المطاردة

في أثناء عودتهم على الكورنيش قال الدكتور «مختار»: إنني جائع ولا بدَّ أنكما جائعان … فهيا نأكل بعض الساندوتشات فقد اقتربت الساعة من الثانية صباحًا …

كان هناك محلٌّ صغير على الكورنيش يَبيع الساندوتشات والكوكاكولا … فوقفوا بالسيارة عنده … وطلبوا الساندوتشات … وطلب «محب» من الرجل زجاجة كوكاكولا مثلَّجة ولكن الرجل اعتذر قائلًا: لقد فرغَت الكوكاكولا المثلجة … فقد شربها كلها الأستاذ «مدحت» وضيوفه.

مدحت؟! لم يَكدْ «محب» يسمع اسم «مدحت» حتى تذكر العريس فسأل الرجل: الأستاذ «مدحت فراج»؟

الرجل: نعم … هل تعرفه؟

محب: أليس هو عريس الليلة؟

الرجل: تمامًا … لا بدَّ أنك تعرفه …

محب: هل كان هنا كما تقول؟ يا لها من مصادفة مُدهِشة.

الرجل: نعم … لقد اعتاد الأستاذ «مدحت» أن يمر ليلًا ليأكل عندي الساندوتشات ويشرب الكوكاكولا المثلَّجة … ومنذ أكثر من خمسة عشر عامًا لم يقطع هذه العادة أيام كان أعزب … وكان لطيفًا منه أن يمرَّ الليلة كالعادة … ولآخر مرة ليأكل الساندوتشات ويشرب الكوكاكولا هو وعروسه والمدعوون جميعًا … كانت لفتةً ظريفة منه … صحيح أنه لم يَأكُل لأنه تعشى في أحد المطاعم، ولكنه شرب زجاجة كوكاكولا وأعطاني جنيهًا كبقشيش.

كان «تختخ» يُفكِّر فيما يبغي عمله … أليس من الممكن أن يذهبوا الآن إلى شقة الأستاذ «مدحت» ويطلبوا جهاز التسجيل والأشرطة؟!

قال «محب» للدكتور و«تختخ»: لقد كان «مدحت» هنا منذ دقائق قليلة … لقد عاد حالًا إلى شقته وأقترح أن نذهب فورًا فهذه فرصتنا …

لم يتحمَّس الدكتور للاقتراح، ولكن تحت إلحاح «تختخ» و«محب» أدار السيارة، واتجه ثانية ناحية المنشية ولم تكن الشوارع مُزدحمة في هذه الساعة المتأخرة من الليل … وهكذا استطاع أن يقطع الطريق بسرعة إلى هناك … ولكنَّهم عندما وصلوا إلى المنزل … لم يكن هناك سوى سيارة تتحرَّك … ويبدوا أنها كانت السيارة التي حملت العروسين، فاقتربوا منها … ولكن لم يكن فيها عريس أو عروس، كان بها كما هو واضح بعض المدعوِّين …

نزل «تختخ» مسرعًا واقترب من السيارة … وتحدث إلى من فيها سائلًا عن الأستاذ «مدحت» وعروسه فردَّت إحدى السيدات: لقد صعدا الآن إلى الشقة … ثم دارت السيارة وانطلقت. ووقف «تختخ» وحيدًا يفكر … ماذا يُمكن عمله الآن … هل يصعد إلى الشقة ويدق الباب ويطلب جهاز التسجيل والشرائط … ولكن … هل يصح هذا؟ هل يصح أن يقلق العروسين في ليلة الزفاف ويطلب الجهاز … وبفرض أنه كان ثقيلًا وفعلها … هل يُصدقُه «مدحت» ويُعطيه الجهاز وهو لم يرَه من قبل؟!

عاد «تختخ» إلى السيارة، وروى للدكتور و«محب» ما حدث فقال الدكتور: لا يصحُّ مطلقًا أن تصعد إليهما الآن … وعلى كل حالٍ لقد عرفنا المكان. وغدًا صباحًا نَحضُر ومعنا زوجتي لنأخذ الأشرطة والجهاز …

ودارت السيارة. واتجهت رأسًا إلى المعمورة حيث شقة الدكتور. وفتح الباب … وكان الجميع نائمين … وسرعان ما خلع الثلاثة ثيابَهم ولبسُوا ثياب النوم … ودخلوا أَسرَّتهم. ولم تمض لحظات حتى كانوا قد استغرقوا في نوم عميق بعد تعب اليوم الطويل.

استيقظ «محب» متأخرًا في التاسعة … وكان الدكتور و«تختخ» ما زالا نائمَين … وبعد أن اغتسل، وبدأ في الإفطار قالت له زوجة الدكتور: لقد أبلغتُم الشرطة أمس … أليس كذلك؟

محب: لا، لم نُخطِر الشرطة … فحتى الآن ليس هناك شيء يمكن إخطار الشرطة عنه في الإسكندرية … وقد أخطرنا الشاويش «علي» في المعادي عن سرقة الأشرطة.

الزوجة: هل أنت متأكِّد أنكم لم تُخطرُوا الشرطة؟

محب: متأكد طبعًا فنحن معًا طوال الوقت، ولو أخطر أحدنا الشرطة لعلم الآخر …

قالت الزوجة في استغراب شديد: ولكن أحد ضباط الشرطة اتَّصل بي أمس وسألني عنكم.

توقف «محب» عن الطعام وقال: سأل عنا؟

الزوجة: نعم … بعد خروجكم بفترة ليلًا، اتصل بي ليعرف أين ذهبتم، فأخبرته بمكان الفرح ليُقابلَكم هناك.

أدرك «محب» فورًا أن هذا الضابط ليس إلا أحد أفراد العصابة … فسأل زوجة الدكتور: وهل قلتِ شيئًا عن جهاز التسجيل؟

الزوجة: ظننتُ أنكم رويتُم له القصة … فأخبرته أن جهاز التسجيل والأشرطة أخذته صديقتي «دولت» والدة العريس وأعطيته العنوان.

أحسَّ «محب» كأنَّ كارثة وقعت على رأسه … وأخذ يُبحلِق في وجه زوجة الدكتور في بلاهة شديدة … فلا شكَّ أن العصابة قد سبقتْهم إلى الأشرطة وانتهى اللغز إلى الأبد …

في تلك اللحظة ظهر الدكتور خارجًا من غرفة النوم، وبعد لحظات خرج «تختخ» وانضمَّا إلى «محب» والزوجة.

فقالت زوجة الدكتور: إنني أراك مُنزعجًا يا «محب» هل حدَث شيء …؟

محب: لقد حدثَت أشياء!

الدكتور: ماذا هناك؟ هل حدث شيء جديد؟

«محب»: حدث أن العصابة سبقتْنا إلى الأشرطة.

ثم روى «محب» للدكتور ما حدث … وكيف اتصلت العصابة أمس ليلًا وعرفت مكان الفرح.

سكَتَ الجميع لحظات ثم قال «محب»: أقترح أن نُسرع إلى منزل العروسين … على الأقل لنعرف ماذا حدث، فإذا كان في إمكاننا استعادة الأشرطة استعدناها … أو أبلغنا الشرطة. فعندنا الآن أسباب معقولة لإبلاغ الشرطة.

وافق الجميع على الاقتراح، فانتهوا من طعامهم مسرعين وانطلقوا بالسيارة إلى المنشية وكلهم شوق لمعرفة ماذا حدث.

كانت الساعة العاشرة تقريبًا عندما وصلوا إلى المنشية وتوجهوا إلى شقة الأستاذ «مدحت» العريس، الذي فتح الباب وهو لم يزَل بملابس النوم وقد بدا عليه الضيق، ولكنه دعاهم للدخول.

أسرع العريس ليلبس روبًا وجلسوا ثلاثتهم في الصالون وهم في حالة حرج شديد لأنهم ضيوف غير مرغوب فيهم في هذه الساعة.

بعد لحظات دخل العريس يحمل الشربات وجلس فقال الدكتور: آسف جدًّا لإزعاجك، إنني الدكتور «مختار» زوج السيدة «رجاء» صديقة والدتك والتي كانت في الفرح أمس.

بدا على العريس نوع من الدهشة كما لاحظَ «تختخ» وقال: أهلًا وسهلًا … لعلك حضرت لتسأل عن جهاز التسجيل؟

رد الدكتور في تردُّد: نعم، ولكن كيف عرفت …؟!

العريس: إن هذا الجهاز قد سبَّب لي إزعاجًا شديدًا، فأمس ليلًا بعد الفرح حضر لديَّ بعض الأشخاص وقالوا إنهم أقاربكم وطالَبُوني بالجهاز.

نظر الثلاثة بعضهم إلى بعض وأدركوا أن العصابة سبقتْهم ولكن الدكتور قال: وهل أعطيتهم الجهاز؟

العريس: الحقيقة أن الجهاز ليس عندي … لقد أخذتْه والدتي معها بعد الفرح أمس … وقد قلت لهم ذلك.

الدكتور: ومعه الأشرطة؟

العريس: طبعًا.

الدكتور: وأين تَنزل والدتك؟

العريس: إنها ووالدي وإخوتي ينزلون في فندق وندسور … ولكن لماذا تسألون؟ … ألم يَصلكم الجهاز عن طريق أقاربكم الذين زاروني أمس.

وقف الثلاثة وقال الدكتور: للأسف إنهم ليسُوا أقاربنا، ولا نعرفهم على الإطلاق.

قال العريس مُندهشًا: إذن لماذا طلبوا الجهاز؟

قال الدكتور وهو ينصرف مع الأصدقاء: هذه قصة طويلة، قد أرويها لك إذا تصادف وتقابلنا مرةً أخرى.

وفتح الدكتور الباب ليخرج فقال العريس: والشربات … اشربوا الشربات!

الدكتور: آسفين لن نستطيع شرب أي شيء … وعلى كل حالٍ مبروك.

ونزل الثلاثة السلالم مسرعين في الطريق إلى فندق وندسور، لم يكن الفندق بعيدًا فوصلوه بعد دقائق قليلة … واتجهوا مسرعين إلى موظَّف الاستقبال لسؤاله عن السيدة «دولت» … ومن معها … ولكن الموظَّف كان مشغولًا، فقد كان هناك عدد كبير من المصطافين يُحاولون الحصول على أماكن لهم في الفندق المزدحم …

وأخيرًا استطاع الدكتور أن يصل إلى الموظف، ويسأله، فقال الرجل في ضيق: هذه ثاني مرة أُسأل عن هذه السيدة … لقد انصرفَت ومن معها منذ قليل … ودفعت حسابها وانتهى الأمر.

الدكتور: ومَن الذي سأل عنها؟

الموظف: لا أدري يا سيدي، فليس هذا عملي، إنهم على كل حال مجموعة من الرجال وقد انصرفوا مُسرعين.

خرج الثلاثة ووقفوا أمام الفندق وقد انتابهم الضيق. لقد فعلُوا كل ما بوسعهم، ولكن هذا الجهاز العجيب يفرُّ من أيديهم كأنه يَهرُب منهم … وفجأةً خطرت ﻟ «محب» فكرة … لقد أسرع إلى منادي السيارات الذي يقف أمام الفندق وسأله عن السيدة دولت ومن معها، وهل كانت معهم سيارة فقال الرجل: نعم … إنَّ عندهم سيارة ماركة نصر … حمراء … وقد شحموها في محطة البنزين القريبة لأنهم عائدون إلى القاهرة من الطريق الصحراوي كما سمعتُ منهم … وقد سألني بعض الأشخاص عنهم.

محب: وهؤلاء الذين سألوا، هل معهم سيارة؟

الرجل: نعم، سيارة من طراز مرسيدس زرقاء، وقد أسرعوا بالانصراف خلف السيارة النصر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤