الفصل الأول

كونفوشيوس (٥٥١–٤٧٩ق.م.) والإرث الذي خلَّفه: مقدمة

عاش كونفوشيوس في القرن السادس قبل الميلاد. ولو كان له من الأمر شيء، لفضَّل العيش قبل ذلك بخمسمائة عام، في بداية حكم أسرة تشو (١٠٤٥ تقريبًا–٢٢١ق.م.). كانت هذه الفترة، في اعتقاده، حقبة ذهبية؛ حيث حكم الحكَّام بالعدل، ومارست الرعية الطقوس التقليدية، وعمَّ الوفاق الاجتماعي شتى بقاع البلاد. وكانت قد تغيَّرت كثير من الأمور منذ ذلك الحين. فلم تعد الصين مُوحَّدة تحت ملك قوي وورع من أسرة تشو. وبحلول سنة ٧٠٠ق.م. استحالت الدولة إلى عدة دُويلات مستقلة، وصغيرة، ومتناحرة في كثير من الأحيان، يحكمها حكام إقطاعيون تخلَّوا عن القدوة الحسنة، والعناية الصادقة برفاهية الشعب، واستبدلوا بها قوانين وعقوبات وقوة غاشمة لإرساء حكمهم.

استمر اهتمام كونفوشيوس بالفترة المبكرة من حكم أسرة تشو طوال حياته. كان يثق أنه لو تحققت الحكومة الرشيدة الصالحة، والعلاقات الاجتماعية السوية، والمعاملة اللائقة من الإنسان لأخيه الإنسان — التي انعكست كلها في الممارسة الطقسية الصحيحة في تلك الحقبة — فلا مانع من تحققها مرة أخرى في حياته. ولأجل تلك الغاية، انتقل من دولة إقطاعية لأخرى، لعلَّه يجد حاكمًا مُنفتحًا، يشاطره الآراء نفسها، فيمنحه منصبًا يخوِّل له وضع رؤيته السياسية الاجتماعية قيد التنفيذ. لكن ذهبت أسفاره سدًى، ولم ينل قط منصبًا ذا شأن.

fig1
شكل ١-١: لوحة تذكارية حجرية لكونفوشيوس من عهد أسرة تانج (٦١٨–٩٠٧).

وجد حكَّام عصره أفكاره غير قابلة للتطبيق على ما يبدو. فعلى أي حال كانت الصراعات بين الدول المتناحرة مستمرة في القرن السادس، والرسالة التي تحملها تعاليمه — من الوعد بالنصر على عشرات الآلاف من قوات العدو المتمركزة حول الحدود لو كان الحكام قدوةً حسنة لرعيتهم — ربما لم تكن مقنعة بما يكفي. ويغلب على الظن أيضًا أن شخصية المعلِّم لم تكسب قلوب الحكام الإقطاعيين بسهولة. إذ تشير تعاليمه في كتاب «المختارات» أنه كان يقدم المديح، ويظهر الشفقة، ويعفو عن الزلات، ويمزح في بعض الأحيان، لكنه كان كثيرًا ما ينقد ويعاند، ويتعامل بسخرية، ويستخدم القسوة.

ومع ذلك لم يتخلَّ كونفوشيوس عن أمله تمامًا في العثور على حاكم، في مكان ما، يقدِّر القيمة الحقيقية لتعاليمه السياسية. سأله تلميذه تسي قونج ذات مرة: «لو أن لديك حجرَ يَشْم جميلًا، فهل تضعه في حِرز أم تبيعه بسعر جيد؟» أجاب المُعلِّم (وهو اللقب الذي اشتُهر به): «أوه، سأبيعه! سأبيعه قطعًا! أنا أنتظر العرض المناسب فحسب» (٩: ١٣). لكن بعد إحباط مستمر من عدم ورود العرض المناسب، حوَّل كونفوشيوس بوصلة حياته من المجال السياسي إلى تعليم تلاميذه الذين رجا أن يعتنقوا أفكاره السياسية، ويطبقوها في الحياة السياسية، وينجحوا فيما فشل هو فيه. وقدَّرت الروايات المتوارثة عدد تلاميذ كونفوشيوس الجادين باثنين وسبعين.

ولعلَّ المكانة التي حظي بها اسمه في التاريخ إشادة بنجاحه كمعلم، وبتفاني تلاميذه والأجيال اللاحقة من أتباعه على حد سواء. فقد تولَّوا تدوين أقواله ومحاوراته التي ستشكِّل فيما بعدُ الأساس لكتاب «المختارات»، الذي يُعَد المَعين الأساسي لأفكاره. وهذا الكتاب يضم مجموعة من تعاليم المعلِّم، كما سجَّلها تلاميذه، وحرَّرها المحررون من بعدهم على مدار الأجيال اللاحقة، وهو عبارة عن عشرين كتابًا موجزًا، أو فصلًا من باب التسهيل، يضم إجمالًا ما يقرب من خمسمائة فقرة أو «آية». ولم يصل هذا الكتاب للشكل الذي هو عليه الآن، حتى القرن الثاني قبل الميلاد؛ أي بعد ثلاثة قرون من وفاة كونفوشيوس.

لا بد أن تبدأ أي دراسة لأفكار كونفوشيوس بهذا النص القصير نسبيًّا. لكنَّ ثَمة ارتباطًا وثيقًا أيضًا بين كونفوشيوس وبين الكتب المبكرة الأخرى في التقليد الصيني، لا سيما «كتاب التغيرات»، و«كتاب القصائد»، و«كتاب التاريخ»، و«كتاب الطقوس»، و«حوليات الربيع والخريف». وبدايةً من القرن الثاني قبل الميلاد، زعم أتباعه أن له دورًا في كتابة وتحرير وتجميع كلٍّ من هذه الكتب الخمسة (التي جُمعت جميعًا تقريبًا فيما بين ١٠٠٠–٢٠٠ق.م.). وهو زعم لم يصمد أمام التدقيق النقدي، لكن تلك الكتب، المعروفة بالكلاسيكيات الخمسة، عُدَّت أساسية في التقليد الكونفوشيوسي منذ ذلك الحين. كما حظيت بالتوقير من أتباع كونفوشيوس؛ لأنها تنقل مبادئ الحكم الحكيم، وأوصاف الممارسة الطقسية الصحيحة، والعقائد المتعلقة بنظام الكون وعلاقة الإنسان به، والدروس المُستخلَصة من تاريخ فترة الربيع والخريف (٧٢٢–٤٨١ق.م.) مما يجعلها متوافقة على نحو مثالي مع تعاليم المعلم.

(١) صعود الكونفوشيوسية في الصين

هناك فرق بين القول إن كونفوشيوس جمع حوله مجموعة من الأتباع الأوفياء، وإن تعاليمه حازت القبول العام على الفور. ففي فترة عدم الاستقرار الشديد أثناء حكم أسرة تشو، والمعروفة بحقبة الربيع والخريف، وفترة الدويلات المتناحرة (٤٠٣–٢٢١ق.م.) ظهر مفكرون كثيرون بعدد كبير من الأجندات لمعالجة المشكلات الملحَّة. وحاولت تعاليم التاويين، والشرائعيين، والكونيين أتباع مدرسة الين-يانج، والدبلوماسيين، والاستراتيجيين العسكريين، والمزارعين، والموهيين (أتباع مو تسو)، والمنطقيين، وغيرها؛ طرح الأسئلة الآتية: ما سمات الحاكم الناجح؟ ما سمات الحكومة الناجحة؟ ما شكل العلاقة المثالية بين الحكومة والشعب؟ كيف يمكن أن تحقِّق الصين الوَحدة والاستقرار والرخاء التي عرفَتها في الماضي؟ ما واجبات الفرد تجاه عائلته ومجتمعه وبلده؟ ما موضع الفرد في الكون؟

بالطبع، لم يُعطِ كل مفكر القدرَ نفسه من الأهمية لكل مسألة من هذه المسائل. لكنها شغلت بشكل عام ما سُيعرَف فيما بعدُ باسم «المدارس الفكرية المائة»، التي ازدهرت في أثناء حقبة الربيع والخريف، وفترة الدويلات المتناحرة. كان الجدل الفكري الحامي مَعلمًا بارزًا في هذه القرون، حيث تنافس المفكرون الممثلون لهذه المدارس المختلفة من أجل إقناع الحكام والنُّخبة المثقفة بصحة تعاليمهم الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن تعاليم كونفوشيوس لم تُحرز قصَب السبْق على تعاليم المفكرين الآخرين، رغم امتيازها بالممثلين البارزين النشطين في هذه القرون، من أمثال منشيوس (القرن الرابع قبل الميلاد تقريبًا)، وشون تسي (القرن الثالث قبل الميلاد تقريبًا).

تغيَّر هذا الوضع بحلول القرن الثاني قبل الميلاد، حيث أعطى حكام أسرة هان (٢٠٢ق.م.–٢٢٢م) مزيدًا من الدعم لتعاليم كونفوشيوس. لكن في مطلع حكم هذه الأسرة بدت فرص نجاح هذه التعاليم غير مبشِّرة. فقد كان مؤسس إمبراطورية هان، ليو بانج، ينظر بعين الازدراء للكونفوشيوسية. يصف كتابُ «سجلات المؤرخ»، الذي كتبه سيما تشيان في القرن الأول قبل الميلاد، عداءَ الحاكم المستقبلي المبكر تجاه تعاليم أتباع كونفوشيوس، فيقول: «كلما قَدِم زائر إليه، يرتدي القبعة الكونفوشيوسية، نزعها عن رأسه فورًا وتبول فيها، وكلما تحدث إلى الآخرين، انهال على هؤلاء بسيل من الشتائم.»

لكن بعدما أسَّس أسرة هان، وجد ليو بانج (الذي أصبح الآن الإمبراطور قاو زو، والذي حكم في الفترة ما بين ٢٠٢–١٩٥ق.م.) في النهاية أنه من المناسب أن يخفف من حدة موقفه. ففي اجتماعاته مع كبير مستشاريه لو جيا، كان يُلحُّ عليه لو بالنظر في التعاليم الكونفوشيوسية الموجودة في الكتب الكلاسيكية الكبرى، مثل «كتاب القصائد» و«كتاب التاريخ»، ليستمد منها التوجيه فيما يخص نظام الحكم. وذات يوم، بعدما سئم الإمبراطور من نصائح لو المتكررة على ما يبدو، رد عليه بفظاظة: «كل ما أملكه حصلت عليه بسبب قوتي العسكرية! لمَ أزعج نفسي ﺑ «كتاب القصائد» و«كتاب التاريخ»؟» أصرَّ لو على موقفه، معرِّضًا نفسه لخطر كبير على الأرجح، فأجاب قائلًا:

ربما وصلت إلى عرش الإمبراطورية، يا صاحب الجلالة، بسبب قوتك العسكرية، لكن هل يمكنك حكم الإمبراطورية اعتمادًا على ذلك فقط؟ … لقد اعتمدَت أسرة تشين [التي لم يدم حكمها لفترة طويلة، حتى حلت محلها أسرة هان، واشتهرت بقسوتها] في حكمها على العقوبات والقانون فحسب، دون مواكبة تغيرات العصر، فجلبت الدمار على نفسها في نهاية المطاف. لو أنها بعدما وحَّدت العالم تحت حكمها [في عام ٢٢١ق.م.] تعاملت بالرأفة والاستقامة، وعدَّلت طرائقها وفقًا لتعاليم الحكماء القدامى، فكيف كنتَ، يا جلالة الملك، ستستطيع السيطرة على الإمبراطورية؟

أثار كلام لو جيا اهتمام قاو زو إلى حد كبير، وطلب منه تأليف كتاب («المحاورات الجديدة») ليعرض فيه هذه الأفكار بتوسع. كتب سيما تشيان يقول: «كلما عُرض قسم من الكتاب على الإمبراطور، لم يستطع منع نفسه من التعبير عن فرحه واستحسانه، وهتف جميع الحاضرين من حوله: «أحسنت!»»

لكن لم يتمكن العلماء الكونفوشيوسيون من نشر تعاليم مدرستهم بشكل واضح، وجعل الكونفوشيوسية تحتل مرتبة مرموقة في البلاط — وهي مرتبة احتفظت بها (مع بعض فترات الازدهار والانحدار) حتى السنوات الأولى من القرن العشرين — إلا بعد مرور خمسين عامًا، أثناء الحكم الطويل للإمبراطور وو مِن أسرة هان (الذي حكم في الفترة ما بين ١٤١–٨٧ق.م.). فقد أصدر هذا الإمبراطور في عام ١٤١ق.م. مرسومًا ينص على طرد كل مَن لا يعتنقون مبادئ الكونفوشيوسية، ولا سيما أتباع المدرسة الشرائعية من الديوان الحكومي، استجابةً لوزرائه الذين كانوا يحثُّونه على الرفع من شأن الكونفوشيوسية، وهجر تعاليم أكبر مدرستين في ذلك الوقت، وهما التاوية والشرائعية. وبعد سنوات قليلة في عام ١٣٦ق.م. أنشأ الإمبراطور مؤسسة «مثقفي الكلاسيكيات الخمسة»، وهي مجموعة من الخبراء في الكتب الخمسة، التي بدأ علماء المدرسة الكونفوشيوسية يعدُّونها كتبهم المرجعية، وهي «كتاب التغيرات»، و«كتاب القصائد»، و«كتاب التاريخ»، و«كتاب الطقوس»، و«حوليات الربيع والخريف». كان هؤلاء المثقفون بمنزلة المستشارين للإمبراطور، الذين كانوا يستعينون بالتعاليم والمبادئ الواردة في الكلاسيكيات الخمسة لتزويده بالمشورة اللازمة. وسيصبح هؤلاء المثقفون أنفسهم في عام ١٢٤ق.م. هيئة التدريس في الأكاديمية الإمبراطورية المنشأة حديثًا. وسينال التلاميذ المتفوقون في تلك الأكاديمية — الذين اجتازوا الامتحانات مُبدين تمكُّنهم من دراسة واحد أو أكثر من الكلاسيكيات الخمسة — منصبًا في الديوان الحكومي.

ولهذه الخطوات، التي سنتناولها بشيء من التفصيل في الفصل السادس، أهمية كبيرة للغاية. فمنذ ذلك الحين مثَّلت الكونفوشيوسية الدعامة الأيديولوجية الأساسية للإمبراطورية الصينية. إذ سيستمد الحكام الإرشاد والشرعية من تعاليمها، كما سيُعيِّنون الموظفين في الديوان الحكومي من خلال الاختبارات المبنية على مبادئها. ونتيجةً للهيمنة الأيديولوجية للكونفوشيوسية على نظام الحكم، تركزت عملية التعليم في الصين الإمبراطورية على الإلمام الجيد بالكتابات الكونفوشيوسية. وكفلت المنزلة المرتفعة والمكافآت الاقتصادية، ذات الصلة بالعمل في الحكومة، تكريس من يستطيعون تحمل تكاليف الدراسة جهودهم للإلمام الجيد بهذه الكتب، على أمل النجاح في الاختبارات، وما يتبع ذلك من التعيين في الديوان الحكومي. وكان يُنتظر من الفتيان في سن السادسة أو السابعة العكوف على دراسة وحفظ الكتب التمهيدية المشتملة على القيم الكونفوشيوسية، ثم الكلاسيكيات الكونفوشيوسية. ونتيجةً لذلك، يكاد يكون جميع الصينيين المتعلمين، لا سيما في الألفية التي شهدت نهاية الإمبراطورية الصينية في عام ١٩١٢، قد درسوا القيم الكونفوشيوسية، وتربَّوا على تعاليمها. وهكذا تشكَّلت حيوات وأعمال كل الصينيين المثقفين تقريبًا — ليس الموظفين منهم فحسب، بل الشعراء وكتاب المقالات والروائيون والفنانون والخطاطون والمؤرخون والعلماء والمدرسون، ونسبة صغيرة من النساء المتعلمات — بدرجة أو أخرى، من خلال المعتقدات والمُثل المتضمَّنة في النصوص الكونفوشيوسية.

(٢) تأثير الكونفوشيوسية في شرق آسيا

لم يتوقف تأثير الكونفوشيوسية عند حدود الصين فحسب. وعلى الرغم من أن تلك المقدمة القصيرة تركز على دور الكونفوشيوسية في الصين، فإننا لا يسعنا سوى الإقرار بأن كوريا واليابان، على مدار القرون، وجدتا في تعاليم الكونفوشيوسية وقيمها المُثلى — مع بعض التعديلات — تلبيةً لاحتياجاتهما الاجتماعية والسياسية والروحية.

في أوائل عام ٣٧٢، أنشأت مملكة جوجوريو الكورية أكاديمية كونفوشيوسية، حيث كان يَدرس أبناء النُّبلاء الكلاسيكيات الكونفوشيوسية. بعد ذلك بقرون قليلة (في عام ٦٨٢)، حذَت مملكة شلا نهج سالفتها، وأنشأت أكاديمية كونفوشيوسية وطنية لتدريب موظفيها، وفي عام ٧٨٨ أسَّست نظام اختبار بسيط يتمحور حول الكلاسيكيات الكونفوشيوسية. واتسع نظام الاختبار مع ملوك جوريو (٩١٨–١٣٩٢)، فكانت تُجرى اختبارات لتوظيف الموظفين بصورة منتظمة، ولم تعد متطلباتها إتقان الكلاسيكيات فحسب، بل أيضًا إتقان تفاسير العلماء الصينيين لها.

ازداد تأثير الكونفوشيوسية حتى وصل إلى ذروته في عهد أسرة تشوسون (١٣٦٢–١٩١٠). فقد اضطلع المؤسِّسون أنفسهم، مدفوعين بنداءات الإصلاحيين الكونفوشيوسيين، بمهمة خلق مجتمع كونفوشيوسي مثالي، من خلال إعادة تشكيل منظومة القيم والممارسات الاجتماعية الموروثة من أسرة كوريو. وأسسوا نظامًا تعليميًّا يرتكز على التعاليم الكونفوشيوسية على مستوى الدولة، ووظفوا في الديوان الحكومي فقط مَن اجتاز نظام الاختبارات، الذي شكَّل أساس دولة تشوسون الكونفوشيوسية.

ولعبت كوريا أيضًا دورًا مهمًّا في نقل الكتب الصينية إلى اليابان. فقد بدأ العلماء الكوريون جلب هذه الكتب، بما في ذلك كتاب «المختارات» لكونفوشيوس، لليابان في القرن الخامس أو السادس الميلادي. في عام ٦٠٤، أصدر الأمير شوتوكو أول «دستور» لليابان، أو ما عُرف بدستور المواد السبعة عشرة. ويتجلى التأثير الكونفوشيوسي بشكل واضح فيه. فقد بدأت المادة الأولى بالاقتباس المباشر من «المختارات» (١: ١٢): «التناغم أمرٌ لا بد من الحرص عليه»، وحثَّت المادة الرابعة الوزراء والمسئولين على ممارسة السلوكيات الطقسية الصحيحة (لي)، محذرةً إياهم من انخراط الشعب في الفوضى، إذا تخلَّوا عن ممارستها. في الجزء الأكبر من تاريخ اليابان، تفوقت تعاليم البوذية والشنتوية على تعاليم المدرسة الكونفوشيوسية. لكن في فترة حكم توكوجاوا (١٦٠٣–١٨٦٨) ازدهرت المدرسة الكونفوشيوسية على نحو لم يحدث من قبل. وفتح العلماء اليابانيون — الذين تعرضوا لأشكال من الكونفوشيوسية كانت قد تطورت في الصين في الفترة ما بين القرن الحادي عشر والقرن السادس عشر (انظر الفصل الخامس) — أكاديميات ومدارس لتدريس الفكر الكونفوشيوسي للآخرين. وتحدثوا إلى حكام توكوجاوا، محرِّضين إياهم على اعتناق التعاليم الكونفوشيوسية، التي يمكن، بحسب زعمهم، أن تكون بمنزلة الأساس الأخلاقي للحكومة اليابانية ومجتمعها.

لقد ارتقت الكونفوشيوسية لتصبح الفلسفة التعليمية الرسمية بواسطة حكام توكوجاوا، إلا أنها لم تصبح قَط النظام الاعتقادي الأوحد، كما حدث في كوريا التشوسونية، أو في الصين منذ القرن العاشر. ولعلَّ ذلك بسبب أن اليابان، التي لم تطور نظام اختبارات خدمة مدنية على الإطلاق، تمتعت بالحرية الفكرية أكثر، وسمحت للبوذية والشنتوية وغيرهما من التيارات الفكرية بالازدهار. ومع ذلك حظيت التعاليم الكونفوشيوسية بشهرة واسعة ونجاح كبير في فترة حكام توكوجاوا، كما كان لها تأثير عميق في إعادة صياغة المبادئ الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية اليابانية.

كان للكونفوشيوسية تأثير أيضًا في فيتنام. ففي عام ١١١ق.م. خلال حكم أسرة هان، ضمت الصين منطقة شمال فيتنام، وحكمتها لأكثر من ألف عام حتى عام ٩٣٩ ميلاديًّا، حيث نالت فيتنام استقلالها في نهاية المطاف. وعلى مدار هذه القرون الكثيرة، تغلغلت الثقافة الصينية — المُتمثلة في شكل نظام الكتابة الصيني، والطقوس والكتب الكونفوشيوسية، ونموذج الإدارة الصيني — في الحياة الفيتنامية. وكجزء من المملكة الوسطى، طُبق في تلك المنطقة أيضًا نظام اختبارات الخدمة المدنية الصيني، القائم على الأفكار الكونفوشيوسية (انظر الفصل السادس). وحتى بعد أن نالت فيتنام استقلالها في القرن العاشر، واصلت الأُسر الحاكمة اعتمادها على الاختبارات الكونفوشيوسية لتوظيف مسئولي البلاط حتى العقد العاشر من القرن العشرين. وضمنَت تلك المكانة المهمة التي يتمتع بها نظام الاختبارات أنه في القرن العشرين شكَّلت الكتب الكونفوشيوسية جوهر المقررات التعليمية للدولة، ودعمت النخبة السياسية والمثقفة للقيم والممارسات ذات الصلة بتعاليم الكونفوشيوسية.

(٣) رؤية كونفوشيوس

تخيل كونفوشيوس مستقبلًا يسود فيه التناغم الاجتماعي والحكم الحكيم مرة أخرى. كانت رؤيته المستقبلية تستند إلى الماضي بشكل كبير. فقد رأى كونفوشيوس — انطلاقًا من قناعته بتحقُّق العصر الذهبي بصورة كاملة في تاريخ الصين المعروف — أنه من الضروري العودة إلى هذا التاريخ، وإلى المؤسسات السياسية والعلاقات الاجتماعية، والمُثل العليا الخاصة بتربية النفس، التي اعتقد أنها سادت في بداية حكم الأسرة تشو، من أجل خلق رؤية صالحة لجميع الأزمنة. هنا، يجدر عقد مقارنة بين كونفوشيوس وأفلاطون، الذي عاش بعد وفاة كونفوشيوس ببضعة قرون. كان أفلاطون، مثل كونفوشيوس، متحمسًا لتحسين الحياة السياسية والاجتماعية المعاصرة. لكنه، على عكس كونفوشيوس، لم يرَ أن الماضي يقدم نموذجًا معياريًّا للحاضر. لذا اعتمد، في تشييده لمجتمعه المثالي في كتابه «الجمهورية»، على تأملاته الفلسفية ومحاوراته الفكرية مع الآخرين، أكثر من محاولته استحضار الماضي.

لا أقصد قطعًا أن كونفوشيوس لم يهتم بالتأمل الفلسفي أو محاورة الآخرين. لكن الرجوع إلى الماضي، ومحاولة استخلاص العِبَر منه، استحوذا على عقله وتفكيره بشكل خاص. وقد اتخذ استقراء الماضي صورة دراسة الكتب الكلاسيكية، وخاصةً «كتاب القصائد» و«كتاب التاريخ». في هذا الشأن، قال كونفوشيوس لتلاميذه موضحًا: «يمكن أن يصير «كتاب القصائد» مصدرًا للإلهام وأساسًا للتقييم، كما يمكنه مساعدتكم في الانسجام مع الآخرين والتعبير عن غضبكم على المفاسد بشكل صحيح. ففي البيت يعلِّمك كيفية أداء حق والديك عليك، وفي الحياة العامة يعلمك كيفية أداء حق الحاكم عليك» (١٧: ٩). هذه الإحالات الكثيرة إلى أجزاء من «كتاب القصائد» وإلى قصص وأساطير من «كتاب التاريخ» تشير إلى إعجاب كونفوشيوس الكبير بهذين الكتابين خاصةً، وبالقيم والممارسات الطقسية والأساطير والمؤسسات المذكورة فيها.

لكن كونفوشيوس لم يستقِ معرفته عن الماضي من الكتب الكلاسيكية فحسب. فقد كان التقليد الشفهي مصدرًا غنيًّا للحكمة التاريخية بالنسبة له. فالقصص والأساطير عن الملوك الأسطوريين الحكماء من أمثال ياو، وشون، ويو، وعن الملوك من أمثال وو، ووِن، والحاكم تشو الذي أسس إمبراطورية تشو وبدأ عصرًا استثنائيًّا من الانسجام الاجتماعي والسياسي، وعن الحكام والمسئولين المشهورين أو غير المشهورين من أمثال بو بي، وهوان حاكم تشي، وقوان جُونج، وليو شيا هوي — المذكورين جميعًا في كتابه «المختارات» — أكملت ما تعلَّمه من الكتب، وساعدته على تكوين صورة أكبر عن الماضي.

ومما يثير الاهتمام أنه كان لكونفوشيوس مصدرٌ آخر للمعرفة، وهو سلوك معاصريه. فمن خلال مراقبتهم، انتقى الآداب والممارسات التي يرى أنها تتوافق مع المعايير الثقافية لبداية حكم أسرة تشو، ومدَحها، وتلك التي — في رأيه — ساهمت في انحدار تلك الأسرة، واستقبحها. ويُظهره كتاب «المختارات» وهو ينتقد بشدةٍ الخطابات البارعة، ولكن غير المخلصة، ومظاهر التزلف، والاحترام المتصنع، والخنوع للسلطة، والشجاعة التي لا تقف وراءها مبادئ أخلاقية، والسعي الدءوب وراء الانتصارات الدنيوية؛ إذ وجد تلك السلوكيات سائدة بين معاصريه، ولاحظ ارتباطها بالتدهور الأخلاقي لأسرة تشو. ومن أجل إنهاء هذا التدهور، كان لا بد أن يتعلم الناس مرة أخرى كيفية التعامل مع الآخرين باحترام حقيقي، والتأني في الكلام والعجلة في العمل، والتحلي بالوفاء والتمسك بالعهود، والنقد المكاشِف المتلطف للأصدقاء وأفراد العائلة والحكام الذين انحرفوا عن الطريق القويم، والتحرر من الحقد عند الفقر، والتحرر من الغرور عند الغنى، والالتزام بفترة الحداد على موت الوالدين التي تستمر لمدة ثلاث سنوات، وهو تقليد كان قد هجره الناس منذ فترة طويلة، ما أصاب كونفوشيوس بالحزن الشديد. باختصار، كان على الجميع أن يتعلم من جديد السلوكَ الطقسي الذي أنتج المجتمع المنسجم في بداية حكم أسرة تشو.

لسنا بصدد البحث في حقيقة وصف كونفوشيوس لهذه الحقبة بالعصر الذهبي، وهل هو «مثالي» في ذلك أم لا. ما يهمنا هنا هو أن ذلك الارتباط ﺑ «العصر الذهبي» أكسبَ رؤيته سلطة وشرعية أكبر، كما صدَّق على صحة الطقوس والممارسات التي دافع عنها. ولعل هذه الرغبة في استمداد السلطة والشرعية من التاريخ — في حقبة تتسم بالاضطراب والفوضى — قد تساعد في تفسير حماسة كونفوشيوس لتقديم نفسه على أنه مجرد ناقل أو محب للأقدمين لا أكثر (٧: ١). في الحقيقة، ورغم إصراره على أنه ناقل لمعارف الأقدمين لا أكثر، فليس ثَمة شك في أنه قد صاغ رؤية سياسية اجتماعية مبدعة — وطويلة الأمد — من دراسته ومحاولته لإحياء الفترة الأولى من حكم أسرة تشو. بَيد أن تقديم كونفوشيوس نفسه كشخص يستمد أفكاره من الماضي، وينقل ما كان لا أكثر، أسَّس ما سيصبح فيما بعدُ نموذجًا ثقافيًّا في الصين. فالإبداع المنسلخ تمامًا عن الماضي لم يحظَ باحتفاء كبير في التقليد الصيني في فترة ما قبل الحداثة. فما كان أحد ليصف ما فعله جاكسون بولوك، على سبيل المثال، بأنه عبقري مبدع في الصين كما حدث في الغرب؛ لإنكاره أي صلة له بالماضي عن وعي وافتخار. والكُتاب والمفكرون والفنانون العظماء ما اكتسبوا صفة العظمة إلا لإتقانهم الموروثات القديمة، ونعني بها أفضل الأفكار والطرائق الخاصة بالماضي. فقد تعلموا أن يكونوا عظماء، من خلال ربط أنفسهم بعظماء الماضي، واستيعابهم لأساليبهم وطرائقهم استيعابًا تامًّا. لا شك أن مجرد التقليد غير كافٍ، ولن يكون مفتقرًا للإبداع أبدًا. فلا بد للمرء أن يضيف لمسته الإبداعية، الخاصة به دون سواه، إلى جانب تمكُّنه من أعمال الماضي.

لهذا السبب، عندما تزور مَعرِضًا في أحد المتاحف لمشاهدة لوحات المناظر الطبيعية الصينية لفترة ما قبل الحداثة، ستبدو لك اللوحات، وهي مُعلقة جنبًا إلى جنب، متشابهة جدًّا لأول وهلة. لكنك بعد فحصها من كثبٍ، ستجد أن هذا الفنان قد طوَّر حركة فرشاة جديدة، وذاك ابتدع استخدامًا جديدًا لتخفيف الحبر بالماء، وثَمة آخر ابتكر أسلوبًا جديدًا في رسم الأشجار وثمارها. وبعد أن تألف عيناك هذا الأسلوب، وتصيرا أكثر حساسية، فإنهما تقدران على رؤية الاختلافات الدقيقة في لوحات المناظر الطبيعية، بما تشتمل عليه من مختلف الأساليب والطرائق البارعة في التعبير. ولكن حتى إن قدرت عيناك على رؤية الاختلافات الدقيقة بين اللوحات، فإنها ستدرك في الوقت نفسه ولادتها من رحم تقليد شائع في رسم المناظر الطبيعية، حيث يبني الفنانون بوعي على أعمال المعلمين الأقدمين.

(٤) افتراضات هذه الرؤية

جلب كونفوشيوس — في صياغته لرؤيته لمجتمع في غاية التناغم وحكومة رشيدة — مجموعةً من الافتراضات، كما يفعل جميع المفكرين الكبار؛ أي تصور عن العالم الذي وُلد فيه، والذي ساهم بقدر كبير في تشكيل رؤيته. وفي صميم هذا التصور، بحسب اعتقاد كونفوشيوس، تألف الكون من عالمين؛ أحدهما عالم البشر، والآخر عالم السماء والأرض (العالم الطبيعي). وعلى عكس عالم البشر، حيث افترض كونفوشيوس ضرورة فرض نظام فعَّال، تُباشر الواسطة البشرية حفظه (من خلال ممارسة الطقوس)؛ اتسم عالم السماء والأرض بإيقاع وتناغم جوهريين يحافظان — بتلقائية — على التوزان المثالي بين أجزائه. وهو نوع من الترابط المنسجم بين جميع المخلوقات. في الحقيقة، إحدى الوظائف المهمة للممارسات الطقسية في «المختارات» هي ضمان أن حركة عالم البشر وحركة عالم السماء والأرض تتفاعلان، وتدعم إحداهما الأخرى، مما ينتج تأثيرًا متبادلًا.

لذا لا وجود للرب في تصور كونفوشيوس عن الكون؛ أي ليس هناك إله خالق واحد، ولا كائن أو كِيان مسئول عن خلق الكون أو عملياته المستمرة. بل يعمل الكون من تلقاء نفسه، بآلية، كما كان وحتى هذه اللحظة منذ القِدم. ولا نقصد بذلك أن عالمًا روحيًّا عامرًا بأرواح الطبيعة والأسلاف لم يكن موجودًا بالنسبة لكونفوشيوس ولمعاصريه؛ فأرواح متعددة يمكنها مساعدة البشر في التحكم في الأنهار والحقول، والقرى والمدن، والعائلات والأنساب. لكن ليس هناك إله أو روح قادرة مطلقة مسئولة عن خلق ما هو كائن وما كان. في الحقيقة، لا يوجَد أي دليل نصي أو أثري في التقليد الصيني الأصلي يشير إلى الإيمان بما يمكن تسميته إلهًا خالقًا. إن التعارض بين المعتقدات التوحيدية الغربية المهيمنة والتقليد الصيني في هذا الأمر واضحٌ وضوح الشمس، ما دفع بعض الباحثين إلى الحديث عن وجود «فجوة كونية» تفصل بين الحضارة الصينية والحضارة الغربية.

لا يوجَد رب أو إله خالق واحد في كتاب «المختارات»، لكنه أشار إلى «تيان»، وهو مفهومٌ ظهر قبل ذلك في «كتاب التاريخ» و«كتاب القصائد»، وهو يشير إلى معبود سماوي، أو سلف من أسلاف شعب تشو ارتقى لرتبة الألوهية، حسبما يعتقد أغلب الباحثين. واتُّفق على ترجمة المصطلح ﺑ «السماء». يذكر المعلِّم، في محاوراته مع تلاميذه، أن «تيان»، أو السماء، تفهمه وتدرك صفاته الخاصة وإن لم يدركها حكام عصره (١٤: ٣٥)، وأنها حفظته عندما سجنه رجال كوانج لفترة وجيزة (٩: ٥)، وحفظته مرة أخرى عندما حاول هوان توي اغتياله (٧: ٢٣)، وأنها هجرته عندما مات تلميذه المفضل يان هوي (١١: ٩). لذا في غالبية المواضع التي ذُكرت فيها لفظة السماء في «المختارات» نجدها كينونة عالمة قائمة بشئون عالم البشر، وليست إلهًا خالقًا قديرًا، كما يتصف الرب في الغرب. ويمكنها أيضًا أن توفر إرشادًا أخلاقيًّا للبشر (٢: ٤)، حيث أشار المعلِّم إلى أنه توصل في النهاية إلى فهم «إرادة السماء» عندما بلغ الخمسين.

وهكذا يعمل الكون من تلقاء نفسه عفويًّا، حسبما يفترض كونفوشيوس، ويحقق تناغمًا متوازنًا (وأخلاقيًّا) بين أجزائه. وحده عالم البشر الذي يحتاج إلى تنظيم فعَّال. كانت السياسة والأخلاق قد وصلت إلى حالة يُرثى لها في عصر كونفوشيوس. وحلَّت الفوضى والاضطراب محل النظام السياسي الاجتماعي القياسي لبداية حكم أسرة تشو، الذي أطلق عليه كونفوشيوس وأتباعه اسم التاو أو الطريق. يتحدث أتباع المدرسة التاوية عن التاو أو الطريق أيضًا، لكن بمعانٍ مختلفة عما يستخدمه أتباع كونفوشيوس. التاو أو الطريق — بالنسبة إلى التاويين — مفهوم أوسع بكثير من النظام السياسي الاجتماعي؛ فهو يتجاوز النظام السياسي الاجتماعي، في الحقيقة، وحتى السماء والأرض. يصف الفصل الأول، من كتاب التاوية الكلاسيكي «تاو دي جينج» التاو بأنه «أم كل الموجودات». ولكن حيث إن النظام الجيد لم يعد قائمًا، فإن كونفوشيوس أملَ من أعماق قلبه، وآمن إيمانًا حارًّا، أنه يمكن إقامته من جديد. اعتقد كونفوشيوس أن الطريق يمكن استعادته من جديد، لكن مشروع الاستعادة يحتاج إلى جهد الرجال المستقيمين الصالحين.

(٥) خاتمة: قراءة كتاب كونفوشيوس «المختارات»

إن قراءة كتاب «المختارات» في المرة الأولى قد يشكِّل تحديًا للقارئ؛ لعدم وجود ترابط ظاهري واضح. فهو، على أي حال، ليس نصًّا محفوظًا سطَّره المعلم في غرفة دراسته، بل مجموعة من أقواله، حرَّرها آخرون على مدار الأجيال اللاحقة. لهذا يمكن أن يجد القارئ تعليقًا من كونفوشيوس عن الحكم وفقَ الفضيلة، متبوعًا بثانٍ عن حق الوالدين على الأبناء، متبوعًا بثالث عن الأهمية المتساوية للدراسة والتفكير. ولكن مع غياب الترابط الظاهري، فإن جميع الفقرات التي يبلغ عددها خمسمائة أو نحو ذلك تتناول — في رأيي، بشكل مباشر أو غير مباشر — واحدة من هاتين المسألتين؛ سمات الفرد الصالح، وسمات الحكومة الصالحة. هاتان المسألتان مترابطتان بشدة بالنسبة لكونفوشيوس. فلن تكون الحكومة صالحة، وفقًا لمفهوم «الصلاح» عنده، مع غياب المسئولين الصالحين. وفي الوقت نفسه، الحكومة — التي تسير على نهج الفضيلة والنموذج الأخلاقي — هي من تقود أفرادها إلى الصلاح، وإلى العلاقات المتناغمة فيما بينهم. ولو وضع القارئ هاتين المسألتين المرتبطتين الشاملتين في اعتباره — وهما سمات الرجل الصالح وسمات الحكومة الصالحة — لاتَّضح الترابط الكامن في الكتاب وفي تعاليم المُعلم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤