سلسة من المفاجآت

غادرت السيارة المعادي مسرعة، وبعد دقائق أصبحت على مشارف القاهرة.

فقال الدكتور: لقد فكَّرت أن أتصل بهم تليفونيًّا … وفي ميدان التحرير مكتب للتليفون. على الأقل لنطمئنَّ قبل وصولنا.

وصلوا إلى مكتب التليفون، ونزل الدكتور و«محب» وطلب الرقم، وبعد لحظات قال الموظف: كابينة رقم ٣.

أسرع الدكتور إلى الكابينة وأمسك بالسماعة … كان الجرس يدقُّ دون أن يسمع ردًّا … وبعد نحو دقيقة تأكَّد أن لا أحد هناك … ولن يرد أحد.

خرج الدكتور «مختار» من الكابينة وقد شحب وجهه … وقال ﻟ «محب» في اضطراب: لا أحد يرد … إن ذلك يُقلقني جدًّا.

محب: لا داعي للأفكار السوداء … لعلهم قد خرجوا في نزهة، أو دخلوا السينما أو المسرح فهيا بنا.

عاد إلى العربة وانطلقت بهم السيارة مسرعة بعد أن أخبر «محب» «تختخ» و«نوسة» أن أحدًا لم يرد.

كان الصمت يشمل العربة وهي تمضي على الطريق مسرعة … وكلٌّ منهم قد استغرق في تفكير عميق … ماذا حدث في الإسكندرية؟ هل استطاعت العصابة الوصول إلى عنوان أسرة الدكتور؟ وهل حصلت على الأشرطة التي تَبحث عنها؟ وهل حدث شيء للأسرة؟ والسؤال المُهم … ماذا في هذه الأشرطة؟

لم تكن هناك إجابة واحدة مُمكنة عن هذه الأسئلة … ووصلت السيارة إلى بنها ثم تجاوزتها والصمت يُخيِّم على السيارة عدا صوت الموتور … وكانت هناك سيارات كثيرة في طريقها إلى الإسكندرية … كلها تَتسابق للوصول إلى مدينة البحر والراحة … عدا سيارتهم التي كانت تسير مُسرعة تُسابق الزمن للوصول إلى منزل الدكتور «مختار» قبل أن تصل العصابة.

وأحست «نوسة» بالجوع … فهم لم يتعشَّوا بَعدُ … ومالت على شقيقها «محب» قائلة: إني جائعة … هل تقول لعمي الدكتور «مختار»؟

رد «محب»: لعلَّه سيقف في طنطا لإراحة السيارة كالمعتاد وفي إمكاننا في هذه الحالة أن نأخذ ساندوتشًا سريعًا …

ومضى الوقت واقتربت السيارة من طنطا. وأخذت «نوسة» تدعُو في سرِّها أن يقف الدكتور «مختار» ولكنه تَجاوز المدينة مسرعًا دون أن يتوقَّف … لقد كانت كل دقيقة لها قيمتها … ولكن فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد انفجر إطار السيارة، وأخذ الدكتور يُحاول إيقافها قبل أن تنقلب أو يحدث شيء. فانفجار الإطار والسيارة مسرعة غاية في الخطورة. ولحسن الحظ استطاع الدكتور «مختار» أن يوقف السيارة قريبًا من إحدى الاستراحات التي تقف عندها السيارات بعد طنطا … مباشرة.

أحسَّ الدكتور «مختار» بالضيق الشديد، ولكنه كظم غيظَه، ونزل معه الأصدقاء واتجهوا إلى الكازينو الصغير، فرأوا بجوارِه ميكانيكيَّ سيارات، وتقدم الدكتور من أحد العمال وطلب منه أن يركب الإطار الإضافي … وأعطاه مفتاح الشنطة التي بها الإطار.

اتجه الجميع إلى الكازينو. وطلبوا بعض السندوتشات والكوكاكولا حتى يتمَّ تركيب الإطار.

قالت «نوسة»: هل تُؤجر شقتك التي في الإسكندرية منذ زمن طويل يا دكتور؟

الدكتور: لا … لقد كنتُ أستأجِر شقة دائمة. ولكنِّي تركتُها هذا العام واستأجرت شقة أخرى …

نوسة: هذا لحُسنِ الحظ، وإلا كان في إمكان العصابة أن تعرف عنوانك من دليل التليفونات …

أحس الدكتور ببعض الاطمئنان وقال: في هذه الحالة لن تتمكَّن العصابة من معرفة العنوان مطلقًا.

نوسة: في إمكانها أن تعرف عن طريقنا نحن؛ فإذا كان هؤلاء المجرمون على قدر من الذكاء، فمن السهل عليهم أن يَتبعوا سيارتنا …

ما كادت «نوسة» تقول هذه الجملة، حتى أخذ الجميع يتلفَّتون حولهم، وقد خُيِّل إليهم أن جميع الجالسين في الكازينو من العصابة، وعاود القلق الدكتور فقام يستعجل الميكانيكي الذي كان منهمكًا في تركيب الإطار.

قال الدكتور: هل انتهيت؟

المنادي: آسف، إن المكان هنا مُظلم، لهذا فقد تأخرت قليلًا ولكن بعد دقائق سوف أنتهي.

عاد الدكتور إلى الأصدقاء الذين قد فرغوا من تناول طعامهم، فدفع الدكتور الحساب ثم اتجه الجميع إلى السيارة مرةً أخرى …

كان الميكانيكي قد انتهى فعلًا من تركيب الإطار، وأغلق حقيبة السيارة وسلَّم الدكتور المفاتيح. وانطلقت العربة مرةً أخرى تسابق الريح إلي الإسكندرية وقد ازدادت لهفة الجميع على معرفة ما حدث هناك …

كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة والنصف ليلًا عندما دخلوا الإسكندرية، وكان الدكتور يَسكُن في المعمورة … فكان ما زال أمامهم نحو نصف الساعة حتى يصلوا إلى هناك وأخذت السيارة تخطف الكورنيش خطفًا وكان هواء البحر الملحي الرطب يدخل من نوافذها المفتوحة، فأحس «تختخ» بنوعٍ من الاسترخاء. تمنَّى معه أن ينزل من السيارة ويتَّجه إلى الكورنيش ليسير وينسى هذه المغامرة كلها …

ولكن السيارة مضَت وسط زحام الكورنيش … والدكتور «مختار» يقودها مسرعًا فقد اقتربت الساعة التي يتَّضح فيها ما حدث …

أخيرًا دخلت السيارة المعمورة بعد أن عبرت مزلقان السكة الحديد واتَّجهت، مسرعة إلى فيلَّا الدكتور «مختار» … وكانت المفاجأة الأولى أن وجدوا الفيلا مُطفأة الأنوار، فهل نامت الأسرة؟! أم لم تَعُد بعدُ من نزهتها الليلة …؟

قال الدكتور وهو يدور بالسيارة ليقف: لحُسن الحظ أن معي مفتاحًا آخر للفيلا، وسنَعرف فورًا ماذا حدث.

أوقف الدكتور السيارة ثم فتح الباب وقفز خارجًا، وتبعته «نوسة» و«محب» أما «تختخ» … فقد أحسَّ بشيء ما … أحس أن هناك حركة في شنطة السيارة … خُيِّل إليه أنه سمع حركة خفيفة … فهل كانت وهمًا أو حقيقة! نزل «تختخ» وبدلًا من أن يصعد الفيلا، دار حول العربة، وفي الضوء الخفيف شاهد باب الشنطة يُفتَح … ثم يخرج منه رجل طويل القامة مفتول العضلات! كانت مفاجأة ﻟ «تختخ» … أذهلته … وانتهز الرجل الفرصة وضرب «تختخ» لكمةً طرحتْه أرضًا وأطلق ساقيه للريح. واستعاد «تختخ» توازنه بعد لحظات ثم جرى خلفه … ووجد نفسه يَصيح طالبًا النجدة … وبدأ عدد من المصيِّفين ينضمُّ للمُطارَدة … ولكن الرجل المفتول العضلات كان سريعًا كالسهم فسبق مطارديه جميعًا … ثم كانت المفاجأة الثانية عندما اتجه إلي البحر وبلا تردُّد ألقى بنفسه فيه …

كان البحر مظلمًا … وسرعان ما اختفى الرجل ولم يستطع أحد متابعته … ولم يجد «تختخ» فائدة من الوقوف مع العشرات الذين اجتمعوا على البلاج … وقبل أن يسأله أحد عما حدث … استدار عائدًا …

عندما وصل «تختخ» إلي السيارة مرةً أخرى وجد الدكتور و«محب» يقفان معًا … فسألهما عن «نوسة» فقالا إنها في الفيلا.

قال «تختخ»: ماذا وجدتما؟

قال الدكتور بضيق: لا أحد فوق.

تختخ: وجهاز التسجيل والأشرطة؟

الدكتور: ليسَت فوق أيضًا!

تنفَّس «تختخ» الصُّعَداء وابتسم قائلًا: إذن كل شيء على ما يرام.

الدكتور: كيف؟

تختخ: إن العصابة لم تَعرف مكان الأسرة إلا منذ دقائق.

الدكتور: هل أنت مُتأكِّد؟

تختخ: متأكد جدًّا … فقد كانت العصابة تتبعنا من القاهرة عندما توقَّفنا في طنطا لإبدال الإطار. واستطاعت بطريقة ما أن تضع أحد رجالها في شنطة السيارة.

نظر الدكتور و«محب» … معًا إلى شنطة السيارة التي كانت ما تَزال مفتوحة وقالا في نفَس واحد: وأين الرجل؟

تختخ: للأسف الشديد استطاع الفرار … فقد سمعتُ صوت حركتِه ونزلت دون أن أتوقَّع أن أجده … وأذهلتْني المُفاجأة فاستطاع الرجل أن يَلكمني لكمة قوية وأطلق ساقَيه للريح وقد جريت خلفه وساعدني بعض المصطافين ولكنَّنا لم نلحق به؛ فقد ألقى بنفسه في البحر واختفى في الظلام.

ومدَّ «تختخ» يده إلى اللطمة التي أصابت فكَّه، فاقترب الدكتور منه ومدَّ يده يتحسَّس فك «تختخ» ويُديره ثم قال: الحمد لله ليس هناك كسور … هناك كدمة بسيطة تحتاج لبعض الكمادات.

صعد الجميع إلى الفيلا، وكانت «نوسة» تَجلس في الشرفة تستمتع بهواء البحر بعد الرحلة المُتعبة …

قال الدكتور وهم يجلسون بجوارها: إنَّ العصابة الآن تعرف مكاننا، ولعلَّها ستُجرِّب الليلة أن تسطو على الفيلا …

محب: لا أظن أنهم سيُحاولون الليلة أن يفعلوا شيئًا؛ فهم يعلمون أننا في انتظارهم.

الدكتور: وماذا نفعل الآن؟

نوسة: ليس علينا إلا أن نجلس وننتظر … فسوف تعود الأسرة بعد السهرة وسوف نجد جهاز التسجيل والشرائط، ونستمع إليها ونعرف ما فيها ونحل اللغز العجيب.

وقام الجميع بالاغتسال، ثم أعدوا بعض أكواب الشاي، وجلسوا ينتظرون عودة الأسرة، وكلٌّ منهم يفكر في الشرائط، وما قد تحمله من أسرار وأخبار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤