تمهيد

أخذ الفن الإسلامي كثيرًا من أصوله عن الفنون المسيحية الشرقية، كما تأثَّر كثيرًا بفنون إيران وبغيرها من الفنون التي ازدهرَتْ في البلاد التي فتحها العرب وكوَّنوا منها إمبراطوريتهم العظيمة. ولا غرو؛ فقد كان العرب في شبه جزيرتهم بدوًا لا حضارة لهم، ولم تكن بداوتهم هذه مرتعًا خصبًا لفن يترعرع بينهم، وينطبع بطابعهم؛ وإنما جاءتِ الفتوحات العربية، وامتدَّتِ الدولة الإسلامية واتسع نطاقها، واختلط العرب بأمم عريقة في المجد والمدنية؛ فأثَّروا في هذه الأمم وأثَّرَتْ فيهم.

أمَّا أثر العرب فواضح جليٌّ؛ إذ إنهم فتحوا مصر، وفرضوا عليها ديانتهم ولغتهم، ونشروا الإسلام في بلاد إيران، وجعلوا العربية لغة العلم والأدب والدين، وانتهى الأمر بهم إلى التأثير في اللغة الفارسية تأثيرًا كبيرًا، نتبيَّنه إذا علمنا أن هذه اللغة هندية أوروبية، كانت تشبه السنسكريتية القديمة، وكان الفرق بينها وبين اللغات السامية شاسعًا، بيدَ أنها أصبحَتْ بعد الفتح الإسلامي خليطًا، فصارت تُكتَب بالحروف العربية، وأخذَتْ عن اللغة العربية آلاف المفردات والتراكيب.

على أن هذه الأمم التي غُلبَتْ على أمرها أثَّرَتْ بدورها في العرب، وكانت أكبر عَوْن لهم على خَلْق فن إسلامي، طبَّعه العرب بطابع دينهم، وظهرت فيه شخصيتهم البارزة، ولكنَّ أساسه مدنيات فارس وبيزنطة وآشور وكلديا ومصر. ولذا كان خطأً كبيرًا أن يُطلَق على هذا الفن اسم الفن العربي كما فعل المستشرقون ومؤرِّخو الفن حتى أوائل القرن الحاضر، وكإطلاق اسم «دار الآثار العربية» على متحفنا الإسلامي في مصر.

ولعل أكثر ما اقتبس العرب في الفنون من الأمم المجاورة كان في العمارة، ولكنا لا نريد أن نعرض هنا للأبنية الإسلامية الأولى في المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام؛ فإن ذلك يكون خروجًا عن موضوعنا الآن.١
وأول مسجد أسَّسه العرب في مصر هو جامع عمرو، أو الجامع العتيق، بناه عمرو بن العاص سنة ٦٤٢؛ فهو إذن من أقدم المساجد في الإسلام، ولكنَّا لا نظن أن قيمته كبيرة في دراسة تاريخ العمارة الإسلامية في مصر، نظرًا للزيادات العديدة التي غيَّرت معالمه الأولى، وجعلته مزيجًا من طُرُز مختلفة، ومن ثَم آثرنا ألا نعرض لدراسته هنا، مكتفينَ بأن نُحيل مَن يهتمُّ بدراسته من القُرَّاء إلى البحث الذي نشره عنه كوربت بك سنة ١٨٩١ في مجلة الجمعية الآسيوية المَلَكيَّة، وإلى الأبحاث المختلفة التي كتبها عنه فان برشم VAN BERCHEM، وهوتكير HAUTECOEUR، وفييت WIET، وكريزول CRESWELL، وبريجز BRIGGS، والأستاذ محمود أحمد، ويوسف أفندي أحمد وغيرهم.
١  راجع الفصل الأول من كتاب: CRESWELL: Early Muslim Architecture ج١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤