليِّ (عند يونج). (صمويلز، ص١٠١)

مركَّب أوديب (عقدة أوديب) Oedipus complex

(انظر رفض مركبي أوديب وإلكترا في الفصل الثاني).

أصل الفرد وتطوُّره ontogeny

(انظر الفصل الرابع، البداية).

تحديد الأحوال أو الشروط الفاعلة operant conditioning

هذا مبدأ من مبادئ المدرسة السلوكية، ويمثلها سكينر، ويعني بالمصطلح خلق الأحوال القادرة على تحديد السلوك، وكانت تجارب السلوكيين القائمة على الحيوانات — وخصوصًا على الثدييات العليا — تتضمن التحكُّم في حالة الحيوان، وهو المعنى الدقيق للفعل condition إلى جانب العوامل الأخرى اللازمة لدراسة السلوك المتوقع، مثل المكان والتوقيت، إلى آخر ما يشار إليه باسم الشروط conditions، والمقصود أن السلوك الحيوانيَّ يعتمد على وجود أحوالٍ معينةٍ تتحكم فيه؛ ومن ثمَّ يمكن الانتقال منها — بعد أن تثبت صحة النظرية — إلى الإنسان. ولم يكن يونج يقبل ذلك أو يقول به. (لفينسون وآخرون: مواسم حياة الإنسان، ١٩٧٨م وانظر الفصل الرابع في الدراسة)

العوامل المتضادَّة/الأضداد opposites

يقول يونج في كتاب من أواخر كتبه «إن وجود العوامل المتضادة هو المبدأ الراسخ، والذي لا غنى عنه للحياة النفسية كلها» (المجلد ١٤ الفقرة ٢٠٦). وسوف ألخص هنا الموقف الذي يعرضه في الكتاب المذكور وعنوانه: «لغز الارتباطات» (١٩٥٥–١٩٥٦م) وعنوانه الفرعي: «بحث في الفصل بين الأضداد النفسية والجمع بينها في الخيمياء»، والمقصود بالجمع هو التركيب synthesis عند هيجيل، وهو يبدأ الكتاب بعرض العوامل التي يرتبط بعضها ببعض في النفس، وما يسميه المفارقات، وحديثه يدور منذ البداية حول الطبيعة الدينامية للنفس؛ أي قيامها على الفعل وخصوصًا على التفاعل، مهتديًا بالقانون الأول لعلم الديناميكا الحرارية (ثرموديناميكا من تعريب المجمع) وهو الذي يقول: إن توليد الطاقة يحتاج لوجود قوتين متضادتين، كما يشير إلى بعض المبادئ الفلسفية من دون وصف أحدها بالسيادة على غيره.

والملاحظ أن يونج منذ تحديده لدور اللاوعي باعتباره القطب المضادَّ للوعي، ومنذ أن خصص للاوعي دورًا تعويضيًّا، وهو يطبق فكرة التعارض الثنائيِّ في كل دراسةٍ يجريها للظواهر النفسية، والملاحظ أيضًا أنه لا يقدم تصورًا نظريًّا شاملًا لتطبيقاته العملية، ولا للحالات التي يعالجها ويعرضها في كتبه، وأمَّا الذي نفهمه من ذلك كله فهو أنه كان يؤمن بوجود ثنائياتٍ متعارضةٍ في الطبيعة تتعايش بلا صراعٍ أو بأحوالٍ منسقةٍ؛ فالملَكات [أي القدرات] والحاجات الخاصَّة بالحياة البشرية والقائمة في كلِّ جسدٍ حيٍّ تتضمن قواعدها الخاصَّة وتتحكم في حدودها التي تحول دون أية زيادة في الخلل النفسي؛ فالحالات الواعية وغير الواعية تتميز بالتوافق في الشخص المتسم بالاتزان، وأمَّا طمس أيِّ حلٍّ وسطٍ يتوصل إليه «نصفا» الثنائيِّ أو رفضه، فمن شأنه أن يزيد من شدة نشاط المعارضة، ويؤدي إلى اختلالٍ نفسيٍّ من النوع الذي نلاحظه في حالات الاضطراب العصبي. وأما «التناوب» الذي يعني يونج به تعرُّض المرء لقوة أحد طرفي الثنائية فترةً ما، ثمَّ التَّعرُّض للطرف المضادِّ فترةً أخرى فيعتبر دليلًا على يقظة الوعي، فإذا ازداد التوتر فأصبح لا يطاق كان على الشخص أن يجد حلًّا ما، وينصُّ يونج على أن المرء لن يجد الراحة الحقيقية إلا في التوصل إلى تصالح الطرفين على مستوًى مختلفٍ وأقدر على إرضاء الذات.

وينتهي يونج في آخر فصول الكتاب إلى القول: إن النفس اللاواعية تميل إلى أن تستخرج من صدام القوتين المتعارضتين قوةً ثالثةً يسميها «إمكانية ثالثة»، ويقول: إن اللاوعي يخلق هذه القوة التي تتسم بطبيعتها غير العقلانية وغير المتوقعة، والتي لا تفهمها النفس الواعية. ويؤكد يونج أن هذه القوة تقدم نفسها بصورةٍ لا تسمح بالقبول المباشر أو الرفض المباشر؛ ومن ثمَّ فإن النفس ترقبها في حيرةٍ، والطرفان يحاران في طبيعتها، وما هذه القوة الغامضة القائمة على المفارقة إلا الرمز. فالرمز وحده هو الذي يستطيع اجتذاب الطرفين المتضادين وتوحيدهما. ويختتم يونج عرضه قائلًا: إن حالة الصراع التي لا تقدم حلًّا عقلانيًّا للمعضلة هي الحالة التي يؤدى فيها التعارض بين الطرفين إلى إنتاج عامل ثالث هو الرمز.

وكان يونج قد أثار هذه القضية في فصل عنوانه القديم «بعض المشكلات المحددة للعلاج النفسي» (١٩٥١م) وعندما أدرج في المجلد ١٦ وعنوانه: «المشكلات العامة للعلاج النفسي» (الذي نشر عام ١٩٦٦م) استبدلت «المسائل الأساسية» بعبارة المشكلات المحددة، وكان يطبق فيها نظرية التعارضات الثنائية على العلاقة بين المحلل (الطبيب) والمريض بصفة خاصة، وهو ما أدى إلى غضب رجال الدين منه ظانِّين أن فكرة المصالحة بين القوى المتعارضة تتضمن تنازلًا أخلاقيًّا من نوعٍ ما، خصوصًا قوله في الكتاب المذكور «إن العلم يتوقف فيما يبدو عند حدود المنطق ولكن … الطبيعة لا تتوقف عند الأضداد، بل تستخدمها في خلق ميلادٍ جديدٍ من داخل رحم التعارض نفسه» (المجلد ١٦ الفقرة ٥٣٤). والواقع أن يونج يوضح ما يقصده بالتضاد إيضاحًا يجعله يتجاوز التضادَّ بين الوعي واللاوعي، وبين الطبيب والمريض؛ فالمطالب عند كلِّ طرفٍ من طرفي هاتين الثنائيتين يتعذر التوفيق بينها أو ما يسميه يونج «المصالحة» reconciliation؛ إذ إن التضادَّ الذي يعنيه في المجلد الأخير يقوم على منطقٍ مقبولٍ مهما تبلغ غرابة المصطلحات المستخدمة في وصفه، ألا وهو منطق الانقلاب إلى الضدِّ عند بلوغ الذروة enantiodromia فإن يونج يقول بوجود نوعين من التضادِّ: الأوَّل قائمٌ في اللاوعي، وهو لا يؤثر في الصحة النفسية؛ لأن التضادَّ بين القوتين أو العاملين المتقابلين في اللاوعي يلغى أحدهما الآخر، بحيث لا يكاد المرء يشعر بنشاطهما؛ إذ يأتي الإلغاء المذكور بحالة خمودٍ. وأمَّا النوع الثاني فالمقصود به تحوُّل عاملٍ ما من العوامل داخل النفس إلى ذروته بحيث ينقلب إلى ضده، فقانون الانقلاب إلى الضدِّ عند بلوغ الذروة قانونٌ مطلقٌ، وهكذا فإن الطاقة النفسية تتركز في هذه الحال على ربط الصورة الجديدة للعامل المذكور بصورته القديمة بحيث ينتهي التعارض أو تتحقق المصالحة، وكان يونج يؤمن بأن اكتشاف معنى الوجود البشريِّ وحده هو الذي يمكِّن المرء من تحمُّل ضغوط الأضداد وتخفيفها أو إزالتها. (انظر صمويلز ١٠٢–١٠٤)

علم الضوء optics

نظامٌ/مرتبةٌ/ترتيبٌ order

اتِّجاه/توجُّه/موقف orientation

يقول يونج: «يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى المبدأ العام لموقفٍ ما». فكل موقف توجهه وجهة نظر معينة، بغضِّ النظر عما إذا كانت وجهة النظر واعية أو لا واعية. والموقف الذي يسمَّى «موقف السلطة» توجهه وجهة نظر سلطة الأنا التي تمارسها ضد المؤثرات والظروف القاهرة. وموقف التفكير يوجهه مبدأ المنطق باعتباره قانونه الأسمى، وموقف الإحساس يوجهه الإدراك الحسيُّ لأية حقائق قائمة.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٧٢)

التصوير الزيتي/الرسم بالألوان painting

كان يونج يرى أن الرسوم التي يبدعها المرء — سواء كان فنانًا ماهرًا أو غير فنان — تكشف عن رموزٍ بعضها صادرٌ من اللاوعي، وهو يحلل رسوم إحدى مريضاته في كتابه: «الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي» (ص٢٩٠–٣٥٤) للتدليل على الرموز المنتمية إلى اللاوعي الجمعي والرموز المنتمية إلى اللاوعي الفردي أو الشخصي، وكيف يمكن للمحلل استنباط هذه الرموز وتمييز العام عن الخاص، والاهتداء بها في تحديد العلة أو العلل الخبيئة في اللاوعي.

حالة الفصام البارانووية paranoid-schizoid position

«هذا مصطلح وضعته ميلاني كلاين للإشارة إلى مرحلة من مراحل تطور العلاقات الموضوعية (أي العلاقات بالغير) تسبق إدراك الرضيع أن صورتَي الأمِّ الحسنة والأمِّ السيئة تشيران إلى الشخص نفسه. وإذا كان هذا الوضع مضادًّا للانقباض النفسي (حيث يجري التئام الانقسامات في الشخصية وفي الآخر) فقد يؤدي أحد الحالين إلى الآخر، كما تتوافر الأدلة على تزامن الحالين في حياة البالغين، عادة …»

وينتمي نوع القلق في هذه الحالة إلى البارانويا (وقد يكون الرضيع خائفًا من الاضطهاد والاعتداء). ووسيلة دفاعه هي تقسيم «الموضوع» (أي القيام بمناورة فصامية) فالرضيع يقسم صورة الأمِّ حتى يتمكن من الظفر بالجانب الحسن والسيطرة على الجانب السيء. كما أنه ينقسم داخل نفسه بسبب القلق الشديد الناجم عن وجود مشاعر حبٍّ وكراهيةٍ يستحيل التوفيق، على ما يبدو، بينهما، ويقال إن القدرة على تحمُّل هذا الانقسام شرطٌ مسبقٌ لأيِّ تركيبٍ يجمع بين الأضداد فيما بعد. ولكن يونج يقول بضرورة التفريق أو الفصل أولًا بينها.

«والحالة الفصامية البارانووية يتجلَّى فيها أسلوب وعي يطلق يونج عليه صفة «البطولة»؛ لأن الرضيع يميل إلى أن يتسم في سلوكه بعزيمةٍ سافرةٍ موجهةٍ لتحقيق الهدف.» (صمويلز، ص١٠٥)

زلة اللسان ذات المغزى parapraxis

يجمع هذا اللفظ باستبدال -es بالحرفين الأخيرين -is وهو ينتمي إلى التحليل النفسي مثلما ينتمي إلى علم النفس التحليلي؛ فهو من ثمار تدخل اللاوعي في الحياة الواعية بفرض خطأ أو أخطاء تعتبر زلات لسانٍ غير مقصودةٍ، ولكنَّها تفصح عن بعض محتويات اللاوعي.

الصور النمطية للأبوين parental typology

(انظر «بين الأب والأم» في الفصل السادس).

العلاقات الموضوعية الجزئية/part object relations

العلاقات مع جزء من الغير.

المقصود أن يتعلق الرضيع بجزء من جسد والدته، أو جانب من علاقته معها، سواء كان ذلك يتعلق بالغذاء أو الرعاية أو دفء الصدر، وذلك في مرحلةٍ معينةٍ من مراحل تطوره النفسي.

(انظر object relations).

مشاركة التماهي الروحي participation mystique

يقول يونج: «يرجع أصل هذا المصطلح إلى (ليفي-بريل Lévy-Bruhl) [في كتاب في الأنثروبولوجيا عنوانه: «الوظائف النفسية عند الشعوب البدائية» (باريس ١٩١٢م)]. ومعناه وجود نوعٍ غريبٍ من الرابطة النفسية مع الموضوع؛ أي الشيء أو الشخص بحيث لا تستطيع الذات في إطارها التمييز بوضوحٍ بينها وبين الموضوع [الشيء أو الشخص] إذ ترتبط به بعلاقة مباشرة لا يمكن أن توصف إلا بأنها تماهٍ جزئيٌّ. وهذا التماهي identity قائمٌ على وحدةٍ سابقةٍ؛ أي فطريةٍ بين الذات والموضوع. و«مشاركة التماهي الروحي» إذن من الآثار الباقية لهذه الحالة الأزلية. وهي لا تنطبق على العلاقة الكاملة بين الذات والموضوع، ولكن على حالاتٍ معينةٍ تتسم بتجلِّي هذه الظاهرة الغريبة. وهي، بطبيعة الحال، ظاهرةٌ تبدو في أبرز حالاتها بين البدائيين، لكنها تظهر أيضًا، في حالاتٍ غير قليلةٍ على الإطلاق، بين أصحاب الحضارة، وإن لم يكن ذلك بالمدى الواسع نفسه أو بالشدة نفسها. وهي تحدث في الشعوب المتحضرة عادةً بين الأشخاص، ونادرًا بين شخصٍ وشيءٍ. وفي الحالة الأولى تسمَّى حالة نقلٍ transference يكتسب فيها الموضوع [أي الشخص الآخر] (كقاعدة عامة) ضربًا من التأثير السحري؛ أي غير المشروط، في الذات. وفي الحالة الأخيرة تصبح قضية تأثيرٍ مماثلٍ في الذات من جانب شيءٍ ما، أو نوعًا من التماهي identification مع شيءٍ ما أو مع فكرة شيءٍ ما.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٧٢–٥٧٣)
ويقول صمويلز: تقوم هذه الحالة في ثقافة تربط سلفًا بين شخصٍ ما وبين شيءٍ معبودٍ أو عملٍ فنيٍّ مقدسٍ، فإذا حدثت مشاركة التماهي الروحي اكتسبت الرابطة المذكورة حياتها وتأثيرها. وقد بدأ يونج يستعمل المصطلح اعتبارًا من عام ١٩١٢م وظل يستخدمه بمعنى تأثير شخصٍ في شخصٍ آخر، ويقول يونج، بلغة التحليل النفسي الحديث، إنه التماهي بالإسقاط projective identification حيث يسقط جزءٌ من الشخصية في الموضوع [الشيء أو الشخص] فتشعر الذات بأن الموضوع هو المضمون الذي أسقطته. ويعتبر هذا من ضروب الدفاع الذي يظهر في أمراض الكبار، وأما في الحياة اليومية فيمكن وصف مشاركة التماهي الروحي بأنها الحال التي يتمكن فيها شخصٌ من توقُّع حاجات شخصٍ آخر، أو استكمال جملةٍ بدأها، وحيث يعتمد كلٌّ على صاحبه في تحقيق الكيان الذي يرجوه. (صمويلز، ص١٠٥–١٠٦)

الشريك/شريك الحياة partner

كان يونج يستعمل الكلمة للإشارة إلى أحد الزوجين، في إطار الظواهر النفسية التي لا تعتمد على كون الشريك أنثى أو ذكرًا، ومن الطريف أن شاعت هذه الصفة في هذه الأيام للإشارة إلى أي اثنين يعيشان معًا سواء كانا زوجًا وزوجةً أو غير أزواجٍ، أو كانا من ذوي الميول الجنسية المثلية رجالًا أو نساءً.

النظام الأبوي paternal system

يختلف المقصود بالنظام الأبويِّ السيكلوجيِّ عن النظام الأبويِّ الاجتماعيِّ أو ما يسمَّى patriarchal system في أن الأخير تعبيرٌ مجازيٌّ عن سيادة الرجل (باعتباره ربَّ البيت) للمجتمع (باعتباره الأسرة الإنسانية) فالنظام الأبويُّ عند يونج حقيقيٌّ لا مجازيٌّ، وهو يقوم عنده على ارتباط الصبيِّ بأبيه، ويقول ستيفنز:

«إن الأبحاث الحديثة تتفق مع ما يؤكِّده يونج من أن وجود رباطٍ قويٍّ ودائمٍ بصورة والدٍ موضع ثقةٍ — يتمتع بأهميةٍ كبرى لنجاح الطفل في تحقيق إمكاناته الذكورية، وعيًا وسلوكًا. وتؤكد أبحاثٌ كثيرةٌ ارتفاع نسبة الخلط بين الدَّورين الاجتماعيين لكلٍّ من الجنسين في نفس الصبيان الذين يكبرون محرومين من الآباء، والغياب النسبي لهذا الخلط في البنات المحرومات من الأب.»

فالأم تقوم في البداية بدور «حاملة الذات» carrier of the self (أي إن ذات الطفل تُسقَط في البداية على الأم في أثناء مشاركة التماهي الروحي الأصلية) بالنسبة لأبنائها وبناتها، وهو ما يعني أنهم يصبحون متماهين معها تماهيًا وثيقًا، بغضِّ النظر عن اختلاف الجنس، ثم يُلقي الوعي باختلاف الدور الاجتماعي بنفسه على هذا التوحد مع الأمِّ، فإذا بنا نشهد تحولًا ثوريًّا في الصبيان؛ إذ ينتقلون من التماهي مع الأمِّ إلى التماهي مع الأب. ولكن الفتيات لا يحتجن إلى مثل هذا التكيُّف الجديد، وهكذا فعند ظهور الدور الاجتماعي يدرك الصبيُّ أن ارتباطه بأبيه قائمٌ على المشاركة في الهوية identity في حين أن الفتيات يقدِّرن أنه قائمٌ على الاختلاف (أي إن الأب يوفر للبنت أول خبرةٍ عميقةٍ، جسديةٍ وجنسيةٍ، «بالغيرية» الأساسية للذكر). (ستيفنز، ١٩٩٠م، ص٩١–٩٢)

المركبات المرَضية pathological complexes

(انظر قسم اختبار تداعي الألفاظ في الفصل الثاني والتعريف في بداية الفصل الثالث).

باثولوجيا/علم الأمراض pathology

التعريف المعتمد للباثولوجيا هو علم الأمراض، الرامي إلى فهم أسبابها والاستفادة بهذه المعرفة في علاج treatment المرضى [انظر مادة cure أعلاه]. وعلى الرغم من انشغال يونج به طول عمره، بعد الفترة الأولى التي قضاها ممارسًا للطب النفسي والتحليل النفسي، فإنه لم يكترث كثيرًا لما يسمَّى «الحالات المرَضية»، ولم يعد يعتمد على أيِّ نموذجٍ طبيٍّ إذ كان يستبعد ملاحظاته ونتائجه التجريبية؛ إذ كان يرى اختلافاتٍ واضحةً بين أي مدخلٍ طبيٍّ وأي مدخل للعلاج النفسي، على الرغم من اعترافه بأن العلاج النفسي من المباحث الطبية العلمية، وخصوصًا لأنه كان يرى أن تقنيات التحليل تفتح الأبواب الموصدة تمامًا في الشخص؛ ومن ثمَّ كان يصِّر على ضرورة عمل غير الأطباء مع الأطباء في دراسة الأمراض الكامنة. ويمكن تلخيص موقفه على النحو التالي: إذا كان الطبيب يبدأ بمعالجة المرض؛ فإن المعالج النفسي ينبغي ألا ينسى قط أن النفس المريضة تشمل كيان الإنسان الكليَّ، وهكذا، وعلى الرغم من أن التشخيص له أهميةٌ أولية للممارس الطبي، فإنه قد لا يتمتع بالقيمة نفسها للمعالج النفسي. وأما في حالة العصاب النفسي psychoneurosis فإن الحصول على معرفةٍ شاملةٍ بتاريخ الحالة يكاد يكون مستحيلًا؛ لأن بعض العوامل المسهمة فيه تنتمي في البداية إلى اللاوعي عند المريض؛ ومن ثمَّ تظلُّ خافيةً عن المعالج. وهكذا يوصي يونج بأن يركز العلاج النفسي لا على معالجة الأعراض بل على الوعي بالصور النفسية التي تمثل جذور الاضطرابات؛ أي إنه حين تكون تلك الصور غير مقبولةٍ للشخص وللمجتمع فربما كانت تتقنَّع بقناع المرض. (صمويلز، ص١٠٦–١٠٧)

المريض patient

(انظر مادة analyst and patient أعلاه).

نظام ترتيب أشياء في مبنى واحد/النسق pattern

(انظر الفرق بين pattern وtype في مقدمة الدراسة).

نظام الأقران peer system

(انظر القسم الأوَّل من الفصل الرابع).

مجتمع الإباحة permissive society

أطلق هذا الوصف علماء الاجتماع على صورة المجتمع التي تشكَّلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية في بريطانيا خصوصًا وفي بعض الأقطار الأوروبية عمومًا، وإلى حدٍّ ما في الولايات المتحدة، والمقصود بالإباحة التحرر من قيود المجتمع القائمة على التزمُّت الديني والنفاق والعصبية القومية، وهي العوامل التي أدَّت، أو أسهمت إلى حدٍّ كبيرٍ في نشوب الحربين العالميتين اللتين كانتا في نظر الفلاسفة شرًّا مستطيرًا؛ لأنهما لم تقوما على أسس إنسانية قويمة. وسرعان ما تحوَّل التحرر إلى تحلُّلٍ، وهو الذي بدا في أوضح صوره في ثورة الشباب في الستينيات وظاهرة الهيبيز hippies وتقصير الإزارات mini-skirts والشورتات الساخنة hot shorts والموسيقى الصاخبة التي كان يقال إنها مُسكرة psychedelic وانتشار الشراب والمخدرات بين الشباب، ومن وراء هذا كله إباحة المجتمع لهذه الظواهر. والمعروف أن ثورة الشباب بلغت ذروتها عام ١٩٦٨م في الاضطرابات الفرنسية، وهي التي دعت إلى إعادة النظر في التراث الذي جلب الحربين. ومن أهم التعديلات إباحة الطلاق لغير الأسباب السابقة، بل لمجرد استحالة استمرار الحياة الزوجية وحسب اعتبارًا من عام ١٩٦٩م في بريطانيا.

الشخص person

يستخدم يونج هذا المصطلح في الإشارة إلى الشخصية التي تضمُّ الأنا الواعية، واللاوعي الدفين، وهو يعادل — إلى حدٍّ ما — تعريفه للذات self.

القناع persona

في الأصل القناع الذي يلبسه الممثل. ويعرِّفه يونج قائلًا:

«إنه الجهاز الذي يستخدمه الفرد للتكيُّف مع العالم، أو الأسلوب الذي يتخذه الفرد في التعامل مع العالم. فلكلِّ عمل أو حرفة مثلًا قناعها الخاصُّ والمميِّز لها … ويكمن الخطر في تماهي الأشخاص مع أقنعتهم، مثل تماهي الأستاذ مع كتابه والمطرب مع صوته … ولنا أن نبالغ قليلًا فنقول: إن القناع ما لا يتماهى المرء معه، بل ما يظن المرء ويظن الناس أنه يتماهى معه.» (الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي، المجلد ٩، الجزء الأول، ص١٢٢).

(انظر القسم ٧ من الفصل الثالث)

اللاوعي الشخصي personal unconscious

(انظر الفصل الثاني من الدراسة).

(وانظر تعريف المصطلح في الفصل الثالث).

(وانظر unconscious أدناه).

الشخصية personality

(انظر person أعلاه).

التجسيد/التشخيص personification

يقول صمويلز: «هذا نشاط سيكلوجي أساسي يحوِّل كلَّ ما يمرُّ به المرء من خبراتٍ، بأسلوبٍ تلقائيٍّ وغير طوعيٍّ، إلى كيانٍ حيٍّ؛ أي إلى «شخص» نفسيٍّ. ونحن نقابل هذه «الشخوص» في أحلامنا وفي تخيلاتنا وفي إسقاطاتنا.»

ويقول يونج في أول إشارةٍ عنده إلى التشخيص إنه يمثل جزءًا من تفسيره لتخيلات المريض؛ إذ يقول: «كان الطابع الروحانيُّ للآنسة «م» هو الذي تشخَّص في صورة فتاة من شعب الآزتيك Aztec وهو الذي جعلها تحسُّ بأنها تتمتع بقدرٍ من السمو والرفعة الروحية يحول دون أن تجد لها حبيبًا من بين البشر الفانين.» (المجلد ٥، الفقرة ٢٧٣)
وأمَّا أهمُّ أتباع يونج الذين درسوا فكرة التَّشخيص على أعمق مستوى فهو جون هيلمان Hillman الذي يتناول في كتابه: «إعادة رؤية علم النفس» (١٩٧٥م) ظاهرة التشخيص (والتجسيد) باعتبارها عمليةً طبيعيةً وجوهريةً. وقد انتهى إلى ما يلي: (١) إنها تحمي النفس من سيطرة قوة مفردة عليها، و(٢) تعتبر أداةً علاجيةً مفيدةً؛ لأنها تقدم منظورًا يتيح للشخص أن يعترف بأن هذه الأشكال «المشخصة» و«المجسدة» تنتمي إليه، وأن يدرك في الوقت نفسه أنها لا تخضع لهويته وسلطته، و(٣) إن التشخيص والتجسيد يتيحان للأشكال الناشئة — كما يقول يونج — أن تكتسب طابعًا موضوعيًّا بحيث تختلف عن اللاوعي بل تفترق عن بعضها البعض أيضًا، بمعنى أنها لا تندمج أو يستمسك بعضها ببعض، ومع ذلك (٤) فإن التشخيص يشجع إقامة علاقة بين المقومات النفسية، كما أنها (٥) تتحلى بمزية تجعلها أفضل من «التجريد» والتعامل النظري ما دامت تحدث استجابةً حيةً على عكس مذهب الاسمية الفكرية. وقد تابع هيلمان دراسة الظاهرة في كتبه التالية. (انظر المراجع)

التخيل/الخيال phantasy

هذا هو الهجاء البديل عن الهجاء الحديث fantasy، (وانظر المادة في هذا المعجم).

شبحٌ/طيفٌ/خيالٌ phantom

السكينة/صفاء النفس pleroma

هذا مصطلحٌ غنوصي يستخدمه يونج في وصف «مكان» يتجاوز حدود الزمن والمكان، حيث تنتفي أو تزول كلُّ ضروب التوتر الناجم من وجود الأضداد، وتختلف السكينة عن صفة الاكتمال wholeness أو التفرد individuation لأنها صفةٌ طبيعيةٌ أو فطريةٌ مفترضةٌ لا حالة يصل إليها المرء بالجمع بين العناصر المتباينة في الشخص. ومع ذلك فإن إدراك السكينة يمكن أن ينتج عن الاكتمال المذكور، إلى جانب عنصرٍ روحيٍّ يعرفه المؤمنون بالله، ويقول صمويلز: إن هذه السَّكينة تشبه ما يشير إليه عالم الفيزياء بوم Bohm بأنه إحساس بوجود واقع باطني يستشعر المرء وجوده عادةً داخل الواقع الذي ندركه وخلفه ومن تحته.

تعدُّد الزَّوجات polygamy

تعدُّد الأرباب/الشرك بالله polytheism

هذا هو المعنى المعتاد المضادُّ لدين التوحيد، monotheism وإن كان بعض رجال اللاهوت يقولون إنه لا يتنافى مع التوحيد؛ لأنه يفترض وجود مبدأ أعلى سابق على خلق العالم، وما الأرباب — على ضوء هذا المبدأ — إلا رموز للقوى المؤدية إلى الوحدانية؛ فالتوحيد مبدأ قادر على نفي التعدُّد فكريًّا وحسيًّا. ولكن يونج يدرسه في سياقه التاريخيِّ مؤكدًا أنه يمثل العماء الذي ساد قبل دين التوحيد، مضيفًا أن النظرة السيكلوجية إليه تقول إنه يشبه تعدُّد الأنماط الفطرية التي كانت يومًا تتمتع بمواقع الأرباب والأرواح، وما يجري بينها من تضاربٍ دائمٍ وجد الحل الحاسم له في الذات self الموحَّدة.
ويقول هيلمان المشار إليه آنفًا في كتابٍ آخر (صغير) (١٩٨٣م) إن هذه النظرة يمكن أن تشير إلى تعدُّد عناصر الروح؛ ومن ثمَّ فهي تتوسل بالمخيِّلة اللاهوتية التي تسمح بتعدد القوى الداخلية والخارجية جميعًا. والواقع أن هيلمان هنا يعيد صياغة الفكرة التي يقدمها ألدوس هكسلي Huxley المشار إليها في مقدمة هذه الدراسة ص٢١، الخاصة بأن الأرباب المتعددة رموز لقوى النفس قبل نزول أديان التوحيد.

الامتلاك/الاستيلاء possession

الفعل to possess يعني أن يمتلك المرء شيئًا، ومن ظلال معانيه الاستيلاء على شيءٍ ما والسيطرة عليه والتحكُّم فيه. وكان الامتلاك يتضمن في الماضي امتلاك الأرض وما فيها بل والبشر أيضًا، وفق نظام الرِّقِّ، وفي لغة المستعمرين الحديثة عن «الممتلكات» فيما وراء البحار، أو ما يسمَّى overseas possessions وفي اللغة الدارجة يشير اللفظ إلى ما يسيطر على شخصٍ ما، سواء كان فكرةً أو شعورًا، كقولك: لمَ فعلت ذلك؟ ما الذي تملكك؟ Why did you do this? What possessed you? وقد تكون الإشارة إلى شيطانٍ أو عفريتٍ «يحتل» الشخص أو «يسكنه» haunt، ولكن الكلمة دخلت المصطلح السيكلوجي بمعنى أن يمتلك مركَّبٌ ما (أو أيُّ نمطٍ فطريٍّ) كيان الأنا ويتحكم فيها. ولما كان الاسترقاق والتملك مترادفين؛ فإن الأنا تخضع للاحتلال وتخضع — عندما تشتدُّ أعراض العصاب على المريض — لسيطرة المركَّب المذكور وتفقد حرية إرادتها. وهكذا يجتهد الوعي في مقاومة هذا المركَّب، وهو ما يؤدِّي إلى خللٍ في النفس وفي السلوك؛ الأمر الذي يفقد المرء اتزانه، وهكذا نرى عند المريض تزييفًا لأهدافه الفردية، وسيطرةً للمركَّب سواء كان «مركَّب الأمِّ» أو التماهي مع القناع، أو مع الأنيما أو الأنيموس.
وقد كتب يونج مقالًا ينعى فيه وفاة فرويد ويقول فيه إن فرويد يستبدل فكرة الاستيلاء السيكلوجية المذكورة بالنظرية القروسطية التي كانت تنسب الاستيلاء إلى الجن؛ ومن ثمَّ أوضح نشأة تلك الفكرة عند «شاركو» Charcot (المشار إليه في الدراسة) مشيرًا إلى أن برووار Breuer كان يؤيد نظرة فرويد التي كانت تجد مناصرة لدى اللاهوتيين (المجلد ١٥). وعلى الرغم مما نستشفه في كتابات يونج من إعجاب بهذه الفكرة، فإنه كان يدعو إلى معرفة سبب الاستيلاء لاجتثاث جذوره بدلًا من التصدي للأعراض ومحاولة التغلب عليها أملًا في طرد المستعمر أو المحتل للأنا.

السلطة/السلطان/السيطرة power

كثيرًا ما نلاحظ الخلط بين هذا المصطلح وما يبدو مرادفًا له مثل force التي نترجمها عادة بالقوة، و strength التي تشاركها الترجمة، ناهيك باستخدام كلمة «القوة» العربية بمعانٍ مجسَّدةٍ، مثل الإشارة إلى فرقة من الجنود troops أو استخدامها في صيغة الجمع armed forces بمعنى القوات المسلحة، وذلك يختلف عن استعمالها المجرد في قولك: لم أستطع مقاومة قوة حجته I could not resist the force of his argument والمعنى الاصطلاحي لقوة الحجة هو cogency. وهذا الخلط أدَّى إلى عدم إدراك المعنى الأصيل لكلمة power؛ أي السلطة أو السلطان، كما ترجمها محمد بدران، وتداخل دلالات هذه الألفاظ ينبغي ألا ينسينا ما تختصُّ به كلُّ منها في السياقات المختلفة. وقد أحسن مترجمونا حين ترجموا empowerment بلفظ التمكين؛ أي منح السلطة لشخصٍ ما، وشاع استخدام التعبير the empowerment of women أي تمكين المرأة، استنادًا إلى معنى الآية الكريمة وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ (يوسف ٥٦) والصفة منها مكينٌ (يوسف: ٥٤). فالمعنى هنا هو التمتع بالسلطة؛ أي المكانة التي تتيح تنفيذ الإرادة، ونحن نقول: «الدول الكبرى» ترجمة لعبارة big powers فالقدرة على تنفيذ الإرادة مقياس السلطة إذن، وهو ما نجده في عنوان كتاب نيتشه إرادة السلطة The will to Power الذي يستند إليه فوكو في الربط بين المعرفة والسلطة، وما يبني عليه دارسو «تحليل الخطاب» (مثل نورمان فيركلف) أبحاثهم في تأثير السلطة في اللغة وفي العلاقات الاجتماعية التي تتجلَّى في وجود السلطة أو درجتها أو غيابها. وللكلمة معانٍ أخرى بطبيعة الحال، في الرياضيات مثلًا، أو في القانون كقولك power of attorney بمعنى «توكيل رسمي» وهلم جرًّا.
فإذا نظرنا إلى يونج في السياق العلمي الذي أنجز فيه ما أنجز وجدنا اختلافاتٍ تلقي الأضواء على مذهبه، فقد ناقشت من قبل في الدراسة موقفه من فرويد، وآن الأوان لإلقاء نظرةٍ على مذهب زميله ألفريد أدلر، Adler الذي كان عمله يستند أساسًا إلى إرادة السلطة، باعتبارها المبدأ الدافع للسلوك الإنساني، كما أن يونج أكَّد ذات يومٍ بصورةٍ قاطعةٍ أنه كان يرى أن عمل فرويد وآدلر قائمٌ على افتراض تقدُّم الإنسان بفضل الجهد المبذول لتأكيد ذاته، تحفزه إرادة النجاح والتفوق. ولكن يونج ما لبث أن أعاد النظر في هذا الموقف، ثم اعترض عليه، قائلًا إنه موقفٌ محدودٌ وناقصٌ incomplete. فإذا اطلعنا على كتاباته الناضجة وجدنا أنه كان يؤمن بوجود صورة الله داخل نفس الإنسان إلى جانب صور الأنماط الفطرية الأخرى، وكان يولي مكانًا أوليًّا؛ أي فطريًّا للدافع إلى تحقيق الذات أو ما يسميه «غريزة الاكتمال». وكانت الكلمات التي يردُّ بها على آدلر تعبِّر عن توجهه الدينيِّ الخاصِّ، قائلًا إنه يرى في إصرار آدلر على أن إرادة الإنسان للسلطة قوة force دافعة قبولًا للقول: «بالدونية الأخلاقية» للإنسان (المجلد ١٦ الفقرة ٢٣٤)

ويقول صمويلز:

«لا ينكر يونج أن إرادة السلطة (أي الرغبة في إخضاع جميع المؤثرات الأخرى للأنا) دافع غريزي ولا يقول إنها تتسم بالسلبية الخالصة، بل إنه يراها من العوامل القوية strong التي تنشئ الثقافة وتؤثر في تطورها، فلولاها ما استطاع الإنسان بناء الأنا القوية strong القادرة على التصدِّي لتصاريف الحياة الخاصَّة أو المواجهات مع الذات داخل شخصيته نفسها.»
ويضيف صمويلز قائلًا: كان يونج يعتبر السلطة مكافأةً لفكرة الروح والجن والربانية والصحة والقوة strength والمانا mana والخصب والسحر وهيبة المكانة والطب والنفوذ؛ أي شكلًا من أشكال الطاقة النفسية. وكان يتحدث عن الأنماط الفطرية باعتبارها «مراكز مستقلَّةً للسلطة» autonomous centres of power. وكان يرى في هذا النمط الفطري ما يزيد على مجرد الاستعداد لإعادة إنتاج أفكار أسطورية مماثلة؛ أي أيضًا باعتباره مستودعًا للسلطة؛ أي «للطاقة المتحكمة في الشخص».

وكان يونج يعرِّف مركَّب السلطة باعتباره المجموع الكلِّيِّ لهذه الطاقات، وضروب الكفاح والأفكار الرامية إلى اكتساب السلطة الشخصية. وعندما يهيمن هذا المركَّب على الشخصية تصبح جميع المؤثرات الأخرى خاضعةً للأنا؛ سواء كانت مؤثراتٍ منبثقةً من أشخاصٍ آخرين وظروفٍ خارجيةٍ أو من النوازع والأفكار والمشاعر الخاصة بالشخص نفسه. ولكننا قد نجد من لديهم السلطة من دون أن تمثل الدافع على سلوكهم أو أن يقعوا ضحية المركَّب المذكور، فزيادة القدرة الواعية على استخدام السلطة هدفٌ من أهداف العلاج النفسي، كما يؤكد يونج في أكثر من كتابٍ (انظر مثلًا المجلد ٨، الفقرة ٥٩٠). وهذه الفكرة الأخيرة كان قد سبق أن عبر عنها يونج في التعريفات التي يوردها في ذيل كتابه: «الأنماط السيكلوجية» (المجلد ٦) في تعريفه لمركَّب السلطة، وانظر المادة التالية.

مركب السلطة power complex

يقول يونج: «أحيانًا ما أستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى المركَّب الشامل لجميع الأفكار وضروب الكفاح التي تميل إلى وضع الأنا فوق المؤثرات الأخرى، بحيث تصبح جميع أمثال هذه المؤثرات ثانويةً بالنسبة للأنا، بغضِّ النظر تمامًا عما إذا كانت لها مصادر في أشخاصٍ وأحوالٍ خارجيةٍ، أو كانت تنبع من نوازع الشخص نفسه ومشاعره وأفكاره.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٨٢)

التداولية [اللغوية] pragmatics

هذا من مصطلحات علم اللغة، ويقصد به وجوه استعمال الألفاظ في السياقات المختلفة، حيث تتغير أو يمكن أن تتغير معانيها ودلالاتها وظلال دلالاتها، ومن حيث مستوى اللغة إن كانت رفيعةً بمعنى تناولها أفكارًا علميةً أو إنسانيةً مجردةً، أو بمعنى مخاطبتها المثقفين الذين ظفروا بقدرٍ وافرٍ من التعليم، أو إن كانت غير ذلك كأن تكون لغة الحياة اليومية أو لغة التخاطب أو لغة الحرفة jargon أو لغة العوامِّ وهلم جرًّا، وكذلك وجوه استعمال الأبنية اللغوية من جمل وعبارات، والصلات القائمة بينها وهو الذي يسمَّى علم التراكيب syntax. فأما العلاقات بين هذه المجالات الثلاثة فتدرس في علم الأسلوب stylistics وينبغي الإشارة إلى أن الصفة pragmatic، والتي عرَّبناها منذ زمنٍ بعيدٍ؛ أي أصبحنا نكتبها براجماتي أو براجماطي بمعنى صاحب الاتجاه العملي؛ أي الذي يهتم بالجوانب العملية والواقعية في النظر إلى الأشياء — لا تتصل بهذا المصطلح اللُّغويِّ إلا اشتقاقًا ومن زاوية الطابع العملي للغة، ولا يدهشنَّ أحدٌ من قولي هذا؛ فإن لعلم اللغة linguistics طابعًا نظريًّا يهلِّل له أصحابه ويكبِّرون، منذ تشومسكي ومن تابعه وتبعه، وله جانب عمليٌّ هو الذي نهتم به في الدراسات البينية للغة، مثل دلائل استعمال تراكيب معينةٍ أو ألفاظٍ محددةٍ في شتى السياقات، ومن بينها الأدب والفنون الأدبية المختلفة، إلى جانب الدراسات النفسية والاجتماعية والفلسفية والقانونية التي يلعب فيها علم «التداولية» دورًا كبيرًا، وخصوصًا مبحث الهرمانيوطيقا الذي يضم التفسير أساسًا، ويضمُّ معه الشرح والإيضاح والتأويل، وكلها من ثمار علم «التداولية» الحديث (انظر موسوعة الهرمانيوطيقا، المركز القومي للترجمة، ٢٠١٨م).

الاستعداد المسبق predisposition

يتضمن تعريف يونج للأنماط الفطرية أن يكون لدى الشخص استعدادٌ فطريٌّ لتوجهٍ نفسيٍّ معينٍ، سواء كان وظيفيًّا؛ مثل أحد الوظائف الأربعة التي يحدِّدها، وهي التفكير والشعور والإحساس والحدس، أو الميل إلى الانطوائية أو الانبساطية، حسبما شرحت في الدراسة. ومعنى هذا أن النمط الفطريَّ قد لا يكون شيئًا؛ أي رمزًا، أو كيانًا مجسَّدًا بل مجرد استعدادٍ نفسيٍّ سابقٍ (واللغة العربية المعاصرة تبيح استخدام صفة «المسبق» على ركاكتها بدلًا من السابق). ومن ثمَّ فالمقصود هو الاستعداد الفطري.

صورة الأب الأولية primal father

يشترك يونج مع علماء التحليل النفسي في إقرار صورة ما يسميه «العلاقة الأولية» primal relationship بين الطفل وأمه، ولكنه يختلف معهم في رسم صورةٍ خاصَّةٍ للأب، وهي تضمُّ بعض العناصر الخاصة بالإسقاط والتماهي وما إلى ذلك مما نجده عند أصحاب التحليل النفسي، ولكنها تختلف في أنها تخصُّ الأب بصورتين لا تكادان تنفصلان؛ الصورة الأولى صورة العقلانيِّ صاحب السلطة، وهي التي تتكون في نطاق الأسرة ذات الصلات الوثيقة، والصورة الثانية صورة الجلال أو الجليل أو صاحب القوَّة التي تثير الرهبة في النفس؛ لأنها جبارةٌ أو غير مفهومةٍ، وترتبط هذه الصورة الأولية بدلالةٍ روحيةٍ قائمةٍ في أديانٍ كثيرةٍ.

العلاقة الأوَّليَّة primal relationship

المشهد الأولي primal scene

التفكير الأولى والثانوي primary and secondary process

هذا التعبير الاصطلاحي من وضع بعض شرَّاح يونج المتحذلقين المولعين باستعمال كلمة process التي نترجمها بكلمة «عملية» وإن كانت لا تعني شيئًا محدَّدًا يمكن الارتكان إليه، فقد تعني العمل أو أثناء العمل أو سلسلة عملياتٍ متواليةٍ أو طريقة صوغٍ أو صناعة أو دعوى قضائية أو إجراءً قضائيًّا وهلُّم جرًّا. واستبدالها بكلمة محددة المعنى يرمي إليه الكاتب (كالتفكير) يوحي بغموضٍ «ممتع»؛ يوحي بدوره بالعمق، ويزيد من سمة التعالم استخدام تعبير «أولي» و«ثانوي» بدلًا من «مباشر» و«غير مباشر». انظر مادة directed and fantasy thinking عاليه.

الشعوب البدائية primitives

على الرغم من الاتجاه الحديث في الفلسفة وعلم الاجتماع إلى نبذ اصطلاح «البدائي» وتفضيل الإشارة إلى الشعوب التي كانت توصف هذا الوصف بأنها ذات ثقافةٍ مختلفةٍ وحسب، بسبب ما لحق بمصطلح «البدائية» من «أحكامٍ قيمية» لا تتفق مع المناهج العلمية الحديثة، وخصوصًا ما أدَّى إليه الوصف المذكور من استغلالٍ سياسيٍّ؛ إذ تعلَّق به الأوروبيون في تبرير احتلالهم أراضي تلك الشعوب، وتقديم الحجة التي أصبحت ذميمةً ممجوجةً، وهي نقل الحضارة الحديثة (الأوروبية) إليها؛ أقول على الرغم من هذا؛ فإن الأبحاث التي أجراها الفيلسوف الفرنسي لوسيان ليفي-برول Levi-Brühl ما تزال تثير مناقشاتٍ مطوَّلةً بسبب رؤيته لما يسميه «العقلية البدائية» (أو التفكير البدائي) وما يميزه عن الفكر الذي كان يصفه بالحداثة؛ بمعنى أنه لم يكن يعتبر «البدائية» حكمًا بالدونية أو التخلف عن الحضارة (مثل الروائي والشاعر الإنجليزي كيبلنج وغيره) بل يراها ظاهرةً يمكن أن نعثر عليها في كلِّ مكانٍ حتَّى بين أصحاب «الحضارة». ولا شكَّ أن يونج تأثر بما يقوله ليفي-برول (١٨٥٧–١٩٣٩م) عن تفكير العقل البدائي الذي كان يرى أنه لا يفرِّق بين ما هو فيزيقيٌّ (طبيعيٌّ وماديٌّ) وما هو ميتافيزيقيٌّ (أي ينتمي إلى ما وراء الظاهر وإلى الخوارق) خصوصًا في كتابه: «كيف يفكر العقل البدائي» (١٩٢٦م)، وقد توالت كتبه التي كان يصدرها منذ أواخر القرن التاسع عشر (١٨٩٩م) حتى عام ١٩٣٥م، وقد قرأت أخيرًا مقالًا يعرض آراء إميل دوركايم Durkheim التي قيل إنها تعارض رأي ليفي-برول الشهير في وصف منهج التفكير القائم على الإيمان بوجود قوًى غيبيةٍ على عكس منهج التفكير الحديث الذي يعتمد على المنطق والعلم الطبيعي في المقام الأول، وينتهي إلى أن التعارض المذكور سطحيٌّ، مؤكِّدًا أن الرجلين كانا يشتركان في أكثر من منظورٍ واحدٍ.

ويتضح تأثُّر يونج بما يقوله ليفي-برول، وما أكَّدته ملاحظاته وخبراته التي مرَّ بها في مناطق اشتهر عنها أنها لم تلحق بركب الحداثة بالصورة المنشودة، في رؤية ذاته نفسها باعتبارها ذاتًا بدائيةً، ما دامت بحوثه في علم النفس العميق تتجاوز مظاهر الحداثة المادية بل — وهو الأهمُّ — الأساليب العقلانية المحضة في تفسير الظواهر الإنسانية، وذلك بردِّها إلى ما هو أصيلٌ وأصليٌّ حسبما يتجلَّى في طرائق بحثٍ لا ترفض قولًا؛ لأنه قائمٌ على حدسٍ يصعب تفسيره عقلانيًّا، أو على شعورٍ تتخذه الذات كلُّها دون فصلٍ لأحد مقوماتها عن سواه، أو إحساسٍ لا بدَّ أن يكون صادقًا؛ لأنه نابعٌ من أعماق الطبيعة الإنسانية التي لا تتغير.

وهذا التفسير لمعنى البدائية يجعلنا لا نبالغ في تقدير مدى تأثير نظريات ليفي-برول في تفكيره؛ إذ يمتاز يونج عن كثيرٍ من باحثي القرن العشرين في أنه يجعل نفسه منذ البداية مجالًا لتحليله واستنباط آرائه.

صورة أزلية primordial image

المصطلح من سكِّ المؤرخ السويسري للفن والثقافة كارل ياكوب بوركهارت الشهير باسم ياكوب بوركهارت Jacob Burckhardt (١٨١٨–١٨٩٧م) وكان يونج يستخدم هذا المصطلح في البداية ليعني النمط الفطريَّ archetype.
(انظر archetype أعلاه).

الإسقاط projection

معنى الإسقاط ويسقط — المصطلح الذي شاع استعماله في علم النفس وفي الاقتصاد — يقوم على مجازٍ قد لا يكون واضحًا للجميع؛ إذ يمثِّل تعديلًا للمعنى الحقيقيِّ وهو يطلق أو يقذف؛ فالفعل to project يعني هذا أولًا ومنه اشتقَّ الاسم «مقذوف» projectile سواء كان حجرًا أو طلقةً من سلاحٍ ناريٍّ، وتستخدم الكلمة نفسها صفة إذا قلنا إن من شأن احتراق البارود في السلاح الناري توليد قوةٍ دافعةٍ projectile force من غازاتٍ تحمل المقذوف إلى المرمى المنشود. ومن هذا المعنى الحقيقيِّ جاءت معانٍ مجازيةٌ تفيد إلقاء أيِّ شيءٍ أو إسقاطه، وهذا الشيء قد يكون ضوءًا، فيجيء لنا بآلة إسقاط الضوء projector الذي قد يمرُّ من خلال صورٍ مطبوعةٍ على شرائط بلاستيك فيشكِّل لنا هذه الصور على شاشة معينة، وهو ما شاع في السينما بعد ذلك. أي إن إسقاط الضوء على الشاشة أقرب معنى مجازي للمعنى الحقيقي؛ فالمعنى المجازيُّ يتوسع فيه فيصبح الضوء خطةً عملٍ وضعناها، أو تصبح توقعاتنا لمستقبل شيءٍ أو عملٍ ما، ومنه يأتي مجازًا النظر من علٍ؛ أي إلقاء النظر (مجازيًّا) على خريطةٍ فيسمَّى مسقطًا، أو يسمَّى رسمًا إسقاطيًّا، ومنه جاء مستوى الإسقاط، أو تصوُّر فكرةٍ ما، ويشار إلى ذلك كله بالاسم projection. وجيء في الاقتصاد باسم منه هو «المشروع» project؛ أي الصورة العملية المتوقَّع تنفيذها، وتوقعات المستقبل، أي projections.

وانتقلت الصورة المجازية إلى علم النفس وظهرت في أحد مفاهيم التحليل النفسي، بمعنى أن يسقط المرء (أي يلقي) بشيءٍ غير مقبول له على شيءٍ خارجيٍّ أو على شخصٍ آخر؛ أي ينسب ما يكرهه إلى غيره؛ ومن ثمَّ يستريح من حمل ذلك العبء الذي يرفضه الوعي، فيلقي به؛ أي يسقطه من خلال اللاوعي على سواه، سواء كان ذلك شخصًا أو أحوالًا ماديةً. وطبيعة الإسقاط في ذاتها جزءٌ من النشاط النفسي المعتاد؛ أي إنه عملٌ يمارسه الجميع، ولكنه قد يصبح غير سويٍّ إذا كان يمثل مهربًا من مواجهة مشكلة أساسية يؤدي إسقاطها من اللاوعي إلى تعقيدها فتصبح مركَّبًا لا سبيل إلى التخلُّص منه إلا بنقله إلى الوعي، فعندها يدرك الشخص مغبَّة الإسقاط وتنفرج الأزمة.

وأما في علم النفس التحليلي فإن يونج يولي اهتمامًا أكبر، فيما يبدو، للعلاقة بين الذات والموضوع subject and object، والمفهوم أن الذات هنا تعني الفرد كلَّه (الشخصية كلها) وأن الموضوع كلُّ ما هو غير ذلك، كأن يكون شيئًا ظاهرًا أو باطنًا أو شخصًا آخر أو أشخاصًا آخرين. وهاك ما يقوله في تعريف الإسقاط:
الإسقاط نقل نشاطٍ نفسيٍّ ذاتيٍّ إلى شيءٍ أو شخصٍ؛ [خارجي] أي إلى «موضوع» وهو عكس التقمص أو التلقي introjection. ومن ثمَّ فإن الإسقاط عملية انسلاخٍ dissimilation؛ أي انتزاع مضمونٍ ذاتيٍّ من الذات وإدماجه incorporation في الشيء أو الشخص، من زاويةٍ معينةٍ. فإذا أحسَّت الذات بوجود موادَّ مؤلمةٍ غير متسقةٍ فيها تخلصت من أعبائها من خلال الإسقاط، وقد تحسُّ أيضًا بوجود قيمٍ إيجابيةٍ ولكنَّها، لسببٍ ما، منفِّرةٌ للذات فتسقطها، على نحو ما نرى مثلًا، في حالة عواقب خفض قيمة الذات. والإسقاط قائمٌ على التماهي أو التطابق identity القديم بين الذات والموضوع، ولكنَّ المصطلح لا يستعمل إلا إذا كانت الحاجة قد نشأت سلفًا لإنهاء هذا التماهي أو التطابق مع الموضوع. وهذه الحاجة تنشأ عندما يصبح التماهي أو التطابق مصدرًا للقلق والإزعاج؛ أي إذا كان عدم إسقاط المحتوى النفسي يؤدِّي إلى الإضرار ماديًّا بعملية التكيُّف، ومن ثمَّ تصبح استعادة المحتوى المسقط شيئًا تطلبه الذات. ومن هذه اللحظة يحافظ التماهي الذي كان يتسمُّ بالنقصان حتى الآن، على طابع الإسقاط. وهكذا فإن هذا التعبير يشير إلى حالة تماهٍ أصبحت واضحةً، وموضع انتقادٍ لذلك السبب، سواء كان ذلك نقدًا ذاتيًّا من جانب الذات أو نقدًا موضوعيًّا للآخر.
ولنا أن نميز بين الإسقاط السلبي assive والإسقاط الفعال active. أما الأولُّ فهو الشكل المعتاد لكلِّ إسقاطٍ مرَضيٍّ وكثيرٍ من حالات الإسقاط السوية، وهو لا ينشأ لتحقيق أيِّ غرضٍ بل يعتبر حدثًا ذا طابعٍ تلقائيٍّ محضٍ. وأما الآخر فهو من مقومات عمل الشعور النافذ. والشعور النافذ، بصفةٍ عامَّةٍ، عملية تقمصٍ؛ لأنها تؤدِّي إلى إقامة علاقةٍ حميمةٍ بين الموضوع والذات. وتقتضي إقامة هذه العلاقة أن يفصل المرء عن ذاته نشاطًا نفسيًّا معينًا (كأحد المشاعر) ثم ينقله إلى داخل الموضوع، فيحييه؛ ومن ثمَّ يصبح منتميًا إلى المجال الذاتي.

ولكن الإسقاط الفعال يعتبر أيضًا عملية إصدار حكمٍ معينٍ، ويرمي أيضًا إلى الفصل بين الذات والموضوع؛ ومن ثمَّ فإن الإسقاط عمليةٌ انطوائيةٌ، ما دامت، على عكس التقمص والتلقي — تؤدِّي لا إلى الربط والاستيعاب بل إلى التمييز والفصل بين الذات والموضوع؛ ومن ثمَّ فهي تنهض بدورٍ رئيسيٍّ في البارانويا التي عادةً ما تنتهي بالعزل الكامل للذات. (الأنماط السيكلوجية، ص٥٨٢–٥٨٣)

التماهي الإسقاطي projective identification

(انظر مادة participation mystique أعلاه).

وجهة نظر مأمولة prospective viewpoint

(انظر مادة teleological point of view أدناه).

النفس psyche

(انظر الدراسة، الفصل الثالث).

طبيبٌ نفسيٌّ psychiatrist

الواقع النفسي/الحقيقة النفسية psychic reality

الواقع والحقيقة كلمتان ذواتا دلالاتٍ متداخلةٍ؛ فالواقع — الكلمة العربية التي شاعت ترجمة لكلمة reality وreal — تشير إلى ما هو موجود تدركه الحواس، واللفظ الإنجليزي مشتقٌّ من اللاتينية الوسطى realis وأصلها res أي الشيء أو الأمر، كما في قصيدة لوكريشيوس «عن طبيعة الأشياء»؛ (أي de Rerum Natura) [Lucrecius] ومن ذلك الأصل الهنديُّ الأوروبيُّ وهو rei اشتق الاسم realty الذي يعني العقار؛ أي الشيء الثابت، الذي عادةً يشار إليه بتعبير real estate؛ ومن ثمَّ يوصف من يتاجر في العقارات باسم real estate agent واشتقَّت منه، بطبيعة الحال، كلمة reality والصفات المبنية عليها مثل realism؛ أي الواقعية، والفعل realize؛ أي يحيل المجرد إلى مجسَّدٍ (أصلًا) وعادةً ما نترجمها بالتحقيق؛ أي يحقق، ومن هنا يأتي التداخل مع معنى «الحقيقي»؛ ففي إبَّان الحرب العالمية الثانية كان الإنجليز يلصقون في شوارع بلدتنا لافتاتٍ تقول: «نصر الحلفاء محقق» بمعنى أنه واقع لا محالة؛ أي سوف يقع كقوله جل وعلا: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (المعارج: ١)؛ فالفعل «وقع» يعني «حدث» في آيات كثيرة، وفق الاستعمال الجاري، والحدوث يفيد التحقيق، فإذا رأى أحدٌ حلمًا وتحقق يكون قد أصبح واقعًا.
وأما الحقيقة والحقُّ وغيرهما مما نترجمه بكلمة truth وtrue فالأصل الهندي الأوروبي له هو drew المحرَّفة عن deru بمعنى الشجرة، ومنها جاءت tree من خلال الألمانية treu وأدَّت الإشارة المجازية إلى الإتيان بمعنى الثبات وعدم التزعزع الذي أصبح يفيد الإخلاص، والثبات والثقة هو المعنى الأول للصفة true في جميع المعاجم، بل هو المعنى السائد في الشعر حتى الآن، وتعبير true love يعني الحبيب المخلص، وبعده تأتي الثقة، ثم الصدق وهو المعنى الغالب على الاسم والصفة اليوم، وبعده يأتي كون الحال واقعًا؛ أي إن الإشارة إليه صحيحةٌ لا زائفةٌ أو كاذبةٌ. فمعنى قول الحقِّ أن يروي الإنسان ما وقع فعلًا؛ أي الالتزام بما حدث في الواقع، ومن هنا أيضًا يأتي التداخل بين الحقيقة والواقع، وهو ما قد نقرؤه في اقتران الاسمين «الحقيقة الواقعة» كأنما هو من سنن العربية كما يقول الثعالبيُّ في فقه اللغة وسر العربية، وهو الازدواج الذي نسميه binomial في مبحث دراسات الترجمة.
ما معنى المصطلح المذكور عند يونج إذن؟ إنه يمكن أن يعني الواقع النفسي أو الحقيقة النفسية وفق تحديد يونج لطبيعة ما يجري داخل النفس؛ فهو قد يرى أن الواقع شيءٌ يمثل خبرةً معينةً إذا أحسَّ المرء أنه يتمتع بقوة الحدوث الفعلي (على الرغم من كونه خبرةً باطنةً وحسب). فهو هنا يميز بين نوعين من الواقع: الواقع السرديِّ والواقع التاريخيِّ. أما الواقع التاريخيُّ فهو الأحداث الموضوعية التي يرويها الرواة، وأما الواقع السردي فهو يسميه أحيانًا الأسطورة الشخصية، ويعني بها قراءة الواقع من وجهة نظر الذات وحدها. وقد تتخذ هذه القراءة شكل التعبير عن الذات تعبيرًا يتحكم في الواقع النفسي ويمنحه طبيعةً حقيقيةً. ويونج يخلط عمدًا في شرح الواقع النفسي أو الحقيقة النفسية بين reality وtruth؛ فالواقع السرديُّ هو حقيقة ما يوجد داخل النفس، والواقع التاريخيُّ حقيقة ما يحدث خارجها، ولكنَّ الواقع السرديَّ قد يصبح حقيقةً تاريخيةً إذا عمد المرء إلى تشخيصها وتجسيدها بحيث يمارس التشخيص تأثيرًا شعوريًّا في الأنا ويتعرَّض للتغيُّر والتطور؛ أي إن التشخيص كان في نظر يونج إثباتًا تجريبيًّا للواقع النفسي.
ويمكن أن نفهم المصطلح باعتباره معادلًا للصورة image فالمتفق عليه عمومًا هذه الأيام أن بناء المخ، أو ما يسمَّى التكوين الفسيولوجي العصبي، يؤثر إلى جانب السياق الثقافي في أساليب الإدراك بل وفي تفسير المدركات نفسها، والمتفق عليه أيضًا أن التحيُّز والرغبات الشخصية تقوم بدورٍ يمكن اعتباره تشويهًا لحقيقة المدركات؛ فهذه عوامل تجعلنا نتشكك في التمييز التقليدي بين «الواقع» و«المتخيَّل»، وهو موقف يونج الذي يوصف بأنه ينتمي إلى التقاليد الفلسفية المثالية الأفلاطونية. ولنا «أن نعتبره مضادًّا لموقف فرويد الذي كان يرى أن «الحقيقة النفسية» من المحال أن تتجاوز إيمانه بوجود حقيقة موضوعية نستطيع اكتشافها وقياسها قياسًا علميًّا». (صمويلز، ١١٧)

وهكذا كان يونج من أوائل الذين أشاروا إلى أن الوعي بشتى أشكاله ذو طبيعة غير مباشرة؛ أي إنه ينتقل عبر الجهاز العصبيِّ وغير ذلك من العمليات الحسية النفسية، ناهيك بالعمليات اللغوية. ومعنى هذا أن الخبرات جميعًا، مثل خبرة الألم أو الإثارة تصل إلينا بصورة ثانوية، وهو ما يعني الصور في مصطلح يونج؛ أي إن العالمين؛ الباطن والظاهر، يترآيان لنا صورًا نراها ونحسها. بل إن فكرة وجود هذين العالمين نفسها تعتبر صورةً، إذا فحصناها وأتينا لها بتعبيرٍ مجازيٍّ. ومعنى هذا كلِّه أن الحقيقة النفسية هي الحقيقة الوحيدة التي تتمتع باليقين، زد على ذلك أنها تكشف لنا عن طبيعة النفس ووظائفها.

وللتدليل على صحة ذلك يضرب يونج مثالًا يقوم على المقارنة بين الخوف من النار والخوف من الأشباح؛ فالنار والأشباح شيئان مختلفان، ولكنَّهما يشغلان الموقع نفسه في الحقيقة النفسية؛ أي إثارة الخوف، وهو لا ينكر بطبيعة الحال جميع الفوارق التي تميز الخوف من النار عن الخوف من الأشباح، ولكنه يقول: إن المثال قادرٌ على إيضاح تشكيل حقائق نفسيةٍ متشابهةً من أسباب عضويةٍ وغير عضويةٍ. (انظر صمويلز ١١٨)

التحليل النفسي psychoanalysis

عرضت في الدراسة لعلاقة يونج بفرويد، وكيف انفصل يونج عن فرويد بعد فترة من التعاون الوثيق في الدراسات النفسية، وكيف أطلق يونج على مذهبه علم النفس التحليلي. وسوف أقتصر في هذه المادة على عرض ما يرى الباحث رينوس بابادوبولوس Papadopoulos أنه يمثل مساهمة يونج في التحليل النفسي، في فصل عنوانه «يونج ومفهوم الآخر» في كتاب عنوانه: «يونج من منظور حديث» (١٩٨٤م). يقول بابادوبولوس: إن أهمَّ إسهامات يونج في التحليل النفسي يمكن أن تنحصر فيما يلي:
  • (١)

    تطبيق المناهج العملية التجريبية.

  • (٢)

    الإتيان بمفهوم «المركَّب».

  • (٣)

    العمل بنظام تدريب المحللين.

  • (٤)

    استخدام إيضاحاتٍ أسطوريةٍ وأنثروبولوجية للأحلام والهلاوس.

  • (٥)

    تطبيق نظرية التحليل النفسي وأساليبه العلاجية في حالات الذُّهان.

ويختلف الباحثون في الحكم على نتائج الانفصال بين يونج وفرويد؛ فإن آدلر مثلًا يرى أن الانفصال حقق نقاء أفكار كلٍّ منهما، وأما مايكل فوردام فيقول: إن عملهما معًا كان يؤدِّي إلى اتزان مذهبيهما، وإن انفصالهما أضاع هذا التوازن. وسوف ألخص هنا أهم جوانب اختلافهما حسبما حددها صمويلز في كتابه يونج وأتباعه (١٩٨٥م) بإيجاز شديد، وأولها رفض يونج لقبول التفسير الجنسيِّ المحض للدوافع الإنسانية عند يونج، وهو ما سبق أن ناقشته في الدراسة وبعض موادِّ المعجم. والثاني رفض يونج لما يسميه المدخل العام لفرويد إلى النفس، ويقصد به تناول فرويد للنفس تناولًا يتسم في نظر يونج بالآلية mechanistic والسببية causality إذ إن البشر في نظر يونج لا يعيشون وفقًا لقوانين مناظرة للمبادئ الفيزيقية أو الآلية. وكان الانتقاد الثالث الذي وجهه يونج لفرويد أنه يميز تمييزًا بالغ الصرامة بين الهلاوس hallucinations والواقع reality؛ إذ كان يونج يهتمُّ في معظم ما كتب بالواقع النفسي في داخل الفرد (انظر المادة قبل السابقة). وينبغي في هذا السياق ألا يعتبر اللاوعي عدوًا بل طاقةً يمكن الاستعانة بها وبقدرتها الخلاقة مثل الأحلام؛ فالأحلام تكشف عند يونج عمَّا يكمن في النفس، وكثيرًا ما يكون مضادًّا لما ينتمي للوعي؛ ومن ثمَّ كان اختلاف يونج عن فرويد في النظر إلى اللاوعي والأحلام، يفصح عن اختلافٍ في نظرته إلى الرموز والتفسير والتأويل، على نحو ما ناقشته في الدراسة.
ويقول صمويلز: إن الرجلين يختلفان في جانبٍ رابعٍ من مدخلهما العام، وهو توازن العوامل (التكوينية) الفطرية مع عوامل البيئة في تشكيل الشخصية؛ إذ كان كلٌّ منهما ينظر نظرةً مختلفةً إلى التوازن المذكور. والواقع أن يونج هذَّب بعض الشيء من أقواله الأولى بشأن الأنساق الفطرية، فأضاف بعض عوامل البيئة، ولكنَّ الناقد يقول: «قد يكون من الطريف أن نحدس ما كان يمكن أن يحدث لو واصل فرويد تطويره للفكرة التي تقول: إن بعض عناصر اللاوعي لم تكن في يومٍ من الأيام تنتمي للوعي، وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى وضع مفهوم شبيه بالنمط الفطري (فرويد ١٩١٦–١٩١٧م)». [انظر مقولته الخاصة بنسبة بعض هذه العناصر لما يسميه الميراث القديم archaic heritage الذي يأتي به المولود إلى الدنيا، ص٨٤ من الدراسة].
والواقع أن فرويد، قبل تنقيحاته الكبرى في العشرينيات وبعدها، كان يؤكِّد اعتبار اللاوعي مستودعًا لمادةٍ مكبوتةٍ كانت يومًا ما قائمةً في الوعي، وعلى الرغم من إقراره بأن النفس السفلى id وراثيةٌ وفطريةٌ إلى حدٍّ ما؛ فإن هذه الفكرة لم تتضح أبعادها الكاملة إلا حين درستها ميلاني كلاين بعد سنوات Klein. وعلى غرار ذلك لا نجد الإشارة إلى العوامل الخاصة بتطور السلالة البشرية philogenetic endowment الواردة في الفقرة المقتطفة في ص٨٤ من الدراسة، أو لا نجد تأكيدًا لها في دراساته الأخيرة كما تقول كلاين بالتفصيل الشديد في كتابها: «الحب والكراهية والإصلاح» (١٩٣٧م).
وقد أشرت في الدراسة إلى اختلاف الرجلين حول أصل الأخلاق والضمير (انظر مادة morality وsuper-ego) كما أشرت إلى اختلافهما إزاء دور مفهوم المركَّب الأوديبي the oedipus complex في تطور الشخصية، وانظر في هذا المعجم مادة dominant nodal points. وقد أكد يونج فيما بعد دور العلاقة الأولية بين الأمِّ والطفل (انظر الفصل الخامس).
وعلى عكس ما شاع من أن يونج تأثر في بداية عمله تأثُّرًا كبيرًا بالتحليل النفسي عند فرويد، تثبت فون فرانز Von Franz في المقدمة التي كتبتها لما يسمَّى محاضرات زوفينجيا Zofingia (١٩٨٣م) أن يونج كان قد كتب عددًا من أهم أفكاره في بعض الأوراق التي أعطاها لتلميذٍ من تلاميذه، في الفترة ١٨٩٦–١٨٩٧م؛ أي قبل أن يسمع أصلًا عن فرويد، كما ألقى في عام ١٨٩٧م محاضرةً بعنوان: «بعض الأفكار عن علم النفس» يستشهد فيها بمقتطفاتٍ من كانط وشوبنهور، في مناقشته لوجود أرواح spirits تتجاوز الجسد وتشغل عالمًا آخر، وهي التي تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ نظرية المبدأ النفسي المستقلَّ، وهو الذي يسمِّيه الروح/النفس soul التي تتمتع بقوةٍ أكبر من قوة الوعي، وهي من الأفكار التي طوَّرها فوصلت إلى النضج في مفهومه للطاقة السيكلوجية، ولمفهوم الذات self.
وتقول فون فرانز إن «يونج يشير إشارةً غير مباشرةٍ، للمرة الأولى، إلى وجود نفس لا واعية»، بل إن لها سلوكًا غائيًّا، ووجودًا خارج منطق الزمان والمكان، وهو ما يعود إليه في حديثه عن التزامنية synchronicity؛ أي إن يونج يرتاد مجال الظواهر الروحانية والتخاطرية telepathic تأكيدًا لما أطلق عليه الحقيقة النفسية فيما بعد، وتختتم المحاضرات بالدعوة إلى التحلِّي بالأخلاق الفاضلة وإلى النظر في الدين نظرةً تسمح بقبول ما يسمَّى بجوانبه غير العقلانية. (انظر معجم صمويلز، ص١١٨–١٢٢)

شبه نفسي أو نصف نفسي psychoid

يقول يونج: «إن اللاوعي الجمعي يمثل نفسًا يستعصي إدراكها مباشرة أو تمثيلها مباشرة على عكس الظواهر النفسية التي يمكن إدراكها مباشرة. وقد أطلقت عليه هذه الصفة بسبب استحالة تمثيله.» (بناء النفس ودينامياتها، المجلد ٨، ص٤٣٦)

اللاوعي شبه النفسي psychoid unconscious

قدم يونج فكرة وجود لا وعي شبه نفسيٍّ أوَّل مرةٍ عام ١٩٤٦م، ولهذه الصيغة ثلاثة جوانب: الأول وجود مستوى للاوعي أو داخل اللاوعي من المحال أن يصل الوعي إليه، وهذا المستوى «المغلق» أول مستوى أساسيٍّ للَّاوعي وهو يتمتع ثانيًا بخصائص يشترك فيها مع كيان الكائن الحي، بحيث يمكن أن يمثل العالمان النفسي والفسيولوجيُّ وجهين لعملةٍ واحدةٍ. أي إن اللاوعي شبه النفسي (والأدقُّ أن نقول نصف النفسي) ذو طبيعةٍ محايدةٍ، فليس كله نفسيًّا وليس كله فسيولوجيًّا، وعندما يطبقه على فكرة النمط الفطري؛ فهو يعبِّر به ثالثًا عن العلاقة النفسية العضوية فيه بشكلٍ من أشكال الارتباط بين النفس والجسم. ويقول بعض الشُّرَّاح إن النمط الفطريَّ يمكن تشبيهه بألوان الطيف، من تحت الأحمر (الفيزيقي) إلى فوق البنفسجي (الروحي). (المجلد ٨: عن طبيعة النفس، ١٩٤٧ / ١٩٥٤م)

عالمٌ نفسيٌّ psychologist

المرشد النفسي psychopomp

المعنى: أيُّ شخصٍ يقود مسيرة الشخص في وقت التدشين initiation أو المرحلة الانتقالية، والكلمة مأخوذة من اليونانية psychopompos التي تصف عمل هيرميس الذي يقود مسير الأرواح في العالم الآخر، وتتكون من مقطع يفيد النفس (سايكى) ومقطع يفيد القيادة والإرشاد وهو الفعل pompŏs في الأساطير اليونانية، والإرشاد هنا هو اتخاذ طريقٍ وسطٍ بين ضدين، لا بين الحياة والموت فقط، بل أيضًا بين الليل والنهار، وبين السماء والأرض، وهذه المهمة موكولةٌ في عالم البشر إلى الكاهن أو الطبيب أو الشامان Shaman؛ أي العرَّاف [في الديانات الوثنية] أو أيِّ فردٍ يعترف بإجابة الحاجة إلى الإرشاد الروحي أو التوسط بين عالم الجسد وعالم الروح.

الحياة الجنسية النفسية psychosexuality

المقصود ارتباط الحياة الجنسية بالحياة النفسية ارتباطًا يفيد وجود جذور الأولى في الثانية، حسبما يقول به يونج، لا العكس الذي يقول به فرويد.

الذُّهان psychosis

الشائع علميًّا أن الذُّهان علةٌ من علل الشخصية يتسم باستيلاء شيءٍ مجهول على النفس استيلاءً كاملًا أو ناقصًا، ولكن بحيث يؤكد هيمنته فلا يردعه منطق ولا إقناع ولا إرادة. وهنا يبدأ اللاوعي غزوه للأنا ويحكم السيطرة عليها، وما دام اللاوعي يفتقر إلى وظائف منظمةٍ أو مركزيةٍ فإن العاقبة هي التشوش النفسي أو الفوضى العارمة. ولكن إذا نجح المحلل في توصيل اللغة المجازية الغريبة التي يستخدمها اللاوعي إلى الوعي، فربما أصبحت للذُّهان القدرة على الإتيان بالعلاج الصحيح، بمعنى أن الطاقة المكبوتة يمكن إطلاقها بحيث تنتفع بها الشخصية الواعية، فتصبح طاقةً إبداعيةً بعد أن تفتح الطريق إلى مصادر قوةٍ جديدةٍ كفيلةٍ باستعادة الصحة.

العلاج النفسي psychotherapy

يقول يونج إنه يعني علاج النفس بتطبيق منهجية علم النفس التحليلي من خلال فحص اللاوعي، وله صورٌ قديمةٌ في شتى الثقافات، ولكنَّ التحليل النفسي عند فرويد هو الذي تبنَّاه وأرسى معظم أسسه، ومع ذلك فقد أدخل يونج تعديلًا مهمًّا على العلاقة بين الطبيب والمريض؛ ألا وهو مبدأ المشاركة الذي قد يصل إلى التقمُّص أو إصابة الطبيب بعلة من العلل النفسية الشائعة مثل العصاب. وهو ما يقتضي الحفاظ على التمييز بين الشخصين وعللهما. (المجلد ١٦ الفقرة ٢٣)

الطِّفلة السَّرمدية puella aeterna

المقصود أن تظلَّ الفتاة طفلةً إلى الأبد بسبب امتناع أحد الأبوين أو امتناعهما معًا عن التدخل «الصحي» في نمو الطفل حتى يتوقف عن ارتباطه القلق بهما أو بأحدهما، ومن عواقب هذا التعلُّق القلق anxious attachment أن يتحول إلى ضدِّه enantiodromia بحيث تتخذ الطفلة في هذه الحالة موقف معارضةٍ أو نقضٍ كاملٍ لما يمثله أحد الأبوين أو كلاهما. وفي حالة الصبيِّ يتحول الطفل السرمديُّ puer aeternus إلى اتخاذ صورةٍ من صور البطولة التي تخلصه من ارتباطه الدائم. (انظر الدراسة، ص٢٢١–٢٢٢)

الطفل السرمدي puer aeternus

(انظر المادة السابقة).

البخار الدال على الموت putrifactio

هذا تعبير خيميائي يقصد به يونج أن لعملية التحول في أثناء النمو أو الانتقال من حالٍ إلى حالٍ عواقب يمكن اعتبارها شوائب تدلُّ على موت بعض العناصر ولا بدَّ للمرء أن يتحمَّلها فهي الثمن الذي يدفعه في سبيل اكتساب طابعٍ جديدٍ أو كيانٍ جديدٍ. (انظر الدراسة، ص٢٦٥–٢٦٦)

التربيع/الرباعي/الرباعية quaternity

يقول يونج: «الشكل الرباعي نمط فطري يوجد في كل مكان في العالم تقريبًا. فهو يشكِّل الأساس المنطقيَّ لأيِّ حكمٍ كاملٍ. وإذا أراد الإنسان إصدار حكمٍ ما فلا بدَّ أن يتَّسم بهذا الجانب الرباعي. فإذا أردت مثلًا أن تصف الأفق وصفًا شاملًا فلا بدَّ أن تذكر الأركان الأربعة للسماء … ودائمًا ما توجد أربعة عناصر، وأربع صفاتٍ رئيسيةٌ، وأربعة ألوانٍ، وأربعة قوالب، وأربع طرقٍ للتنمية الروحية … وهلُّم جرًّا. وهكذا توجد أربعة جوانب للتوجُّه النفسي … ولا بدَّ لنا، حتى نوجِّه أنفسنا، أن نقوم بعملٍ للتيقن من وجود شيءٍ ما (الإحساس) وبعمل ثانٍ يبين لنا أن ذلك الموجود موجودٌ (التفكير) وبعملٍ ثالثٍ يبين إن كان الشيء يناسبنا أو لا يناسبنا، وإن كنا نرغب في قبوله أو لا نرغب (الشعور) وبعملٍ رابعٍ يشير إلى مصدر ذلك الشيء ومصيره (الحدس). فإذا فعلنا ذلك لم يعد لدينا ما نقوله … المثل الأعلى للكمال هو الدائرة أو الشكل الدائريُّ، ولكنَّ الحدَّ الأدنى من تقسيمه الطبيعيِّ شكلٌ رباعيٌّ.» (علم النفس والدين في الغرب والشرق، المجلد ١١، ص١٦٧)

العقلاني rational

يقول يونج: «العقلاني هو المعقول reasonable؛ أي الذي يتفق مع العقل reason. وأرى أن العقل موقفٌ مبدؤه تشكيل الفكر والشعور والفعل طبقًا لقيمٍ موضوعيةٍ. وتجري إقامة القيم الموضوعية استنادًا إلى الخبرة المتوسطة [أي درجة من الخبرة ليست كبيرة أو صغيرة بل التي يتمتع بها الإنسان العادي] وهي الخبرة بالحقائق الخارجية من ناحية، وبالحقائق السيكلوجية الداخلية من ناحية أخرى. ولكن هذه الخبرات لن تمثل أية «قيمة» موضوعيةٍ، إذا كان ذلك «التقييم» صادرًا من الذات؛ لأن هذا سوف يعتبر سلفًا عملًا من أعمال العقل. وأما الموقف التعقلي reasoning الذي يسمح لنا بالإعلان عن صحة القيم الموضوعية بصفة عامة فليس موقف الذات المفردة بل نتاج التاريخ الإنساني.»

ويضيف يونج:

«يعتبر التفكير والشعور من الوظائف العقلانية في حدود درجة التأثير الحاسمة فيهما من جانب الدافع على التأمل، وهما يبلغان أقصى مغزًى لهما عندما يصلان إلى أقصى اتفاقٍ بينهما وبين قوانين العقل. وأما الوظيفتان غير العقلانيتين فهما على العكس من ذلك تهدفان إلى الإدراك الحسي الخالص وحسب، ألا وهما الإحساس والحدس؛ لأنهما تضطران إلى التخلُّص من الزاوية العقلانية قدر الطاقة (وهو ما يفترض سلفًا استبعاد كلِّ شيءٍ خارج نطاق العقل) ابتغاء التَّمكُّن من الوصول إلى أكمل إدراكٍ حسيٍّ ممكنٍ لمسيرة الأحداث الكاملة.» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٨٣ و٥٨٤)

واقعي/واقع/حقيقي real

(انظر psychic reality أعلاه).

الواقع/الحقيقة reality

(انظر psychic reality أعلاه).

الميلاد من جديد rebirth

(انظر تقسيم يونج لأنماط الميلاد الجديد الخمسة في ص٢٤ من مقدمة هذه الدراسة).

ويقول معجم صمويلز إن كلَّ ميلادٍ جديدٍ يمثل خبرةً نفسيةً للتعالي transcendence والتحوُّل transformation أو إحدى هاتين الظاهرتين، وهو ما لا يمكن إدراكه من منظورٍ خارجيٍّ، ولكن يشعر به ويشهد عليه كلُّ من مرَّ به (انظر psychic reality) ؛ فهو النتيجة الذاتية للتلاقي مع النمط الفطري للتحول.
وأما خبرات التعالي فترتبط بالشعائر المقدسة الرامية إلى التجديد، سواء أكانت عملية التدشين أم غيرها من المراسم الدينية. ويمكن للرؤى؛ visions روحيةً كانت أو غير روحيةٍ، أن تحدث التأثير نفسه في الشخص من دون أن تغير طبيعته.
وأما خبرات التحوُّلات الذاتية فتتضمن تغيراتٍ في كيان المرء نفسه. فقد تكون من أعراض مرضٍ نفسيٍّ، مثل (انخفاض تركيز الوعي abaissement du niveau mental) أو التماهي أو التضخم المرَضي أو الامتلاك، ويمكن أن ترتبط بتغيير حالات الوعي المرتبطة بالمخدِّرات، أو الترانيم، أو قوة الإيحاء المسيطرة mesmerization وغيرها من الوسائل السحرية (انظر magic)، ولكنها يمكن أن تنشأ نتيجة عمليات التفرُّد الطبيعية، حيث يشعر المرء أنه ولد من جديدٍ بشخصيةٍ أكبر.
والشخص الداخليُّ الذي يجسد الذات الكبرى يتشكَّل من طريق الإسقاط، وذلك وفق التقاليد البشرية، حيث يمثله إما حجر الفلاسفة عند الخيميائيين، أو المسيح عليه السلام، أو ربٌّ معبودٌ، أو مرشدٌ روحيٌّ، أو قائدٌ ذو شخصيةٍ ساحرةٍ؛ أي شخصيةٍ مانية mana. ويستشهد يونج في شرح عملية الميلاد الجديد بتفسيرٍ جديدٍ لشخصية الخضر عليه السلام [في سورة «الكهف» في القرآن الكريم] (المجلد ٩ الجزء الأول، الفقرة ٢٤٠ وما بعدها). ويقول يونج: إن أمثال تلك القصص تأخذ بألبابنا؛ لأنها تعبِّر عن النمط الفطري للتحول وتوازي العمليات الجارية داخل اللاوعي لدينا. (الأنماط الفطرية والوعي الجمعي، ص١٣٥–١٤٧، وانظر أيضًا معجم صمويلز ص١٢٦-١٢٧)

اختزاليٌّ/الرجوع إلى الأصل/نشدان العناصر الأولية reductive

يقول يونج: «أستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى منهج التفسير السيكلوجي الذي ينظر إلى نواتج اللاوعي لا من الزاوية الرمزية بل باعتبارها مجرد تعبيرٍ سيميائي semiotic؛ أي باعتبارها علامةً أو من أعراض حركةٍ داخليةٍ. ومن ثمَّ فإن المنهج الاختزاليَّ يتناول نواتج اللاوعي بصفتها قادرةٌ على الرجوع بنا إلى العناصر والعمليات الأساسية، بغضِّ النظر عن كون هذه العناصر ذكرياتٍ لأحداثٍ فعليةٍ، أو كونها نشأت من عملياتٍ أوليةٍ بسيطةٍ تؤثر في النفس. وهكذا فإن المنهج الاختزاليَّ ذو توجُّهٍ رجوعيٍّ (على عكس المنهج البناء [أو التركيبي]) سواء بالمعنى التاريخيِّ أو بالمعنى المجازيِّ وحسب، والذي يعني رصد نشأة العوامل المركَّبة التي يتميز بعضها عن بعض وإرجاعها إلى ما هو عام وأوليِّ. والمنهجان اللذان يتبعهما فرويد وآدلر اختزاليان، ما دمنا نجد في كل منهما اختزالًا يؤدِّي إلى العمليات الأولية الخاصة بالرغبة أو الشوق وهما في آخر المطاف طفوليتان وبدائيتان. ومن ثمَّ فإن محتوى اللاوعي يكتسب بالضرورة قيمة التعبير المجازيِّ وحسب أو التعبير غير الحقيقيِّ، ولا ينطبق عليه في الواقع مصطلح الرمز.

وتأثير الاختزال في الدلالة الحقيقية لنواتج اللاوعي ينحصر في التفتيت، فقد ترصَّد نشأته في سوابق تاريخيةٍ؛ ومن ثم يسلب مغزاه الأصيل، وقد يعاد إدماجه من جديدٍ في العملية الأولية نفسها التي انبثق منها.» (الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي، ص٥٨٤–٥٨٥)

المناهج الاختزالية والتركيبية reductive and synthetic methods

كان يونج يتشكك في صحة تطبيق مبدئي السببية والحتمية في علم النفس؛ إذ يقول في كتابه: «الأنماط السيكلوجية»:

من المحال شرح سيكلوجية أحد الأفراد شرحًا جامعًا مانعًا استنادًا إلى ذلك الفرد وحده؛ إذ لا توجد حقيقةٌ سيكلوجية يمكن شرحها من حيث أسبابها وحدها، فما دامت ظاهرةً حيَّةً؛ فهي ترتبط ارتباطًا دائمًا ولا تنفصم عراه باستمرار حركة الحياة فيها، وهكذا فإنها ليست مجرد شيءٍ نشأ وارتقى بل إنها دائمًا في حالة نشوءٍ وارتقاء وذات طاقةٍ خلاقةٍ. (المجلد ٦، الفقرة ٧١٧)

ويقول معجم صمويلز: «إن يونج كان يستخدم كلمة «اختزالي» في وصف المعلم الرئيسيِّ للمنهج الذي كان فرويد يطبقه في محاولته الكشف عن الأسس أو الجذور البدائية الغريزية الطفولية للدوافع السيكلوجية. وكان يونج ينتقد المنهج الاختزاليَّ المذكور؛ لأنه لا يكشف عن المعنى الكامل للنواتج اللاواعية (من أعراض وأحلام وصور وزلَّات لسان). أي إن ربط أحد النواتج اللاواعية بالماضي قد يؤدِّي إلى فقدان قيمتها الحاضرة. وهو يعترض عليه أيضًا بسبب ميله إلى التبسيط المخِّلِّ من طريق الاختزال، وبذلك يتجاهل ما كان يونج يرى أنه الدلالة الأعمق، وخصوصًا كون التفسيرات الاختزالية مصوغةً في صورٍ شخصيةٍ متطرفةٍ، وترتبط ارتباطًا أوثق مما ينبغي بالمفترض من «حقائق الحالة».»

«كان يونج أشد اهتمامًا بالمستقبل الذي تؤدِّي إليه حياة الشخص من اهتمامه بالأسباب المفترضة لحالته. أي إنه كان يعتنق وجهة النظر الغائية، وكان يونج يصف هذا التوجه بأنه «تركيبي»، ودلالته المضمرة أنه النتيجة التي ظهرت من نقطة الانطلاق التي كانت تتمتع بالدلالة الأولية. وقد طور الفكرة قائلًا: إن ما يمكن للمريض أن يقوله للمحلل يجب ألا يعتبر ذا صحةٍ تاريخيةٍ بل ذا صحةٍ ذاتيةٍ. وهكذا فإن بعض قصص التحرُّش الجنسيِّ، أو الأحداث التي يزعم البعض أنهم شهدوها، قد لا تزيد في الواقع على تخيلاتٍ، ولكنَّها صادقةٌ [أي حقيقية true] سيكلوجيًّا في نظر هؤلاء الأشخاص.» (صمويلز، ص١٢٧)

التأمل reflection

كان من المجالات المختلفة للنشاط الغريزي التي رصدها يونج مجال التَّأمُّل الذي يصفه بأنه الانحناء إلى الخلف أو إلى الداخل من نقطة الوعي الأولى بحيث ينشط التداول النفسي أو تبدأ مداولاتٌ نفسيةٌ بدلًا من ردِّ الفعل المباشر والتلقائيِّ إزاء مصدر الإثارة الموضوعية. ولمَّا كان من المحال التنبؤ بنتائج هذه المداولة، وإزاء حرية التأمُّل المذكورة، فقد تؤدِّي إلى نواتج نسبيةٍ ترتبط بكلِّ فردٍ على حدةٍ. ويقول بعض الشُّرَّاح إن التأمل يعني، من الناحية النفسية، عملية إنتاج الوعي، ويشير يونج إليه باعتباره «الغريزة الثقافية الأولى بلا مراء» قائلًا: إن قوتها ترجع إلى قدرة الثقافة على إثبات كونها أعلى مكانةً من الطبيعة، والحفاظ على هذه المكانة (بناء النفس وديناميتها، المجلد ٨، الفقرة ٢٤٣)

ونفهم من أقوال يونج في كتبه الأخيرة أن التَّأمُّل هو العامل الذي يتيح إمكان إحداث التوازن بين الأضداد، ولكنه يشترط أن ذلك يتطلب الاعتراف بأن الوعي لا ينحصر في المعرفة، وأن نقبل التأمل باعتباره إنعامًا للنظر في باطن النفس، وهنا، كما يقول، تتجلَّى حريتنا الفردية بأنصع صورها؛ فالتأمل يجعل المرء يشتبك مع الأحلام والرموز والتخيلات.

النكوص/الانتكاص/الانتكاس regression

المعنى المعتاد للنكوص هو التراجع إلى حالةٍ سابقةٍ، وهي في العادة أقلُّ تطورًا من الحالة الحاضرة، أو أسوأ منها، والمعنى يقترب هنا من الانتكاس، ويختلف المعنى باختلاف المجال؛ فالنكوص في الفلك يعني التزحزح البطيء تجاه الغرب لمدارٍ معينٍ لأيِّ كوكبٍ حتى يعود إلى مساره السابق، وفي حالة القمر تستغرق دورة النكوص الكاملة ١٨٫٦ سنة، والانتكاس في البيولوجيا يعني العودة إلى شكلٍ أبسط أو أعمَّ، وأمَّا في الطبِّ فيعني تراجع أعراض المرض، أو المرض نفسه، وأمَّا في التحليل النفسي فيعني الرجوع إلى أنساقٍ سلوكيةٍ سابقةٍ أو أنساقٍ طفوليةٍ، وهذا هو المعنى الذي أشاعه فرويد، وكان يراه في جميع الأحوال تقريبًا تطورًا سلبيًّا، بل إن تشارلز رايكروفت Rycroft يقول: إن النكوص حتى لو لجأ الشخص إليه باعتباره دفاعًا — دليل فشلٍ، فكأنما هو فرارٌ من الرمضاء إلى النار، في المعجم النقديِّ للتحليل النفسي الصادر عام ١٩٧٢م؛ أي إن على المرء أن يحارب كلَّ ميلٍ إلى النكوص ويقهره إن أصابه.
ولكن موقف يونج يختلف اختلافًا بيِّنًا عن موقف فرويد؛ إذ بدأ منذ عام ١٩١٢م يرى أن فترات النكوص المحدودة تتسم بجوانب علاجيةٍ ومفيدةٍ للشخصية (مع تبيان الضرر الذي تحدثه إذا طالت)، قائلًا إنه قد يعتبر وسيلة تجديدٍ روحيٍّ أو وسيلة تثبيتٍ لموقع المرء قبل التقدم اللاحق. ويورد معجم صمويلز رأيًا لعالمين هما مادورو Maduro وهويلرايت Wheelwright يلخصان فيه نظرة يونج باعتباره يدعو إلى «النكوص الخلاق أثناء النقل» (ص١٢٩).
ويقول صمويلز: «قام التحليل النفسي المعاصر بتنقيح نظرة فرويد القاسية (والتي يطلق عليها هاينز كوهوت Kohut (١٩٨٠م) «أخلاقيات النضج» عند فرويد). وقد ابتكر كريس Kris شعارًا يقول: «نكوص الأنا في خدمة الأنا» (١٩٥٢م)، كما يشير بالينت Balint إلى «النكوص الحميد»، ويتحدث وينيكوت Winnicott عن «مكان الراحة الأبدية القيِّم للوهم» (١٩٧١م).» (صمويلز، ص١٣٠)

تناسخ الأرواح/عودة الرُّوح في جسدٍ آخر reincarnation

الدين religion

سوَّد الدارسون صفحاتٍ كثيرةً في محاولة تحديد طبيعة الإيمان الدينيِّ عند يونج، ومن زوايا لم يتناولها صراحةً، فقارئ سيرته الذاتية لن يجد توكيدًا للعقيدة المسيحية بالصورة التقليدية، لا من ناحية ما يسمَّى المنطلقات الفكرية التي وضعها اللاهوتيون ولا من ناحية الحياة العملية للمسيحيِّ «المثاليِّ»، فأمَّا أقرب ما نجده في تناوله للأديان إلى العقيدة (أو ما أفضِّل أن أسمِّيه «العقيدة الإيمانية»؛ أي creed فهو قوله في كتابه علم النفس والدين: في الغرب وفي الشرق (١٩٥٨م والطبعة الثانية ١٩٦٩م) «وإذن فلنا أن نقول: إن مصطلح «الدين» يصف موقفًا خاصًّا بوعي تعرَّض للتغيير بسبب إحساسه بوجود الطاقة الروحية المسيطرة» (المجلد ١١ الفقرة ٩) وكان قد وضع تعريفًا لهذه الطاقة في الفصل نفسه وعنوانه «علم النفس والدين» في الفقرة ٦، وهي التي يسميها numinosum وأوردتها في هذا المعجم (انظر المادة المذكورة).
وعندما ألح عليه الباحثون في سنواته الأخيرة أن يحدَّد موقفه من الله أو تصوُّره لله سبحانه وتعالى — ردَّ عليهم بعبارات وردت في إحدى رسائله التي نشرها آدلر (عامي ١٩٥٥م و١٩٥٧م) وهي التي يقول فيها: «الله هو السرُّ الأعظم، وكل ما نقوله عنه يقوله البشر ويؤمنون به، فنحن نرسم صورًا ونضع مفاهيم لقوةٍ ليس كمثلها شيءٌ. وعندما أتكلم عن الله فإنني أشير دائمًا إلى مفهوم الناس له، ولكن لا أحد يعرف ماهيته وإلا أصبح هو نفسه ربًّا» (١٩٥٧م) ويونج يفرِّق بين معرفة الله باعتبارها غايةً عسيرة المنال، والإحساس بوجود الله باعتباره القوة الروحية التي تتمتع بها الذات self فطريًّا، ويشعر بها المرء باعتبارها «المبدأ المنظِّم للشخصية»، قائلًا: إن لها وظيفةً تعاليةً تحقق مهمة الصلة بين الإنسان والله، أو بين الشخص وإمكانات الوجود المطلقة، وهي التي تستعصي على التعبير إلا بالرموز. (صمويلز، ص١٣٠–١٣١)

القداسة الدينية religious sanctity

التكرار مع التنويع repetition with variation

هذا مبدأٌ من مبادئ التأليف الموسيقيِّ يستعين به يونج في تفسير قدرة الشاعر (خصوصًا جيته وشبيتلر) على تكرار موتيفات معينة وصور شعرية مع التنويع في صوغها وفقًا للتردد ما بين نمطي الشخصية الانطوائية والانبساطية، ويقول: إن ذلك يتجلَّى بأنصع صوره في تصوير شبيتلر للشخصين بروميثيوس وإبيميثيوس في عمله Prometheus and Epimetheus في الفصل الخامس من كتابه الأنماط السيكلوجية.

التمثيل representation

التمثيل معناه الاستعانة بشيءٍ ما للإشارة إلى شيءٍ آخر، وهو يشبه في هذا الرمز واللغة المجازية بشتى أشكالها، وأهمُّ ما يميز التمثيل عنصر المحاكاة؛ أي عنصر تشابه الأشياء الذي يعتبر أحد أعمدة اللغة نفسها، ويرجع الأصل إلى نظرية أرسطو وهي ميميسيس Mimesis؛ أي المحاكاة التي يفسِّر بها الأعمال الفنية بمختلف أشكالها؛ فالمسرحية محاكاةٌ لفعلٍ بشريٍّ، والموسيقى محاكاةٌ لأنغام الطبيعة بعد ضبطها بلغة الأرقام والحساب، فتردُّد الوتر المشدود عددًا معينًا من المرَّات يصدر نغمةً معينةً، فإذا قلَّ طوله أو اختلف سمكه تردَّد عددًا آخر يصدر نغمةً مختلفةً، وفنُّ الرسم والتصوير والنحت يقوم على المحاكاة الصريحة، وكان يونج في كتاباته الأولى يؤمن بالتمثيل استنادًا إلى ما أسميته وجه الشبه، ولكنه سرعان ما أصبح يميز بين «العلامة» sign التي تشبه شيئًا وتدل عليه [وعلم العلامات أو السيمياء semiology كان في مهده في مطلع القرن على أيدي السويسري سوسير] وبين ما أصبح يسميه الرمز symbol الذي قد لا يشبه ما يدل عليه، ولو أن علماء اللغة قد لا يوافقونه على هذا التمييز؛ فهو تمييزٌ حدسيٌّ لا يستند إلى معطيات الحواس، ودفاعه عنه مسهبٌ مطوَّلٌ يستعين فيه بما يسميه الرموز البدائية التي يعتبرها أقرب إلى الفطرة، نتيجة لقراءاته في الأنثروبولوجيا، وخبراته في شرق إفريقيا وغربها، وفي أمريكا الشمالية؛ فهو يؤكِّد أن بعض الرموز التي درجنا على اعتبارها دلالاتٍ على أشياء معينةٍ لا تستند إلى أيِّ تشابهٍ، أو قل كانت تستند إلى تشابهٍ، ثمَّ فقد هذا التشابه، فاهتمامه بأشكالٍ معينةٍ (كالدائرة والشكل الرباعيِّ مثلًا) لا يقوم على تشابهها مع شيءٍ محددٍ في الطبيعة، وهو يقول إنه اكتشف في التراث الشعبيِّ، بمستوياته المختلفة، رموزًا من خلق اللاوعي؛ أي ذلك المستودع الفطري لرموز الإنسان التي لا يدري الوعي عنها شيئًا، وقد يحدسها وقد يشعر بها أو يحسُّها فيخضعها للفكر (وهذه هي الوظائف الأربع التي ينسبها للذات أو الشخصية).
ويقول يونج: إن فهم هذه الرموز لا يتطلب تطبيقًا لفكرة التمثيل القائمة على المحاكاة بل الغوص في أعماق اللاوعي الجمعي حيث الأنماط الفطرية التي لا تحاكي شيئًا محدَّدًا ولا تمثل شيئًا بعينه؛ فالرحلة نمطٌ فطريٌّ يولد به الإنسان، وهو لا يشبه شيئًا بعينه، ولكنه رمزٌ يمكن للمرء أن يفسره على ضوء «فرضيات» اللاوعي الفطرية، وهو ما ضربت نموذجًا له من الشعر الرومانسي في مقدمة الدراسة، وقد يرتبط ذلك النمط الفطريُّ بنمطٍ آخر وهو الدائرة، وهي الشكل القائم في أعماق الإنسان، وقد طبقته في تفسيري لحياة الإنسان على الأرض (من الأرض إلى الأرض ومن السماء إلى السماء) في كتابي: «حكايات من الواحات» (٢٠٠٢م) وانظر مادة symbol أدناه حيث المزيد من الشرح للرمز.
وأهمُّ ما أسهم به يونج في الانتقال من التمثيل إلى الرمز فكرة التحوُّل، وهي الفكرة التي استقاها من الخيمياء كما شرحت في الدراسة (انظر transformation أدناه). (انظر الإنسان ورموزه، الفصل الأول بقلم يونج)

البعث resurrection

طقوس الانتقال rites of passage

كان يونج يؤمن بأن الإنسان يمرُّ بمراحل انتقالٍ من الطفولة إلى الكهولة وأن كلَّ مرحلةٍ تتسم بطقوسٍ معينةٍ يسعى إليها الإنسان إمَّا واعيًا أو بلا وعيٍ، فهي طقوسٌ تنتمي إلى النمط الفطريِّ الخاصِّ بالتحوُّل (انظر transformation) ونحن نشير إليها في حياتنا اليومية بأسماء مختلفةٍ، وتتفاوت من مجتمعٍ إلى مجتمعٍ، ولكنها تتفق في الإشارة إلى علامات يلحظها المجتمع وقد يسعى إليها؛ ففي الغرب عند بلوغ الفتاة سنَّ النضج (من ١٨–٢١) تقيم الأسرة حفلةً تسمَّى حفلة «التخرُّج» coming out للفتاة حيث يجتمع أفراد الأسرة المديدة، وينعمون النظر إليها باعتبارها «على وش جواز» [كما تقول الممثلة ماري منيب] وفي الريف المصريِّ حتى الأربعينيَّات كانت الفتاة إذا بلغت الحلم تمنع من الخروج، خصوصًا في أوساط الطبقة المتوسطة، واللفظ المستخدم لذلك هو «تتحاش»؛ أي تدَّخر في المنزل حتى تخرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها؛ فالزواج «بيت العدل»، وقد تتميز طقوس الانتقال في الغرب عند الصبيان (والفتيات أحيانًا) بترك منزل الأسرة والاستقلال، كما تتميز عندنا بعد إنجاب الأطفال بالزيارات المتبادلة التي تكتسي طابع المودة وتضمر تأكيد التَّفرد بمعنى يونج، فقد تنشأ المنافسات الصامتة بين أفراد الأسرات في هذه المرحلة (وكم شهدت في طفولتي منها) إلى غير ذلك مما يعتبر طقوس انتقالٍ لكلٍّ من الجنسين. وأعتقد أن علماء الاجتماع قد أوفوا هذه المسألة حقَّها من الدرس، ولكنَّ الذي يعني يونج هو نقاط التحوُّل، وهي التي رصد الباحث الفرنسي فان جينيب تفاصيلها.

ومن المفيد أن نقتبس بعض كلمات عالم الأنثروبولوجيا المذكور الذي يقدم لنا صورة هذه الطقوس لدى «الشعوب البدائية» قائلًا إنها كانت تمثل طقوسًا مقدسةً؛ إذ كانت تربط الفتى أو الفتاة بالأساطير التي تحفظها القبيلة وتجلُّها، وما يتبدَّى فيها من ولاء وإخلاصٍ لطوطماتٍ ولأرواح القبيلة. يقول فان جينيب:

لا يرى العقل نصف المتحضر أن أيَّ فعل يخلو من القداسة … فالانتقال من عشيرة إلى عشيرة، أو من موقعٍ اجتماعيٍّ إلى غيره، يعتبر أمرًا راسخًا في كيان المرء نفسه، بحيث تتشكَّل حياة المرء عمليًّا من مراحل متتابعةٍ، تتماثل في غاياتها وبداياتها، من الميلاد إلى بلوغ الحلم إلى الزواج إلى الإنجاب والتقدم إلى طبقة أعلى والتخصص العملي ثم الموت، ولكل مرحلة من هذه العوامل مراسم تهدف أساسًا إلى تمكين الفرد من الانتقال من موقعٍ محددٍ إلى موقعٍ آخر يتسم بالتحديد نفسه. (فان جينيب، طقوس الانتقال، ١٩٦٠م، ص٣)

طقس أو شعيرة ritual

يرى يونج أن معنى التمثيل representation الذي كان يرفضه فيما يتعلق بالرموز أو العلامات والصور، يمارس تأثيره فيما يسمَّى بالطقوس أو الشعائر التي تؤدَّى لغرضٍ دينيٍّ أو بقصد دينيٍّ، سواء كان هذا الغرض أو القصد واعيًا أو غير واعٍ قائلًا: إن الممارسات الطقسية تستند إلى ثيمات أسطوريةٍ وأنماطٍ فطريةٍ وتعبِّر عن رسائلها تعبيرًا رمزيًّا، وتستغرق من يؤديها استغراقًا تامًّا، وتمنحه إحساسًا بمعنى أعمق، كما تعتمد على صورٍ تمثيليةٍ تتفق مع روح العصر. فإذا لم تعد الطقوس الفردية والجمعية قادرةً على تجسيد روح العصر، سعى الناس إلى صورٍ تمثيليةٍ reprentations جديدةٍ قائمةٍ على أنماط فطريةٍ، أو إلى تفسيراتٍ جديدةٍ للأشكال القديمة ابتغاء التعويض عن التغيير في حالة الوعي.

وتعتبر الوظائف الطقسية وعاءً نفسيًّا للتحوُّل حين يشعر المرء أن توازنه النفسي في خطرٍ ناجمٍ عن السيطرة غير المتوقعة (أي المفاجئة) للقوة الروحية أثناء انتقاله من حالٍ إلى حالٍ. ويرى يونج أن الإنسان يعبِّر عن أهمِّ وأولى أحواله السيكلوجية بالطقوس، فإذا لم يجد الطقوس المناسبة أنشأ بصورةٍ تلقائيةٍ وغير واعيةٍ طقوسًا جديدة للحفاظ على استقرار الشخصية في أثناء أية مرحلةٍ انتقاليةٍ نفسيةٍ، والطقوس لا تؤثِّر في التحوُّل بل تحتويه وحسب.

ويقول يونج إنه لاحظ في عمله أن استناد المريض إلى الطقوس كان دليلًا على زيادة الوعي لديه (المجلد ١٦). ويقول بعض الشُّرَّاح إن تفسيره النفسي لكل عملية نقل transference يمثل تفسيرًا للرمزية الطقسية للتحوُّل السيكلوجي، وكان يعتمد في ذلك على أعمال ميرشا إلياده Mircea Eliade الدارس للتاريخ والأنثروبولوجيا (١٩٠٧–١٩٨٦م) وهو من رومانيا، وكان يعمل أستاذًا في جامعة شيكاغو الذي بدأ حياته متأثرًا بنظريات يونج، ثم اشتهر بتفسيراته للأديان والطقوس الهندية (خصوصًا في كتابه عن اليوجا) ثم أصبح يونج مصدرًا للمعلومات عن تلك الأديان، وهو يشتهر عندنا بكتابه المقدس والدنيوي (١٩٥٧م) وكتابه الأخير: «أصول الأفكار الدينية» (١٩٧٨م) الذي يستكمل به ثلاثيته الشهيرة عن تاريخ الأديان، وكثيرًا ما يشير يونج إليه في تأصيله لمعاني الطقوس، فأما الباحث الذي طبق مكتشفات يونج الإكلينيكية على الطقوس فكان جوزيف هندرسون Henderson في كتابه عن عتبات التدشين (١٩٦٧م) وتلاه جون بيري Perry في بعض كتبه التي يناقش فيها النتائج العملية لنظريات يونج ويدعو في بعضها إلى الاستناد إلى قوة الروح في العلاج النفسي واشتهر بكتابه: «الجانب البعيد للجنون» (١٩٧٦م).

التضحية/الأضحية sacrifice

يبرز للتضحية معنيان في كتابات يونج؛ الأول هو التخلِّي عن شيء، أو التنازل عنه، والثاني هو نبذ الشيء أو التبرؤ منه، والمعنيان متقاربان، ولكنهما يتجاهلان المعنى الاشتقاقيَّ للكلمة وهو التقديس (انظر ص١١١ من الدراسة) ويحاول بعض الشُّرَّاح أن يعثروا على ظلٍّ للمعنى الاشتقاقي، وإن تكن محاولاتهم غير مقنعةٍ، فإن يونج يصرُّ على أن كلَّ تحوُّلٍ يتضمن التضحية بشيءٍ؛ أي تركه، سواء بمعنى التخلِّي البسيط أو النبذ الذي يتضمن حكمًا على تغير قيمته. وكلُّ تحوُّلٍ صعبٌ، ولكن الانتقال من حالٍ نفسيةٍ إلى أخرى يتطلب تضحيةً واعيةً، وهكذا فلا بدَّ من تولي الوعي (أو الذات الكاملة) مهمة التضحية.

أسلوب كبش الفداء scapegoating

تهرُّؤ الشخصية/الشيزوفرينيا/الفصام schizophrenia

الإسكولائية/المذهب الإسكولائي scholasticism

الذكريات الحاجبة screen memories

أي الذكريات القائمة في الوعي بهدف حجب ذكرياتٍ أخرى ذميمةٍ قابعةٍ في اللاوعي، والذكريات الواعية خادعةٌ ولا بدَّ للوعي من مواجهتها ونبذها حتى يدرك ما يخفى في اللاوعي.

جلسة تحضير أرواحٍ séance

الذَّات self

النمط الفطريُّ الرئيسيُّ، والنمط الفطريُّ الذي يرمز للنظام؛ والكيان الكامل للشخصية. ومن رموزه الدائرة، والمربع، والتربيع، والطفل والمندلة. يقول يونج: «الذات هي الكيان الشامل للأنا الواعية. فهي تضمُّ النفس الواعية والنفس اللاواعية؛ ومن ثمَّ فهي تعتبر مجازيًّا الشخصية التي نتكوَّن أيضًا منها. ولا يكاد يوجد أملٌ في وصولنا إلى وعي (ولو كان تقريبيًّا) بالذات؛ لأنه مهما تكن حصيلة الوعي، فسوف يبقى أمامنا دائمًا مقدارٌ غير محدَّدٍ — ولا يمكن تحديده — من المادة اللاواعية التي تنتمي إلى الكيان الشامل للذات.» (مقالان في علم النفس التحليلي، المجلد ٧، الفقرة ٢٧٤)

«ليست الذات المركز وحسب بل المحيط الكليَّ الذي يتضمن الوعي واللاوعي؛ فهي مركز لذلك الكيان الشامل، مثل الأنا التي هي مركز الوعي» (علم النفس والخيمياء، المجلد ١٢، الفقرة ٤٤).

«الذات هدف حياتنا؛ إذ إنها أكمل تعبيرٍ عن التركيبة المصيرية التي نسميها الفردية.» (مقالان في علم النفس التحليلي، المجلد ٧، الفقرة ٤٠٤)

تحقيق الذات self-realization

(انظر مادة psychic reality أعلاه).

وظيفة التنظيم الذاتيِّ للنفس self-regulatory function of the psyche

هذه صياغة أخرى لمبدأ التعويض (انظر compensation أعلاه).

الشَّيخ/الهرم/المسنُّ senex

اللفظ مستعارٌ من اللاتينية حيث يعني الشيخ ولا يفيد إلا التقدم في العمر، ولكن هيلمان يقول في كتابه: «الحلم والعالم السُّفلي» (١٩٧٩م) إنه نمط فطري وليس من مفاهيم التطوُّر أو النمو، ويشير إلى ضرورة التمييز بينه وبين مفهوم «الشيخ الحكيم» أو أية صفة من صفات الشخصية المانية mana. ويضيف هيلمان إن المصطلح يستخدم في علم النفس التحليليِّ في الإشارة إلى تجسيدٍ أو تشخيصٍ معينٍ لبعض الخصائص النفسية التي تنسب عادةً للمسنين، حتى ولو وجدنا أن بعض الصغار يتصفون ببعضها أو بأهمِّها مثل الاتزان، والكرم مع الآخرين والحكمة وبعد النظر.
وقد يكون هيلمان مبالغًا؛ إذ عادةً ما يرد الوصف بكبر السنِّ في سياق التضادِّ بينه وبين الطفولة السرمدية (انظر puella aeternus) فالمرض الذي يصفه يونج بصفة الطفل puer يتسم بالجرأة المفرطة، والإغراق في التفاؤل، وشطحات الخيال، والروحانية والمثالية. على عكس مرض الشيخوخة senex المتسم بالطابع المحافظ، والسلطوية، والاكتئاب وفقر الخيال. وقد يكون يونج قد بنى هذه الصفات على نماذج يصعب تعميمها؛ فالأدب الذي يصور هذين المرضين المتعارضين — يفصح عن خصائص أقل وضوحًا، فإذا بولغ فيها استخدمها الكاتب في السخرية وإثارة الضحك من الصغار المتسمين بتلك الأعراض، أو الكبار الذين عادةً ما يجمعون بين هذه الصفات وضيق الصدر والبخل والجزع. وأظن أن للثقافة دورًا كبيرًا في تعديل بعض صفات الشيخوخة.
وغنيٌّ عن البيان أن هذا المرض يختلف عن سن الشيخوخة أو الدخول في سن الشيخوخة senescence والصفة senile التي تعني المسنَّ ذا العقل الواهن، وخرف الهرم senile dementia، ولكنَّ الاسم senility قد يفيد الهرم وحده أو وهن العقل بسبب الشيخوخة، يقول تعالى: وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (النحل: ٧٠) وقد سبق أن استشهدت بكتاب آخر لجيمز هيلمان، والحق أنه في هذا الكتاب يركز على تقديم تفسير للأحلام يختلف عن مذهبى فرويد ويونج جميعًا، وقد شغل الناس في الثمانينيات بمبالغاته قبل أن يعود إلى علم النفس التحليلي المتزن في كتابه: «شفرة الروح» عام ١٩٩٦م، وهو أستاذ أمريكي (١٩٢٦–٢٠١١م) تخرج في معهد يونج في زيوريخ ثم أصبح مديرًا له حتى وفاته، واشتهرت كتبه في العالم الناطق بالإنجليزية.

الإحساس sensation

يقصر يونج تعريف الإحساس على المدركات الحسية؛ أي ما تدركه حواس البدن، وهو يفرق بينه وبين الشعور feeling ونحن لا نلتزم في الفصحى المعاصرة بالتمييز بين هذين المصطلحين، وقد يتداخلان في الاستعمال العام للغة، ولكننا نحتاج إلى هذا التمييز حتى نفهم ما يعنيه يونج (انظر مادة feeling في المعجم أعلاه)

الفصل/الانفصال separation

فكرة الفصل، وفكرة الوصل المضادة لها، من الأفكار الأساسية في مفهوم يونج لتطور الإنسان نفسيًّا؛ فهو في تحليله لعلاقة الطفل بالأم يعتمد على هاتين الفكرتين إلى حدٍّ كبيرٍ، والمعروف أنه وجد تدعيمًا لها من دراسته للخيمياء.

الجنس sex

المقصود بالمصطلح الخصائص البيولوجية الفطرية المميزة للذكور والإناث، ومن ثمَّ فهي التي تحدِّد الفارق بين الذكر والأنثى. ومن عادة يونج أن يخلط بين الجنس والجندر (انظر gender عاليه) ولم يكن يتفق مع فرويد في القول بثنائية جنسية فطرية؛ أي وصف المولود بأنه مزدوج الرغبة الجنسية بالفطرة، ومع ذلك فقد أقر بأن الانجذاب إلى الجنس الآخر انجذابًا حقيقيًّا يستغرق وقتًا، وأنه لا يوجد عند الرُّضَّع بصورته نفسها لدى البالغين.
والمعروف أن يونج كان يؤمن بالاختلاف الفطريِّ نفسيًّا بين الذكر والأنثى (وهو ما ننسبه اليوم إلى المجتمع والثقافة) لا اختلافهما جنسيًّا في ذاته، ونحن نطلق على الاختلاف النفسي اليوم اختلاف الدور الاجتماعي، أو الجندر، لكل منهما، وهو ما كان يميز عمل يونج منذ البداية، ولا شك أنه ركَّز على هذا الاختلاف النفسي وظواهره الاجتماعية والثقافية بعد انفصاله عن فرويد. وكان ينعى اختزال إمكانات التطور الفردي وقصره على مبدأ واحد مثل الحياة الجنسية، ويقدم بديلًا عنه هو الاكتمال wholeness الذي يراه متسقًا مع ما يسميه التفرُّد individuation الذي كان يعتبره هدف الحياة النفسية، وغايتها، لدى الذكر والأنثى على حد سواء.

الظل shadow

تقول أنييلا جافا: «الظل هو الجزء المتدني من الشخصية، وهو جماع كلِّ العناصر النفسية الشخصية والجمعية التي لا تتفق مع الموقف الواعي المختار؛ ولذلك يرفض المرء التعبير عنها في الحياة، فإذا هي تجتمع في «شخصية منفصلة» تتسم باستقلالٍ نسبيٍّ وتتميز باتجاهات مناقضة في اللاوعي. ويقوم الظل بسلوك تعويضي إزاء الوعي، ومن ثمَّ فقد يكون إيجابيًّا وسلبيًّا معًا. وشخصية الظل في الأحلام تتفق دائمًا مع جنس الحالم إن يكن ذكرًا أو أنثى» (معجم أنييلا جافا، ص٣٩٩)

ويقول يونج: «يجسد الظلُّ كلَّ ما ترفض الذات الاعتراف بوجوده فيها، ومع ذلك يواصل الظلُّ فرض نفسه على الذات بصور مباشرة وغير مباشرة؛ إذ يتبدَّى مثلًا في بعض الخصائص الدنيئة للشخصية وغيرها من الميول غير المتسقة معها.» (الأنماط الفطرية واللاوعي الجمعي، المجلد ٩، الجزء الأول، ص٢٨٤)

ويضيف يونج: «الظلُّ هو تلك الشخصية الخفية، المكبوتة التي تعتبر في معظمها متدنية ومحمَّلة بالإحساس بالذنب، والتي تمتد فروعها في الماضي حتى تصل آخر الأمر إلى عالم أسلافنا من الحيوان، وبذلك تتضمن الجانب التاريخي من اللاوعي كله … فإذا كان الاعتقاد السائد حتى الآن يقول: إن الظلَّ الإنسانيَّ أصل كلِّ شرٍّ، فقد استطعنا أن نتيقن أخيرًا، بعد البحث بمزيد من الدقة، أن الإنسان اللاواعي، أي ظلَّه، لا يتكون وحسب من ميولٍ منحطة أخلاقيًّا، بل يكشف عن عدد من الخصال الطيبة، مثل الغرائز السوية، وردود الفعل المناسبة، والنظرات الواقعية، والدوافع الخلاقة، وما إلى هذا بسبيل.» (أيون، المجلد ٩، الجزء الثاني، ص٢٦٦)

العلامة sign

(انظر symbol أدناه).

علاماتٌ منبِّهةٌ/علامات تنبيهٍ sign stimuli

يقصد يونج بهذا المصطلح، ومفرده sign stimulus أن الإنسان يمرُّ بأشياء تنبِّه نمطًا فطريًّا أو أكثر من نمطٍ واحدٍ في اللاوعي فينطلق ليحدث تأثيرًا قد لا يكون حميدًا في كل حالة، ويفترض يونج وجود آليات إطلاقٍ فطريةٍ innate releasing mechanisms تستجيب لهذه العلامات، فإذا المرء يقوم بسلوكٍ معينٍ، يسميه يونج «النسق السلوكي» الخاص بكل نمطٍ فطريٍّ، بحيث يمكن تحليل هذا النسق السلوكي للاستدلال على النمط الفطري الذي أيقظه «المنبه» أو العلامة المنبهة، والشخص في معظم الأحوال غير واعٍ لا بالنمط الفطريِّ ولا بالعلامة المنبهة. (انظر مادة innate releasing mechanisms في هذا المعجم)

التماثل/التشابه similarity

كان هذا المبدأ من مبادئ علم النفس الخاصة بالتداعي association في أواخر القرن التاسع عشر، إلى جانب التجاور contiguity.

دائمًا كما هو semper idem

تعبيرٌ لاتيني تتخذه جامعة كمبردج شعارًا لها، ومعناه أننا دائمًا على نفس الحال [من التقدم العلمي والموضوعية]. (انظر كتابي: «مقالات في الأدب والحياة» ١٩٨٨م)

المجتمع society

على عكس مفهوم «الجمعي» collective عند يونج الذي يستعمله صفةً لمستودع الإمكانات النفسية للبشرية جمعاء؛ يدل استخدامه لمصطلح المجتمع على وجود تأثيرٍ حضاريٍّ وحضريٍّ؛ أي التأثير الناجم عن التفاعل بين الأشخاص الأفراد وبين البشر أجمعين، وهو التطور الذي نجم عن الوعي. وهو يقول: إن علاقة النفس الجمعية بالنفس الشخصية هي نفسها العلاقة بين المجتمع والفرد. (صمويلز، ص١٣٩)

سوشيوبيولوجي/البيولوجيا الاجتماعية sociobiology

هذا مبحث جديد إلى حدٍّ ما؛ إذ رسَّخه إدوارد ويلسون في كتاب له بهذا العنوان.

الانفراط والتجميع solve et coagula

من مصطلحات الخيمياء التي استعارها يونج.

الحكمة sophia

كان يونج يعتبر أن الاتزان المنشود بين الوعي واللاوعي طريقٌ يؤدِّي إلى الحكمة وهو يستخدمها بالصورة التي عثر عليها في طرائق العيش التي يسميها بدائيةً؛ ولذلك لم يختر لها كلمة wisdom أو sagacity أو nous بل فضل الكلمة اليونانية التي طالما ارتبطت بحب الحكمة؛ أي الفلسفة؛ فهو يريد بالكلمة الأجنبية شيئًا لا يعرفه من ابتعدوا عن الفطرة أو الطبيعة. (الإنسان باحثًا عن روح، ص٦٢)

الأخت الروحية soror mystica

كان المعتقد أن الباحث في الخيمياء يستشعر وجودًا أنثويًّا روحيًّا، وكان يطلق عليه التعبير اللاتيني المذكور. ويقول بعض الشُّرَّاح إن ذلك قد يلقي الضوء على مفهوم يونج للأنثى الملهمة la femme inspiratrice.

النفس [الروح] soul

يقول يونج: «إذا كانت [النفس] البشرية شيئًا ما، فلا بدَّ أن تتسم بقدرٍ من التركيب والتنوع اللذين لا يمكننا تصوُّرهما، بحيث يصبح من المحال أن نتخذ من مجرد سيكلوجية الغرائز مدخلًا إليهما. لا أملك إلا أن أحدِّق في دهشٍ ورهبةٍ في أعماق طبيعتنا النفسية وأعاليها، فعالمها غير المكاني يخفي وفرةً لا تحصى من الصور التي تراكمت عبر ملايين السنين من التطور الحيِّ وأصبحت ثابتةً في الكائن الحيِّ. إن الوعي عندي يشبه عينًا ينفذ بصرها حتى يصل إلى أقصى البقاع النائية، ولكنَّ «اللاأنا» non-ego النفسية هي التي تملؤها بصور «لا مكانية» non spatial. وليست هذه الصور ظلالًا شاحبةً بل عوامل نفسيةً بالغة القوة … وإلى جانب هذه الصورة أودُّ أن أضع مشهد السماء الزاخرة بنجومها ليلًا؛ فالمعادل الوحيد للكون الباطن هو الكون الخارجيُّ، ومثلما أصل إلى هذا العالم بفضل وسيط هو البدن، فإنني أصل إلى ذلك العالم بفضل وسيط هو النفس» (فرويد والتحليل النفسي، المجلد ٤، ص٣٣١).

يقول يونج: «من التجديف في الدين الزعم بأن الله يرينا آياته في كلِّ شيءٍ إلا في النفس البشرية وحدها. فالحقُّ إن العلاقة الوثيقة بين الله والنفس تستبعد تلقائيًّا أيَّ إقلالٍ من قيمة النفس. وقد يكون من قبيل المبالغة أن نتحدث عن وجود رابطة مع الله، ولكن مهما يكن الأمر فلا بدَّ أن تتضمن النفس في باطنها ملكة العلاقة مع الله؛ أي التجاوب، وإلَّا فلن يتحقق التواصل قطُّ. ويعتبر هذا التجاوب، بلغة علم النفس، النمط الفطريَّ لصورة الإله» (علم النفس والخيمياء، المجلد ١٢، الفقرة ١١).

يقول يونج: إن الإنسان يستطيع إدراك وجود النفس إن استطاع الوصول إلى عالم اللاوعي عنده، من خلال التقنيات التحليلية لتفسير الأحلام، وتوسيعها وإيضاحها، وطرائق التداعي الحر، والمخيلة الفعالة (انظر active imagination أعلاه) والرسم التلقائي، وأهم عامل من هذه العوامل هو المخيلة الفعالة؛ إذ يقول: إن في طوق كل إنسان أن ينتفع بقدرتها على الكشف عن النفس، وذلك من طريق تأمُّل ما يحدث للنفس وفي النفس دون تدخُّلٍ من جانب «الأنا»، حتى يصل المرء إلى عتبة الوعي فيتجاوزها إلى اللاوعي (تعليق على سر الزهرة الذهبية ١٩٦٢م، الفقرة ١٢٥). ويشرح يونج ذلك قائلًا: قد تكون أنت في البداية مجرد متفرج على ما يحدث، ولكنَّ ازدياد الثقة يمكِّنك من أن تشارك فعلًا فيما يحدث؛ ومن ثمَّ تصبح ملتزمًا بالحقيقة المطلقة للنفس. ويضيف يونج: «يجب أن تدخل بنفسك فيما يحدث، وتتيح ردود أفعالك الكاملة عليه، كأنما كنت أنت نفسك إحدى الشخصيات التي خلقتها مخيِّلتك، أو كأنما كانت الدراما التي يجري تمثيلها أمام عينيك أحداثًا حقيقيةً. فالحقيقة النفسية تقول: إن هذه التخيُّلات تحدث فعلًا، وإن لها وجودًا حقيقيًّا مثل وجودك الحقيقيِّ باعتبارك كيانًا نفسيًّا» (المجلد ٤ الفقرة ٧٥٣).

ويعلق ستيفنز على ذلك قائلًا: «من الضروري تأكيد هذه العقيدة التي تنتمي إلى يونج انتماءً كاملًا؛ لأن عصرنا الشكَّاك يقول: «باللاأدرية» إزاء وجود النفس، ولا يرى غير أنها ظاهرةٌ ثانويةٌ من ظواهر عمل الجهاز العصبيِّ للإنسان، ومن ثمَّ فهي أقلُّ أهميةً من المخ نفسه.» (ستيفنز ١٩٩٠م، ص٢٠٣)

والحق أن يونج كان يعارض هذا الرأي — والذي يظلم النفس — معارضةً كاملةً، قائلًا «من المفارقات حقًّا أن مقولة الوجود الأساسية، وهي التي لا غنى عنها لكل وجودٍ — ألا وهي النفس — تجد من يعاملها كأنها نصف موجودةٍ. إن الوجود النفسي يمثل مقولة الوجود الوحيدة التي تتوافر لدينا معرفةٌ مباشرةٌ بها؛ إذ لا يوجد شيء نعرفه إلا إذا ظهر أولًا في شكل صورة نفسية» (المجلد ١١ الفقرة ٧٦٩)

ويضيف يونج: «الوجود ذو النفس أو الروح كيانٌ حيٌّ. فالنفس أو الروح هي الشيء الحيُّ في الإنسان؛ أي الذي يحيا لذاته ويتسبب في الحياة … ولكن النفس تتلاعب بالأوهام مكرًا وخداعًا حتى تجتذب الإنسان إلى خمود المادة التي لا تريد أن تحيا» (المجلد ٩ / ١ الفقرة ٥٦).

ولا بدَّ لنا أن نتوقف للنظر في استعمال يونج لكلمة soul التي تبدو معادلة للفظه المفضل psyche فيما سبق من أقوال، وتبدو مرادفةً للروح spirit أحيانًا أخرى بل تشتبك مع هذه الدلالة في المقتطفات الواردة من المجلد ٩ / ١ (في الفقرة ٥٦، وكذلك الفقرة ٥٩) وهو يقول في التعريفات الملحقة بكتابه عن الأنماط السيكلوجية (المجلد ٦) ما يلي: psyche انظر soul والواقع أن يونج يشير إلى soul لا إلى psyche عندما يناقش جماع العمليات النفسية والتحليل، ومع ذلك فلنا أن نستنتج الفوارق الآتية:
  • (١)
    يستخدم يونج وممارسو علم النفس التحليلي كلمة soul بدلًا من psyche عندما يريدون تأكيد الحركة الباطنة في الأعماق، وتأكيد التعددية والتنوع، واستحالة اختراق النفس على عكس التوصُّل إلى أيِّ نسقٍ أو نظامٍ أو معنى يمكن استشفافه فيها.
  • (٢)
    ويستخدم يونج soul بمعنى spirit عندما يريد الإشارة إلى الجانب غير الماديِّ من كيان الإنسان؛ مثل القلب أو اللب (صمويلز ١٩٨٥م، ص٢٤٤–٢٤٥).
  • (٣)
    يقول هيلمان إن رجال علم النفس الذين اتبعوا يونج يستخدمون soul في الإشارة إلى جانبٍ معينٍ من جوانب الدنيا؛ أي جانب الأحداث التي تثير النفس أو تدفع البليد إلى الإحساس أو الشعور (هيلمان ١٩٧٥م) وهذا المعنى الأخير نستخدمه اليوم في وصف البارد البليد فتقول: he has no soul أي ما يوازي العامية «قلبه ميت».
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل ما ذكره الباحثون من فوارق بين دلالات اللفظين، soul وpsyche وعلى الرغم مما يقوله يونج نفسه عن الفوارق بينهما؛ فهي دلالاتٌ متداخلةٌ، فمثلما يشير في تعريفاته لكلمة psyche بإحالتنا إلى soul فهو يشير في تعريفاته لكلمة soul بإحالتنا إلى anima اللفظة اللاتينية التي تعني الروح، قبل أن يواصل حديثة في الصفحات التسع لإعادة تعريف anima بأنها النفس المؤنثة، والتي أعرِّبها فأكتبها أنيما في هذا الكتاب. وأكرر تأكيدي للتداخل، لافتًا النظر إلى التداخل بين دلالات النفس والروح في العربية، وهو ما أوضحته في المقدمة مستشهدًا بالمعاني التراثية والحديثة للكلمتين (انظر ص٦٥–٧١ من الدراسة).

صورة النفس (الرُّوح) soul-image

يقول يونج: «صورة النفس صورة محددة من بين الصور التي ينتجها اللَّاوعي. ومثلما تمثل القناع persona في الأحلام صورٌ لأشخاص معينين يتسمون بالصفات البارزة للقناع وبشكل متميز بارز، فإن النفس؛ أي الموقف الداخليَّ للاوعي، يمثلها على غرار ذلك أشخاصٌ معينون تتفق سماتهم الخاصة مع سمات الروح. ومثل هذه الصورة أسميها «صورة النفس».» (الأنماط السيكلوجية، ص٥٩٦)

طيفٌ/شبحٌ spectre

حدسٌ/تخمينٌ/ظنٌّ speculation

روح/الرُّوح spirit

يقول معجم صمويلز: «يطلق يونج كلمة «الروح» على الجانب غير الماديِّ للشخص الحي (الفكر، القصد، المثل الأعلى) وكذلك على وجودٍ غير جسديٍّ منفصلٍ عن بدن الإنسان (شبح، ظل، نفس من الأسلاف) … وفي الحالين، يتصور يونج أن الروح مضادَّةٌ للمادَّة، وهو ما يفسر الطبيعة المراوغة والبالغة الرهافة للتخيُّلات، مثلًا، وكذلك شفافية الأطياف والأشباح.»

وباعتبار الروح الجانب غير الماديِّ للإنسان، فإنه من المحال وصفها أو تعريفها؛ فهي لا نهائية، ولا مكانية، ولا شكل لها ولا صورة. وهي تحيا بذاتها، غير خاضعةٍ لتوقعاتنا البشرية ولا لمطالب الإرادة. وهي غير دنيويةٍ أو لا دنيويةٍ، وهي تصل من دون أن يطلبها أحدٌ، والاستجابة المعتادة عاطفيةٌ؛ إيجابيةً كانت أو سلبيةً «ولكن يونج يواصل شرحه قائلًا: إن للروح صلةً بما يسميه الغرض، وهو قوةٌ حدسية تربط ما بين الأحداث والأفعال المنفصلة وتؤثر فيها (انظر synchronicity) وهو يتساءل إن كانت توجد قوانين للروح … ولكن مفهوم يونج للذات self يقترب من التعبير عن نمط فطريٍّ عالميٍّ للروح، كما كان يقرُّ بضرورة تجسيد الأهداف الروحية حتى يتسنَّى تحقيقها؛ ومن ثمَّ فإن الضدَّين — الروح والمادة — يعتمد كلٌّ منهما على الآخر.»

وعلى الرغم من أن أحد أساليب النظر إلى عمل يونج يقول إنه استقصاءٌ نفسيٌّ للدلائل على الإيمان بالروح، فإننا نجد معالجته المباشرة للموضوع في الدراسة التي كتبها بعنوان «الأسس النفسية للإيمان بالأرواح» (المجلد ٨: ١٩٤٨م). والدراسة قائمة على الملاحظات التجريبية لوجود كائناتٍ غير بدنيةٍ والإيمان بها، مثل الأشباح وأرواح الأسلاف وما يجري مجراها. ونقول باختصار إنه يؤكد في عمله في دراسة الأسس النفسية للإيمان بالأرواح ضرورة وجود علاقةٍ واعيةٍ للإنسان بالروح.

«ويقول يونج: إن ظاهرة الأرواح تؤكِّد حقيقة وجود عالمٍ روحيٍّ. ومن أهم الأدلة على وجود مملكةٍ غير بدنيةٍ — سواء كان من يبلِّغنا بها أفراد الشعوب التي يزعم أنها بدائيةٌ أو أفراد الشعوب الغربية المعاصرة — هو وجود الأحلام والرؤى. وهو لا يتصدَّى لمسألة وجود الأرواح في ذاتها ولذاتها؛ فإن ذلك في رأيه يجعلها مبحثًا ميتافيزيقيًّا، ولكنه مهتمٌّ بكيفية إدراك البشر وردود أفعالهم تجاه ظهور الأرواح؛ فهذا اهتمامٌ سيكلوجي.»

وليس الإيمان بالنفس soul معادلًا بالضرورة للإيمان بالأرواح. فالصورة العالمية للنفس تقول: إن منزلها فردٌ معينٌ، ولكن الأرواح تقيم في مكانٍ منفصلٍ؛ غريبةً عن الأنا. ويقول: إن الأرواح تظهر عندما يفقد الشخص قدرات التكيُّف لديه، أو إن ظهورها يؤدي إلى ذلك الفقدان. وتأثير الأرواح المقلق هو الذي يتسبب في إثارتها للخوف في أكثر الأحيان. ومن ثمَّ فقد انتهى يونج إلى أن الأرواح قد تكون تخيلاتٍ مرَضيةً أو أفكارًا جديدةً ما تزال مجهولةً وتمثل تحديًّا معينًا، قائلًا: «إن الأرواح إذا نظرنا إليها من زاويةٍ نفسيةٍ، تعتبر مركَّباتٍ مستقلَّةً لا واعيةً، وهي تظهر في صورة إسقاطاتٍ بسبب عدم ارتباطها بالأنا» (المجلد ٩ / ١ الفقرة ٢٨٥). أضف إلى ذلك أنها قد تكون تجلياتٍ لمركبات تنتمي إلى اللاوعي الجمعي بحيث تغيِّر موقف شعبٍ كاملٍ أو تحلَّ محله، أو تتيح لموقفٍ جديدٍ أن يتحقق. ويبدو أن تدخلات الأرواح المزعومة تتطلب زيادةً في الوعي.

«وتوحي هذه الفكرة بسبب إظهار الروح نفسها سيكلوجيًّا باعتبارها أعلى مكانةً وأشدَّ سلطةً من الأنا، وكثيرًا ما تتجلَّى في صورة فكرةٍ أو اعتقادٍ أو حدسٍ وإن كانت في معظم الحالات تتجسد في شخصٍ لديه بصيرةٌ صافيةٌ، كأن يكون مثل الأنبياء أو أصحاب الرؤى الثاقبة.» نسمع من يشير إلى الأرواح باعتبارها «روح الماضي»؛ أي أرواح أسلافنا الموتى، كما نسمع الإشارة إلى الروح التي يجسِّدها أحد الأفراد، كقولك فلان عالي الروح، ونسمع عن فكرة تستولي على روح الأمة، أو عن روح العصر، وقد يختلف الأمر فنسمع عن «روح الشر الطليقة في العالم»؛ أي إن رمزية الأرواح هي التي تفسر جاذبيتها أو النفور منها، وتبين سلطتها النفسية العميقة وفاعلية تدخلاتها.

«يرمز ظهور الأرواح لشدة التوتر بين العالمين الماديِّ وغير الماديِّ. فهي ظواهر تقف على الحدِّ الفاصل أو تقف على العتبة، وتريد فيما يبدو أن تمنح حياةً بشكل من الأشكال.» (صمويلز، ص١٤٠–١٤٢)

عفريتٌ/جنِّيٌّ sprite

مرحلة المرآة Stade de miroir

تعبيرٌ من تعبيرات التحليل النفسي عند لاكان، والمقصود به إدراك الطفل للمرة الأولى وجوده البدئيَّ المستقلَّ عندما يرى صورته في المرآة.

مراحل الحياة stages of life

(انظر الفصل الرابع في الدراسة).

ثبات الحالة steady state

يقصد يونج بالمصطلح التوصُّل إلى التوازن بين تأثير الوعي وتأثير اللاوعي، وهو الذي يمهِّد للاكتمال completeness أو wholeness اللازم للتفرُّدِّ.

الفكرة المتسلِّطة في العقل الباطن subconscious fixed idea

هذه هي الترجمة المعتادة للتعبير الفرنسي الذي وضعه بيير جانيه Janet في عام ١٨٨٩م وهو idée fixe subconsciente والذي استلهمه من أستاذه شاركو Charcot وانتهى الأمر إلى موازاة يونج مفهومه للمركَّب بهذا المفهوم الفرنسي، والمعروف أن تعبير العقل الباطن وضعه الأساتذة العرب ترجمةً لتعبير subconscious قبل التحوُّل الحاسم إلى اللاوعي، وهو الذي كان يترجم أحيانًا في أواسط القرن العشرين إلى اللاشعور. والباحثون لا ينكرون فضل جانيه، وأرى من ينسب إليه الفضل في بعض مفاهيم فرويد؛ خصوصًا لأنه نشر أبحاثه فيما كان يسمَّى الشخصية المنقسمة split قبل فرويد بأربع سنواتٍ، والأهمُّ أن جانيه كان ذا ميولٍ علميةٍ ماديةٍ تستبعد أيَّ تأثيرٍ للروح في القضايا النفسية مثل فرويد، على عكس يونج كما سبق أن ذكرت. وكان يونج ممن اهتموا بفكرة الشخصيات الفرعية التي وضعها جانيه وطبقها في عمله.

الذَّات subject

في العلوم الإنسانية يستخدم مصطلح «الذَّات» subject للإشارة إلى الفرد؛ أي الشخص الذي يدرك ويتكلم عن وعي أو غير وعي مقابل مصطلح object الذي نترجمه بالموضوع، وإن يكن معناه في الحقيقة هو «غير الذات» بمعنى أن الإنسان إذا رأى شيئًا أصبح الرائي هو «الذَّات» والمرئيُّ هو «الموضوع»، ومن هنا جاء المصطلحان اللذان يستخدمان في أكثر من مجالٍ من مجالات العلوم الإنسانية وهما «الذاتية subjectivity والموضوعية objectivity» وما لبث الأخير أن اكتسب معنى الحيدة impartiality والتجرد؛ أي استبعاد الميول الذاتية وضروب التحيُّز biasprejudice في الحكم على الأشياء. واستعمال المصطلحين في النقد الأدبي مشهورٌ؛ فالناقد الذي يلتزم بالحكم على العمل الفني بأحوال العمل نفسه دون أن يسمح لنوازع شخصيةٍ بالتدخُّل في حكمه ناقدٌ «موضوعيٌّ»، كما اشتهرت مقولة أرنولد عن ضرورة التجرُّد في النظر في العمل الأدبي حتى يراه الناقد على حقيقته as in itself it really is. وعلى العكس من ذلك الأحكام الذاتية subjective التي تنُّم على تدخُّل ذات الناقد في الحكم، واشتُّقت من كلمة الذات مصطلحاتٌ كثيرةٌ أشهرها intersubjective؛ أي ذو علاقة ما بين الذوات، والاسم منها intersubjectivity؛ أي طبيعة العلاقة فيما بين الذوات؛ أي بين الأشخاص، وعكسها intrasubjective؛ أي ما يحدث داخل الذات، إلى جانب المذهب الفكري المعروف subjectivism؛ أي إعلاء النظرة الذاتية؛ أي الإيمان بقدرة الذات وحدها على الحكم، وهو يقترب من إيمان يونج بمفهوم الذات التي يسميها self واعتبارها الشخصية التي تضمُّ شتى العناصر التي وضعها أو تصوَّرها أصحاب التحليل النفسي من أتباع فرويد، وعلم النفس التحليليِّ من أتباع يونج.
وعلى الرغم من شيوع الصفتين «الذاتي» و«الموضوعي» بالدلالات السابقة في اللغة الفصحى المعاصرة؛ فإن الأصل الأجنبيَّ قد يتضمن دلالةً يصعب إيضاحها بهذين المصطلحين دون شرحٍ أو تعليقٍ، فنظرية object relations تعني علاقة الذات مع غير الذات، وغير الذات عادةً هو ما نسميه الآخر أو الغير [بعد جواز تعريف «غير»] ويضرب علماء النفس أمثلة لها من علاقة الطفل بأمِّه وأبيه ومن حوله في عالمه الخاص umwelt وعلى هذا ترجمت المصطلح لأوحي بأصل فكرة الموضوعية [في object] وأضيف ما يعين القارئ على إدراك المقصود. (انظر المادة في بابها) وقس على ذلك إطلاق يونج اسم «النفس الموضوعية» objective psyche على تصوُّره للنفس، وانظر حديث يونج في المادة التالية عن الذات والموضوع، أو ما ينسبه إلى الذات وما ينسبه إلى «غير الذات» في تفسير الأحلام ولو كان مشتركًا بين البشر جميعًا.

المستوى الذَّاتيُّ subjective plane

يقول يونج: «أقصد بتفسير الأحلام على المستوى الذاتيِّ أن ندرك أن الأشخاص أو الأحوال التي تظهر في أحد الأحلام أو أحد التخيلات — مرتبطةٌ بالعوامل الذاتية التي تنتمي انتماءً كاملًا إلى النفس الخاصة بتلك الذات [أي ذلك الشخص] فمن المشهور أن صورة شيءٍ ما [object] في داخل أنفسنا ليست راسخةً في النفس، بل إن الشيء يقتصر تأثيره على حفز نشاط النفس، وتدلُّنا الخبرة على أن أدلة حواسِّنا تتفق إلى حدٍّ كبيرٍ مع صفات الشيء، ولكن إدراكنا الجديد الموضَّح يخضع لمؤثراتٍ ذاتيةٍ لا يكاد يحصيها العدُّ، وهو الذي يجعل الحصول على معرفةٍ صحيحةٍ للشخصية الإنسانية من أصعب الأمور … وهكذا فعلينا أن نميِّز في علم النفس التطبيقيِّ بين صورة المرء image أو الصورة الباطنة له imago وبين وجوده الحقيقيِّ تمييزًا قاطعًا. وكثيرًا ما يحدث أن تكون الصورة الباطنة، بسبب أصلها المغرق في الذاتية — أقرب في الواقع إلى صورة مركَّب وظيفي ذاتي منها إلى صورة الشيء ذاته.»
[لاحظ أن object تشير إلى «الشيء» (الموضوع) أولًا ثم يشير إليه يونج بعد ذلك بلفظ «المرء» man ثم يعود يونج إلى استخدام «الشيء» (the object itself).] (الأنماط السيكلوجية، ص٥٩٩–٦٠٠)

الإعلاء/التسامي sublimation

هذا من مصطلحات التحليل النفسي، والمقصود به التعبير عما يحظره المجتمع أو الدين أو التقاليد بطرائق مقبولةٍ لمن يقولون بهذا الحظر، وهو ما يقال من أن بعض الشهوات المحظورة تجد التعبير المتسامي عنها في الفن أو الأدب أو غيرهما من أنشطة يقبلها المجتمع. والأصل sublimate مصطلح فيزيقي يفيد التحويل من الصلب إلى الغازيِّ أو العكس من دون المرور بالحالة السائلة، وهو مشتق من اللاتينية sublimus التي أخذنا منها لفظ sublime؛ أي الرفيع أو الجليل، ومن ثمَّ يشيع استخدامها بمعنى إضفاء الرفعة أو الجلال.

شخصيات فرعية subpersonalities

الإيحاء [الإيحاء المغرض] suggestion

يحذر يونج المعالجين والمحللين من الإيحاء بأي شيءٍ «للمريض» فذلك من شأنه استباق نتيجة التحليل أو نتيجة العلاج، كما يعني أن يظلَّ «المريض» خاضعًا لإيحاءات الطبيب فتكون النتيجة الخروج بأفكارٍ زائفةٍ عن الحالة؛ ومن ثمَّ فإن يونج يوصي الطبيب بتجنب الإيحاء قدر الطاقة وإن كان يسلِّم بحتمية وقوع إيحاء غير واعٍ. (المجلد ١٨ الفقرة ٨٩٣)

الأنا العليا super ego

«لا يستخدم يونج هذا المصطلح إلا لمامًا، وعادةً في مناقشة آراء فرويد. ويرجع السبب في ذلك إلى إيمان يونج بالطبيعة الفطرية للأخلاق (انظر morality) فالصورة المجازية التي يرسمها تقول بوجود قناة أخلاقية يولد بها المرء؛ ووظيفتها تدفُّق الطاقة الروحية، ومن ثمَّ فهو لا يرى حاجةً إلى افتراض ضرورة التعليم اللازم لبناء الضمير.»

وعندما يكتب يونج عن الأنا العليا بهذه الصفة فإنه يجعلها معادلةً للسلوك الأخلاقي الجمعي الذي تدعمه الثقافة والتقاليد. وفي إطار خلفية مثل هذه الأخلاق الجمعية — يتعين على كل شخص أن يحدد النظام الخاص لقيمه ومبادئه الأخلاقية.

«وأما في التحليل النفسي فإن إدراك الطاقات الفطرية للأنا العليا يمثل جانبًا من مدخل كلاين لشرح علاقة الذات بالآخرين object relations في بداية الحياة. وقد فحص علماء النفس التحليليون المعاصرون (مثل نيوتن ١٩٧٥م) طبيعة النمط الفطريِّ للأنا العليا، وهو نمطٌ يوصف بالقسوة (بمعنى أنه ذو جبروتٍ ومتطرفٌ وبدائيٌّ) وأكدوا كيف يؤدي تدخُّل الآباء إلى تعديله لا إلى تدعيمه.» (صمويلز، ص١٤٣–١٤٤)

الوظيفة الأولية/الوظيفة المهيمنة superior function

يحدد يونج أربع وظائف لكل نمطٍ سيكلوجي، والوظائف الأربع هي: التفكير والشعور والإحساس والحدس، وقد تهيمن إحداها على النمط السيكلوجي الانطوائي أو الانبساطي، فتسمَّى الوظيفة الأولية، وقد تصاحبها وظيفةٌ مساعدةٌ أخرى (أو أكثر من وظيفة) فتسمَّى ثانوية. (الأنماط السيكلوجية)

الرَّمز symbol

يقول معجم صمويلز: «كان الانفصال النظري بين يونج وفرويد يرجع في جانب منه إلى قضية معنى الرمز»؛ أي مفهومه ومقصده أو غرضه ومحتواه. ويشرح يونج الاختلاف النظريَّ على النحو الآتي:

يخطئ فرويد حين يطلق اسم الرموز على محتويات الوعي التي تفتح الباب إلى خلفية اللاوعي، فهي ليست رموزًا حقيقيةً؛ لأنها لا تقوم وفق نظريته إلا بدور العلامات signs أو الأعراض symptoms للعمليات الباطنة. وأمَّا الرمز الحقيقيُّ فيختلف اختلافًا أساسيًّا عن هذه، ويجب أن نفهم أنه فكرةٌ حدسيةٌ من المحال صوغها بأيِّ أسلوبٍ آخر أو طريقةٍ فضلى. (المجلد ١٥، الفقرة ١٠٥)

وكان قد كتب قبل ذلك تعريفًا للرمز يقول فيه: «يفترض الرمز سلفًا وفي جميع الأحوال أن التعبير المختار أفضل وصفٍ أو أفضل صوغٍ لحقيقة مجهولة نسبيًّا، وإن يكن من المعروف أنها موجودة، أو يفترض أنها موجودة» (المجلد ٦ الفقرة ٨١٤).

ويعبر يونج في مكان آخر، ولكن من دون إشارةٍ محددةٍ إلى فرويد، عن تقديره لدقة دلالة الرمز وما يمثله من التحدِّي؛ إذ يرى فيه ما يزيد كثيرًا على التعبير المكبوت للطاقة الجنسية أو أيِّ مضمونٍ آخر مقطوع بمعناه. وعندما يتحدث عن أعمال فنية تتسم بالرمزية الصريحة يقول:

إن لغتها الثرية تؤكد لنا أنها تعني أكثر مما تقول، ونستطيع على الفور تحديد الرمز، حتى وإن لم نستطع إزالة إلغاز معناه بما يرضينا رضاءً تامًّا. فالرمز يظل تحديًّا دائمًا لأفكارنا ومشاعرنا. وربما يكون هذا هو السبب الذي يقدِّم العمل الرمزيَّ إثارةً كبرى لنا، وسبب استيلائه الشديد علينا، وإن يكن نفسه السبب الذي يفسِّر ندرة تقديمه متعةً جماليةً صرفةً لنا. (المجلد ١٥، الفقرة ١١٩)

ويضيف معجم صمويلز قائلًا:

«الرمز من مخترعات اللاوعي بقصد الردِّ على إشكالية ما في الوعي. ومن ثمَّ فكثيرًا ما يتحدث علماء النفس التحليليون عن «الرموز الحية»؛ أي عن تلك التي تشتبك مع نسيج حالة الشخص الواعية، أو عن «رموز الشمول» التي تنتمي إلى تحقيق الذات وتستمسك به (انظر المندلة). وليست الرموز قصصًا رمزيةً؛ لأنها إن كانت كذلك فسوف تتناول أشياء معروفةً سلفًا، ولكنها تعبر عن شيءٍ ذي حياةٍ عميقةٍ، أو حتى عن حياةٍ «نابضة» داخل النفس أو الروح.» (صمويلز، ص١٤٥–١٤٦)

التَّزامن synchronicity

«التزامن» مصطلحٌ سكَّه يونج للإشارة إلى أيِّ تصادفٍ أو تعادلٍ له دلالته (أ) بين حالةٍ نفسيةٍ وحالةٍ ماديةٍ أو حدثٍ ماديٍّ لا يرتبطان فيما بينهما بعلاقةٍ سببيةٍ؛ أي بعلاقة علة ومعلول. وتقع هذه الظواهر المتزامنة، مثلًا، عندما يتضح أن حدثًا أدرك إدراكًا باطنًا (كالحلم، أو الرؤيا، أو الترقُّب الحدسيِّ، وهلم جرًّا) يصادف ما يتفق معه في الواقع الخارجي: وهكذا تتحقق الصورة الحدسية الباطنة في الواقع الملموس، أو (ب) بين أفكارٍ أو أحلامٍ متشابهةٍ أو متماهيةٍ تقع في الوقت نفسه في أماكن مختلفةٍ بحيث لا يمكن تفسير هذا التصادف أو ذاك استنادًا إلى قانون السببية أو العلَّة والمعلول، ولكن يبدو أنه يرتبط في المقام الأول بتنشيط عمليات الأنماط الفطرية في اللاوعي (معجم أنييلا جافا، ص٤٠٠).

يقول يونج: «أرغمني انشغالي الشديد بسيكلوجية عمليات اللاوعي منذ زمن طويل على البحث عن مبدأٍ شارحٍ آخر؛ لأن مبدأ العلِّيَّة بدا لي قاصرًا عن شرح بعض الظواهر السيكلوجية العجيبة في اللاوعي. وهكذا اكتشفت وجود توازيات نفسية [روحانية] من المحال أن يرتبط بعضها بالبعض الآخر بالمبدأ السببي أو العلة والمعلول، بل لا بدَّ أن يقوم ارتباطها على مبدأٍ آخر، ألا وهو الطبيعة الطارئة contingency للأحداث. وبدا لي أن هذه الرابطة ما بين الأحداث تعتمد أساسًا على تزامن وقوعها النسبيِّ؛ ولذا أتيت بهذا المصطلح؛ أي التزامن؛ إذ بدا لي فعلًا كأنما كان الزمن أبعد ما يكون عن التجريد، وأقرب ما يكون إلى المسار المجسَّد ذي الحلقات المتصلة، والذي يتسم بخصائص أو بصفاتٍ أساسيةٍ تكشف عن نفسها في الوقت نفسه في أماكن مختلفةٍ من خلال توازيات من المحال تفسيرها سببيًّا، على نحو ما يحدث مثلًا عندما تطرأ أفكارٌ أو رموزٌ أو حالاتٌ نفسيةٌ متماهيةٌ، في الوقت نفسه، لعدد من الأشخاص.» (يونج «إحياء ذكرى ريتشارد فيلهيلم» المجلد ١٥، الفقرة ٨١)
[ريتشارد فيلهلم Wilhelm باحثٌ في الدراسات الصينية (١٨٧٣–١٩٣٠م) قدم إلى يونج عددًا من دراساته في اللغة الصينية وآدابها وفلسفاتها].
ويقول يونج: «اخترت مصطلح التزامن؛ لأن الحدوث المتزامن لحادثين لهما دلالتهما دون أن يرتبطا بأسبابٍ منطقيةٍ — هو المعيار الأساسيُّ. وهكذا فإنني أستخدم المفهوم العامَّ للتزامن بمعنى خاصٍّ ألا وهو تصادف وقوع حادثين أو أكثر في وقتٍ واحدٍ من دون رابطةٍ سببيةٍ، بحيث يتسمان بالمعنى نفسه أو بمعنيين متقاربين، وهو ما يختلف عن التزامنية synchronism التي لا تعني أكثر من المعاصرة؛ أي وقوع حادثين في زمنٍ واحدٍ [أو عصر واحد] وحسب.» (يونج «بناء النفس ودينامياتها» المجلد ٨، ص٤٤١)

ويقول يونج: «لا يثير التزامن الحيرة ولا يتسم بغموضٍ أكثر من حالات قطع المسار في الفيزياء. فالإيمان الراسخ بالقوة السيادية للسببية هو الذي يؤدي وحده إلى خلق صعوباتٍ فكرية بل ويجعل من المستبعد ظاهريًّا وجود أحداثٍ بلا سبب أو إمكان وقوعها على الإطلاق من دون سبب … وأما المصادفات من ذات الدلالة فهي مقبولةٌ منطقيًّا باعتبارها مصادفاتٍ بحتةً. ولكن كلما تكاثر وقوعها وازدادت نسبة التوافق بينها، ازداد سقوط احتمالها وازداد استبعادها منطقيًّا، حتى يصل الأمر إلى عدم اعتبارها مصادفاتٍ بحتةً، وازداد النظر إليها — بسبب عدم وجود شرحٍ سببيٍّ — باعتبارها ترتيباتٍ لها معناها … ولا ترجع استحالة شرحها إلى أن سببها مجهول، بل إلى الحقيقة التي تقول: إن سببها لا يخطر على الذهن أصلًا من الزاوية الفكرية.» (المرجع نفسه، ص٥١٨ وما بعدها)

المنهج التركيبي synthetic method

(انظر reductive and synthetic methods).

منهجي/منتظم systematic

فيلسوف مذهبي systematic philosopher

علم التصنيف systematics

علم تصنيف الأحياء وفقًا لعلاقاتها الطبيعية.

ذو منهج داخلي شامل systemic

انتظام المنهج الداخلي systemic regularity

الثنائي المقترن syzygy

يشير يونج بهذا المصطلح إلى أيِّ زوج من الأضداد يعتبران ثنائيًّا موحدًا، سواء ارتبط أحدهما بالآخر أو ظل معارضًا له، ويشيع استعماله للمصطلح في الإشارة إلى ارتباط الأنيما والأنيموس، قائلًا: إن هذا الارتباط النفسي يعتمد على ثلاثة عوامل: الأول «الأنثوية الخاصة بالرجل والذكورة الخاصة بالمرأة؛ والثاني الخبرة التي اكتسبها الرجل بالمرأة والعكس بالعكس (وتتمتع أحداث الطفولة المبكرة هنا بأهمية أولى)؛ والثالث صورة النمط الفطري لكل من الذكر والأنثى.» (المجلد ٩ / ٢ حاشية رقم ٥ على الفقرة ٤١)

وقد انتهى يونج إلى أن صور الجمع بين الذكر والأنثى في الثنائي المقترن عالمية مثل وجود الرجل والمرأة، مستشهدًا بالموتيفات المتكررة لثنائية الزوجين الذكر والأنثى في الأساطير، ومشيرًا إلى الثنائيِّ الذي يضمُّ مفهوم «يانج» و«ين» في الفلسفة الصينية، كما يقول: إن الصور الإيضاحية الأولى للخيمياء كانت تمزج رمزيًّا بين الذكر والأنثى، مبيِّنًا أن العمل الخيميائيَّ كان يقتضي التمييز بينهما في البداية، ثم توحيدهما في مرحلةٍ لاحقةٍ في صورة ثنائيٍّ يضم الجنسين معًا. ولكن هذا الانضمام لم يكن ليوحي بازدواجٍ جنسيٍّ بل بالوظائف المتكاملة لعناصر لولا انضمامها لظلَّت متعارضةً.

الصَّفحة البيضاء tabula rasa

أصل هذا التعبير اللاتيني — والذي يعني اللوح الخالي؛ أي اللوح الذي ليس به أية كتابةٍ — هو فكر الفيلسوف الإنجليزيِّ جون لوك Locke (١٦٣٢–١٧٠٤م) مؤسس الواقعية التمثيلية، وصاحب المنهج التجريبيِّ الذي كان ينكر أيَّ دورٍ للفطرة فيما يعرفه الناس قائلًا: إن الطفل يولد بذهنٍ كالصفحة البيضاء وعليها يكتب المجتمع ما يشاء من معلوماتٍ، وأما معنى الواقعية التمثيلية representative realism فهو أن الذهن يتعامل مع الواقع الذي يدركه بحواسه، عن طريق التجربة، ثم يخصص ما يمثل صفات هذه المدركات أو يمثلها في الذهن. وهذا ليس غريبًا على طبيب يعتمد على ما يصادفه من حالاتٍ فعليةٍ، ويجتهد ذهنه لتصنيف خصائصها وتبويبها. والواضح أن يونج لم يكن يؤمن بذلك على الإطلاق؛ فالطفل لديه ذو فطرة حافلة على نحو ما شرحت في الدراسة. وما أزال أحتفظ بجزءٍ من كتاب لوك: «مقال عن الفهم الإنساني» الذي درسناه في الجامعة وراعتنا سهولة أسلوبه.
An Essay Concerning Human Understanding, 1690.

الطاوية (فلسفة قديمة) taotaoism

طريق القوة (في الفلسفة الطاوية) tao-te ching/las-tzu

وجهة النظر الغائية teleological point of view

الغائية/المذهب الغائي teleology

حرم/أرض مقدسة temenos

هذه من كلمات يونج التي استعارها من اليونانية (التي كان يجيدها) حتى يستخدمها استخدامًا مجازيًّا في تصوُّره أو تصويره للمركَّب الذي كان من أول من ابتدعه، فالكلمة كانت تستخدم للإشارة إلى أي مساحةٍ مقتطعةٍ [من الفعل اليوناني temno الذي يعني يقطع] وجمعها temene من المناطق المقتطعة والمخصصة لمعبدٍ أو مزارٍ دينيٍّ، وهي توازي campus؛ أي الحرم الجامعيَّ، ويقصد بالحرم هنا وجود منطقةٍ ذات شحنةٍ نفسيةٍ معينةٍ من اللاوعي الشخصيِّ، تحيط بالمركَّب، ولا يستطيع الوعي اختراقها، بسبب حماية دفاعات الأنا عنها، وهذا هو المعنى الذي يتفق معظم الشُّرَّاح عليه، وإن كانوا يوضحونه بأشكالٍ بيانيةٍ مختلفةٍ أوردت أحدها في ص١٢٢، حيث ترى المركَّبات داخل منطقة اللاوعي الشخصيِّ في صورة الشريط الذي يحيط بدائرة الذات، وحولها الأنماط الفطرية، وترى الوعي في الشريط الخارجي الذي تحرسه الأنا بحيث لا يستطيع الدخول إلى حرم «المركَّبات» المذكور.

ولكنني وجدت تفسيراتٍ أخرى في الكتب التي أتيح لي الاطلاع عليها، وأشرت إلى بعضها أعلاه؛ أولها أن يونج يعني بالحرم المجال التحليليَّ الذي يضم المحلل والمريض حيث يشعران أنهما يواجهان قوة اللاوعي الجبارة المخيفة؛ فاللاوعي الشخصيُّ يمتزج باللاوعي الجمعيِّ أثناء التحليل؛ وثانيها أن يونج يعني بالحرم المنطقة التي تشعر الأنا بأنها غريبة عنها إلى أقصى حدٍّ؛ إذ تتميز بالطاقة الروحية المسيطرة للذات أو لصورة الإله؛ ويقول التفسير الثالث إن الحرم يقصد به الوعاء النفسي الذي يشترك المحلل والمريض في بنائه أثناء التحليل، ويتميز بالاحترام المتبادل بينه وبين العمليات اللاواعية، وبالسرية، وبالالتزام بالأداء الرمزي والثقة المتبادلة في الأحكام الخلقية.

ويضيف معجم صمويلز (الذي يميل إلى الأخذ، فيما يبدو، بالتفسير الثالث) إن المرادف لهذا الحرم هو «الوعاء المحكم الإغلاق»، وهو المصطلح الخيميائيُّ للوعاء الذي تنصهر في داخله الأضداد وتتوحد. ويقول: إن القياس في هذه الصورة المجازية يجعلنا نرى أن الإحساس بالحرم النفسي يتخذ صورة الرحم أو السجن. ولمَّا كان يونج يسلِّم بوجود عناصر شاردةٍ أو مفاجئةٍ داخل هذا الوعاء أو الحرم النفسي فإنه يقول: إن العلاج النفسي لا ينجح إلا بمشيئة البارئ جلَّ وعلا، وهو يستخدم في التعبير عن الفكرة الأخيرة عبارةً مستقاةً من الخيمياء باللغة اللاتينية وهي Deo Concedente (أي برضى الله). (صمويلز ص١٤٨)

الزمان يتغير ونحن نتغير معه Tempora mutantur, nos et mutamur in illis

عبارة لاتينية كان علماء النفس في جامعة أوكسفورد يتخذونها شعارًا لما أدخلوه من تعديلات على مبادئ علم النفس في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وكان أصل الكلمة الأولى tempora هو omnia؛ أي إن كلَّ شيءٍ يتغير، ثم أتى لفظ الزمان [الذي يعني الحياة والناس] ومقابله بالإنجليزية times الذي يختلف عن الزمن أي time وهو الوقت؛ فالزمان أوقع فيما يبدو للتعبير عن الحياة الدنيا.

نظرية/النظرية theory

يقول معجم صمويلز: «يدلنا عدد كبير من أقوال يونج عن النظرية أن موقفه منها سلبي؛ إذ يقول مثلًا: «النظريات في علم النفس شيطان رجيم»، أو «النظرية العلمية ذات قيمة أقل من العقيدة الدينية المتحجرة، إذا نظرنا إليها من زاوية الحقيقة النفسية». ومع ذلك فقد كان تركيزه الأساسيُّ عمومًا منصبًّا على نظرية التكامل integration، مضيفًا: ينبغي ألا يمارس المحلل عمله استنادًا إلى آراء غريبةٍ عنه أو لم يخبرها بنفسه. وينبغي ألا يعتبر أن المريض مناسبٌ أو غير مناسبٍ للنظرية، بل إن لنا أن نقول: إن كل مريضٍ سوف يتطلب تعديلًا في النظرية السابقة عند المحلل.» (صمويلز، ص١٤٩)

التفكير thinking

يقول يونج: «التفكير وظيفةٌ نفسيةٌ، لها قوانينها الخاصَّة، ووفق هذه القوانين تربط فكريًّا بين أية حالات تعرض لها؛ أي إنه الإدراك الجديد الموضَّح، وبهذه الصفة ينقسم إلى نوعين: الأول نشاطٌ فكريٌّ فعالٌ، والثاني نشاطٌ فكريٌّ سلبيٌّ، أما الأول فهو إراديٌّ، وأما الثاني فمجرد حادثٍ عارضٍ. ففي النوع الأول أنظر في الحالة بهدف إصدار حكم متعمَّدٍ، وفي النوع الثاني تقوم الروابط الفكرية بتثبيت أنفسها، وتتشكل الأحكام التي قد تتعارض مع غايتي، فقد تفتقر تمامًا إلى التوافق مع هدفي الواعي، كما تنفي أيَّ شعورٍ من جانبي بالوجهة التي أتجه إليها، ولكنني قد أستطيع لاحقًا بفضل الإدراك الجديد الموضَّح الفعَّال، أي أتبين طابعها التوجيهيَّ: وهكذا فإن التفكير الفعال active يتفق مع تصوُّري للتفكير الموجَّه، وكنت قد وصفت في كتابي السابق (سيكلوجية اللاوعي، ١٩١٧م، ص١٤) وصفًا للتفكير السلبيِّ بأنه «التخيُّل» أو الاستغراق في التخيلات، وأما الآن فأنا أقول إنه التفكير الحدسي intuitive» (الأنماط السيكلوجية ص٦١١)

تحوت Thot

إلهٌ مصريٌّ قديمٌ قبله اليونان وأسموه هيرميس، وأسماه الرومان ميركوري أو عطارد عند العرب (والزئبق في اللغة المعاصرة).

روح الزمان time-spirit

هذا التعبير وضعه ماثيو أرنولد (انظر شبل الكومي) وهو يوازي التعبير الذي كان هازليت أولَّ من أدخله إلى الإنجليزية بصورة أخرى spirit of the age المترجمة عن الألمانية Zeitgeist بالمعنى نفسه.

الوظيفة التعالية transcendent function

يقول يونج: إن هذه هي الوظيفة التي تصل الأضداد بعضها ببعض وتعبِّر عن نفسها رمزيًّا، حتى تيسر الانتقال من موقف نفسيٍّ إلى موقف آخر أو حالةٍ نفسيةٍ إلى حالةٍ أخرى.

وتمثل الوظيفة التعالية الارتباط بين الحقيقيِّ والخياليِّ أو بين ما هو عقلانيٌّ وما هو غير عقلانيٌّ، بحيث تسدُّ الفجوة بين الوعي واللاوعي. ويقول يونج: «إنها عمليةٌ طبيعيةٌ، وتتجلَّى فيها الطاقة النابعة من التوتر بين الأضداد، وتتكون من سلسلة من الأحداث التخيلية التي تظهر تلقائيًّا في الأحلام والرؤى.» (المجلد ٧، الفقرة ١٢١)

الانتقال/النقل transference

يستند يونج في تعريف المفهوم إلى انتقال بعض صفات مادةٍ معينةٍ في العمليات الخيميائية إلى مادَّةٍ أخرى، ويرى في ذلك نموذجًا لانتقال مشاعر أحد الأفراد إلى فردٍ آخر، على نحو ما يحدث بين المريض والطبيب؛ ففي أثناء العلاج النفسي يحدث أن ينقل المريض مشاعره تجاه شخصٍ آخر إلى الطبيب، وأما النقل المضادُّ countertransference فيعني نقل مشاعر المعالج تجاه المريض، أو بصفةٍ عامَّةٍ اشتباك المعالج عاطفيًّا مع المريض. وأمَّا الانتقال المضادُّ جسديًّا فيعني إحساس الطبيب جسديًّا بالمشاعر القائمة لدى المريض، ويضاف إلى تعبير النقل المضادِّ في هذه الحالة صفة somatic أي البدنيَّ، أو bodyembodied أو body-centred وهو الذي بدأت دراسته عمليًّا في جامعة دبلن في سكوتلندا.

التحول transformation

التحوُّل حالةٌ نفسيةٌ انتقاليةٌ تتضمن النكوص والفقدان المؤقت للإحساس بالأنا، ابتغاء الوعي بحاجةٍ نفسيةٍ لم يكن يدركها المرء وإشباعها. ومن ثمار ذلك زيادة اكتمال الشخص. وليس التحوُّل معادلًا للإنجاز، بل هو عمليةٌ مستمرةٌ، بل إن مراحل التحوُّل ينبغي ألا تمنح أسماءً ثابتةً قاطعةً، حتى لا ينتهي الأمر بإضفاء صفة الخمود على شيءٍ حيٍّ. ويقول يونج إنه الغاية المنشودة للعلاج النفسي، والمضادِّ النفسي للكبت، ويتضمن التحوُّل — في أثناء التحليل — بحثًا دقيقًا للظلِّ من جميع جوانبه.

وتتجلى رمزية التحوُّل في طقوس التدشين البدائية، كما نلحظها في الخيمياء وفي الشعائر الدينية، وهي التي تهدف جميعًا، باعتبارها مراسم احتفاليةً، إلى تجنب الأضرار النفسية التي من المحتمل أن تقع في الفترات الانتقالية. وتتضمن جميع ضروب التحوُّل خبرات التعالي والألغاز كما تتضمن جميع ضروب التحوُّل خبرات التعالي والألغاز كما تتضمن الموت الرمزيَّ والميلاد الجديد. وعلى الرغم من الميل إلى المبالغة أحيانًا في الحديث عن التجدُّد الكامل، فليس هذا صحيحًا، فالتغير نسبيٌّ ولا يؤثر في استمرار الشخصية والحفاظ على النفس. ويقول يونج: ذاك وإلا أدَّى التحوُّل إلى تفتيت الشخصية، أو فقدان الذاكرة أو غير ذلك من الأمراض النفسية.

وقد يحدث تحوُّلٌ سلبيٌّ (انظر loss of soul وpsychosis) ولكن يونج كان على اقتناع بأننا بطبيعتنا نسعى للحصول على ما نحتاج إليه؛ ومن ثمَّ فهو يشير إلى غريزة الاكتمال أو إلى التحوُّل باعتباره عمليةً طبيعيةً تتضمن حوارًا متواصلًا بين الأنا والذات. ويشار إلى هذه العملية أيضًا باسم التفرُّد.

وتنتشر فكرة التحوُّل في شتى أعمال يونج. وكان انفصاله عن فرويد قد أعلن عنه تحليله لرمزية التحوُّل في حالةٍ فرديةٍ، ونشر ذلك التحليل (المجلد ٥). وكانت دراساته الخيميائية تمثل توسيعًا وتفصيلًا لهذه العملية النفسية (المجلدات ١٢، ١٣، ١٤). أمَّا شعيرة التحوُّل وأسرارها فهو يستكشفها في دراسته «رمزية التحوُّل في القدَّاس». (المجلد ١١) (صمويلز، ص١٥١)

انتقالٌ transition

تناسخ الأرواح transmigration of souls

الرَّضُّ/الرَّضخ/صدمة نفسية trauma

المقصود أيةٌ صدمةٍ نفسيةٍ شديدةٍ يمكن أن تؤدِّي إلى العصاب، وهو اسم المرض الذي يطلق على الاضطراب العصبي بشتى أنواعه، ويتميز بأعراضٍ مفردةٍ أو مجموعة تتسبب في آلام أو ضروب من الضيق النفسي قد يؤدِّي إلى إعاقة الشخص عن العيش السويِّ، وأنواع العصاب الشائعة تتضمن القلق، والنوازع القهرية، والمخاوف المرَضية والاكتئاب. والطريف أن كلمة trauma تستخدم في اللغة الإنجليزية الجارية، وفي السياقات الطبية خصوصًا بمعنى «الجرح»، وهو معناها الاشتقاقي من اليونانية المماثلة لها في الهجاء، وهي تذكِّر المرء — شاء أم أبى — بالكلمة الألمانية Traum بمعنى الحلم، وما شاع منها عند يونج مثل Traumbild؛ أي الرؤيا، وعند فرويد Traumdeuter بمعنى مفسر الأحلام؛ أي Traumdeuterin ولا أقصد بالطرافة مجرد الغرابة أو الدهشة. فنحن نعرف أن فرويد ويونج كانا يكتبان بالألمانية، وأن يونج كان يراجع ترجماته إلى الإنجليزية أو يكتب بالإنجليزية أصلًا، ولهذا أقول: إن التشابه طريفٌ، وأمَّا الجذر الهنديُّ الأوروبيُّ للكلمة اليونانية فيشترك مع جذر throe بمعنى الألم المبرِّح، وعادةً ما تستخدم جمعًا throes كقولك: فلان في سكرات الموت in the throes of death.

المخادع/المخاتل trickster

يقول معجم صمويلز:

«عندما قابل يونج أول مرة صورة المخادع، تذكَّر تقاليد الاحتفالات وما تزخر به من قلبٍ عجيبٍ لمراتب القيم وما كان القروسطيون يعمدون إليه من تصوير الشيطان في صورة المسخ الذي مسخه الله، ووجد في العمليات الخيميائية تشابهًا بين صورة المخادع وصورة ميركوري (عطارد) الربِّ المغرم بتدبير المقالب البشعة وإطلاق الفكاهات المريرة، وقدرته على تغيير شكله، وطبيعته المزدوجة (باعتباره نصف حيوانٍ ونصف ربٍّ) والدافع إلى التعرُّض الطويل الأجل للحرمان والتعذيب إلى جانب اقترابه من صورة المنقذ أو المخلِّص. فهو بطل سلبي إلى أقصى حدٍّ، ومع ذلك فإن المخادع ينجح في أن يحقق بغبائه ما يفشل الآخرون في تحقيقه بالجهود الجهيدة.»

ويقول يونج: إن المخادع شخصٌ أسطوريٌّ وخبرةٌ نفسيةٌ باطنةٌ، فكلما وأينما يظهر، وعلى الرغم من ظاهره المزري فهو يعد بإمكان تحويل ما لا معنى له إلى شيءٍ ذي معنى. ومن ثمَّ فهو يمثل الميل إلى الانقلاب إلى الضدِّ enantiodromia ورغم أنه مخلوقٌ أخرق وغير واعٍ؛ فإن أفعاله تتجلَّى فيها علاقةٌ تعويضيةٌ مع الوعي؛ فهو «في أوضح تجلياته صورةٌ صادقةٌ للوعي الإنساني الذي لا يعرف كيف يفرِّق إطلاقًا بين الغثِّ والسمين، متفقًا مع نفسٍ لم تكد تبرح عالم الحيوان» (المجلد ٩ / ١ الفقرة ٤٦٥، ص٢٦٠). ويضيف يونج أنه يرى أن المخادع قريب الشبه، من الناحية السيكلوجية، بالظلِّ، «فالمخادع يمثل ظلًّا جمعيًّا؛ أي خلاصةً لجميع الخصائص المنحطَّة في الأفراد.» (المجلد ٩ / ١ الفقرة ٤٨٤ ص٢٧٠)

نمط/نوع

مشكلة ترجمة هذا المصطلح إلى العربية قديمةٌ؛ فالمعاجم العربية لا تفرِّق بين النمط والنوع، ولنبدأ بالمعنى الاشتقاقي وهو من اللاتينية المتأخرة typus وكان يعني النموذج model أو الرمز symbol منحدرًا من اللاتينية الأولى واليونانية typos بمعنى الشكل أو النمط الفطريِّ أو النموذج، وأصله الماديُّ الكدمة التي تحدثها الضربة في البشرة، من الفعل typtein؛ أي يقرع أو يضرب، ومنه جاء الاسم القديم للطبلة tympan وما يزال الموسيقيون يستخدمونه في الإشارة إلى نوع من آلات الإيقاع باسم tympanytympanum التيمباني العربية، وإن كانت تعني بالإنجليزية الأصوات الطنانة الجوفاء، أو الأسلوب الموحى به bombast.
فأمَّا المعاني الحديثة لكلمة type فتتضمن ما يلي: (١) النمط/الصنف/النوع/ الطراز وهذا أكثر المعاني شيوعًا في اللغة الجارية، ويليه (٢) الشخصية النمطية (خصوصًا في الأدب)، ويليه (٣) النموذج أو المثال النمطي — وهو أقل شيوعًا — ثم (٤) حرف الطباعة (انظر معجم النفيس لمجدي وهبة). ويقسم معجم وبستر هذه المعاني الأربعة إلى عشرةٍ، وفقًا للتخصصات والسياقات الدقيقة. فإذا بدأنا البحث عما يلائم علم النفس التحليلي وجدنا أن المعنى العربيَّ الأول أقرب ما يناسبه، ثم لننظر إن كنا نستطيع الاستفادة من المعاني الأخرى الأساسية (عند وهبة). أما الشخصية النمطية فلا تناسبنا هنا على الإطلاق؛ لأنها توحي بأنها قالبٌ ثابتٌ مثل الشخصيات التي لا تتغير وتتسم بخصائص محددةٍ ومحدودةٍ، مثل الشخصيات الهزلية في الكوميديا، أو الشخصيات الثانوية التي ما إن يبصرها المتفرج حتى يعرف سلفًا ما سوف تقوله أو تفعله، وهذا أبعد ما يكون عن تصوُّر عالم النفس عن الشخصية الإنسانية الحية الزاخرة بالميول المنوعة والمادة النفسية الثرية، ونقول هذا نفسه عن كلمة النموذج (أو الأنموذج) الفارسية الأصل التي عادة ما نترجمها إلى model ونترجم الإنجليزية إليها، والإيحاء قائم فيها بالثبات وعدم التغير، إلى جانب إيحاء آخر بالامتياز والتفوق، ويبرز الفرق بأجلى صوره حين نستخدمها نعتًا؛ فالمدرسة النموذجية هي التي تتصف بخصائص ممتازةٍ لا تتوفر في المدارس المعتادة، وإن وصفنا شخصًا بأنه القارئ النموذجي كنا نوحي بأنه القارئ الأمثل exemplar أو المثالي ideal، وإذا قلنا إن فلانًا نموذجٌ للخلق الكريم كنا نعني أنه أسمى صورة للأخلاق الفاضلة وتوحي به كلمة paragon وأما حرف الطباعة فهو معنى ينتمي إلى مجال مختلف تمامًا.
وقد نشأت الخلافات حول ترجمة type خصوصًا بسبب الصفة منها، وهي typical إذ لا توازيها صفة النمطية، وهي التي نفضل أن نستخدم لها صفةً أخرى هي stereotypical، وstereotype هو الاسم الذي يعني القالب النمطي، وهو مشتق من مقطعين يونانيين؛ الأول هو stereos بمعنى صلب أو جامد، وtypos التي سبق شرحها، والتشبيه هنا إذن بقالب الطباعة الذي تنقش عليه الحروف، ويغطَّى بالحبر، وتمرُّ عليه الأوراق. والنمطية بهذا المعنى مفهومةٌ ومقبولةٌ، ولكنك لا تستطيع أن تترجم typical بالنموذجيِّ، كذلك بسبب ظلال المعنى المرتبطة بالكلمة العربية؛ ولذلك فالمترجمون يحارون في إخراج المعنى المقصود من دون اللجوء إلى النمطية والنموذجية، وهذا ما فعله أستاذنا العظيم مجدي وهبة في النفيس، فهو يبدأ بذكر الصفتين، باعتبارهما خيارًا نظريًّا، ثم يأتي بترجمة تتجاوزهما عمليًّا. في أمثلة منها: a typical frenchman فرنسي نمطي؟) (فرنسي بمعنى الكلمة) (فرنسي كما يكون الفرنسي الحقيقى) (فرنسي على نحو ما نعرفه عن الفرنسيين) والمثال الثاني: It was a typical day in spring
ويترجمه «كان يومًا في الربيع مطابقًا لأيام الربيع المعهودة» والمثال الثالث يقول: with (typical modesty he said …) أي «بتواضعه المعهود قال» والمثال الرابع that’s typical of him «هذا ما عهدناه فيه»، ويضيف وهبة معنى عربيًّا آخر هو «مميز» والمثال a typical example of courage، أي مثال مميز للشجاعة.

ولعل القارئ قد أدرك الصعوبة التي يواجهها المترجم عندما يحاول التعبير عن معنى لا تقابله كلمة واحدة في اللغة الهدف، فترجمة المثال الثاني قد تمثل المعنى قبل محاولة ضغط الألفاظ، فللقارئ أن يهتدي بالأمثلة الآتية التي ضغط فيها عدد الكلمات فيقول: «كان يومًا من أيام الربيع المعهودة»، وما ذكرت ذاك كلَّه — ولا شكَّ أن قراء هذا الكتاب على علم به — إلا إيضاحًا لترجمة النمط الفطريِّ والأنماط الفطرية التي درجنا عليها منذ الستينيات، وإن كنت لا أعترض على أية ترجمة أخرى يستند صاحبها إلى التحليل اللغوي المقنع.

وليت المشكلة انتهت بالاسم والصفة type/typical! فإذا انتقلت من الاسم إلى الفعل typify أصبح المعنى «يرمز» وحسب. والكتَّاب المعاصرون مولعون بالكلمات من ذات البناء الموحي بالعلم (أو التعالم)، فعندما يناقش يونج في تعريفاته قضية أنماط الشخصية يشير إليها بالاسم فقط type، وأما معجم صمويلز فيوردها في مدخل هو typology. وهو يعرض أنماط الشخصية عند يونج، من حيث الانطوائية والانبساطية، ومن حيث الوظائف الأربع (الذكاء والشعور والإحساس والحدس) لكلٍّ من النمطين. أي إنه يريد أن يشرح ما يقوله يونج بهذا المصطلح «الكبير»، فإذا رجعت إلى معنى typology وtypological في جميع المعاجم المتخصصة والعامة لم تجد إلا معنيين هما (١) دراسة الرموز، و(٢) دراسة رموز الكتاب المقدس. فهل هذا ما يعنيه صمويلز وزميلاه مؤلفا المعجم؟ وهذه مشكلة أخرى كتب على المترجم أن ينتبه لها. ولأختتم هذا الاستطراد اللُّغويَّ بدعوة القارئ إلى أن ينظر فيما أوردته في الدراسة من مشاكل الترجمة التي لا تبدو لها نهايةٌ.

اللاوعي the unconscious

يقول يونج: «من المحال، من الزاوية النظرية، وضع حدودٍ لمجال اللاوعي؛ لأنه قادر على التوسع إلى ما لا نهاية. وأما من الزاوية العملية أو التجريبية، فإنه دائمًا ما يجد حدوده حين يصطدم بالمجهول. وهو يتكون من كل شيءٍ نجهله، وهو إذن غير مرتبط بالأنا باعتبارها مركز مجال الوعي. ويتضمن المجهول مجموعتين من الأشياء: الأولى هي الموجودة في الخارج ويمكن إدراكها بالحواس، والثانية هي الموجودة في الباطن، وإدراكها مباشر. فالمجموعة الأولى تضمُّ المجهولات في العالم الخارجيِّ، والثانية تضمُّ المجهولات في العالم الباطن. ونحن نطلق على المجال الأخير لفظ اللاوعي». (يونج، أيون، المجلد ٩، الجزء الثاني، ص٣)

ويقول يونج: «اللاوعي كل شيء أعرفه ولكنني لا أفكر فيه في هذه اللحظة، وكل شيء كنت على وعي به يومًا ما ونسيته الآن، وكل شيء تدركه حواسي ولا ينتبه إليه ذهني الواعي، وكل شيء أشعر به، وأفكر فيه، وأتذكره وأريده وأفعله بلا طواعية ومن دون انتباه إليه، وجميع الأمور المستقبلية التي تتشكَّل في داخلي وسوف تنتقل يومًا ما إلى الوعي. هذا كله محتوى اللاوعي» (يونج: بناء النفس ودينامياتها، المجلد ٨، ص١٨٥).

ويقول يونج: «وإلى جانب هذه لا بدَّ أن نضيف جميع أشكال الكبت المقصودة إلى حدٍّ ما لكل ما هو مؤلم من المشاعر والأفكار، وأنا أطلق على هذه جميعًا «اللاوعي الشخصي»، ولكننا نجد أيضًا في اللاوعي صفاتٍ غير مكتسبةٍ فرديًّا بل موروثةٍ، مثل الميول الغريزية باعتبارها نوازع للقيام بأعمال تمليها الضرورة، من دون دافع واعٍ بذلك. ونحن نجد أيضًا في هذه الطبقة «الأعمق» … الأنماط الفطرية … فالميول الغريزية والأنماط الفطرية معًا تشكِّل «اللاوعي الجمعيَّ». وأنا أسميه «الجمعيَّ»؛ لأنه يختلف عن اللاوعي الشخصي في أنه ليس مشكَّلًا من عناصر فرديةٍ ومتفردةٍ إلى حدٍّ ما، بل من عناصر عالميةٍ ومنتظمة الوجود.» (يونج المرجع نفسه، ص١٣٣ وما بعدها)

ويقول يونج: «وتشمل المجموعة الأولى عناصر تعتبر مقوماتٍ أساسيةً في الشخصية الفردية، ويمكن أن تنتمي فعلًا إلى الوعي. وأما المجموعة الثانية فتشكِّل، إن صحَّ هذا التعبير المجازيُّ، نوعيةً أو طبقةً تحتيةً من النفس في ذاتها تتميز بوجودها الثابت وغير المتغير في كل مكان.» (يونج، أيون، المجلد ٩، الجزء الثاني، ص٧)

العالم الموحَّد unus mundus

«أدت البحوث التي أجراها يونج في الخيمياء وفي نشأة بعض المفاهيم وتطوُّرها مثل الواقع النفسي، واللاوعي شبه النفسي، والتزامنية، إلى استحضار بعض الأفكار السابقة لعهد نيوتن، مثل العالم الموحَّد unitary world، وهو يستخدم هذا المفهوم أو الصورة للإيحاء بأن كلَّ طبقةٍ في الوجود ترتبط ارتباطًا وثيقًا بجميع الطبقات الأخرى، بدلًا من وجود خطَّةٍ رئيسيةٍ تعاليةٍ للتنسيق بين الأجزاء المنفصلة. وهكذا فالروح والجسد مترابطان، وقد تكون النفس والمادَّة مترابطتين أيضًا.»

وعندما بدأ يونج يستخدم مفهوم العالم الموحَّد في تحليل النشاط النفسي، لاحظ تشابهًا بين عمل الوعي وما يسمَّى فيزياء الجزيئات دون الذَّريَّة؛ ففي المجالين يحدث تفاعلٌ وتبادلٌ سريعين ما بين الكيانات المذكورة، كما يتماثل المجالان في الأنساق والاحتمالات القائمة. فعلى سبيل المثال، نجد أن ما تقوله نظرية النسبية عن سيولة العالم الفيزيقيِّ وطابعه «الرمزيِّ» يمكن مقارنته ببعض الخصائص المماثلة في النشاط داخل النفس. وعندما يقبل الباحث في فيزياء ما دون الذرَّة وجود شيءٍ يمكن أن يجمع في الوقت نفسه بين صفة الجزيء وصفة الموجة، فإنه مطالبٌ بأن يتخذ ما يمكن اعتباره موقفًا سيكلوجيا إلى حدٍّ ما تجاه عمله. فالفيزيائيون يبحثون عن قوةٍ باطنةٍ في الطبيعة، وربما تكون قوةً قادرةً على توحيد المغناطيسية الكهربية بالقوى النووية وبقوة الجاذبية. وعلى غرار ذلك نجد أن الفكرة غير الأينشتاينية التي تقول: «بالفعل عبر المسافات»؛ أي اتفاق جزيئين دون ذرِّيين تفصلهما مسافةٌ على السلوك المتوافق كأن كلًّا منهما «يعرف» ما يفعله الآخر — يمكن تشبيهها بنظرية الأنماط الفطرية أو عمل الذات مع ذاتٍ أخرى عبر شخصيةٍ (أي تنتمي إلى شخصية أخرى).

والنظرية خلافيةٌ ولا يقبلها جميع أنصار يونج، وإن كان البعض قد أبدى حماسًا غير متوقَّعٍ لها، بل بلغ الحماس بأحدهم أن قال إنها تمثل إضفاء التصوف على الفيزياء، ولما كانت النظرية لا تقبل أية أسبابٍ لتفسير ما يحدث، فقد ظلَّت تثير خلافاتٍ لا يحسمها العلم ولا المنطق. (معجم صمويلز، ص١٥٧–١٥٨)

وعاء التَّوحيد/بوتقة الصَّهر unus vas

هذا من مصطلحات الخيمياء.

(انظر الفصل السابع).

الثُّعبان الدائريُّ uroborus

الرؤيا/الرؤية vision

يكثر استعمال يونج للمصطلح بمعنى الرؤيا الروحية أو الحلم.

الاكتمال wholeness

أي كون المرء كلًّا لا يقبل التفتيت، ويستعمل يونج شبه مرادفٍ لهذا المصطلح وهو completeness ويؤكد أن الاكتمال جزءٌ لا يتجزأ من التفرُّد.

الإرادة will

الشيخ الحكيم wise old man

يونج يعتبر صورة الشيخ الحكيم نمطًا فطريًّا، وأحيانًا ما يشير أيضًا إلى العجوز الحكيمة wise old woman ولكن المصطلح الغالب هو الأول.

حقيقيٌّ word association test

المعالج الجريح wounded healer

العبارة من العبارات التي تتردد للإشارة إلى العلاج النفسي الذي يختلف عن العلاج البدنيِّ؛ لأن مشاركة الطبيب وفق مذهب يونج في موقف المريض (بالتقمُّص empathy أو introjection) يحتمل أن يحدث فيه تأثيرًا نفسيًّا قد يكون ضارًّا وهو المقصود مجازيًّا بالجرح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤